الترتّب

السيد محمّد رضا الشيرازي

الترتّب

المؤلف:

السيد محمّد رضا الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة هيئة الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٨

الزمانية ، فانتفاء الاولى لا يرفع المزاحمة بعد وجود الثانية.

الثالث : لو كان الاختلاف الرتبي مجديا في دفع التطارد لاجدى في أخذ العلم بالحكم موضوعا لحكم ضده.

الرابع : النقض بما اذا قيد الامر بالمهم بفعلية الامر بالاهم.

الخامس : النقض بما اذا قيد الامر بالمهم بامتثال الامر بالاهم.

السادس : ان عدم صعود الامر بالمهم الى مرتبة الامر بالاهم لا يكفي بعد نزوله الى مرتبته.

وقد مضى الكلام في هذه الوجوه في أدلة القول بالامتناع.

السابع : ان اتصاف أحد المتلازمين أو البديلين بالتقدم الرتبي على شيء لا يستلزم اتصاف ملازمه أو بديله بالتقدم الرتبي عليه .. وكذا التأخر .. فان مصاحب العلة ليس بعلة ، ومصاحب المعلول ليس بمعلول فلا يكون متقدما في الاول ، ولا متأخرا في الثاني ، لعدم توفر ملاك التأخر الرتبي فيهما.

فحمرة النار ليست علة للاحراق وان صاحبت العلة ، بالبداهة ، وامكان الممكن ليس معلولا وان لازم المعلول وإلّا لزم الانقلاب ـ لو فرض واجبا أو ممتنعا في حد ذاته ـ أو التسلسل ـ لو فرض ممكنا بامكان آخر ـ أو تقدم الشيء على نفسه ـ لو فرض ممكنا بنفس الامكان المعلول ـ أو خلو الشيء عن المواد الثلاث ـ لو فرض عدم كونه كذلك ـ والتوالي بأسرها باطلة.

ومنه ينقدح : ان كون الامتثال والعصيان بديلين لا ينهض دليلا على تأخر العصيان عما تأخر عنه الامتثال ـ لو سلم ـ فلا يمكن اثبات الطولية بذلك.

نعم : لو لم يرد بالامتثال أو العصيان مجرد الفعل أو الترك ، بل أريد بهما العنوان الانتزاعي امكن اثبات تأخرهما عن الخطاب ، ـ على ما سبق الكلام فيه ـ ، لكن كلامه (قده) في منشأ الانتزاع لا في العنوان المنتزع كما صرح هو بذلك.

١٢١

وكذا الامر في الاطلاق والتقييد فان كونهما بديلين لا يستلزم تقدم الاطلاق على ما تقدم عليه التقييد.

الثامن : ان ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) من استحالة الاطلاق في بابي الطاعة والمعصية فلا يكون للامر بالاهم اطلاق يعم حال عصيانه حتى يرد الامران على تقدير واحد ولو بالاطلاق ، مستدلا عليه بانه يلزم منه الجمع بين كلا المحذورين منظور فيه.

اما نقضا : فبورود نظيره في كل موطن استحال فيه تقييد الحكم بأحد التقديرين أو كان التقييد فيه لغوا ، فمثلا : في مسألة اشتراك الاحكام يقال : بأن تخصيص الحكم بتقدير العلم يستلزم الدور ، وتخصيصه بتقدير الجهل يستلزم اللغوية ، فاشتراك الاحكام بينهما ـ ولو بنتيجة الاطلاق ـ في قوة التصريح بكلا التقديرين ، فيلزم منه كلا المحذورين.

وهكذا فيما لو كان تعيين احدى الحصتين مستلزما للترجيح بلا مرجح ـ فان الترجيح كذلك لغو على المعروف ، وان كان محالا على التحقيق ، لاوله الى الترجح بلا مرجح ، وهو مساوق لوجود المعلول بدون وجود علته ـ.

واما حلا : فبما في (المباحث) من (ان المحذور تارة يكون في ثبوت الحكم على المقيد ، واخرى في التقييد ، فالنحو الاول من المحذور يثبت في الاطلاق أيضا ، اذ المحذور قائم في ثبوت الحكم على الحصة المعينة سواء كان الثبوت باطلاق أو بتخصيص ، واما النحو الثاني من المحذور فهو غير جار في المطلق ، اذ مركزه نفس التقيد ، والمفروض عدمه في المطلق ، ومقامنا من الثاني لا الاول ، اذ لا محذور في ثبوت الحكم في حالتي الامتثال والعصيان ، وانما المحذور في نفس تقييد الحكم بحالة العصيان أو حالة الامتثال فيرتفع بالاطلاق) انتهى. فتأمل.

١٢٢

واما ما تمسك به من ان امتناع التقييد مساوق لامتناع الاطلاق فيرد عليه :

ان الاطلاق يمكن ان يطلق على معنيين :

أحدهما : عدم التقييد ، في مورد امكان التقييد ، فيكون العدم فيه عدم ملكة.

وثانيهما : عدم التقييد ، مطلقا ، بلا لحاظ امكان التقييد أو عدمه ، فيكون العدم فيه سلبا في قبال الايجاب.

