عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

١

٢

٣
٤

باب الدال

فصل الدال والراء

د ر ي :

مداراة الناس : أن تلاينهم ولا تنفّرهم ، وأصله من دريت الصّيد : إذا أسرعت عنه بشيء لترميه لئلا يفرّ. قيل : والدّراية : المعرفة (١) المدركة بضرب من الختل ؛ يقال : دريته ودريت به نحو فطنته وشعرت به (٢). وادّرى : افتعل ، من ذلك. قال (٣) : [من الوافر]

وما ذا يدّري الشعراء مني

وقد جاوزت حدّ الأربعين (٤)

والدّريئة : لما يتعلم عليه الطعن. والدّريئة أيضا : ناقة يرسلها الصائد ليتأنّس (٥) بها الصّيد فيرميه. والمدرى لقرن الشاة والثور لما فيه من دفع من يعدو عليهما وقتله. ومنه استعير المدرى لعود تصلح به الماشطة شعر العروس. قال امرؤ القيس (٦) : [من الطويل]

غدائره مستشزرات إلى العلا

تضلّ المداري في مثنّى ومرسل

المداري : جمع مدرى (٧).

__________________

(١) في الأصل : المعروفة ، ولعلها كما ذكرنا.

(٢) وفي الأصل : فطنه وشعره.

(٣) البيت لسحيم كما في اللسان (مادة ـ دري) والمفردات : ١٦٨.

(٤) وفي المصدرين السابقين : رأس الأربعين.

(٥) كذا في ح ، وفي س : ليأنس.

(٦) من معلقته (الديوان : ٣٤).

(٧) وفي الأصل : مدره.

٥

ولا تستعمل الدراية في الله تعالى ، كما لا يجوز ذلك في العرفان ، لما بينّاه في غير هذا الكتاب ، ولما سيأتي في مادّة العين إن شاء الله تعالى. فأمّا قوله (١) : [من الرجز]

لا همّ لا أدري وأنت الدّاري (٢)

قال الراغب : فمن تعجرف أجلاف العرب. قلت : ومثله قول الآخر : [من الطويل]

فلم يدر إلا الله ما هيّجت لنا

عشيّة آناء الديار وشامها

قيل : وكلّ موضع ورد في القرآن بلفظ (وَما أَدْراكَ) فإنه وقع بعده بيانه نحو : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْنارٌ حامِيَةٌ)(٣). وكلّ موضع لفظ فيه «وما يدريك» لم يعقّبه بذلك نحو : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)(٤).

__________________

(١) من شواهد اللسان ـ مادة دري ، وورد الشطر في المفردات : ١٦٩. وعجزه :

كلّ امرئ منك على مقدار

(٢) في الأصل : تدري ، والتصويب من المصدرين.

(٣) ١٠ و ١١ القارعة : ١٠١.

(٤) ١٧ الشورى : ٤٢.

جاء في هامش ح تعقيب على المداراة من غير خط الناسخ : «المداراة والمداهنة. المداراة مندوب إليها ، بخلاف المداهنة فإنها محّرمة. وليست المداراة مطلوبة في كلّ مقام وكل حال بل حيث تكون لجلب نفع أو رفع ضرر ، ربما كان المستعمل لما يظن مداراة في غير موضعها مداهنا حيث لم يظهر منه ما يدلّ على عدم الرضا بتلك الحالة. ولذا قال ابن بطّال لمن يعقبهم إن المداراة هي المداهنة ، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ، ويستر باطنه. وفسّرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضى بما هو فيه من غير إنكار عليه. والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه بلطف القول والفعل سيما إذا دعت الحاجة إلى تألفه أو كان لا ينجع فيه إلا مثل ذلك ، أو المداراة بدل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا. والمداهنة : ترك الدين لصلاح الدنيا ، والسيء من بذل ماله في دنياه ... والرفق في مكالمته. ومع ذلك فلم يمدحه بقول ، فلم يناقض قوله فيه فعله في قوله لرجل : بئس أخو العشيرة. وفي حديث «إنه أحمق مطاع» وصله الطبرانيّ ...».

٦

فصل الدال والسين

د س ر :

قوله تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ)(١) ؛ قيل : الدّسر : المسامير ، الواحد دسار. وقال الراغب : دسر (٢) ، يقال : دسرت الشيء أي دفعته. وأصل الدّسر : الدفع (٣) الشديد. ودسرت المسمار من ذلك. وقال عمرو بن أحمر (٤) : [من الرجز]

ضربا هذا ذيك وطعنا مدسرا

وفي حديث عمر رضي الله عنه : «فيدسر كما يدسر الجزور» (٥). وسئل ابن عباس عن ذكاة العنبر فقال : «شيء دسره البحر» (٦). وسأل الحجاج سنانا ـ لعنه الله ـ قاتل الحسين رضي الله عنه وأرضاه : «أنت قتلت الحسين؟ قال : نعم هبرته بالسّيف هبرا ودسرته بالرمح دسرا» (٧) قيل : دفعته دفعا عنيفا ، وقيل : سمرته به كما يسمر بالدّسار.

