عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

وأما من عداه فلا ينتفع منه إلا بمجرد تفسير لفظ نحو معرفته أنّ «الأبّ» هو المرعى ، و «الزّبانية» هم الأعوان ، إلى نظائر ذلك. وإذا كان الحرف مفردا ، وقد جاء لمعنى ، كهمزة الاستفهام ، وباء الجر ولامه ، أبدأ به ثم أذكره مع غيره ، إلى آخر الحروف كما قدّمته نحو : «أب ، أبدا».

وسميته ب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ /. وعلى الله الكريم أعتمد ، وإليه أفوّض أمري وأستند. فإنه نعم المولى ، ربّ الآخرة والأولى.

٤١
٤٢

باب الهمزة المفردة

ويطلق عليها الألف

فالألف تارة تكون عبارة عن الحرف الذي هو همزة ، وتارة عن حرف المدّ واللّين ، وذلك كوسط «قال» ولا غرض لنا فيها لأنها لا يبتدأ بها. وإنما صورت الهمزة ألفا في الخطّ لأنها لا تقوم بنفسها لإبدالها واوا (١) في الضمّ وألفا في الفتح وياء في الكسر ، نحو : مومن ، وراس ، وبير. وبعضهم يصوره صورة عين صغيرة (٢) ، نحو «ء» ، إذا علم ذلك.

فالهمزة تكون للاستفهام ولها أخوات ، وهي أمّ الباب. ولذلك تنفرد بأحكام بيّنتها في مواضعها. ومعناها فيه لطلب التصديق نحو : أزيد قائم (٣)؟ أو التصوّر (٤) نحو : أدبس في الإناء أم عسل؟ وقد يقع الاستفهام بها إنكارا وتعريضا وتوبيخا نحو : (أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها)؟ (٥). وقول عامر (٦) : «أغدّة كغدّة البعير وموتا في بيت سلوليّة؟». وقوله : [من الطويل]

أفي السّلم أعيارا جفاء وغلظة

وفي الحرب أمثال (٧) النساء العوارك؟

وبعضهم يقول : الهمزة للاستخبار ، ليعمّ الاستفهام والإنكار والتّبكيت (٨) والنفي

__________________

(١) وفي س : واو.

(٢) وفي س : صغير.

(٣) في الأصل : زيد قائم ، من غير همزة استفهام. انظر الجنى الداني : ٣٠.

(٤) في الأصل : التصوير. انظر الجنى الداني : ٣٠.

(٥) ٧٢ / الواقعة : ٥٦.

(٦) هو عامر بن الطفيل (فصل المقال : ٣٧٤ ، والمستقصى : ١ / ٢٥٨).

(٧) وفي اللسان : أشباه.

(٨) التبكيت : التقريع والتعنيف.

٤٣

والتسوية ، نحو : (أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(١). وإذا دخلت على نفي قرّرته كقوله تعالى : (أَ لَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٢) : قال الراغب (٣) : «وهذه الألف متى دخلت على الإثبات تجعله نفيا. وإذا دخلت على النفي تجعله إثباتا ، لأنه يصير معه نفيا يحصل منه إثبات».

وتكون الهمزة للنداء لكن للقريب خاصة ، ومنه عند بعضهم : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ)(٤) ، ولها أخوات. وتكون للمضارعة ، وتدلّ على المتكلم وحده نحو : (أَسْمَعُ وَأَرى)(٥) وتكون للتّعدية نحو : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ)(٦). فيصير المفعول معها فاعلا (٧). وتكون ألف قطع وألف وصل ، والفرق بينهما أنّ ألف القطع تثبت ابتداء ودرجا نحو : (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً)(٨). والأخرى تثبت ابتداء لا درجا نحو : (ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً)(٩) ثم إنّ (١٠) ألف الوصل تدخل على الحرف والاسم والفعل ، فتدخل على حرف واحد ، وهو اللام للتعريف على رأي سيبويه (١١). وتتصل من الأسماء بعشرة : اسم ، واست ، وابن ، وابنة ، وابنم ، وامرىء ، وامرأة ، واثنين ، واثنتين (١٢) ، وأيمن ، وبكلّ مصدر لفعل زائد على ثلاثة أحرف صدّر بهمزة (١٣) نحو : الانطلاق ، والاستخراج (١٤) ،

__________________

(١) ٢١ / إبراهيم : ١٤.

(٢) ٣٦ / الزمر : ٣٩.

(٣) المفردات : ٣٥.

(٤) ٩ / الزمر : ٣٩. هذه قراءة عاصم وابن عامر والكسائي. وقراءة ابن كثير ونافع وحمزة خفيفة الميم «السبعة : ٥٦١».

(٥) آية : ٤٦ / طه : ٢٠.

(٦) آية : ٥ / الأنفال : ٨.

(٧) جاء في الهامش : «قوله فيصير المفعول معها فاعلا. أقول : لعل الأمر بالعكس ، وهو من الكاتب. تأمل».

(٨) ١١٤ / المائدة : ٥.

(٩) ١١ / التحريم : ٦٦.

(١٠) الكلمة ساقطة من س.

(١١) الكتاب : ٢ / ٦٣ و ٦٤ و ٣٠٨ ، طبعة بولاق.

(١٢) الكلمة ساقطة من س.

(١٣) يقصد الخماسي والسداسي ، لأن الرباعي همزته قطع : الإكرام.

(١٤) وفي ح : كلمة آخر.

