الترتّب

السيد محمّد رضا الشيرازي

الترتّب

المؤلف:

السيد محمّد رضا الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة هيئة الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٨

فراجع وتأمل.

الامر الثانى

ـ مما يرد على اناطة الامر بالمهم بعصيان الامر بالاهم على نحو الشرط المقارن ـ ما في (التهذيب) من انه قبل وجود الشرط لا يمكن تحقق المشروط ، فلا بد من تحققه في زمانه حتى يتحقق مشروطه ، والعصيان عبارة عن ترك المأمور به في مقدار من الوقت يتعذر عليه الاتيان به بعد ، ولا محالة يكون ذلك في زمان ، ففوت الاهم المحقق لشرط المهم لا يتحقق إلّا بمضي زمان لا يتمكن المكلف من اطاعة أمره ، ومضي هذا الزمان كما انه محقق فوت الاهم محقق فوت المهم أيضا ، ولا يعقل تعلق الامر بالمهم في ظرف فوته ، ولو فرض الاتيان به قبل العصيان يكون بلا أمر ، هذا في المضيقين ومنه ينقدح حال المختلفين أيضا ، فظهر ان سقوط أمر الاهم ، وثبوت أمر المهم في آن واحد فأين اجتماعهما؟ وان شئت قلت : ان اجتماعهما مستلزم لتقدم المشروط على شرطه أو بقاء فعلية الامر بعد عصيانه ومضي وقته.

ويرد عليه :

ان ما يتوقف على انقضاء أمد ما هو (انتزاع العصيان) لا (نفس العصيان) فلو قال المولى (صم من الفجر الى المغرب) لم يمكن انتزاع العصيان في الآن الاول ـ أي آن شروق الفجر الحقيقي ـ ، أما لو انقضى ذلك الآن ولم يتلبس المكلف بالصوم فانه يمكن انتزاع العصيان ، لكن العصيان كان متحققا في نفس آن الامر حقيقة ، لان العصيان عبارة عن عدم الاتيان بالمأمور به ـ في المحل القابل ، وهو غير مثل الغافل ـ وهو ثابت منذ ذلك الآن.

١٦١

والحاصل : ان تحقق العصيان منوط بانقضاء الاجل اثباتا لا ثبوتا.

(مع) ان تعليق حصول العصيان بمضي زمان امكان الامتثال مستلزم للخلف ، اذ الامر المتحقق بالفعل يمكن امتثاله وعصيانه ، وأما الامر الذي انقضى وقته ولزم أجله فلا باعثية له ، بل لا وجود له فلا يتصور بالنسبة اليه امتثال ولا عصيان ، ففرض انقضاء أمد الامر في آن مساوق لعدم تحقق العصيان في ذلك الآن.

(مضافا) الى ان انتفاء النقيض ـ أي عدم العصيان ـ في الآن الاول مستلزم لثبوت البديل ـ وهو العصيان ـ فيه ، اذ لا يخلو من النقيضين شيء.

(ثم) انه يمكن اجتماع الامرين ولو فرض كون العصيان متوقفا على مضي الزمان اذا أخذ العصيان على نحو (الشرط المتأخر) للامر بالمهم .. إلّا أن يقال : ان كلام التهذيب مسوق طبق مبنى المحقق النائيني (قده) القائل باستحالة الشرط المتأخر .. لكنه لا يجدي في اثبات استحالة الترتب على نحو مطلق.

إلّا ان هذا الفرض خروج عن موضوع البحث ـ وهو أخذ العصيان على نحو الشرط المقارن ـ كما لا يخفى.

الامر الثالث

مما يرد على اناطة الامر بالمهم بالعصيان على نحو الشرط المقارن ، هو فلا ثبوت له في ظرف العصيان ـ لتعاصر العلة والمعلول زمانا ـ فيلزم من ثبوته فيه اجتماع ثبوته وسقوطه ، فلا يجتمع مع الامر بالمهم في ذلك الآن ، وذلك مخرج له عن موضوع الترتب المتقوم بتعاصر الامرين الفعليين في زمان واحد.

ويرد عليه : عدم تسليم كون العصيان علة لسقوط التكليف.

١٦٢

أما أولا : فلان العصيان اما ان يكون حيثية عدمية ـ كما في عصيان الامر بالصلاة ـ واما أن يكون حيثية وجودية ـ كما في عصيان النهي عن الغيبة ـ.

فان كان حيثية عدمية فليس دخيلا في سقوط الامر ، اذ ليس في الاعدام من علية ـ ولو لعدم في عدم ـ وان بها فاهوا فتقريبية.

مع أن سقوط الامر عبارة عن انعدامه ، والاعدام لا تتأثر ـ كما انها لا تؤثر ـ لتبعية تحقق مفاد كان الناقصة لمفاد كان التامة اذ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، ولا ذات للعدم كي يطرأ عليها التأثير أو التأثر.

ومنه ينقدح الجواب عما اذا كان العصيان حيثية وجودية.

مضافا الى لزوم تحقق السنخية ـ ولو في الجملة ـ بين العلة والمعلول ، ولا سنخية بين الحيثية الوجودية والسقوط العدمي.

ثم انه لو قيل بكون العصيان حيثية عدمية دائما لكونه عبارة عن عدم موافقة المأمور به تمحض الجواب في الشق الاول.