والاطلاق والتقييد بالمعنى الثاني متعاقبان لا يمكن ارتفاعهما معا ، لكونهما نقيضين ، ففرض ارتفاع احدهما فرض ثبوت الآخر ، بخلاف المعنى الاول حيث يمكن فيه ارتفاعهما ، وذلك في المحل غير القابل.

وحينئذ نقول : ان الاثر تارة يكون مرتبا على الاطلاق بالمعنى الاول ، وفي هذه الحالة لا يمكن الاطلاق اذا لم يمكن التقييد ، لانتفاء قابلية المحل.

وتارة يكون مرتبا على نفس عدم التقييد ، ـ أي الاطلاق بالمعنى الثاني ـ وفي هذه الحالة يكون الاطلاق ضروريا اذا لم يمكن التقييد.

والاثر فيما نحن فيه مرتب على الاطلاق بالمعنى الثاني ، اذ يكفي فيه نفس عدم الاختصاص باحدى الحالتين المستفاد من عدم معقولية التقييد ، فما دام اختصاص الحكم باحدى الحصتين محالا يكون عمومه لهما ضروريا ، وهو المطلوب.

ومنه ينقدح عدم الحاجة الى متمم الجعل في مثل مسألة اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل ، لعدم توقف اثباته على الاطلاق الملكي الممتنع حسب الفرض بل يكفي فيه : نفس عدم الاختصاص بالعالم المستفاد من نفس عدم معقولية التقييد فيكون التقابل تقابل السلب والايجاب (أي الاختصاص وعدمه) واستحالة أحد النقيضين كافية في اتصاف البديل بالوجوب.

هذا كله مضافا (الى) أن الانقسامات اللاحقة للخطاب انما تكون لاحقة في الوجود العيني ، ولا مانع من لحاظها موضوعا في الوجود الذهني.

١٢٣

فمثلا : في مسألة (قصد امتثال الامر) : المتأخر عن الامر وما يأتي من قبله هو القصد الخارجي ، وأخذ القصد في موضوع الامر لا يستلزم تقدم الشيء على نفسه بمرحلتين ـ اذ كيف يؤخذ ما يأتي من قبل الامر في متعلقه؟ ـ لان كون فرد مصداقا للطبيعي منوط بأمرين :

أحدهما : أخذ الطبيعي في حد الفرد كأخذ الهيئة القارة التي لا تقبل القسمة والنسبة لذاتها في تعريف الكيف.

وثانيهما : ترتب الآثار المترقبة من الطبيعي على الفرد ، كترتب تفريق نور البصر على البياض.

ومجرد تحقق الامر الاول لا يجدي في اندراج الفرد تحت الطبيعي ما لم ينضم اليه الامر الثاني ، نعم يكون هو هو بالحمل الاولي الذاتي ، لا بالحمل الشائع الصناعي.

ومن هنا كان انسلاخ معظم المفاهيم عن نفسها في مرحلة الحمل الشائع ، وان احتفظت بالهوهوية في مرحلة الحمل الاولي ، فالجزئي جزئي بالحمل الاولي لصدق تعريفه عليه ، وليس بجزئي بالحمل الشائع لامكان فرض صدقه على كثيرين فليست فيه خاصية مصاديقه وهكذا سائر المفاهيم ، نعم يستثنى من التخالف في الحملين مفهوم (الكلي) ، فانه كلي بالحمل الاولي وبالشائع معا ، لاخذ تعريفه في حده ، ولا مكان فرض صدقه على كثيرين ـ من المفاهيم الكلية ـ ففيه خاصية مصاديقه وكذا مفهوم (الموجود) و (الشيء) ونحوهما.

ففيما نحن فيه : القصد المتأخر هو القصد بالحمل الشائع ، واما المأخوذ في موضوع الخطاب ـ فهو القصد بالحمل الاولي ، أي أنه مفهوم القصد والصورة الذهنية له ، وليس مفهوم الشيء فردا له ولا هو هو بالحمل الشائع ، فالمتقدم هو المفهوم الذهني ، والمتأخر هو المصداق الخارجي ، فلا يلزم تقدم الشيء

١٢٤

على نفسه وعلى هذا فلا استحالة في أخذ مثل ذلك في موضوع الخطاب ، بل قد يقال بأنه يستحيل عدم أخذه كذلك ، لعدم قيام غرض المولى بالطبيعي ، بل بالحصة ، فكيف يكون موضوع الخطاب هو الطبيعي؟ فتأمل.

(الى) غير ذلك مما لا نطيل المقام بذكره.

المقدمة الثالثة

ان الخطاب الترتبي لا يقتضي ايجاب الجمع ، فلا وجه لاستحالته ، لان الجمع عبارة عن اجتماع كل منهما في زمن امتثال الآخر ، بحيث يكون امتثال أحد الخطابين مجامعا في الزمان لامتثال الآخر. والذي يوجبه : اما تقييد كل من المتعلقين ـ أو أحدهما ـ بحال فعل الآخر ، واما اطلاق كل من الخطابين لحال فعل الآخر والخطاب الترتبي لا يقتضي ايجاب الجمع ، بل يقتضي نقيضه بحيث لا يكون الجمع مطلوبا لو فرض امكانه ، وإلّا لزم المحال في كل من طرفي المطلوب والطلب.