٤٤

وهي في جميع ذلك مكسورة ، إلا مع اللام وأيمن. ومتصل من الأفعال بكلّ أمر من ثلاثيّ (١) سكنت فاؤه بعد حرف المضارعة ، نحو : اقبل ، واضرب ، واشرب. فإنّ ضمّ ثالثه ضمة لازمة ضمت. وإن فتح أو كسر كسرة لازمة كسرت ، نحو : اغز يا هند ، وارموا يا زيدون. وبكلّ ماض زائد على أربعة أحرف صدر بهمزة ، نحو : انطلق واقتدر. ولا تكون فيه إلا مكسورة. وما عدا هذه الأنواع فلا تكون الهمزة فيه إلا همزة قطع.

وقد تقطع ألف الوصل كقوله (٢) : [من الطويل]

إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه

بنثّ وتكثير الوشاة قمين

وتوصل ألف القطع كقوله : [من الكامل]

إن لم اقاتل فالسويّ ترفّعا

__________________

(١) وفي س : ثلاثي.

(٢) البيت لقيس بن الحطيم كذا في اللسان ، النث : نشر الحديث. قمين : حرّي ، مأخوذ من : تقمّنت الشيء : إذا أشرفت عليه أن تأخذه.

٤٥

فصل الألف مع الباء

أ ب ب :

الأبّ من قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا)(١) هو المرعى مطلقا. وقال شمر : مرعى السّوائم. وأنشد (٢) :

فأنزلت ماء من المعصرات

فأنبتّ أبّا وغلب الشجر

وقيل : هو للبهائم بمنزلة الفاكهة للناس. هو المرعى المتهيّىء للرعي والجزّ ، من : أبّ لكذا (٣) أي تهيّأ ، أبّا (٤) وأبابة وأبابا ، وأبّ إلى وطنه أي نزع إليه وتهيّأ لقصده. قال الأعشى : [من الطويل]

أخ قد طوى كشحا وأبّ ليذهبا (٥)

وأبّ لسيفه : تهيّأ ليبتدره. وإبّان الشيء : زمنه المنتهي لفعله ، فهو فعلان منه. وقيل : هو التّبن خاصة ، قاله الضحاك وأنشد : [من المتقارب]

فما لهم مرتع للسّوا

م والأبّ عندهم يعذر

ويروى عن ابن عباس : وقيل : كلّ نبات على وجه الأرض. ومنه قول ابن عباس : «الأبّ : ما تنبت الأرض ممّا تأكل الناس والأنعام». وعلى هذا فيكون من ذكر العامّ بعد

__________________

(١) ٣١ / عبس : ٨٠.

(٢) البيت من شواهد الغريبين : ١ / ٧.

(٣) في الأصل : للداء.

(٤) في الأصل : أمّا.

(٥) وصدره : صرمت ولم أصرمكم وكصارم. الديوان : ١٤ ، اللسان مادة (أبب).

٤٦

الخاصّ. وقال (١) الكلبيّ : هو كلّ نبات سوى الفاكهة. وقيل : الفاكهة رطب الثمار ، والأبّ يابسها. وقيل : ما نأكله حصيدا ، وما تأكله البهائم أبّ. وأنشد قول الشاعر يمدح سيدنا رسول الله صلّى الله تعالى (٢) عليه وسلم : [من الطويل].

له دعوة ميمونة رنّحها الصّبا

بها ينبت الله الحصيدة والأبّا

وقيل : إنّما سمي أبّا لأنه يؤبّ. وعن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وقد سئل عن تفسير الأبّ فقال : «أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض تقلّني ، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟». وعن عمر رضي الله عنه حين تلاها [قال](٣) : «كلّ هذا عرفناه ، فما الأبّ؟». ثم رفع عصا كانت بيده فقال : «هذا لعمر الله التكلّف ، وما عليك يا بن أمّ عمر أما تعرف ما الأبّ». ثم قال : «ما تبيّن لكم من هذا الكتاب فاتّبعوه ، وما لا فدعوه». يعني رضي الله عنه في ما لا يتعلق به حكم أو فائدة جليلة. فإنا قد عرّفنا الأبّ : نبت في الجملة. فقال عمر رضي الله عنه : لا يضرّ الجهل بمعرفته على التعيين ، وهو كما قال رضي الله عنه. وهذا بخلاف الكلالة (٤) ونحوها لتعلّق الأحكام بها.

والأبّ : لغة في الأب الوالد. قيل : أبدلوا من الواو المحذوفة حرفا يجانس العين. ومن ذلك قولهم : استأببت فلانا أي اتّخذته أبا. ومثله : أخّ بتشديد الخاء.

أ ب ت :

لم يرد منه إلا نحو : (يا أَبَتِ)(٥). والتاء ليست بأصل ، وإنما هي عوض عن ياء المتكلم [والأصل : يا أبي. وكذلك : يا أمّت ، والأصل : يا أمي. ولم تعوّض التاء عن ياء

__________________

(١) الكلمة ساقطة من ح.

(٢) الكلمة ساقطة من ح. وصدر البيت مكسور ، يصوّب (رجّها).

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) الكلالة : بنو العم الأباعد ، وكل من لم يرثه ولد أو أب أو أخ.

(٥) وردت في القرآن الكريم ثمان مرات ، منها آية : ٤ / يوسف : ١٢.

