عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

١

٢

٣
٤

باب اللام

اللام المكسورة

أصلها للدلالة على الملك ، نحو : المال لزيد ، وتدلّ على الاختصاص نحو : الجلّ للفرس ، وتكون للقسم فيلزمها التعجب كقول الشاعر (١) : [من البسيط]

تالله يبقى على الأيام ذو حيد (٢)

بمشمخرّ به الظّيّان والآس

وتزاد مقوّية للعامل إمّا بتقديم معموله كقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٣) ، وإمّا بكونه فرعا كقوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)(٤). ولا تزاد في غير ذلك إلا بسماع ، كقول الشاعر : [من الوافر]

فلمّا أن توافينا قليلا

أنخنا للكلاكل فارتمينا

فأما قوله تعالى : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ)(٥) فقد زعم بعضهم أنه من هذا القبيل ، وليس كما ذكر بل هو مضمن وقد بينّاه.

__________________

(١) البيت لمالك بن خالد الخناعي الهذلي كما في ديوان الهذليين : ٣ / ٢.

(٢) كذا في الأصل والخزانة ، وفي الديوان :

والخنس لن يعجز الأيام ذو حيد

و «تالله يبقى» التقدير «لا يبقى» على حذف «لا» بعد القسم. والآس : ضرب من الرياحين. الظيان : ياسمين البر. حيود القرن : ما تلوى منه.

(٣) ٤٣ / يوسف : ١٢.

(٤) ١٠٧ / هود : ١١ ، وغيرها.

(٥) ٧٢ / النمل : ٢٧. ردف لكم : لحقكم ووصل إليكم.

٥

وأما المفتوحة فتكون لام ابتداء نحو قوله تعالى : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ)(١). وتدخل في خبر إنّ ومعمولها واسمها بشروط مذكورة في كتب النحو ، وتكون جواب قسم نحو قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)(٢) وموطّئة للقسم نحو قوله تعالى : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ)(٣). وفارقة بين إن المخففة وإن النافية نحو قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً)(٤). ومعلّقة لأفعال القلوب كقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ)(٥) في أحد القولين ، ومنه قول الشاعر (٦) : [من الكامل]

ولقد علمت لتأتينّ منيّتي

إن المنايا لا تطيش سهامها

وأما اللام الساكنة فهي حرف تعريف توصّل إلى الابتداء بهمزة وصل عند سيبويه ، وهي عهدية وجنسية وزائدة لازمة ، وللمح ما نقل مصحوبها عنه في الأعلام. وهذه تنبيهات لك على الأصول. وأما شواهدها وأدلتها والاعتراض عليها والانفصال عنها فأوسعنا العبارة في ذلك كلّه في تأليف غير هذا ولله الحمد.

فصل اللام والهمزة

ل ؤ ل ؤ :

قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً)(٧) اختلف المفسرون فيه ؛ فقال بعضهم : هو كبار الجوهر ، وقال آخرون : بل صغاره.

واشتقاقه من تلألؤ الضوء ، لأنّ ضوءه يتلألأ. قيل : بل اشتقّ التلألؤ منه ، يقال : تلألأ

__________________

(١) ١٠٩ / يوسف : ١٢.

(٢) ٩٢ / الحجر : ١٥.

(٣) ٣٢ / يوسف : ١٢.

(٤) ١٤٣ / البقرة : ٢.

(٥) ١٠٢ / البقرة : ٢.

(٦) البيت للبيد ، ورواية سيبويه كالأصل (الكتاب : ٣ / ١١٠). وهو في الديوان :

صادفن منها غرّة فأصبنها

(٧) ٢٣ / الحج : ٢٢ ، وغيرها.

٦

وجه فلان أي لمع لمعان اللؤلؤ ، وهذا ما نقله الراغب (١). وفي المثل : «لا أكلمك ما لألأت الظّباء بأذنابها» أي حرّكتها ، وذلك أنّها إذا حركتها ورفعتها وخفضتها حصل منها لمعان وتلألؤ. والجمع : لآل ، والأصل : لآلىء ، ثم أبدلت الهمزة الأخيرة ياء ، تخفيفا ثم أعلّ إعلال قاض ، فيقال : هذه لآل ، ومررت بلآل ورأيت لآليا. وهذا البدل غير لازم ؛ فيجوز أن يلفظ بالأصل. والنسبة إليه لؤلئي. وقالوا : رجل لأآل بمعنى النّسب ، نحو تمّار ولبّان (٢) ، وليس لنا همزة موهمة (٣) في مثلها من كلمة غير هذا وغير سأآل من سأل.

