الترتّب

السيد محمّد رضا الشيرازي

الترتّب

المؤلف:

السيد محمّد رضا الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة هيئة الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٨

النقض بتقييد الامر بالمهم بامتثال الامر بالاهم

(سادسا) : ما في المباحث ـ أيضا ـ من النقض بما اذا قيد الامر بالمهم بامتثال الامر بالاهم لا بعصيانه ، فان تعدد الرتبة لا يجدي حتى عند القائل بالترتب.

وأجاب عنه : بأنه على تقدير الامتثال يكون فعل المهم غير مقدور في نفسه ، اذ الضد المقيد بوجود ضده ممتنع ، فيكون الامر به أمرا بالممتنع في نفسه ، بخلاف الامر بالضد حال ترك ضده ، اذ هو مقدور في نفسه.

وفيه : ان مقدورية (فعل الشيء) ـ أي المهم ـ حال (ترك الضد) ـ أي الاهم ـ انما تتم لو أخذ مطلقا وبما هو هو ، أما لو أخذ بما انه مأمور بضده ـ الاهم ـ فلا فرق بين الحالين في استحالة الشيء ـ أي المهم ـ لوجود المانع عنه ـ وهو الامر بضده الاهم ـ.

نعم : عدم قدرة المكلف على اتيان المهم ـ حين ترك الاهم ـ شرعي أما عدم قدرته عليه ـ حين الاتيان بالاهم ـ فهو عقلي لكن ذلك لا يكون فارقا لان المانع الشرعي كالعقلي ، وليس عدم القدرة شرعا باعتبار اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده ، بل باعتبار داعوية الامر بالاهم الى امتثاله وصرفه قدرة المكلف نحوه ، فلا يبقى للمكلف قدرة شرعية لصرفها في الاتيان بالمهم.

وبعبارة اخرى : داعوية الامر بالاهم الى امتثاله مساوقة لا فناء موضوع الامر بالمهم ـ شرعا ـ فيكون تقريب الامر بالاهم للمكلف نحو امتثاله مساوقا للتبعيد عن امتثال الامر بالمهم.

هذا ولكن سيأتي في أدلة الامكان عدم مانعية الامر بالاهم عن المهم فالكبرى ـ وهي ان المانع الشرعي كالعقلي ـ وان كانت مسلمة ، إلّا ان صغروية المقام

٦١

لها واندراجها تحت موضوع (المانع) ممنوعة فتأمل.

نزول الامر بالاهم الى مرتبة الامر بالمهم

(سابعا) : ما في المباحث أيضا من (ان الامر بالمهم وان لم يصعد الى مرتبة الامر بالاهم ، ولكن الامر بالاهم ينزل الى مرتبة الامر بالمهم ، فان العلة وان كانت أقدم من المعلول رتبة ، لكن معنى ذلك عدم تقيد العلة بالرتبة المتأخرة ، لا انها متقيدة بالرتبة المتقدمة ، بل لها اطلاق ، فيلزم فعلية الاقتضاءين في الرتبة المتأخرة) انتهى.

وفيه : انه لا يعقل تجافي المتقدم عن رتبته ، ليكون في المرتبة المتأخرة ـ كما هو في المرتبة المتقدمة ـ بداهة انه لا يكون التقدم والتأخر الا لملاك يقتضيهما ، ومع حصول ملاك التقدم في الشيء لا يعقل أن يحصل فيه ملاك التأخر أيضا ، اذ هو جمع بين المتنافيين ، كيف لا ..؟ والرتبة هي نحو وجود الشيء ـ على ما سبق ـ فما اتصف بنحو من الوجود كيف يكون موصوفا بنحو آخر منه؟

فمثلا : ملاك التقدم بالطبع أن لا يكون للمتأخر وجود الا وللمتقدم وجود ، ولا عكس ، فانه يمكن أن يكون للمتقدم وجود وليس للمتأخر وجود ، كالواحد والكثير ، فانه لا يمكن أن يكون للكثير وجود الا والواحد موجود ، ويمكن أن يكون الواحد موجودا والكثير غير موجود ، فوجود المتقدم بالطبع في الرتبة المتأخرة مساوق لتوقف الوجود عليه ، ـ بمقتضى كونه في الرتبة المتقدمة ـ وعدم توقفه عليه ـ بمقتضى كونه في الرتبة المتأخرة ـ كما ان وجود المتقدم بالعلية في الرتبة المتأخرة مساوق لاستناد الوجوب اليه وعدم استناده اليه وهو تهافت.

٦٢

نعم : لو لم يرد بالرتبة : الرتبة العقلية ، بل المعية الوجودية الخارجية أمكن اجتماع المتقدم مع المتأخر ، كالعكس لكنه لا يجدي في دفع كلام النهاية لكون مفاده : ان اجتماع الامرين في الوجود غير ضائر بعد التعدد الرتبي العقلي فيما بينهما.

والحاصل : انه ان اريد الرتبة العقلية الاصطلاحية فلا محصل له ، وان اريد الرتبة الوجودية الزمانية فلا يجدي ، اذ المحقق الاصفهاني لم ينكر ـ فيما نقله ـ اجتماع المتقدم مع المتأخر في الزمان بل تمسك باختلاف رتبة الامرين لدفع محذور التطارد بينهما.