أما الاول : فلان مطلوبية المهم انما تكون في ظرف عصيان الاهم ، فلو وقع على صفة المطلوبية في حال امتثال الاهم كما هو لازم ايجاب الجمع يلزم الجمع بين النقيضين اذ يلزم أن يعتبر في مطلوبية المهم وقوعه بعد العصيان ، ويعتبر أيضا في مطلوبيته وقوعه في حال عدم العصيان ، بحيث يكون كل من حالتي وجود العصيان وعدمه قيدا في المهم ، وهذا يستلزم الجمع بين النقيضين.

وأما الثاني : فلان خطاب الاهم يكون من علل عدم خطاب المهم ، لاقتضائه رفع موضوعه ، فلو اجتمعا ـ كما هو لازم ايجاب الجمع ـ لكان من اجتماع الشيء مع علة عدمه. وحينئذ اما أن نقول بخروج العلة عن كونها علة للعدم ،

١٢٥

أو بخروج العدم عن كونه عدما ، أو باجتماعهما مع بقاءهما على ما كانا عليه ، والتوالي بأسرها باطلة.

مضافا الى أن البرهان المنطقي يقتضي أيضا عدم ايجاب الجمع فان الخطاب الترتبي بمنزلة منفصلة مانعة جمع صورتها هكذا (اما أن يكون الشخص فاعلا للاهم واما أن يجب عليه المهم) فهناك تناف بين وجوب المهم وفعل الاهم ، ومع هذا التنافي كيف يعقل ايجاب الجمع؟ مع أن ايجاب الجمع يقتضي عدم التنافي بين كون الشخص فاعلا للاهم وبين وجوب المهم عليه. انتهى.

ويرد عليه :

أولا : ان المفروض محال ـ وان لم يكن الفرض محالا ، لان فرض المحال ليس بمحال ـ اذ يستحيل أن يجمع (العاصي للاهم) بين (المهم والاهم) ، لانه يؤول الى اجتماع النقيضين ، حيث يكون المكلف تاركا للاهم ـ باعتبار كونه عاصيا له ـ وفاعلا له ـ باعتبار كونه جامعا بينه وبين ضده ـ.

وعلى فرض صدورهما معا من المكلف فهما يقعان حينئذ معا على صفة المطلوبية ، اذ الامر بالمهم انما رتب على عصيان الامر بالاهم لعدم قدرة المكلف على الجمع ، ففي ظرف فرض امكان صدورهما عن المكلف لا يكون هنالك تعليق ، ويخرج الامران عن كونهما ترتبيين الى أمرين عرضيين.

وبعبارة أخرى : تقييد خطاب المهم ـ مع اطلاقه في حد نفسه ـ انما كان بحكم العقل حذرا من الامر بما لا يطاق ، فاذا فرض امكان صدورهما معا عن المكلف ارتفع المحذور ، ولم يكن هناك داع لتقييد المهم ، وكان الامران فعليين معا.

ويؤيده ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) بقوله :

(ان مورد البحث في الامر الترتبي انما هو فيما اذا كان الملاك لكل من الامرين ـ من المترتب والمترتب عليه ـ ثابتا متحققا عند التزاحم ، بحيث لو منعنا

١٢٦

عن الامر الترتبي أمكن تصحيح العبادة بالملاك ، بناء على كفاية ذلك في صحة العبادة ...) وقال أيضا : (ان مسألة الترتب من فروع باب التزاحم) ...

وقد يورد عليه : بأن هذا انما يتم في صورة كون المهم واجدا للملاك في عرض الاهم ، لا في صورة ترتبه عليه ملاكا كترتبه عليه حكما.

وفيه : أن نفس الاطلاق كاشف اني عن ثبوت الملاك ، والمفروض حصوله لوجود المقتضي وعدم المانع في ظرف هذا الفرض.

ومنه ينقدح النظر فيما رتبه (قده) من المحذور في طرفي الطلب والمطلوب.

وأما ما استدل به في (التهذيب) على وقوع كل من الاهم والمهم حينئذ على صفة المطلوبية بقوله : (ان الذي يعصي مع كونه عاصيا في ظرفه : يطلب منه الاتيان بالاهم ، لعدم سقوط أمره بالضرورة ما لم يتحقق العصيان خارجا ، والفرض أن شرط المهم حاصل أيضا فيكون مطلوبا) ففيه : انه ان أراد ترتب (مطلوبية المهم) على (مقدم الجمع) على نحو (بشرط شيء) ـ أي مع ضميمة

ترتب (عدم المطلوبية) على (المقدم) ـ أو على نحو (لا بشرط) فهو صحيح إلّا أنه لا يجديه ، وان أراد ترتيبها عليه على نحو (بشرط لا) ـ أي بشرط عدم ضميمة ترتب النقيض على المقدم ـ فهو غير صحيح ، وذلك لانه لا يصح ترتيب كل تال على كل مقدم ، بل ما يكون بينهما علاقة ذاتية ، بحيث لو قدر وجودهما يكون بينهما تعلق سببي ومسببي أو يكونان معلولين لعلة ثالثة ـ على التفصيل المقرر في محله ـ ومن هنا كانت انسانية الجدار ـ لو فرضت ـ مستلزمة لناطقيته ، لا لناهقيته ، اذ التلازم هو كون الشيئين بحيث لا يمكن فى نظر العقل وقوع الانفكاك فيما بينهما وهذا انما يتحقق فى الاول لا في الثاني ، ولا فرق في ذلك بين كون المقدم واجبا أو ممكنا أو ممتنعا.