وقال الحسن : الدّسر : صدر السفينة لأنها تدسر الماء أي تدفعه بصدرها. وقيل : هي أضلاعها. وقيل : شرطها التي تشدّ بها كما تشدّ بالمسامير. وقيل : أصلها وطرفاها.

وقال الهرويّ : قيل : هي خرز السفينة ، وقيل هي السفن أنفسها وليس بظاهر.

د س س :

قوله تعالى : (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ)(٨). الدّسّ : الإدخال في الشيء بنوع من

__________________

(١) ١٣ القمر : ٥٤.

(٢) من هنا يبدأ كلام الراغب (ص ١٦٩) ، جملة واحدة.

(٣) وفي الأصل : الرفع.

(٤) هو عمرو بن أحمر الباهلي ، من الشعراء الجاهليين الذين أدركوا الإسلام. والشطر غير مذكور في ديوانه ، وصوّبنا اضطرابه من اللسان ـ مادة دسر.

(٥) النهاية : ٢ ١١٦. والمعنى : يدفع ويكبّ للقتل كما يفعل بالجزور عند النحر.

(٦) النهاية : ٢ ١١٦.

(٧) النهاية : ٢ ١١٦ مع تغيير طفيف. وهو سنان بن يزيد النخعي.

(٨) ٥٩ النحل : ١٦.

٧

الإكراه ، ويعبّر به عن الإخفاء أيضا. وقيل في المثل : «ليس الهناء بالدّسّ» (١). يقال : دسّ البعير بالهناء.

قوله تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)(٢) من ذلك ، والأصل دسّسها بمعنى أحملها وأخفاها عن حظّها الوافر. وكلّ شيء أخفيته وقلّلته فقد دسسته ، وهل الفاعل ضمير من؟ أي : من اخمل نفسه وتعاطى ما أخملها به (٣) ، أو الله تعالى لأنّه يفعل ما يشاء؟ قولان شهيران. وإنما أبدل من أحد الأمثال جزء ليّن تخفيفا نحو : قضّيت أظفاري : [من الرجز]

تقضّي البازي إذا البازي كسر (٤)

فصل الدال والعين

د ع ع :

قوله تعالى : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)(٥) ، أي يدفعه في صدره بعنف. والدعّ : الدفع الشديد ، ومنه أيضا : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا)(٦). قال الراغب : وأصله أن يقال للعاثر : دع دع ، كما يقال له : لعا. قلت : لو كان كما قال لقيل : يدعدعون ويدعدع ، هذا من جهة اللفظ. وأما من جهة المعنى فلا يصحّ أيضا.

__________________

(١) مثل ذكره الزمخشري (المستقصى : ٢ ٣٠٤) وهو أن تطلى مشاعر الإبل ، يراد أنه لا يقتصر من الهنء بطلي مواضع الجرب وإنما يجب أن يعم جميع جسده لئلا يتعدى الجرب موضعه يضرب فيمن يتبلغ في قضاء حاجة صاحبه ولا يبالغ.

(٢) ١٠ الشمس : ٩١.

(٣) أخملها بترك الصدقة والطاعة.

(٤) الرجز للعجاج ، ديوانه : ١ ٤٢ ، اللسان ـ مادة ظفر. وهو في وصف باز. وكان الأصل «تقضّض» فاستثقل اجتماع الضادين فأبدل من الثانية ياء.

(٥) ٢ الماعون : ١٠٧.

(٦) ١٣ الطور : ٥٢.

٨

د ع و :

قوله تعالى : (دَعَوُا اللهَ)(١) ، أي استغاثوا به. قيل : والدعاء كالنداء إلا أنّ النداء قد يقال إذا قيل : يا وأيا ، وإن لم يضمّ معه اسم. والدعاء لا يكاد يقال إلا ومعه اسم المدعوّ نحو : يا فلان. وقد يقع كلّ منهما موقع الآخر ، ويستعمل استعمال التّسمية فيتعدّى تعديتها لاثنين إلى ثانيها بجزء الجزء. قال الشاعر (٢) : [من الطويل]

دعتني أخاها أمّ عمرو ولم أكن

أخاها ولم أرضع لها بلبان

دعتني أخاها بعدما كان بيننا

من الفعل ما لا يفعل الأخوان

قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)(٣) قيل : يجوز أن يكون من معنى التّسمية أي لا تخاطبوه باسمه فتقولون : يا محمد ، كما يقول أحدكم للآخر ، ولكن قولوا كما خاطبه الله تعالى بقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّيا أَيُّهَا الرَّسُولُ). وقيل : لا تدعوه برفع الصوت كما ترفعونه على بعضكم ، فهو في معنى قوله : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ)(٤).