ومن هنا يعلم : أنه لا بد من أن يراد بالمرتبة في كلام صاحب الكفاية (قده) : (التقدير) لا (الرتبة الاصطلاحية) ، فيكون مفاد كلامه : أنه على تقدير امتثال الامر بالاهم لا يتحقق التطارد بين الامرين ، لعدم وجود الامر بالمهم ، لانتفاء موضوعه أما على تقدير العصيان فيتطارد الامران لاجتماعهما في مرتبة وجودية واحدة.

الايراد الثانى

(ثانيها) :

ما نقله في (المباحث) من (ان الامر بالمهم معلول لعصيان الاهم ، وسقوط الاهم أيضا معلول لعصيان الاهم ـ أو ما هو لازمه وهو انتفاء الموضوع ولو بنحو الشرط المتأخر ـ لان العصيان كالامتثال سبب للسقوط ، فالامر بالمهم مع سقوط الاهم في رتبة واحدة لانهما معلولان لشيء واحد ، ففي رتبة الامر بالمهم لا أمر بالاهم كي يقتضي الامتثال ، فلا يتنافى الامران).

ولا يخفى أن هذا الايراد (ليس) مسوقا بلحاظ الزمان ليورد عليه بأن تحقق

٦٣

موضوع الترتب منوط بتعاصر فعلية الامرين ، فسقوط الامر بالاهم حين فعلية الامر بالمهم خروج عن موضوع الترتب (بل) هو مسوق بلحاظ الرتب التحليلية العقلية مع تعاصر فعلية الامرين خارجا.

ولكن يرد عليه :

أولا : ما سبق من أن ملاك التضاد هو المعية الوجودية ، فالاختلاف الرتبي لا يدفع التضاد ـ بعد تحقق المعية الوجودية الخارجية ـ.

ثانيا : ان سقوط الاهم ليس معلولا لعصيان الاهم ، كما أنه ليس معلولا لفوات الموضوع.

أما الدعوى الاولى : فلما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ من عدم علية العصيان لسقوط الامر.

وأما الدعوى الثانية : فلعدم العلية في الاعدام ، وواقع الامر هو انتفاء العلقة العلية بين وجود الموضوع ـ بالمعنى الاعم ـ وثبوت الامر بالاهم ، فالتعبير بكون انتفاء الموضوع علة لسقوط الامر بالاهم ليس حقيقيا ، بل هو مسوق على سبيل التقريب والمجاز.

ثالثا : سلمنا كون سقوط الاهم معلولا لفوات الموضوع ، لكن انتفاء الموضوع ليس لازما للعصيان ، بل العصيان مصاحب اتفاقي لفوات الموضوع ، وقد تقرر ـ في محله ـ ان الرتب لا تقتنص بالملازمة الدائمية ، فكيف بالصحابة الاتفاقية؟ فعلية الفوات للسقوط لا تقتضي علية العصيان ـ الملازم له ـ للسقوط.

اللهم إلّا أن يقال : بكفاية اتحاد المعاليل في طبيعي الرتبة ، وان لم تتحد في شخصها ، فالامر بالمهم وسقوط الامر بالاهم وان لم يكونا معلولي علة واحدة ليكونا في رتبة شخصية واحدة ، إلّا أن كونهما معلولين ـ ولو لعلتين مختلفتين ـ يسبغ عليهما وحدة الرتبة ، اذ كلاهما في رتبة معلولية لاحقة ، كما أن علتيهما في

٦٤

رتبة متقدمة سابقة ، فتأمل ـ.

رابعا : لو سلم كون سقوط الاهم معلولا لانتفاء الموضوع اللازم للعصيان لم يجد في المقام ، ضرورة تأخر المعلول عن علته واللازم عن ملزومه ، فيكون سقوط الاهم متأخرا عن عصيان الاهم برتبتين ، والمفروض أن وجود المهم متأخر عن عصيان الاهم برتبة واحدة ـ لمكان أخذه فيه ـ فيجتمع الامران في الرتبة السابقة على سقوط الامر بالاهم.

الايراد الثالث

(ثالثها) : ما نقله في المباحث من (أن ترتب الامر بالمهم على عصيان الامر بالاهم المترتب على الامر بالاهم مانع عن مزاحمته له ، اذ ما يكون وجوده في طول وجود شيء آخر يستحيل أن يكون مانعا عنه ، لانه ان كان مانعا في ظرف عدمه لزم مانعية المعدوم وان كان مانعا في ظرف وجوده فظرف وجوده هو ظرف ثبوت الاول في رتبة سابقة فمانعيته عنه خلف ، بل تستلزم أن يكون مانعا لنفسه ، واذا لم يكن الامر بالمهم طاردا للامر بالاهم فلا وجه لفرض العكس لان ملاك المطاردة هو التضاد ، ولو كان لتحققت المطاردة من الطرفين).

ويرد عليه أمور :

(الاول) عدم تسليم الطولية بين (الامر بالاهم) و (عصيان الامر بالاهم) لان العصيان معلول لعلله التكوينية الخاصة ، ولا يقع (الامر بالاهم) في سلسلة تلك العلل عادة.