وأما ثانيا : فلان وجود الشيء مرهون بوجود علته ، وعدمه بعدم علته ، لا بمعنى علية العدم للعدم وثبوت العلقة العلية بين العدمين ، لما سبق من أن العدم لا يكون مؤثرا ولا متأثرا ، بل بمعنى انتفاء العلقة العلية بين الوجودين ، ولذا كان ما اشتهر بينهم من أن عدم العلة علة لعدم المعلول مقولا على ضرب من التقريب والعناية ، وعليه : يكون انتفاء علة ثبوت الامر علة لسقوطه.

ومن الواضح : ان وجود الموضوع ـ بالمعنى الاعم للموضوع المتقوم بمجموع الملابسات المكتنفة بالمأمور والمتعلق والشرائط والخصوصيات ونحوها ـ هو علة وجود الامر ، فيكون انتفاؤه علة لسقوطه (سواء كان انتفاء الموضوع معلولا لانعدام جميع مقومات وجوده أو بعضها ، وذلك لارتهان وجود الشيء بانسداد جميع أبواب العدم عليه ، وكفاية انفتاح باب واحد منها في عدم وجوده ، بل

١٦٣

في امتناع وجوده ، لان الشيء ما لم يمتنع لم يعدم).

وعلى هذا : يكون دخل العصيان في سقوط الامر مستلزما للخلف أو تحصيل الحاصل أو توارد علتين مستقلتين على معلول واحد بتقريب : ان اسقاطه له ان كان قبل فوات الموضوع لزم الاول لعدم تحقق العصيان بعد ، وان كان بعد فواته لزم الثاني لسقوط الامر بانعدام موضوعه ، فلا يمكن سقوطه مرة أخرى ، وان كان معه لزم الثالث ، لعلية الفوات للسقوط ـ بالمعنى الذي تقدم لذلك ـ فلا يعقل علية غيره له أيضا.

(هذا) كله مضافا الى بعض ما تقدم في الامر الثاني فراجع.

الفرض الثانى

ان يناط الامر بالمهم بالعصيان على نحو الشرط المتقدم.

وهو مستحيل بناء على استحالة اناطة الشيء مطلقا بما يتقدم عليه كاستحالة اناطته بما يتأخر عنه ـ للزوم تأثير المعدوم في الموجود كما ذهب اليه صاحب الكفاية (قدس‌سره) ـ.

وذلك لاندراج المقام في الكلي المذكور.

وأما بناء على الامكان فهو وان لم يكن مستحيلا في حد ذاته ، لجواز طلب أحد الضدين ـ كالطهارة الترابية ـ بعد سقوط طلب الضد الآخر ـ كالطهارة المائية ـ ، وذلك لعدم جريان المحاذير المذكورة في المقام فيه ، إلّا أنه خروج عن موضوع الترتب ، لاشتراط تعاصر الامرين الفعليين فيه ـ أو ما بحكم التعاصر على ما سيأتي ـ ومع تحقق العصيان وانتهاء أمده ينتهي أمد الامر بالاهم فلا تتعاصر فيه الفعليتان ولا تترتب عليه المحذورات المتصورة للترتب.

١٦٤

تقريره : أن امتداد العصيان مطابق لامتداد الامر ، فاذا كان الامر بالمهم متعقبا لعصيان الامر بالاهم كان الامر بالمهم في طول الامر بالاهم بلحاظ الزمان ، ففي ظرف العصيان لا وجود للامر بالمهم المتعقب له ، اذ يلزم من وجوده فيه مقارنة المشروط لشرطه السابق عليه ، وهو خلف ، لفرض تأخره عنه ، وكذا في الظرف الذي يسبق العصيان ، اذ يلزم من وجوده فيه سبق المشروط على شرطه السابق عليه وفي الظرف الذي يلي العصيان لا وجود للامر بالاهم ، اذ فيه : ان تحقق موضوع الامر بالاهم لزم عدم كون العصيان عصيانا ، اذ مع بقاء الموضوع لا عصيان ، وان انتفى الموضوع فبقاء الامر بالاهم مساوق لبقاء المعلول بعد انتفاء علته ، مع احتياج المعلول الى علته في البقاء ، كاحتياجه اليها في الحدوث ، تبعا للااقتضاء والليسية الذاتية اللازمين لماهية الممكن. والتوالي بأسرها باطلة ، فالمقدم مثلها.

ومما تقدم يظهر أنه لا بد في هذا الفرض من انفكاك زمان الواجبين ، بأن يكون زمان الاهم سابقا على زمان المهم واما تقارن الزمانين فهو مستلزم للخلف وذلك لاتحاد زمان الامرين وامتثالهما وعصيانهما فلا يكون ثمة سبق للعصيان على الامر بالمهم ليكون شرطا متقدما بالنسبة اليه ، وعلى مبنى سبق الامر على امتثاله وعصيانه يكون عصيان الاهم لاحقا للامر بالمهم ـ لفرض وحدة زمان الامرين ـ فيكون شرطا متأخرا بالنسبة اليه لا متقدما كما هو المفروض.

هذا ولكن سبق في الشرط العاشر من شرائط تحقق الموضوع التنظر في ذلك فراجع.