فصل اللام والباء

ل ب ب :

قوله تعالى : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ)(٤) الألباب جمع لبّ وهو العقل. وقيّده بعضهم. بكونه خليّا من الشوائب.

ولبّ كلّ شيء خالصه ، سمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من قوة كاللّباب من الشيء. وقيل : هو ما زكا من العقل ، فهو أخصّ منه ، وكلّ لبّ عقل وليس كلّ عقل لبا ، ولهذا علّق الله تعالى الأحكام التي لا تدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب فخاطبهم بها دون من عداهم ، ولذلك أورد قوله تعالى : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) بعد قوله : (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(٥).

وقالوا : لبّ الرجل يلبّ ، أي صار ذا لبّ ، ومنه قول بعضهنّ في ابن لها : «اضربه كي يلبّ ، ويقود الجيش ذا اللّجب». ورجل لبيب ، والجمع ألبّاء ، وملبّون : معروفون باللّبّ.

وقولهم : لبّيك اللهمّ لبيك ، فيه أربعة أوجه ؛ أحدها : أنّ معناه إجابتي لك يا ربّ ،

__________________

(١) المفردات : ٤٥٧.

(٢) قال الفراء : سمعت العرب تقول لصاحب اللؤلؤ : لأآء على مثل لعّاع.

(٣) في س : مذهمة ، وفي ح : مدهمة. ولم تتضح لنا. ولعلها : مدغمة.

(٤) ١٩٧ / البقرة : ٢.

(٥) ٢٦٩ / البقرة : ٢.

٧

مأخوذ من ألبّ بالمكان : أقام به. وتثنيته لا يراد بها شفع الواحد بل معناه إجابة بعد إجابة ، ومثله : حنانيك ، وأصل ذلك في البعير وهو أن يلقي لبّته في صدره. وتلبّب ، أي تحزّم ، وأصله أن يشدّ لبّته ، ومنه حديث عمر : «فلبّبته بردائه» (١). ولبّبته : ضربت لبته ، وإنما سميت لبّة لأنها موضع اللبّ (٢) ، قاله الراغب ، وفيه نظر لأنّ الصّحيح أن العقل في الرأس لا في الصدر.

والثاني : معناه اتّجاهي لك يا ربّ وقصدي إليك ، من قولهم : داري تلبّ دارك (٣) أي تواجهها. والثالث : أنّ معناها محبّتي لك ، من قولهم : امرأة لبّة لولدها أي عاطفة عليه ، وأنشد (٤) : [من الطويل]

وكنتم كأمّ لبّة طعن ابنها

إليها ، فما درّت عليه بساعد

والرابع : إنه إخلاص لك ، من قولهم : حسب لباب ، أي خالص لا شوب فيه ، ومنه : لبّ الطعام ولبابه.

واختلفوا في «لبّيك» هل هو مثنّى أم مفرد (٥) ، والصحيح أنه مثنّى ، وقيل : بل هو مفرد وياؤه مبدلة من باء ، وإلا من لبّ بالمكان (٦) : أقام ، فاستثقلوا توالي ثلاثة أمثال ، فأبدلوا إحداهنّ ياء كما قالوا : تظنّيت (٧) وقصّيت أظفاري ، ولا تضاف إلا لضمير خطاب ، وشذّ قول الشاعر (٨) : [من المتقارب]

دعوت لما نابني مسورا

فلبّى ، فلبّي يدي مسور

__________________

(١) النهاية : ٤ / ٢٢٣.

(٢) الفردات : ٤٤٦.

(٣) كذا في النهاية ، وفي الأصل : رداءه تلب ردائي.

(٤) من شواهد اللسان ـ مادة لبب.

(٥) لعلماء اللغة والنحو آراء كثيرة ومتضاربة حولها ، وما ذكره المؤلف هنا كان موجزا.

(٦) قال الخليل : أصله من ألببت بالمكان ، فإذا دعا الرجل صاحبه أجابه : لبّيك أي أنا مقيم عندك.

(٧) وأصلها : تظنّنت.

(٨) البيت من شواهد اللغويين على إضافة «لبّي» إلى اسم مظهر. البيت عزاه السيوطي لأعرابي من بني أسد ، بينما في اللسان (مادة لبب) والكتاب (١ / ٣٥٢) من غير عزو. ومثل ذلك في الخزانة : ١ / ٢٦٨ وشواهد المغني : ٣٠٧ ....

٨

ل ب ث :

قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ)(١) اللّبث : الإقامة بالمكان ، يقال : لبث يلبث فهو لابث ، ولبث لبثا. وقرىء قوله تعالى : (لابِثِينَ فِيها)(٢) و (لبثين) (٣).

