تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٥

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٥

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥١٩

والثاني : تشهد على نعم الله إليه فيدعوه إلى الشكر له فيما أنعم [الله](١) عليه.

وأما الوجه الذي تدعو خلقته فيما بينه وبين الناس : فهو (٢) ما ترغب نفسه في كل محاسن ومرغوب فيه ، وتنفر نفسه عن كل أذى وسوء ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعامل الخلق بما ترغب نفسه وتطمع في المحاسن ، وتنفر عنه وتكره ، يفعل إليهم في كل ما ترغب نفسه فيه وتطمع ، ويمتنع عن كل أذى وسوء ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ).

قال بعضهم : النزغة هي أدنى أفعال المعصية ؛ وكذلك فسره ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول : إذا أذنبت ذنبا فاستعذ بالله.

وقال القتبي (٣) : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي : يستخفنك ، ويقال : نزغ شيئا : إذا أفسده.

وقال أبو عوسجة : النزغ : التحريك للفساد.

وقال بعضهم (٤) : قوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي : يوسوسك الشيطان وسوسة فاستعذ بالله.

ثم في الاستعاذة وجهان :

أحدهما : أمره بالفزع إلى الله عند ما يوسوسه الشيطان والالتجاء إليه ؛ لما رأى نفسه عاجزة عن دفع ما يوسوس إليه ، ورد ما يكون ؛ فهو الدافع عنه ذلك وهو الراد.

وقال الخليل : أعوذ بالله ، أي : ألجأ إلى الله ـ تعالى ـ وكذلك قوله : أستعيذ (٥) بالله ، ومعاذ الله معناه : أعوذ بالله ، ومنه الإعاذة والتعوذ والتعويذ.

وقال غيره : أعوذ بالله ، أي : أمتنع بالله.

وقيل : أعوذ بالله ، أي : أتحصن بالله.

وقيل : الاستعاذة : هي (٦) الاستغاثة بالله ؛ لدفع ما اعترض له من الشيطان.

وكله قريب بعضه من بعض.

ثم الحكمة فيما جعل عدوهم من غير جنسهم من حيث لا يرونه ويراهم وجهان :

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : هو.

(٣) ذكره بمعناه ابن جرير (٦ / ١٥٥) وكذا الرازي (١٥ / ٧٩).

(٤) ذكره البغوي في تفسيره بنحوه (٢ / ٢٢٤) وكذا أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٤٤٥).

(٥) في أ : استعذ.

(٦) في ب : هو.

١٢١

أحدهما : ليكونوا أبدا على التيقظ والانتباه ، غير غافلين عنه.

والثاني : ليكونوا أبدا فزعين إلى الله ـ تعالى ـ متضرعين إليه ، مبتهلين ؛ ليكون هو الحافظ لهم ، والدافع عنهم شره ووسواسه.

وفيما أمر بالفزع إلى الله والاستعاذة به عند نزغ الشيطان نقض على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : قد أعطاهم جميع ما يدفعون به وساوسه ونزغاته ، حتى لم يبق عنده شيء يعيذه ؛ فعلى قولهم يخرج طلب الإعاذة مخرج كتمان النعمة ، أو مخرج الهزء به ؛ [أما الهزء به](١) لأنه يسأله ما يعلم أنه ليس ذلك عنده.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ).

وقرئ : طيف من الشيطان ؛ فمن قرأ : (٢) طيف قال : [أي] اللمة [و] الخطرة

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي : طيف ، والباقون طائف بزنة فاعل.

ينظر السبعة (٣٠١) ، والحجة (٤ / ١٢٠) ، وحجة القراءات (٣٠٥) ، وإعراب القراءات (١ / ٢١٧) ، وإتحاف الفضلاء (٢ / ٧٣).

فأما قراءة طيف ففيها ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مصدر من طاف يطيف ك : باع يبيع وأنشد أبو عبيدة :

أنى ألم بك الخيال يطيف

ومطافه لك ذكرة وشغوف

والثاني : أنه مخفف من فيعل والأصل : طيف بتشديد الياء فحذف عين الكلمة ، كقولهم في : ميّت ميت ، وفي ليّن لين ، وفي : هيّن هين.

ثم «طيف» الذي هو الأصل يحتمل أن يكون من : طاف يطيف ، أو من : طاف يطوف والأصل : طيوف فقلب وأدغم.

وهذا قول ابن الأنباري ويشهد لقول ابن الأنباري قراءة سعيد بن جبير طيف بتشديد الياء.

والثالث : أن أصله طوف من طاف يطوف ، فقلبت الواو ياء.

قال أبو البقاء : قلبت الواو ياء وإن كانت ساكنة كما قلبت في أيد وهو بعيد.

قال شهاب الدين : وقد قالوا أيضا في حول حيل : ، ولكن هذا من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه.

وقوله : وإن كانت ساكنة ليس ذا مقتضيا لمنع قلبها ياء ، بل كان ينبغي أن يقال : وإن كان ما قبلها غير مكسور. وأما طائف فاسم فاعل يحتمل أن يكون من : طاف يطوف ، فيكون ك : قائم وقائل.

وأن يكون من : طاف يطيف ، فيكون ك : بائع ومائل وزعم بعضهم أن : طيفا وطائفا بمعنى واحد ويعزى للفراء ، فيحتمل أن يرد طائفا ل : طيف فيجعلهما مصدرين ، وقد جاء فاعل مصدرا ، كقولهم : أقائما وقد قعد الناس وأن يرد طيفا ل : طائف أي : فيجعله وصفا على فعل.

وقال الفارسي : الطيف كالخطرة ، والطائف كالخاطر ففرق بينهما ، وقال الكسائي الطيف : اللمم ، والطائف : ما طاف حول الإنسان.

قال ابن عطية : وكيف هذا ، وقد قال الأعشى :

وتصبح من غب السرى وكأنها

ألم بها من طائف الجن أولق

قال ابن عادل : ولا أدري ما تعجبه؟ وكأنه أخذ قوله ما طاف حول الإنسان مقيدا بالإنسان وهذا ـ

١٢٢

[و] الشيء يغشيك.

وقال : وأما الطائف فهو من الطواف (١).

وقيل (٢) : الطيف : الوسوسة.

وقيل (٣) : ما يأتيك من الشيطان.

وقيل (٤) : الطائف والطيف سواء.

وعن ابن عباس (٥) : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) قال : إذا أذنبوا ذنبا (تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) يقول : تذكروا ذنوبهم فتابوا منها ، وكذلك قال في قوله : (يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) : هو أدنى ذنب يرتكبه ، فإن (٦) كان على هذا فهو يخرج على النهي عن ذلك ، فهو كالمخاطبات التي خاطب بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كقوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] ، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) [الأنعام : ٣٥] ، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [البقرة : ١٤٧] ، وإن كان يعلم أنه لا يشك ولا يجهل ولا يشرك غيره في أمره ؛ فعلى ذلك هذا الخطاب الذي خاطبه بقوله : (يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ).

وإن كان ما ذكر هو من أدنى ذنب يرتكبه ، فهو يخرج ذلك على تعليمه أمته أن كيف يفعلون إذا اعترض لهم ذلك ، والله أعلم.