٤٧

المتكلم](١) ، إلا في هاتين اللفظتين في النداء خاصة. فلو قلت : جاءني أبت وأمّت لم يجز. فذكري لهذه اللفظة من باب التجوّز ؛ وإلا فالتاء ليست من أصولها في شيء ، ولكن لم أجد موضعا أنسب لذكرها من هذا.

ويجوز فيها الحركات الثلاث. وقد قرىء بالكسر والفتح في السبع (٢). وإثبات الألف معها شاذّ أو ضرورة ، نحو قوله : [من الرجز]

يا أبتا علّك أو عساكا (٣)

ومع الياء ممتنع في المشهور ، خلافا للهرويّ. وهي تاء تأنيث ، ولذلك تبدل في الوقف هاء على اختلاف بين القراء في ذلك ، كما أوضحناه في «العقد النّضيد». والفرّاء : «الهاء فيها رخصة ، فكثرت في الكلام حتى صارت كهاء التأنيث ، وأدخلوا عليها الإضافة».

أ ب د :

الأبد : الزمن الطويل الممتد غير المنجزىء ، فهو أخصّ من الزمان. قالوا : ولذلك يقال : زمان كذا ، ولا يقال : أبد كذا (٤). ويقال : أبد أبد وأبيد على المبالغة أي (٥) دائم ؛ قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً)(٦) / أي زمانا لا انقضاء لآخره. قال النابغة الذبيانيّ : [من البسيط]

__________________

(١) إضافة من س.

(٢) من شواهد المغني ، رقمه : ٢٤٨ ، وصدره :

تقول بنتي : قد أتى أناكا

والبيت لرؤبة من ديوانه : ١٨١. والحق أن في «يا أبتا» تصحيفا ، وصوابه «تأنيا» انظر فرحة الأديب : ١١٩.

(٣) قرأ ابن عامر وحده «يا أبت» بفتح التاء في جميع القرآن ، وكسر التاء الباقون «السبعة : ٣٤٤».

(٤) وفي س : أبدا.

(٥) كذا في س ، وفي ح : في.

(٦) ٥٧ / النساء : ٤ ، وغيرها. جاء في الهامش : «الأبد : استمرار الوجود في أزمنة متعددة غير متناسبة في جانب المستقبل. كما أن الأزل استمرار الوجود في أزمنة متعددة غير متناسبة في جانب الماضي. ت» وهو من الناسخ عن تعريفات الجرجاني.

٤٨

أقوت وطال عليها سالف الأبد (١)

وحقّه ألّا يثنّى ولا يجمع لاستغراقه الأزمنة كلّها. على أنه قيل : آباد (٢) ، كأنهم قصدوا به أنواعا كما يقصد باسم الجنس ذلك. وقيل : إنّ آباد مولّد ليس من لغة العرب. ومن معنى الأبد قالوا للوحش أوابد جمع أبّد لبقائها (٣) دهرا طويلا. وتأبّد الشيء : بقي دهرا طويلا. وتأبّدت الدار : خلت. وذلك (٤) أنها لخلوّها وطول بقائها تحلّها الأوابد الوحشيات (٥). فجعل ذلك كناية من خلوّها. وتأبّد البعير : توحّش فصار كالأوابد ، ومنه الحديث : «إنّ لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش» (٦). يقال : أبدت الوحوش تأبد ، وتأبد ، واستعير من ذلك : الآبدة ، وهي الكلمة أو الخصلة التي ينفر منها ويستوحش (٧) ، فيقولون : جاء فلان بآبدة ، ومن ذلك قولهم أيضا : تأبّد وجه (٨) فلان ، أي توحّش فصار ينفر منه ، ومعناه : أبد. وقيل : أبد بمعنى غضب ، لأن الغضب يلازمه ذلك غالبا.

أ ب ر :

إبراهيم : اسم أعجمي ، وفيه لغات (٩) : إبراهيم ، وهو المشهور ، وإبراهام ، وقرىء بهما في السبع ، وإبرهم بحذف الألف والياء (١٠).

__________________

(١) عجز لمطلع معلقة النابغة ، وصدره :

يا دار مية بالعلياء فالسند

(٢) وفي س : أدبار.

(٣) في الأصل : لينالها ، ولعلها كما ذكرنا.

(٤) وفي س : وكذلك ، والجمع فيها : أ آبد.

(٥) كذا في س ، وفي ح : أوابد الوحشيات.

(٦) النهاية لابن الأثير : ١ / ١٣.

(٧) وفي س : ويتوحش.

(٨) في الأصل : من. والكلمة من مفردات الإصفهاني.

(٩) انظر البحر : ١ / ٣٧٢ و ٣٧٤.

(١٠) جاء في الهامش : «وروي أن عبد المطلب قال : عذت بما عاذ به إبراهيم مستقبل القبلة وهو قائم. ويروى له أيضا : نحن آل الله في كعبته ، لم يزل ذاك على عهد إبراهيم. معرب» وهو من غير خط المؤلف.