وقيل : لا تجعلوه كواحد منكم في الأمر والنهّي إذا أمر أحدكم أجاب إن شاء ، ولم يجب إن شاء. وكذا إذا نهي ، يجب عليكم أمره ونهيه بدليل قوله : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ)(٥).

ويعبّر به عن السؤال وعن الاستعانة ، ومنه : «دعوا الله» أي سألوه حوائجهم واستعانوه عليها. قوله : (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)(٦) تنبيه على أنّهم إذا دهمتهم شدة لم يلهجوا إلا باسمه ، ولم يخطر ببالهم غيره ممّا كانوا يعبدونه في الرّخاء من الأصنام ونحوها. قوله : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً)(٧) أي نادوا الهلاك واستغاثوا به ؛ يقولون : يا هلاك هذا حينك.

__________________

(١) ٢٢ يونس : ١٠.

(٢) شرح المفصل : ٦ ٢٧ ، وفيه : من الأمر (في البيت الثاني).

(٣) ٦٣ النور : ٢٤.

(٤) ٢ الحجرات : ٤٩.

(٥) ٦٣ النور : ٢٤.

(٦) ٦٧ الإسراء : ١٧.

(٧) ١٣ الفرقان : ٢٥ الثبور : الهلاك ، أي قالوا : واثبوراه!.

٩

وهو مجاز وقيل قولهم : يا حسرتاه ، والهفاه ، ونحو ذلك. قوله : (فَما كانَ دَعْواهُمْ)(١) الدعوى بمعنى الادّعاء قالة الأزهريّ. ويكون بمعنى الدّعاء ؛ قال تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢). قوله : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ)(٣) قيل : شهادة أن لا إله إلا الله. قوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ)(٤) أي استغيثوا بهم. قوله : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ)(٥) أي إذا استغاثت نفس مثقلة بذنوبها نفسا أخرى ، كأمّها وأبيها ، إلى حمل ذنوبها لم تجب إلى ذلك. قوله : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ)(٦). قال ابن عباس : إذا اشتهى أهل الجنة شيئا قالوا : سبحانك اللهمّ ، فيجيئهم ما يشتهون. فإذا طعموا مما آتاهم الله تعالى قالوا : الحمد لله ربّ العالمين ؛ وذلك قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) الآية.

قوله : (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ)(٧) أي يتمنّون ، يقال : ادّع عليّ ما شئت. وقوله : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ)(٨) أي تتمنّون محبته ، استهزاء. وهو معنى قول من قال : تستبطئون. قوله : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ)(٩) قال ثعلب : تنادي الكافر باسمه ، واستشهد بحديث ابن عباس في ذلك وقال : يعذب بإجلاله. عن النّضر بن شميل ، عن الخليل قيل : إنّه كان يعتقد أن جهنم لا تتكلم. وحكى الخليل عن أحد رجلين من العرب قال للآخر : دعاك الله ، أي عذّبك ، وقيل : معناه أماتك (١٠) فلا حجّة فيه.

وقيل : دعهم ، فعلت بهم الأفاعيل. والعرب تقول : دعانا غيث وقع بناحية كذا ، أي كان سببا في انتجاعنا ؛ قال ذو الرمة (١١) : [من البسيط]

__________________

(١) ٥ الأعراف : ٧.

(٢) ١٠ يونس : ١٠.

(٣) ١٤ الرعد : ١٣.

(٤) ٢٣ البقرة : ٢.

(٥) ١٨ فاطر : ٣٥.

(٦) ١٠ يونس : ١٠.

(٧) ٥٧ يس : ٣٦.

(٨) ٢٧ الملك : ٦٧ ، وفسره الحسن : تكذبون (اللسان ـ دعا).

(٩) ١٧ المعارج : ٧٠.

(١٠) كذا في س ، وفي ح : أمامتك.

(١١) البيت في الديوان : ١ ٧٧.

١٠

أمسى بوهبين (١) مجتازا لمرتعه

من ذي الفوارس يدعوا أنفه الرّيب

وقال أيضا (٢) : [من الطويل]

دعت ميّة الأعداد واستبدلت بها

خناطيل آجال من العين خذّل

وما دعاك إلى كذا ، أي حملك عليه وجرّك إليه.

قوله : (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً)(٣) أي جعلوا وسمّوا. قال ابن أحمر (٤) يصف عينه حين أصابها سهم : [من البسيط]

أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها

قد كنت أدعو قذاها الإثمد القردا

أي أجعل وأسمّي.