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ).

__________________

ـ قد جعله طائفا بالناقة ، وهي سقطة ؛ لأن الكسائي إنما قاله اتفاقا لا تقييدا.

وقال أبو زيد الأنصاري : طاف : أقبل وأدبر ، يطوف طوفا ، وطوافا ، وأطاف يطيف إطافة ، استدار القوم من نواحيهم ، وطاف الخيال ، ألم يطيف طيفا ، فقد فرق بين ذي الواو ، وذي الياء ، فخصص كل مادة بمعنى ، وفرق أيضا بين فعل وأفعل كما رأيت.

ينظر : اللباب (٩ / ٤٣٣ ، ٤٣٤) والدر المصون (٣ / ٣٨٨) ، والحجة (٤ / ١٢١).

(١) ذكره بمعناه ابن جرير (٦ / ١٥٦) ، وبمثله ذكره الرازي (١٥ / ٨١).

(٢) ذكره الرازي في تفسيره (١٥ / ٨١) وكذا أبو حيان في البحر (٤ / ٤٤٦) والبغوي في تفسيره (٢ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥).

(٣) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ١٥٧) (١٥٥٧١ ، ١٥٥٧٢) عن ابن عباس وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٨٤) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس.

(٤) ذكره ابن جرير في تفسيره (٦ / ١٥٦) والبغوي في تفسيره (٢ / ٢٢٤) والسيوطي في الدر (٣ / ٢٨٤) وعزاه لعبد بن حميد عن إبراهيم ويحيى بن وثاب.

(٥) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٤٤٦) ونسبه بمعناه لابن الزبير والسدي ومجاهد.

وكذا البغوي في تفسيره (٢ / ٢٢٥).

(٦) في أ : وإن.

١٢٣

[يحتمل أن يكون قوله](١) : (اتَّقَوْا) مكائد الشيطان ؛ إذا أصابهم شيء من ذلك تذكروا ذلك ، فعرفوا أنه من الشيطان ، (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) أي : أبصروا أنه من الشيطان.

أو أن يقال : أي : هم من أهل البصر يبصرون عما اتقوا به أنه من الشيطان.

ويحتمل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) المعاصي ، إذا أصابتهم وسوسة من الشيطان تذكروا ذلك.

وقال بعض أهل التأويل : قوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي : اتقوا الشرك ، لكن لا كل من اتقى الشرك يكون كما ذكر.

وقوله : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا ...) الآية.

يحتمل وجوها :

أحدها : إذا مسهم ذلك تابوا عما كان منهم ؛ كقوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ...) الآية [آل عمران : ١٣٥].

والثاني : (تَذَكَّرُوا) وجوه حيل دفع وساوسه.

والثالث : (تَذَكَّرُوا) استعاذوا به حيث أمرهم بالاستعاذة به عند النزغة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ).

قال بعض أهل التأويل : قوله : (وَإِخْوانُهُمْ) يعني : إخوان الكفار الشياطين ، (يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) قالوا : في الشرك والمعصية ، (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) ، عنها ؛ أي : لا ينتهون عنها ، ولا يبصرونها كما أبصر الذين اتقوا عنها حين أبصروها.

ويحتمل أن يكون قوله : (وَإِخْوانُهُمْ) يعني : أصحاب الذين اتقوا ، وهم شياطينهم من الإنس يدعونهم إلى دينهم ، لكنهم لا يجيبونهم ولا يطيعونهم فيما يدعون إليه ؛ إذ يجوز أن يكون لكل مؤمن شيطان من الإنس وشيطان من الجن ؛ كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] فقد دعا أولئك شياطين الجن فتذكروا فلم يجيبوهم ، ثم دعاهم شياطين الإنس ـ أيضا ـ فلا يجيبونهم ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٠٣)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها).

ظاهر الآية في سؤال أهل الكفر رسول الله الآية أنهم كانوا إذا أتى لهم بآية استهزءوا

__________________

(١) في ب : يحتمل قوله.

١٢٤

بها وتعنتوا ، وإذا لم يأتهم بها سألوه الآية سؤال المستهزئين المتعنتين ، وإذا لم يأتهم بها قالوا : (لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) : لو لا ابتدعتها وأحدثتها وأنشأتها ، وهلا أنشأتها من قبل نفسك ، فقال : (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) أي : لا أفتعلها ، ولا أنشئها من نفسي ، إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي.

وأمكن أن يكون سؤال الآية من المؤمنين ؛ فإن كان منهم فهو سؤال الاسترشاد ؛ لما يزداد لهم بكل آية تنزل عليهم يقينا وقوة في دينهم ؛ كقوله : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ...) الآية [التوبة : ١٢٤] ، (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً) الآية [التوبة : ١٢٥] ، وكقوله : (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ ...) الآية [محمد : ٢٠] ، فإذا كان السؤال من المؤمنين فهو سؤال الاسترشاد وطلب زيادة الهدى ، وإن كان من الكفار فهو سؤال الاستهزاء والتعنت ، ثم أخبر أنه لا يتبع إلا ما يوحى إليه ، ثم أخبر أنه (بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ).

قيل (١) : بيان ، أي : هذا القرآن [بيان](٢) من ربكم يبصر به من لم يعاند ولم يكابر عقله كلّ ما له وما عليه ، وأنه البيان من الحق والباطل ، وهدى من الضلالة (وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي : ورحمة من العذاب.

قوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)(٢٠٦)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ...) الآية.

أمر الله ـ تعالى ـ بالاستماع إلى هذا القرآن والإنصات له إذا قرئ ، وإن كان في العقل أن من خاطب آخر بمخاطبات (٣) يلزمه الاستماع إلى ما يخاطبه ويشافهه ، فالله ـ سبحانه ـ إذا خاطب بخطاب أولى أن يستمع له مع ما ذكر في غير موضع من القرآن آيات ما يوجب في العقل الاستماع إليه ؛ كقوله : (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) ، وقوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ٣] وغير ذلك من الآيات ، ولا سبيل إلى أن يعرف أنه بصائر ، وأنه هدى وما ذكر إلا بالاستماع إليه والتفكر فيه ؛ فدل أن الاستماع لازم في العقل من له أدنى عقل ؛ على ما ذكرنا من المخاطبات ، لكنه ذكر ـ

__________________

(١) ذكره البغوي (٢ / ٢٢٥) ، وأبو حيان في البحر (٤ / ٤٤٨).

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : بخطابات.

١٢٥

هاهنا ـ الاستماع إليه ـ والله أعلم ـ لوجهين :

أحدهما : مقابل ما كانوا يقولون : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] أمر ـ عزوجل ـ المؤمنين بالاستماع إليه مكان قولهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) [فصلت : ٢٦] ، وأمر بالإنصات (١) مكان ما يقولون : (وَالْغَوْا فِيهِ).

والثاني : يجوز أن يكون أمر بالاستماع إليه في الصلاة ؛ على ما قال بعض أهل التأويل أنه في الصلاة.

وقال بعضهم (٢) : في حال الخطبة ؛ لما يسبق إلى أوهامهم أنه لما اشتغلوا بغيرها من العبادات ولزموا أنواع القرب أن يسقط عنهم حق الاستماع ، فأمر بالاستماع إليه ، والإنصات له ؛ ليعلموا أن حق الاستماع لازم في كل حال.