وهذا الجواب يصح فيما لو أريد بالعصيان : مجرد الترك ، وأما لو أريد به الترك بما هو موصوف بكونه عصيانا ومخالفة لامر المولى فلا ، اذ المعصية الانتزاعية

٦٥

في طول الامر بالاهم ، باعتبار تقدمه عليها بالطبع ، اذ لا تحقق لها بدونه ، مع امكان تحققه بدونها ، وقد سبق ذلك.

(الثاني) ان وجود نسبة التضاد بين شيئين يمنع العلية بينهما ، لان رابطة العلية مستلزمة للتعاصر الزمني بين العلة والمعلول فيلزم منها فيهما اجتماع الضدين في آن واحد ، وهو محال. هذا في العلة التامة ..

وأما في غيرها فكذلك مع وجود ما رتب عليه غيره ـ كما هو كذلك في المقام ـ والامر بالاهم وان لم يضاد الامر بالمهم بالذات ، لكنه يضاده بالعرض لكونه معلولا لعلة مضادة لعلة الامر بالمهم ـ وهي ارادة الاهم التي تضاد ارادة المهم ـ ولا يعقل أن يكون معلول علة مضادة لعلة معلول آخر واقعا في سلسلة علل ذلك المعلول الآخر لانه يستلزم اجتماع الضدين بالنتيجة ، بمقتضى ارتهان وجود كل معلول بوجود علته.

وبعبارة أخرى : تضاد الارادتين (تبعا لتضاد المتعلقين) يستتبع تضاد الحكمين بالعرض ، فكيف يقع أحدهما في سلسلة علل الآخر؟

ومنه ينقدح عدم خلو هذا الوجه ـ المنقول في المباحث ـ عن المصادرة اذ مدعى صاحب الكفاية (قده) هو : مانعية التضاد في المقام عن الترتب ، فرده برافعية الترتب للتضاد مصادرة ، واختبر ذلك فيما لو أريد رفع التضاد بين السواد والبياض مثلا بترتب أحدهما على الآخر ، اذ مدعي التضاد يمنع وقوع الترتب ومع عدم وقوع الرافع لا يعقل الرفع بمقتضى قاعدة الفرعية.

هذا ولكن سيأتي عدم تحقق التضاد بين الامرين في أدلة القول بالامكان ، إن شاء الله تعالى.

وأما الايراد على هذا الوجه ـ المنقول في المباحث ـ باستلزامه للدور بتقريب : أن الترتب موقوف على عدم التضاد فتوقف عدم التضاد عليه دوري ففيه :

٦٦

أن نحوي التوقف مختلفان فأحدهما ثبوتي والآخر اثباتي ، ولا مانع منه ، نظير توقف الدخان على النار ـ ثبوتا ـ مع توقفها عليه اثباتا ونحوه جميع البراهين الإنّية التي ينتقل فيها من المعلول الى العلة.

(الثالث) انه كما يصح نعت كل من الضدين ب (المطاردة) لو لوحظا بما هما كذلك يصح نعت أحدهما المعين ب (الطرد) للآخر لو لوحظ سبقه في الوجود ـ لاهمية أو غيرها ـ اذ الضد السابق في الوجود يمنع ضده من التحقق ما دام موجودا. نعم يمكن أن يرتفع ـ بارتفاع علته ـ فيحل محله بديله.

والامر كذلك فيما نحن فيه ، اذ انقداح ارادة الاهم في نفس المولى مانع عن انقداح ارادة المهم في نفسه ـ لسراية التضاد من المتعلقين الى الارادتين ـ فلا يكون معه له مجال أصلا.

وعلى هذا : ففرض (التطارد) بين الارادتين مبني على ملاحظتهما بما هما هما وفرض (الطرد) مبني على ملاحظة انقداح ارادة الاهم المانعة عن انقداح ارادة المهم وهذا الامر مطرد في جميع الاضداد ، فقولنا (السواد والبياض ـ مثلا ـ متطاردان) مبني على ملاحظتهما بما هما هما وقولنا (السواد طارد للبياض) مبني على ملاحظة وجوده المانع من تحقق ضده ـ ما دام موجودا ـ.

ولعل المشكيني (رحمه‌الله) نظر الى الفرض الاول حيث منع الطرد من جانب واحد بقوله : (ان عدم طرد طلب المهم لطلب الاهم مع طرده له فرض غير متحقق ، لانه اذا فرض طرد طلب الآخر فلا محالة يحصل الطرد من الآخر أيضا) فتأمل.

وأما ما نقله المحقق الاصفهاني (قده) في تصوير الطرد من طرف الامر بالاهم فقط من (ان تمامية اقتضاء الامر بالمهم حيث أنها بعد سقوط مقتضي الاهم عن التأثير فلا يعقل أن يزاحمه في التأثير ، لكن الامر بالاهم لم يسقط بعدم التأثير عن

٦٧

اقتضاءه للتأثير ، ولذا لا يسقط الامر بالاهم بمقارنة عصيانه بل بمضي زمانه ، فحيث أنه بعد يقتضي التأثير فيزاحم المقتضي الآخر في التأثير).