الفرض الثالث

أن يناط الامر بالمهم بالعصيان على نحو الشرط المتأخر ، قال المحقق النائيني (قده) ـ بصدد نقل كلام بعضهم ـ : (ان عصيان الامر بالاهم متحد مع زمان امتثال

١٦٥

خطاب المهم ، فلا بد من فرض تقدم خطاب المهم على زمان امتثاله ، وهو يستلزم الالتزام بالشرط المتأخر والواجب المعلق ، وكلاهما باطل).

وفي (المباحث) : (وأما أخذ العصيان بنحو الشرط المتأخر فلانه يستلزم القول بامكان الشرط المتأخر والواجب المعلق ، اذ يستلزم أن يكون الامر بالمهم متقدما زمانا على زمان عصيان الاهم ـ الذي هو زمان امتثال المهم أيضا ـ فيكون كل من الشرط والواجب في الامر بالمهم متأخرا عنه ، وهو مستحيل).

أقول : محذور (الشرط المتأخر) يرد بلحاظ اناطة الوجوب ب (العصيان المتأخر) ومحذور (الواجب المعلق) يرد بلحاظ سبق زمان وجوب المهم على زمان امتثال المهم ، بتقريب : ان عصيان الاهم متأخر عن وجوب المهم ـ لفرض كونه شرطا متأخرا ـ فيكون زمان امتثال الاهم متأخرا ـ اذ لا يعقل انفكاك زمان الامتثال عن زمان العصيان ـ واذا كان زمان امتثال الاهم متأخرا كان زمان امتثال المهم متأخرا أيضا ، للزوم تعاصر الزمانين في الترتب ، فيلزم كل من الشرط المتأخر ـ لتأخر زمان عصيان الاهم عن زمان وجوب المهم المشروط به ـ والواجب المعلق ـ لتقدم زمان وجوب المهم على زمان امتثاله ـ.

ولكن يرد عليه :

أولا : ما قرر في محله من معقولية كل من (الشرط المتأخر) و (الواجب المعلق).

ثانيا : عدم كلية ما ذكروه من (لزوم التعليق) في اناطة الامر بالمهم بالشرط المتأخر اذ يمكن فرض وقوع التزاحم بين واجبين ـ أحدهما مهم والآخر أهم ـ في زمانين بحيث لا تفي قدرة المكلف بالجمع بينهما ، مع سبق زمان المهم على زمان الاهم ، ومقارنة زمان امتثال المهم لزمان وجوبه ، فيأمر المولى باتيان الاهم في الزمان اللاحق ، معلقا الامر بالمهم في الزمان السابق على عصيان الامر بالاهم

١٦٦

في الزمان اللاحق ، فلا يكون ثمة تعليق في الواجب لتقارن زمني الوجوب والواجب.

لكن لا يخفى ان تحقق العصيان خارجا في هذا الفرض يتوقف على مضي الزمان ، اذ لا عصيان قبل زمان الامتثال ـ وان كان تحققه فيما بعد منكشفا من حين فعل المهم ، لما فرضناه من عدم وفاء القدرة بالجمع ، فلا قدرة على فعل الاهم في حينه ، لاستنفاذ المهم قدرة المكلف من قبل ، لكن عدم القدرة هنا غير مناف لكون الترك عصيانا ، لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

و (أما) ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) من اناطة امكان المشروط بالشرط المتأخر بامكان المعلق لاتحاد ملاك الاستحالة والامكان فيهما ، فيتوقف تصحيح جريانه في الفرض المذكور على امكان المعلق (فقد) سبق التأمل في اطلاقه ، وانه لا يتم إلّا بناء على بعض الوجوه في تقرير استحالة المعلق ، أما على بعض الوجوه الأخر فيمكن القول باستحالة المعلق ، مع الذهاب الى امكان المشروط بالشرط المتأخر ، وعليه يمكن تصحيح جريان الترتب في الصورة المفروضة دون حاجة الى القول بامكان المعلق (مع) ان الكلام في فعلية التعليق لا في امكانه.

ثم انه قد انقدح مما ذكر عدم لزوم التعاصر بين الامرين في تحقق موضوع الترتب ، بل يكفي كونهما بحكم المتعاصرين وان لم يتعاصرا اطلاقا كما في الفرض المذكور في صورة تأخر وجوب الاهم ـ كنفس الاهم ـ عن زمان المهم وعدم تقارنهما ، فتأمل.

الفرض الرابع

ان يناط الامر بالمهم بالعزم على العصيان أو عدم العزم على الامتثال وقد أورد على هذا الفرض بأمرين :

١٦٧

الاول : ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) من :

(انه مبني على معقولية الواجب المعلق وجواز انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب ، ويزيد شرطيتهما بنحو الشرط المتقدم على الاشكال المتقدم بلزوم تعقل الشرط المتقدم أيضا اذا كان شرطا لوجوب المهم بعد العزم وقبل زمان الفعل ، وإلّا فأحد المحذورين لازم على كل حال).

وتوضيحه : ان أخذ العزم على العصيان شرطا لفعلية الامر بالمهم يؤدي الى محذور الواجب المعلق أو الشرط المتقدم أو كليهما معا وذلك لما في (المباحث) من : (ان الامر بالمهم ان كان في زمن العزم على العصيان ـ المتقدم على زمان العصيان ـ كان فيه محذور الواجب المعلق ، لان زمان الواجب المهم انما هو زمان العصيان المتأخر ـ بحسب الفرض ـ عن زمان العزم على العصيان ، فاذا كان زمان العزم هو زمان الامر بالمهم كان من الواجب المعلق لا محالة ، وان فرض ان زمانه زمان العصيان المتأخر عن زمان العزم كان فيه محذور الشرط المتقدم لان العزم متقدم زمانا على الوجوب المشروط ، وان فرض ان زمان الوجوب متخلل بين زمان العزم وزمان العصيان لزم المحذوران معا).