٤٩

أ ب ق :

الإباق : هرب العبد من سيده. ولما كان الخلق كلّهم عبيده قال تعالى في حقّ عبده يونس صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ)(١) إذ لله أن يقول ما يشاء. ولا يجوز لنا أن نقول : أبق نبيّ ، إنما ذلك لله تعالى. يقال : أبق العبد يأبق ، بكسرها. وأبق يأبق بالعكس فيهما (٢) ، فهو آبق ، والجمع أبّاق ، والمصدر الإباق ، وتأبّق الرجل : تشّبه به في الإستتار. وقالوا في قول الشاعر : [من البسيط]

قد أحكمت حكمات القدّ والأبقا (٣)

إذ الأبق : القنّب (٤) وقال المبرّد : آبق : تباعد ، ومنه غلام آبق. وقيل : خرج سرا من الناس. وقد قال الحكيم التّرمذيّ ما لا يجوز أن يقال في حقّ نبيّ ؛ ذكرته للتّنبيه (على فساده) (٥) ؛ قال : «سمّاه آبقا لأنّه أبق عن العبودية ، وإنما العبودية (٦) ترك الهوى وبذل النفس عن (٧) أمور الله. فلمّا لم تبذل النفس عند ما اشتدّت عليه العزمة من الملك وآثر هواه لزمه اسم الآبق ، وكانت عزمة الملك في أمر الله لا في أمر نفسه وبحظّ حقّ الله لا بحظّ [حقّ](٨) نفسه. فتحرّى يونس (بن متّى عليه‌السلام) (٩) فلم يصب الصواب الذي عند الله فسمّاه آبقا ومليما» (١٠) انتهى. ولقد أساء في هذه العبارة جدا ، يغفر الله لنا وله ، وهذه زلّة فاحشة. وأما القصة التي يذكرها المفسرون فقد نبّهت عليها في التفسير وذكرت هناك ما ينبغي ذكره.

__________________

(١) ١٤٠ / الصافات : ٣٧.

(٢) كسر ابن منظور عين الفعل المضارع وضمها.

(٣) البيت لزهير (الديوان : ٧٢) ، وصدره :

القائد الخيل منكوبا دوابرها

(٤) وفي الأصل : القعب.

(٥) ساقط من ح.

(٦) وفي س : العبودة.

(٧) وفي س : عند.

(٨) إضافة المحقق ، وفي س : لا بحق حظ نفسه.

(٩) ساقط ما بين قوسين من ح.

(١٠) الآبق في الآية المتقدمة في أول المادة ، والمليم في قوله تعالى : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) ١٤٢ / الصافات : ٣٧.

٥٠

أ ب ل :

قال تعالى : (طَيْراً أَبابِيلَ)(١) هذا من صيغ التكسير التي لم يسمع مفردها (٢) ، ومثله عباديد ، وشماطيط ، وأساطير. وقيل : بل لها واحد من لفظتها ، وكأنه قياس لا سماع. فقيل : إبّيل ، وقيل : إبّول (٣) مثل : عجّول وعجاجيل. وقيل : إبّالة (٤). وظاهر كلام العزيريّ (٥) أنّ هذه المسألة مسموعة ؛ فإنّه بعد ذكره إياها (٦) ، قال : ويقال هذه أجمع لا واحد لها ، والمختار قول غيره ، ولذلك ينسب إليها فيقال : عباد يديّ وأبابيليّ.

وحكى الرّؤاسيّ ، وكان ثقة ، أنه سمع إبّالة مثقّلا (٧). وحكى الفرّاء : إبالة مخفّفا قال : وسمعت بعض العرب يقول (٨) : «ضغث على إبّالة» أي حطب (٩) على حطب ، وهو مشكل من حيث ظهور الياءين في الجمع ، ولو كان مخفّفا لم ترد في الجمع ياءين. قال (١٠) ولو قال إيبالة كان صوابا مثل دينار ودنانير. قلت : دينار أصله دنّار ، ولذلك قيل : دنانير. وإنما أبدل أحد المثلين حرف علة تخفيفا (١١). يقول : فكذلك هذا ، ومثله : قيراط وقراريط وديوان ودواوين. ومعنى (طَيْراً أَبابِيلَ) أي جماعات في تفرقة حلقة حلقة.

قال الراغب : متفرقة كقطعان إبل ، واحدها إبيل. فرجع بها إلى لفظ الإبل. وقريب

__________________

(١) ٣ / الفيل : ١٠٥.

(٢) قول أبي عبيدة ، كما في مجاز القرآن : ٢ / ٣١٢.

(٣) كذا مذهب الأخفش الأوسط والفراء والهروي في (معاني القرآن للأخفش : ٢٧٢ ، ومعاني القرآن للفراء : ٣ / ٢٩٢ ، والغريبين : ١١). وفي الأصل : إبّولة.

(٤) قول الرؤاسي ، كما في معاني الفراء : ٣ / ٢٩٢.

(٥) هو محمد بن عزير العزيري السجستاني ، المنسوب إلى أبيه ، مصنف كتاب «غريب القرآن». ومن قاله بزايين فقد أخطأ (اللباب في تهذيب الأسماء : ٢ / ٣٣٨).

(٦) وفي س : إياه.

(٧) في س : مثقلة ، وقول الرؤاسي مذكور في معاني الفراء : ٣ / ٢٩٢ مع تفصيل.

(٨) الكلمة ساقطة من س.

(٩) الكلمة ساقطة من س. وهو مثل يضرب لمن حملك مكروها ثم زاد عليه (مجمع الأمثال : ٢ / ٢٨٣) الضغث : قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس. الإبالة : الحزمة من الحطب. وقد علق الفراء على هذا المثل (ولعله وهم من الناسخ) فقال : يريدون حطبا على حطب.

(١٠) الكلمة ساقطة من س.

(١١) وفي س : مخففا.