ثم الاستماع إليه يكون لتفهم ما أودع فيه من الأمر والنهي ، والوعد ، والوعيد ، وغيره ، والإنصات للتعظيم والتبجيل.

ثم الاستماع له لم يلزم لنفس التلاوة ، ولكن إنما يلزم لما أودع فيه من الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، وغيره ؛ ليفهموا ما فيه ، ويقبلوه ، ويقوموا بوفاء ذلك ، وأمّا سائر الأذكار إنما صارت (٣) عبادة لنفسها ؛ لذلك لم يلزم الاستماع إلى سائر الأذكار ، ولزم لتلاوة القرآن.

ولأن القرآن كلام الله وكتابه ، ومن الجفاء والاستخفاف أن يكتب إنسان إلى أخيه كتابا لا ينظر فيه ولا يستمع له ؛ فترك الاستماع إلى كتاب الله أعظم في الجفاء والاستخفاف.

__________________

(١) وهو السكوت ونصت وأنصت بمعنى واحد. ويكون نصت متعديا. وفي حديث طلحة «أنصتوني» يقال : أنصته وأنصت له ، نحو : نصحته ونصحت له ؛ قاله الهروي ، وقال الراغب : الإنصات : الاستماع إلى الصوت مع ترك الكلام.

الفرق بين الصمت والسكوت :

قال الراغب : الصمت أبلغ ؛ لأنه قد يستعمل فيما لا قوة فيه للنطق ، ولهذا قيل لمن لم يكن له نطق : صامت ، والسكوت لمن له نطق ، والإنصات سكوت مع استماع ، والإصاخة الاستماع إلى ما يصعب استماعه وإدراكه كالصوت من مكان بعيد ا. ه.

وقال «الحلبي» : بين الإنصات والاستماع عموم وخصوص من وجه ؛ لأن الإنصات السكوت ، سواء كان مع استماع أم لا ، والاستماع شغل السمع بالسماع ، سواء كان معه سكوت أو لا.

ينظر : عمدة الحفاظ (٤ / ٢٠٩ ، ٢١٠) والنهاية (٥ / ٦٣).

(٢) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٦٤) (١٥٦٢٠ ، ١٥٦٢١) عن مجاهد وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٨٧) وعزاه لعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ عن مجاهد.

(٣) في ب : إنما صار.

١٢٦

ولأن القرآن يجهر به ، وسائر الأذكار لا تجهر ، فإن كانت تجهر فيستمع لها كما يستمع إلى القرآن ، والله أعلم.

وذكر في بعض القصة أن الآية نزلت في الصلاة ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قرأ في صلاته كانوا يقولون مثل [ما قال](١) ، فنزلت الآية بالنهي عن ذلك ، والأمر بالاستماع إليه والإنصات له.

وذكر أنهم كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار ؛ فنزلت الآية لذلك ، فلا ندري كيف كانت القصة؟ وفيم كانت؟ وقد يحتمل ما ذكرنا آنفا.

ثم إن كانت الآية في الصلاة ففيه دلالة النهي عن القراءة خلف الإمام (٢) ؛ لأنه أمر بالاستماع إليه والإنصات له ، وعلى ذلك جاءت الأخبار ؛ روي عن أبي العالية (٣) قال : كان نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا صلى قرأ أصحابه أجمعون خلفه ، حتى نزل : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) فسكتوا (٤).

وعن علباء بن أحمر (٥) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ في صلاة الفجر «الواقعة» ، وقرأها رجل خلفه ، فلما فرغ من الصلاة قال : «من الذي ينازعني في هذه السورة» فقال رجل : أنا يا رسول الله ؛ فأنزل الله : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)(٦) وغير ذلك من الأخبار.

فقال قوم : إن الإنصات الذي أمر به المؤتم معناه ألا يجهر بقراءته ، وليس فيه نهي أن يقرأ في نفسه.

__________________

(١) في أ : ذلك.

(٢) ينظر المبسوط (١ / ١٩٩) ، بدائع الصنائع (١ / ١١١).

(٣) رفيع بضم أوله مصغرا ابن مهران الرياحي بكسر المهملة مولاهم أبو العالية البصري مخضرم إمام من الأئمة ، صلى خلف عمر ، ودخل على أبي بكر وعلي وحذيفة ، وخلق كثير. وعنه قتادة وثابت وداود بن أبي هند بصريون وخلق. قال عاصم الأحول : كان إذا اجتمع عليه أكثر من أربعة قام وتركهم. قال مغيرة : أول من أذّن بما وراء النهر أبو العالية. قال أبو خلدة : مات سنة تسعين وهو الصحيح.

ينظر : الخلاصة (١ / ٣٣٠ ، ٣٣١) ، تهذيب الكمال (١ / ٤١٦) ، تهذيب التهذيب (٣ / ٢٨٤) ، تقريب التهذيب (١ / ٢٥٢) ، الكاشف (١ / ٣١٢) ، تاريخ البخاري الكبير (٣ / ٣٢٦).

(٤) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٨٦) وعزاه لعبد بن حميد وأبي الشيخ عن أبي العالية.

(٥) علباء بن أحمر اليشكري عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري وعن عكرمة. وعنه عزرة بن ثابت وحسين بن واقد. وثقه ابن معين.

ينظر : تهذيب الكمال (٢ / ٩٥٣) ، تهذيب التهذيب (٧ / ٢٧٣) (٤٧٦) ، تقريب التهذيب (٢ / ٣٠) ، خلاصة تهذيب الكمال (٢ / ٢٤٠) ، الكاشف (٢ / ٢٧٦) ، تاريخ البخاري الكبير (٧ / ٧٨).

(٦) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٦١) (١٥٥٩٤) عن الزهري بنحوه.

وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٨٦) وعزاه لابن جرير عن الزهري.

١٢٧

وزعم بعضهم أن القارئ خفيّا يسمى ناصتا [ومنصتا](١) ، واستدل بما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ [قال كان](٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كبر سكت بين التكبير والقراءة ، قلت : بأبي أنت ، أرأيت سكاتك بين التكبير والقراءة ، أخبرني ما تقول؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المغرب والمشرق» (٣) وغير ذلك من الدعوات ، فقال هذا القائل : قد سمى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القارئ مخفيا ساكتا ، والصامت مثل الساكت ، فيجوز أن يسمي صامتا ، وهو أن يقرأ مخفيا ، كما يسمى ساكتا.

قال القتبي : غلط هذا القائل في تشبيه الصامت بالساكت ؛ لأن الأسماء لا تقاس ، وإنما يطلق في كل واحد منهما ما أطلقته اللغة فيه.

ومما يبين غلطه أن الله يقول : (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) ، فلو كان القارئ مخفيا يسمى صامتا ناصتا ما كان مستمعا ، وإنما يكون مستمعا صامتا إذا صمت فلم يقرأ ؛ فمن أطلق له أن يقرأ والإمام يقرأ فلم يستمع ، ولا أنصت.