ففيه : أنه ان اريد بالبعدية في قوله (ان تمامية اقتضاء الامر بالمهم بعد سقوط مقتضى الاهم عن التأثير) البعدية الزمانية فهو خروج عن موضوع الترتب ، لاشتراط تعاصر الفعليتين فيه ، وان اريد البعدية الرتبية فلا يجدي في ما رامه ، اذ الامران ان كانا ضدين كان التطارد بينهما من الجانبين وان لم يكونا ضدين لم يكن طرد أصلا ـ ولو من قبل أحدهما للآخر ـ فلا وجه لفرض الطرد من جانب الاهم فقط.

وبتقرير آخر : انه ان اريد اناطة اقتضاء الامر بالمهم بسقوط الامر بالاهم عن اقتضاء التأثير فهو ممنوع لخروجه بذلك عن موضوع الترتب ، وان اريد اناطته بسقوطه عن فعلية التأثير فهو مسلم لكنه يستلزم تعاصر الامرين فاما ان يكون التطارد من الجانبين ، واما ان لا يكون ثمة طرد أصلا.

هذا مضافا الى ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) بقوله :

(ان المقتضي وان كان في طرف الاهم موجودا ، لكنه لا يترقب منه فعلية التأثير بعدم مقارنته لعدم التأثير ، وإلّا لزم الخلف أو الانقلاب أو اجتماع النقيضين ، وما لا يترقب منه فعلية التأثير لا يزاحم ما له امكان فعلية التأثير بحيث لا يمتنع تأثيره ذاتا ووقوعا وبالغير) فتأمل.

ثم ان كلية ما ذكر في هذا الجواب ـ المنقول في المباحث ـ من استحالة مانعية ما يكون وجوده في طول وجود شيء آخر عنه لا تخلو من نظر ، وذلك لان الطولية بين شيئين أعم من العلية بينهما ، اذ ما يكون في طوله آخر ان كان بحيث يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم فهو علة والآخر معلول ، وان كان بحيث يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود فالآخر في طوله بلا علية ومعلولية فما يكون في طوله آخر ـ بدون وجود العلقة العلية بينهما ـ يمكن ـ في الجملة ـ

٦٨

وبتعبير آخر : ان عدم المعلول مع وحدته يتصور له حصص حيث انه تارة يستند الى عدم المقتضي وأخرى الى عدم الشرط وثالثة الى وجود الضد ، فربما يكون العدم المطلق بجميع حصصه مأمورا بطرده وربما يكون ببعض حصصه ووجود كل ماهية وان لم يعقد إلّا بسد باب عدمه بجميع حصصه لان الوجود الواحد ليس له حيث وحيث لتكون الماهية الواحدة موجودة من حيثية ومعدومة من حيثية ، لكنه ربما يكون باب عدمه من حيثية منسدا من باب الاتفاق او يفرض سده فيؤمر بسد عدمه بسائر حصصه ، فاذا كانت الحصة الملازمة لوجود الضد مأمورا بطردها من الطرفين كان مرجع الامرين الى الامر بطرد الحصتين المتقابلتين وهو محال ، واما لو كان الامر في أحد الطرفين بسد باب العدم وطرده بسائر حصصه في ظرف انفتاح باب عدم الحصة الملازمة لوجوده فلا أمر بطرد الحصتين المتقابلتين).

وقال المحقق العراقي (قدس‌سره) في نهاية الافكار ـ ضمن كلام له ـ :

(ان عمدة المحذور في عدم جواز الامر بالضدين هو لزوم ايقاع المكلف فيما لا يطاق بلحاظ اقتضاء كل واحد من الامرين لصرف القدرة نحو متعلقة ومن المعلوم ان هذا المحذور انما يكون اذا كان كل واحد من الامرين تاما بنحو يقتضي حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده ، اما لو كانا ناقصين أو كان أحدهما تاما والآخر ناقصا بنحو لا يقتضي إلّا حفظ متعلقه من قبل مقدماته وأضداده غير هذا الضد فلا محذور اصلا ، حيث لا يكون مطاردة بين الامرين في مرحلة اقتضائهما حتى يكون منشئا لتحير العقل ويصدق أن المولى من جهة أمره اوقع المكلف فيما لا يطاق ، وذلك لان الامر بالاهم حسب كونه تاما وان اقتضى حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده فيقتضي حينئذ افناء المهم أيضا ، ولكن اقتضائه لافناء المهم انما هو بالقياس الى حده الذي يضاق عدمه اليه لا مطلقا حتى بالقياس الى حدوده الأخر التي لا تضاد وجود الاهم.

٦٩

وحينئذ فاذا لم يكن الامر بالمهم ـ حسب نقصه ـ مقتضيا لحفظ متعلقه على الاطلاق حتى من الجهة المضافة الى الاهم بل كان اقتضاؤه للحفظ مختصا بسائر الجهات والحدود الأخر غير المنافية مع الاهم في ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل الاهم فلا جرم ترتفع المطاردة بينهما ، حيث أن الذي يقتضيه الامر بالاهم من افناء المهم بالقياس الى الحد المضاف عدمه اليه لا يقتضي الامر بالمهم خلافه ، وما اقتضاه الامر بالمهم من ايجاب حفظ متعلقه من سائر الجهات الأخر لا يقتضي الامر بالاهم افنائه من تلك الجهات فأمكن حينئذ الجمع بين الامرين ..).