٥١

من هذا ما حكي عن إسحاق بن عبد الله بن نوفل : الأبابيل مأخوذ من الإبل المؤبّلة ، وهي الأقاطيع. وعن ابن عباس ومجاهد : متتابعة بعضها في إثر بعض. وقيل : أبابيل : متفرقة تجيء من كلّ ناحية ؛ من هنا ومن هنا. قال ابن مسعود وابن زيد والأخفش : ومن مجيء (طَيْراً أَبابِيلَ) قوله :

ولعبت طير بهم أبابيل

فصيّروا مثل كعصف مأكول (١)

وقد وصف الأبابيل بكونه من الطير تارة في قول الأعشى : [من الطويل]

طريق وجبّار رواء أصوله

عليه أبابيل من الطير تنعب (٢)

وأضيف إليه أخرى في قول الآخر : [من الطويل]

تراهم إلى الدّاعي سراعا كأنهم

أبابيل طير تحت دجن تخرّق

وفي هذين دليل على أن هذه اللفظة خاصة (٣) بالطير. وقد جاء ما يشهد [بخلاف](٤) ذلك. قال الشاعر : [من البسيط]

كادت تهزّ من الأصوات راحلتي (٥)

إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

أي بالخيل الجرد المتتابعة.

والإبل : اسم جمع لا واحد له من لفظه. مفرده : جمل أو ناقة. وقال الراغب (٦) : الإبل يقع على البعران الكثيرة. وتقييده بالكثرة غير مراد ، إذ اسم الجمع كالجمع في صدقه على ثلاثة فأكثر. وقوله تعالى : (أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)(٧)؟ قيل : هي

__________________

(١) انظر ديوان رؤبة وملحقاته : ١٨٤ ، وينسب هذا الرجز أيضا إلى حميد الأرقط كما في سيبويه : ١ / ٤٠٨. وأراد الشاعر : مثل مثل عصف مأكول. وقد جاز التكرار لاختلاف اللفظين. انظر الخزانة : ٤ / ٢٧٠ بولاق. وفي الأصل : ولعت بهم طيرا. والتصويب من سيبويه.

(٢) من قصيدة رقمها : ٣٠ يهجوبها الحارث بن وعلة.

(٣) وفي س : ليست خاصة.

(٤) إضافة المحقق للمعنى.

(٥) وفي س : أدخلتي. وانظر القرطبي : ٢٠ / ١٩٧.

(٦) المفردات : ٨.

(٧) ١٧ / الغاشية : ٨٨.

٥٢

النّعم المعروفة. وعن المبرّد : هي السحائب ؛ حكاها (١) الماورديّ وغيره. وإلى ذلك ذهب المبرد. قال الثعلبيّ : لم أجده في كتب الأئمة. قلت : قد حكى ذلك قبله الأصمعيّ. وقال أبو عمرو بن العلاء (٢) : من قرأ الإبل بالتخفيف عنى به البعير ، ومن قرأ بالتّثقيل عنى بها السّحاب التي تحمل ماء المطر. قال الراغب : فإن لم يكن ذلك صحيحا فعلى تشبيه السحاب بالإبل وأحواله. وإنما ذكرهم بالإبل وإن كان غيرها من الحيوانات أعجب منها كالفيل والزرافة ، لأن العرب لم تألفه ، ولأنّ فيها منافع لم تجتمع في غيرها ، فإنها حلوبة ركوبة حمولة مأكولة.

وقد سئل الحسن عن ذلك فأجاب بأن العرب بعيدة العهد بالفيل قال : ولأنّ الفيل خنزيرة لا يؤكل لحمها ، ولا يركب ظهرها ، ولا يحلب درّها. وأيضا إنّ أصغر الآدمين يجرّ الأباعر الكثيرة فتطيعه.

ويقال : أبل الوحشيّ يأبل أبولا ، وأبل يأبل أبلا : أجزأ عن الماء (٣) تشبيها بالإبل في صبرها عنه. قال الراغب وقال الهرويّ : أبلت الإبل وتأبّلت اجتزأت بالرّطب عن الماء. وتأبّل الرجل عن امرأته : بعد عنها (من ذلك لأنه يجزىء بصبره عنها ، وفي الحديث : «تأبّل آدم عليه‌السلام على حواء بعد مقتل ابنه» (٤) أي توحّش عنها) (٥) وترك غشيانها.

وأبّل الرجل : كثرت إبله. ورجل أبل وآبل : حسن القيام على الإبل. وإبل مؤبّلة : أي مجتمعة. والإبالة : الحزمة من الحطب تشبيها بذلك. ويقال في النسب : إبليّ بفتح الباء ، ويقال : إبلي (٦) بسكون الباء. ولم يجىء من الأسماء على «فعل» إلا : إبل ، وإبد ، وإطل (٧). وقد زاد بعضهم ألفاظا تحريرها في غير هذا الموضع (٨).

__________________

(١) وفي س : حكاه.

(٢) في الأصل : المعلى.

(٣) أجزأ عن الماء : حبس عنها.

(٤) النهاية : ١ / ١٦.

(٥) ساقط ما بين قوسين من ح.

(٦) وفي ح : إبل.

(٧) الكلمات مضطربة في س.

(٨) وفي ح : الموضوع. وثمة ألفاظ أخرى أحصاها السيوطي في المزهر ، من مثل : بلز ، إبط ، إنظ ... وغيرها.