والدّعاء : العبادة أيضا ؛ كذلك سّماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومنه قوله : (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً)(٥) أي لن نعبد ، (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(٦) أي اعبدوني بدليل (الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي)(٧)(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)(٨) أي تعبدون. قوله : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ)(٩) ؛ الأدعياء جمع دعيّ : الذي تبنّاه رجل دعاه وابنه كقصة زيد بن حارثة لما تزوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم امرأته زينب ، فقال المشركون والمنافقون : كيف تزوّج امرأة ابنه؟ فنفى الله ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي الحديث : إنّ الله بنى دارا واتّخذ مأدبة ودعا الناس إليها ، هو من الدعوة وهي

__________________

(١) كذا في الديوان ، وفي الأصل : بوجهين ، وفي المستقصى : «مختارا لمرتعه» وهما وهم ، وهبين : اسم موضع.

(٢) الديوان : ٣ ١٤٥٥. الأعداد : واحدها عدّ وهو البئر التي لا ينقطع نبطها. الخناطيل : الأقاطيع.

(٣) ٩١ مريم : ١٩.

(٤) يعني عمرو بن أحمر الباهلي ، فقأ عينه مخشيّ. والبيت من قصيدة (الديوان : ٤٩).

المشقص : نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض. السهم الحشر : الدقيق مستوى قذذ الريش. شبرقها : مزّقها. القرد : المتلبّد.

(٥) ١٤ الكهف : ١٨.

(٦) ٦٠ غافر : ٤٠.

(٧) ٦٠ غافر : ٤٠.

(٨) ٤٨ مريم : ١٩.

(٩) ٤ الأحزاب : ٣٣.

١١

الدّعاء إلى الوليمة. وقال عليه الصلاة والسّلام للحالب : «دع داعي اللبن» (١) هذا مثل ، وذلك أنه أمر الذي يحلب أن يبقي في الضّرع قليل لبن ؛ فإنّه إذا أبقى فيه ذلك استدعى ذلك القليل بقية اللبن في الضّرع ، وإذا استقصاه كلّه أبطأ في درّه. فعبّر عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذه العبارة اللطيفة والاستعارة البديعة.

قوله : (يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ)(٢) أي سل. والدّعاء قد يعبّر به عن الحثّ على قصد الشيء ، وعليه قوله : [من الطويل]

دعاني إليها القلب أني أحبّها

وقوله : (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا)(٣) أي رفعة وتنويه عكس من قال في حقّه : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ)(٤) لما سأل ربّه وقال : (اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(٥).

والدّعوة : بالكسر مختصة بادّعاء النّسب ، وهي الحالة التي عليها الإنسان من الدّعوى. والدّعوة : بالفتح بمعنى الدّعاء والسؤال. والدّعوة : بالضمّ الوليمة. والإّدعاء : أن يّدعي شيئا له. أو أنه من بني فلان كقوله (٦) : [من البسيط]

إنا بني نهشل لا ندّعي لأب

عنه ولا هو بالأبناء يشرينا

والادّعاء في الحرب : الاعتزاء إليه من ذلك ، ولذلك قيل : هو ابن الحرب ، لمن يلازمها. والدّعوة : الأذان ، ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ)(٧) ؛ قالت عائشة : هم المؤذّنون. وفي الحديث : «الخلافة في قريش والحكم في الأنصار والدّعوة في الحبشة» (٨) أي الأذان لأجل بلال رضي الله عنه.

__________________

(١) النهاية : ٢ ١٢٠.

(٢) ١٣٤ الأعراف : ٧.

(٣) ٤٣ غافر : ٤٠.

(٤) ٧٨ الصافات : ٣٧.

(٥) ٨٤ الشعراء : ٢٦ ، والمقصود به إبراهيم عليه‌السلام.

(٦) البيت لبشامة النهشلي (الحماسة : ١ ١٠٢) أو لنهشل النهشلي : الشعر والشعراء : ٥٣٣.

(٧) ٣٣ فصلت : ٤١.

(٨) النهاية : ٢ ١٢٢ ، ويقول الهروي : «وجعل الحكم في الأنصار لكثرة فقهائها».

١٢

فصل الدال والفاء

د ف أ :

قوله تعالى : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ)(١) الدّفء : اسم لما يدفأ به من البرد ، وأشار بذلك إلى ما يتّخذ من أصوافها وأوبارها وأشعارها من الأخبية والجباب والأكسية ونحوها ممّا يمنع من البرد. وعبّر الراغب بالدّفء عمّا يدفئ ، فجعله فعلا بمعنى فاعل ، والأولى ما قدّمته ؛ فإنّ فعلا كثر بمعنى المفعول نحو ذبح وطحن. وعن ابن عباس : إنّ «الدفء» (٢) نسل كلّ دابّة.