ففي المقام : لو أخذ في المقدم اجتماع وجود الاهم وعدمه فلا محالة يؤخذ

١٢٧

في التالي اجتماع مطلوبية المهم وعدمها ، أما المطلوبية فلتحقق شرطها ـ وهو انتفاء الاهم بمقتضى كون المكلف عاصيا له ـ وأما عدمها فلانتفاء الشرط بتحقق الاهم ـ بمقتضى كونه جامعا بينه وبين ضده ـ

وعلى كل : فالذي ينفع المجيب هو (اثبات المطلوبية) فقط ، وهو غير حاصل في المقام.

ومنه ينقدح : عدم استقامة الاستدلال المذكور في المقدمة الثالثة أيضا ، اذ الذي يجدي هو (اثبات عدم المطلوبية) محضا ، ولا يمكن اثباته بهذا البرهان.

ثانيا : ان ترتيب (بطلان كون الامر الترتبي أمرا بالجمع) على ترتب هذه المحاذير ليس بأولى من ترتيب (بطلان وجود الامر الترتبي) عليه ، بل هو متعين اذ لا يلزم في الامر بالجمع ان يكون بعنوانه ـ لكونه معنى انتزاعيا منوطا بوجود منشأ انتزاعه ـ كما لا يلزم كونه أمرا بالجمع مطلقا ، بل يمكن كونه أمرا بالجمع مشروطا ، وذلك حاصل في المقام عند تحقق مقدم شرطية الامر بالمهم.

وعليه يقال : لو كان هناك أمران ترتبيان لزم الامر بالجمع بين المتعلقين ، لكن التالي باطل ـ لعدم معقولية الامر بالجمع باعتبار فرض ترتب المحاذير المذكورة في هذه المقدمة عليه ـ فالمقدم مثله ، فتأمل.

ثالثا : ان المحذور المتصور في الامر بالترتب منوط ب (معية الطلب) لا (طلب المعية). وذلك لاداء الطلبين المتزامنين كذلك الى اجتماع ارادتين فعليتين في نفس المولى وهو محال بمقتضى سراية التضاد من المراد الى الارادة ولعدم وفاء قدرة المكلف على الجمع بين الضدين. فلا ينفع الدفع بارتفاع (طلب المعية) بالترتب.

وسيأتي الكلام في ذلك قريبا إن شاء الله تعالى.

١٢٨

(الدليل الثاني)

(الدليل الثاني) ـ مما استدل به لجواز الترتب ـ الوقوع ، فانه أدل دليل على الامكان.

ولهذا الدليل شقان :

الشق الاول : الوقوع في الشرعيات.

وقد ذكر المحقق النائيني (قدس‌سره) وغيره ان في الفقه فروعا لا محيص للفقيه عن الالتزام بها مع كونها من الخطاب الترتبي.

(منها) ما لو فرض حرمة الاقامة على المسافر من أول الفجر الى الزوال ، فعصى وأقام ، فلا اشكال في وجوب الصوم عليه ، فيكون قد توجه اليه في الآن الاول الحقيقي من الفجر كل من حرمة الاقامة ووجوب الصوم ، لكن مترتبا ، بمعنى ان وجوب الصوم يكون مترتبا على عصيان حرمة الاقامة ، ففي حال الاقامة يجب عليه الصوم مع حرمة الاقامة.

و (منها) ما لو فرض وجوب الاقامة على المسافر من أول الزوال ، اذ يكون وجوب القصر عليه مترتبا على عصيان وجوب الاقامة ، وكذا لو فرض حرمة الاقامة فان وجوب التمام يكون مترتبا على عصيان حرمة الاقامة.

و (منها) وجوب الخمس المترتب على عصيان خطاب أداء الدين اذا لم يكن الدين من عام الربح.

ولا فرق بين هذه الفروع وما نحن فيه سوى كون التضاد فيها شرعيا ، وفيه ذاتيا ولكن امكان الجمع بحسب ذاته وعدمه لا يوجب فرقا فيما هو ملاك الاستحالة.

ويرد عليه :

ان دلالة الوقوع على الامكان ـ باعتبار عدم وقوع المحال في الخارج ـ

١٢٩

متوقفة على احراز صغروية (الواقع) للكبرى المطلوبة ، ولا يتم هذا الاحراز الا ينفي جميع الاحتمالات الأخر ، اذ مجيء الاحتمال مبطل للاستدلال في باب الامور العقلية ، وان لم يكن مبطلا له في باب الظواهر اللفظية ، لابتناءها على الظنون النوعية ، بخلاف الاولى فانها تبتني على القطع ، وهو لا يجامع احتمال الخلاف مطلقا .. وما سيق من الامثلة في هذا الباب لا يتعين كونه من الامر الترتبي لاحتمال كونه من غيره ، وتوضيح ذلك يتوقف على بيان مقدمات :

(الاولى) :

ان الملاك القائم بالشيء لا يزول بحصول التضاد بينه وبين ضده ، اذ الملاك عبارة عن المصلحة ـ أو المفسدة ـ التكوينية الحاصلة في الشيء ، ولا ينقلب الموصوف بصفة تكوينية عما هو عليه لعدم قدرة المكلف على الجمع بينه وبين ضده .. ولو نوقش في الكلية المزبورة كفت الموجبة الجزئية في اثبات المطلوب.

