عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

ح ب ر :

قوله تعالى : (أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ)(١) أي تنعمون ، وقيل : تسرّون. وأصل اللفظة من الحبر وهو الأثر المستحسن. وفي الحديث : «يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره» (٢) أي بهاؤه وجماله. ومنه سمّي الحبر ، وشعر محبّر ، وشاعر محبّر لشعره. والتّحبير : التحسين من ذلك. وفي الحديث (٣) : «لحبّرتها (٤) لك تحبيرا».

وثوب حبير ، وأرض محبار ، كلّ ذلك بمعنى التّحسين. والحبرة : ثياب باليمن. والحبر : الرجل العالم بفتح الحاء وكسرها ؛ سمي بذلك لما يبقى / في قلوب الناس من آيات علومه الحسنة وآثاره الجميلة المقتدى بها من بعده. وإلى هذا أشار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله : «العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة».

فقوله : (يُحْبَرُونَ)(٥) معناه يفرحون ويسرّون حتى يظهر عليهم حبار نعيمهم ، والحبرة : السرور. والحبرة : النعمة أيضا. والحبر والحبار : الأثر (٦) ، والأحبار جمع حبر وهو العالم. وقد تقدّم أن فيه لغتين ؛ فتح الفاء وكسرها. وأنكر أبو الهيثم الكسر ، وقال : هو بالفتح لا غير. قال القتيبيّ : لست أدري لم اختار أبو عبيد الكسر؟ قال : والدليل على الفتح قولهم : كعب الأحبار أي عالم العلماء. قال أبو بكر : لم ينصف أبا عبيد ؛ فإنه حكى عن الأئمة أنّ منهم من اختار الفتح ، ومنهم من اختار الكسر. والعرب تقول : حبر وحبر نحو

__________________

 ـ فإنه إذا وصل إلى المحبوب لم تزل محبته. ولهذا يطلق العشق في جهة الله تعالى بخلاف المحبة فإنها تطلق. سيّد».

(١) ٧٠ / الزخرف : ٤٣.

(٢) النهاية : ١ / ٣٢٧.

(٣) من حديث أبي موسى (النهاية : ١ / ٣٢٧).

(٤) في الأصل : لحبرته ، والتصويب من النهاية والحديث عن القراءة.

(٥) ١٥ / الروم : ٣٠.

(٦) في الأصل : الأمر ، والتصويب من اللسان.

٤٢١

رطل ورطل ، وثوب شفّ وشفّ (١). واختار الفرّاء الكسر واحتجّ له بأنّ أفعالا نادر في فعل بالفتح إذا كان صحيحا ؛ فحبر بالكسر فقط ، قيل : سمّي به (٢) لتحسينه الخطّ وتبيينه إياه. ومن ذلك ما تقدّم من حديث : «لحبّرته (٣) لك تحبيرا». وقيل : بل لا يؤثر من الكتب به في ذلك الموضع من الحبار وهو الأثر. وقيل : إنّما سمي كعب الأحبار لذلك ، لأنه كان صاحب كتب محبّرة أي مكتوبة به.

والحبارى : طائر. وفي المثل : «كلّ شيء يحبّ ولده حتى الحبارى ويطير عنده» (٤) أي يطير عراضة يمنة ويسرة ليتعلم منها (٥). وإنما خصّوها بالذّكر لموقعها (٦). وقد تمثّل بهذه الكلمة عثمان رضي الله عنه. وفي الحديث : «لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير» (٧).

الحبير من البرود : الموشّى المخطّط. وهو برود حبرة على الإضافة.

ح ب س :

الحبس : المنع من الانبعاث. وقد يرد بمعنى المنع المطلق. قوله تعالى : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ)(٨) من الأول. وقوله عليه الصلاة والسّلام (٩) : «حبّس الأصل» من الثاني ، وهو معنى الوقف ، وهو الحبس أيضا. وفي الحديث : «إنّ خالدا جعل

__________________

(١) الشف : الثوب الرقيق ، وقيل : الستر الرقيق يرى ما وراءه (اللسان).

(٢) الضمير يعود على كعب الأحبار.

(٣) ذكرنا الصواب : لحبرتها.

(٤) المستقصي : ٢ / ٢٢٧ ، وهو من الرجز :

وكلّ شيء قد يحبّ ولده

حتى الحبارى فتطير عنده

أي جانبه.

(٥) الضمير عائد على أولاد الحبارى.

(٦) وفي النهاية : ١ / ٣٢٨ : لأنها يضرب بها المثل في الحمق ؛ فهي على حمقها تحب ولدها فتطعمه وتعلمه الطيران كغيرها من الحيوان.

(٧) ذكر ابن الأثير النصف الثاني من الحديث ، وهو في البخاري ، باب الأطعمة : ٣٢.

(٨) ١٠٦ / المائدة : ٥.

(٩) من حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عمر بن الخطاب (النهاية : ١ / ٣٢٩).

٤٢٢

أمواله ورقيقه [وأعتده](١) حبسا في سبيل الله». وفي الحديث : «بعث أبا عبيدة على الحبس» (٢) هم الرّجّالة. قال القتيبيّ : سمّوا بذلك لتحبّسهم عن الرّكبان (٣). قال : وأحسب أحدهم حبيسا ؛ فعيلا بمعنى مفعول. ويجوز أن يكون حابسا لأنه يحبس من وراءه بمسيره. قلت : فعل منقاس في فاعل نحو ضارب ، وضرب غير منقاس في فعيل. والحبس أيضا مصنع الماء لتحبّسه فيه.