وقيل : اللبث : الإقامة الطويلة ، فهي أخصّ من الإقامة ، فكلّ لبث إقامة ، وليس كلّ إقامة لبثا. ولبث أبلغ من لابث ، كما قيل : فرح أبلغ من فارح ، وضيّق أبلغ من ضائق ، وكأنه لدلالته على الحال. وإنّ شرط الصفة المشبّهة أن تكون من حاضر بخلاف اسم الفاعل.

ل ب د :

قوله تعالى : (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً)(٤) لبد جمع لبدة وهي القطعة من اللّبد ، أي كادوا يكونون عليه جماعة متكاثفة قد ركب بعضها بعضا كما في اللّبد (٥) وذلك لشدّة تزاحمهم حرصا على استماع القرآن منه ، وقيل : معناه يسقطون عليه سقوط اللّبد.

وجمع اللبد ألباد ولبود. وقرىء «لبدا» بضمّ اللام على أنه بمعنى كثيرا (٦) أي ، كثيرين متزاحمين ، والقراءتان في السّبع. وقال الهرويّ : ومن قرأ «لبّدا» فهو جمع لا بد نحو راكع وركّع ؛ يقال : لبد في المكان : إذا أقام به ، وهذه لم يقرأ بها في الفصيح ، ولا تبعد عن الفصيح.

قوله تعالى : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً)(٧) أي كثيرا يلبد بعضه فوق بعض. ولبد هو نسر

__________________

(١) ١٤ / العنكبوت : ٢٩.

(٢) ٢٣ / النبأ : ٧٨.

(٣) قرأ علقمة بالثانية وهي كذلك قراءة أصحاب عبد الله ، ومعناها البطيء ، والناس يقرؤون «لابثين» وهو أجود الوجهين (معاني القرآن للفراء : ٣ / ٢٢٨).

(٤) ١٩ / الجن : ٧٢.

(٥) من هنا ساقط من النسختين س و ح ، وما نقلناه فمن النسخة د مشفوعة بمفردات الراغب : ٤٤٧ ، وحتى البيت قافيته (بلبانها) من مادة لبن.

(٦) معاني الفراء : ٣ / ١٩٤ ، ويقول : والمعنى فيهما واحد. ومن قرأ «لبّدا» فإنه أراد أن يجعلها من صفة الرجال مثل ركّعا ، سجّدا.

(٧) ٦ / البلد : ٩٠.

٩

لقمان بن عاد ؛ كان له نسر يقال له لبد عاش ما بين [عمر سبعة أنسر](١) ... [قال النابغة](٢) : [من البسيط]

أمست خلاء وأضحى أهلها احتملوا

أخنى عليها الذي أخنى على لبد

وكان سمي بذلك لكثرة عمره. وقيل : لأنه لبد فبقي لا يذهب ولا يموت. ولبدة الأسد : شعر رقبته لتراكب شعرها [بين كتفيه. وفي المثل : هو أمنع من لبدة](٣) الأسد. وكلّ شيء ألصقته إلصاقا ناعما فقد لبّدته.

ولبدت الثوب ألبده : [إذا رقّعته](٤) لتراكب الرّقع. وفي الحديث أنّ عائشة «أخرجت إلى النبيّ كساء ملبّدا» (٥) أي مرقعا. واللّبدة أيضا ما يرقع بها صدر القميص ، والقبيلة : ما يرقع بها قبّة. وفي حديث أبي بكر : «أنه كان يحلب فيقول : ألبد أم أرغي؟ فإن قالوا : إلبد ، ألصق العلبة بالضّرع وحلب ، فلا يكون للحليب رغوة. وإن قيل : باعده ، رغا لشدة وقعه» (٦).

ولبّد شعره : ألصق بعضه ببعض بالصمغ فصار كاللّبد ، ولذلك أمر به المحرم في إحرامه ، ولكن ينبغي ألّا يفرط فيه لئلا يحتاج صاحبه إلى غسله ، فقد لا يصل الماء إلى الشعر والبشرة. وفي الحديث : «أن رسول الله لبّد رأسه وأهدى» (٧). وفي حديث أمّ زرع : «ليس بلبد فيتوقّل ولا له عندي معوّل» (٨) ، قال أبو بكر بن الأنباريّ : معناه ليس بمستمسك متلبّد فيسرع المشي فيه ويعتلى (٩).

__________________

(١) إضافة المحقق ، وما بعده فراغ.

(٢) من معلقته : ٥ ، وانظر فيه خلاف الرواية.

(٣) إضافة من اللسان لبياض في الأصل.

(٤) الإضافة من اللسان.

(٥) النهاية : ٤ / ٢٢٤.

(٦) النهاية : ٤ / ٢٢٥.