ومما يدل على غلطه ـ أيضا ـ أن العلماء جميعا ينهون المؤتم عن القراءة وإمامه يجهر بالقراءة ، وإنما يأمر من يأمره بالقراءة خلف الإمام أن يقرأ إذا سكت إمامه ، ويأمر هؤلاء الإمام أن يقف ساعة إذا فرغ من قراءته حتى يقرأ المؤتمون ، فلو كانوا يجعلون القارئ في نفسه والإمام يقرأ جهرا صامتا ما أمروه بتأخير القراءة حتى يفرغ إمامه من القراءة ؛ فهذا يبين غلط المستدل بحديث أبي هريرة في استدلاله.

ومما يدل على أن المؤتم منهي عن أن يقرأ والإمام يجهر ما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى بهم صلاة ـ فظن أنها الصبح ـ فلما سلم أقبل على الناس ، قال : «هل يقرأ أحد منكم؟! فقال رجل : أنا ، فقال النبي : «إني أقول : ما لي أنازع القرآن» قال أبو هريرة : فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه النبي (٤) صلى الله عليه

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : أن.

(٣) أخرجه البخاري (٢ / ٢٢٧) كتاب الأذان باب ما يقول بعد التكبير (٧٤٤) ، ومسلم (١ / ٤١٩) كتاب المساجد : باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة (١٤٧ / ٥٩٨) ، وأبو داود (١ / ٢٠٥) كتاب الصلاة : باب السكتة عند الافتتاح (٧٨١) والنسائى في السنن (٢ / ١٢٩) كتاب الافتتاح باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة.

(٤) أخرجه أبو داود (١ / ٢١٨) كتاب الصلاة : باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب (٨٢٦) ، والترمذي (٢ / ١١٨) أبواب الصلاة ، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام (٣١٢) ، والنسائي (٢ / ١٤٠) ، وأحمد (٢ / ٢٤٠) ، ومالك في الموطأ (١ / ٨٦ ـ ٨٧).

١٢٨

وسلم.

فقال قوم : إن أبا هريرة قال : انتهى الناس عن القراءة خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما جهر فيه.

فيقال : إن أبا هريرة لم يرو ذلك عن النبي.

ثم مما يدل [على](١) أن المؤتم لا يقرأ جهر الإمام أو خافت قول النبي : «ما لي أنازع القرآن؟» وقد علمنا أن المؤتم لم يجهر بقراءته ؛ فيتأول متأول منازعته النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أنه شغله ؛ فلا وجه لقوله : «ما لي أنازع القرآن؟» إلا بنهيه المؤتم عن أن يقرأ ، جهر إمامه أو خافت.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يبين النهي عن القراءة خلف الإمام فيما [يجهر فيه أو يخافت](٢) : ما روي عن عمران أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى بأصحابه الظهر ، فلما قضى صلاته قال : «أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟» فقال بعض الناس : أنا يا رسول الله ، فقال : «قد عرفت أن بعضكم خالجنيها» (٣).

فبين عمران بن حصين أن الرجل خافت بقراءته ؛ دل أن النهي الذي رواه أبو هريرة لم يكن في حال جهر الإمام دون مخافتته ، وأن المؤتم منهي عن القراءة خلف الإمام في كل الصلوات.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنهي عن القراءة خلف الإمام أحاديث كثيرة [منها :] ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمران بن حصين عنه ، وما روي عن عبد الله : كنا نقرأ خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال [رسول الله](٤) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلطتم على القرآن» (٥).

فإن قيل : لعلهم كانوا يجهرون بالقرآن ، فنهى عن الجهر.

قيل له : لم ينقل [لنا](٦) في شيء من الأخبار أن المؤتمين كانوا يقرءون جهرا ، ولو كانوا يقرءون جاهرين ، لأدّي ذلك إلينا كما أدّي أنهم كانوا يقرءون.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : جهر فيه أو خافت.

(٣) أخرجه مسلم (١ / ٢٩٨) كتاب الصلاة باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة وأحمد في المسند (٤ / ٢٦).

(٤) في ب : النبي.

(٥) أخرجه أحمد في المسند (١ / ٤٥١) ، والدارقطني في سننه (١ / ٣٤١) عن عبد الله بن مسعود.

وذكره الهيثمى في مجمع الزوائد (٢ / ١١٢) وعزاه لأحمد عن ابن مسعود.

(٦) سقط في ب.

١٢٩

وفي ذلك وجه آخر : أنه لم يكن النهي عن الجهر خاصة ، ولكن للقراءة نفسها (١) ما روي عن أبي وائل (٢) قال : سألت عبد الله ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام ، فقال : أنصت ، فإن في الصلاة شغلا ، وسيكفيك ذلك الإمام.

وعن عبد الله بن شداد (٣) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» (٤).

وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى ورجل خلفه يقرأ ، فنهاه رجل من أصحاب النبي عن القراءة في الصلاة ، فتنازعا فيه ، حتى ذكر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة» (٥).

وعن أبي موسى ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «وإذا قرأ الإمام فأنصتوا» (٦).

وروي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر

__________________

(١) في ب : نفسه.

(٢) شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي ، أحد سادة التابعين مخضرم ، عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاذ بن جبل وطائفة. وعنه الشعبي ، وعمرو بن مرة ومغيرة بن مقسم ، ومنصور ، وزبيد. تعلم القرآن في سنتين ، قال عاصم بن بهدلة : ما سمعته سب إنسانا قط ، وقال ابن معين : ثقة لا يسأل عن مثله. قال خليفة : مات بعد الجماجم. وقال الواقدي : في خلافة عمر ابن عبد العزيز.

ينظر : الخلاصة (١ / ٤٥٢) (٢٩٧٤) ، تهذيب الكمال (٢ / ٥٨٧) ، تهذيب التهذيب (٤ / ٣٦١) ، تقريب التهذيب (١ / ٣٥٤) ، خلاصة تهذيب الكمال (١ / ٤٥٢) الكاشف (٢ / ١٥).

(٣) عبد الله بن شداد بن الهاد واسمه أسامة الليثي أبو الوليد المدني. عن أبيه وعمر ، وعلي ومعاذ.

وعنه محمد بن كعب ، ومنصور والحكم بن عتيبة ، وثقه النسائي ، وابن سعد ، وقال : كان عثمانيا.

قال الواقدي : قتل يوم دجيل سنة إحدى وثمانين. وقال الثوري : فقد في الجماجم.

ينظر : الخلاصة (٢ / ٦٥) (٣٥٦٠) ، تهذيب الكمال (٢ / ٦٩٢) ، تهذيب التهذيب (٥ / ٢٥١) (٤٤١) ، تقريب التهذيب (١ / ٤٢٢) (٣٧٤) ، خلاصة تهذيب الكمال (٢ / ٦٥) ، الكاشف (٢ / ٩٥) ، الجرح والتعديل (٥ / ٣٧٣).

(٤) أخرجه البيهقي في الكبرى (٢ / ١٦٠) في كتاب الصلاة باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق وابن أبي شيبة في المصنف (١ / ٣٣٠) (٣٧٧٩).

(٥) أخرجه أحمد (٣ / ٣٣٩) ، وعبد بن حميد (١٠٥٠) وابن ماجه (٢ / ١٣٣) (٨٥٠) وقال البوصيري : هذا إسناد ضعيف عن جابر بن عبد الله.