أقول : ما ذكره (قده) مبني على حصر غير حاصر في محتملات أخذ العزم على العصيان شرطا ، مع ان للمسألة صورا متعددة.

اذ يمكن أخذ العزم شرطا متقدما دون تعليق الواجب ، كما في صورة أخذ (العزم السابق على زمن وجوب المهم) شرطا مع مقارنة زمن وجوب المهم لزمن الواجب ـ أي المهم ـ.

وأخذه شرطا متقدما مع تعليق الواجب ، كما في الصورة السابقة ، مع تخلل وجوب المهم بين زمن الشرط وزمن الواجب.

وأخذه شرطا مقارنا دون تعليق الواجب ، كما في صورة أخذ (العزم المقارن

١٦٨

لزمن وجوب المهم شرطا) ، مع مقارنة زمن وجوب المهم لزمن الواجب ، وبعبارة أخرى تقارن أزمان الثلاثة (الشرط ، والوجوب ، والواجب).

وأخذه شرطا مقارنا مع تعليق الواجب ، كما في الصورة السابقة ، مع تأخر زمن الواجب عن زمني الشرط والوجوب.

وأخذه شرطا متأخرا دون تعليق الواجب كما في صورة انفكاك زمان الواجبين وسبق زمان المهم على زمان الاهم ، واناطة وجوب المهم بالعزم المتأخر ، مع مقارنة وجوب المهم لنفس المهم.

وأخذه شرطا متأخرا مع تعليق الواجب ، كما في الصورة السابقة مع سبق زمن وجوب المهم على نفس المهم.

ثم انه يمكن فرض كون العزم شرطا متأخرا مع تعاصر زمن الواجبين كما في قول المولى : (ان عزمت فيما بعد على عصيان الامر بالاهم ـ المقارن لزمن المهم ـ وجب عليك المهم من الآن) .. وأثر تقدم الوجوب يظهر في المقدمات المفوتة ونحوها فلا يرد فيه اشكال اللغوية.

ولا يخفى ان للمسألة صورا كثيرة إلّا ان كلياتها هي ما ذكرناه ، وقد أضربنا عن ذكر تلك الصور روما للاختصار.

الثاني : ما ذكره المحقق النائيني (قده) وهو : (ان خطابي الاهم والمهم وان كانا فعليين حال العصيان معا ، إلّا ان اختلافهما في الرتبة أوجب عدم لزوم طلب الجمع ، من فعليتهما ، لما عرفت من ان الامر بالاهم انما يقتضي هدم موضوع الامر بالمهم ، وأما هو فلا يقتضي وضع موضوعه ، وانما يقتضي شيئا آخر على تقدير وجوده ، وما لم يكن هناك اتحاد في الرتبة يستحيل أن تقتضي فعلية الخطابين طلب الجمع بين متعلقيهما. ومن هنا يظهر ان ما أفاده الشيخ الكبير كاشف الغطاء (قده) من ان الامر بالمهم مشروط بالعزم على عصيان الامر بالاهم

١٦٩

غير صحيح ، فانه عليه لا يكون الامر بالاهم رافعا لموضوع الامر بالمهم وهادما له تشريعا ، فان الامر بالاهم انما يقتضي عدم عصيانه ، لا عدم العزم على عصيانه).

ومحصله ـ كما في المباحث ـ ان النكتة التي بها تعقلنا امكان الترتب تقتضي أن يكون المترتب عليه الامر بالمهم هو العصيان لا العزم عليه ، فان تلك النكتة هي أن يكون ما يترتب عليه الامر بالمهم مما يقتضي الامر بالاهم هدمه أولا وبالذات ، فانه عليه سوف ترتفع غائلة المطاردة بين الامرين ، ومن الواضح ان الامر بالاهم يقتضي بذاته هدم عصيان الاهم لا هدم العزم على عصيانه.

ويرد عليه ـ مع ما سبق من المناقشة مبني ، بعدم اجداء تعدد الرتبة في دفع محذور طلب الضدين ـ :

أولا : ما في (المباحث) وهو (ان ما يقتضي الامر بالاهم هدمه أولا وبالذات ليس هو العصيان وترك الاهم ، وانما هو العزم عليه وعدم العزم على الامتثال ، لان التكليف انما يجعل من أجل أن يكون داعيا في نفس العبد ، فمقتضاه الاولي ايجاد الداعي والعزم في نفس العبد على الامتثال ، فهو يهدم عدم العزم على الامتثال والعزم على العصيان أولا وبالذات.

وفيه : ان هنالك فرقا بين (مصب الارادة) و (شرط المصب) بتقريب :

ان ما يجعل لاجله التكليف لا يخلو من أن يكون : العزم مطلقا ، أو العزم الموصل الى الفعل ، أو الفعل الصادر من المكلف مطلقا ولو لم يكن صدوره عن اختيار ، أو كل من الفعل والعزم بحيث يكون كل منهما جزءا من المطلوب ، أو الفعل لكن بشرط العزم على نحو يكون التقيد داخلا والقيد خارجا.