٥٣

أ ب و :

أب : أصله أبو (١) ، حذفت لامه اعتباطا. وله أخوات ، ويسمى منقوصا غير قياسيّ ، والأشهر إعرابه بالحروف ، وقد يقصر. ومنه : [من السريع]

إنّ أباها وأبا أباها (٢)

وينقص منه / (في المثل) (٣) [من الرجز]

بأبه اقتدى عديّ في الكرم

ومن يشابه أبه (٤) فما ظلم

وقد تشدّد باؤه كما تقدّم ، ويكسر على آباء ، ويصحّح على أبون وأبين. قال : وأشبه فعله فعل الأنبياء (٥). وقرىء : وإله أبيك إبراهيم .. الآية (٦). والمصدر الأبوّة ، وهو أحد المصادر التي أخذت من الأسماء. ومثلها النبوّة ، والفتوّة ، والأخوّة. والأبوّة (٧) أيضا جمع كالأبولة.

والأب : الوالد ، وكلّ من نسب في اتّخاذ شيء ، أو إصلاحه (٨) ، أو ظهوره فهو أب له. ومنه قيل في حقّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّه أبو (٩) المؤمنين. وفي بعض القراءات :

__________________

(١) جاء في الهامش تعليقا من قارىء اسمه مختار : «بفتح الباء لأن جمعه آباء مثل قفا وأقفاء ، ورخا وأرخاء. فالذاهب منه واو ، لأنك تقول في التثنية : أبوان. وبعض العرب يقول : أبان ، وفي الإضافة : أبيك. مختار».

(٢) صدر لشاهد نحوي (انظر المغني ، رقم الشاهد : ٥١) ، وعجزه :

قد بلغا في المجد غايتاها

(٣) ساقط من ح.

(٤) الرجز شاهد نحوي ينسب إلى رؤبة في مدح عدي بن حاتم الطائي ، ذكره ناشر الديوان في الزيادات.

(انظر أوضح المسالك : ج ١ / رقم الشاهد : ٨).

(٥) يبدو أن الجملة متقدمة ، ومحلها بعد آية.

(٦) علق مختار في الهامش فقال : «يريد جمع أب أي أبينك ، فحذف النون للإضافة».

(٧) علق مختار في الهامش فقال : «كالعمومة والخؤولة. مختار». والكلمة الأخيرة ساقطة من س.

(٨) وفي س : أو صلاحه.

(٩) وفي ح : أب.

٥٤

(وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)(١) «وهو أب لهم». فأما قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ)(٢) فنفي الولادة وتنبيه على أنّ التّبنّي (٣) لا يجري مجرى البنوّة الحقيقة ، وذلك حين قالوا : كيف تزوّج امرأة زيد وكان يتبنّاه؟ وقوله في قوله : (اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ)(٤) قيل : هما أبو الولادة وأبو التعليم. وفي قوله : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ)(٥) قيل : معلمينا ، بدليل (أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا)(٦). وفي الحديث أنّه عليه الصلاة والسّلام قال لعليّ : «أنا وأنت أبوا هذه الأمة» وصدق صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعليه حمل قوله عليه الصلاة والسّلام : «كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» (٧).

وأبو الحرب : لمهيّجها. وأبو عذرتها : لمن افتضّ بكارتها. وأبو الأضياف : لتفقّدهم والقيام بأمرهم (٨). ويقال : أبوت زيدا أأبوه ، إذا كنت له بمنزلة الأب. ومنه : فلان أبو همّته ، أي يتفقّدها تفقّد الأب. ويطلق على الجدّ ؛ فقيل حقيقة وقيل مجازا وهو الظاهر. وعلى العمّ (٩) والأمّ والخالة (١٠) ، ولكن بالتغليب ، فيقال : أبوه. وقيل في قوله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ)(١١) إنّهما أبوه وخالته ، وقيل : أخي أمّه. قال تعالى : (آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ)(١٢). وإبراهيم جدّ ليعقوب وإسماعيل [عمّهم](١٣).

__________________

(١) ٦ / الأحزاب / ٣٣.

(٢) ٤٠ / الأحزاب : ٣٣.

(٣) في الأصل : النبي. وعلق مختار في الهامش فقال : «وقولهم : يا أبت جعلوا تاء التأنيث عوضا من ياء الإضافة. ويقال : يا أبت ويا أبت ، لغتان. فمن فتح أراد الندبة فحذف. ويقولون : لا أب لك ولا أبالك وهو مدح. وربما قالوا : لا أبالك لأن اللام كالمعجمة. مختار».

(٤) ١٤ / لقمان : ٣١.

(٥) ٢٢ / الزخرف : ٤٣.

(٦) ٦٧ / الأحزاب : ٣٣.

(٧) النهاية : ٢ / ٣٢٩.

(٨) وفي س : بحقهم.

(٩) ساقطة من س.

(١٠) علق مختار في الهامش فقال : «وعلى زوج الأم مجازا كما في حديث أنس : دعانا أبوك .. مختار».

(١١) ١٠٠ / يوسف ١٢.

(١٢) ١٣٣ / البقرة : ٢.

(١٣) إضافة المحقق ، لأن إسماعيل كان عمهم.

