تفسير البغوي - ج ١

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ١

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢٨

الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١))

قوله عزوجل : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) ، وذلك أنهم [كانوا](١) يسألون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الهدنة ويطمّعونه أنه إن أمهلهم اتّبعوه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، معناه أنك وإن هادنتهم فلا يرضون (٢) بها ، وإنما يطلبون ذلك تعلّلا ولا يرضون منك إلا باتّباع ملّتهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا في القبلة ، وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين كان يصلّي إلى قبلتهم ، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة أيسوا منه أن يوافقهم على دينهم ، فأنزل الله تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ) ، إلا باليهودية ، ولا النصارى إلا بالنصرانية ، والملّة الطريقة ، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) ، قيل الخطاب مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به الأمة ؛ كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ، (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) : البيان بأن دين الله هو الإسلام والقبلة قبلة إبراهيم عليه‌السلام وهي الكعبة ، (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في أهل السفينة قدموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا ، وقال الضحاك : هم ممّن آمن من اليهود عبد الله بن سلام وشعبة بن عمرو وتمام بن يهودا وأسد وأسيد ابنا كعب وابن يامين وعبد الله بن صوريا ، وقال قتادة وعكرمة : هم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : هم المؤمنون عامة ، (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) ، قال الكلبي : يصفونه في كتبهم حق صفته لمن سألهم من الناس ، والهاء راجعة إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال الآخرون : هي عائدة إلى الكتاب ، واختلفوا في معناه فقال ابن مسعود رضي الله عنه : يقرءونه كما أنزل ولا يحرّفونه ، ويحلون حلاله ويحرمون حرامه ، وقال الحسن : يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويكلون علم ما أشكل عليه إلى عالمه ، وقال مجاهد : يتّبعونه حقّ اتباعه ، قوله : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤))

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) ، قرأ ابن عامر : «إبراهام» بالألف في بعض المواضع ، [وهو ثلاثة وثلاثون موضعا ، جملته تسعة وتسعون موضعا](٣) ، وهو اسم أعجمي ولذلك لا يجري عليه الصرف ، وهو إبراهيم بن تارخ [هو آزر](٤) بن ناخور ، وكان مولده بالسوس من أرض الأهواز ، وقيل : بابل ، وقيل : كوثي ، وقيل : كسكر ، وقيل : حران ، ولكن أباه نقله إلى أرض بابل بأرض نمرود بن كنعان ، ومعنى الابتلاء : الاختبار والامتحان والأمر ، وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء لأنه

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع وحده «يرجون».

(٣) زيد في المطبوع وحده.

(٤) زيد في المطبوع وحده.

١٦١

عالم بهم ، ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضا ، واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم ، فقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : هي ثلاثون سماهنّ ، شرائع الإسلام لم يبتل بها أحد فأقامها كلّها [إلا (١)] إبراهيم ، فكتب له البراءة ، فقال : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)) [النجم : ٣٧] ، عشر في براءة : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) [التوبة : ١١٢] إلى آخرها ، وعشر في الأحزاب (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [الأحزاب : ٣٥] إلى آخرها ، وعشر في سورة المؤمنين في قوله : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)) [المؤمنون : ١] الآيات ، وقوله : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢)) [المعارج : ٢٢] ، في سأل سائل ، وقال طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما : ابتلاه الله تعالى بعشرة أشياء ، وهي الفطرة خمس في الرأس : قصّ الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق والسواك وفرق الرأس ، وخمس في البدن : تقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء بالماء.

ع [٨١] وفي الخبر أن إبراهيم عليه‌السلام أوّل من قصّ الشارب ، وأول من اختتن ، وأول من قلم الأظافر ، وأول من رأى الشّيب ، فلمّا رآه قال : يا ربّ ما هذا؟ قال : الوقار ، قال : يا رب زدني وقارا.

قال مجاهد : هي الآيات التي بعدها في قوله عزوجل : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) إلى آخر القصة ، وقال الربيع وقتادة : مناسك الحج ، وقال الحسن : ابتلاه الله بسبعة أشياء : بالكواكب والقمر والشمس فأحسن فيها النظر ، وعلم أن ربه دائم لا يزول ، وبالنار فصبر عليها ، وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها ، قال سعيد بن جبير : هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧] الآية ، فرفعاه بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وقال يمان بن رباب : هنّ محاجة قومه ، قال الله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) [الأنعام : ٨٠] إلى قوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) [الأنعام : ٨٣] ، وقيل : هي قوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) ٧٨) [الشعراء : ٧٨] ، إلى آخر الآيات ، (فَأَتَمَّهُنَ) ، قال قتادة أدّاهنّ وقال الضحاك : قام بهنّ ، وقال يمان : عمل بهن ، قال الله تعالى : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) : يقتدى بك ، [في الخير](قالَ) إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي). أي : ومن أولادي أيضا فاجعل أئمة يقتدى بهم [في الخير](٢) ، (قالَ) الله تعالى : (لا يَنالُ) : لا يصيب (عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، قرأ حمزة وحفص بإسكان الياء والباقون بفتحها ، أي : من كان منهم ظالما لا يصيبه ، قال عطاء بن أبي رباح : عهدي رحمتي ، وقال السدي : نبوّتي ، وقيل : الإمامة ، قال مجاهد : ليس لظالم أن يطاع في ظلمه ، ومعنى الآية : لا ينال ما عهدت إليك من النبوّة والإمامة من كان ظالما من ولدك ، وقيل : أراد بالعهد الأمان من النار ، وبالظالم المشرك ؛ كقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) [الأنعام : ٨٢].

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥))

قال الله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) ، يعني : الكعبة ، (مَثابَةً لِلنَّاسِ) : مرجعا لهم ، قال مجاهد

__________________

ع [٨١] ـ أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٩٢٢) والبيهقي في «الشعب» (٨٦٤٢ و ٨٦٤٠) عن سعيد بن المسيب به قوله.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) سقط من المطبوع وحده.

١٦٢

وسعيد بن جبير : يثوبون (١) إليه من كلّ جانب ويحجّون ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : معاذا وملجأ ، وقال قتادة وعكرمة : مجمعا ، (وَأَمْناً) ، أي : مأمنا يأمنون فيه من إيذاء المشركين فإنهم كانوا لا يتعرّضون لأهل مكة ، ويقولون هم أهل الله ، ويتعرّضون لمن حوله ؛ كما قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٦٧].

[٨٢] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة : «إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها ولا يختلى خلاه» ، فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إلا الإذخر».

(وَاتَّخِذُوا) ، قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على الخبر ، وقرأ الباقون بكسر الخاء على الأمر ، (مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) ، قال يمان : المسجد كله مقام إبراهيم ، وقال إبراهيم النخعي : الحرم كله مقام إبراهيم ، وقيل : أراد بمقام إبراهيم جميع مشاهد الحج مثل عرفة والمزدلفة وسائر المشاهد ، والصحيح : أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي في المسجد يصلّي إليه الأئمّة ، وذلك الحجر الذي قام عليه إبراهيم عند بناء البيت ، وقيل : كان أثر أصابع رجليه بينا فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي ، قال قتادة ومقاتل والسدي : أمروا بالصلاة عند مقام إبراهيم ، ولم يؤمروا بمسحه وتقبيله.

