الترتّب

السيد محمّد رضا الشيرازي

الترتّب

المؤلف:

السيد محمّد رضا الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة هيئة الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٨

علميا صرفا.

وقال السيد الوالد ـ دام ظله ـ في مبحث المقدمة :

(ان ثمرة هذا البحث هو الوجوب وعدمه بالنسبة الى مقدمات الواجب ، لما تقدم من انها ـ اي المسائل الاصولية ـ تجعل كبرى لصغريات وجدانية).

نعم : يمكن أن يقال : بأن العلم تابع للغرض ، ولا فائدة في ما لا تترتب عليه ثمرة عملية اصلا ، فيكون كالبحث في زمان انكشاف تمام الاحكام عن جريان البراءة في الشبهات الحكمية.

اللهم إلّا أن يقال : ان نفس العلم بالحكم فائدة ، وقد تعارف لدى الفقهاء العظام ـ قدس الله اسرارهم ـ تدوين الاحكام الشرعية ولو لم تكن محل الابتلاء فعلا لئلا تندرس الاحكام ، فتأمل.

ثم انه لو فرض اشتراط وجود ثمرة عملية للمسألة الاصولية لم يقدح فيما ذكر ، اذ يترتب على وجوب المهم غير التعبدي وعدمه ـ المستنبط من نتيجة البحث في هذه المسألة وهي امكان الامر الترتبي وامتناعه ـ امور تتعلق بالجري العملي :

منها : بر النذر باتيانه ، لو نذر أن يأتي بواجب ، مع قصده مطلق ما يكون واجبا شرعا حقيقة ، فلا يرد كون النذر تابعا للقصد او الارتكاز.

ومثله : ما لو نذر التصدق على من أتى بواجب ، فتصدق عليه.

ومنها : حرمة اخذ الاجرة عليه ، على تفصيل مقرر في المكاسب المحرمة.

ومنها : جواز الاسناد الى الشارع.

ومنها : جواز الاستناد والاتيان به بداعي الامر ، وعدم استلزام ذلك التشريع.

ومنها : حصول الفسق بترك الاهم والمهم معا ، مع كونهما من الصغائر ، بناء على تحقق الاصرار بذلك.

٢١

وهذه وان لم تكن ثمرات للمسألة الاصولية ـ لما قرر في محله ـ إلّا أنها مصححة للثمرة لو فرض اشتراط وجود نتيجة عملية للمسألة الاصولية ، فكما ان صحة الضد العبادي وفساده مترتبة على وجود الامر بالمهم وعدمه المترتب على امكان الترتب وامتناعه كذلك الآثار المذكورة مترتبة على وجود الامر بالمهم وعدمه المترتب على امكان الترتب وامتناعه وكما ان تلك النتيجة مصححة للثمرة كذلك هذه الآثار مصححة لها فتأمل.

ثم انه قد يجعل من الثمرة : فساد الضد العبادي للمهم ـ ولو كان توصليا ـ بناء على اقتضاء الامر بالشيء : النهي عن ضده الخاص واقتضاء النهي عن العبادة للفساد. فلو قيل بوجوب المهم واقتضاء الامر النهي عن الضد واقتضاء النهي الفساد أنتج ذلك فساد الضد ، وإلّا فلا.

أن لا يكون المهم مشروطا بالقدرة الشرعية

(الرابع) أن لا يكون المهم مشروطا بالقدرة الشرعية.

قال المحقق النائيني (قده) :

(ان الخطاب المترتب على عصيان خطاب الاهم يتوقف على كون متعلقه حال المزاحمة واجدا للملاك ، والكاشف عن ذلك هو اطلاق المتعلق ، فاذا كان المتعلق مقيدا بالقدرة شرعا ـ سواء كان التقييد مستفادا من القرينة المتصلة أو المنفصلة ـ لم يبق للخطاب بالمهم محل أصلا.

ومنه يظهر انه لا يمكن تصحيح الامر بالوضوء في موارد الامر بالتيمم بالملاك أو بالخطاب الترتبي ، فان الامر بالوضوء مقيد شرعا بحال التمكن من استعمال الماء بقرينة تقييد وجوب التيمم بحال عدمه ففي حال عدم التمكن لا ملاك للوضوء كي يمكن القول بصحته ، ولاجل ذلك لم يذهب العلامة المحقق الشيخ الانصاري

٢٢

ولا العلامة المحقق تلميذه استاذ أساتيذنا (قدهما) الى الصحة في الفرض المزبور ، مع ان الاول منهما يرى كفاية الملاك في صحة العبادة ، والثاني يرى جواز الخطاب الترتبي)

وما ذكره (قده) وان كان متينا بلحاظ الكبرى ، اذ اشتراط الشيء بالقدرة الشرعية معناه تقييد الملاك بحال أو وقت خاصين ، كما صرح به (قده) حيث قال في بحث المقدمات المفوتة (ان القدرة قد تكون شرطا عقليا للتكليف وغير دخيلة في ملاك الفعل أصلا فيكون اعتبارها في فعلية التكليف من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز ، وقد تكون شرطا شرعيا ودخيلة في ملاكه ..) فانتفاء القيد ـ في هذه الصورة ـ مساوق لانتفاء الملاك المستلزم لانتفاء الامر ، اذ الامر معلول له ، وكما يستحيل وجود الامر بلا ملاك ابتداء كذلك يستحيل بقاؤه بعد ارتفاعه لارتهان وجود المعلول بوجود علته في الحدوث والبقاء ، تبعا للا اقتضاء والليسية الذاتية الكامنة في وجود المعلول .. إلّا أنه ينبغي البحث في الصغرى وان صرف تقييد الامر الشرعي بقيد هل يكشف عن كون القدرة الشرعية مأخوذة فيه أم لا؟