ح ب ط :

قوله تعالى : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ)(٤) أي بطلت. وأصله من قولهم : حبطت الدابّة إذا أكلت أكلا انتفخ بطنها منه فماتت. ومنه الحديث : «إنّي أخوف ما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها. فقال رجل : أو يأتي الخير بالشرّ يا رسول الله؟ فقال : إنه لا يأتي الخير بالشرّ ، وإنّ ممّا ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ ، إلا آكلة الخضر فإنّها أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها ، استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت» (٥). إنما سقت هذا الحديث بكماله لأنّه كما قال الأزهريّ : إذا بتر لم يكد يفهم (٦). وقال : وفيه مثلان أحدهما للمفرط في جمع (٧) الدنيا ومنعها من حقّها ، والضرب الآخر للمقتصد في أخذها والانتفاع بها. فقوله : «إنّ ممّا ينبت الربيع» يريد أنّ الربيع ينبت البقول والعشب فتأكل منه الدابة أكلا واسعا ، فتنشقّ أمعاؤها فتهلك ، وهو الحبط. كذلك من جمع (٨) الدنيا حراما وحلالا يهلك بها.

وقوله : «إلّا آكلة الخضر» يريد بالخضر المرعى المعتاد الذي ترعاه المواشي بعد هيج

__________________

(١) بياض في الأصل ، أضفناه من النهاية : ١ / ٣٢٨ ، غير أن الحديث ليس فيه «أمواله».

(٢) النهاية : ١ / ٣٢٩.

(٣) في الأصل : الركاب ، والتصويب من النهاية.

(٤) ٢١٧ / البقرة : ٢.

(٥) ورد بعض الحديث في النهاية : ١ / ٣٣١ والمفردات : ١٠٦.

(٦) ورواية الأزهري في اللسان : «لأنه إذا بتر استغلق معناه».

(٧) وفي س : جميع.

(٨) وفي س : جميع.

٤٢٣

البقول وهي الجنبة فإذا أكلته بركت مستقبلة الشمس ، تستمري ما أكلت وتجترّ كعادة الدوابّ ، فتثلط أي فتروّث وتبول فلا يصيبها ألم المرعى لثلطها وبولها ، كذلك المقتصد في جمع الدنيا المؤدّي حقوق ربّه. وما أحسن هذين المثلين وأبلغهما وأوقعهما (١) بحال الممثّل له. وكم (٢) من مثل نسمعه ولا نجده يساوي ما يضربه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يقاربه ، وذلك لاطلاعه على ظواهر الأمور وبواطنها. فمن ثمّ تجيء أمثاله في غاية المطابقة للحال فضلا عن الفصاحة والبلاغة ، بخلاف غيره عليه الصلاة والسّلام ، فإنّه غاية ما عنده أن يطابق بالمثل الحال الظاهر.

والحبنطى : الحبط البطن. وفي الحديث : «[إنّ](٣) السّقط يظلّ محبنطئا على باب الجنّة» المحبنطىء : المغضب المستبطىء للشيء (٤). احبنطيت واحبنطأت ، لغتان. يقال : حبطت الدابّة تحبط حبطا فهي حبطة (٥). وسمّي الحارث (٦) الحبط لأنّه أصابه ذلك ، وسمي أولاده الحبطات. قال الشاعر (٧) : [من الوافر]

فإنّ (٨) الحمر من شرّ المطايا

كما الحبطات شرّ بني تميم

ثم حبط العمل على أضرب ؛ الأول أن تكون أعمالا دنيويّة غير مجدية في الآخرة وهي المشار إليها بقوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ)(٩) الآية. الثاني : أن تكون أخرويّة قصد بها غير الله كما روي «أنه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له : بم كان اشتغالك؟ قال : بقراءة القرآن. فيقال له : قد كنت تقرأ ليقال : هو قارىء. وقد قيل ذلك ، فيؤمر به إلى

__________________

(١) وفي ح : واقعهما.

(٢) ساقطة من ح.

(٣) الكلمة ساقطة أضفناها من اللسان ، وهو حديث السّقط كما في النهاية : ١ / ٣٣١.

(٤) وجاء في اللسان أن المحبنطىء مهموز وغير مهموز.

(٥) أي : إذا أصابت مرعى طيبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت.

(٦) هو الحارث بن مازن ، سمي بذلك لأنه كان في سفر فأصابه مثل الحبط الذي يصيب الماشية فنسبوا إليه. وقيل : إنما سمي بذلك لأن بطنه ورم من شيء أكله. والحبطات (وبفتح الباء) : أبناؤه على جهة النسب ، والنسبة إليهم حبطيّ ، وهم من تميم. وانظر رأيا آخر في اللسان ـ مادة حطط.

(٧) هو زياد الأعجم ، والبيت من شواهد الجاحظ في البيان والتبيين : ٤ / ٣٧ ، وخزانة البغدادي : ٤ / ٢٨٠.

(٨) رواية البيان : رأيت.

(٩) ٢٣ / الفرقان : ٢٥.

٤٢٤

النار» (١). والثالث : أن تكون صالحة إلّا أنّ بإزائها سيّئات توفّي عليها (٢) وهي المشار إليها بقوله : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ)(٣).

ح ب ك :

قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ)(٤) العامّة على الحبك بضمّتين. وقرىء بكسرتين ، والمراد به الطرائق (٥). ثم من الناس من تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرّة. ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من المعنى المدرك بالبصيرة كما أشار إليه بقوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً)(٦). وأصل المادّة من الحبك وهو الإحكام والشدّ. ومنه بعير محبوك القرا (٧).

والاحتباك : شدّ الإزار ، يقال : حبكت الشيء : أخذت ... (٨). وحبك الرمل والماء : ما تراه مدرجا عند هبوب الرّياح. والحبك جمع ، فقيل : واحده حبيكة نحو : ظريفة وظرف. وقيل : حباك نحو مثال ومثل. فمعنى قوله : (ذاتِ الْحُبُكِ) أي ذات الطرائق المحكمة قاله الأزهريّ. وقال ابن عرفة : ذات الخلق [الحسن](٩). وقال مجاهد : ذات البيان ، وكلّها متقاربة.