نعم قد لا يلحظ الملاك القائم بالشيء في مقام جعل الحكم بحيث يكون مؤثرا فيه ، لحصول الكسر والانكسار بين المقتضيات المتزاحمة وترجيح الاهم منها.

لكن عدم لحاظه في مقام التشريع لا يستلزم عدم ثبوته في الخارج ، كما في انقاذ الغريقين ، فان التضاد بينهما ـ بالنظر لقدرة المكلف ـ لا يمنع عن اتصاف كل منهما بالمصلحة في حد ذاته ـ وان فرض عدم كونها محركة لجعل الحكم على طبق أحدهما لكون الآخر أهم ـ.

(الثانية) :

ان محبوبية الشيء لا تستلزم مبغوضية ضده الخاص لتوقف مبغوضية الشيء على وجود المفسدة فيه ، وهي اما نفسية أو غيرية ، ولا مفسدة نفسية في الضد على ما هو المفروض ، كما لا مفسدة غيرية فيه اذ انها اما ان تنشأ من (المقدمية) ـ بتقريب

١٣٠

(ان وجود الشيء موقوف على عدم ضده ـ باعتبار كون الضد مانعا ، مع أن عدم المانع من المقدمات) و (ان مقدمة المحبوب محبوبة) و (ان محبوبية عدم الضد مستلزمة لمبغوضية وجود الضد).

أو من (التلازم) ـ بتقريب (ان وجود كل شيء ملازم مع عدم ضده) و (ان المتلازمين في الوجود متلازمان في المحبوبية والمبغوضية) و (ان محبوبية عدم الضد مستلزمة لمبغوضية وجود الضد).

وكلتاهما منتفيتان في المقام.

اما الاولى فلعدم حيلولة الضد ، عن وجود المحبوب ، اذ الحائل هو (الصارف) ـ أي ارادة الضد أو عدم ارادة الشيء وبعبارة أخرى : وجود المقتضي للضد أو عدم وجود المقتضي للشيء ـ فلو فرضت ثمة مبغوضية لكانت متعلقة به لا بالضد ، مع امكان المناقشة في مبغوضية ما يحول دون وجود المحبوب على ما قرر نظيره في مباحث استلزام ارادة الشيء لارادة مقدماته الوجودية.

واما الثانية : فلدلالة الوجدان على عدم التلازم عند تعلق الحب أو البغض بشيء ، حيث يمكن ان يقفا على نفس المتعلق دون سراية الى ملازماته الوجودية أو العدمية ـ على ما سبق في أدلة القول بالامتناع ـ.

ثم انه لو فرض اقتضاء محبوبية الشيء : مبغوضية ضده إلّا انها مبغوضية غيرية ـ لمكان الملازمة أو المقدمية ـ فلا تقتضي فساد العبادة بناء على ما ذكره بعضهم من ان الغيري لا حكم له في نفسه اذ ان مبغوضية الضد ليست عن ملاك يقتضيها ـ كما في النهي عن العبادة ـ بل لمجرد المزاحمة لواجب أهم ، فتكون العبادة على ما هي عليه من المحبوبية المقتضية لصحتها فتأمل.

ومما ذكرنا يظهر الكلام في الاستدلال على المدعى عن طريق الضد العام ، وتفصيل الكلام في مباحث (الضد) فراجع.

١٣١

(الثالثة) :

ان وجود الخطاب الشرعي كاشف عن وجود الملاك الواقعي ، ـ وان وقع الخلاف في انحصار الكشف عنه به ، وعدمه ، على ما فصل في مباحث (الضد) ـ.

وكشفه عنه اما ان يكون على نحو (الدلالة الالتزامية) بتقريب ان الخطاب معلول للملاك ، فوجوده كاشف ـ انا ـ عن وجوده ، واما أن يكون على نحو (الظهور السياقي) بدعوى ان الخطاب يتكفل الدلالة على مطلبين : أحدهما طلب المادة والآخر وجود الملاك غاية الامر ان الاول مدلول لفظي لصيغة الامر والثاني مدلول سياقي للخطاب ، فتكون دلالته على الملاك في عرض الدلالة على الحكم لا مدلولا التزاميا طوليا للخطاب على ما نسب الى المحقق النائيني (قدس‌سره) ـ.

ولا فرق في ذلك بين كون الامر مولويا أو ارشاديا اذ على كلا التقديرين لا بد من وجود الملاك لكي يصح الامر.

نعم : الفرق بينهما هو انه يتعين في الامر الارشادي كون الملاك في المتعلق اما في الامر المولوي فكما يمكن أن يكون فيه كذلك يمكن أن يكون في نفس الامر ـ خلافا لما في (المحاضرات) من تعين كون ملاكه في المتعلق ـ.