(٧) الكلام غير واضح في الأصل فنقلناه نقلا (مسند ابن حنبل : ٢ ، ١٢٤).

(٨) النهاية : ٤ / ٢٢٤.

(٩) الكلمتان «متلبد» و «ويعتلى» أضفناهما من النهاية.

١٠

ل ب س :

قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ)(١) قال ابن عرفة : أي لا تخلطوه به ، وأنشد لبشر : [من الوافر]

ولمّا تلتبس خيل بخيل

فتطّعنوا وتضطربوا اضطرابا

قوله تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً)(٢) أي يخلط أمركم خلط اضطراب لا اتّفاق. وقوله : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ)(٣) وقال الأزهريّ : لم يعصوا أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولبست عليه الأمر : إذا شبّهت عليه ، وعليه قوله تعالى : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ)(٤) أي ، ولشبّهنا عليهم. وقيل : لأضللناهم كما ضلّوا ، وهو تفسير معنى قوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً)(٥) أي ساترا بظلمته للأشياء. وكلّ شيء ستر شيئا فهو لباس. وقوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ)(٦) الآية ، نبّه بذلك على شدّة المخالطة وأنّ كلا من الزّوجين للآخر بمنزلة اللباس ، وقريب منه قوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)(٧). [قال الجعديّ يصف امرأة](٨) : [من المتقارب]

إذا ما الضّجيع ثنى عطفها

تثنّت ، فكانت عليه لباسا

والعرب تسمي المرأة لباسا ، وهذا ينبغي إن كان لتجرّد الأنثى يدعى الرجل أيضا لباسا. وإن كان لغير ذلك فيحتمل ذلك. وقيل : جعلت لزوجها لباسا من حيث إنها تغطّيه وتصدّه عن القبائح ، وإليه أشار عليه الصلاة والسّلام بقوله : «من تزوج فقد ستر شطر دينه

__________________

(١) ٤٢ / البقرة : ٢.

(٢) ٦٥ / الأنعام : ٦.

(٣) ٨٢ / الأنعام : ٦.

(٤) ٩ / الأنعام : ٦.

(٥) ١٠ / النبأ : ٧٨.

(٦) ١٨٧ / البقرة : ٢.

(٧) ٢١ / الروم : ٣٠.

(٨) بياض في الأصل ، والإضافة من اللسان ـ مادة لبس ، والبيت مذكور فيه.

١١

فليتّق الله في الشطر الآخر» (١). وهذا كما سمّاها الشاعر إزارا في قوله (٢) : [من الوافر]

فدى لك ، من أخي ثقة ، إزاري

وقال الأنصار للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لنمنعنّك ممّا نمنع منه أزرنا» (٣) أي نساءنا. قوله : (وَلِباسُ التَّقْوى)(٤) استعار للتقوى لباسا توسّعا. قوله : (صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ)(٥) يعني به الدرع.

قوله : (لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ)(٦) هذا من أبلغ الاستعارات وأوجزها إذ إنه جعل اللباس المستعار مما يذاق لذكره الجوع ، لأنّ ما أذاقه. إنما هو للمأكول لا للملبوس. وفي الأمر لبسة ، أي التباس. ولا بست الأمر : إذا زاولته أو خالطته أيضا. وفي فلان ملبس ، أي مستمتع. وفي الحديث : «يأكل وما يتلبّس بيده طعام» (٧) أي ما يلتزق به لنظافة أكله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ل ب ن :

قوله تعالى : (لَبَناً خالِصاً)(٨) اللبن : قال الليث : هو خلاف الجسد من بين الفرث والدّم ، وهو معروف. ويجمع على ألبان. ولبنته : سقيته اللبن. وفرس ملبون ، وألبن فلان فهو ملبن : كثر لبنه ، وألبنت الناقة فهي ملبن أيضا.

والملبن ـ بالكسر : ما يجعل فيه اللبن كالمحلب. واللّبان : ما يرضع. قال أبو الأسود (٩) : [من الطويل]

فإن لا يكنه ، فإنه

أخوها غذته أمّه بلبانها (١٠)

__________________

(١) رواه البيهقي والحاكم والطبراني وغيرهم كما في كشف الخفاء. وذكر الحاكم في المستدرك أنه صحيح الإسناد.

(٢) عجز لجعدة بن عبد الله السلمي ، وله قصة في عهد عمر ، (اللسان ـ مادة أزر ، والنهاية : ١ / ٤٥) وصدره :

ألا أبلغ أبا حفص رسولا

(٣) النهاية : ١ / ٤٥ ، والحديث في بيعة العقبة.

(٤) ٢٦ / الأعراف : ٧.

(٥) ٨٠ / الأنبياء : ٢١.

(٦) ١١٢ / النحل : ١٦.