وفي حديث عائشة : «أنها كانت تحتبك تحت درعها في الصلاة» (١٠). نقل أبو عبيد

__________________

(١) الكلام ناقص ومضطرب في الأصل صوّبناه من المفردات : ١٠٦.

(٢) كذا في س ، وفي ح : منها.

(٣) ٩ / الأعراف : ٧.

(٤) ٧ / الذاريات : ٥١.

(٥) قرأ الحسن بفتح وكسر ، وبفتحتين قراءة عكرمة ، وقراءة الكسرتين لبعضهم ، وقراءة الكسر فالسكون لآخرين. وقال ابن مجاهد : فقد روي عن الحسن قراءة الحاء مثلثة وسكون الباء (مختصر الشواذ : ١٤٥). وفي س : الطريق.

(٦) ١٩١ / آل عمران : ٣.

(٧) أي محكم الظهر.

(٨) فراغ في الأصل ، ولعلها : أخذت أشدّه.

(٩) بياض في الأصل ، وإضافتنا من اللسان.

(١٠) النهاية : ١ / ٣٣١.

٤٢٥

عن الأصمعيّ أنه الاحتباك ، وقال : ولم يعرف الأصمعيّ غيره ، وإنّما المراد به / شدّ الإزار. وغلّط الأزهريّ أبا عبيد وقال : إنّما قال الاحتياك بالياء ؛ يقال : احتكاك يحتاك ، وتحوّك يتحوّك : إذا احتبى [به](١) ، كذا رواه ابن السكّيت عن الأصمعيّ.

الحبكة : الحجزة ، قاله شمر ، ومنه الاحتباك وهو شدّ الإزار.

ح ب ل :

الحبل : معروف ، وجمعه حبال. قال تعالى : (فَإِذا حِبالُهُمْ)(٢). ثم يتجوّز به عن كلّ وصلة ، فيقال : بيننا حبال أي قرابة ووصل. ومنه سمي كتاب الله : حبل الله في قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً)(٣). قال ابن عباس : القرآن لأنّه وصلة بين العباد وبين ربّهم تعالى. وفي الحديث (٤) : «كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، طرفه بأيديكم». فمعنى حبل الله أي الذي معه التوصّل به إليه من القرآن والسنّة والعقل وغير ذلك ، ممّا إذا اعتصمت به أدّاك إلى جواره. ويعبّر به أيضا عن العهد. ومنه : «إنّ بيننا وبين القوم حبالا ونحن قاطعوها» (٥) ، وقد قيل ذلك أيضا في قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ). ومنه قوله تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)(٦) أي إلا بعهد. وفيه تنبيه على أنّ الكافر يحتاج إلى عهدين : عهد من الله ، وهو أن يكون من أهل كتاب أنزله الله ، وإلّا لم يقرّ على دينه ولم يجعل على ذمّة ، وعهد من الناس يبذلونه. وقال ابن عرفة : إلا بعهد من الله وعهد من الناس يجري عليهم أحكام الإسلام وهم من غير أهله. ويطلق على الأمان ، ومنه قول عبد الله (٧) : «عليكم بحبل الله فإنّه أمان لكم ، وعهد من عذاب الله».

__________________

(١) إضافة المحقق.

(٢) ٦٦ / طه : ٢٠.

(٣) ١٠٣ / آل عمران : ٣.

(٤) الحديث في صفة القرآن (النهاية : ١ / ٣٣٢).

(٥) النهاية : ١ / ٢٤١.

(٦) ١١٢ / آل عمران : ٣.

(٧) يعني عبد الله بن مسعود.

٤٢٦

ويقال للشيء المستطيل : حبل على التشبيه ، ومنه حبل الرمل ، وحبل الوريد ، وحبل العاتق. قال الفراء : الحبل هو الوريد ، وهو عرق بين الحلقوم [والعلباوين](١) ، وإنّما أضيف لاختلاف لفظهما. ويقال للنور الممدود والظلام الممدود : حبل وخيط. ومنه : «كتاب الله حبل ممدود» (٢). وقوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(٣).

والحبل : الاشتمال على الحمل. يقال : حبلت المرأة تحبل حبلا ، فهي حبلى ، والجمع حبالى. سمّيت بذلك لأنّ حملها صار وصلة بينها وبين الرجل. والحبالة بالكسر : شبكة الصائد وحبله ، وقيل : حبالة (٤) الصائد : حبله فقط. وفي الحديث : «النساء حبائل الشيطان» (٥) ، والحبل : الداهية ، من ذلك. والحبلة : ثمر السّمر يشبه اللوبياء. وقيل : ثمر العضاه. ومنه الحديث : «ما لنا طعام إلّا الحبلة وورق السّمر» (٦).

والحبلة بفتح الحاء مع سكون الباء هو المشهور وفتحها : أصل الكرم. والحبلة بفتحتين : ما في بطون النّوق. ومنه الحديث : «نهى عن [بيع](٧) حبل الحبلة» ، قال أبو عبيد : هو ولد الجنين الذي في بطن الناقة. وقال ابن الأنباريّ : هو نتاج النّتاج. قال : فالحبل يراد به ما في بطون النوق. والحبلة (٨) [التاء](٩) أدخلت فيها للمبالغة نحو شجرة. والمحبل والحابل : صاحب الحبالة.

ويقال : وقع حابلهم على نابلهم. والحبلة اسم لما يجعل في القلادة تشبيها بثمر السّمر في الهيئة.

__________________

(١) بياض في الأصل ، والإضافة من اللسان. والعلباء : عصبة في صفحة العنق.

(٢) النهاية : ١ / ٣٣٢ ، والحديث في صفة القرآن.

(٣) ١٨٧ / البقرة : ٢ ، لأن الحبل والخيط قريبان من السواء.

(٤) الكلمة مكررة في الأصل.

(٥) النهاية : ١ / ٣٣٣ ، أي مصائده.

(٦) النهاية : ١ / ٣٣٤.

(٧) إضافة من اللسان ، وغير مذكورة في النهاية : ١ / ٣٣٤.