وعن الأمويّ : الدفء عند العرب نتائج الإبل والانتفاع بها ، وفي الحديث : «لنا من دفئهم وصرامهم» (٣) أي من إبلهم وغنمهم. قال الهرويّ : وقد سماها «دفء» لأنه يتّخذ من أصوافها وأوبارها وأشعارها ما يدفأ به. وقد صرّح الفراء بما قدّمته فقال : والدفء ما يستدفأ بأصوافها (٤). ويقال : دفئ الرجل فهو دفآن. وتدفّأ بالمكان. ودفؤ الزمان فهو دفيء.

وفي الحديث : «أنّه أتي بأسير توعّك (٥) ، فقال : أدفوه» يريد : ادفئوه ، ففهموا عنه القتل فقتلوه (٦). فوداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك إنما قال : أدفوه بغير همز لأنه ليس من لغته الهمز ، قاله الهرويّ. ثم قال : ولو أراد القتل لقال دافّوه أو دافوه ، يقال : داففت الأسير ودافيته : أي أجهزت عليه (٧).

والدّفأ : الانحناء ؛ يقال منه : رجل أدفأ وامرأة دفأى. وفي حديث الدّجال. «فيه دفأ» (٨).

__________________

(١) ٥ النحل : ١٦.

(٢) في شرح الآية السابقة.

(٣) النهاية : ٢ ١٢٤.

(٤) صواب كلام الفراء : «وهو ما ينتفع به من أوبارها» (معاني القرآن : ٢ ٩٦).

(٥) وفي النهاية (٢ ١٢٣) : يرعد.

(٦) حسبوه الإدفاء بمعنى القتل في لغة أهل اليمن ، ووداه من الدية.

(٧) وأدفأته ودافأته ودفوته ، كما في اللسان ـ مادة دفأ ، والنهاية : ٢ ١٢٣.

(٨) ذكره الهروي مهموزا ، وقد ورد مقصورا «دفا» كما في النهاية : ٢ ١٢٦.

١٣

د ف ع :

قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)(١) الدفع إن عدّي بإلى فمعناه الإنالة ، كقوله : (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)(٢). وإن عدّي بعن فمعناه الحماية كقوله : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)(٣) ، قوله : (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ)(٤) أي مانع وحام. وقرئ : دفع الله ودفاع الله (٥) تنبيها على المبالغة في الدّفع عن خلقه فأبرزه في صورة المفاعلة. والمدفع : ما يدفعه كلّ أحد. والدّفعة من المطر. والدّفاع من السيل.

د ف ق :

قوله تعالى : (ماءٍ دافِقٍ)(٦) يريد المنيّ الذي يخلق منه الإنسان. والدّفق : السيلان بسرعة. ودافق : بمعنى دفق كلا بن وتامر. وهذا أحسن من قول من يقول فاعل بمعنى مفعول (٧) كعكسه نحو : (حِجاباً مَسْتُوراً)(٨) أي ساترا. واستعير من الدّفق : نفر أدفق أي سريع. ومشوا دفقّى أي مسرعين. وقال الراغب : مشوا دفقا (٩) ، والصواب الأول. وتدفّق الماء يتدفّق أي فاض من جوانب ما هو فيه.

__________________

(١) ٢٥١ البقرة : ٢.

(٢) ٦ النساء : ٤.

(٣) ٣٨ الحج : ٢٢.

(٤) ٨ الطور : ٥٢.

(٥) الأولى فعل ماض ، وهي قراءة اليماني وابن كثير وأبي عمرو. والثانية «دفاع» قراءة الأخفش ، وهي قراءة منسوبة في السبعة إلى نافع وعاصم في رواية (مختصر الشواذ : ١٥ ، معاني القرآن للأخفش ١ ٣٧٨ ، وانظر حاشيته رقم ٦).

(٦) ٦ الطارق : ٨٦.

(٧) إذا كان في مذهب النعت.

(٨) ٤٥ الإسراء : ١٧.

(٩) المفردات : ١٧٠.

١٤

فصل الدال والكاف

د ك ك :

قوله تعالى : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ)(١) أي جعلت مستوية لا أكمة فيها ولا جبل كقوله : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)(٢). ومنه : ناقة دكّاء أي لا سنام لها (٣). قوله : (دَكًّا دَكًّا)(٤) أي دكا بعد دكّ. وقيل : الثاني تأكيد لفظيّ. قوله : (جَعَلَهُ دَكًّا)(٥) قرئ «دكّا» مقصورا ومحدودا ؛ فالأول بمعنى إذا دكّ. والثاني : على معنى مثل ناقة دكاء أي ملتصقا بالأرض (٦).