٥٥

أ ب ي :

قال تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى»)(١) و (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ)(٢). والإباء : شدة الامتناع ، فهو أخصّ من مطلق الإباء ؛ إذ كلّ إباء امتناع من غير عكس. وبعضهم يقول : الإمتناع ، ومراده ذلك لكونه في قوة النفي ساغ وقوع الإستثناء المفرّغ بعده. قال تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)(٣) ، لأنه في قوة تمنّع. وشذّ مجيء (٤) مضارعه على يأبى بالفتح ؛ إذ قياسه يأبي بالكسر ، كأتى يأتي ، ورمى يرمي. والذي حسّن ذلك كون (٥) الألف حرف حلق. (ومثله قلى يقلى ، على لغيّة. والأفصح يقلي بالكسر) (٦) .. قال (٧) : [من الطويل]

وترمينني بالطّرف أي أنت مذنب

وتقلينني ، لكنّ إياك لا أقلي

ورجل أبيّ ، من ذلك فعيل من أبى يأبي ، أي ممتنع من تحمّل الضّيم. قال : [من الطويل]

ولسنا إذا تأبون سلما بمذعني

لكم ، غير أنّا إن نسالم نسلم

أي ممتنعون.

وفي الحديث : «كلّكم يدخل الجنة إلا من أبي بعيره» (٨) ، أي امتنع من تعاطي أسباب الدخول. قال الراغب : أبت العنز تأبى إباء ، وتيس آبى. وعنز أبواء إذا أخذه داء من شرب ماء فيه بول الأروى (٩) ، فيمنعه من شرب الماء. وينبغي أن تكون الواو في «أبو» بدلا من

__________________

(١) ٣٤ / البقرة : ٢.

(٢) ٨ / التوبة : ٩.

(٣) ٣٢ / التوبة : ٩.

(٤) في الأصل : يجيء.

(٥) في الأصل : لكون.

(٦) إضافة من الهامش.

(٧) الشاعر مجهول. والشاهد في الخزانة : ٤ / ٤٩٠ بولاق ، والمغني برقم ١٢٢.

(٨) النهاية : ١ / ٢٠ وفيه : وشرد ، بدل بعيره.

(٩) الأروى : ضأن الجبل.

٥٦

الياء ، لأنّ المادة في ذوات الواو لا الياء (١).

فصل الألف والتاء

أ ت ي :

الإتيان : قيل : هو المجيء مطلقا ، وقيل : بسهولة. ومنه قيل للسّيل المارّ على وجهه : أتيّ وأتاويّ. وأنشد للنابغة : [من البسيط]

خلّت سبيل أتيّ كان يحبسه (٢)

وقيل : سيل أتيّ جاء ولم يجئك مطره. ويقال : أتّيت الماء (٣) بالتشديد أي أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقاصده. وفي حديث ظبيان الوافد (٤) وقد ذكر ثمود وبلادهم فقال : «وأتّوا جداولها» أي سهّلوا طريق الماء إليها. وقيل للغريب : أتاويّ ، تشبيها بذلك ، وفي الحديث : «إنّما هو أتيّ فينا» (٥). وفي حديث عثمان رضي الله (تعالى) (٦) عنه : «إنّا رجلان أتاويّان (٧). ويعبّر به عن الإعطاء ، قال تعالى : (آتَيْناهُمْ مُلْكاً)(٨)(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٩). وقرىء : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)(١٠) بالمدّ والقصر ، أي أعطوني أو جيئوني.

__________________

(١) وفي س : الياء لا الواو.

(٢) صدر من معلقة النابغة الذبياني (الديوان : ٤) ، وعجزه :

ورفّعته إلى السّجفين فالنّضد

(٣) وفي اللسان : للماء.

(٤) ورد ذكره في اللسان (مادة أتى). وهو في النهاية : ١ / ٢١.

(٥) الغريبين : ١٤ ، أي غريب. والحديث في النهاية : ١ / ٢١.

(٦) لم ترد الكلمة في ح.

(٧) ذكر عثمان هذا الحديث حين أرسل سليط بن سليط وعبد الرحمن بن عتّاب إلى عبد الله بن سلام فقال : أئتياه فتنكّرا له وقولا : .. ، لكن كشف أمرهما وعرفهما. والحديث في النهاية : ١ / ٢١.

(٨) ٥٤ / النساء : ٤.

(٩) ١٦٣ / النساء : ٤.

(١٠) ٩٦ / الكهف : ١٨.

٥٧

الإيتاء (١) : خصّ بدفع الصّدقة في القرآن دون الإعطاء. قال تعالى : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ)(٢) ويقال : أرض كثيرة الإتاء ، أي الرّيع. والإتاوة : الخراج. ويسند الإتيان للباري تعالى ، كما أسند إليه المجيء على معنى يليق بجلاله ، أو على حذف مضاف ، كقوله : (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)(٣). كما صرّح به في قوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٤). وكذا (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ)(٥) أي بأمره.

وقوله : «أتى» ، بصيغة الماضى ليخصّ الوقوع ، فكأنّه قد أتى ووقع. وقال نفطويه : تقول : أتاك الأمر ، وهو متوقّع بعد ، أي أتى أمر الله وعدا (٦) فلا تستعجلوه وقوعا. وقال ابن الأنباريّ في قوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) : فأتى الله مكرهم من أجله ، أي عاد ضرر المكر عليهم. وهل هذا مجاز أو حقيقة؟ والمراد به نمرود وصرحه خلاف.

ويعبّر بالإتيان عن الهلاك ؛ قال تعالى : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)(٧). ويقال : أتي فلان من مأمنه (٨) ، أي جاءه الهلاك من جهة أمنه. وقوله : (فَآتَتْ أُكُلَها)(٩) أي أعطت ، والمعنى : أثمرت ضعفي ما يثمر غيرها من الجنان.