والاربعة الاول خلاف التلقي العرفي للاوامر المولوية ، وخلاف ما نجده في أنفسنا ـ عادة ـ عند تكليف من يتلونا في الرتبة ، مع ما يرد على الاول من استلزامه تحقق مراد المولى وسقوط القضاء بمجرد حصول العزم على الفعل ،

١٧٠

ولو لم ينته الى الفعل ، وعلى الثالث مما سيأتي .. فلا يبقى سوى ان يكون المراد هو (الفعل الصادر عن عزم واختيار) ، ومرجعه الى ارادة الحصة من الفعل لا طبيعي الفعل.

ومن هنا قالوا في تحديد الامر انه (طلب الفعل من العالي على سبيل الاستعلاء) لا طلب العزم على الفعل وقال المحقق الاصفهاني (قده) ـ في مبحث المقدمة ـ (الارادة التشريعية هي ارادة فعل الغير منه اختيارا ، وحيث ان المشتاق اليه فعل الغير الصادر باختياره فلا محالة ليس بنفسه تحت اختياره بل بالتسبب اليه بجعل الداعي اليه وهو البعث نحوه ، فلا محالة ينبعث من الشوق الى فعل الغير اختيار الشوق الى البعث نحوه ، فيتحرك القوة العاملة نحو تحريك العضلات بالبعث اليه ، فالشوق المتعلق بفعل الغير اذا بلغ مبلغا ينبعث منه الشوق نحو البعث الفعلي كان ارادة تشريعية).

نعم : في الوجود الخارجي يتعلق الهدم بالعزم اولا وبالفعل ثانيا ، إلّا ان الكلام ليس فيه بل في مقتضى الامر ، فتأمل.

(مع) ان دخل العزم ـ ولو بنحو الشرطية ـ غير مطردة فان غير القصدي من التوصليات ـ كالتطهير الخبثي ـ غير منوط بالقصد ، بل يتعلق الغرض بصرف وقوع الفعل في الخارج ، ولو عن غير قصد.

(نعم) يمكن ان يدعى الفرق بين كون الشيء محققا لغرض المولى ، وكونه محققا للغرض من الامر ، فحصول الطهارة من الخبث لا يعقل ان يكون غرضا من الامر بالطهارة ، وان تحقق به غرض المولى ، لعدم ترتبه على الامر وعدم استناده اليه ، وما لا يترتب على شيء لا يعقل ان يكون غرضا من ذلك الشيء ، اذ الغرض المتوخى من الشيء ما يكون حاصلا بسببه ، لا مطلقا ، وإلّا لم يكن غرضا له ، وأما سقوط الامر بالتطهير بعد حصول الطهارة فلانتفاء الموضوع المستتبع لانتفاء

١٧١

الامر ـ لاستحالة بقاء المعلول بعد ارتفاع علته ـ لا لتحقق غرض الامر.

(اللهم) إلّا أن يقال ـ كما في هوامش اجود التقريرات ـ : (التكليف ليس إلّا عبارة عن اعتبار كون الفعل على ذمة المكلف ، والانشاء لا شأن له إلّا انه ابراز لذلك الاعتبار القائم بالنفس فلا مقتضي لاختصاص متعلق الحكم بالحصة الارادية والاختيارية ، بل الفعل على اطلاقه متعلق الحكم).

(لكنه) لا يخلو من نظر ، وتفصيل الكلام في مباحث (التوصلي والتعبدي) و (الضد).

(مضافا) الى انه لو صحح (التعليق على العزم) لم يصحح (التعليق على العصيان) لعدم جريان النكتة المذكورة فيه ، فما في المباحث تبديل لمركز الاشكال ، لا حل له.

ثانيا : ان النكتة التي يبتني عليها امكان الترتب ـ لدى المحقق النائيني (قده) ـ مشتركة بين اخذ (العصيان) شرطا ، واخذ (العزم على العصيان) او (عدم العزم على الامتثال) شرطا بتقريب :

ان اقتضاء شيء لشيء مساوق لاقتضائه علته ، وطرده له مساوق لطرده علته فارادة ايجاد المعلول المبرزة بصيغة الامر ـ على ما هو مبنى صاحب الكفاية (قدس‌سره) ـ أو الشوق الى ايجاده ـ على ما هو مبنى المحقق الاصفهاني (قده) ـ تقتضي ايجاد علته ، وارادة رفعه ـ بعد وجوده ـ تقتضي رفع علته ، كما أن ارادة دفعه ـ قبل تحققه ـ والحيلولة دون وجوده مقتضية للحيلولة دون وجود علته.

وما نحن فيه من قبيل الاخير فان الامر بالاهم يقتضي دفع العصيان ـ على ما هو مبنى المحقق النائيني (قدس‌سره) ـ وهو لذلك يقتضي ـ ولو عقلا ـ دفع العزم على العصيان لكونه علة للعصيان ، منتهى الامر ان اقتضاء دفع احدهما بالذات واقتضاء دفع الآخر بالتبع ، لكن ذلك لا ينافي اتصاف الشيء بالوصف

١٧٢

حقيقة.