(٨) في الأصل : الحبل ، ولعلها كما ذكرنا.

(٩) بياض في الأصل ، ويقول ابن منظور : «وإنما أدخلت التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه» ، ولهذا آثرنا كتابة «الحبلة» بالتاء.

٤٢٧

فصل الحاء والتاء

ح ت م :

قوله تعالى : (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا)(١).

الحتم : اللزوم والإيجاب ، وقيل : هو القضاء المقدّر. وسمي الغراب حاتما لأنّه حتم الفراق فيما زعموا ، ثم جعل علما لرجل. ومنه قيل : رجل أحتم أي أسود ، اعتبارا بالغراب (٢).

وفي حديث الملاعنة : «إن جاءت به أسحم أحتم» (٣) ؛ قال الأزهريّ : الحتمة : السواد. والحتامة : فتات الخبز ، قاله الفراء. وفي الحديث : «من أكل وتحتّم» (٤) أي أكل الحتامة.

ح ت ي :

حتى : حرف غاية (٥). وتكون ظرفا نحو : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(٦) أي إلى مطلعها ، وينصب بعدها المضارع بإضمار أن كقوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ)(٧) على تفصيل في ذلك مذكور في كتب النحو. وتكون عاطفة ، ولا يعطف بها إلا جزء وما هو في تأويله ،

__________________

(١) ٧١ / مريم : ١٩.

(٢) وفي س : بالغرابة.

(٣) النهاية : ١ / ٣٣٨.

(٤) النهاية : ١ / ٣٣٨ ، وتتمته : «... دخل الجنة».

(٥) يجر به. وما بعده يكون بمعنى الظرف.

(٦) ٥ / القدر : ٩٧.

(٧) ٤٠ / الأعراف : ٧.

٤٢٨

كقوله (١) : [من الكامل]

ألقى الصحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد ، حتى نعله ألقاها

وتكون حرف ابتداء ، وذلك إذ وليها الجمل (٢) كقوله (٣) : [من الطويل]

فما زالت القتلى تمجّ دماءها (٤)

بدجلة حتى ماء دجلة أشكل

فالغاية لا تفارقها في أحوالها الثلاثة. وقرىء قوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)(٥) بالرفع والنصب على جعلها جارّة أو ابتدائية ، حسبما أوضحناه في غير هذا الكتاب. ومن أمثلة النحاة : أكلت السمكة حتى رأسها ؛ برفع رأسها ونصبها وجرّها على التقادير الثلاثة (٦). والغالب فيها أنّ ما بعدها يدخل في ما قبلها عكس إلى.

قال الراغب : إنّ ما بعد حتّى يقتضي أن يكون بخلاف ما قبله نحو قوله (٧) : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)(٨). وقد يجيء ولا يكون كذلك ، نحو ما روي : «إنّ الله لا يمل حتّى تملّوا» (٩) ولم يقصد أن يثبت ملالا لله تعالى بقدر ملالهم. قلت : هذا ورد على المقابلة نحو : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)(١٠). والمراد بالملل القطع.

__________________

(١) يروى البيت لمروان النحوي قاله في قصة المتلمس وفراره من عمرو بن هند. وهو من شواهد ابن هشام في أوضح المسالك : ٣ / ٤٥ ، وكتاب سيبويه : ١ / ٩٧.

(٢) الكلمة ساقطة من ح.

(٣) البيت لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل (الديوان : ٤٥٧) ، وهو من شواهد اللسان (مادة شكل) ، و (شواهد المغني : ١٢٨).

(٤) وعلى هذه الرواية المغنى ، وفي المصدرين الآخرين : تمور دماؤها. والأشكل : فيه بياض وحمرة.

(٥) ٢١٤ / البقرة : ٢. قرأها الفراء بالنصب إلا مجاهدا وبعض أهل المدينة (وهو نافع) فإنهما رفعاها (معاني القرآن للفراء : ١ / ١٣٢) ، وانظر كتاب سيبويه : ٣ / ٢٤.

(٦) انظر هذه المسألة في المغني : ١٢٦.

(٧) هذا ليس قول الراغب : إنما هو نقل ؛ يقول : «وقيل : إن ...» ص ١٠٧. وكلمة «قوله» ساقطة من ح.

(٨) ٤٣ / النساء : ٤.

(٩) البخاري ـ باب الإيمان ، الحديث : ٣٢.

(١٠) ٥٤ / آل عمران : ٣.

٤٢٩

والحتيّ : سويق المقل ، وفي الحديث : «أنه أعطى أبا رافع حتيّا» (١)

فصل الحاء والثاء

ح ث ث :

قوله تعالى : (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً)(٢) أي سريعا. والحثّ : السرعة. ويقال : حثّه على كذا يحثّه حثّا وحثيثا فهو حاثّ نحو خصه خصّا فهو خاصّ.

فصل الحاء والجيم

ح ج ب :

الحجب : المنع. والحاجب : المانع. والحجاب : الشيء الذي يحجب به. قوله : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ)(٣) أي حاجز ، وهو إشارة إلى الحجب المذكورة في قوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ)(٤) الآية. وليس يعني به ما يحجب البصر ، وإنّما يعني به ما يمنع من وصول لذة الجنة إلى أهل النار ، وأذية أهل النار إلى أهل الجنّة.

وقوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)(٥) أي من حيث لا يراه مكلّمه ومبلّغه. وقوله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(٦) يعني الشمس حين استترت بالمغيب. وقوله : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ)(٧) أي حاجز ومانع في النّحلة والدين لا حجاب حسّيّ. وقوله : (حِجاباً

__________________

(١) النهاية : ١ / ٣٣٨.

(٢) ٥٤ / الأعراف : ٧.

(٣) ٤٦ / الأعراف : ٧.

(٤) ١٣ / الحديد : ٥٧.

(٥) ٥١ / الشورى : ٤٢.