ويرد على التقرير الاول ـ الذي أفاده المحقق الاصفهاني ـ امور :

(الاول).

ان وجود الشيء وان كان طاردا لجميع اعدامه المضافة الى اعدام مقدماته أو وجود اضداده ، إلّا أن طلب مثل هذا الوجود لا يقتضي طلب طرد تلك الاعدام لان الامر الشرعي ـ المتعلق بايجاد الاهم أو المهم ـ شيء وحداني لا تكثر فيه ، حسب ما قرر في مسألتي (الضد) و (مقدمة الواجب) فقياس الطلب الاعتباري بالوجودات التكوينية لا يخلو من نظر.

اللهم إلّا أن يراد بالاقتضاء : العقلي ـ لا الشرعي ـ ويساق البرهان المزبور بلحاظه ، لا بلحاظ الاقتضاء الشرعي.

(الثاني).

ان محذور الامر بطرد الحصتين المتقابلتين جار في الامر الترتبي أيضا ، وذلك لعدم سقوط الامر بالاهم بعصيانه ـ ما لم يفت الموضوع بعد كما هو المفروض في المقام ـ ففي ظرف العصيان يكون طلب الاهم مستلزما لسد باب عدمه بجميع حصصه ومنها الحصة الملازمة لوجود الضد المهم ، ومن الواضح ان طرد عدم الشيء لا يتحقق إلّا بطرد ضد ذلك الشيء ، فيكون المهم مأمورا بطرده ، وهكذا الامر في طرف المهم

٧٠

فيكون كل منهما مأمورا بطرده ، لكن لا مطلقا ، بل في هذه الحالة.

ولا فرق في استحالة الشيء ـ أو قبحه ـ بين لزومهما على كل تقدير ـ كما في الامر بالضدين مطلقا ـ أو على تقدير دون تقدير ـ كما في الامر المسوق على سبيل الترتب ـ اذ المحالية وصف لازم للمحال فلا ينفك عنه أبدا ، فلا يعقل ان يتحقق ولو على بعض التقادير كما لا يخفى.

وعلى هذا فقول المحقق الاصفهاني (لا منافاة بين قيام المولى .... الخ) أن أريد به عدم المنافاة مطلقا ففيه : ان الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية ، والمنافاة متحققة على تقدير العصيان ، وان أريد به عدم المنافاة المطلقة ففيه : ان عدمها لا يكفي في الحكم بالامكان ، اذ لزوم المحذور أحيانا كاف في الحكم بالاستحالة.

وفيه : ان الامر بطرد عدم المهم مشروط بعصيان الاهم ، ففي ظرف انعدام الاهم يكون المهم مأمورا بطرد عدمه ، ومن المقرر ان المشروط لا ينقلب مطلقا ، مطلقا ولو بعد تحقق شرطه ، وعلى هذا يكون الامر بطرد الاهم ـ الذي هو باب من أبواب عدم المهم ـ تحصيلا للحاصل ، اذ أخذ وجوب المهم في ظرف عدمه ، فلا يعقل الامر بطرده ، فلا يكون ثمة أمر بطرد الحصتين المتقابلتين ولو في تقدير العصيان.

اللهم إلّا أن يقال : انه وان صح ذلك بلحاظ الامر الشرعي ، إلّا أنه لا يصح بلحاظ الامر العقلي الواقع في سلسلة معاليل الامر الشرعي ، اذ العقل بعد تحقق شرط الواجب المشروط يأمر به منجزا بلا تعليق ، فيلزم من الامر الترتبي الشرعي أمر العقل بطرد الحصتين المتقابلتين ، وهو محال ، فتأمل.

(الثالث) :

لو فرض عدم استلزام الامر الترتبي للامر بطرد الحصتين المتقابلتين ، لكن يلزم منه حصول التناقض بين الامر بالمهم ـ عند تحقق مقدم شرطية وجوب المهم ـ والامر بطرد عدم الاهم مطلقا ، ولو كان عدمه معلولا لوجود المهم ،

٧١
٧٢

فعند تحقق مقدم الشرطية يكون المهم مأمورا به ـ لمكان تحقق شرطه ـ ومنهيا عنه لان الامر بالاهم (المفروض عدم سقوطه بمجرد العصيان) يقتضي حفظ متعلقه من جميع الجهات حتى من قبل وجود ضده المهم ، فيكون المهم منهيا عنه ، لانه باب من أبواب عدم الاهم ، فيكون المهم مصبا لاجتماع الحكمين المتضادين ، وهو محال.