(٧) النهاية : ٤ / ٢٢٦.

(٨) ٦٦ / النحل : ١٦.

(٩) من شواهد اللسان ـ مادة لبن.

(١٠) إلى هنا ينتهي السقط من النسختين ح وس.

١٢

قيل : ويقال : أخوه بلبان أمّه ، ولا يقال : بلبن أمّه. قال الراغب (١) : لم يسمع ذلك. واللّبان ـ بالفتح ـ المصدر ، وهو موضع اللبن ، فأصله في الفرس ، ثم يستعمل ذلك في الأناسيّ. وأنشد في حديث الاستسقاء (٢) : [من الطويل]

أتيناك والعذراء يدمى لبانها

وقد شغلت أمّ الصبيّ عن الطفل

يقول : العذراء من البنات دمي صدرها لامتهانها بالخدمة من الفقر. وإذا كانت العذراء التي من شأنها التخدير كذلك فما ظنّك بغيرها؟ والملبنة : الملعقة التي يؤكل بها اللبن ؛ وفي الحديث : «صحيفة فيها خطيفة وملبنة» (٣).

واللّبانة : الحاجة ؛ قال امرؤ القيس (٤) : [من الطويل]

خليليّ مرّا بي على أمّ جندب

نقضّ لبانات الفؤاد المعذّب

وأصلها من الحاجة إلى اللبن ، ثم استعملت في كلّ حاجة. وأما اللّبن الذي يبنى به فواحده لبنة ، وقد لبن اللّبن يلبنه : إذا ضربه. واللّبان : ضاربه.

فصل اللام والتاء

ل ت ت :

قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى)(٥) قرأ بعضهم «اللاتّ» بتشديد التاء (٦) ، وزعم أنه اسم فاعل من : لتّ الدقيق ونحوه يلتّ فهو لاتّ ، قيل : وهو رجل كان في زمن موسم الحاجّ يلتّ السويق ويطعمه الناس ، وكأنهم اتّخذوا صورته في حجر ونحوه ثم عبد ، كما قيل ذلك في ودّ وسواع أنهما صورتا رجلين ثم عبدا.

__________________

(١) المفردات : ٤٤٧.

(٢) الصدر مذكور في النهاية : ٤ / ٢٣٠ ، واللسان ـ مادة لبن.

(٣) قاله سويد بن غفلة في علي ، وهو في النهاية : ٤ / ٢٢٩.

(٤) مطلع قصيدة له (الديوان : ٥٣).

(٥) ١٩ / النجم : ٥٣.

(٦) هي قراءة ابن عباس ومجاهد وإبراهيم (مختصر الشواذ : ١٤٧).

١٣

فصل اللام والجيم

ل ج أ :

قوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ)(١) الملجأ : المعقل ، وهو ما يتحصّن به ؛ قلعة ونحوها. ويطلق على الأناسيّ أيضا ، فيقال : فلان ملجأ فلان ، أي يحوطه ويحويه ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك» (٢).

ويقال : لجأت إليه ألجأ لجأ ـ بفتح العين ـ وملجأ ، والتجأت إليه بمعنى الأول ، والموضع : لجأ وملجأ.

والتّلجئة : الإكراه. وألجأته إليه : أكرهته عليه. وألجأت أمري إلى الله : أسندته إليه.

وعمر بن لجأ شاعر مشهور (٣) ؛ فلجأ منقول إمّا من المصدر أو من المكان.

ل ج ج :

قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ)(٤) اللجيّ هو البحر العظيم الذي لا يدرك قعره لتراكم مياهه ، منسوب إلى اللّجّة ، وهي معظم الماء ، والجمع لجج ، قال الشاعر : [من الطويل]

شربن بماء البحر ثم ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نبيح

واللّجّ : البحر لعظم أمواجه وتياره.

قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً)(٥) أي بعيدا عظيما قعره. وفي الحديث : «من ركب البحر إذا التجّ» (٦). والتجّ الأمر : اختلط ، على الاستعارة. وفي الحديث : «إذا استلجّ أحدكم

__________________

(١) ٤٧ / الشورى : ٤٢.

(٢) في صحيح البخاري. وفي أذكار النووي : ولا منجا.

(٣) شاعر راجز ، من الذين هاجوا جريرا ، وانظر ترجمته في : طبقات ابن الأنباري ، والأغاني مع أخبار جرير ، والشعر والشعراء.

(٤) ٤٠ / النور : ٢٤.

(٥) ٤٤ / النمل : ٢٧.

(٦) النهاية : ٤ / ٢٣٣.