وكما أن الامر المنوط بالعصيان مقيد بعدم الاتيان بمتعلق الآخر ويستحيل وقوعه على صفة المطلوبية في عرض الاتيان بمتعلق الآخر ـ على مبناه (قده) ـ كذلك الامر المنوط بالعزم على العصيان فانه مقيد بوجود علة العصيان ـ وهو العزم على العصيان ـ فيستحيل وقوعه على صفة المطلوبية مع الاتيان بمتعلق الاهم المستلزم لانتفاء شرطه ، وانحفاظ الخطابين في ظرف العصيان لا يوجب طلب الجمع لانهما ليسا في مرتبة واحدة وذلك لاقتضاء الامر بالاهم هدم العزم على عصيانه ـ ولو بالتبع ـ مع عدم اقتضاء الامر بالمهم وضع هذا التقدير ، لعدم محركية الشيء نحو مقدماته الوجوبية.

ونظير ذلك يقال في شرطية (عدم العزم على الامتثال) فان الامر بالاهم يقتضي الامتثال ، وما يقتضي المعلول يقتضي ـ ولو بالتبع ـ وجود علته ـ وهي هنا العزم على الامتثال ـ ووجود علته مقتض لطرد نقيض نفسه ـ وهو عدم العزم على الامتثال ـ لاستحالة اجتماع النقيضين فيكون الامر بالاهم مقتضيا ـ ولو عقلا ـ لطرد عدم العزم على الامتثال ، بمقتضى أن (مقتضى المقتضى مقتضى).

ثالثا : ما عن (المحاضرات) : من عدم تمامية ذلك ـ لو تم في حد نفسه ـ في الواجبات العبادية التي يكون الداعي والعزم فيها مأخوذا في الواجب ، بل حتى في الواجبات التوصلية فيما اذا قلنا بأن التكليف يقتضي تخصيص متعلقه بالحصة الاختيارية كما هو مسلك المحقق النائيني (قده) انتهى.

وهو ـ مع عدم اختصاصه بالواجبات العبادية ، لشموله لمطلق الامور القصدية وان لم تكن عبادية ، كالعقود والايقاعات ، لكون العزم مأخوذا فيها أيضا حتى على مسلك من لا يرى ان التكليف يقتضي التخصيص ـ آيل الى الثاني ، لعدم كون هدم الاهم للعزم بالذات وعلى نحو المباشرة ، بل بالتبع وعلى نحو التسبيب ،

١٧٣

وذلك لعدم كون العزم جزءا من العبادات ، بل هو خارج عن حريمها ، وان كان التقيد داخلا ، فيؤول الى أنه لا فرق بين كون الهدم مباشريا أو تسبيبيا ، فلا ينهض جوابا في عرض الثاني ، فلو تم الاشكال في حد نفسه لم يكن هذا الجواب واردا نعم : لو فرض اخذ العزم جزءا امكن انتهاضه في عرضه.

رابعا : ما سبق من أن نكتة امكان الترتب هي غير ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) وهي مشتركة بين اخذ (العصيان) و (العزم) شرطا فراجع.

بقي شيء وهو أنه ذكر في (المباحث) :

(ان العزم على العصيان لو اخذ شرطا فلا بد وأن يؤخذ العزم الثابت حين العصيان شرطا للامر بالمهم لا مطلق العزم ، اذ لو لا ذلك لما امكن الامر بالمهم ، فان البداء امر ممكن في حق المكلفين ، فلو كان مطلق العزم على عصيان الاهم شرطا كان التكليف بالمهم فعليا حتى مع البداء وتبدل العزم ، فيلزم المطاردة بين الامرين بالضدين).

ويرد عليه : ـ مع ما ظهر مما تقدم ـ أنه يمكن سبق زمن العزم على زمن العصيان دون ثبوته في ظرف العصيان ، لا باستبدال المكلف العزم على ضده به ، بل بانقطاع امتداده ولزوم أجله ، مع ترتب عصيان الخطاب بالاهم في حينه عليه ، بأن يكون العزم على العصيان السابق على زمان العصيان علة لتفويت اطاعة الاهم في ظرفه ، كما في صورة تأديته لتفويت بعض المقدمات الوجودية أو العلمية التي يتوقف عليها وجود الاهم ، فانه فيهما لا يمكن حصول العزم على العصيان في حينه ، لاضطرار المكلف اليه.

ولا يكون العزم عزما الا مع تعلق القدرة بطرفي النقيض على حد سواء ، وعدم مقدورية التخلص من المخالفة في ظرف الاهم لا يخرج الترك عن كونه عصيانا اذا كان وجوب الاهم فعليا قبل زمان الواجب المستلزم لوجوب تحصيل مقدماته

١٧٤

الوجودية والعلمية ـ ولو عقلا ـ او كان الاهم من الاهمية بحيث علم من الشارع ارادة عدم وقوع خلافه في الخارج مطلقا ـ كما في الدماء والفروج والاموال على تفصيل مذكور في الفقه ـ او كان تحصيل أغراض المولى مطلقا ، حتى ما لم يحضر أجلها لازما في نظرنا ـ كما سبقت الاشارة اليه ـ.

ففي جميع هذه الصور لا ينافي عدم المقدورية تحقق العصيان واستحقاق العقاب على الترك ، وذلك لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

والخطاب بالاهم وان اصبح ساقطا حين العجز ، لان مجرى قاعدة (ما بالاختيار لا ينافيه) ـ الشاملة لكل من الوجوب والامتناع ـ هو العقاب ، لا الخطاب ، إلّا ان اجتماع الخطابين قبل ظرف العجز ـ لو فرض سبق الوجوب على الواجب ـ كاف في تحقق موضوع الترتب.