يمكن أن يقال :

ان القيد على ثلاثة أقسام :

الاول : ان لا يكون مأخوذا في أصل الحكم ولا في الملاك (١) والمراد بهذا التعبير أن تكون في الدليل عناية خاصة تدل على أنه بعد ارتفاع الحصة المعينة من الطلب ـ كالطلب اللزومي ـ لا يرتفع طبيعي الطلب بل يظل ضمن حصة أخرى ـ كالطلب غير اللزومي ـ.

الثاني : أن يكون مأخوذا في الحكم لا في الملاك.

الثالث : أن يكون مأخوذا في الحكم والملاك معا.

__________________

(١) المراد بالملاك هنا المقتضى لا العلة التامة.

٢٣

وأما اخذ القيد في الملاك دون الحكم ـ أي عكس الصورة الثانية ـ فهو غير معقول لاستلزامه وجود الحكم بلا ملاك ، المساوق لوجود المعلول بدون وجود علته.

أما (القسم الاول) فهو كالقيد المسوق في مقام الامتنان ونحوه فانتفاؤه لا يكشف عن انتفاء الملاك ، بل ولا طبيعي الطلب ، اذ الامتنان ظاهر في رفع الالزام فقط.

وقد يمثل له بالوضوء في مورد الاضرار المسوغة للتيمم شرعا مع عدم وصولها الى حد الحرمة ، وهكذا في موارد الحرج ونحوه.

قال السيد الوالد ـ دام ظله ـ في الفقه :

(ان ظاهر أدلة نفي الحرج والضرر أنها رافعة للالزام لا لاصل الحكم ، وهذا الظاهر انما استفيد من كونها في بيان الامتنان ، والامتنان يقتضي ان لا يكون حرج في كل من الفعل والترك ، اذ لو كان الترك الزاما كان حرجا في الترك ، فهي كما اذا قال المولى :

لا أشقّ عليك ، حيث يفهم منه جواز تكلف العبد المشقة ، لا حرمتها ، ولذا اذا قبل طرف المعاملة الضرر صحت المعاملة ولم يكن له حق الفسخ مع انه مشمول للاضرر ، حسب النظر البدائي ، وسره ان لا ضرر في مقام الامتنان لا في مقام العزيمة ...).

وعلى كل : فهذا القسم خارج ـ موضوعا ـ عن الترتب.

وأما (القسم الثاني) فهو كالقيد المأخوذ في الشيء من باب حصول التزاحم بين الشيئين وترجيح أحدهما على الآخر ـ كما في صورة الامر بالانفاق على الوالدين ان فضلت النفقة عن الزوجة فان الاتفاق عليهما ذو ملاك إلّا انه مزاحم بالملاك الاهم ـ ولا اشكال هنا في ثبوت الملاك في المهم ، وعليه يمكن تصحيح

٢٤

العمل العبادي بناء على كفاية الملاك في صحة العبادة كما ذهب اليه الشيخ الاعظم (قده) خلافا لصاحب الجواهر (قده) حيث ذهب الى توقف الصحة على الامر وعدم كفاية الملاك على ما هو المحكي عنهما. وأما الامر فلا اشكال في أخذ القيد في اطلاقه ، اذ لا يشمل صورة الطاعة قطعا ، وأما أخذه فيه مطلقا فمبني على امكان الترتب وعدمه ، فعلى الاول يثبت الامر في الفاقد للقيد معلقا على العصيان ونحوه ، وعلى الثاني : لا أمر مطلقا.

وأما (القسم الثالث) وهو ما كان القيد مأخوذا في الحكم وملاكه معا فينبغي ان ينظر : في ان التقييد مطلق شامل لصورتي طاعة الاهم وعصيانه ، او مقيد بصورة طاعته فقط ، بحيث ينتفي التقييد عند العصيان ، ويتم عنده فيه الملاك والحكم لو الملاك وحده فان من الممكن عقلا : ان يكون الفعل فاقدا للملاك في حال الطاعة للاهم ، وواجدا له في صورة العصيان ، كما لو فرض كون الامر به حينئذ واجدا لملاك التأديب مثلا. فان كان التقييد مطلقا فلا اشكال في انتفاء الامر والملاك في حالة انتفاء القيد.

واما لو كان التقييد مقيدا بحيث يكون عدم الامر او عدم الملاك مقيدا بعدم العصيان بحيث يرتفع التقييد عنده ، فلا يصح هنا نفي الامر ـ في الاول ـ ونفي الملاك ـ في الثاني ـ فتأمل. هذا كله بلحاظ عالم الثبوت.

واما بلحاظ عالم الاثبات :

فظاهر القيد ـ ان لم تكن هناك قرينة خارجية ككونه في مقام الامتنان ونحوه ـ هو تقييد الحكم مطلقا ـ اي بلا فرق بين صورة طاعة الامر بالاهم وعصيانه ـ ولكن تقييد الامر لا يستلزم تقييد الملاك ، لامكان ارتفاع الامر مع بقاء الملاك ـ لمزاحم اهم مثلا ـ فان الامر وان كان كاشفا ـ انا ـ عن ثبوت الملاك ، إلّا ان انتفاءه غير مستلزم لانتفائه اذ ليس الكلام في العلة التامة فهو نظير ما ذكر في استصحاب

٢٥

الحكم الشرعي المستكشف بالحكم العقلي.