(الرابعة) :

ان الامر وان كان ظاهرا في المولوية ـ كما يشهد له حكم العقل ، وبناء العقلاء بالنسبة الى أوامر الموالي على ما قرر في مبحث دلالة الامر ـ مادة وصيغة ـ على الوجوب ـ إلّا انه يتعين صرفه الى (الارشاد) عند قيام المحذور العقلي من كونه مولويا كما في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ونحوه من الاوامر المتعلقة بالطاعة.

ومما ذكر يظهر :

ان وجود الامر بالمهم فيما سيق من الامثلة لا ينهض دليلا على امكان (الترتب)

١٣٢

في قبال القائلين بالاستحالة لجواز كون الامر بالمهم ارشادا الى ما في المادة في الملاك والمحبوبية اللذين لا يزولان بوقوع التضاد بينه وبين الاهم.

ثم انه قد تقرر في مباحث (التعبدي والتوصلي) عدم تقوم عبادية العبادة بقصد (الامر المولوي) بل يكفي قصد الملاك المضاف الى المولى ـ سبحانه ـ وان لم يكف قصد مطلقه ، خلافا لصاحب الجواهر (قدس‌سره) حيث اشترط قصد امتثال الامر في العبادة وجعل سائر الدواعي في طول داعي امتثال الامر بحيث لا بد أن يأتي بالعبادة بداعي امتثال أمرها ويكون داعيه الى ذلك هو دخول الجنة أو تجنب النار أو كونه سبحانه أهلا للعبادة. وعلى فرض الاشتراط يمكن القول بأن الامر الذي يجب قصد امتثاله في العبادة يعم المولوي والارشادي ، فلا اشكال من هذه الجهة.

هذا كله ان كان متعلق الامر تعبديا.

وأما ان كان توصليا فالامر فيه أوضح.

ومن هنا قال صاحب الكفاية (قدس‌سره) ـ بعد ان أورد على نفسه : الاشكال الإنّي ـ (لا يخلو اما أن يكون الامر بغير الاهم بعد التجاوز عن الامر به وطلبه حقيقة ، واما أن يكون الامر به ارشادا الى محبوبيته وبقاءه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة وان الاتيان به يوجب استحقاق المثوبة ، لا انه أمر مولوي فعلي كالامر به).

هذا مضافا الى المناقشات الفقهية فيما سيق من الامثلة كما يظهر من مراجعة المطولات.

الشق الثاني : الوقوع في العرفيات.

والامثلة عليه كثيرة ، وقد مثل له السيد الحكيم (رحمه‌الله) في (الحقائق) بقول الاب لولده : اذهب هذا اليوم الى المعلم ، فان عصيت فاكتب في الدار

١٣٣

ولا تلعب مع الصبيان.

ودعوى كون الامر بالمهم ارشاديا يردها : الوجدان ، اذ لا نجد من أنفسنا حين توجيه الامر الترتبي الا ما نجده منها حين توجيه الامر المولوي.

وبعبارة اخرى : الحاكم هنا هو الشاهد فلا مساغ فيه لاحتمال الارشادية. بخلاف الوقوع في الشرعيات فتدبر.

ويدل عليه ما ذكرناه سابقا من تعدد الاستحقاق في صورة عصيان الامرين.

وقد مر بعض ما يرتبط بالمقام من الكلام في أواخر الوجه الثاني مما أورد به على الترتب ، فراجع.

(الدليل الثالث)

(الدليل الثالث): ما في (المباحث) من ان الارادة المشروطة مرجعها لبا الى ارادة مطلقة متعلقة بالجامع بين الجزاء على تقدير الشرط ، وعدم الشرط فارادة الماء على تقدير العطش مرجعها الى ارادة فعلية للجامع بين ان لا يعطش وأن يشرب الماء على تقدير العطش.

وعليه : يبتني رفع الاستحالة في المقام ، لان الامر بالمهم المشروط بترك الاهم يرجع الى ارادة الجامع بين اتيان المهم على تقدير عدم الاهم أو إتيان الاهم ، ومن الواضح ان الامر الجامع بين المهم والاهم ليس مضادا أصلا مع الامر بالاهم وانما التضاد بين الاهم تعيينا والمهم تعيينا.

وأورد عليه :

بأن ارادة الجامع تتولد منها ارادة تعيينية للجزاء على تقدير تحقق الشرط ، فيحصل التضاد بينها وبين الارادة التعيينية المتعلقة بالاهم.

١٣٤

هذا مضافا الى أن احدى حصتي الجامع ـ وهي الاتيان بالجزاء على تقدير تحقق الشرط ـ غير مقدورة ـ لمضادتها للاهم المقتضي لاستنفاذ قدرة المكلف في صرفها نحوه ـ وقد سبق ان الجامع بين المقدور وغير المقدور غير مقدور ، فلا يعقل أن يكون متعلقا للارادة ، فتأمل.

(الدليل الرابع)

(الدليل الرابع) : ان المحذور المترتب على الامر الترتبي اما أن يفرض في (نفس الحكم) أو في (مبدئه) أو في (منتهاه).

اما (نفس الحكم) : فقد مر ان لا تضاد في نفس الاحكام عند قصر النظر على ذاتها ، لا بالذات ، ولا بالتبع ، فالتضاد فيها انما يكون بعرض غيرها.