وقوله : (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ)(١٠) أي أعطاهم جزاء اتّقائهم. وقوله : (إِلَى الْهُدَى

__________________

(١) في ح : الآن تيا ، وفي س : الآن بتاء ، ولعلها كما ذكرنا.

(٢) ١٥٦ / الأعراف ١ ، وغيرها.

(٣) ٥٦ / النور : ٢٤ ، وغيرها.

(٤) ٣٣ / النحل : ١٦.

(٥) في س : أمر ربك.

(٦) وفي س : وعده.

(٧) ٢ / الحشر : ٥٩.

(٨) وفي الأصل : منامه.

(٩) ٢٦٥ / البقرة : ٢.

(١٠) ١٧ / محمد : ٤٧.

٥٨

ائْتِنا)(١) أي بايعنا على ملّتنا. وقوله : (يَأْتِ بَصِيراً)(٢) أي يعد ، كقوله : (فَارْتَدَّ بَصِيراً)(٣).

والميتاء من قولهم : طريق ميتاء (٤) من ذلك ، فهو مفعال (٥) من الإتيان. وفي الحديث : «لو لا أنه (٦) طريق ميتاء لحزنّا عليك يا إبراهيم» ، أي أن الموت طريق مسلوك. وما أحسن هذه الاستعارة وأرشق هذه الإشارة! وقال شمر : ميتاء الطريق ومبدؤه : محّجته. وفي الحديث أيضا : «ما وجدت في طريق ميتاء فعرّفه سنة» (٧) والإتيان : يقال للمجيء بالذات وبالأمر والتدبير ، وفي الخير والشرّ. ومن الأول قوله : [من المتقارب]

أتيت المروءة من بابها

وقوله : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى)(٨) أي لا يتعاطون. وقوله : (يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ)(٩) أي يتلبّسون بها. فاستعمال الإتيان هنا كاستعمال المجيء في قوله : (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا)(١٠). ويكنى بالإتيان عن الوطء. ومنه : أتى امرأته. وقوله : (أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ)(١١)(أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ)(١٢) من ذلك ، وهو من أحسن الكنايات.

__________________

(١) ٧١ / الأنعام : ٦.

(٢) ٩٣ / يوسف : ١٢.

(٣) ٩٦ / يوسف : ١٢.

(٤) الميتاء : الطريق العامر ومجتمع الطريق. وقال شمر : «ميتاء الطريق وميداؤه : محجته» (الغريبين : ١٣).

(٥) وفي س : مفعول ، وهو وهم.

(٦) الحديث ناقص ، وتمامه : «لو لا أنه وعد حقّ وقول صدق وطريق ميتاء لحزنّا عليك أكثر ما حزنا» (النهاية : ٤ / ٣٧٨). وتمامه من الغريبين.

(٧) الغريبين : ١٣ ، والنهاية : ٤ / ٣٧٨ ، وهو حديث اللّقطة.

(٨) ٥٤ / التوبة : ٩.

(٩) ١٥ / النساء : ٤.

(١٠) ٢٧ / مريم : ١٩.

(١١) ١٦٥ / الشعراء : ٢٦.

(١٢) ٥٥ / النمل : ٢٧.

٥٩

ويقال : أتيته وأتوته. ومنه يقال للسّقاء إذا مخض وجاء زبده : قد جاء أتوه (١). وحقيقته : جاء ما من شأنه أن يأتي منه ، فهو مصدر معنى (٢). قالوا : وكلّ موضع ذكر في وصف الكتاب «آتينا» فهو أبلغ من كلّ موضع ذكر في وصفه «أوتوا» ، لأنّ «أوتوا» قد يقال في من أوتي ، وإن لم لم يكن معه قبول. و «آتينا» يقال في من كان معه (٣) قبول.

وقوله : (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ)(٤) : فلنجيئنّهم. وقوله : (كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(٥) بمعنى آت كسيل مفعم بمعنى مفعم (٦) ، وحجابا ساترا. والثاني (٧) أنه على بابه ، لأنه يقال : أتاني الأمر وأتيته. فهذا من قولهم : أتيت الأمر ، قاله الراغب (٨). وقال الهرويّ : يقال : أتاني خبره وأتيت خبره.

وقوله : (يُؤْتُونَ ما آتَوْا)(٩) أي يتصدّقون بأيّ صدقة قليلة كانت أو كثيرة ، لذلك أبهمها (١٠) الله تعالى ، وما أوقع هذا في نفس من له أدنى ذوق حتى لو صرّح بجميع أنواع الصدقة على اختلافها لم يقع موقع هذا الإبهام /.

فصل الألف والثاء

أ ث ث :

قال تعالى : (أَحْسَنُ أَثاثاً)(١١). الأثاث : الكثير من متاع الدنيا ، كذا أطلقه

__________________

(١) وفي المفردات ص ٦ : أتوّة.

(٢) وفي المفردات ص ٦ : فهو مصدر في معنى الفاعل.

(٣) وفي س : فيه.

(٤) ٣٧ / النمل : ٢٧.

(٥) ٦١ / مريم : ١٩.

(٦) في ح : منعم ، مرتين. والمقصود أنه جعل المفعول فاعلا من الإتيان.

(٧) لم يرد الأول.

(٨) المفردات : ٨.

(٩) ٦٠ / المؤمنون : ٢٣.

(١٠) وفي ح : أبهمهما.

(١١) ٧٤ / مريم : ١٩.

٦٠