إلّا ان عدم استلزام الانتفاء للانتفاء لا يعني : ثبوت الملاك ، بل يكون ـ بعد انتفاء الحكم ـ محتملا للامرين.

لكن : قد يستكشف بقاء الملاك بطرق :

منها : اطلاق الدلالة الالتزامية للامر ، اذ الامر دال بالمطابقة على الحكم ، وعلى الملاك بالالتزام ، وارتفاع الحكم غير ملازم لارتفاع الملاك ـ المدلول عليه بالامر ـ لعدم تبعية الدلالة الالتزامية المطابقية ، واستقلال كل منهما في الحجية.

ويرد عليه : عدم تسليم المبنى ، مع أن الامر مسوق لبيان الحكم ، لا لبيان الملاك ، ومن الواضح : توقف ثبوت الاطلاق على تحقق مقدمات الحكمة ، التي منها : كون المتكلم في مقام البيان من تلك الجهة ، وهي مفقودة في المقام ، فلا يكون ثمة اطلاق في دلالة الامر على الملاك ، كي يتمسك به في الاستدلال على ثبوته بعد ارتفاع القيد.

ومنها : استصحاب وجود الملاك بعد سقوط الامر ، وما اشترط في جريانه من ترتب الاثر الشرعي على المستصحب حاصل فان بقاء الملاك مؤثر في صحة العبادة ونحوها ـ بناء على كفاية وجود الملاك في امثال ذلك ـ لكن هذا الطريق لا يخلو من تأمل. وتفصيل الكلام في مباحث الاستصحاب.

ومنها : حكم العقل ، كما في انقاذ غريقين احرزت أهمية احدهما على الآخر.

ومنها : دلالة دليل خاص على ذلك ولعل منه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لو لا ان أشقّ على امتي لامرتهم بالسواك).

ومنها : غير ذلك ..

٢٦

أن يكون التضاد بين المتعلقين اتفاقيا

(الخامس) ان يكون التضاد بين المتعلقين اتفاقيا. وذلك لان التضاد بين المتعلقين انما يوجب التزاحم بين الخطابين فيما اذا كان حاصلا من باب الاتفاق واما اذا كان دائميا كان دليل وجوب كل منهما معارضا لدليل وجوب الآخر ، لان التصادم حينئذ انما يكون في مقام الجعل والانشاء لا في مقام الطاعة والامتثال ضرورة انه لا معنى لجعل حكمين لفعلين متضادين دائما ، فيخرج الدليلان بذلك عن موضوع الترتب لا محالة.

هذا ما افاده المحقق النائيني (قده) وفرع عليه بطلان ما ذهب اليه كاشف الغطاء (قده) من ان صحة الجهر في موضع الاخفات جهلا وبالعكس انما هي من باب الخطاب الترتبي ، وبه دفع الاشكال المعروف وهو ان صحة العبادة المأتي بها جهرا او اخفاتا كيف تجتمع مع استحقاق العقاب على ترك الآخر؟

ووجه البطلان :

ان التضاد بين الجهر والاخفات دائمي وليس اتفاقيا فلا يجري فيه الخطاب الترتبي.

ويمكن المناقشة في هذا الشرط : ببيان مقتضى مرحلتي الثبوت والاثبات.

أما في مرحلة الثبوت : فكما يحتمل أن يكون الامران بالضدين اللذين يكون التضاد بينهما دائميا متعارضين بأن لا يكون الواجد للملاك إلّا أحدهما ، كذلك يحتمل أن يكونا متزاحمين ، بأن يكونا واجدين للملاك معا ، ويكون التعاند بينهما في مقام الفعلية لا في مقام الجعل والتشريع.

ودوام التضاد لا يستلزم لغوية أحدهما ، ما دام كل منهما واجدا للملاك ، والاثر العملي وإلّا لزم ذلك في موارد التضاد الاتفاقي ، اذ لا فرق في قبح القبيح واستحالة المستحيل

٢٧

بين وجودهما دائما ووجودهما اتفاقا.

وما يذكر من الوجوه لاثبات امكان الترتب في التضاد الاتفاقي ـ وهو ما امكن الجري العملي وفق أحدهما دون مخالفة الآخر ، في الجملة ، كما لو كان بين عنواني المتعلقين عموم من وجه ـ ينهض ـ بعينه ـ لاثبات الامكان في التضاد الدائمي ـ وهو ما لم يمكن الجري العملي وفق احدهما دون مخالفة الآخر ـ.

ولذا لا يمتنع عقلا ان يأمر المولى بتلوين الجدار ـ مثلا ـ بأحد اللونين ، معلقا وجوب كل منهما على ترك الآخر ، على نحو الوجوب التخييري ، في صورة تساويهما في الملاك ، ومعلقا وجوب أحدهما على ترك الآخر ، على نحو الوجوب الترتبي ، في صورة اهمية احدهما من الآخر ، وكذا في الامر بالذهاب الى المدرسة او المتجر ، تخييرا او ترتبا.

