وهنا قد ينشأ توهّم آخر ويقال : إنّه لا إشكال في هذه القضيّة ، وذلك لأنّه بناء على أنّ الإمارات منزّلة منزلة القطع الموضوعي ، فإنّ دليل حجية العموم ، موضوعه ، عدم العلم بالمخصّص ، وخبر الواحد علم تعبّدي بالمخصص ، لأنّ دليل حجيته ، مفاده انّ هذا علم ، لأنّه منزّل للإمارة منزلة العلم ، فيكون دليل حجيته حاكما على دليل حجية العموم أيضا ، لكن الحكومة هذه حكومة واقعيّة لأنّها تنزيل لفرد أجنبي منزلة الفرد المأخوذ غاية في دليل موضوع الحجية.
وهذا الكلام غير تام أيضا ، وذلك لأنّه لو سلّم انّ أدلة الحجية في المقام كانت أدلة قابلة لأن يكون فيها حاكم ومحكوم ، فإنّه إذا لم ندخل مصادرة جديدة ، فالقضيّة لا تنحل على القاعدة وذلك ، لإمكان أن نقول ، بأنّ العكس ـ وهو حكومة دليل حجية العموم على دليل حجيّة الخبر ـ هو الصحيح ، لأنّه كما انّ دليل حجيّة العموم أخذ في موضوعه عدم العلم بالمخصّص ، وخبر الواحد علم تعبدا ، فكذلك نقول : إنّ دليل حجية الخبر ـ صدّق العادل ـ أخذ في موضوعه عدم العلم بكذب العادل ، وشهادة العام بكذب العادل تعبّدنا بكذبه ، فتكون اصالة العموم حاكمة على دليل حجية الخبر ، إذن ، كل من الطرفين يشكل علما تعبّديا يحقق غاية الحجية في الآخر.
وعليه : فالمسألة بحاجة إلى علاج كل من الدليلين في نفسه وبحسب ذاته ، لنرى أيّهما يقدم على الآخر بلا ضم أيّ عناية ، فعلى القاعدة ، مجرد قوانين الحكومة الظاهرية أو الواقعية لا تكفي في كون هذا الدليل مقدما على ذلك بلا ضم عناية.
والصحيح هو أن يقال في علاج هذه الشبهة ، انّ دليل الحجيّة في كل من الموردين هو السيرة العقلائية ، والاستدلال بالسيرة له منهجان كما تقدم.
١ ـ المنهج الأول : وقد سلكه المحقق الأصفهاني (قده) (١) وحاصله :
__________________
(١) نهاية الدراية ـ ج ٣ ـ الأصفهاني ـ ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤.