عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٥

١

٢

٣
٤

باب الظاء

فصل الظاء والعين

ظ ع ن :

قوله تعالى : (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ)(١) الظّعن : الارتحال. يقال : ظعن يظعن ظعنا وظعنا ـ بالسكون والفتح ، وقد قرىء بهما ـ لغتان ، فهو ظاعن ، أي رحل وشخص. والظّعينة : اسم للهودج ما كانت المرأة فيه ، وإلا فهو هودج ومحمل. وقد توسّع فيه فأطلق على المرأة وحدها ظعينة ، وإن لم تكن في هودج. والجمع ظعائن. وقولهم : منّا ظعن ومنّا أقام ، تقديره : منا فريق ظعن ومنا فريق أقام ، فحذف الموصوف.

فصل الظاء والفاء

ظ ف ر :

قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ)(٢). الإظفار : النّصرة. والظّفر : الفوز والانتصار. يقال : ظفر فلان بطلبته ، وأظفرته بها. ولتضمّنه معنى النصر عدّي بعلى. وأصله من الظفر ؛ فإنّ قوله ظفر بكذا ، معناه أنشب ظفره في الشيء أي علق به فتمكّن منه. يقال : ظفّرت فلانا ـ مشدّدا ـ أي أنشبت (٣) ظفري فيه ، عبارة عن تمكّنك منه. قوله : (ذِي ظُفُرٍ)(٤) ؛ الظّفر : يقال في الإنسان وفي غيره ، وان كان له اسم خاص في غير الإنسان. ألا

__________________

(١) ٨٠ / النحل : ١٦.

(٢) ١٤ / الفتح : ٤٨.

(٣) وفي الأصل : أنشب.

(٤) ١٤٦ / الأنعام : ٦.

٥

ترى أن ظفر الإبل يقال لها المياسم ، وظفر السباع يقال لها البراثن ، وظفر الطير يقال لها المخالب؟ وأنشد لزهير بن أبي سلمى (١) : [من الطويل].

لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف

له لبد أظفاره لم تقلّم

ويعبّر به أيضا عن السلاح. يقال : ظفر وظفر وأظفور ، والجمع أظفار وأظافير. وفلان ظفر ، أي طويل الظّفر. وفي الحديث : «وعلى عينيه ـ أي الدجّال ـ ظفرة غليظة» (٢) قال الأصمعيّ : الظّفرة : لحمة تنبت عند المآق. وأنشد (٣) : [من الرجز]

بعينها من البكاء ظفره

حلّ ابنها في السّجن وسط الكفره

وقال الراغب : الظفرة : جليدة تغشى البصر ، تشبيها بالظّفر في الصّلابة. وقد ظفرت عينه : أصابها ذلك. وقيل : إنّ الظّفر كان لباس آدم وحواء عليهما‌السلام في الجنة (٤). فلما وقع ما وقع نزع عنهما كما قال الله تعالى ، وأبقى الله منه هذه البقية على رؤوس الأصابع ليتذكّر بها ما وقع منهما ، فبقيت في ذرّيّتهما تلك البقية ، والله أعلم.

فصل الظاء واللام

ظ ل ل :

قوله تعالى : (فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ)(٥) الظلال جمع ظلّ ، وهو ضدّ الصّبح البارز للشمس ، وهو أعمّ من الفيء ؛ فإنه يقال : ظلّ الليل ، وظلّ الحرّ. ولا يقال في الحرّ إلا بعد الزوال لأنه يفيء من جهة المغرب إلى جهة المشرق. والفيء : الرجوع. ومنه : (حَتَّى

__________________

(١) شعر زهير : ٢١.

(٢) النهاية : ٣ / ١٥٨.

(٣) قاله أبو الهيثم ـ اللسان مادة ظفر ، ومنه التصويب.

(٤) النهاية : ٣ / ١٥٨.

(٥) ٤١ / المرسلات : ٧٧.

٦

تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ)(١) ولذلك غلّط ابن السكّيت الناس في تسميتهم الظلّ مطلقا فيئا. ويقال لكلّ موضع لم تصل إليه الشمس : ظلّ. ولا يقال له في قوله تعالى : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ)(٢) أي أفياؤه يدلّ على وحدانية الله وينبىء عن حكمته.

قوله : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)(٣). قال الحسن : «أمّا ظلّك فيسجد لله وأمّا أنت فتكفر به» (٤). وقد يعبّر بالظلّ عن الإحسان ، فيقال : أنا ظلّك ، وعن العزّ والمنازعة ، وبه فسّر قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ وَفَواكِهَ)(٥). وظلّله الله وأظلّه : حرسه ومنعه. قال بعضهم : «وظلالهم» ، أي أشخاصهم. والظّلّ : يعبّر به عن الشخص ، قال ذلك بعض اللغويين مستدلّا بقول الشاعر (٦) : [من البسيط]

لما نزلنا رفعنا ظلّ أخبية

قال : وليس ينصبون الظلّ الذي هو الفيء وإنما ينصبون الأخبية. وبقول الآخر (٧) : [من الكامل]

تتبع أفياء الظّلال عشيّة

أي أفياء الشّخوص. قال الراغب : وليس في هذا دلالة فإن قوله : «رفعنا ظلّ أخبية» معناه رفعنا الأخبية فرفعنا بها ظلّها ، فكأنّه يرفع الظلّ. وأما قوله : «أفياء الظّلال» فالظلال عامّ والفيء خاصّ. وقوله : «أفياء الظلال» من إضافة الشيء إلى جنسه. قوله تعالى : (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً)(٨) أي كنيفا مانعا من الحرّ ، وممّا يؤذي أذاه من الغمّ والضيّق.

__________________

(١) ٩ / الحجرات : ٤٩.

(٢) ٤٨ / النحل : ١٦.

(٣) ١٥ / الرعد : ١٣.

(٤) وشبيه به قول ابن عباس : «الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله» (النهاية : ٣ / ١٦١).

(٥) ٤١ و ٤٢ / المرسلات : ٧٧.

(٦) المفردات : ٣١٥ ، والذي قبله.

(٧) المفردات : ٣١٥ ، والذي قبله.

(٨) ٥٧ / النساء : ٤.

٧

وقيل : هو كناية عن غضارة العيش. وقال ابن عرفة : أي دائما طيبا. يقال : إنّه لفي عيش ظليل ، أي طيّب ، قال جرير (١) : [من الكامل]

ولقد تساعفنا الدّيار ، وعيشنا

لو دام ذاك بما نحبّ ، ظليل

قوله تعالى : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)(٢) أي دائم لا تنسخه الشمس. والجنة كلّها ظلّ لا شمس فيها ؛ كما قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه يمدحه عليه الصلاة والسّلام (٣) : [من المنسرح].

من قبلها طبت في الظّلال وفي

مستودع حيث يخصف الورق

يشير إلى أنّه كان عليه الصلاة والسّلام طيّبا في صلب آدم عليه الصلاة والسّلام. وقال أبو بكر : «ظلّ الجنة سترها والكينونة في دارها» (٤) وإلّا فالشمس إنما تتعارف في الدنيا وهي معيار الظلّ باعتبار غيبوبتها وحجبها عن ذلك المكان الذي يوجد فيه الظلّ ولا شمس في الجنة. قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)(٥) هذه الآية من أشكل الآي في فهمها ، وأحسن ما قيل فيها : إنّ معنى «مدّ الظلّ» أن جعله يبسط ويمشي وينتقل في الأمكنة التي كانت مشمولة بالشمس ، فينتفع به العالم انتفاعا مشاهدا في أبدانهم وزروعهم وثمارهم. ولو بقيت الشمس متسلطة عليهم لأحرقت كلّ ذلك ، وكذا لو لم تطلع عليهم لفسدوا أيضا. قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً)(٦) أي لاصقا بأصل كلّ شاخص مطلّ لم ينبسط ولم ينتقل عن أصل ذلك الشاخص من بناء أو جبل أو شجر ، فلم ينتفع (٧) به ذلك العالم فيما ذكر ، فسمى الله تعالى انبساطه وانتقاله الانتقال المعهود امتدادا وتحرّكا ، وعدم

__________________

(١) الديوان : ٤٧٣ ، وصوّبناه منه.

(٢) ٣٠ / الواقعة : ٥٦.

(٣) البيت في النهاية : ٣ / ١٦٠. وقوله : «من قبلها» أي من قبل نزولك إلى الأرض.

(٤) وفي ح : ذراها.

(٥) ٤٥ / الفرقان : ٢٥.

(٦) تابع الآية السابقة.

(٧) فلم ، ساقطة من س.

٨

ذلك سكونا. قوله : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً)(١) معناه أن الناس يستدلّون بالشمس وأحوالها في المسير العجيب الذي لا يدخل تحت العقول على أحوال الظلّ في كونه ثابتا في مكان ، وزائلا عن آخر ، ومتّسعا منبسطا ولاصقا متقلصا ، فيثبتون حاجاتهم على حسب ما يريدون. قوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا)(٢) معناه : ننسخه بضحى الشمس بأن نطلقها فيسطع نورها أي شعاعها على تلك الأمكنة بالسير الذي قدّرناه فيذهب. قوله : (قَبْضاً يَسِيراً)(٣) أي على مهل وتأن. ولو قبض الظلّ ونسخ دفعة واحدة لتعطّلت منافع الناس وفسدت معايشهم ونباتهم وشجرهم بالشمس والظلّ معا ، فسبحان الحكيم الذي تاهت عقول الحكماء في حكمته. وإنّما شرحت ألفاظ الآية ، وإن المقصود الظلّ لأنه لا يفهم معناها إلا بمجموع كلماتها ، وما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب.

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ)(٤) أي عذابه وأمره ، وأمره ، وأمّا ذاته المقدسة فمنزّهة عن الانتقال والحركة. وهي إمّا جمع ظلّة : قطعة من السحاب لأنها تظلّ من تحتها. وقرىء (ظلال) (٥) ، وهو جمع ظلّ أيضا نحو غلبة وغلاب ، وحفرة وحفار. وإما جمع ظلّ المراد به الشخص عند من يرى ذلك ، وقد تقدّم الاستدلال به والجواب عنه. قوله : (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ)(٦) فقيل : هي شيء يشبه الظّلمة ، وبها شبّهت الموجة. والأولى أن تكون على بابها ، والتشبيه بها واضح لما فيها من التراكم والتلاحق. قوله : (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ)(٧) قرىء «ظلال» جمع ظلّ. وقيل : جمع ظلّة نحو برمة وبرام ، وقد تقدّم. وقرىء «ظلل» (٨) جمع ظلّة ، يعني على التشبيه بما هم من الظّلّ بمن

__________________

(١) ٤٥ / الفرقان : ٢٥.

(٢) ٤٦ / الفرقان : ٢٥.

(٣) تابع الآية السابقة.

(٤) ٢١٠ / البقرة : ٢.

(٥) قرأها قتادة (مختصر الشواذ : ١٣).

(٦) ٣٢ / لقمان : ٣١.

(٧) ٥٦ / يس ٣٦ ، وفي الأصل دمج واضطراب.

(٨) هي قراءة حمزة والكسائي وخلف.

٩

أظلّته سحابة ، فصارت عليه ظلّة. ثم لم يكتف بذلك حتى جعلها ظللا متراكمة مبالغة في الوصف. وحكي في ظلل ـ بضمتين ـ فقيل : يجوز أن يكون جمع ظلال ظلل ، فهو جمع الجمع ، وهذا مردود بقاعدة تصريفية ؛ وهو أن فعالا وفعالا إن كانا مضاعفين أو معتلّي اللام لزمهما الجمع على أفعلة نحو زمام وأزمّة. وقد يقال : لما ورد في لسانهم كما يشهد بذلك مساغ القول. وقد قالوا : عنان وعنن وحجاج وحجج. وكان الذي حمل هذا القائل ـ والله أعلم ـ على القول بذلك مع شذوذه أنّ هذا اللفظ قد ورد في صفة أهل النار بقوله لهم : (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ)(١) جعل أطباق النار ـ أعاذنا الله منها ـ ظللا (٢) لمن فيها وبئس الظّلّ. فقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) ظاهر ؛ فإنّ الظّلّة ما علا فأظلّ. وأمّا قوله : (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) فباعتبار من تحتهم من المعذّبين في الطبقة التي تحتهم ، فبالنسبة إلى من فوق هي كالأرض ، وإلى من تحت ظلّة ، وهذا كسقفين ؛ فإنّ الذي تحت يقال فيه ظلّة ، وغير ظلّة بالنسبة والإضافة ، وهذا كقوله تعالى في المعنى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)(٣).

قوله : (عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ)(٤) هي سحابة أنشأها الله تعالى كان فيها عذاب مدين ؛ قيل : أصابهم ذلك اليوم حرّ عظيم إلى أن كادوا يهلكون ، فأرسل الله ظلّة كثيفة ، أي سحابة متراكمة ، فهرعوا إليها يستجيرون بها من الحرّ ، فلمّا تكاملوا تحتها أطبقت عليهم بعذابها ، فلم ير يوم مثله (٥). وحكى الفراء : أظلّ يومنا ، أي صار ذا ظلّ وهو السحاب. قوله تعالى : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لا ظَلِيلٍ)(٦) سّماه ظلا تهكّما بهم أو في الصورة من حيث إنه متراكب لا شمس فيه. ثم لما وصفه بوصفين بكونه ظلا وبكونه [ساترا] نفى عنه هذين الوصفين ؛ فقال : ليس بظليل على ما يتعارفونه ، ونفى عنه فائدة الظلّ المتعارف ،

__________________

(١) ١٦ / الزمر : ٣٩.

(٢) في الأصل : ظلل.

(٣) ٥٤ و ٥٥ / العنكبوت : ٢٩.

(٤) ١٨٩ / الشعراء : ٢٦.