وعليه ليس المناط (العزم الثابت) بل (العزم المفوت) وان لم يكن ثابتا حين العصيان.

ثم انه لو فرض لزوم أخذ (العزم الثابت) شرطا لم يجب كون الشرط هو المجموع بل يمكن كونه الجزء المتقدم منه فقط لكن بشرط ثباته الى حينه وذلك لان دخل شيء في شيء ـ على نحو الشرطية ـ تابع للملاكات والمصالح الواقعية ، فربما كان الدخل للجزء المتقدم من العزم لا للمقارن ، وحينئذ يكون الشرط هو (العزم الذي يتعقبه العصيان) بجعل عنوان (التعقب) شرطا مقارنا للشرط ، وهو يرجع الى عدم كون الشرط طبيعي العزم ، بل خصوص الحصة التي يعقبها العصيان وتفصيل الكلام موكول الى مباحث (الشرط المتأخر).

الفرض الخامس

أن يناط الامر بالمهم بكون المكلف ممن يصدر عنه العصيان في المستقبل

١٧٥

أو كونه ملحوقا بالعصيان ، وحيث ان الالفاظ موضوعة للمعاني الواقعية ـ لا المتصورة ـ فالعلم بصدور العصيان في المستقبل أو عدم صدوره لا يؤثر في وجود الامر بالمهم وعدمه الا مع مطابقته ، للواقع ، كما لا يخفى.

والاشكال في هذا الفرض من جهات :

(الاولى) : من جهة التضايف ، حيث ان اللاحق والملحوق متضايفان ، ، وهما متكافئان قوة وفعلا ، فكيف يكون الملحوق ـ وهو المكلف الذي سيعصي ـ بالفعل ، واللاحق ـ وهو نفس العصيان ـ بالقوة.

وفيه : ان ما ليسا بمتكافئين غير متضايفين ، وما هما متضايفان متكافئان ، بتقريب :

ان ذات الملحوق واللاحق ليسا بمتضايفين ، ولذا يمكن تصور أحدهما منفكا عن تصور الآخر ، مع تلازم المتضايفين تحققا وتعقلا ، كما ان ذات العلة والمعلول ليسا بمتضايفين ، ولذا يمكن تصور ذات أحدهما بدون تصور الآخر.

نعم اللاحق والملحوق ـ بما هما كذلك ـ متضايفان لكنهما متكافئان في الوجود الذهني ، لاستحالة تصور أحدهما بدون تصور الآخر ، والامر هنا كذلك لتلازم تصور كون المكلف ملحوقا بالوصف مع تصور اللاحق.

(الثانية) : من جهة اناطة الوجوب بالشرط المتأخر. قال المحقق الاصفهاني (قده) :

(ان كون المكلف ممن يعصي ليس من أكوان المكلف المنتزعة عنه بلحاظ العصيان المتأخر ، بل اخبار بتحقق العصيان منه في المستقبل ، فلا كون ثبوتي بالفعل ليكون شرطا مقارنا للوجوب) انتهى.

وفيه : انه لا يشترط في صدق العنوان الانتزاعي على المنتزع منه واتصافه به حقيقة وجود صفة عينية فيه ، بل يكفي في الصدق : كونه لو عقل عقل معه ذلك العنوان ، سواء كان ذاتيا له بذاتي كتاب الكليات ، كما في الاجناس والفصول

١٧٦

المنتزعة من الوجود الخاص ـ بناء على اصالة الوجود واعتبارية الماهية ـ أو ذاتيا له بذاتي كتاب البرهان ، بأن لم يكن مقوما للذات ، ولكن كان لحاظه بنفسه كافيا في انتزاع ذلك العنوان ، دون توقف ذلك على لحاظ الغرائب والمنضمات ، كما في انتزاع الزوجية من الاربعة ، أو لم يكن كذلك بأن توقف انتزاعه على لحاظ أمر خارج عنه ، كما في انتزاع عنوان الاب والابن والمتقدم والمتأخر والمتيامن والمتياسر ونحوها .. وما نحن فيه من هذا القبيل ، فان تصور الذات مع لحاظ وصف تلبسها بالمبدإ في المستقبل كاف في انتزاع عنوان (الملحوق بالعصيان) وصدقه عليها حقيقة الآن ، فيكون الشرط مقارنا لا متأخرا ، كما في نظائره مما سبق التمثيل به.

(مع) امكان فرض وجود كون ثبوتي عيني في المكلف بالفعل ، وذلك فيما اذا أخذت مبادئ العصيان موضوعا ، فان العصيان المستقبلي مقتضى لمقدمات ومقتضيات موجودة بالفعل في نفس العاصي ، فيؤخذ من توجد فيه هذه المقتضيات المنتهية لذلك المقتضى موضوعا لوجوب الضد المهم ، لكنه خروج عن مورد البحث كما لا يخفى.