(الرابع):

استحالة الامر بطرد الحصتين المتقابلتين المتحقق في مورد الامر بطرد عدم الاهم مطلقا ولو كان معلولا لوجود المهم ، وعدم المهم مطلقا ولو مع نشوه من وجود الاهم ، وبعبارة اخرى : الامر بالضدين مطلقا المستلزم بناء على الاقتضاء للامر بطرد عدمهما مطلقا ـ ليست بالذات ، بل هي استحالة عرضية تنشأ من انه تكليف بالمحال لعدم قدرة المكلف على الجمع بين الضدين ، وهذا محذور في المنتهى ، ومن انه تكليف محال لعدم تعلق الارادة ومبادئها بالمتضادين ، بسبب سراية التضاد من المراد الى الارادة ، وهذا محذور في المبدا ، ولا فرق في ترتب هذا المحذور في نظر العقل بين الامر بالضدين مطلقا ، أو على سبيل الترتب لوحدة الملاك في الاثنين فتأمل.

(الخامس) :

ان ملازمة وجود المهم لعدم الاهم ـ المنهي عنه حسب الفرض ـ مقتضية ـ على الاقل ـ لكون وجود المهم غير محكوم بحكم أصلا لاستحالة اختلاف المتلازمين في الحكم على ما قرر في محله ، فلا يمكن أن يكون وجود المهم متعلقا للوجوب الترتبي ـ فتأمل.

ويرد على التقرير الثاني ـ الذي أفاده المحقق العراقي ـ مضافا الى بعض ما تقدم :

انه وان كان للعقل أن ينتزع من المتعلق حيثيات وجهات متعددة ، وان يحلل

٧٣

الامر الشرعي الواحد الى أوامر متعددة ـ بمقتضى استلزام ارادة العقل للشيء مجموعة من الارادات الجزئية المتعلقة بطرد اعدامه المضافة الى اعدام مقدماته أو وجود أضداده ـ إلّا ان التكثير العقلي ـ للمتعلق أو الامر ـ لا يستلزم تكثر الشيء خارجا ، فان تعدد الجهات التحليلية العقلية لا يثلم الوحدة الخارجية للشيء ، بداهة امكان انتزاع عناوين متعددة من موجود واحد خارجي دون أن تنثلم بذلك وحدته الخارجية ، كما في مفاهيم صفات الجمال والجلال في الواجب ، وعناوين المعلوم والمقدور ونحوها في الممكن ، ومع انحفاظ الوحدة الخارجية للمتعلقين لا يجدي تعدد الجهات الانتزاعية في دفع التضاد القائم بينهما ، فيسري التضاد من المتعلقين الى الطلبين ، فلا يصح الامر بهما ولو على سبيل الترتب ، فما يظهر من المحقق العراقي (قده) من تكثير جهات المهم ، ودفع التنافي بين الامرين بذلك لا يخلو من تأمل.

مع انه لو فرض استلزام تعدد العناوين والحيثيات لتعدد المعنون لم يجد ذلك أيضا ، لمكان التركيب الانضمامي بين المعنونات ، وهو مانع عن الامر الترتبي بالضدين ، كيف لا؟ وقد ذكروا استحالة اختلاف المتلازمين في الحكم ، مع عدم وجود التركيب بينهما ، فكيف بالمتحدين؟

الايراد الخامس

(خامسها) ما أورده صاحب الكفاية (قدس‌سره) على نفسه قال :

«لا يقال : نعم ولكنه بسوء اختيار المكلف ، حيث يعصي فيما بعد بالاختيار فلولاه لما كان متوجها اليه الا الطلب بالاهم ، ولا برهان على امتناع الاجتماع اذا كان بسوء الاختيار ...».

٧٤

وفي (الوصول) : التمثيل للفقرة الاخيرة من كلام صاحب الكفاية (قدس‌سره) بما لو توسط الدار المغصوبة ، اذ حينئذ يتوجه اليه خطابا «لا تغصب بالخروج عن الدار» و «لا تغصب بالبقاء في الدار» فيكون كل من بقاءه وخروجه محرما مع انه لا يتمكن الا من أحدهما ، فتحريم كليهما تحريم للضدين اللذين لا ثالث لهما ، مما لا يخلو المكلف منهما على سبيل منع الخلو ، فكما ان تحريم الضدين الناشئ من سوء الاختيار غير مستحيل كذلك طلب الضدين الناشئ منه ـ انتهى.

ونحوه من أوقع نفسه في الاضطرار فدار أمره بين الموت جوعا وأكل الحرام.

وفيه :

(أولا) ان طلب المحال قبيح على الحكيم مطلقا ، ولو كان بسوء الاختيار.

والسبب في ذلك ان الامر انما يساق بداعي ايجاد الداعي في نفس العبد ، ويستحيل ايجاد الداعي نحو المحال في نفس المكلف ، اذ الداعي انما يمكن وجوده في ظرف الاختيار ، ولا يمكن ذلك بالنسبة الى المحال ، فتأمل ـ.

ويشهد له قبح خطاب المولى عبده بالمحال ولو كان ذلك بسوء اختياره ، فلو سقط العبد من شاهق لم يصح للمولى نهيه حال السقوط عن الارتطام بالارض ـ اذا لم يكن ذلك داخلا تحت قدرته ـ ولو نهاه والحال هذه عد عابثا عند العقلاء.