(٥) وانظر قصتهم في معجم أعلام القرآن.

(٦) ٣٠ و ٣١ / المرسلات : ٧٧.

١٠

وهو أنّ من شأنه أن يغني من لهب النار وحرّها. ويجوز أن يكون المعنى أنّ الظلّ ، وإن كنتم تعهدونه يغني من الحرّ فهذا لا يغني من اللهب. قال الراغب (١) : قوله : (لا ظَلِيلٍ) أي لا يفيد فائدة الظّلّ في كونه واقيا من الحرّ. قلنا : هذا قد أفاد ولا يغني من اللهب. وأيضا لو كان فائدة قوله : (لا ظَلِيلٍ) ذلك لم يكن لقوله بعد ، ولا يغني فائدة لأنه إذا لم يق الحرّ علم أنه لا يغني من اللهب من باب الأولى والأحرى.

قوله : (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً)(٢) أصلها ظللت ، وإنّما حذفت اللام الأولى للتّضعيف والكسر ، وفيه وفيما أشبهه ثلاث لغات : ظللت على الأصل ، وظلت بالحذف مع بقاء الفاء على حركتها ، وظلت بكسرها منبهة على حركة المحذوف ، وإن كانوا قد حذفوا أحد المثلين في المضاعف وإن لم يكن كسر نحو : أحست في أحسست ، وهمت في هممت ، وحلت في حللت (٣). فلأن (٤) يحذفوا فيما فيه ذلك وحركة ثقيلة أولى. ومنه قول الشاعر (٥) : [من الوافر]

سوى أنّ العتاق من المطايا

أحسن به فهنّ إليه شوس

يريد : أحسن. على أنه قد زعم بعضهم أنه جاء ذلك مع الفتح ، وجعل منه : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ)(٦) وليس كذلك حسبما بينّاه في «الدرّ» و «العقد» وغيرهما (٧).

__________________

(١) المفردات : ٣١٥.

(٢) ٩٧ / طه : ٢٠.

(٣) يحذفون الحرف كراهية التقاء المثلين.

(٤) مكررة في الأصل ، فحذفت.

(٥) البيت لأبي زبيد في شرح المفصل : ١٠ / ١٥٤ ، وفي الأمالي : ١ / ١٧٤ وفيه : خلا أن ... حسين به.

(٦) ٣٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٧) هي من الوقار. تقول للرجل : قد وقر في منزله يقر وقورا. وقرأ عاصم وأهل المدينة بفتح القاف ، ولا يكون ذلك من الوقار ، ونرى أنهم أرادوا : واقررن في بيوتكن فحذفوا الراء الأولى فحوّلت فتحتها إلى القاف. ومن قال : «وقرن» بكسر القاف يريد واقررن فيحوّل كسرة الراء إذا سقطت إلى القاف ، كان وجها ... (معاني القراء : ٢ / ٣٤٢).

١١

وأصل ظلّ الدلالة على اتّصاف اسمها بمعنى خبرها نهارا كدلالة بات على اتصافه به ليلا. تقول : ظلّ زيد يقرأ ، أي اتّصف بالقراءة نهارا. وبات يصلي ، اتّصف بها ليلا ؛ قال الشاعر : [من السريع].

أظلّ أرعى وأبيت المحن

الموت من بعض الحياة أهون

وهي من أخوات كان ترفع اسما وتنصب خبرا ، وتكون تامة إذا أريد بها الإقامة. وتكون بمعنى صار فتدلّ على الانتقال من حال إلى آخر كقوله تعالى : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)(١) ، إذ ليس المراد اتّصافه بذلك نهارا فقط. وقيل : إنّما ذكر وقت النهار لأنه أوضح ، وهو الذي تظهر فيه. المخبّآت. والعرب تقول : الليل ساتر للويل. وفي الحديث : «السلطان ظلّ الله في أرضه» (٢) قيل : ستره ووقايته. وقيل : خاصته. وقيل : المراد العزّة والمنعة (٣) ، وأنشد (٤) : [من الطويل].

فلو كنت مولى العزّ أو في ظلاله

ظلمت ولكن لا يدي لك بالظّلم

ظ ل م :

قوله تعالى : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ)(٥) أي أنّه تعالى يظهر عدله في ذلك اليوم لكلّ أحد ، وإن كان نفي الظلم عنه ثابتا في غير ذلك اليوم أيضا ، ولكنه فيه أظهر لأنّه يوم مجموع له الناس فيشاهد عدله تعالى جميع الخلائق ، فلا يجازي بالسيئة إلا مثلها. وأمّا الحسنات فيضاعفها ويعفو عن سيئات بعض العباد ، ولا عدل أتمّ من ذلك. ولّما كان التوحيد عند الله

__________________

(١) ٥٨ / النحل : ١٦.