(٦) أخرجه أبو داود (١ / ٣١٩ ـ ٣٢٠) (٩٧٢ ، ٩٧٣) وابن ماجه (٢ / ١٣١ ـ ١٣٢) (٨٤٧) والطيالسي في مسنده (١ / ١٣٣) وأحمد (٤ / ٣٩٣ ، ٣٩٤ ، ٤٠١ ، ٤٠٥ ، ٤١٥) ، والدارمي (١٣١٨) (١٣٦٥) والنسائي في (٢ / ٩٦ ، ١٩٦ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، (٣ / ٤١) وأبو يعلى (٧٢٢٤) وابن خزيمة (١٥٨٤) ، (١٥٩٣) وأبو عوانة (٢ / ١٢٨ ، ١٢٩ ، ٢٢٧) والطحاوى (١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥) والبيهقى (٢ / ١٤١).

١٣٠

فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا» (١) وغير ذلك من الأحاديث.

وأكثر ما يحتج به المخالف لعلمائنا ـ رحمهم‌الله ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا صلاة لمن لم يقرأ بأمّ القرآن» (٢) يرويه عبادة ابن الصامت.

قال سفيان (٣) : هذا عندنا فيمن يصلي وحده ؛ فذلك يحتمل ، والأحاديث التي جاءت مفسرة في النهي عن القراءة خلف الإمام.

فإن قال : يترك المؤتم القراءة فيما يجهر فيه إمامه بحديث أبي هريرة ، ويقرأ فيما يخافت بحديث عبادة بن الصامت ؛ ليصلح حديث أبي هريرة وحديث عبادة جميعا.

قيل له : فهلا جعلته في المصلى وحده ليصح حديث عبادة ، وحديث عمران بن حصين ؛ لأن حديث عمران [بن حصين](٤) ينهى عن [القراءة خلف الإمام](٥) فيما خافت ، وحديث أبي هريرة عن القراءة فيما يجهر فيه ؛ فإن جعلت حديث أبي هريرة خارجا عن عموم حديث عبادة ، فذلك يوجب ألّا يقرأ المؤتم فيما يجهر فيه إمامه ويخافت ، ويقال له : هل رأيت فرضا من فرائض الصلاة يسقط عن المؤتم في حال ، ويجب عليه في حال؟

__________________

(١) أخرجه البخاري (٢ / ٢٤٤) كتاب الأذان : باب إقامة الصف من تمام الصلاة (٧٢٢) وطرفه في (٧٣٤) ومسلم (١ / ٣٠٩) كتاب الصلاة باب ائتمام المأموم بالإمام (٨٦ / ٤١٤).

(٢) أخرجه البخاري (٢ / ٤٨٠) في كتاب الأذان باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت (٧٥٦).

ومسلم (٢ / ٣٣٦) في كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها (٣٤ / ٣٩٤).

(٣) سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهب بن منقذ بن نصر بن الحكم بن الحارث بن مالك بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة على الصحيح. وقيل : هو من ثور همدان الثوري أبو عبد الله الكوفي أحد الأئمة الأعلام. عن زياد بن علاقة وحبيب بن أبي ثابت والأسود بن قيس وحماد بن أبي سليمان وزيد بن أسلم وخلائق. وعنه الأعمش وابن عجلان من شيوخه ، وشعبة ومالك من أقرانه ، وابن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي وخلق. قيل : روى عنه عشرون ألفا ، قال ابن المبارك : ما كتبت عن أفضل من سفيان. قال العجلي : كان لا يسمع شيئا إلا حفظه. قال علي بن الفضيل : رأيت سفيان ساجدا حول البيت فقطعت سبعة أشواط قبل أن يرفع رأسه. قال الثوري : إذا رأيت القارئ محببا إلى جيرانه ، فاعلم أنه مداهن. قال الخطيب : كان الثوري إماما من أئمة المسلمين وعلما من أعلام الدين ، مجمعا على إمامته. مع الإتقان والضبط والحفظ والمعرفة والزهد والورع. توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة ومولده سنة سبع وسبعين.

ينظر : تهذيب الكمال (١١ / ١٥٤) ، وسير أعلام النبلاء (٧ / ٢٢٩) ، وتاريخ بغداد (٩ / ١٥١) ، الخلاصة (١ / ٣٩٦) (٢٥٨٤).

(٤) سقط في أ.

(٥) في أ : القرآن.

١٣١

فإن قال : لا.

قيل : ففي إسقاطك تلك القراءة عنه في حال الجهر ما أوجب عليك أن تسقطها عنه في حال المخافتة.

وقد احتج بعض أصحابنا في ذلك بأن قالوا : وجدنا الرجل إذا جاء إلى الإمام وهو راكع فكبر ودخل في صلاته ولم يقرأ ، فكل يجمع أن صلاته تجزئه ، فدل ذلك أن القراءة غير فرض عليه.

فإن قال : إنما أطلق له ذلك للضرورة.

قيل : لو جاء إلى الإمام وهو ساجد ، لم يعتد بتلك الركعة والضرورة قائمة ، فلو كانت الضرورة تزيل فرضا لأزالت الركوع عمن لحق إمامه وهو ساجد ، فهي لا تزيل فرض القراءة عمن لحق إمامه ، ولكن لا يلزمه القراءة خلف الإمام ؛ فلذلك أجزأته (١) صلاته لا للضرورة التي ذكرت ، والله أعلم.

وقد روي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا : لا قراءة على من خلف الإمام ، منهم : علي ، وابن مسعود ، وجابر (٢) ، [وسعد](٣) ، وأبو سعيد ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، رضي الله عنهم.

أما عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة (٤).

وعن عبد الله قال : من قرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا (٥).

وعن زيد بن ثابت قال : من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له (٦).

وعن سعد قال : وددت (٧) أن الذي يقرأ خلف الإمام في فمه جمرة (٨).

وعن ابن عمر كان إذا سئل : هل يقرأ أحد خلف الإمام ، قال : لا ، فإذا صلى أحدكم وحده فليقرأ (٩).

__________________

(١) في أ : أخرته.

(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٣٠) (٣٧٨٦).

(٣) سقط في أ.

(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٣٠) (٣٧٨١) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٨٥) وعزاه لابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب.

(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٣١) (٣٧٨٩) عن الأسود بن يزيد.

(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٣٠) (٣٧٨٣) (٣٧٨٨) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٨٧) وعزاه لابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت.

(٧) في أ : وردت.

(٨) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٣٠) (٣٧٨٢).

(٩) أخرجه بمعناه مالك في الموطأ (١ / ٨٦) كتاب الصلاة : باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به وأحمد (٣ / ٣٣٩) والطحاوي (١ / ١٢٨).

١٣٢

وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام (١).

وعن أبي سعيد أنه سئل عن القراءة خلف الإمام ، قال : يكفيك ذلك الإمام (٢).

وعن ابن عباس أن رجلا سأله : أقرأ خلف الإمام؟ قال : لا.

إلى مثل هذه الأحاديث ذهب أصحابنا ، وعلى ذلك دل الكتاب والسنة وإجماع (٣) الصحابة ، وبالله التوفيق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).

__________________

(١) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (٢ / ١٦١).

(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٣٠) (٣٧٨٠) عن ابن مسعود (٣٧٨٤) عن عمر ابن الخطاب.

وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٨٥) وعزاه لابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن مسعود.

(٣) جاء في لسان العرب : «جمع الشيء عن تفرقة ، يجمعه جمعا ، وجمعه ، وأجمعه ، فاجتمع.

والمجموع الذي جمع من هاهنا وهاهنا وإن لم يجعل كالشيء الواحد.

والجمع أيضا : المجتمعون. ومثله الجميع. ويقال : جمع أمره ، وأجمعه ، وأجمع عليه ، أي عزم عليه كأنه يجمع نفسه له.

ويقال أيضا : أجمع أمرك ولا تدعه منتشرا.

ومنه قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ)[يونس : ٧١].

وقولهم : «أجمع أمره» : معناه : جعله جميعا بعد ما كان مفترقا ، وتفرقه أنه جعل يديره ، فيقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا. فلما عزم على أمر محكم أجمعه ، أي جعله جميعا.

وفي الحديث : «من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له».

ولم يجئ في لسان العرب : أجمع القوم على كذا ، بمعنى اتفقوا ، وكذلك لم يجئ هذا المعنى في أساس البلاغة ولا في مختار الصحاح ، ولكن صرح به في كل من القاموس والمصباح والمفردات في غريب القرآن.

وقال في المصباح : وأجمعت المسير والأمر ، وأجمعت عليه ، يتعدى بنفسه وبالحرف عزمت عليه ، وفي حديث «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» ، أي من لم يعزم عليه فينويه ، وأجمعوا على الأمر : «اتفقوا عليه».

وقال في مفردات القرآن : «وأجمعت كذا : أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة نحو «فأجمعوا أمركم وشركاءكم» ونحو «فأجمعوا كيدكم».

وقد عرف الغزالي في المستصفى الإجماع بقوله : «وهو اتفاق أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة على أمر من الأمور الدينية».

وقال الآمدي : «والحق في ذلك أن يقال : الإجماع عبارة عن اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع».

ينظر : لسان العرب (جمع) ، والمصباح المنير (جمع) ، ومفردات القرآن (جمع) ، والمستصفى (١ / ١٧٣) ، والإحكام للآمدي (١ / ١٧٩) ، والآيات البينات (٣ / ٢٨٧).

١٣٣

اختلف أهل التأويل في الذكر الذي ذكر في الآية ؛ منهم من صرف التأويل إلى كل ذكر.

ومنهم من صرفه إلى التلاوة ؛ فإن كان ذكر الغدو والآصال كناية عن الليل والنهار فهو ذكر أحواله يذكر (١) الله ـ عزوجل ـ بنعمه وإحسانه ، وذكره بنعمه شكره ، أو يذكره بقدرته وسلطانه ، وذلك يحمله (٢) على الخضوع له والتواضع ، أو يذكر أمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، وذلك يوجب الإقرار بالتقصير ، والخوف لعقوبته ، والرغبة في وعده ؛ كأنه قال : واذكر ربك في كل حال من الليل والنهار إما شكرا لنعمه وإحسانه ، وإما الإقرار بالتقصير في أمره ونهيه ، وإما الخوف [لوعيده ، وإما الرغبة [(٣) لوعده ، فكأنه قال : اذكر ربك تضرعا وتواضعا وخيفة مع الخوف.

وإن كان تأويل الغدو والآصال كناية عن الغداة والعشي ، فهو كناية عن التلاوة ، وهو ما سبق من ذكر التلاوة من قوله : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) وقوله : (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً) [الأعراف : ٢٠٣] ، وهو كقوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) [الإسراء : ١١] وتأويله ـ والله أعلم ـ : ولا تجهر بصلاتك في بعض صلاتك ، ولا تخافت في بعضها.

أو أن يقال : لا تجهر الجهر العالي ، ولا تخافت غاية المخافتة ، ولكن بين ذلك.

أو أن يقول : لا تشتغل بالجهر ، ولا بالمخافتة ، ولكن اقرأ لما فيه ، فعلى ذلك قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).

وقرأ بعضهم (٤) : وخفية وهو من الإخفاء ؛ حيث قال : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) ، وأما ظاهر القراءة فهو وخيفة ، وهو من الخوف.

وقال مجاهد : رخص الله أن تذكره في نفسك تضرعا وخيفة ، وأنت خلف الإمام تسمع قراءته.

(وَالْآصالِ) ، قال أبو عوسجة : العشيات ، الواحد : أصل وأصيل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ).

__________________

(١) في أ : بذكر.

(٢) في أ : يحتمله.

(٣) سقط في أ.

(٤) ينظر : الدر المصون (٣ / ٣٩١) ، واللباب (٩ / ٤٤٠) ، ومفاتيح الغيب للرازي (٤ / ٣٤١) ، والبحر المحيط (٤ / ٤٥٣).

١٣٤

معلوم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن من الغافلين في حال ، ولكن على النهي لأمته ؛ كقوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [البقرة : ١٤٧] ، و (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] ونحوه ، نهاه أن يكونن ما ذكر ؛ لما ذكرنا نهيا لغيره ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ).

قالت المشبهة : لو لم يكن [بين الله](١) وبين الملائكة قرب الذات لكانوا هم والبشر بقوله : (عِنْدَ رَبِّكَ) سواء ، لكان لا معنى لتخصيص الملائكة بذلك.

لكن التأويل عندنا في قوله : (عِنْدَ رَبِّكَ) : في الطاعة والخضوع ، أو في الكرامة والمنزلة ، ليس على قرب الذات ، ولكن على ما وصف ـ عزوجل ـ : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] ، وقوله : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] وصفهم بالطاعة له والخضوع ؛ فعلى ذلك الأول ، ليس على قرب الذات ، ولكن على ما ذكر من الطاعة والخضوع.

ألا ترى أنه قال : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : ١٩] ليس على أنه في الأرض يقترب (٢) منه إذا سجد؟!.

وأصل ما يضاف إلى الله من جزئية الأشياء يخرج مخرج تعظيم تلك الجزئيات ؛ كقوله : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) [الجن : ١٨] خصّ المساجد بالإضافة إليه ، وإن كانت البقاع كلها له ؛ تعظيما لها ، وكذلك قوله : الكعبة بيت الله الحرام ، وإن كانت البيوت كلها له ، ونحو ذلك مما أضاف ذلك إلى نفسه من جزئيات الأشياء ؛ تعظيما لذلك وإجلالا ؛ فعلى ذلك الأول ، أضافهم إلى نفسه إما لطاعة لهم إياه والخضوع ، وإما لكرامة لهم والمنزلة ، وإضافة كلية الأشياء إلى الله تخرج مخرج تعظيم الربّ ؛ من ذلك قوله : (لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤] وقوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران : ٢٩] ، وقوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرعد : ١٦].

ومن الناس من استدل بتفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية ؛ لكنا (٣) نقول : إن الأفضل عند الله الأطوع له والأخضع والأتقى والأقوم لأمره ونهيه ؛ على ما ذكرنا : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] لا نشير أن هؤلاء أفضل من هؤلاء ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك فيما تقدم.