نعم لا مانع من نهيه عن ذلك من قبل ، اذ المقدور بالواسطة مقدور.

ولا فرق في ذلك بين كون الخطاب جزئيا شخصيا أو كليا قانونيا ، اذ المحال ـ أو القبيح ـ لا ينقلب عما هو عليه بمجرد تبديل صياغته اللفظية ، فخطاب العاجز ـ مثلا ـ حال عجزه قبيح مطلقا ، سواء كان بتوجيه الخطاب الشخصي نحوه ، أو بادراجه تحت كلي يستوعبه ويعمه.

٧٥

لا يقال : الامتناع بالاختيار لا ينافيه.

فانه يقال :

أولا : لا موضوع للقاعدة في المقام ، لارتهان تحققه بعدم وجود المندوحة ، وهي حاصلة في المقام ، اذ يمكن للمكلف أن يمتثل الامر بالاهم مما ينتفي به موضوع الامر بالمهم ، فلا يكون ثمة عصيان أبدا ، وعلي ذلك فلا (امتناع) في المقام.

وثانيا : ان الامتناع بالاختيار ـ وكذا الايجاب به ـ وان لم يناف الاختيار عقابا ، إلّا انه ينافيه خطابا ، ولا ملازمة بين استحقاق العقاب وجواز الخطاب فيمكن ثبوت الاول وانتفاء الثاني.

ولا ينافيه ما دل على عدم العقاب عند عدم بعث الرسول اذ انتفاء الفعلية أعم من انتفاء الاستحقاق ، ولفرض وجود الخطاب قبل طرو العجز ، ولان الرسول يعم الحجة الظاهرة والباطنة فتأمل.

هذا فيما كان الامتناع بالاختيار التسبيبي بأن كان الامتناع معلولا لعلله التكوينية الخارجة عن ارادة المكلف ـ وان انتهى بالاخرة اليها ، كما في صورة تعجيز المكلف نفسه عن امتثال الامر ـ أما لو كان الامتناع بالاختيار المباشري بأن كان الامتناع بسبب اختيار العصيان فلا ينافيه عقابا ولا خطابا ، بداهة جواز تكليف الكفار والعصاة ـ بل وقوعه ـ مع امتناع الاطاعة لعدم وجود عللها الارادية ، ومن المعلوم استحالة وجود المعلول بدون وجود علته التامة ، إلّا أن هذه الاستحالة لا تنفي استحقاق العقاب ، ولا جواز الخطاب ، كما هو واضح.

ولا يخفى ان المقام من قبيل الاول ، اذ الجمع بين الضدين محال تكويني ، فتأمل.

(ثانيا) : النقض بما ذكره صاحب الكفاية (قدس‌سره) من أنه لو صح

٧٦

طلب الضدين في صورة سوء اختيار العبد لصح طلب ذلك فيما علق على أمر اختياري في عرض واحد بلا حاجة في تصحيحه الى الترتب مع أنه محال بلا ريب ولا اشكال.

مثاله : ما لو قال المولى للعبد : ان زرت زيدا وجب عليك القيام والقعود في آن واحد. ونظيره ـ في غير طلب الضدين من سائر أنواع المحال ـ أن يقول : ان طلقت زوجتك وجب عليك الطيران في السماء.

(ثالثا) : ما ذكره المشكيني (قدس‌سره) من :

(ان الطلب المتعلق بالمحال محال فى نفسه ، لانه لا تنقدح ارادة الضدين في النفس مع العلم بالضدية .. فطلب المحال من المستحيلات الذاتية مثل اجتماع النقيضين ، لا لقبحه حتى يقال : بعدمه اذا كان بسوء الاختيار أو من غير الحكيم).

وأما التمثيل بمن توسط الدار المغصوبة ونحوه ففيه بحث طويل ، محله باب اجتماع الامر والنهي فراجع.

.. هذه بعض الاشكالات التي أوردت على الوجه الاول مما أفاده صاحب الكفاية (قدس‌سره) في استحالة الترتب ، وقد انقدح عدم نهوضها بدفع ما أفاده (قدس‌سره) ، وسيأتي تمام الكلام حول ذلك في أدلة القول بالامكان إن شاء الله تعالى.

الوجه الثاني : تعدد الاستحقاق

(الوجه الثاني) ـ مما أورد به على الترتب ـ :

٧٧

ان استحقاق العقوبة على مخالفة الامر المولوي لازم عقلي للمخالفة ، وهو غير قابل للوضع بالذات. ولا للرفع كذلك.

أما الاول فلانه تحصيل للحاصل.

وأما الثاني فلانه تفكيك بين اللازم وملزومه.

نعم للشارع وضع الاستحقاق بالعرض بوضع منشأ انتزاعه وله رفعه كذلك برفع منشأ انتزاعه ، كما في كل أمر انتزاعي.

وعليه نقول :

لو كان هناك أمران فعليان مولويان فيما نحن فيه لزم استحقاق المكلف عقابين لو خالف الامرين ، وهو بمعنى استحقاق العقاب على ترك ما لا يكون داخلا تحت قدرة المكلف ـ أعني أحد الفعلين ـ مع ان مناط حسن العقوبة هو : القدرة على الامتثال ، بل يلزم منه استحقاق عقوبات غير محصورة للمكلف التارك لمجموع الاوامر الترتبية المتكثرة مع عدم القدرة الا على امتثال أحدها.