(٢) النهاية : ٣ / ١٦٠.

(٣) وقيل : لأنه يدفع الأذى عن الناس كما يدفع الظل أذى حرّ الشمس (النهاية).

(٤) البيت ثاني اثنين في ديوان عمر بن لجأ (الديوان : ٨٢٥).

(٥) ١٧ / غافر : ٤٠.

١٢

بمكان لا يوازى كان الجزاء عليه كذلك. ولمّا كان الشرك عنده تعالى أيضا في باب المعاصي بمكان لا يوازى كان الجزاء كذلك ، ولو عذّب الكافر بكلّ عذاب لم يواز كفره ولم يساوه لعظم ما أتى به. فنسأل الله العظيم أن يتوفّانا مسلمين كما أمرنا به. والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به ، إمّا بنقصان أو بزيادة وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه. ومن ثمّ قالوا : ظلم السّقاء : إذا تناوله في غير وقته أو مكانه ، ويقال لذلك اللّبن : ظليم. وقيل : هو أظلم من الحيّة ؛ وذلك أنّ الحية تأتي الجحر (١) فتغتصبها من أرباها. قال الشاعر : [من الرجز]

وأنت كالأفعى التي لا تحتفر

ثم تجيء حاذرا فتنجحر

ويقال : ظلم الأرض : إذا حفرها ولم تكن محلّا للحفر ، وتسمى المظلومة. قال النابغة (٢) : [من البسيط]

إلا الأواريّ لأيا ما أبيّنها

والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

والتراب الخارج منها ظليم. وقيل : الظّلم : التصرّف في ملك الغير من غير إذنه. وقد ظلمني ، أي تصرّف في ملكي بغير إذني ، ومن ثمّ انتفى الظلم عن الباري تعالى من كلّ وجهة وعلى كلّ وجه. فله أن ينعم العاصي ويعذّب الطائع ، وليس ذلك ظلما إذ الأشياء كلّها ملك له تعالى. وقيل : الظلم مجاوزة الحدّ الذي يجري مجرى نقطة الدّائرة. ويقال فيما يقلّ ويكثر من التجاوز. ولهذا يقال في الذنب الصغير والذّنب الكبير : ظلم. قال الراغب (٣) ولذلك قيل لآدم عليه الصلاة والسّلام في تعدّيه : ظالم ، ولإبليس : ظالم ، وإن كان بين الظّلمين بون بعيد. قلت : أمّا التباين بين ما ذكره فمسلّم ، ولكنّ وصفه آدم بذلك جراءة لا تجوز ، فنبّهت عليها لذلك. وقال بعض الحكماء : الظلم أنواع : الأول : بين العبد وربّه

__________________

(١) وفي الأصل : الحجرة. ويعني : جحر الضب ، حيث تغتصب حسلها.

(٢) ثالث بيت من معلقته (الديوان : ٣).

(٣) المفردات : ٣١٥.

١٣

وأعظمه الشّرك والكفر والنّفاق. ومن ثمّ قال الله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(١) ، وإياه قصد بقوله : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(٢). والثاني : ظلم بينه وبين الناس ، وإياه قصد بقوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ)(٣). والثالث : ظلم بينه وبين نفسه ، وإياه قصد بقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ)(٤). وقوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(٥) أي لأنفسهم. قال : وكلّ هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس فإنّ الإنسان أول ما يهمّ بالظلم قد ظلم نفسه ، فإذا الظالم أبدا يبتدىء بنفسه في الظلم ، ولهذا قال في غير موضع : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٦) قلت : وفي قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) فائدة حسنة وهو أنّه تعالى علم أنهما يصيبان ما يصيبان فلقّنهما الاعتذار. فمن ثمّ قالا : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)(٧) فتأيّد أنّ الظلم في قوله : (مِنَ الظَّالِمِينَ) أي لأنفسكما. ثم إنّ الظلم المتوسط ـ وهو ظلم العباد ـ أصعب الثلاثة من وجه وهو الافتقار إلى الخروج من مظلمة ذلك الإنسان ؛ إمّا بردّ ما غصبه وإمّا بإعلامه بما اغتابه وثلبه. وفي هذا من الصعوبة كما هو معروف عند كلّ أحد بخلاف النوعين الآخرين ؛ فإنّهما لمجرد الندم والإقلاع والعزم على عدم العود يحصل الغرض وينتفى الظّلم.

قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ)(٨) أي بشرك لأنه هو الظلم المؤثر في الإيمان. ولما سمعها الصحابة تبادر فهمهم إلى مطلق الظلم فضجّوا فقال عليه الصلاة والسّلام : «ذلكم الشرك» وتلا قوله تعالى : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(٩) فسكتوا. قوله : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً)(١٠) أي لم تنقص. قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ

__________________

(١) ١٣ / لقمان : ٣١.