هذا في الضدين اللذين لهما ثالث ـ واما في الضدين اللذين لا ثالث لهما ، كالحركة والسكون ، بناء على بعض المباني فيهما ، فالمحذور فيه انما هو من جهة اخرى ، وليس من جهة كون التضاد بينهما دائميا ، وإلّا لعم ، لان العلة معممة ، كما هي مخصصة.

واما في مرحلة الاثبات : فقد يقال بأن التعارض ليس بين اصل وجود الدليلين بل هو : بين اطلاق كل منهما مع نفس الآخر فلا موجب لرفع اليد عن احدهما بل اما ان يقيد الاطلاق فيهما معا ، فيكون الوجوب تخييريا او يقيد اطلاق احدهما ـ وهو المهم ـ ويعلق وجوبه على عصيان الآخر ـ وهو الاهم ـ فيكون الوجوب ترتبيا.

والاول انما يكون في صورة احراز عدم اهمية احدهما على الآخر ، أو عدم احراز الاهمية ـ وفي كون الظن والاحتمال احرازا كلام مذكور في محله ـ والثاني انما يكون في صورة احراز الاهمية وذلك كله حسب ما تقتضيه قواعد

٢٨

الجمع بين الدليلين ، فان الضرورات تقدر بقدرها ، ولا ضرورة تقتضي الغاء احد الدليلين بالمرة ، فاما يلغى اطلاق احدهما ـ لو احرزت اهمية الآخر ـ او يلغى اطلاق كل منهما ـ لو لم يكن كذلك ـ.

والاول : لقبح تفويت الاهم ، أو ترجيح المرجوح على الراجح.

والثاني : لقبح ترجيح احد المتساويين على الآخر من غير مرجح ، بل استحالته لرجوعه الى الترجح بلا مرجح ، وهو مساوق لوجود المعلول بدون وجود علته على ما قرر في محله.

نعم يمكن ان يقال :

بأن الجمع بين الدليلين يجب ان يكون عرفيا ، بحيث يكون احد الدليلين ـ او كلاهما ـ قرينة عرفية لتفسير الآخر وكشف المراد منه ، فلا يشمل دليل الحجية الظهور الآخر ، ولا يسري التعارض ـ لذلك ـ الى دليل الحجية.

وهذا الشرط مفقود في المقام ، اذ العرف يرى التعارض المستقر بين الدليلين الدالين على وجوب ما كان التعارض بينهما دائميا ـ ولو كان لهما ثالث ـ بحيث يسري التعارض الى دليل الحجية فيكون المرجع في ذلك : هو ترجيح احدهما بالمرجحات المنصوصة او مطلق المرجحات او التخيير على الخلاف المذكور في مسألة التعادل والتراجيح ـ وهذا بخلاف ما كان التعارض فيه اتفاقيا ، اذ الجمع فيه على نحو الوجوب التخييري او الترتبي عرفي ، فتأمل!

ولعل ما اشترطه المحقق النائيني (قده) ناظر الى ذلك ، لكن. ينافيه قوله : (ضرورة انه لا معنى لجعل حكمين لفعلين متضادين دائما) ، إلّا ان يريد به عدم الظهور العرفي في عالم الاثبات ، لا عدم الامكان العقلي في عالم الثبوت ، فتأمل.

هذا كله في صورة عدم التنصيص على التعليق ، واما لو علق وجوب احدهما على عصيان الآخر كما لو أمره باستيجار الدار معلقا الوجوب على عصيان الامر

٢٩

بشرائها فلا يكون ثمة تعارض بين الدليلين في نظر العرف كما لا يخفى.

أن لا يكون المهم ضرورى الوجود عند العصيان

(السادس) أن لا يكون المهم ضروري الوجود عند عصيان الامر بالاهم ، فلا يجري الترتب في الضدين اللذين لا ثالث لهما.

قال المحقق النائيني (قده) : في رده الثاني على كاشف الغطاء (قده) الذي صحح الجهر في موضع الاخفات وبالعكس بالخطاب الترتبي :

(ان مورد الخطاب الترتبي هو ما اذا كان خطاب المهم مترتبا على عصيان الامر بالاهم ، وهذا لا يكون إلّا فيما اذا لم يكن المهم ضروري الوجود عند عصيان الامر بالاهم ، كما هو الحال في الضدين اللذين لهما ثالث ، وأما الضدان اللذان لا ثالث لهما ففرض عصيان الامر بأحدهما هو فرض وجود الآخر ، فيكون البعث نحوه طلبا للحاصل. وبالجملة : لو كان وجود الشيء على تقدير وجود موضوع الخطاب وشرطه ضروريا لامتنع طلبه ، لانه قبل وجود موضوعه يستحيل كونه فعليا وبعد وجوده يكون طلبا للحاصل ، فتحصل : ان كل ما فرض وجوده في الخارج يستحيل طلبه في ظرف فرض وجوده سواء كان فرض وجوده مدلولا مطابقيا للكلام كما اذا أمر بترك الشيء على تقدير عصيان الامر المتعلق به أم كان مدلولا التزاميا له كما في ما نحن فيه ، فان ترك أحد الضدين خارجا ملازم لوجود الآخر لفرض عدم الثالث فيكون الامر بأحدهما على تقدير ترك الآخر أمرا بما هو مفروض الوجود وهو مستحيل).

أقول : ينبغي هنا ذكر امور :

(أحدها) ان البرهان المذكور ـ كما ترى ـ انما يجري فيما لو أخذ نفس

٣٠

العصيان شرطا للامر بالمهم ، وأما لو أخذ العزم على العصيان ـ أو عدم العزم على الامتثال ـ شرطا فلا ، اذ لا يلزم منهما حصول الشيء فعلا حتى يكون الامر به طلبا للحاصل.