وقيل : الدّكّ : الدقّ. دككته أي دققته. وقيل : الأرض السهلة يقال لها : دكّ. فقوله : (دُكَّتِ الْأَرْضُ) أي جعلت بمنزلة أرض سهلة لينة بعد أن كانت ذات جبال وأكام. ومنه الدّكّان. والدّكداك : الرملة اللينة. وأرض دكّاء مسوّاة ، وشبهت بها الناقة التي لا سنام لها ؛ فقيل : ناقة دكّاء ، وجمعها دكّ.

فصل الدال واللام

د ل ك :

قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)(٧) الدلوك : الزوال ، وهو ميلها عن الاستواء إلى الغروب قال الراغب : وهو من قولهم : دلكت الشمس : دفعتها بالرّاح (٨).

__________________

(١) ٢١ الفجر : ٨٩.

(٢) ١٠٧ طه : ٢٠. عوجا : مكانا منخفضا. أمتا : مكانا مرتفعا.

(٣) شبّهوها بالأرض الدكّاء.

(٤) تابع الآية الأولى.

(٥) ١٤٣ الأعراف : ٧.

(٦) قال الأخفش ، «دكا» بالتنوين : كأنه قال : دكّه دكا مصدر مؤكد ، ويجوز جعله أرضا ذا دكّ. ومن قرأها «دكاء» ممدودا أراد جعله : مثل دكاء ، وحذف مثل ، قال أبو العباس : ولا حاجة به إلى مثل وإنما المعنى : جعل الجبل أرضا دكاء (وانظر اللسان ـ مادة دكك).

(٧) ٧٨ الإسراء : ١٧.

(٨) أي مالت للزوال حتى كاد الناظر يحتاج إذا تبصّرها أن يكسر الشعاع عن بصره براحته.

١٥

ومنه دلكت الشيء في الراحة (١). ودالكت (٢) الرجل : ماطلته. ومنه حديث الحسن ، سئل «أيدالك الرجل أهله؟» (٣) أي يماطلهم بالمهر. وكلّ مماطل : مدالك.

والدّلوك : ما دلكته من طيب. وفي حديث عمر كتب إلى خالد أنه «بلغني أنه أعدّ لك دلوك ـ يعني ـ عجن بتمر» (٤). والدّليك : طعام يتّخذ من الزّبد والتّمر لأنّه يدلك باليد كقولهم : لبكته ؛ قال الشاعر (٥) : [من الوافر]

إلى ردح من الشّيزى ملاء

لباب البرّ يلبك بالشّهاد

وعن ابن عباس : دلوكها ـ يعني الشمس ـ زوالها وقت الأولى (٦) في هذه الآية. والدّلك : العشيّ (٧) ، قاله ثعلب. وأنشد لذي الرّمة (٨) : [من الرجز]

وقد أرتنا حسنها ذات المسك

تعرّض الجوزاء في جنح الدّلك

د ل ل :

قوله تعالى : (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ)(٩) أي عرّفهم. وأصل الدّلالة : ما يتوصّل به إلى معرفة الشيء كدلالة اللفظ على معناه وكدلالة الإشارة والرّمز والكتابة والعقود في الحساب. وسواء في ذلك قصد الدّلالة من فاعلها أو (١٠) لا. ومنه (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ) لأنّ الأرضة لم تقصد ذلك ، ويرى الواحد حركة آخر فيستدلّ على حياته.

__________________

(١) المفردات : ١٧١.

(٢) وفي الأصل : ودلكت ... أيدلك.

(٣) النهاية : ٢ ١٣٠.

(٤) النهاية : ٢ ١٣٠.

(٥) هو أمية بن أبي الصلت ، والبيت من قصيدة في مدح عبد الله بن جدعان (الديوان : ٢٧) ، وأنظر اللسان (مادة لبك). أي لباب البر ؛ يعني الفالوذج.

(٦) أي وقت الظهر.

(٧) كذا في س ، وفي ح : العيش.

(٨) غير مذكور في الديوان بطبعتيه. وشاهد ثعلب مخالف (مجالس ثعلب : ٣٠٨).

(٩) ١٤ سبأ : ٣٤.

(١٠) وفي الأصل : أم.

١٦

والدّالّ : من حصل [منه](١) الدلالة ؛ ويقال له دليل أيضا (٢) والدّليل : ما به الدّلالة ونفس الدلالة أيضا. وقد تطلق الدّلالة أيضا على الدالّ. والدلالة في الأصل مصدر وفي دالها الفتح والكسر كالولاية والأمارة.

وفي الحديث : «يخرجون ـ يعني أصحابه عليه الصلاة والسّلام ـ من عنده أدلة» (٣) جمع دليل نحو : شحيح وأشحة ، يعني يدلّون عليه غيرهم.

والدّلّ : حسن الهيئة والحديث. ومنه : «يعجبني دلّها» (٤). ومنه : هي تدلّ عليه أي تتجرّأ (٥) عليه بسبب دلّها. وتدلّلت عليه تتدلّل. ولفلان عليك دالّة وتدلّل وإدلال ودلال فهو مدلّ ، من ذلك (٦).