١٤

بيمينه فهو آثم عند الله» (١) قال شمر : معناه أن يستمرّ على يمينه فلا يكفّرها وزعم أنه صادق فيها. وقال غيره : هو أن يستمرّ عليها وإن رأى غيرها خيرا منها. وقال النّضر : استلجّ فلان متاع فلان وتلجّجه : إذا ادّعاه. وفي حديث طلحة : «قدّموني فوضعوا اللّجّ على قفيّ» (٢) ؛ قال شمر : اللّجّ : السيف لغة طيّىء. ونقل أبو عبيد عن الأصمعيّ أنه السيف ، ولم يقل بلغة طيىء. وقال بعضهم : شبّهه بلجة البحر في هوله ، وقيل : سمي بذلك لتموّج مائه.

قوله تعالى : (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ)(٣) أي تمادوا في العناد ، وفي الفعل المزجور عنه. وقيل : هو التردّد ؛ يقال : لجّ في الأمر يلجّ لجاجا لتردّده في إمضائه. ولجّة البحر لتردّد أمواجه.

ولجّة الليل لتردّد ظلامه ، ويقال في كلّ منهما : لجّ والتجّ.

واللّجّة ـ بالفتح ـ تردّد الصوت وهي كثرة الصّياح ، وأنشد (٤) : [من الرجز]

في لجّة أمسك فلانا عن فل

وفي البيت شذوذ.

واللجلجة : التردّد في الكلام ، ومن كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : «الكلمة من الحكمة تلجلج في صدر المنافق حتى تخرج إلى صاحبها» (٥) ، يعني تتحرك وتتردّد حتى يأخذها المؤمن. وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعريّ : «الفهم فيما تلجلج في صدرك» (٦). واللجلجة ـ أيضا ـ تردّد الطعام في الحلق ، وأنشد (٧) : [من الوافر]

يلجلج مضغة فيها أنيض

ورجل لجلج ولجلاج : إذا كان عييّا في كلامه.

__________________

(١) المصدر السابق ، وفيه : «... فإنه آثم له عند الله ..».

(٢) النهاية : ٤ / ٢٣٤.

(٣) ٢١ / الملك : ٦٧.

(٤) الرجز لأبي النجم كما في اللسان ـ مادة لجج.

(٥) النهاية : ٤ / ٢٣٤.

(٦) المصدر السابق ، وفيه «الفهم» مكررة.

(٧) الصدر لزهير ، وعجزه (شعر زهير : ١٤٣) :

أصلّت ، فهي تحت الكشح داء

الأنيض : الذي لم ينضج.

١٥

فصل اللام والحاء

ل ح د :

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ / فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا)(١) الإلحاد واللحد : الميل ؛ يقال : ألحد فلان عن كذا ، ولحد : مال. وقرىء قوله تعالى : (يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا)(٢) بالوجهين ، وأصله من اللّحد ، وهو الحفرة المائلة عن الوسط. وقد لحد القبر : حفره كذلك ، وألحده : جعل له لحدا ، ولحدت الميّت وألحدته : جعلته في اللحد ، ويقال لذلك الموضع ملحد ـ بفتح الميم ـ من لحده ، وملحدا ـ بضمها ـ من ألحد.

وألحد : جار عن الحقّ. وقال الأحمر : لحدت : جرت وملت ، وألحدت : جادلت وماريت. قوله : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ)(٣) أي ، يميلون إليه أعجميّ. وكانوا يقولون ـ أخزاهم الله ـ إنّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلمه عداس عبد لثقيف ، قال الله تعالى ردّا عليهم : إن لسان الذي نحوتم إليه أعجمي ، ولسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عربيّ مبين ، فبينهما بون بعيد.

قوله تعالى : (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ)(٤) أي يميلون فيصفون ربّهم بغير ما يجوز عليه نفيا وإثباتا من أشياء افتروها عليه ، تعالى عما يقولون.

قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ)(٥) ، الإلحاد : الشّرك بالله تعالى ، ودخول الباء لمعنى تكلّمنا عليه في موضع هو أليق به من هذا. وقيل : هي زائدة كقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ)(٦) وقول الآخر (٧) : [من البسيط]

سود المحاجر لا يقرأن بالسّور

__________________

(١) ٤٠ / فصلت : ٤١.

(٢) المفردات : ٤٤٨.

(٣) ١٠٣ / النحل : ١٦.

(٤) ١٨٠ / الأعراف : ٧.

(٥) ٢٥ / الحج : ٢٢.

(٦) ١٩٥ / البقرة : ٢.