نعم : قد يفرض فيه محذور آخر وهو لزوم اللغوية .. اذ العزم على عصيان الاهم اما ان لا يكون موصلا الى فعل المهم ، أو يكون موصلا اليه.

فعلى الاول : يكون المكلف ـ لا محالة ـ مشتغلا بالاهم في ظرفه ـ لفرض عدم الثالث ـ فيكون الامر بالمهم ـ حينئذ ـ أمرا بالمرجوح في ظرف تلبس المكلف بالراجح ، وهو قبيح.

وعلى الثاني : يكون الامر به لغوا ، اذ لا يكون للامر أي تأثير في حصول المهم ، وما لا يترتب عليه أثر لا مبرر لوجوده.

(ثانيها) في الضدين اللذين لا ثالث لهما قد يلحظ قيد الدوام في المتعلق ، فيخرجان بذلك ـ بلحاظ الزمان الممتد ، وان لم يخرجا بلحاظ كل آن من آنات الزمان ـ عن الضدين اللذين لا ثالث لهما ، لوجود الثالث وهو التبعيض ، ومن الممكن ترتب محاذير على التبعيض الواقع في عمود الزمان بين الضدين اللذين لا ثالث لهما ، فيأمر المولى بالاهم منهما مطلقا على سبيل الدوام ، وبالمهم منهما معلقا على عصيان الامر بالاهم على ذلك النحو ، في قبال الثالث الذي هو التبعيض وهذا لا مانع من جريان الترتب فيه.

(ثالثها) قد يكون هنالك ضدان لهما ثالث (أي حالة ثالثة) ، لكن لحاظ موضوع خاص يجعلهما بالاضافة اليه من قبيل الضدين اللذين لا ثالث لهما ، فالجهر والاخفات مثلا بلحاظ ذاتهما ضدان لهما ثالث وهو السكوت مثلا .. لكن بلحاظ حال القراءة لا ثالث لهما ـ فى الآن الواحد من الزمان ـ وحينئذ يكون امكان الترتب واستحالته منوطين بما يؤخذ في الدليل ، فان أخذ المتعلق بلا لحاظ

٣١

الموضوع الخاص لم يكن بالامر الترتبي بأس بأن يقول : (تجب عليك القراءة الجهرية ، فان عصيت فتجب عليك القراءة الاخفاتية) في قبال الثالث وهو الترك المطلق ، وان أخذ موضوع خاص في الدليل كان الامر الترتبي محالا كأن يقول : (القارئ ان لم يجهر بالقراءة فيجب عليه الاخفات) اذ يكون ذلك الامر طلبا للحاصل وهكذا الامر بالنسبة الى القصر والاتمام في الصلاة.

ومنه يعلم : ان النزاع في مثل ذلك تابع لكيفية الاستظهار من الدليل.

(رابعها) انه قد يظهر مما سبق عدم انحصار المحذور المذكور في الضدين اللذين لا ثالث لهما ، بل يجري أيضا في الامر بمجموع الاضداد الوجودية على سبيل الترتب ، اذ يكون أحد هذه الخطابات لغوا ، وان امكن كون الباقي مأمورا بها على سبيل الترتب وكذا في الامر بالنقيضين ، أو العدم والملكة ، على نحو الترتب كما سبقت الاشارة اليه.

وأما الامر بايجاد (المتضايفين) على نحو الترتب فقد سبقت الاشارة ـ في الشرط الاول من شرائط تحقق الموضوع ـ الى انه يستلزم التهافت في الدليل ، فراجع.

(خامسها) انه تظهر نتيجة هذا الشرط في انه لو ورد خطابان يثبتان الوجوب للضدين اللذين لا ثالث لهما ـ ونحوهما ـ فانه لا يمكن ادراجهما في باب التزاحم وتصحيحهما بالخطاب الترتبي وذلك لحصول التنافي بين الدليلين في مرحلة الجعل ، لا في مرحلة الطاعة ، فيكونان متعارضين ، وتجري عليهما قوانين باب التعارض.

ثم لا يخفى ان الشرط السابق اعم ـ موردا ـ من هذا الشرط ، لتحقق التضاد الدائمي في المقام ايضا ، نعم : في المقام يلزم محذوران في الامر الترتبي وهما (عدم امكان الجمع العرفي بين الدليلين) و (لزوم طلب الحاصل) بخلاف المقام

٣٢

السابق ، فلاحظ.

تنجز خطاب الأهم على المكلف

(السابع) أن يكون الخطاب بالاهم منجزا على المكلف فلو لم يتنجز الخطاب بالاهم ـ كما في الموارد التي تجري فيها البراءة عن التكليف المجهول ـ لم يعقل الامر بالمهم على نحو الترتب ، لانتفاء موضوعه ، وهو عصيان الامر بالاهم بمقتضى جريان البراءة عنه ، ومن المعلوم ان ثبوت المحمول فرع ثبوت الموضوع واذ ليس فليس.