__________________

(١) في أ : بينه.

(٢) في ب : يقرب.

(٣) في أ : لكن.

١٣٥

وتأويل الآية ـ والله أعلم ـ في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ...) الآية ، أي : إنهم وإن لم تكن لهم حاجة إلى المأكل والمشرب وأنواع الحاجات لا يستكبرون عن عبادته ، فأنتم مع حاجتكم إلى الأكل والشرب وأنواع الحوائج أحرى وأولى ألا تستكبروا عن عبادته.

أو أن يقول : إن الذين تعبدون (١) من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته ، فأنتم أحق ألا تستكبروا عن عبادته ؛ لأن من الناس من يعبد الملائكة ، فخرج هذا جواب ذلك ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُسَبِّحُونَهُ).

التسبيح : هو وصف الرب ـ عزوجل ـ بالرفعة ، والعظمة والجلال ، والتعالي عن الأشباه والأمثال ، وعما وصفه الملحدون.

والتسبيح : هو تنزيه الرب وتبرئته عن جميع معاني الخلق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ يَسْجُدُونَ).

السجود : هو الخضوع في الغاية ، وليس في الآية دليل وجوب السجدة على من تلاها أو سمعها (٢) ، إنما فيها الإخبار عن الساجدين أنهم سجدوا غير مستكبرين ، وفي ذلك

__________________

(١) في أ : يعبدون.

(٢) اتفق الفقهاء على مشروعية سجود التلاوة ؛ للآيات والأحاديث الواردة فيه ، لكنهم اختلفوا في صفة مشروعيته أواجب هو أو مندوب؟

فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن سجود التلاوة سنة مؤكدة عقب تلاوة آية السجدة ؛ لقول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)[الإسراء : ١٠٧ ـ ١٠٩] ولما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويلي ـ وفي رواية يا ويله ـ أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار». ولما روى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد».

وليس سجود التلاوة بواجب ـ عندهم ـ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تركه ، وقد قرئت عليه سورة (وَالنَّجْمِ ...)[النجم : ١] وفيها سجدة ، روى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : «قرأت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والنجم فلم يسجد فيها» ، وفي رواية : «فلم يسجد منا أحد» وروى البخاري أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد ، فسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال : «يا أيها الناس ، إنا نمر بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه ، ولم يسجد عمر رضي الله تعالى عنه». ورواه مالك في الموطأ وقال فيه : على رسلكم ، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء ، فلم يسجد ، ومنعهم أن يسجدوا ، وكان بمحضر من الصحابة ، ولم ينكروا عليه فكان إجماعا.

واستدلوا أيضا بما جاء في حديث الأعرابي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خمس صلوات في اليوم والليلة» قال : هل علي غيرها؟ قال : «لا ، إلا أن تتطوع» وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت صحيح ـ

١٣٦

ترغيب في السجود ، إلا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم روي أنه سجد وسجد من معه.

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة ، فيسجد ونسجد ، حتى ما يجد أحدنا موضعا يسجد فيه (١).

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سجد في «ص» (٢).

وفي بعض الأخبار عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ القرآن في غير صلاته ، فيسجد ونسجد معه (٣).

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ سورة النجم ، فسجد فيها ، ولم يبق معه أحد إلا سجد ، إلا شيخ كبير من قريش أخذ كفّا من جص (٤) فرفعه إلى جبهته ، فلقد رأيته قتل كافرا (٥).

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه ذكر سجود القرآن ـ أو عدّ ـ فقال : الأعراف ، والرعد ، والنحل ، وبنو إسرائيل (٦) ، ومريم ، والحج ـ سجدة واحدة ـ والفرقان ،

__________________

ـ صريح في الأمر به ولا معارض له ولم يثبت ، وبأنه يجوز سجود التلاوة على الراحلة بالاتفاق في السفر ولو كان واجبا لم يجز كسجود صلاة الفرض.

واختلف فقهاء المالكية في حكم سجود التلاوة ، هل هو سنة غير مؤكدة أو فضيلة ، والقول بالسنية شهّره ابن عطاء الله وابن الفاكهاني وعليه الأكثر ، والقول بأنه فضيلة هو قول الباجي وابن الكاتب وصدر به ابن الحاجب ومن قاعدته تشهير ما صدر به ، وهذا الخلاف في حق المكلف ، أما الصبي فيندب له فقط ، وفائدة الخلاف كثرة الثواب وقلته ، وأما السجود في الصلاة ولو فرضا فمطلوب على القولين ، وقال ابن العربي : وسجود التلاوة واجب وجوب سنة لا يأثم من تركه عامدا.

وذهب الحنفية إلى أن سجود التلاوة أو بدله كالإيماء واجب ؛ لحديث «السجدة على من سمعها ..» وعلى للوجوب ، ولحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار».

ينظر : المجموع (٤ / ٥٨ ـ ٦٢) ونهاية المحتاج (٢ / ٨٧) ، ومطالب أولي النهى (١ / ٥٨١ ، ٥٨٢) ، وجواهر الإكليل (١ / ٧١) ، وفتح القدير (١ / ٣٨٢).

(١) أخرجه البخاري (٢ / ٦٤٨) كتاب سجود القرآن : باب ازدحام الناس إذ قرأ الإمام السجدة (١٠٧٦) ومسلم (١ / ٤٠٥) في كتاب المساجد : باب سجود التلاوة (١٠٣ / ٥٧٥).

(٢) أخرجه الترمذي (٢ / ٤٦٩) أبواب الصلاة : باب ما جاء في سجدة (ص) (٥٧٧) ، والبخاري (٢ / ٦٤٣) كتاب سجود القرآن : باب سجدة (ص) (١٠٦٩) وطرفه في (٣٤٢٢).

(٣) أخرجه أبو داود (١ / ٤٤٨) كتاب الصلاة : باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب (أو في غير الصلاة) (١٤١٣) ، والبيهقي في الكبرى (٢ / ٣٢٥).

(٤) الجص من مواد البناء ، ينظر : المعجم الوسيط (١ / ١٢٤) (جصص).

(٥) أخرجه البخاري (٣ / ٢٥٨) كتاب سجود القرآن : باب سجدة النجم (١٠٧٠) ، ومسلم (١ / ٤٠٥) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب سجود التلاوة (١٠٥ / ٥٧٦).

(٦) في ب : بني إسرائيل.

١٣٧

وطس ، والم [تنزيل](١) ، وص ، وحم [تنزيل](٢) وقال : وليس في المفصل سجود (٣).

وعن ابن مسعود قال في السورة يكون في آخرها السجدة نحو الأعراف والنجم : إن شئت فاسجد ثم قم فاقرأ ، وإن شئت فاركع (٤).

وعن ابن مسعود : كان يسجد في الأعراف ، وفي بني إسرائيل ، والنجم ، وإذا السماء انشقت ، واقرأ باسم ربك (٥).