(الثالثة) : من جهة الخلف ، حيث ان المكلف مع هذا الكون ـ أي كونه ممن يعصي ـ يجوز له ترك المهم الى فعل الاهم لفرض الاهمية واطلاق وجوبه ، ولا شيء من الواجب التعييني بحيث يجوز تركه الى فعل غيره ، والمفروض وجوب كل من الاهم والمهم تعيينا لا تخييرا ، وهذا بخلاف ما اذا كان العصيان بنفسه شرطا مقارنا فانه لا مجال لتركه الى فعل الاهم في فرض ترك الاهم.

ويرد عليه :

أولا : عدم ظهور الفرق بين أخذ (العصيان) شرطا وأخذ (كون المكلف ممن يعصي) شرطا ، فان المحمولات غير الضرورية وان لم تكن حتمية الثبوت

١٧٧

للموضوع لو لوحظ الموضوع بذاته وبما هو هو ، إلّا انها تصبح ضرورية الثبوت لو أخذ بشرط المحمول ، وإلّا لزم اجتماع النقيضين ، وكذا لو أخذ الموضوع بشرط وجود العلة ، وإلّا لزم تخلف المعلول عن علته وعليه : فكما لا يمكن للمكلف العاصي ـ بقيد انه عاصي ـ ترك العصيان الى نقيضه ، كذلك لا يمكن للمكلف الذي يعصي ـ بقيد انه يعصي ـ استبدال النقيض بالعصيان ، وإلّا لزم أن ينقلب المكلف الذي سوف يصدر منه العصيان الى المكلف الذي سوف لا يصدر عنه العصيان ، وهو جمع بين المتناقضين ، فان لم تكن الضرورة الاولى مخلة بكون وجوب المهم تعيينيا فلتكن الثانية كذلك ، وان كانت مخلة فلتكن الاولى مثلها.

وعلى كل : فلا فرق بين الماضي والحاضر والمستقبل في ضرورية ثبوت المحمول للموضوع وعدمها ، بلحاظ ذات الموضوع مجردا ، أو بشرط المحمول ، أو بشرط العلة ، كما قرر في مبحث (الامكان الاستقبالي) في محله.

ثانيا : ان انحفاظ الموضوع شرط في تحقق التخيير في الوجوب ، فجواز ترك الواجب الى غيره بهدم موضوعه ليس من التخيير في شيء ، فالحاضر مثلا يجوز له ترك الاتمام الى القصر بالسفر ولا ينافي ذلك كون وجوب كل منهما تعيينيا. والامر في المقام كذلك حيث ان ترك المهم الى فعل الاهم انما يكون بتبديل الموضوع ـ بل هو مستبطن فيه ـ فلا ينافي وجوبه التعييني.

ومنه ينقدح النظر في ما قد يجاب به عن الاشكال من : (انه لا مانع من الالتزام بجواز ترك المهم الى الاهم ، بأن يكون وجوب المهم سنخا آخر من الوجوب لا يماثله غيره ، والحصر في التعييني والتخييري ـ المتقوم بجواز ترك كل من الطرفين الى الآخر ـ ليس عقليا ، فلا مانع من وجود قسم آخر. نعم : لا يجوز العدول من المهم الى ثالث ، بمعنى استحقاق العقاب عليه ، مضافا الى استحقاق العقاب على ترك الاهم).

١٧٨

ثم لا يخفى ان الامتناع بالغير لا يكون سببا لانقلاب الحكم عما هو عليه ، وإلّا لزم عدم ثبوت الاحكام في شأن العصاة ، لامتناع الطاعة في حقهم فان الشيء ما لم يمتنع لم يعدم ، اذ لا يخلو الشيء من وجود علته التامة أو عدم الوجود ، والاول ينفيه انتفاء الشيء في الخارج ، والثاني مستلزم لامتناع الوجود لامتناع وجود المعلول بدون وجود علته التامة ، ففي المقام :

وان امتنع ترك المهم الى فعل الاهم لو لوحظ كون المكلف ممن يعصي بما هو كذلك إلّا انه امتناع بالغير ، فلا يقلب جواز الترك عما هو عليه ، بمعنى الترخيص في ذلك وعدم العقاب عليه.

هذه بعض الفروض التي يمكن أن يناط بها الامر بالمهم ، وهنالك فروض أخر قد يظهر حكمها مما سبق.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

١٧٩

خاتمة

يذكر فيها بعض الفروع الفقهية التي ادعي ـ أو يمكن أن يدعى ـ ابتناؤها على مسئلة الترتب ، على نحو الاختصار والايجاز.

الفرع الاول

قال في (العروة) : (اذا رأى نجاسة في المسجد وقد دخل وقت الصلاة يجب المبادرة الى ازالتها مقدما على الصلاة مع سعة وقتها ، ومع الضيق قدمها ، ولو ترك الازالة مع السعة واشتغل بالصلاة عصى لترك الازالة ، لكن في بطلان صلاته اشكال والاقوى الصحة) (١).

وعلله في (الفقه) بان الامرين بالضدين على نحو الترتب لا مانع منه ، فالامر بالازالة لا يقتضي عدم الامر بالصلاة ، بل يمكن أن يكون قد أمر بالازالة وانه لو عصى لكان مأمورا بالصلاة فان الامر بالمهم لا يطارد الامر بالاهم لانهما ليسا في

__________________

(١) العروة الوثقى ـ كتاب الطهارة ـ فصل يشترط فى صحة الصلاة ـ مسئلة (٤) وراجع أيضا كتاب الصلاة ـ فصل فى بعض أحكام المسجد ـ الثالث.

١٨٠