فعدم تعدد الاستحقاق كاشف اني عن عدم تعدد الامر.

وقد قرر هذا الوجه المحقق النائيني (قدس‌سره) على نحو مانعة الجمع بقوله :

(القائل بالترتب لا يخلو من أحد أمرين اما الالتزام بتعدد العقاب على تقدير عصيانهما معا والاشتغال بفعل آخر ، أو الالتزام بعدم استحقاق العقاب على ترك الواجب المهم.

أما الاول فلا سبيل له اليه ، فانه كما لا يمكن تعلق التكليف بغير المقدور كذلك لا يمكن العقاب عليه أيضا ، وبما ان المفروض هو استحالة الجمع بين المتعلقين يستحيل العقاب على تركهما معا.

وأما الثاني فهو يستلزم انكار الترتب وانحصار الامر المولوي بخطاب

٧٨

الاهم وكون الامر بالمهم ارشادا محضا الى كونه واجدا للملاك حينئذ ، ضرورة انه لا معنى لوجود الامر المولوي الالزامي وعدم ترتب استحقاق العقاب على مخالفته).

النقض بموارد الواجبات الكفائية

ويرد على هذا الوجه أمور :

(الاول) : ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) من النقض بموارد الاوامر الكفائية التي لا يمكن صدور الواجب فيها الا من بعض المكلفين على البدل ، مع ان جميع المخاطبين يستحقون العقاب على مخالفته ، فكما ان استحالة صدور الواجب عن جميع المخاطبين دفعة واحدة ـ لفرض امتناع الواجب بطبعه عن الاشتراك فيه ـ وتدريجا ـ لفرض سقوط الامر بامتثال بعض المكلفين وعدم بقاء الموضوع لامتثال الباقين ـ لا تنافي توجه الخطاب الى الجميع وصحة عقابهم على تقدير العصيان كذلك الحال في المقام ، فلو كان تعدد العقاب عند تعدد العصيان مع عدم امكان ازيد من الاطاعة الواحدة مستلزما لان يكون العقاب على غير المقدور لامتنع تعدد العقاب في التكاليف الكفائية أيضا.

وقد يورد عليه :

أولا : بما في (المباحث) من ابراز الفرق بين المقامين فانه توجد قدرات متعددة بعدد المكلفين في الواجب الكفائي ، اذ القدرة عرض متقوم بالمحل ، فمحلها ان كان أحد المكلفين تعيينا فهو ترجيح بلا مرجح ، وان كان الجامع فلا وجود له بحده الجامعي في الخارج ، ومثله الفرد المردد ، فلا محيص من أن يقال بقيام القدرة بكل واحد منهم غاية الامر ان اعمال كل منهم لقدرته فرع عدم

٧٩

المزاحم الخارجي الذي منه سبق غيره الى الامتثال ، وهذا بخلاف المقام اذا ادعي وجود قدرة واحدة قائمة بالمكلف الواحد على الجامع بين الضدين أي أحدهما.

وفيه : جريان نظيره ـ لو سلم ـ في المقام أيضا ، اذ المفروض توفر القدرة لدى المكلف الموجه اليه الخطاب الترتبي ، فمصب القدرة ان كان واحدا من متعلقي الخطابين تعيينا فهو ترجيح بلا مرجح ـ وهو آيل الى الترجح بلا مرجح المساوق لوجود المعلول بدون وجود علته ـ وان كان الجامع فلا تحقق له في الاعيان ، وان كان الفرد المردد فلا وجود له لا خارجا ، لان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ، فكل شيء هو هو ، لا هو أو غيره ، ولا ذهنا لان الذهن مرتبة من مراتب الخارج ، والتقابل بين الذهن والخارج انما يحصل بقياس أحدهما الى الآخر وإلّا فالوجود مساوق للخارجية والموجود في الذهن انما هو المردد بالحمل الاولي ، لا المردد بالحمل الشائع ، ولذا لا يوجب صدقه عليه واندراجه فيه ، لان ملاكهما الشائع لا الاولي كما لا يخفى. فلا محيص عن تعلق القدرة بالاثنين.

وبتقرير آخر : القدرة يمكن أن تطلق على معنيين :

أحدهما : صرف المقتضي ـ كوجود القوة العضلية على العمل ، في قبال من أصيب بالشلل مثلا ـ.

وثانيهما : المقتضي منضما الى عدم المانع.

وعلى كل تقدير فلا فرق بين الوجوب الكفائي والترتبي ، اذ لو أريد المعنى الاول فالقدرة متوفرة في المقامين ، لوجود القوة العضلية عند كل واحد من المكلفين في الواجب الكفائي ، وعند المكلف على كل واحد من المتعلقين فى الواجب الترتبي ، ولو أريد المعنى الثاني فالقدرة مشروطة في كلا المقامين ، اذ قدرة كل مكلف على أداء الواجب الكفائي الذي لا يتحمل التكرار مشروطة بعدم

٨٠