واحتج بعض مشايخنا أن السجود على من تلا آية السجدة واجب (٦) : بما أجمع أهل العلم أن على المصلي إذا تلا الآية فيها السجدة أن يسجد في صلاته ، فلو كان السجود تطوعا ما كان لأحد أن يزيد في صلاته ما ليس منها ؛ فدل ذلك على أن السجود واجب في الصلاة ، وإذا كان في الصلاة واجبا فهو على كل واجب.

ومن الحجة لنا ـ أيضا ـ ما روي أن النبي ـ عليه‌السلام ـ قرأ آيات فسجد فيها ، فكان السجود فيها واجبا ، كما أنه لما صلى صلاة العيدين كانت واجبة (٧).

* * *

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٧٧) (٤٣٤٦).

(٤) أخرجه بمعناه البيهقي في الكبرى (٢ / ٣٢٣).

(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٧٧) (٤٣٤٧).

(٦) ينظر المبسوط (٢ / ٤) ، البحر الرائق (٢ / ١٢٨).

(٧) في الباب عن أبي سعيد الخدري :

أخرجه البخاري (٩٥٦) ومسلم (٩ / ٨٨٩).

وعن ابن عمر :

أخرجه البخاري (٩٦٣) ومسلم (٨ / ٨٨٨) ،.

وعن ابن عباس :

أخرجه البخاري (٩٨) (٨٦٣ ، ٩٦٢) ومسلم (١٣ / ٨٨٤).

١٣٨

سورة الأنفال

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١)

قوله ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).

اختلف فيه ؛ قال بعضهم (١) : الأنفال : هي المغانم التي يغنمها المسلمون من أهل الحرب(٢).

وقال بعضهم : الأنفال : هي الفضول عن حقوق أصحاب الغنائم (٣).

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٦٨) ، (١٦٩) عن كل من : عكرمة (١٥٦٣٩) مجاهد (١٥٦٤٠) ، (١٥٦٤١) ، الضحاك (١٥٦٤٢) ، (١٥٦٤٣) ، ابن عباس (١٥٦٤٤) ، (١٥٦٤٥) ، قتادة (١٥٦٤٦) ، ابن زيد (١٥٦٤٧) ، عطاء (١٥٦٤٨).

وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٩٥) وعزاه لابن أبي شيبة وأبي عبيد وابن المنذر عن ابن عباس ، ولابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(٢) وهم أهل كل بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرة ينظر : بدائع الصنائع (٧ / ٣٠ ، ٣١) ، والمدونة (٢ / ٢٢) ، كشاف القناع (٣ / ٤٣) ، والإنصاف (٤ / ١٢١).

(٣) اختلف العلماء فيما هي الغنيمة والفيء :

فقال بعضهم : الغنيمة : ما أخذ عنوة من الكفار في الحرب ، والفيء : ما أخذ عن صلح.

وهو قول الشافعي.

وقال بعضهم : الغنيمة ما أخذ من مال منقول ، والفيء الأرضون. قاله مجاهد.

وقال آخرون : الغنيمة والفيء بمعنى واحد.

فالغنيمة : اسم لما أخذه المسلمون من الكفار بإيجاف الخيل أو الركاب ، فما أخذه المسلمون من أهل الذمة أو من الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب ، وما أخذه الذميون من أهل الحرب لا يسمى غنيمة ، ولا تجري عليه أحكامها.

وقد صح أن الغنيمة كانت محرمة في الشرائع السابقة ، وإنما أبيحت لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ، قال تعالى في سورة الأنفال : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) ، وعدّت ضمن ما فضل الله به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وهو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فضلت علي الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون» وروى البخاري عن همام ابن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ، ولا أحد بنى بيوتا ، ولم يرفع سقوفها ، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات ، وهو ينظر ولادها ، فغزا فدنا ، من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليهم ، فجمع الغنائم فجاءت ـ يعني النار ـ لتأكلها فلم تطعمها فقال : إن فيكم غلولا ، فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده ، فقال : فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها فجاءت النار فأكلتها ، ـ

١٣٩

فإن كانت الأنفال الغنائم ، فالسؤال يحتمل وجهين :

يحتمل أنهم سألوا عن حلها وحرمتها ؛ لأن الغنائم كانت لا تحل في الابتداء.

قيل : إنهم كانوا يغنمونها ويجمعونها (١) في موضع ، فجاءت نار فحرقتها (٢) ، فسألوا عن حلها وحرمتها ، فقال : (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ، أي : الحكم فيها لله [والرسول](٣) يجعلها لمن يشاء.

ويحتمل السؤال [عنها : عن قسمتها](٤) ، وهو ما روي في بعض القصة (٥) أن الناس

__________________

ـ ثم أحل الله لنا الغنائم ، ثم رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا».

وبهذه الآية والأحاديث أخذت الغنائم في الإسلام حكم الحل ، ونزل فيها قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ...) الآية ، بيانا لطريق قسمتها.

والحكمة في حل الغنائم : أن المجاهدين لما خرجوا عن أموالهم وأولادهم ، وتركوا الاشتغال بأمور معاشهم رغبة في الجهاد في سبيل الله ، ونشر دينه وإعلاء كلمته ، وعرضوا أنفسهم لركوب الأخطار واستقبال الموت من أبوابه المختلفة ـ تفضل الله عليهم بإباحة الغنائم لهم ؛ تقوية لعزائمهم ، وحفزا لهممهم وتنشيطا لهم على الجهاد ، وكسرا لشوكة الكفار وإذلالا لهم ، بقتلهم ، وأسرهم ، وسلب ما يتمتعون به من نعم الله التي أغدقها عليهم ولم يقوموا بشكرها ، وإيذانا بأنهم ليسوا أهلا لها ، لعنادهم واستكبارهم عن عبادته.

ينظر : المصباح المنير (٢ / ٦٦٦) ، لسان العرب م (غ ن م) ، الحاوي (٨ / ٣٨٦) ، الأحكام السلطانية للماوردي ص (١٢٦) ولأبي يعلى الفراء ص (١٣٦).

(١) في ب : يجمعون.

(٢) في ب : فتحرقها.

(٣) سقط في ب.

(٤) في ب : عن قسمتها.

(٥) روى سعيد بن منصور والإمام أحمد وابن المنذر وابن حبان والحاكم والبيهقي في السنن عن عبادة ابن الصامت ـ رضي الله عنه ـ : «فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم يأسرون ويقتلون ، وأكبت طائفة على الفيء يحوزونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خوفا من أن يصيب العدو منه غرة ، حتى إذا كان الليل وافى الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو : لستم بأحق بها منا ، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لستم بأحق بها منا ، نحن أحدقنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة ، فاشتغلنا به. فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ الْأَنْفالِ) : الغنائم ، لمن هي؟ (قُلِ) لهم : (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) يجعلانها حيث شاءا ، (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع ، (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حقا».

وروى ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن حبان وعبد الرزاق في المصنف ، وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما كان يوم بدر قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قتل قتيلا فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا». ولفظ ابن عائذ : (من قتل قتيلا فله سلبه ، ومن أسر أسيرا فله سلبه). فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات. وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقال المشيخة للشبان : أشركونا معكم ، فإنا كنا لكم ردءا ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا. فاختصموا إلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاء أبو اليسر بأسيرين فقال : يا رسول الله ، إنك ـ

١٤٠