(٧) عجز للراعي ، وصدره (اللسان ـ مادة سور) :

هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة

١٦

قال الراغب (١) : الإلحاد ضربان ؛ إلحاد إلى الشّرك بالله ، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب ؛ فالأول ينافي الإيمان ويبطله ، والثاني يوهي عراه ولا يبطله. ثم قال في قوله تعالى : والإلحاد في أسمائه على وجهين : أحدهما أن يوصف بما لا يصحّ وصفه به ، والثاني أن تتناول أوصافه على ما لا يليق به.

قوله تعالى : (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)(٢) أي ملجأ وموضع نجاة. والتحد إليه : مال إليه. وألحد السهم الهدف : مال في أحد جانبيه.

واللّحادة : القطعة من الشيء ، ومنه الحديث : «حتى يلقى الله وما على وجهه لحادة» (٣) أي قطعة لحم.

ل ح ف :

قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)(٤) أي إلحاحا. يقال : ألحف به يلحفه ، أي ألحّ عليه في سؤاله ، والمعنى : لا سؤال بإلحاف ، كقول امرىء القيس (٥) : [من الطويل]

على لاحب لا يهتدي بمناره

إذا سافه العود النّباطيّ جرجرا

وقيل : المعنى يسألون ولكنّ سؤالهم ليس بسؤال إلحاف ، ومنه استعير ألحف شاربه : إذا بالغ في قصّه. وأصل ذلك من اللّحاف وهو ما يتغطى به كأنه شمله بسؤاله حتى غطّاه به مبالغة في ذلك. وقال الزّجاج : معنى ألحف : شمل بالمسألة ، ومنه اشتقّ اللحاف. وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرس يقال له اللّحيف ؛ فعيل بمعنى فاعل ، كأنه يلحف الأرض ، أي يمسّها ويغطّيها بذنبه لطوله.

__________________

(١) المفردات : ٤٤٨.

(٢) ٢٧ / الكهف : ١٨ ،

(٣) النهاية : ٤ / ٢٣٦.

(٤) ٢٧٣ / البقرة : ٢.

(٥) الديوان : ٦٧.

١٧

ل ح ق :

قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)(١) أي لم يجيبوا بعد إلى هذا الوقت ، فإنّ ما لنفي الماضي المتصل لزمن الحال ، يقال : لحقته ولحقت به : إذا أدركته بعد تقدّمه عليك لحاقا. وألحقته بكذا أي جعلته مدركا له ، وكذا ألحقته إيّاه.

قوله تعالى : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(٢) أي اجعلني من عدادهم وداخلا في زمرتهم. وقيل : ألحقه ولحقه واحد. قوله : «إنّ عذابك (٣) بالكافرين ملحق» بكسر الحاء على أنّ ألحقه بمعنى لحقه ، ويروى بفتحها على قولك : ألحقت العذاب بزيد ، وقيل : من ألحقت به كذا ، فنسب الفعل إلى العذاب تعظيما له ، وأطلق على الدّعيّ ملحق لأنّه لا نسب له. واستلحق فلان فلانا ، أي اعترف بنسبته إليه.

ل ح م :

قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً)(٤) كنى بذلك عن تناول الأعراض بما لا يليق ، والغيبة ، فصوّر لهم أن المغتاب بمنزلة من يأكل لحم أخيه ميتا ، وفيه منفّرات كثيرة أحدها : استفهام الإنكار والتعجب من ذلك. والثاني : إبراز الاستفهام عن المحبة لذلك والرغبة فيه مع العلم بنفرة الطباع عنه فضلا عن محبته. الثالث : إسناد المحبة إلى أحد المخاطبين منهما ، كأنّ الأمر لفظاعته لا يواجه به واحد معيّن. الرابع : إضافته للمخاطبين تهييجا لهم وإلهابا. الخامس : تسلط المحبة على الأكل دون سائر الأفعال لأنه الغرض في الملاذّ ومنتهى غاياته. السادس : تسلط الأكل على اللحم دون سائر ملك الإنسان من طعام ونحوه. السابع : إضافة اللحم إلى أعزّ الأقارب عند الإنسان ، وهم

__________________

(١) ٣ / الجمعة : ٦٢.

(٢) ١٠١ / يوسف : ١٢.

(٣) في الأصل كلمة «الجد» بعد «عذابك». والحديث من دعاء القنوت كما في النهاية : ٤ / ٢٣٨ ، والرواية فيه «بالكفار» وكذا في المفردات : ٤٤٨.

(٤) ١٢ / الحجرات : ٤٩.