هذا هو المستفاد من كلام المحقق النائيني (قده) وأورد عليه في (المحاضرات) : (بأن الالتزام بلزوم تقييد فعلية الخطاب المترتب بعنوان عصيان الخطاب المترتب عليه بلا ملزم ، بل لا بد من الالتزام بالتقييد بغيره ، فهنا دعويان ، أما الدعوى الاولى فلان الترتب كما يمكن تصحيحه بتقييد الامر بالمهم بعصيان الامر بالاهم كذلك يمكن تقييده بعدم الاتيان بمتعلقه ، فان مناط امكان الترتب هو عدم لزوم طلب الجمع بين الضدين من اجتماع الامرين في زمان واحد ، ومن الواضح انه لا يفرق في ذلك بين أن يكون الامر بالمهم مشروطا بعصيان الامر بالاهم او بترك متعلقه في الخارج.

وأما الدعوى الثانية : فلان الملاك الرئيسي لا مكان الترتب هو ان فعل الواجب المهم في ظرف عدم الاتيان بالواجب الاهم وتركه في الخارج مقدور للمكلف عقلا وشرعا ، فلا يكون تعلق الامر به على هذا التقدير قبيحا ، اذ ليس بغير المقدور فيكون شرط تعلق الامر بالمهم هو عدم الاتيان بالاهم خارجا ، لا عصيانه ، ضرورة ان امكان الترتب ينبثق من هذا الاشتراط سواء أكان ترك الاهم معصية ام لم يكن ،

٣٣

وسواء علم المكلف بانطباق عنوان العصيان عليه ام لم يعلم ، فان كل ذلك لا دخل له في امكان الامر بالمهم مع فعلية الامر بالاهم اصلا ، ولذا لو فرضنا في مورد لم يكن ترك الاهم معصية لعدم كون الامر وجوبيا لم يكن مانع من الالتزام بالترتب فيه).

اقول : (الترتب) قد يطلق ويراد به (مطلق التعليق) ـ وان لم يلزم منه محذور ـ وقد يطلق ويراد به نوع خاص من التعليق ، وهو الذي وقع ـ من حيث الامكان والاستحالة ـ محلا للخلاف بين الاعلام.

والمعنى الاول أعم من الثاني : لامكان تعليق حكم على ترك امتثال حكم آخر دون وقوع الخلاف فيه ، لاطباق الكل على الجواز.

فان اريد في المقام (الترتب) بالمعنى الاول امكن أن يقال : بجواز تعليق الامر بالمهم على مجرد ترك الامر بالاهم بأن يكلف المولى عبيده بالاهم مطلقا ، وبالمهم في صورة عدم وصول التكليف بالاهم اليهم ـ مثلا ـ ولعله لا يمانع في وقوع هذا الفرض حتى القائل باستحالة الترتب اذ التنافي بين الحكمين المتعلقين بأمرين متضادين انما يتحقق ـ عنده ـ في صورة نشوئهما عن داعيين متماثلين ، أما لو كان كل واحد منهما بداع غير الآخر فلا تنافي بينهما على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في أدلة القول بالامكان.

والامر في المقام كذلك ، اذ الامر بالمهم انما سيق بداعي ايجاد الداعي للمكلف نحو المطلوب ، وأما الامر بالاهم فقد سيق بدواع أخر.

أما الدعوى الاولى فواضحة ، وسيأتي بعض الكلام فيها.

وأما الدعوى الثانية : فلان صدور الاهم بداعي الانبعاث عن الامر المولوي عمن لم يتنجز عليه التكليف ـ لجهل أو نسيان ونحوهما ـ محال لفرض الجهل بوجود الامر ونحوه ، فيمتنع تعلق التكليف به بداعي جعل الداعي ، اذ ما يعلم

٣٤

عدم ترتبه على الشيء لا يمكن أن يكون غرضا منه. مضافا الى أنه كثيرا ما يمتنع صدور نفس الاهم ولو بدواع أخر من المكلف ، خاصة اذا كان من الامور التعبدية لعدم حصول مبادئ الاختيار ـ من التصور والتصديق بالفائدة ونحوهما ـ في نفس المكلف ـ فيستحيل صدوره منه على نحو الاختيار ، لاستحالة وجود المعلول بدون وجود علته ، وما يمتنع صدوره عن المكلف يمتنع تعلق التكليف به بداعي جعل الداعي.

وهذا بخلاف ما لو تنجز التكليف بالاهم ـ كالمهم ـ على المكلف ، اذ يمكن منع الامر الترتبي بالمهم في هذه الصورة ، لاستحالة اجتماع حكمين بعثيين على المكلف ـ عند القائل بامتناع الترتب ـ ومنه ينقدح عدم جريان بحث (الترتب) بالمعنى الثاني في المقام ، لاطباق الكل على الجواز.

وعلى هذا يمكن أن يقال بكون الخلاف لفظيا في المقام ، فالقائل بالجريان نظر الى انه لا مانع من تعليق الامر بالمهم على مجرد ترك الاهم.

والقائل بعدمه نظر الى أن هذا النوع من التعليق خارج عن محل الخلاف.

ويؤيده كلام المحقق النائيني (قده) حيث علل خروج الفرض عن مسألة الترتب بعدم التزاحم بين الحكمين فتأمل.

وصول التكليف بنفسه

(الثامن) وصول التكليف بالاهم بنفسه الى المكلف ، اذ لو لم يصل بنفسه لم يتحقق العصيان بالنسبة اليه ، ولو فرض وصوله اليه بطريقه ، ومع عدم تحقق العصيان ينتفي موضوع الامر بالمهم ، فلا يعقل الامر به على نحو الترتب.