(٦) ٣٢ / ص : ٣٨.

(٧) ٥ / فصلت : ٤١.

٤٣٠

مَسْتُوراً)(١) كقوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً)(٢). ومستورا قيل : بمعنى ساترا ، والصحيح أنّه على بابه ، وقد قررناه في غير هذا.

والحاجب للسلطان : الذي يمنع من يصل إليه. وحاجبا العين من ذلك ، لأنّهما يمنعان العين ممّا يصيبها. وحجاب الشمس : ضوؤها ، لأنّه يبهر النظر ، كأنّه يمنع من تحقّقها. قال الغنويّ (٣) : / [من الطويل]

إذا ما غضبنا غضبة مضريّة

هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

قال شمر : حجابها ضوؤها هاهنا. وفي الحديث : «إنّ الله يغفر للعبد ما لم يقع الحجاب. قيل : يا رسول الله وما الحجاب؟ قال : أن تموت النفس وهي مشركة» (٤). وحاجب الشمس : ما يبدو منها تشبيها بالجارحة أو بحاجب السّلطان لتقدمته عليها.

وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)(٥) أي عن النظر إليه ، وبه استدلّ على جواز النظر إليه في الآخرة لأهل الجنّة كما هو مذهب أهل السّنّة ، لأنّهم عوقبوا بما ينعم به السّعداء. ويعزى هذه الاستنباط للإمام مالك رحمه‌الله على ما مهّدناه في غير هذا. وقيل : هذا إشارة إلى منع السّور عنهم المشار إليه بقوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ). والحجاب : السّتر ، ومنه حجاب الجوف (٦).

ح ج ج :

قال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(٧) الحجّ والحجّ (٨) فتحا وكسرا

__________________

(١) ٤٥ / الإسراء : ١٧.

(٢) ٢٥ / الأنعام : ٦.

(٣) وفي ح : الغفوي. والبيت لبشار بن برد (انظر الديوان : ٤ / ١٨٤ ، والأغاني : ٣ / ٣١ ، والعمدة : ٢ / ١١٥) ، وما ذكر فوق وهم. وروايته فيها : أو تمطر الدّما ، وفي رواية : أو تقطر.

(٤) لحديث في النهاية : ١ / ٣٤٠ ، كأن النفس حجبت بالموت عن الإيمان.

(٥) ١٥ / المطففين : ٨٣.

(٦) حجاب الجوف : ما يحجب عن الفؤاد.

(٧) ٩ / آل عمران : ٣.

(٨) ساقطتان من ح.

٤٣١

مصدران لحجّ أي قصد. وقد قرىء بهما في السبع. وقيل : المفتوح مصدر والمكسور الاسم. وأصل الحجّ لغة القصد ، وجعل في الشرع قصدا مخصوصا لمكان مخصوص في زمان مخصوص على هيئات مخصوصة حسبما بينّاها في «الأحكام».

قوله تعالى : (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)(١) قيل : يوم عرفة ، لأن عرفة معظم الحجّ. قال عليه الصلاة والسّلام : «الحجّ عرفة» (٢). وقيل : جعل أكبر لمقابلته بالعمرة ؛ فإنّها يقال فيها الحجّ الأصغر ، وفيه حديث.

وقيل : الحجّ : الإتيان مرة بعد أخرى. ومن أمثالهم : «لجّ فحجّ» (٣) أي تمادى في لجاجه حتى حجّ بيت الله. وقيل : الحجّ : العمل ، والحجّ : الغلبة بالحجة. والحجة هي الكلام المستقيم ، ومنه قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(٤). وقيل : الحجة : الدّلالة المبيّنة للحجة أي المقصد المستقيم الذي يقتضي حجة أحد النّقيضين. وقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)(٥). فجعل ما يحتجّ به الذين ظلموا حجّة ، وإن لم يكن حجة ، كذلك قول الشاعر (٦) : [من الطويل]

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

أي إن كان ثمّ حجة إلا حجة ظالمين. كما أنّه إن ثبت فيهم عيب فليس ثمّ عيب إلا هذا.

وقوله : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ)(٧) سمّى الحجّة داحضة على زعمهم أي إن كان لهم حجة فهي داحضة. قوله : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ)(٨) أي غالبوه في الاحتجاج. وحقيقة المحاجّة أن يطلب كلّ واحد من المحاجّين ردّ صاحبه عن حجّته أو محجّته. ومنه : (قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي

__________________

(١) ٣ / التوبة : ٩.

(٢) رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم. «كشف الخفاء : ١ / ٣٥١».

(٣) يضرب لمن لا يزال يطلب الشيء حتى يظفر به. وقيل : هو من الحج. وأصله أن رجلا غاب عن أهله حتى حج ولم ينو الحج أول مغيبه (المستقصى : ٢ / ٢٧٩).

(٤) ١٤٩ / الإنعام : ٦.

(٥) ١٥٠ / البقرة : ٢.

(٦) البيت للنابغة الذبياني في مدح الغسانيين (الديوان : ٦٠).

(٧) ١٦ / الشورى : ٤٢. وما بعده في الأصل : سمي الداحضة حجة ، فقلبناهما.

(٨) ٨٠ / الأنعام : ٦.

٤٣٢

اللهِ)(١). وسمّي سبر الجراحة حجّا ، قال الشاعر : [من البسيط]

يحجّ مأمومة في قعرها لجف (٢)

ح ج ر :

أصل المادة يدلّ على المانع منه ، ومنه الحجر لصلابته ومنعته. والحجر : المنع من التصرّف. والحجر بالكسر : العقل لأنّه يمنع صاحبه من الجهل. ومنه قوله تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ»)(٣) ، وقوله تعالى : (حِجْراً مَحْجُوراً)(٤) أي حراما محرّما ، والحرمة المنع. وقوله تعالى : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ)(٥) قيل : هي حجارة الكبريت. وإنّما خصّت بذلك لزيادتها على سائر الوقود بخمسة أشياء حقّقناها في «التفسير الكبير». وقيل : هي الأصنام التي كانوا يعبدونها لقوله : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)(٦). وقيل : هي الحجارة المعهودة ، ومنه : «إنّ هذه نار تخلف نار أهل الدّنيا» فإنّ نارهم توقد بحطب ونحوه ، ثم يحرق بها ما أريد من الحجارة والناس ونحوهما. وقيل : أراد بالحجارة الذين هم في صلابتهم عن قبول الحقّ كالحجارة ، كمن وصفهم بقوله : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)(٧).