[٨٣] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد عن يحيى عن (١) حميد ، عن أنس قال :

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث : قلت يا

__________________

[٨٢] ـ إسناده على شرط البخاري ، حيث تفرد عن علي بن عبد الله ، وهو المديني. جرير هو ابن عبد الحميد ، ومنصور هو ابن المعتمر ، ومجاهد هو ابن جبر ، وطاوس هو ابن كيسان ، يقال : اسمه ذكوان.

وهو في «شرح السنة» ١٩٩٦ بهذا الإسناد.

رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ١٥٨٧ عن علي بن عبد لله بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ١٨٣٤ و ٢٧٨٣ و ٣٨٢٥ و ٣١٨٩ ومسلم ١٣٥٣ وأبو داود ٢٠١٨ و ٢٤٨٠ والترمذي ١٥٩٠ والنسائي (٥ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤) و (٧ / ١٤٦) وأحمد (١ / ٣١٥ و ٣٥٩) وابن الجارود ٥٠٩ والطبراني في «الكبير» (١٠٩٤٣ و ١٠٩٤٤) وابن حبان ٣٧٢٠ والبيهقي (٥ / ١٩٥ و ٩ / ١٦) من طرق من حديث ابن عباس ، بعضهم رواه مطولا ، وبعضهم مختصرا.

[٨٣] ـ إسناده على شرط البخاري ، تفرد البخاري بالرواية عن مسدد وهو ابن مسرهد ، يحيى هو ابن سعيد القطان ، وحميد هو ابن أبي حميد الطويل.

أخرجه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٤٤٨٣ عن مسدد بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٤٠٢ والطحاوي في «المشكل» (٤ / ٨٢٥) وأحمد (١ / ٢٤ و ٣٦) وابن حبان ٦٨٩٦ والبغوي ٣٨٨٧ من حديث أنس.

وورد مختصرا من حديث أنس أيضا عند البخاري ٤٧٩٠ و ٤٩١٦ والترمذي ٢٩٥٩ و ٢٩٦٠ وابن ماجه ١٠٠٩ والدارمي (٢ / ٤٤).

(١) وقع في الأصل «بن» والمثبت هو الصواب.

__________________

(١) في المخطوط و ـ ط ـ «يأتون» والمثبت عن المطبوع والطبري (١٩٧١ و ١٩٧٦)

١٦٣

رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلّى ، فأنزل الله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) ، وقلت : يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله عزوجل آية الحجاب ، قال : وبلغني معاتبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض نسائه ، فدخلت عليهن فقلت لهن : إن انتهيتنّ أو ليبدلنّه الله خيرا منكن ، فأنزل الله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) [التحريم : ٥] الآية.

ع [٨٤] ورواه محمد بن إسماعيل أيضا عن عمرو بن عون أنا هشيم عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال : قال عمر رضي الله عنه : وافقت ربي في ثلاث ، قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى ، فنزلت : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى).

وأما بدء قصة المقام :

ع [٨٥] فقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أتى إبراهيم بإسماعيل وهاجر وضعهما بمكة ، وأتت على ذلك مدة ونزلها الجرهميون وتزوج إسماعيل منهم امرأة و [قد](١) ماتت هاجر ، واستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل ، فقدم إبراهيم مكة وقد ماتت هاجر فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته : أين صاحبك؟ قالت : ذهب للصيد (٢) ، وكان إسماعيل عليه‌السلام يخرج من الحرم فيصيد ، فقال لها إبراهيم : هل عندك ضيافة؟ قالت : ليس عندي شيء (٣) وسألها عن عيشهم ، فقالت : نحن في ضيق وشدّة ، فشكت إليه فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه [مني](١) السلام وقولي له : فليغيّر عتبة بابه ، فذهب إبراهيم فجاء إسماعيل فوجد ريح أبيه ، فقال لامرأته : هل جاءك أحد؟ فقالت : جاءني شيخ صفته كذا وكذا ، كالمستخفة بشأنه ، قال : فما قال لك؟ قالت : قال أقرئي زوجك [مني](٤) السلام وقولي له فليغيّر عتبة بابه ، قال : ذلك أبي وقد أمرني أن أفارقك ، الحقي بأهلك فطلّقها ، وتزوّج منهم بأخرى فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل ، فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل ، فجاء إبراهيم عليه‌السلام حتى انتهى إلى باب إسماعيل ، فقال لامرأته : أين صاحبك؟ قالت : ذهب يتصيّد وهو يجيء الآن إن شاء الله ، فانزل يرحمك الله ، قال : هل عندك ضيافة؟ قالت : نعم ، فجاءت باللبن واللحم ، وسألها عن عيشهم فقالت : نحن بخير وسعة فدعا لهما بالبركة ، ولو جاءت يومئذ بخبز بر أو شعير أو تمر لكانت أكثر أرض الله برا أو شعيرا أو تمرا ، فقالت له : انزل حتى أغسل رأسك فلم ينزل ، فجاءته بالمقام فوضعته عن شقّه الأيمن فوضع قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولته إلى شقّه الأيسر فغسلت شقّ رأسه الأيسر ، فبقي أثر قدميه عليه ، فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه [مني](٤) السلام وقولي له : قد استقامت عتبة بابك ، فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه ، فقال لامرأته : هل جاءك أحد؟ قالت : نعم شيخ [كبير](٥) أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا ، وقال لي كذا وكذا ، وقلت له كذا وكذا ، وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه ، فقال ذاك إبراهيم [النبيّ أبي](١) ، وأنت العتبة أمرني أن أمسكك.

__________________

ع [٨٤] ـ هو عند البخاري ٤٠٢ بهذا الإسناد وأتم منه في اللفظ.

ع [٨٥] ـ ذكره المصنف موقوفا على ابن عباس ، وأخرج البخاري في «صحيحه» ٣٣٦٤ و ٣٣٦٥ عن ابن عباس نحوه مطولا فجعل بعضه موقوفا ، وبعضه الآخر مرفوعا ، راجع صحيح البخاري.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع «يتصيد».

(٣) في المطبوع «ضيافة».

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.

(٥) زيد في نسخ المطبوع.

١٦٤

ع [٨٦] وروي عن سعيد بن جبير أيضا عن ابن عباس قال : ثم لبثت عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبة من زمزم ، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ، ثم قال : يا إسماعيل إن الله تعالى أمرني بأمر تعينني عليه ، قال : أعينك عليه ، قال : إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا ، فعند ذلك رفع القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، فلما ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام إبراهيم على حجر المقام ، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ، وهما يقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة : ١٢٧].

ع [٨٧] وفي الخبر : «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، ولو لا مسته أيدي المشركين لأضاء ما بين المشرق والمغرب».

قوله عزوجل : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) ، أي : أمرناهما وأوحينا (١) إليهما ، قيل : سمّي إسماعيل لأن إبراهيم كان يدعو الله أن يرزقه ولد ، ويقول : اسمع يا إيل ، وإيل هو الله ، فلما رزق الولد سمّاه به. (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) ، يعني : الكعبة ، أضافه إليه تخصيصا وتفضيلا ، أي : ابنياه على الطهارة والتوحيد ، وقال سعيد بن جبير وعطاء : طهّراه من الأوثان والريب وقول الزور ، وقيل : بخّراه وخلّقاه ، قاله يمان بن رباب. قرأ أهل المدينة وحفص (بَيْتِيَ) بفتح الياء هاهنا وفي سورة الحج [٢٦] ، وزاد

__________________

ع [٨٦] ـ هو عند البخاري ٣٣٦٤ و ٣٣٦٥ وهو بعض المتقدم.