١٨

يتوجّعون لفقد الإخوة أكثر من توجّعهم لفقدان غيرهم ، ولذلك قال الشاعر (١) : [من الطويل]

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

وإنّ ابن عمّ المرء فاعلم جناحه

وهل ينهض البازي بغير جناح؟

الثامن : وصف اللحم بأقبح الصفات وأكثرها تنفيرا عند المؤمنين وهو الميت منه ، فالميت لو كان من مأكول كانوا نافرين منه ، فكيف به من الآدميّ؟

وألحمتك فلانا : أمكنتك من ثلبه وغيبته ، وفي حديث جعفر : «فقاتل حتى ألحمه القتال» (٢). يقال : لحم الرجل واستلحم : إذا نشب في الحرب فلم يجد مخلصا. ولحم : إذا قتل ، فهو ملحوم ولحيم ، كأنه صار لحما للسباع. وقول عمر رضي الله عنه : «ومنهم من ألحمه القتال» (٣) يحتمل المعنى الأول والثاني.

والتحم الجرح : التزق خرقه. والمتلاحم في الشّجاج : ما بلغت لحم الدماغ ، وهي التي برأت فالتحمت إيضا وتلاحمت ، وأصله من اللّحام ، وهو ما بين العظام وعليها من اللحم لأنه يلزقها ، ثم عبر به عن كلّ ما يلزق فيقال لحام.

وألحم الرجل بالمكان : أقام به ولم يبرح ، ومنه الحديث ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجل : «صم ثلاثة أيام في الشهر وألحم عند الثالثة» (٤) قال بعضهم : وقف عند الثالثة فلم يزده عليها.

وجمع اللحم لحمان ولحوم ولحام ، نحو : بطن وبطنان ، وفلس وفلوس. وكعب وكعاب. وفي الحديث : «إنّ الله يبغض قوما لحمين» وفي رواية : «أهل البيت اللّحمين» (٥) قال سفيان الثّوريّ : هم الذين يكثرون أكل اللحم (٦) ، ومنه قول عمر رضي الله عنه : «اتّقوا هذه المجازر فإنّ لها ضراوة كضراوة الخمر» (٧).

__________________

(١) البيت لمسكين الدارمي ، وهو من شواهد النحو المشهورة (أوضح المسالك : ٣ / ١١٥). وأخطأ الشنتمري (١ / ٤٢٩) بنسبته إلى ابن هرمة.

(٢) النهاية : ٤ / ٢٣٩ ، وهو جعفر الطيار في صفته يوم مؤتة.

(٣) المصدر السابق.

(٤) النهاية : ٤ / ٢٤٠.

(٥) النهاية : ٤ / ٢٣٩ ، الروايتان مذكورتان فيه.

(٦) يريد في الغيبة.

(٧) المصدر السابق.

١٩

والملحمة : المعركة ، وجمعها ملاحم ، إمّا لكونها تصيّر الأبطال فيها لحما ، وإمّا لأنهم يتلاحمون فيها ، أي يلتزق بعضهم ببعض. ومن كلام يهود المدينة وقد قدّموا للقتل : وملحمة كتبت على بني إسرائيل.

ل ح ن :

قوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)(١) قال أبو عبيدة والفراء في نحو القول ومعنى القول : المراد في فحوى القول وقصد القول ، وهو قريب من التورية والتّعريض ، ومنه قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة حين وجّههما ليستعلما خبر قريظة : «فإن رأيتماهم على العهد فأعلنا بذلك وإلا فالحنا لي لحنا أعرفه ولا تفتيا في أعراض المسلمين» (٢).

وقيل : اللحن من حيث هو الميل ، فاللحن الذي هو التورية : ميل وعدول عن الكلام الظاهر إلى غيره ، واللحن الذي هو الخطأ في الإعراب : ميل وعدول عن الصّواب إلى الخطأ ، ولذلك قال بعضهم : اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليها إمّا بإزالة الإعراب والتصحيف ، وهو المذموم ، وذلك أكثر استعمالا ، وإمّا عن التصريح وصرفه بمعناه إلى تعريض وفحوى ، وهو محمود من حيث البلاغة ، وإياه قصد الشاعر بقوله (٣) : [من الخفيف]

منطق صائب وتلحن أحيا

نا ، وخير الحديث ما كان لحنا

وفي الحديث : «ما كان لحنا» (٤) أي : ما كان مفهوما لكلّ أحد بل للفطن ، وقال بعض بني العنبر (٥) : [من الكامل]

ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا

ولحنت لحنا ليس بالمرتاب

__________________

(١) ٣٠ / محمد : ٤٧.

(٢) النهاية : ٤ / ٢٤١.

(٣) البيت لمالك بن أسماء الفزاري ، وهو في الأصل ناقص أكملناه من اللسان ـ مادة لحن.

(٤) لعله من البيت السابق.

(٥) البيت للقتّال الكلابي كما في اللسان ـ مادة لحن. وفي الأصل : ولقد وجبت لكم لكيلا.

٢٠