وحجر الثّوب لأنّه يمنع به ما يحصل فيه ، وجعل كناية عن الإحاطة بالشيء. ومنه : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)(٨) أي فى إحاطتكم عليهن أمرهنّ. وقوله : (وَحَرْثٌ

__________________

(١) ١٣٩ / البقرة : ٢.

(٢) في الأصل : نجف ، وهو وهم من الناسخ. وتصويبه من المفردات : ١٠٨ ومن اللسان ـ مادة حجج.

وهو صدر بيت لعذار بن درّة الطائي ، وعجزه :

فاست الطبيب قذاها كالمغاريد

(٣) ٥ / الفجر : ٨٩.

(٤) ٢٢ / الفرقان : ٢٥.

(٥) ٢٤ / البقرة : ٢.

(٦) ٨٢ / مريم : ١٩.

(٧) ٧٤ / البقرة : ٢.

(٨) ٢٣ / النساء : ٤.

٤٣٣

حِجْرٌ)(١) أي ممنوع ، وذلك ما حرّموه من تلقاء أنفسهم كالسّوائب والبحائر وما أعدّوه من زروعهم للأصنام.

والحجرة في البيت : لما حوّط به عليها من الدار ؛ قال تعالى : (مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ)(٢) أو لأنّها تمنع من فيها ، والأول أشبه ؛ فإنّها فعلة بمعنى مفعولة (٣) نحو الغرفة.

وفي الحديث : «لقد تحجّرت واسعا» (٤) أي ضيّقت. والحجر والتّحجير أن يجعل حول المكان حجارة. يقال : حجرت الشيء حجرا فهو محجور ، وحجّرته تحجيرا فهو محجّر ، وسمي ما أحيط به الحجارة حجرا فعل بمعنى مفعول كالذّبح ، وبه سمي حجر الكعبة (٥) ، ثم أطلق على كلّ ممنوع. ومنه : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً)(٦). وقيل في قوله : (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) أنّ الرجل إذا لقي من يخافه قال ذلك ، فذكر الله تعالى أنّ الكفار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنّا منهم أنّها تنفعهم.

والحجر : الأنثى من الخيل. قال المبرّد : يقال للأنثى من الفرس حجر لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد. قيل : وتصوّر من الحجر دورانه فقيل : حجرت عين الفرس إذا وسمت حولها بميسم (٧). وحجّر القمر : صار حوله دائرة. والحجّورة (٨) : لعبة للصّبيان ؛ يخطّون خطا مستديرا (٩). ومحجر العين منه. واستحجر الطين وتحجّر : تصلّب صلابة الحجر.

__________________

(١) ١٣٨ / الأنعام : ٦.

(٢) ٤ / الحجرات : ٤٩.

(٣) وفي س : مفعول.

(٤) النهاية : ١ / ٣٤٢ ، أي ضيقت ما وسعه الله.

(٥) حجر الكعبة : اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي ، النهاية : ١ / ٣٤١.

(٦) ٥٣ / الفرقان : ٢٥.

(٧) ويقول ابن منظور : بميسم مستدير.

(٨) في الأصل : الحجور ، وتصويبنا من اللسان.

(٩) ويكمل ابن منظور شرحه للعبة : «... ويقف فيه الصبي وهنالك الصبيان معه» (لسان العرب ـ مادة حجر).

٤٣٤

والأحجار : بطون من تميم. سمّوا بذلك لقوم منهم أسماؤهم : جندل وحجر وصخر.

ح ج ز :

الحجز : الفصل بين الشيئين. والحاجز : هو الفاصل لقوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً)(١) أي فاصلا من قدرته مع اختلاطهما في رأي العين ، فلا يبغي أحدهما على الآخر لقوله : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ)(٢). وقيل : الحجز كالحجر معنى. ومنه قوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) فهذا كقوله : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً)(٣). وقال تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ)(٤) أي مانعين.

وسمّي الحجاز حجازا لحجزه بين البحرين : بحر الروم وبحر اليمن ، وقيل : لحجزه بين الشام والبادية. وقيل الحاجز من قوله : (بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً). والحجاز لأنّه حجز به بينهما ، والحجاز أيضا : حبل يشدّ به حقو البعير إلى رسغه (٥).

واستحجز بإزاره أي شدّه عليه ، ومنه حجزة السروايل. وأخذت بحجزته ؛ يضرب لمن خلّصه من شدّة. وفي الحديث : «أخذت بحجزته من النار» (٦). فالحجز كالحجر خطا. وفي المثل : «إن رمت (٧) المحاجزة فقبل المناجزة» تفسيره : إن رمت المسالمة فافعل ذلك قبل القتال.

وفي حديث قيلة : «أيلام ابن ذه أن يفصل الخطّة وينتصر من وراء الحجزة؟» (٨)

__________________

(١) ٦١ / النمل : ٢٧.

(٢) ٢٠ / الرحمن : ٥٥.

(٣) ٥٣ / الفرقان : ٢٥.

(٤) ٤٧ / الحاقة : ٦٩.

(٥) الحقو : الخاصرة.

(٦) الحديث كما في النهاية : «ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته» (النهاية : ١ / ٣٤٤). والحجزة هنا : مشدّ الإزار.

(٧) ورواية اللسان : إن أردت (مادة حجز). والمناجزة : القتال.