(٢) ١٨ / هود : ١١.

(٣) ٤٢ / الشورى : ٤٢.

(٤) ٣٢ / فاطر : ٣٥.

(٥) ٣٥ / البقرة : ٢.

(٦) ١١٧ / آل عمران : ٣.

(٧) ٢٣ / الأعراف : ٧.

(٨) ٨٢ / الأنعام : ٦.

(٩) ١٣ / لقمان : ٣١.

(١٠) ٣٣ / الكهف : ١٨.

١٤

لِلْعَبِيدِ)(١). قال بعضهم : لا يلزم من نفيه الأخصّ نفي الأعمّ ، والله تعالى منتف عنه الظلم على العموم. وظلّام صيغة مبالغة ، ومثاله إذا قلت : ليس زيد بظالم ، معناه أنه لم يلتبس بشيء من الظلم قليله وكثيره. وإذا قلت : ليس بظلام فإنما نفيت كثرة الظلم. ولا يلزم منه مطلق الظلم ، والجواب / عنه أنّ ظلاما هنا ليس مثال مبالغة وإنما معناه النسب ، أي ليس بذي ظلم كقولهم : لبّان ونبّال ، أي صاحب لبن ونبل. وقيل : إنّما أتى به على صيغة المبالغة بالنسبة إلى ذكر ما بعده من الجمع. فلما تكرّر المتعلق وتعدّد حسن أن يتكرّر الفعل الذي نفي عنه تعلقه ، والأول أحسن.

قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى)(٢) تنبيه أن الظلم لا يغني شيئا ؛ فإنّ قوم نوح مع كونهم كانوا أظلم من هؤلاء لم يغن عنهم ظلمهم شيئا بل كان وبالا عليهم. قوله تعالى :

(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ)(٣) أي لا يريد أن يظلمهم. وأمّا ظلمهم لبعضهم بعضا فهو واقع وليس المراد نفي إرادته. وقد مضى هذا مستوفى. وقال في موضع آخر : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٤) فنفى الظلم عن ذاته المقدّسة من غير تعرّض للإرادة ، لأنّ المقام هنا يقتضي نفي ذلك. قيل : والظلم يرد أيضا بمعنى العدول ومنه : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا)(٥) أي بعدولهم عن الحقّ. ولا شكّ أن ذلك لازم للظلم ، بأيّ تفسير فسّر. ويرد أيضا بمعنى النقصان كقوله تعالى : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٦) أي ما نقصوا ملكنا شيئا ، وإنما نقصوا أنفسهم حظّها. ويرد بمعنى المنع ؛ حكى أبو بكر : ما ظلمك أن تفعل كذا؟ أي ما منعك. وفي حديث أمّ سلمة «أنّ أبا بكر وعمر [ثلما] هذا الأمر فلم يظلماه» (٧) أي لم يضعاه في غير موضعه. وقيل : لم يعدلا به عن الحقّ. وقيل : لم

__________________

(١) ٤٦ / فصلت : ٤١.

(٢) ٥٢ / النجم : ٥٣.

(٣) ٣١ / غافر : ٤٠.

(٤) ٢٩ / ق : ٥٠.

(٥) ٥٢ / النمل : ٢٧.

(٦) ٥٧ / البقرة : ٢.

(٧) النهاية : ٣ / ١٦١ ، والإضافة منه. وفيه «فما ظلماه». وثلم الطريق : وسطه.

١٥

ينقصاه. وقيل : لم يمنعاه ، وكلّه مراد. والحقّ أنّ الظلم وضع الشيء في (١) غير موضعه ، وما ذكر فلوازم.

والظّليم : ذكر النّعام ، والجمع ظلمان. قيل : سمي بذلك لاعتقاد العرب أنه مظلوم بصلم أذنيه ، وإياه قصد الشاعر بقوله (٢) : [من السريع]

[فصرت] كالهيق غدا يبتغي

قرنا فلم يرجع بأذنين

الهيق هو الظليم. يعني أنه ذهب يطلب له قرنا كبقر الوحش فذهبت أذناه. وهو في هذا المعنى كقولهم : من طلب الزيادة وقع في النّقص. وقد تقدّم أنّ الظّليم نوع من اللّبن ، ونوع من التراب. والظّلم : ماء الأسنان. وقيل : بريقها ؛ قال كعب رضي الله تعالى عنه (٣) : [من البسيط]

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت

كأنّه منهل بالرّاح معلول

وفي الحديث : «إذا أتيتم على مظلوم فأغذّوا السّير» (٤) قيل : أراد به البلد الذي لا رعي فيه ولا أصابه غيث. قوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٥) عنى بالظّلمات هنا الكفر ، وبالنور الإيمان. وهو من أحسن الاستعارات لهذين الضّدّين. وأصل الظّلمة عدم النور ، وهما (٦) متقابلان ؛ قال الله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(٧) ثم يعبّر بالظّلمة عن الشّرك والجهل والفسق ، كما عبّر عن أضدادها بالنور.

قوله : (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ)(٨) أي كمن هو أعمى. قوله : (فِي ظُلُماتٍ

__________________

(١) الحرف ساقط من ح.

(٢) من شواهد المفردات : ٣١٦ ، والإضافة منه.

(٣) كذا في الديوان : ٧. وفي النهاية (٣ / ١٦١) واللسان ـ مادة غرب : غوارب.

(٤) النهاية : ٣ / ١٦٢.

(٥) ٢٥٧ / البقرة : ٢.

(٦) وفي الأصل : وهم.

(٧) ١ / الأنعام : ٦.

(٨) ١٢٢ / الأنعام : ٦.

١٦

ثَلاثٍ)(١) أي ظلمة البطن والرّحم والمشيمة. قوله : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ)(٢) قيل : ظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وظلمات الليل. قوله : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(٣) عبّر عن النجاة من المخاوف ، والتّيه في الليل المتراكم بالظلمات ، ولا شكّ أنه أمر عظيم. وقيل : أراد بذلك شدائدهما عن غير نظر إلى ليل أو نهار. يقولون : هذا مظلم ، أي شديد. ويوم ذو كواكب قال (٤) :

وتريك النجوم تهدي بالظّهر

وقال آخر : [من الوافر]

بيوم ذي كواكب أشفعاه

قوله : (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٥) أي من ظلمات الكفر وما كانت عليه قريش من عبادة الأوثان وذبح النسائك (٦) في البيت المعظم إلى دينك القويم ، وما جئت به عن ربّك من الحقّ الأبلج. قوله : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ)(٧) أي داخلون في الظلام ، كقوله : (لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ)(٨). قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)(٩) فيه أقوال أقربها : إلا أن يقولوا ظلما وباطلا ، لقوله : مالك عندي حقّ إلا أن تظلم : إلا أن تقول الباطل.

__________________

(١) ٦ / الزمر : ٣٩.

(٢) ٨٧ / الأنبياء : ٢١.

(٣) ٦٣ / الأنعام : ٦.

(٤) كذا في الأصل.

(٥) ١ / إبراهيم : ١٤.

(٦) النّسك : دم الذبيحة يهريقه المرء بمكة. واسم تلك الذبيحة نسيكة وجمعها نسائك.

(٧) ٣٧ / يس : ٣٦.

(٨) ١٣٧ / الصافات : ٣٧.

(٩) ١٥٠ / البقرة : ٢.

١٧

فصل الظاء والميم

ظ م أ :

قوله تعالى : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً)(١) الظمآن : العطشان ، ومنه : رجل ظمآن وامرأة ظمأى. يقال : ظمىء يظمأ ظمأ فهو ظمآن. قال تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى)(٢) نفى عنه أولا الجوع والعري ، ثم ثانيا العطش والحرّ. وما أحسن ما جاء على هذا النّسق حسبما بينّاه في غير هذا! قيل : وأصله من الظّمء ـ بالكسر ـ وهو ما بين الشّربين. ومنه : أظماء الإبل ، هي جمع الظّمأ. فالظّمأ ما يحصل من الظّمء من العطش.

فصل الظاء والنون

ظ ن ن :

قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)(٣) أي بمتّهم ، أي أنه صادق في نفس الأمر ولا عبرة بمن عاند واتّهم. وقد تقدّم أنه قرىء «بضنين» ومرّ تفسيره. والظنّ إذا كان بمعنى التّهمة تعدّى لواحد. والظنّ : ترجّح أحد الطرفين على الآخر نفيا وإثباتا. وقد يعبّر به / عن اليقين والعلم كما يعبّر بالعلم عنه مجازا. قال الراغب (٤) : الظنّ ما يحصل عن أمارة فإذا قويت أدّت إلى العلم ، ومتى ضعفت جدا لم يتجاوز حدّ الوهم. قوله : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ)(٥) تنبيه أن أمارات البعث ظاهرة ، وذلك نهاية في ذمّهم. قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ)(٦) أي يتيقّنون ؛ إذ لا يناسب حالهم وصفهم بظنّ ذلك حقيقة.

__________________

(١) ٣٩ / النور : ٢٤.

(٢) ١١٨ و ١١٩ / طه : ٢٠.

(٣) ٢٤ / التكوير : ٨١.