د ل و :

قوله تعالى : (فَأَدْلى دَلْوَهُ)(٧) أي أرسل الدلو. يقال : أدلى الدلو أي أرسلها فدلّاها أي أخرجها ملأى. وقال الراغب (٨) : دلوت الدلو إذا أرسلتها. وأدليتها : أخرجتها. وقيل : يكون بمعنى أرسلتها. واستعير للتوصّل (٩) إلى الشيء. قال الشاعر (١٠) : [من الوافر]

وليس الرّزق عن طلب حثيث

ولكن ألق دلوك في الدّلاء

__________________

(١) إضافة المحقق.

(٢) على المبالغة مثل : عالم وعليم ، وقادر وقدير.

(٣) النهاية : ٢ ١٣٠ ، أي يخرجون من عنده فقهاء.

(٤) من حديث سعد في النهاية : ٢ ١٣١ ، وفيه وفي اللسان (مادة دلل) : أعجبني.

(٥) وفي الأصل : تجري.

(٦) جاء في هامش ح : «الفرق بين الدلالة والكسر أن الإنسان إذا كان له اختيار في معنى الدلالة فإنه يكون بالفتح ، وإذا لم يكن له اختيار فيه فإنه يكون بالكسر ، ومثاله إذا قلت : دلالة الخير لزيد بالفتح ، أي له اختيار في الدلالة على الخير. وإذا قلت بالكسر أي الخير قد صار سجية لزيد ، فيصدر منه كيف كان. كذا ذكره الأخفش. من خط ابن الختائي».

(٧) ١٩ يوسف : ١٢.

(٨) المفردات : ١٧١.

(٩) في الأصل : إلى التوصل.

(١٠) من شواهد الراغب في المفردات : ١٧١. وفي الأصل : من طلب.

١٧

وبهذا النحو : سمّي الوسيلة المائح. قال الشاعر (١) : [من الطويل]

ولي مائح قد يورد الناس قبله

معلّ وأشطان الطّويّ كثير

والدّلو العظيمة يقال لها : ذنوب إذا كانت ملأى ويقال لها : غرب أيضا ، ويعبّر بها عن النّصيب كقوله تعالى : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً)(٢). ويجمع على أدل في القلّة ودليّ في الكثرة والأصل : أدلو ودلوّ ؛ فأعلّ كما ترى. ويجوز في دال دليّ الضمّ والكسر نحو عصّي.

قوله : (فَدَلَّاهُما)(٣) أي أهبطهما من السّماء إلى الأرض وأطمعهما. قال الأزهريّ : أصله أن يتدلّى الرجل في البئر ليروى من عطشه فلا يجد فيها ماء ، فهذا تدلّيه بغرور أي بخديعة ، ثم جعل هذا مثلا في الدّنوّ من كلّ شيء لا يجدي نفعا. وقيل : قرّبهما من المعصية بغرور إيّاهما. وقيل : الأصل فدلّلهما ، من الدّالّ (٤) والدّالّة : وهو الجرأة من تدلّل المرأة كما تقدّم قاله الهروي. قلت : فأبدلت اللام الأخيرة حرف علّة لتوالي الأمثال نحو : تطيّبت ودسّاها كما مرّ.

قوله : (فَتَدَلَّى)(٥) أي قرب. والتّدلّي والدّنّو متقاربان إلا أنّ التّدلّي من علوّ إلى سفل ، والدّنوّ أعمّ. فمن جمع بينهما في قوله : (دَنا فَتَدَلَّى) فالمراد جبريل. قوله : (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ)(٦) أي تقطعوها ، وعبّر عنها بالإدلاء تشبها بإرسال الدّلو. وحذف النون يجوز أن يكون لكونه مجزوما عطف على النّهي ، أي ولا تدلوا. أو منصوبا بعد واو مع جوابه أي لا تجمعوا بين هذا وهذا ، وقد حقّقناه في غير هذا. والمعنى لا تعطوا الحكام الرشوة ليغيّروا حكم الله فإنّ حكمهم لا يحرّم حلالا ولا يحلّل حراما. وقال عمر في استسقائه : «وقد دلونا به» (٧) أي بالعباس ، أي توسّلنا وهتفنا ، وهو من الدّلو (٨). وفي

__________________

(١) من شواهد الراغب في المفردات : ١٧١ ، ومقاييس اللغة : ٤ ١١٩ (وفيه : يورد الماء) ومذكور في الحيوان : ٤ ٣٩١ ومجالس ثعلب : ٥٩٢. وهو للشاعر العجير.

(٢) ٥٩ الذاريات : ٥١.

(٣) ٢٢ الأعراف : ٧.

(٤) في الأصل : الدلال ، والتصويب من اللسان.