(٨) النهاية : ١ / ٣٤٥.

٤٣٥

الحجزة (١) : جمع حاجز نحو بارّ وبررة ، وهم الذين يمنعون الناس من التّظالم. وابن ذه عبارة عن الآدميّ (٢).

والحجز : الأصل ؛ فلان كريم الحجز. والحجز : أيضا : العشيرة ، لأنّهم / يحتجز بهم أي يمتنع. وقول رؤبة (٣) : [من الرجز]

فامدح كريم المنتمى والحجز

يحتمل الأمرين.

فصل الحاء والدّال

ح د ب :

قوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)(٤).

الحدب : النّشز وهو المرتفع من الأرض كالإكام. وعبّر بذلك عن القبور لارتفاعها غالبا. والحدب ارتفاع الظهر ، وهو عظام تنبو ، وذلك هو الحدب. وإذا وقع ذلك في عظام الصدر قيل له : قعس ، ومنه قوله : [من الطويل]

تقول ودقّت صدرها بيمينها :

أبعلي (٥) هذا بالرّحا المتقاعس؟

رجل أقعس (٦). ثم يعبّر بالحدب عن الشيء الشّنع المستوحش ، ومنه قيل لآلة الميت حدباء ؛ قال كعب بن زهير (٧) : [من البسيط]

كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوما على آلة حدباء محمول

__________________

(١) الحجزة ـ كما في النهاية ـ هم الذين يمنعون بعض الناس من بعض ويفصلون بينهم بالحق.

(٢) وفي النهاية أنه أراد بابن ذه ولدها.

(٣) استشهد به ابن منظور ، ولم يعزه.

(٤) ٩٦ / الأنبياء : ٢١.

(٥) وفي س : أباعي. والبيت للهذلول بن كعب العنبري ، وهو مطلع لحماسيته (الحماسة : ١ / ٦٩٦).

(٦) القعس : عكس الحدب ، وهو خروج الصدر ودخول الظهر ، وهو أقعس.

(٧) الديوان : ١٩ ، من قصيدة «بانت سعاد».

٤٣٦

أي شنعاء صعبة.

وقال الراغب (١) : يجوز أن يكون الحدب في الأصل حدب الظهر. يقال : حدب الرجل يحدب حدبا فهو أحدب. وناقة حدباء تشبيها بذلك ، ثم شبّه به ما ارتفع من الأرض.

ح د ث :

الحدوث : كون الشيء بعد أن لم يكن ، وإحداثه : إيجاده. وسواء كان المحدث جوهرا أو عرضا ، واختصّ الباري تعالى بإحداث الجواهر. ويقال لكلّ ما قرب عهده : محدث فعلا كان أو قولا. ومن ثمّ قيل : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ)(٢) ؛ إنزاله وإيجاده وإلا فكلامه تعالى قديم. ومنه يسمى القرآن حديثا ؛ قال تعالى : (أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ)(٣)(أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ)(٤)(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً)(٥).

وقوله : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً)(٦) رضي الله عنهن كما أوضحناه. وقوله : (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً)(٧) أي أجدّد ، أي : لا تكن أنت البادىء بالسؤال عمّا تراه ، بل اصبر حتّى أكون أنا المبتدىء بذلك. وبيان قوله : (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ)(٨) هو علم الرّؤيا سمّاها أحاديث لأنّ أهلها يحدّثون بها من يعبّرها لهم. وقيل لما حدّث به الإنسان في نومه.

وقوله : (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ)(٩) أي أخبارا وسمرا يتحدّثون بحديثهم ويتعجّبون من أخبارهم.

__________________

(١) أسقط المؤلف بعض كلام الراغب مما لا يخلّ ، ص ١١٠

(٢) ٢ / الأنبياء : ٢١.

(٣) ٥٩ / النجم : ٥٣.

(٤) ٨١ / الواقعة : ٥٦.

(٥) ٢٣ / الزمر : ٣٩.

(٦) ٣ / التحريم : ٦٦.

(٧) ٧٠ / الكهف : ١٨.

(٨) ١٠١ / يوسف : ١٢.

(٩) ١٩ / سبأ : ٣٤.

٤٣٧

والأحاديث جمع أحدوثة تقديرا ، أو جمع حديث على غير قياس نحو أباطيل وأقاطيع وأبابيل.

والحديث يقابل القديم. ومنه ثمر حديث للطريّ وثمر قديم. ويقولون : أخذه ما حدث وما قدم ، بضم دال حدث لأجل دال قدم. فإذا أفردوا قالوا حدث بالفتح فقط. والمحدّث من يلقى في روعه شيء من جهة الملإ الأعلى ، ومنه الحديث : «إن يكون في هذه الأمّة محدّث فهو عمر» (١) ، ولذلك كان رضي الله عنه ينطق بأشياء فينزل القرآن على وفقها ، ورجل حدث وحديث السنّ أي صغير السنّ.

والحادثة : النازلة لطرائها ، وجمعها حوادث ، والحدثان بمعناها ؛ قال (٢) : [من الوافر]

رمى الحدثان نسوة آل سعد (٣)

بأمر قد سمدن له سمودا

فردّ شعورهنّ السّود بيضا

وردّ وجوههنّ البيض سودا

ورجل حدوث : حسن الحديث. ورجل حدث نساء أي محادثهنّ. وقوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(٤) أي بلّغ نعمته وهي القرآن وما يوحى إليك من السّنّة ، أو ما أنعم به عليك إظهارا لنعمته وشكرانه. وهذا تعليم لنا ، قيل : ولذلك يستحبّ للعالم أن يظهر العبادة ليقتدي به غيره لا للرّياء. وقول الحسن : «حادثوا هذه القلوب بذكر الله» أي اجلوها «كما يحادث السيف بالصّقال» (٥). ومنه قول لبيد (٦) : [من الوافر]

كنصل السّيف حودث بالصّقال

__________________

(١) وروايته في النهاية : «قد كان في الأمم محدّثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب» وتفسيره : الملهمون. والملهم هو الذي يلقى في نفسه الشيء فيخبر به حدسا وفراسة. وهو نوع يختص به الله عزوجل من يشاء من عباده الذين اصطفى مثل عمر (١ / ٣٥٠).

(٢) البيتان من شواهد ابن منظور ـ مادة سمد.

(٣) ورواية اللسان : آل حرب. والعجز مضطرب النسخ في الأصل فصوبناه من اللسان. السمود : اللهو ، وسمّده : ألهاه.

(٤) ١١ / الضحى : ٩٣.

(٥) النهاية : ١ / ٣٥١.

(٦) في الأصل : كمثل ، والتصويب من الديوان : ٨٠. وعليه رواية اللسان ، مادة حدث. وصدره :

وأصبح يقتري الحومان فردا

٤٣٨

كذا أنشد ابن برّي صدره (١) ، والمشهور أنّ صدره لأمرىء القيس وعجزه وهو :

كنار مجوس تستعر استعارا

للتّوأم (٢) ، في قصة جرت لهما أوضحناها في «شرح التسهيل الكبير» (٣).

ح د د :

الحدّ هو الحاجز المانع من اختلاط شيئين بآخر. وحددت الدار : جعلت لها حدّا يميّزها ويمنعها من اختلاطها بغيرها. والحدّ المعرّف للشيء هو الوصف المحيط بمعناه المميّز له عن غيره. ولذلك يقال فيه إنه مانع جامع ، أي يمنع غيره من الدخول فيه ويجمع جميع ما يدخل فيه ، وهو معنى قول المتكلمين : مطّرد منعكس. فالجامع هو المنعكس ، والمانع هو المطّرد. وسميت الحدود لأنها تحدّ أي تمنع ، وحدود الله : أوامره ونواهيه. ولذلك قال : (فَلا تَقْرَبُوها)(٤) جعلها كالمحسوسات من الأجرام ، والمراد : ولا تخالفوها فتتركوا أوامرها ، وتفعلوا مناهيها. والحدود المعاقب بها من ذلك لأنها تمنع من معاودة الذنب لمن فعله ، وتمنع غيره أن يفعل مثل فعله كالقصاص.

وسمّي البوّاب حدّادا (٥) لأنّه يمنع الداخل. قوله : (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ

__________________

(١) في الكلام نقص واضطراب. وتمام النص أن امرأ القيس كان معنّا عرّيضا ينازع كل من قال إنه شاعر.

فنازع التوأم اليشكري وأخويه الحارث وأبا شريح ، فقال امرؤ القيس : يا حار أجز :

أحار ترى بريقا هبّ وهنا

فقال التوأم :

كنار مجوس تستعر استعارا

ولعل سقطا طرأ على النص في الأصل. انظر : ديوان امرىء القيس : ١٠٧ ـ ١٠٨ ، واللسان ـ مادة مجس ، وانظر فيهما التفصيل.

(٢) في الأصل : للنؤوم.

(٣) جاء في هامش ح : «الأفاعيل جمع أفعولة كأعجوبة. وأما أحاديث النبي فلا يجوز أن تكون هذا وإنما هي حديث لأن هذا الوزن للتحقير. إقليد» وهي من غير خط الناسخ.

(٤) ١٨٧ / البقرة : ٢.

(٥) في الأصل : وسمي الباب حدادا ، وهو وهم.

٤٣٩

اللهُ)(١) قيل : أحكامه ، وقيل : حقائق معانيه ، ثم حدوده تعالى أربعة أقسام : قسم لا يجوز فيه الزيادة ولا النّقصان ، وذلك كأعداد ركعات الصلوات المفروضة وكالصلوات الخمس. وقسم يجوز فيه الزيادة عليه (٢) والنقصان عنه كصلاة النّفل المقيّدة مثل الضّحى فإنها ثمان فيجوز الزيادة عليها والنقصان منها. وقسم يجوز النقصان منه دون الزيادة مثل مرات الوضوء الثلاث والتزوّج بأربع فما دونها. وقسم بعكسه.

والراغب قال : هي أربعة أضرب ، ولم يذكر إلّا ثلاثة ، ولم يمثّل إلا للأول.

والحديد : هو الجوهر المعروف ، سمي بذلك لما فيه من المنع. قال تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ)(٣). ويعبّر عن الحديد بالشيء المتناهي في بابه كقوله : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(٤) أي ثابت نافذ. وفلان حديد الفهم أي ذكيّ القلب صافي الذهن. وأصلها من الحديد لأنه تثبت به الأشياء. وفيه : لسان حديد أي مصلت كحدّة السيف. قال تعالى : (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ)(٥).

وحدّدت السكين : شحذتها. وأحددتها : جعلت لها حدّا ، ثم قيل لكلّ ما دقّ في نفسه ؛ إمّا من حيث الخلقة (٦) وإمّا من حيث المعنى كالبصر والبصيرة : حديد. وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ)(٧) أي يعادون. وتأويله أن يكونوا جعلوا بمنزلة من يقاتل بالحديد ويمانع به ، أو يكونوا بمنزلة من صار في حدّ ومن عاداه في حدّ آخر في المسافة ، وهو أن يصير أحد الخصمين في شقّ والآخر في شقّ /.

ورجل محدود أي ممنوع الرزق والحظّ عكس المجدود ، وهو صاحب الجدّ كما تقدم. فهو وإن جانسه خطّا فقد فارقه لفظا ومعنى. ولما نزل قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ

__________________

(١) ٩٧ / التوبة : ٩.

(٢) في الأصل : وعليه ، ولا يستقيم به.

(٣) ٢٥ / الحديد : ٥٧.

(٤) ٢٢ / ق : ٥٠.

(٥) ١٩ / الأحزاب : ٣٣.

(٦) في الأصل : الخلق.

(٧) ٥٦ / غافر : ٤٠.

٤٤٠