(٤) المفردات : ٣١٧.

(٥) ٤ / المطففين : ٨٣.

(٦) ٤٦ / البقرة : ٢.

١٨

وقيل : هو على بابه بتقدير مضاف ، أي ثواب ربّهم ، وهو أمر مظنون إذ لا يقطعون لأنفسهم بالثواب ، وفيه نظر لأنّ قوله بعد : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) يعكّر عليه. وأجيب بأنه يحمل مع المقدّر على الظنّ الحقيقيّ مع قوله : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) على اليقين. واعترض بلزوم الجمع بين الحقيقة والمجاز. وأجيب بالتزامه.

قوله : (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها)(١) تنبيه أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم وأملهم. قوله : (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ)(٢) أي علم. وقيل : على ، لأنه بعد في شكّ. قوله : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ)(٣) أي علم. قوله : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)(٤) إنّما أكّدوا لئلا يتوهّم عنهم أنهم تجوّزوا بالظنّ عن العلم. قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٥) قال بعضهم : إنّ : (لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) كقوله : (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)(٦) ومن قدر عليه رزقه فلينفق. وقوله : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)(٧).

وعن معاوية أنه أرسل إلى ابن عباس فسأله وقال : كيف يظنّ نبيّ الله ذلك؟ فأجابه بما ذكر. قوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ)(٨) قيل : إنّه استعمل فيه أنّ المستعمل مع الظّنّ الذي هو العلم تنبيها أنّهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشيء المتيقّن وإن لم يكن ذلك متيقّنا. وكان قائل هذا قد قدّم أنّ الظنّ إذا قوي أو تصوّر بصورة القويّ استعمل معه أنّ المشدّدة وأن المخففة منها ، ومتى ضعف استعمل معه أن المختصّة بالمعدومين من القول والفعل. قلت : ذكر النحاة أنّ أن المخففة لا تقع إلا بعد أفعال اليقين ، وأنّ أن الناصبة لا تقع إلا بعد أفعال الشكّ ، ومتى وقع فعل محتمل للأمرين جاز أن تكون المخففة إن جعلت ذلك الفعل ظنّا ، وينصب الفعل بعدها. وقد قرىء بالوجهين قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا

__________________

(١) ٢٤ / يونس : ١٠.

(٢) ٢٨ / القيامة : ٧٥.

(٣) ٢٤ / ص : ٣٨.

(٤) ٣٢ / الجاثية : ٤٥.

(٥) ٨٧ / الأنبياء : ٢١.

(٦) ١٦ / الفجر : ٨٩.

(٧) ١١ / سبأ : ٣٤.

(٨) ٣٩ / القصص : ٢٨.

١٩

تَكُونَ فِتْنَةٌ)(١) وأجمعوا على النصب في قوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)(٢) وعلى الرفع في قوله : (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(٣).

قوله : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ)(٤) تنبيه أنّ هؤلاء المنافقين هم في حزب الكفّار حيث شبّه ظنّهم بظنّ الجاهلية. قوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ)(٥) أي اعتقدوا اعتقادا كانوا منه في حكم المستيقنين. قوله : (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ)(٦) قيل : هو مفسّر بما بعده من قوله : (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً)(٧) بدليل قوله تعالى بعده : (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ). قوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ)(٨)(إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٩).

أصل الظنّ مذموم إلا ما استثناه الشارع كما هو مبين في مواضعه. قوله : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(١٠). أمروا باجتناب الكثير منه حتى لا يصادفوا ذلك البعض منه الذي عسى أن يقع فيه إثم. وأفهم أنّ بعضه ليس بإثم ، وهو ما أذن بالعمل به.

قال بعضهم : إنما جاز استعمال كلّ من الظنّ والعلم في موضع الآخر لعلاقة أنّ كلّا منهما فيه رجحان أحد الطّرفين إمّا جزما ـ وهو العلم ـ وإما تردّدا ـ وهو الظنّ. فمن استعمال العلم بمعنى الظنّ قوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ)(١١) إذ ليس الوقوف على الاعتقادات يقينا. ومن استعمال العكس قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ)

__________________

(١) ٧١ / المائدة : ٥.

(٢) ٢ / العنكبوت : ٢٩.

(٣) ٨٩ / طه : ٢٠.

(٤) ١٥٤ / آل عمران : ٣.

(٥) ٢ / الحشر : ٥٩.

(٦) ٦ / الفتح : ٤٨.

(٧) ١٢ / الفتح : ٤٨.

(٨) ١١٦ / الأنعام : ٦.

(٩) ٣٦ / يونس : ١٠.

(١٠) ١٢ / الحجرات : ٤٩.

(١١) ١٠ / الممتحنة : ٦٠.

٢٠