(٥) ٨ النجم : ٥٣.

(٦) ١٨٨ البقرة : ٢.

(٧) من حديث الاستسقاء ، النهاية : ٢ ١٣٢.

(٨) الدلو هنا : السّوق الخفيف.

١٨

الحديث : «الدّوالي» (١) هي جمع دالية وهي قنو البسر يعلّق في البيت. والأصل : دالوت ودلوت الدابة.

قال الشاعر (٢) : [من الرجز].

لا تنزعاها وادلواها دلوا

إنّ مع اليوم أخاه غدوا

فصل الدال والميم

د م ر :

قوله تعالى : (وَدَمَّرْنا)(٣) أي أهلكنا. وأصل التّدمير إدخال الهلاك على المهلك. يقال : دمر القوم يدمرون دمورا ودمارا أي هلكوا بدخول الهلاك عليهم. يقال : دمر أي دخل ، ومنه الحديث : «من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد دمر» (٤) أي دخل. ودمر ودمق واحد ، والتضعيف فيه للتّعدية ؛ قوله : (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ)(٥) مفعوله مقدّر أي دمّر عليهم بلادهم وأهليهم.

د م ع :

قوله تعالى : (أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ)(٦) ما يسيل من الماء من العين عند بكاء أو حزن أو نحو ذلك. وقد بينّا فائدة قوله : (مِنَ الدَّمْعِ) ، ولم يقل : يفيض دمعها ، في غير هذا الموضوع. والدمع أيضا مصدر دمعت عينه تدمع دمعا ودمعانا. والدّامعة أيضا شجّة

__________________

(١) تمام الحديث : وفي حديث أم المنذر «قالت : دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه علي وهو ناقة ، ولنا دوال معلّقة» (النهاية : ٢ ١٤١ ، في مادة دول).

(٢) البيت من اللسان ـ مادة دلا. وفيه : لا تقلواها.

(٣) ١٣٧ الأعراف : ٧.

(٤) في الأصل الحديث ناقص بعض الكلمات أكملناه من النهاية : ٢ ١٣٢.

(٥) ١٠ محمد : ٤٧.

(٦) ٨٣ المائدة : ٥.

١٩

يسيل [منها](١) دم قليل تشبيها بذلك. والجمع أدمع في القلّة ، ودموع في الكثرة. والمدمع : مكان الدمع ، ويكون مصدرا أيضا كالمضرب والمقتل ، والجمع مدامع. وثرى دامع : ند (٢). ودمّاع الكرم : ما يجري منه عند قطعه.

د م غ :

قوله تعالى : (فَيَدْمَغُهُ)(٣) أي فيبطله. وأصله من : دمغت الرجل أدمغه أي كسرت دماغه : أصبته ، نحو ركبته وفأدته أي ضربت ركبته وفؤاده ، فاستعير لذلك لإبطال الحقّ الباطل ، ومنه : حجّته دامغة أي تكسر دماغ مخالفها. ومنه : الشجّة الدامغة وهي التي تبلغ الدماغ. فالشجّة دامعة ودامغة ـ بالمهملة والمعجمة كما تقدم ـ. وقال علي رضي الله عنه في صفته عليه الصلاة والسّلام : «دامغ جيشات الأباطيل» (٤). يقال : دمغه يدمغه دمغا.

د م د م :

قوله تعالى : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ)(٥) أي أطبق عليهم العذاب. وأصله دمّم بثلاث ميمات ، فأبدل الوسطى من جنس الفاء نحو كفكف ولملم ، الأصل كفّف ولمّم ، وهذا رأي الكوفيين. يقال دممت على الشيء : أطبقت عليه. ودممت العزّ. فإذا كرّرت الإطباق قلت : دمدمت عليه. وناقة مدمومة : ألبسها الشحم ، وبعير مدموم بالشحم. والدّمام : ما يطلى به. والدّممة : جحر اليربوع (٦). وقيل : الدّمدمة : الإهلاك والإزعاج. وقيل : حكاية صوت الهرّة (٧) التي أخذتهم. ومنه دمدم في كلامه ، ودمدمت الثوب. ودممته : طليته بصبغ.

__________________

(١) إضافة المحقق ، وفي الأصل : قليل دم.

(٢) وأضاف ابن منظور : دموع ودماع.

(٣) ١٨ الأنبياء : ٢١.

(٤) النهاية : ٢ ١٣٣ ، والمعنى : يهلكها.

(٥) ١٤ الشمس : ٩١.

(٦) قال ابن منظور : الدّممة والدّامّاء : تراب يجمعه اليربوع ويخرجه من الجحر. وذكر عددا من أسماء جحره ، لم يذكر منها الدممة (مادة دمم) ، لكن الراغب يؤيد المؤلف.

(٧) وفي المفردات (١٧١) : الهرّة.

٢٠