ويرد عليه :

أولا : انه لا فرق في تحقق عصيان التكليف الواقعي بين وصوله بنفسه أو

٣٥

بطريقه ، كما في موارد الشبهات الحكمية قبل الفحص والشبهات الموضوعية المهمة التي أمر فيها بالفحص والاحتياط ، اذ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

ثانيا : مع التسليم يمكن تعميم العصيان المأخوذ موضوعا للامر بالمهم لعصيان الامر النفسي الواقعي وعصيان الامر المقدمي الطريقي ، والثاني متحقق في المقام ، لعصيان المكلف أوامر التعلم والاحتياط ونحوهما.

هذا ـ مضافا الى بعض ما مر في الشرط السابع.

عدم أخذ الجهل في موضوع الأمر الترتبى

(التاسع) عدم أخذ الجهل في موضوع الامر الترتبي.

قال المحقق النائيني (قده): ـ في بيان عدم جريان الترتب في مسألة الجهر والاخفات ـ :

(المكلف بالاخفات في الواقع اذا جهر بالقراءة فاما أن يكون عالما بوجوب الاخفات عليه أولا ، أما الاول فهو خارج عن محل الكلام ، اذ المفروض فيه توقف صحة الجهر على الجهل بوجوب الاخفات ، وأما الثاني فعصيان وجوب الاخفات وان كان متحققا في الواقع إلّا انه يستحيل جعله موضوعا لوجوب الجهر في ظرف الجهل لاستحالة جعل حكم يمتنع احرازه فيستحيل تصحيح عبادة الجاهل حينئذ بنحو الترتب.

الى أن قال : وبالجملة : ان لم يكن المكلف محرزا للعصيان المترتب عليه خطاب آخر لم يتنجز عليه ذلك الخطاب لعدم احراز موضوعه وشرطه. وان كان محرزا له فجعل الخطاب المترتب في مورده وان كان صحيحا إلّا انه خارج عن محل الكلام من جعل الخطاب مرتبا على العصيان الواقعي في ظرف جهل

٣٦

المكلف به. فتحصل ان كل خطاب يستحيل وصوله الى المكلف يستحيل جعله من المولى الحكيم) ـ الى آخر كلامه (قده) حسبما ورد في «أجود التقريرات» ـ.

وعلله في (فوائد الاصول) : بأنه لا يصح التكليف الا فيما اذا امكن الانبعاث عنه ، ولا يمكن الانبعاث عن التكليف الا بعد الالتفات الى ما هو موضوع التكليف والعنوان الذي رتب التكليف عليه. وفي المقام لا يعقل الالتفات الى ما هو موضوع التكليف بالاخفات الذي هو كون الشخص عاصيا للتكليف الجهري ـ انتهى.

ويرد عليه :

انه انما يتم لو سيق الامر بالمهم بداعي التحريك ، وأما لو سيق بلحاظ آخر ـ كسقوط القضاء ونحوه لاتيانه بما هو مأمور به ـ فلا.

وبتقرير آخر : التحريك الذي أخذ في التكليف أعم من أن يكون تحريكا نحو الشيء نفسه أو نحو آثاره ، فلا موجب لاختصاصه بالاول.

هذا مضافا الى جريان بعض ما ذكر في الجواب عن استحالة أخذ النسيان في موضوع الحكم في المقام أيضا ، وقد فصل الكلام فيه في أواخر مباحث البراءة والاشتغال فراجع.

كون المتزاحمين عرضيين

(العاشر) كون المتزاحمين عرضيين ـ أي متعاصرين بلحاظ الزمان ـ فلا يجري الترتب في الواجبين الطوليين اذا فرض عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما من باب الاتفاق ، كما لو فرض عدم قدرة المكلف على القيام في صلاتين

٣٧

كصلاة الظهر والعصر مثلا.

ولهذه المسألة صورتان :

(الصورة الاولى) أن يكون الواجب الاهم متأخرا ، والمهم متقدما بلحاظ الزمان. وقد علل عدم جريان الترتب في هذه الصورة بأن الخطاب الترتبي اما أن يلاحظ بالنسبة الى نفس الخطاب المتأخر وأخذ عصيانه شرطا للامر بالمتقدم ، واما أن يلاحظ بالنسبة الى الخطاب المتولد منه ، وهو وجوب حفظ القدرة له ، فيكون عصيان هذا الخطاب شرطا للامر بصرف القدرة الى المتقدم فان كان الاول فيرد عليه : ـ مضافا الى استلزامه للشرط المتأخر ـ ان ذلك لا يجدي في رفع المزاحمة فان المزاحم للمتقدم ليس نفس خطاب المتأخر ، لعدم اجتماعهما في الزمان ، بل المزاحم هو الخطاب المتولد منه ، ومعلوم ان فرض عصيان المتأخر في زمانه لا يسقط خطاب وجوب حفظ القدرة ، لعدم سقوط خطاب المتأخر بعد ما لم يتحقق عصيانه ، ففرض عصيان المتأخر في موطنه لا يوجب سقوط خطاب احفظ قدرتك ، فاذا لم يسقط فالمزاحمة بعد على حالها ، وخطاب (احفظ قدرتك) موجب للتعجيز عن المتقدم ، ولا يعقل الامر بالمتقدم في مرتبة وجوب حفظ القدرة للمتأخر.