وأما (المبدا) ـ أي الارادة ومقدماتها ـ فتوضيح انتفاء المحذور فيه يتوقف على بيان امور : أحدها : ان التكليف كما يمكن أن يساق بداعي ايجاد الداعي في المكلف نحو المطلوب ، كذلك يمكن أن يساق بداع آخر ـ كما في الاوامر الاختبارية والاعتذارية ونحوها ـ.

ثانيها : ان حق الطاعة للمولى على العبد كما يشمل ما يساق بداعي البعث والتحريك كذلك يشمل ما يساق بداع آخر .. ويدل عليه بناء العقلاء.

ثالثها : ما يعلم عدم ترتبه على الشيء لا يعقل أن يكون غرضا منه ، وتستوي في ذلك الامور التكوينية والتشريعية ، فاذا علم الشخص بأن هذه النار لا يمكن أن تحرق الخشب ـ لعدم المحاذاة أو لرطوبة الخشب أو غيرهما ـ فلا يعقل أن يكون الغرض من ايقادها هو الاحراق ، وكذا لو علم المولى علما يقينيا بعدم انبعاث

١٣٥

العبد نحو المطلوب فلا يعقل أن يكون طلبه منه بغرض تحريكه نحوه.

رابعها : انه يستحيل تعلق ارادتين حقيقيتين بغرض التحريك بأمرين متضادين لعدم امكان ترتب أحدهما عليه ، وقد سبق ان ما لا يمكن ترتبه على الشيء لا يعقل أن يكون غرضا منه أما لو كانت الارادتان بداع آخر ، أو كانت احداهما بداعي التحريك والاخرى بداع آخر ـ كالاختبار أو التعذير ـ فلا استحالة.

وبناء على ذلك نقول : ان الامر بالاهم ـ بالنسبة الى من يعلم المولى عصيانه ـ لم يسق بداعي جعل الداعي ـ بمقتضى الامر الثالث ـ لكن هذا لا يخرجه من دائرة حق الطاعة ـ بمقتضى الامر الثاني ولكونه ممتنعا بالغير ، لا ممتنعا ذاتيا أو وقوعيا وهو لا ينافي الامكان الذاتي والوقوعي للمتعلق وإلّا لم يكن ممكن أبدا اذ الشيء لا يخلو من الوجوب بالغير أو الامتناع بالغير فمتى يكون ممكنا؟ كما لا ينافي امكان التكليف ، وإلّا لزم انتفاء التكليف في حق الكفار والعصاة.

والامر بالمهم انما سيق بداعي التحريك ـ في حق من يمتثله ـ وبداع آخر ـ في حق من لا يمتثله ويعدل منه الى الثالث ـ وقد قرر في الامر الرابع ان لا استحالة في اجتماع مثل هاتين الارادتين فتأمل.

وأما (المنتهى) فالمحذور انما يتولد في صورة استلزام الامر المولوي لتحير المكلف ، وان فرض كونه منقادا للمولى ، كما في الامر بالضدين مطلقا ، وأما الامران المسوقان على نحو الترتب فلا يوجبان وقوع المكلف في الحيرة ، فلا يكون هناك محذور في مرحلة الجري العملي. فتأمل.

ثم ان هنالك أدلة اخرى على الامكان تعلم مما قرر في أدلة الامتناع فراجع.

١٣٦

ما يناط به الامر بالمهم

لقد وقع البحث في ما يناط به الامر بالمهم ، وجعله بعضهم من أدلة استحالة الترتب ، فلا بأس يعطف عنان الكلام الى ذلك ، فنقول :

ان ما يناط به الامر بالمهم لا يخلو من فروض :

الفرض الاول

أن يناط بنفس العصيان على نحو الشرط المقارن.

وقد قيل باستحالته لامور :

الأمر الأول

ما ذكره صاحب الكفاية (قدس‌سره) من (لزوم تقدم البعث على الانبعاث ، ضرورة ان البعث انما يكون لاحداث الداعي للمكلف نحو المكلف به ، بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا

١٣٧

الا بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان).

وعليه : فلو كان العصيان مأخوذا على نحو الشرط المقارن للامر بالمهم ـ والحال ان عصيان الاهم مقارن لطاعة الامر بالمهم ـ لزم تقارن البعث والانبعاث لان المقارن للمقارن مقارن.

وتقريبه : ان زمان الامر بالمهم مقارن لزمان عصيان الاهم ، وزمان عصيان الاهم مقارن لزمان امتثال المهم ، فزمان الامر بالمهم مقارن لزمان امتثال المهم.

أما الصغرى فلانها هي المدعى.

وأما الكبرى فلان زمان امتثال أحد الواجبين المضيقين هو بعينه زمان عصيان الآخر ، ومحل الكلام هو وقوع التزاحم بين واجبين مضيقين ، وإلّا لخرج عن موضوع الترتب ، فتأمل.

وأما بطلان التالي فلما ذكر من استحالة تقارن البعث والانبعاث.

وهذا المبنى ـ لزوم تقدم البعث على الانبعاث ـ يمكن المناقشة فيه من وجوه :

(الاول) ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) من ان تقدم البعث على الانبعاث ولو آناً ما يستلزم فعلية الخطاب قبل وجود شرطه ، وهو التزام بالواجب المعلق وكون الفعل المقيد بالزمان المتأخر متعلقا للخطاب المتقدم ، وقد قرر استحالته في محله.

وفيه : (أولا) : ان الالتزام بفعلية الخطاب قبل وجود الشرط لا يساوق الالتزام بالواجب المعلق ، بل يمكن معه الالتزام بكون الوجوب مشروطا بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر ـ وان أحال (قده) كليهما ـ.

والفرق بينه وبين المعلق اناطة وجوبه بالشرط ، بخلاف المعلق. وعلى هذا الفرق يبتني امكان القول بامكانه واستحالة المعلق ، اذا كان وجه الاستحالة (ان

١٣٨

فعلية وجوب المعلق تستدعي التحريك نحو المتعلق ، والتحريك نحو المتعلق مساوق للتحريك نحو قيده ، لان التحريك نحو المقيد تحريك نحو قيده لا محالة ، والمفروض كون القيد ـ وهو الزمان ـ غير اختياري ، فيلزم التكليف بالمحال) اما لو فرض كون الزمان قيدا للوجوب ولو على نحو الشرط المتأخر ـ كما هو قيد للواجب ـ لم يلزم المحذور ، لعدم وجوب تحصيل قيود الوجوب.

ومنه ينقدح النظر في اطلاق كلام المحقق الاصفهاني (قده) حيث أناط امكان الواجب المشروط بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر بامكان الواجب المعلق ، وقال ـ في بحث المقدمات المفوتة ـ :

(لا يخفى عليك ان الكلام في المقدمات الواجبة قبل زمان ذيها ، فوجوب ذيها وان كان حاليا لتحقق شرطه في ظرفه لكنه لا يصح هذا النحو من الايجاب إلّا بناء على القول بالمعلق ، اذ المفروض تأخر زمان الواجب عن زمن وجوبه ، لما عرفت من ان مورد الاشكال لزوم الاتيان بالمقدمات قبل زمان ذيها ، فلو اراد (قده) ان اشتراط الوجوب لا يستدعي عدم حالية الوجوب فهو كما افاده (قده) وان أراد الاكتفاء بذلك عن الالتزام بالواجب المعلق فهو غير تام).

(ثانيا) : ما في (آراء الاصول) من الاشكال مبني : بوجود الواجب التعليقي بحسب الجعل وبحسب مصحح الجعل.

اما الثاني : فلانه مع اتحاد آن الجعل مع ان الامتثال في المضيقات المفتقرة لتهيئة المقدمات لا مصحح للجعل ، وسبق العلم بالتكليف لا يجدي في التنجيز لو لم يكن له معلوم بالفعل ، وحكم العقل والعقلاء بلزوم الامتثال متفرع على وجود الحكم ، ووجوب المقدمات المفوتة بمتمم الجعل موقوف على كوننا مكلفين بالملاكات مع انه لا امتثال الا للتكليف.

واما الاول : فلوجود الاوامر المعلقة فوق حد الاحصاء في الشرعيات

١٣٩

والعرفيات.

وفيه : انه لا ملزم للتعلق بالتعليق ، بل يمكن تصحيح الجعل بوجوه أخر :

منها : الالتزام بكون الوجوب مشروطا بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر ، فيكون الوجوب فعليا

قبل حلول زمان الواجب ، وبفعليته يكون باعثا نحو المقدمات التي لا يمكن تهيئتها في ظرف حلوله.

منها : الالتزام بوجوب حفظ اغراض المولى وحرمة تفويت الملاكات الواقعية الملزمة ، لحكم العقل باستحقاق العبد العقاب على تفويته اغراض مولاه ولو لم يكن هنالك تكليف فعلي ، فلو سقط ابن المولى في البئر فلم ينقذه العبد محتجا بعدم الامر لما قبل العقلاء اعتذاره ، ولحكم العقل باستحقاقه للعقاب ، وكذا لو اوقع العبد نفسه في العجز قبل ان يوجد الملاك المولوي الملزم فرارا من الطاعة والامتثال فانه يستحق العقاب ايضا لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وان نافاه خطابا. والعقل هو الحاكم في باب الاستحقاق ، دون منازع له على الاطلاق وهذا الحكم العقلي يكون سببا للتحريك نحو المقدمات المفوتة ، كما لا يخفى.

هذا من حيث الكبرى.

واما الصغرى ـ أي كشف وجود الملاك الملزم ـ فيمكن ان يكون باطلاق الخطاب ، بناء على عدم تبعية الدلالة المطابقية للدلالة الالتزامية ، حيث ان الخطاب يدل بالمطابقة على الحكم وبالالتزام على الملاك ، فعدم شمول الخطاب لحالة العجز لقبح تكليف العاجز ، بل لعدم امكان تكليفه ، ولو كان عجزه بسوء اختياره ـ لا يستلزم عدم شمول الملاك لتلك الحالة ، وهذا الملاك الكائن في ظرفه يكون سببا لحكم العقل بوجوب تهيئة المقدمات المفوتة ، كي تحفظ الاغراض الواقعية

١٤٠