وان كان الثاني فيرد عليه : ان عدم حفظ القدرة للمتأخر لا يكون إلّا بفعل وجودي يوجب صرف القدرة اليه ، وهو اما نفس المتقدم أو فعل آخر ، فان كان الاول يلزم طلب الحاصل. وان كان الثاني يلزم تعلق الطلب بالممتنع. وان كان المراد من عدم حفظ القدرة في المتأخر المعنى الجامع بين صرف القدرة الى المتقدم أو فعل وجودي آخر مضاد لذلك يلزم كلا المحذورين.

أقول : البحث تارة يدور حول (شرط وجوب المهم) واخرى في (ظرف وجوب الاهم) وثالثة في (وجوب حفظ القدرة) أما بالنسبة الى البحث الاول

٣٨

فيرد على ما ذكره (قده) :

أولا : معقولية الشرط المتأخر على ما قرر في محله.

وثانيا : جواز استبدال (العزم على عصيان الاهم) أو (عدم العزم على الامتثال) بالعصيان فيكون الشرط مقارنا.

وثالثا : امكان أخذ (التعقب) بالعصيان شرطا ، فلا يكون متأخرا. ولا يرد عليه بأن الالتزام بكون عنوان التعقب شرطا يدور مدار قيام الدليل عليه وهو مفقود في المقام لما ذكره بعض الاعلام من ان ملاك القول بالترتب في الواجبين الفعليين هو امكان الامر بكل منهما على نحو الترتب واشتراط أحدهما بعدم الاتيان بمتعلق الآخر بلا موجب لرفع اليد عن الاطلاق بالاضافة الى هذا الحال بعد ارتفاع محذور التزاحم برفع اليد عن اطلاق خطاب المهم بالاضافة الى حال امتثال الاهم بعينه موجود في الواجبين التدريجيين أيضا ، ضرورة انه اذا أمكن طلب المهم مشروطا بتعقبه بترك الواجب المتأخر الاهم فلا موجب لرفع اليد عن اطلاق دليله بالاضافة الى هذا الحال. وانما اللازم هو رفع اليد عن اطلاقه بمقدار يرتفع به محذور التزاحم أي اطلاقه بالاضافة الى حال امتثال الواجب المتأخر في ظرفه ، وبتقريب آخر : المفروض في المقام هو اشتمال الواجب المهم على الملاك الملزم في نفسه وأنه لا مانع من طلبه مشروطا بتعقبه بالعصيان المتأخر فلا موجب لرفع المولى يده عن طلبه كذلك وتفويته الملاك الملزم ، وعليه فلا حاجة الى دليل بالخصوص على كون عنوان التعقب بالعصيان شرطا لوجوب الواجب المتقدم أصلا.

وأما بالنسبة الى البحث الثاني فيرد عليه امكان تعاصر الامرين ، وذلك بكون وجوب الاهم معلقا ، أو مشروطا بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر ، لكن هذا الايراد مبنائي كما لا يخفى.

وأما بالنسبة الى البحث الثالث فيرد عليه :

٣٩

أولا : امكان أخذ (العزم) على عصيان خطاب حفظ القدرة شرطا فلا يلزم طلب الحاصل أو الممتنع أو كلاهما معا.

ثانيا : جواز اشتراط وجوب المهم بعصيان خطاب حفظ القدرة على نحو الشرط المتأخر أو كون وجوبه معلقا فلا يرد المحذور المذكور.

ثالثا : النقض بجميع الاوامر الترتبية التي تعلق وجوب المهم فيها بترك الاهم ، كما في قوله (ان تركت الازالة فصل) حيث لا يصح ان يقال (ان تركت الازالة واشتغلت بالصلاة فصل) لاستلزامه طلب الحاصل ولا (ان تركتها واشتغلت بغيرها) لاستلزامه طلب الممتنع ، ولا الاعم لاستلزامه كلا المحذورين.

فان قيل : لا يصح القياس ، لان ترك الازالة لا يلازم الصلاة ، ولا فعلا آخر مضادا لها ، بل كل فعل وجودي يفرض فانما هو مقارن لترك الازالة لا عينه ولا يلازمه لتمكن المكلف من عصيان الامر بالازالة مع عدم اشتغاله بفعل وجودي أصلا ، وليست الافعال الوجودية من مصاديق ترك الازالة اذ الوجود لا يكون مصداقا للعدم ، فمع فرض تركه للازالة يمكنه أن لا يشتغل بفعل وجودي ـ فلا مانع من أمره بالصلاة حينئذ عند ترك الازالة ولا يكون من طلب الحاصل أو الطلب للممتنع ولو فرض انه اشتغل بفعل وجودي آخر ، لانه لم يقيد الامر الصلاتي بصورة الاشتغال بالصلاة أو صورة الاشتغال بفعل وجودي آخر حتى يلزم ذلك ، بل الامر الصلاتي كان مقيدا بترك الازالة فقط ـ وهذا بخلاف المقام فان ترك حفظ قدرته للمتأخر لا يكون إلّا بالاشتغال بفعل وجودي يوجب سلب القدرة عن المتأخر ، وإلّا لكانت قدرته الى المتأخر محفوظة ، فالفعل الوجودي يكون ملازما لعدم انحفاظ القدرة ولا يكون مقارنا ، وحينئذ يرد المحذور.

قيل : انه لا محيص عن ملازمة (المهم) أو (فعل وجودي آخر مضاد للمهم) أو (عدم الاشتغال بفعل وجودي أصلا) ـ لو فرض امكانه ـ ل (ترك الاهم) فان

٤٠