ع [٨٧] ـ الراجح وقفه. أخرجه البيهقي (٥ / ٧٥) من حديث عبد الله بن عمرو وفيه «... ولو لا ما مسهما من خطايا بني آدم» بدل «ولو لا مسته أيدي المشركين» من طريق أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري عن مسافع عن عبد الله بن عمرو مرفوعا ، ورجاله ثقات ، وهو أمثل إسناد في هذا الباب.

ـ وأخرجه الترمذي ٨٧٨ وأحمد (٢ / ٢١٣ ـ ٢١٤) وابن خزيمة ٢٧٣٢ وابن حبان ٣٧١٠ والحاكم من طريق رجاء بن صبيح عن مسافع عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.

وفيه : «ولو لا أن طمس الله على نورهما» بدل «ولو لا مسته أيدي المشركين».

وفي إسناده رجاء بن صبيح ، وقد ضعفه ابن معين وغيره ، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات.

ـ وأخرجه ابن خزيمة ٢٧٣١ والحاكم (١ / ٤٥٦) والبيهقي (٥ / ٧٥) عن أيوب بن سويد عن يونس عن الزهري عن مسافع عن عبد الله بن عمرو به.

قال الحاكم : هذا حديث تفرد به أيوب بن سويد عن يونس وأيوب ممن لم يحتجا به ، إلا أنه من أجلة مشايخ الشام.

وتعقبه الذهبي بقوله : ضعفه أحمد ا ه. وقال في «الميزان» (١ / ٢٨٧) : ضعفه أحمد وغيره ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال البخاري : يتكلمون فيه. وله طريق آخر أخرجه البيهقي (٥ / ٧٥) من طريق مسدد عن حماد بن زيد عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عمرو مرفوعا ، ورجاله رجال البخاري لكن فيه عنعنة ابن جريج.

ـ وفي الباب من حديث أنس عند الحاكم ١٦٧٨ وفي إسناده داود بن الزبرقان. قال الذهبي في «التلخيص» : داود ، قال أبو داود : متروك ا ه.

ـ ومن حديث ابن عباس عند الترمذي ٨٧٧ وابن خزيمة ٢٧٣٣ وإسناده ضعيف ، فيه عطاء بن السائب ، اختلط بأخرة.

وتابعه سعيد بن جبير عند ابن خزيمة ٢٧٣٤ لكن في الطريق أبو الجنيد الحسين بن خالد ، وهو ضعيف.

الخلاصة : كل طرقه وشواهده لا تخلو من ضعف ، وأمثلها الطريق الأولى عند البيهقي ، ولكن الحديث بمجموع هذه الشواهد والطرق يرقى إلى درجة الحسن. وقد صححه الشيخ شعيب في «الإحسان» (٩ / ٢٤) لطرقه وكذا صححه الألباني في «صحيح الترمذي» (٦٩٥ و ٦٩٦) ، ومع ذلك رفعه غريب والأشبه الوقف ، وقد أخرجه عبد الرزاق ٨٩٢١ عن ابن عمرو موقوفا وأخرجه ٨٩١٥ عن ابن عمرو وكعب الأحبار موقوفا ، وهو الراجح. والله أعلم.

__________________

(١) في المطبوع «وأوصينا».

١٦٥

حفص في سورة نوح [٢٨] ، (لِلطَّائِفِينَ) : الدائرين حوله ، (وَالْعاكِفِينَ) : المقيمين المجاورين ، (وَالرُّكَّعِ) ، جمع راكع ، (السُّجُودِ) : جمع (١) ساجد ، وهم المصلون ، قال الكلبي ومقاتل : (الطائفين) : هم الغرباء و (وَالْعاكِفِينَ) أهل مكة ، قال عطاء ومجاهد عكرمة : الطواف للغرباء أفضل ، والصلاة لأهل مكة أفضل.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦))

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا) ، يعني : مكة ، وقيل : الحرم ، (بَلَداً آمِناً) ، أي : ذا أمن يأمن فيه أهله ، (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) ، إنما دعا بذلك لأنه كان بواد غير ذي زرع ، وفي القصص : أن الطائف كانت من بلاد الشام بأردن ، فلما دعا إبراهيم عليه‌السلام هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليه‌السلام حتى قلعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعا ثم وضعها موضعها الذي هي الآن فيه فمنها أكثر ثمرات مكّة ، (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : دعا للمؤمنين خاصة ، (قالَ) الله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ) ، قرأ ابن عامر (فَأُمَتِّعُهُ) خفيفا بضم الهمزة ، والباقون مشدّدا ، ومعناهما واحد ، (قَلِيلاً) ، أي : سأرزق الكافر أيضا قليلا إلى منتهى أجله ، وذلك أن الله تعالى وعد الرزق للخلق كافة مؤمنهم وكافرهم ، وإنما قيّد بالقلة لأن متاع الدنيا قليل ، (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) ، أي : ألجئه في الآخرة : (إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، أي : المرجع يصير إليه ، قال مجاهد : وجد عند المقام كتاب فيه : أنا الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر وحرّمتها يوم خلقت السموات والأرض ، وحففتها بسبعة أملاك (٢) حنفاء ، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل ، مبارك لها في اللحم والماء.

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧))

قوله عزوجل : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) ، قال الرواة (١) : إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها ، فلما أهبط الله آدم إلى الأرض استوحش ، فشكا إلى الله تعالى فأنزل الله البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرّد أخضر باب شرقي وباب غربي ، فوضعه على موضع البيت ، وقال : يا آدم إني أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي وتصلّي عنده كما يصلى عند عرشي ، وأنزل الحجر وكان أبيض فاسودّ من لمس الحيّض في الجاهلية ، فتوجّه آدم من أرض الهند إلى مكّة ماشيا ، وقيّض الله له ملكا يدلّه على البيت ، فحجّ البيت وأقام المناسك ، فلما فرغ تلقّته الملائكة وقالوا (٣) : برّ حجّك يا آدم ، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال ابن عباس رضي الله عنه (١) : حجّ آدم أربعين حجة من الهند إلى

__________________

(١) لا يصح من هذه الأقوال شيء عن الصادق المصدوق صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما مصدرها كتب الأقدمين لا حجة فيها ، وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (١ / ١٦٣ ـ ١٦٥) ما ملخصه : لم يرد في خبر صحيح عن المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن البيت كان مبنيا قبل إبراهيم الخليل عليه‌السلام ا ه. قلت : بل هو معارض بحديث أبي ذر في «الصحيحين ، بأنه أول مسجد وضع ، ثم المسجد الأقصى» ، وأن ما بينهما أربعين عاما ، وسيأتي.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع «أفلاك».

(٤) في المخطوط «وقالت».

١٦٦

مكة على رجليه ، فكان على ذلك إلى أيام الطوفان فرفعه الله تعالى إلى السماء الرابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ، وبعث جبريل عليه‌السلام حتى خبأ الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة له من الغرق ، فكان موضع البيت خاليا إلى زمن إبراهيم ، ثم إن الله تعالى أمر إبراهيم بعد ما ولد له إسماعيل وإسحاق ببناء بيت يذكر فيه ، فسأل الله عزوجل أن يبيّن له موضعه ، فبعث الله السكينة لتدلّه على موضع البيت ، وهي ريح خجوج (١) لها رأسان شبه الحية ، فأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة ، فتبعها إبراهيم حتى أتيا مكة ، فتطوّقت السكينة على موضع البيت ، كتطوّق الجحفة. هذا قول علي والحسن ، وقال ابن عباس (١) : بعث الله سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وإبراهيم يمشي في ظلها إلى أن وافق مكّة ، ووقفت على موضع البيت ، فنودي منها [يا](٢) إبراهيم أن ابن على [قدر](٢) ظلها لا تزد ولا تنقص ، وقيل : أرسل الله جبريل ليدله على موضع البيت ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) [الحج : ٢٦] ، فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت ، فكان إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجر ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) ، يعني أسسه ، واحدتها : قاعدة ، وقال الكسائي : جدر البيت ، قال ابن عباس : إنما بنى البيت من خمسة أجبل طور سينا وطورزيتا ولبنان وهو جبل بالشام والجودي وهو جبل بالجزيرة ، وبنيا قواعده من حراء وهو جبل بمكة ، فلما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر ، الأسود ، قال لإسماعيل : ائتني بحجر حسن يكون للناس علما فأتاه بحجر ، فقال : ائتني بأحسن من هذا ، فمضى إسماعيل يطلبه فصاح أبو قبيس : يا إبراهيم إن لك عندي وديعة فخذها فأخذ الحجر الأسود فوضعه مكانه [الآن](٢) ، وقيل (١) : إن الله تعالى بنى في السماء بيتا وهو البيت المعمور ، ويسمّى ضراح ، وأمر الملائكة أن يبنوا الكعبة في الأرض بحياله على قدره ومثاله ، وقيل (١) : أول من بنى الكعبة آدم ، واندرس زمن الطوفان ، ثم أظهره الله لإبراهيم حتى بناه ، (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) ، فيه إضمار ، أي : ويقولان : ربنا تقبّل منا بناءنا ، (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) ، لدعائنا (الْعَلِيمُ) : بنياتنا.

(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩))

(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) : موحدين مطيعين مخلصين خاضعين لك : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا) ، أي : أولادنا (أُمَّةً) : جماعة ، والأمة : أتباع الأنبياء ، (مُسْلِمَةً لَكَ) : خاضعة لك ، (وَأَرِنا) علّمنا وعرّفنا ، قرأ ابن كثير ساكنة الراء ، وأبو عمرو بالاختلاس ، والباقون بكسرها ، ووافق ابن عامر وأبو بكر في الإسكان في حم السجدة ، وأصله : أرئنا ، فحذفت الهمزة طلبا للخفة ، ونقلت حركته إلى الراء ، ومن سكنها قال : ذهبت الهمزة فذهبت حركتها ، (مَناسِكَنا) : شرائع ديننا وأعلام حجنا ، وقيل : مواضع حجنا ، وقال مجاهد : مذابحنا ، والنسك : الذبيحة ، وقيل : متعبّداتنا ، وأصل النسك : العبادة ، والناسك : العابد ، فأجاب الله تعالى دعاءهما فبعث جبريل فأراهما المناسك في يوم عرفة ، فلما بلغ عرفات قال : عرفت يا إبراهيم؟ قال : نعم ، فسمّي الوقت عرفة والموضع عرفات. (وَتُبْ عَلَيْنا) ، تجاوز عنّا ، (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

__________________

(٢) انظر الهامش السابق.

__________________

(١) في المطبوع وحده «خجول».

(٢) زيادة عن المخطوط.

١٦٧

(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ) ، أي : في الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل ، وقيل : في أهل مكة ، (رَسُولاً مِنْهُمْ) ، أي : مرسلا منهم ، أراد به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[٨٨] حدّثنا السيد أبو القاسم علي بن موسى الموسوي ، حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن عباس البلخي ، أنا الإمام أبو سليمان حمد (١) بن محمد بن إبراهيم الخطابي ، أنا محمد بن المكي أنا إسحاق بن إبراهيم أنا ابن أخي ابن وهب أنا عمي أنا معاوية بن (٢) صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن (٣) هلال السّلمي عن العرباض بن سارية :

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إني عند الله مكتوب خاتم النبيّين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأخبركم بأول أمري : أنا دعوة إبراهيم ، وبشارة عيسى ، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام».

وأراد بدعوة إبراهيم هذا فإنه دعا أن يبعث في بني إسماعيل رسولا منهم ، قال ابن عباس : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين. (يَتْلُوا) : يقرأ (عَلَيْهِمْ آياتِكَ) ، كتابك يعني : القرآن ، والآية من القرآن كلام متصل إلى انقطاعه ، وقيل هي جماعة حروف ، يقال خرج القوم بآيتهم ، أي : بجماعتهم ، (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) ، يعني : القرآن ، (وَالْحِكْمَةَ) ، قال مجاهد : فهم القرآن ، وقال مقاتل : مواعظ القرآن وما فيه من الأحكام. [و](١) قال [ابن](١) قتيبة : هي العلم والعمل [به] ، ولا يكون الرجل حكيما حتى يجمعهما ، وقيل : هي السنة (٢) ، وقيل : هي [الأحكام و](٣) القضاء ، وقيل : الحكمة الفقه ، قال أبو بكر بن دريد : كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة ، (وَيُزَكِّيهِمْ) ، أي : يطهّرهم من الشرك والذنوب ، وقيل : يأخذ الزكاة من (٤) أموالهم ، وقال ابن كيسان :

__________________

[٨٨] ـ حديث صحيح بشواهده ، إسناده ضعيف لضعف ابن أخي ابن وهب ، واسمه أحمد بن عبد الرحمن ، وفيه سعيد بن سويد ، وثقه ابن حبان ، وترجمه البخاري وأبو حاتم من غير جرح أو تعديل ، وقال البزار : لا بأس به. وشيخه عبد الأعلى ، وثقه ابن حبان وحده ، وهو مقبول ، ولم ينفرد بهذا المتن كما سيأتي.

وهو في «شرح السنة» ٣٥٢٠ بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد (٤ / ١٢٧ ـ ١٢٨) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٦ / ٦٨) وابن حبان ٦٤٠٤ وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٠٩ والبيهقي في «الدلائل» (١ / ٨٠ و ٢ / ٣٠) من طرق عن سعيد بن سويد به ، وقد صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي في «المجمع» (٨ / ٢٢٣) : رواه أحمد بأسانيد ، وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح ، غير سعيد بن سويد ، وقد وثقه ابن حبان.

ـ وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه الطيالسي ١١٤٠ وأحمد (٥ / ٢٦٢) وابن سعد (١ / ١٠٢) والطبراني ٧٧٢٩ والبيهقي في «الدلائل» (١ / ٨٤) وإسناده ضعيف لضعف فرج بن فضالة ، والسياق لأحمد ، وقال الهيثمي في «المجمع» (٨ / ٢٢٢) : إسناد أحمد حسن.

ـ وورد عن خالد بن معدان عن نفر من الصحابة مرفوعا أخرجه الحاكم (٢ / ٦٠٠) والطبري ٢٠٧٥ والبيهقي في «الدلائل» (١ / ٨٣) وإسناده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في «البداية» (٢ / ٢٧٥) وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو حديث حسن في أقل تقدير بل هو صحيح ، والله أعلم ، وانظر «الكشاف» ٥٥ للزمخشري بتخريجي.

(١) في الأصل «أحمد» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» و «كتب التراجم».

(٢) وقع في الأصل «عن» والمثبت هو الصواب.

(٣) وقع في الأصل «عن» والمثبت هو الصواب.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع وحده عقب السنة «والأحكام».

(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٤) العبارة في المخطوط «يأخذ زكاة أموالهم».

١٦٨

يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ من التزكية وهي التعديل ، (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، قال ابن عباس : العزيز : الذي لا يوجد مثله ، وقال الكلبي : المنتقم ، بيانه قوله تعالى : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) [آل عمران : ٤] ، وقيل : المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء ، وقيل : القوي ، والعزّة القوة ، قال الله تعالى : (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا) [يس : ١٤] ، أي : قوّينا ، وقيل : الغالب ، قال الله تعالى إخبارا : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [ص : ٢٣] ، أي : غلبني ، ويقال في المثل : من عزّ بزّ ، أي : من غلب سلب.

(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١))

(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) ، وذلك أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما أن الله عزوجل قال في التوراة : إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون ، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم ، فأنزل الله عزوجل : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) ، أي : يترك دينه وشريعته ، يقال : رغب في الشيء إذا أراده ، ورغب عنه إذا تركه ، وقوله (وَمَنْ) : لفظة استفهام ومعناه التقريع والتوبيخ ، يعني : ما يرغب عن ملة إبراهيم (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) ، قال ابن عباس : خسر نفسه ، وقال الكلبي : ضلّ من قبل نفسه ، وقال أبو عبيدة : أهلك نفسه ، وقال ابن كيسان والزجاج : معناه جهل (١) نفسه ، والسفاهة : الجهل وضعف الرأي ، وكل سفيه جاهل ، وذلك أن من عبد غير الله فقد جهل نفسه لأنه لم يعرف أنّ الله خلقها ، وقد جاء : من عرف نفسه فقد عرف ربّه (١) ، وفي الأخبار (٢) : أن الله تعالى أوحى إلى داود : اعرف نفسك واعرفني ، فقال : يا رب كيف أعرف نفسي وكيف أعرفك؟ فأوحى الله إليه : اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء ، واعرفني بالقوة والقدرة والبقاء. وقال الأخفش : معناه سفه في نفسه ، و (نَفْسَهُ) على هذا القول : نصب بنزع حرف الصفة ، وقال الفراء : نصب على التفسير ، وكان الأصل سفهت نفسه ، فلما أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس مفسّرة ليعلم موضع السفه ، كما يقال : ضقت به ذرعا أو ضاق ذرعي به ، (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) : اخترناه في الدنيا ، (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ، يعني : مع الأنبياء في الجنّة ، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين.

(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) ، أي : استقم على الإسلام واثبت عليه ، لأنه كان مسلما ، قال ابن عباس : قال له ذلك حين خرج من السرب ، وقال الكلبي : أخلص دينك وعبادتك لله ، وقال عطاء : أسلم نفسك إلى الله عزوجل وفوّض أمورك إليه ، (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، أي : فوّضت ، قال ابن عباس : وقد حقّق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار.

__________________

(١) هو خبر إسرائيلي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه‌الله : موضوع. انظر «كشف الخفاء» (٢ / ٢٦٢ / ٢٥٣٢)

__________________

(١) زيد في المخطوط وحده «عمل».

(٢) في المخطوط ـ أ ـ «الخبر».

١٦٩

(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣))

(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) ، قرأ أهل المدينة والشام : و «أوصى» بالألف ، وكذلك [هو](١) في مصاحفهم ، وقرأ الباقون (وَوَصَّى) مشدّدا ، وهما لغتان مثل أنزل ونزّل معناه : ووصى إبراهيم [بنيه](٢) ووصى يعقوب بنيه ، قال الكلبي ومقاتل : يعني كلمة الإخلاص : لا إله إلّا الله ، قال أبو عبيدة : إن شئت رددت الكناية إلى الملّة لأنه ذكر ملّة إبراهيم ، وإن شئت رددتها إلى الوصية ، أي : وصّى إبراهيم بنيه الثمانية : إسماعيل وأمه هاجر القبطية وإسحاق وأمه سارة ، وستة أمهم قنطورا بنت يقطن الكنعانية ، تزوجها إبراهيم بعد وفاة سارة ، ويعقوب ، سمي بذلك لأنه والعيص كانا توأمين فتقدم عيص في الخروج من بطن أمه ، وخرج يعقوب على أثره آخذه بعقبه ، قاله ابن عباس ، وقيل : سمّي يعقوب لكثرة عقبه ، يعني ووصّى أيضا يعقوب بنيه الاثني عشر (يا بَنِيَ) ، معناه أن يا بني : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى) : اختار (لَكُمُ الدِّينَ) ، أي : دين الإسلام ، (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، مؤمنون ، وقيل : مخلصون ، وقيل : مفوضون ، والنهي في ظاهر الكلام وقع على الموت ، وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام (٣) ، معناه : داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا وأنتم مسلمون ، وعن الفضيل بن عياض رحمه‌الله : أنه قال (إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، أي : محسنون بربكم الظن.

[٨٩] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، أنا علي بن الجعد أنا أبو جعفر الرازي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل موته (٤) بثلاثة أيام ، يقول : «لا يموتن أحدكم إلّا وهو يحسن الظن بالله عزوجل».

قوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) ، يعني : [أكنتم شهداء يريد](٥) ما كنتم شهداء حضورا (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) ، أي : حين قرب يعقوب من الموت ، قيل (١) : نزلت في اليهود حين قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

[٨٩] ـ حديث صحيح. إسناده ضعيف لأجل أبي جعفر الرازي ، وهو عيسى بن أبي عيسى ، وقد توبع ، وباقي رجال الإسناد ثقات ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع ، روى له الشيخان وهو في «شرح السنة» ١٤٤٩ بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم ٢٨٧٧ وأبو داود ٣١١٣ وابن ماجه ٤١٦٧ والطيالسي ١٧٧٩ وأحمد (٣ / ٢٩٣) و ٣٣٠ وأبو نعيم في «الحلية» (٥ / ٨٧) و (٨ / ٢٢١) وابن حبان (٦٣٦ و ٦٣٨) والبيهقي (٣ / ٣٧٨) من طرق عن جابر به.

(١) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٩ بدون إسناد ، فلا حجة فيه البتة.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) العبارة في المخطوط «وإنما هو في الحقيقة على ترك الإسلام».

(٤) في المخطوط «قبل أن يقبض» والمثبت في نسخ المطبوع وشرح السنة.

(٥) زيد في نسخ المطبوع.

١٧٠

ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فعلى هذا القول يكون الخطاب لليهود.

وقال الكلبي : لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيران ، فجمع ولده وخاف عليهم ذلك ، فقال عزوجل : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)؟ قال عطاء : إن الله تعالى لم يقبض نبيا حتى يخيّره (١) بين الحياة والموت ، فلما خيّر يعقوب قال : يا ربّ أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم ، ففعل [الله](٢) ذلك به ، فجمع ولده وولد ولده وقال لهم : قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي؟ (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) ، وكان إسماعيل عما لهم ، والعرب تسمّي العم أبا كما تسمّي الخالة أما.

ع [٩٠] قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عمّ الرجل صنو أبيه».

ع [٩١] وقال في عمّه العباس : «ردّوا عليّ أبي فإني أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود» ، وذلك أنهم قتلوه. (إِلهاً واحِداً) نصب على البدل من قوله : (إِلهَكَ) ، وقيل : نعبد (٣) إلها واحدا ، (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥))

(تِلْكَ أُمَّةٌ) : جماعة ، (قَدْ خَلَتْ) : مضت ، (لَها ما كَسَبَتْ) : من العمل ، (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) [من القول والعمل](٤)(وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) ، يعني : يسأل كل عن عمله لا عن عمل غيره.

(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) ، قال ابن عباس : نزلت في رؤساء يهود المدينة : كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وأبي ياسر بن أخطب ، وفي نصارى نجران السيد والعاقب وأصحابهما ، وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله ، فقالت اليهود : نبيّنا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان ، وكفرت بعيسى والإنجيل وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، وقالت النصارى نبيّنا [عيسى](٥) أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان وكفرت [بموسى والتوراة و](٦) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين كونوا على ديننا فلا دين إلا ذلك ، فقال تعالى : (قُلْ) يا محمّد (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) ، بل نتّبع ملة إبراهيم ، وقال الكسائي : هو نصب على الإغراء كأنه يقول : اتّبعوا ملّة إبراهيم ، وقيل : معناه بل نكون

__________________

ع [٩٠] ـ صحيح. هو بعض حديث أخرجه البخاري ١٤٦٨ ومسلم ٩٨٣ وأبو داود ١٦٢٣ والنسائي (٥ / ٣٣) وابن حبان ٣٢٧٣ والدار قطني (٢ / ١٢٣) والبغوي ١٥٧٨ والبيهقي (٦ / ١٦٤ ـ ١٦٥) عن أبي هريرة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر على الصدقة ، فقيل : ما منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ينقم ابن جميل ...» فذكره.

ع [٩١] ـ مرسل. أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٨ / ٤٠ / ٣٤) ح ٤ عن عكرمة مرسلا ، ورجال الإسناد ثقات ، وتمامه «دعاهم إلى الله فقتلوه ، أما والله لئن ركبوها لأضر منّها عليهم» فهذا مرسل ، والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث.

__________________

(١) في المطبوع «خيره».

(٢) زيد في نسخ المطبوع.

(٣) في المطبوع «نعرفه».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) سقط من نسخ المطبوع.

١٧١

على ملة إبراهيم ، فحذف على فصار منصوبا ، (حَنِيفاً) ، نصب على الحال عند نحاة البصرة ، وعند نحاة الكوفة نصب على القطع ، أراد به ملة إبراهيم الحنيف ، فلما أسقطت الألف واللام لم تتبع النكرة المعرفة فانقطع منه (١) ، فنصب [قال مجاهد : الحنيفية اتّباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إماما للناس](٢) ، قال ابن عباس : الحنيف المائل عن الأديان كلها إلا دين الإسلام ، وأصله من الحنف وهو ميل وعوج يكون في القدم ، وقال سعيد بن جبير : الحنيف هو الحاج المختتن ، وقال الضحاك : إذا كان مع الحنيف المسلم فهو الحاج ، وإذا لم يكن مع المسلم فهو المسلم (٣) ، قال قتادة : الحنيفية الختان وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وإقامة المناسك ، (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، ثم علّم المؤمنين طريق الإيمان ، فقال جلّ ذكره :

(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧))

(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) ، يعني القرآن ، (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ) ، وهو عشر صحف ، (وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) ، يعني : أولاد يعقوب ، وهم اثنا عشر سبطا : واحدهم : سبط ، سمّوا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة ، وسبط الرجل : حافده ، ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما : سبطا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب ، من بني إسماعيل ، والشعوب من العجم ، وكان في الأسباط أنبياء ، ولذلك قال : (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) [آل عمران : ١٩٩] ، وقيل : هم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء. (وَما أُوتِيَ مُوسى) ، يعني : التوراة ، (وَعِيسى) ، يعني : الإنجيل ، (وَما أُوتِيَ) : أعطي (النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) ، أي : نؤمن بالكل لا نفرّق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

[٩٢] وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن

__________________

[٩٢] ـ إسناده صحيح. على شرط البخاري.

وهو في «شرح السنة» ١٢٥ بهذا الإسناد.

خرّجه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٤٤٨٥ عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٤٤٨٥ و ٧٣٦٢ و ٧٥٤٢ والنسائي في «الكبرى» ١١٣٨٧ والبيهقي في «الشعب» ٥٢٠٧ من حديث أبي هريرة.

ـ وفي الباب من حديث أبي نملة عند أبي داود ٣٦٤٤ وعبد الرزاق ٢٠٠٥٩ وأحمد (٤ / ١٣٦) وابن حبان ٦٢٥٧ والطبراني في «الكبير» (٢٢ / ٨٧٤ ـ ٨٧٩) والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١ / ٣٨٠) وابن الأثير في «أسد الغابة» (٦ / ٣١٥) والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة أبي نملة.

__________________

(١) في المخطوط «عنه».

(٢) زيد في نسخ المطبوع.

(٣) في المخطوط «المختتن».

١٧٢

إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا عثمان بن عمر ، أنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال :

كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم ، وقولوا : (آمَنَّا بِاللهِ)» الآية.

(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) ، أي : بما آمنتم به ، وكذلك كان يقرؤها ابن عباس ، و (المثل) صلة ؛ كقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، أي : ليس هو كشيء (١) ، وقيل : معناه فإن آمنوا بجميع ما آمنتم به ، أي : أتوا بإيمان كإيمانكم وتوحيد كتوحيدكم ، وقيل : معناه فإن آمنوا مثل ما آمنتم ، والباء زائدة ؛ كقوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥] ، وقال أبو معاذ النحوي : معناه فإن آمنوا بكتابكم كما آمنتم بكتابهم : (فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) ، أي : في خلاف ومنازعة ، قاله (٢) ابن عباس وعطاء ، يقال : شاق مشاقة إذا خالف ، كأن كل واحد أخذ في شق غير شقّ صاحبه ، قال الله تعالى : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) [هود : ٨٩] ، أي : خلافي ، وقيل : في عداوة ، دليله قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) [الأنفال : ١٣] ، أي عادوا الله (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) : يا محمد ، أي يكفيك شرّ اليهود والنصارى ، وقد كفي بإجلاء بني النضير ، وقتل بني قريظة ، وضرب الجزية على اليهود والنصارى ، (وَهُوَ السَّمِيعُ) : لأقوالهم ، (الْعَلِيمُ) بأحوالهم (٣).

(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠))

(صِبْغَةَ اللهِ) ، قال ابن عباس في رواية الكلبي وقتادة والحسن : دين الله ، وإنما سمّاه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتديّن ، كما يظهر أثر الصبغ على الثوب (٤) ، وقيل : لأن المتديّن يلزمه ولا يفارقه كالصبغ يلزم الثوب ، وقال مجاهد : فطرة الله وهو قريب من الأول ، وقيل : سنّة الله ، وقيل : أراد به الختان لأنه يصبغ صاحبه بالدم ، وقال ابن عباس : هي أن النصارى إذا ولد لأحدهم ولد فأتى (٥) عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم أصفر ، يقال له : المعمودية ، وصبغوه به ليطهروه بذلك الماء مكان الختان ، فإذا فعلوا به ذلك قالوا : الآن صار نصرانيا حقا ، فأخبر الله أن دينه الإسلام لا ما يفعله النصارى ، وهو نصب على الإغراء ، يعني : الزموا دين الله ، قال الأخفش : هي بدل من قوله (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) ، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) : دينا ، وقيل : تطهيرا ، (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) : مطيعون.

(قُلْ) : يا محمد لليهود والنصارى : (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) ، أي : في دين الله ، والمحاجة : المجادلة (٦) لإظهار الحجة ، وذلك بأنهم قالوا : إنّ الأنبياء كانوا منّا وعلى ديننا ، وديننا أقدم فنحن أولى بالله منكم ، فقال الله : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) ، (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) ، أي : نحن وأنتم سواء في الله فإنه ربنا

__________________

(١) عبارة المخطوط «ليس كهو شيء».

(٢) في المطبوع «قال» :.

(٣) في المخطوط «لأقوالكم ـ بأحوالكم».

(٤) في المطبوع وحده «أثر الثوب على الصبغ».

(٥) في المطبوع «وفاتت».

(٦) زيد في نسخ المطبوع «في الله».

١٧٣

وربكم ، (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) ، أي : لكل واحد جزاء عمله ، فكيف تدعون أنكم أولى بالله ، (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) ، وأنتم به مشركون ، قال سعيد بن جبير : الإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله فلا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله ، قال الفضيل : ترك العمل من أجل (١) الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.

قال الله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ) ، يعني : أتقولون [صيغته](٢) صيغة استفهام ، ومعناه التوبيخ ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالتاء ؛ لقوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) ، وقال بعده : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) ، وقرأ الآخرون بالياء ، يعني : يقول اليهود والنصارى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ) : يا محمد (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) بدينهم (أَمِ اللهُ)؟ وقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ) : أخفى (شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) تعالى ، وهي علمهم بأن إبراهيم وبنيه كانوا مسلمين ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقّ ورسول أشهدهم الله عليه في كتبهم ، (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١) سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣))

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)) ، كرّره تأكيدا.

قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) : الجهال (مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ) ، أي شيء صرفهم وحوّلهم (عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) ، يعني : بيت المقدس ، والقبلة فعلة من المقابلة نزلت في اليهود ومشركي مكة ، طعنوا في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة فقالوا لمشركي مكة : قد تردّد على محمد أمره فاشتاق إلى مولده وقد توجّه نحو بلدكم ، وهو راجع إلى دينكم ، فقال الله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) : ملكا والخلق عبيده ، (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ، نزلت في رؤساء اليهود ، قالوا لمعاذ بن جبل : ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا وإن قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس ، فقال معاذ : أنا على حق وعدل ، فأنزل الله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً) أي (٣) : وهكذا ، وقيل : الكاف للتشبيه ، وهي مردودة على قوله : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) [البقرة : ١٣٠] ، أي : كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم ، كذلك جعلناكم أمة ، (وَسَطاً) ، أي : عدلا خيارا ، قال الله تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ) [القلم : ٢٨] ، أي : خيرهم وأعدلهم ، وخير الأشياء أوسطها ، وقال الكلبي : يعني أهل دين وسط بين الغلوّ والتقصير لأنهما

__________________

(١) في المطبوع «لأجل».

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) العبارة في المخطوط ، (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً) أي : وهكذا. وقيل : الكاف للتشبيه ، أي كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم كذلك جعلناكم أمة وسطا ، مردودة على قوله : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) [وسطا] أي عدلا وخيارا».

١٧٤

مذمومان في الدين.

[٩٣] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد بن الحسين الوراق ، أنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى ، أنا أبو الصلت أنا حماد بن زيد أنا علي بن زيد عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :

قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما بعد العصر ، فما ترك شيئا إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك ، حتى إذا كانت الشمس على رءوس النخل وأطراف الحيطان (١) ، قال : «إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا ، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأخيرها وأكرمها على الله تعالى» ، قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ، يوم القيامة أن الرسل قد بلغتهم ، قال ابن جريج : قلت لعطاء : ما معنى قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)؟ قال : أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم شهداء على من يترك الحق من الناس أجمعين ، (وَيَكُونَ الرَّسُولُ) : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (عَلَيْكُمْ شَهِيداً) : معدّلا مزكيا لكم ، وذلك أن الله تعالى يجمع الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، ثم يقول لكفار الأمم الماضية : ألم يأتكم نذير؟ فينكرون ويقولون : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فيسأل الله الأنبياء عليهم‌السلام عن ذلك فيقولون : كذبوا قد بلّغناهم ، فيسألهم (١) البينة ـ وهو أعلم بهم إقامة للحجة ـ فيؤتى بأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيشهدون لهم أنهم بلغوا فتقول الأمم الماضية من أين علموا [ذلك و](٢) إنما أتوا بعدنا؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون : أرسلت إلينا رسولا وأنزلت عليه كتابا أخبرتنا فيه بتبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت ، ثم يؤتى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم.

[٩٤] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل [البخاري] ، أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة حدثنا الأعمش : أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت؟ فيقول : نعم يا رب ، فيسأل أمته هل بلّغكم؟ فيقولون : ما جاءنا من نذير ، فيقال : من شهودك؟ فيقول : محمد وأمّته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فيجاء بكم فتشهدون» ، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا

__________________

[٩٣] ـ إسناده ضعيف لضعف أبي الصلت وعلي بن زيد. أبو الصلت هو عبد السلام بن صالح الهروي. أبو نضرة هو منذر بن مالك. وصدره إلى قوله : «في مقامه ذلك» محفوظ حيث أخرجه البخاري ٦٦٠٤ ومسلم ٢٨٩١ وغيرهما من حديث حذيفة ، وله شواهد أخرى راجع الإحسان (١٥ / ٦ ـ ٧ ـ ٨) بتحقيق الشيخ شعيب الأرناءوط ، وأما أثناؤه ، فله شواهد ستأتي في موضعها إن شاء الله ، وأما عجزه ، فسيأتي تخريجه برقم ٤٢٨ وهو هناك بالإسناد المذكور هاهنا ، ولعجزه شاهد أيضا من حديث معاوية بن حيدة وهو الآتي برقم ٤٢٧ ، والله تعالى أعلم.

(١) الحائط : البستان.

[٩٤] ـ إسناده صحيح ، محمد بن إسماعيل هو البخاري إمام فن علم الحديث. أبو أسامة اسمه حماد بن أسامة ، مشهور بكنيته ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو صالح اسمه ذكوان.

خرّجه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٧٣٤٩ عن إسحاق بن منصور بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٣٣٣٩ و ٤٤٨٧ و ٧٣٤٩ والترمذي بإثر ٢٩٦١ وابن ماجه ٤٢٨٤ وأحمد (٣ / ٥٨) وابن حبان ٧٢١٦ والطبري ٢١٦٥ و ٢١٦٦ مختصرا ومطوّلا كلهم من حديث أبي سعيد الخدري.

__________________

(١) في المطبوع وحده «فيسأل».

(٢) ما بين المعقوفتين في المطبوع «أو».

١٧٥

شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).

قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) ، أي : تحويلها ، يعني عن بيت المقدس ، فيكون من باب حذف المضاف ، ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفا على تقدير : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة ، وقيل معناه التي أنت عليها وهي الكعبة ؛ كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) [آل عمران : ١١٠] ، أي : أنتم ، (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) ، فإن قيل : ما معنى قوله (إِلَّا لِنَعْلَمَ) وهو عالم بالأشياء كلها قبل كونها؟ قيل : أراد به العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب ، فإنه لا يتعلق بما هو عالم به في الغيب ، إنما يتعلق بما يوجد معناه لنعلم العلم (١) الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب ، وقيل : (إِلَّا لِنَعْلَمَ) ، أي : لنرى ونميّز من يتبع الرسول في القبلة [التي أردناها في أزلنا](٢) ، (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) ، فيرتد ، وفي الحديث : «أن القبلة لما حوّلت ارتدّ قوم من المسلمين إلى [دين](٢) اليهودية ، وقالوا : رجع محمد إلى دين آبائه» (١) ، وقال أهل المعاني : معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، كأنه سبق في علمه أنّ تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم ، وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي ، ؛ كما قال الله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) [البقرة : ٩١] ، أي : فلم قتلتموهم (٣)؟ (وَإِنْ كانَتْ) ، أي : وقد كانت ، أي (٤) تولية القبلة ، وقيل : الكتابة راجعة إلى القبلة ، وقيل : إلى الكعبة ، قال الزجاج : وإن كانت التحويلة (لَكَبِيرَةً) : ثقيلة شديدة ، (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) ، أي : هداهم الله ، قال سيبويه : (وَإِنْ) تأكيد شبيه باليمين ، ولذلك دخلت اللام في جوابها ، (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).

ع [٩٥] وذلك أن حييّ بن أخطب وأصحابه من اليهود ، قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس إن كانت هدى ، فقد تحوّلتم عنها ، وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها؟ ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة ، فقال المسلمون : إنما الهدى ما أمر الله به ، والضلالة ما نهى الله عنه ، قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا ، وكان قد مات قبل أن تحوّل إلى الكعبة من المسلمين أسعد بن زرارة ، من بني النجار والبراء بن معرور من بني سلمة ، وكانا من النقباء ، ورجال آخرون ، فانطلق عشائرهم إلى

__________________

(١) لا أصل له بهذا اللفظ ، ولم يلتحق باليهودية من المسلمين أحد ، بل ولم يرتد أحد من المسلمين بسبب تحول القبلة ، وقد أخرج الطبري ٢٢١٠ عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ؟ فقال عطاء : يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره. قال ابن جريج : بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا : مرة هاهنا ومرة هاهنا ا ه. ومرسل ابن جريج هذا ليس بشيء ، قال أحمد : بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج ، أحاديث موضوعة ، كان لا يبالي من أين يأخذها. راجع «الميزان» (٢ / ٦٥٩)

ع [٩٥] ـ لم أره مسندا بهذا السياق. وبنحوه أخرج أبو داود ٤٦٨٠ والترمذي ٢٩٦٤ والطيالسي ٢٦٧٣ وأحمد (١ / ٢٩٥ و ٣٠٤) والدارمي (١ / ٢٨١) والطبري ٢٢٢٤ والحاكم (٢ / ٢٦٩) والطبراني ١١٧٢٩ عن ابن عباس قال : لما توجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الكعبة قالوا : يا رسول الله ، فكيف الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) وإسناده حسن لأجل سماك بن حرب ، وقد توبع.

فقد ورد من حديث البراء بن عازب وفيه : «مات على القبلة قبل أن تحوّل رجال ، وقتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ)» أخرجه البخاري ٤٠ و ٤٤٨٦ ومسلم ٥٢٥ والترمذي ٣٤٠ وابن ماجه ١٠١٠ وأحمد (٤ / ٢٨٣) وابن حبان ١٧١٦ ، وفي الباب أحاديث.

(١) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «العمل».

(٢) سقط من نسخ المطبوع.

(٣) في المخطوط «قتلتم» دون «فلم».

(٤) في المطبوع وحده «أو».

١٧٦

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : يا رسول الله قد صرفك [الله](١) إلى قبلة إبراهيم ، فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).

يعني : صلاتكم إلى بيت المقدس ، (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).

قرأ أهل الحجاز وابن عامر وحفص «لرءوف» مشبعا على وزن فعول ، لأن أكثر أسماء الله تعالى على فعول وفعيل ، كالغفور والشكور [والرحيم والكريم](٢) وغيرها ، وأبو جعفر يلين الهمزة ، وقرأ الآخرون بالاختلاس على وزن فعل ، قال جرير :

[ترى](٣) للمسلمين عليك حقا

كفعل الوالد (٤) الرءوف الرحيم

والرأفة : أشد الرحمة.

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤))

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) ، هذه الآية وإن كانت متأخرة في التلاوة فهي متقدمة في المعنى ، فإنها رأس القصة ، وأمر القبلة أول ما نسخ من أمور الشرع ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه كانوا يصلّون بمكة إلى الكعبة فلما هاجر إلى المدينة أمره أن يصلّي نحو صخرة بيت المقدس ، ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إيّاه إذا صلّى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة ، فصلّى بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ، وكان يجب أن يوجّه إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه‌السلام ،

ع [٩٦] وقال مجاهد : كان يحب ذلك من أجل اليهود لأنهم كانوا يقولون : يخالفنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ديننا ويتبع قبلتنا ، فقال لجبريل عليه‌السلام : «وددت لو حوّلني الله إلى الكعبة ، فإنها قبلة أبي إبراهيم عليه‌السلام» ، فقال جبريل : إنما أنا عبد مثلك وأنت كريم على ربك فسل أنت ربك فإنك عند الله عزوجل بمكان ، فعرج جبريل عليه‌السلام وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ).

(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) ، فلنحولنّك إلى قبلة (تَرْضاها) ، أي : تحبّها وتهواها ، (فَوَلِ) ، أي : حوّل (وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، أي : نحوه ، وأراد به الكعبة ، والحرام : المحرّم ، (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) ، من برّ [أو بحر](٥) شرق أو غرب : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ، عند الصلاة.

__________________

ع [٩٦] ـ ضعيف. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (١ / ١٨٦) من حديث ابن عباس ، وفي إسناده الواقدي وهو ضعيف متروك ، وقد ذكره الواحدي في «الوسيط» (١ / ٢٢٩) و «الأسباب» بإثر ٧٣ فقال : قال المفسرون ... فذكره.

ـ وفي الباب من حديث البراء بن عازب عند ابن ماجه ١٠١٠.

قال البوصيري في «الزوائد» : حديث البراء صحيح رجاله ثقات ا ه.

وله علة وهي أن الجماعة رووه بغير هذا السياق ، وليس فيه جبريل ، ولا مخاطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له ، ولعل الوهن فيه بسبب عنعنة أبي إسحاق السبيعي ، فإنه مدلس ، وقد عنعن. وشيخ ابن ماجه وهو علقمة بن عمرو صدوق يغرب.

__________________

(١) سقط من المطبوع وحده.

(٢) سقط من المخطوط.

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) في المطبوع «الواحد» والمثبت عن «الوسيط» (١ / ٢٢٨) وديوان جرير ٦٠٨.

(٥) العبارة في المطبوع «أو نحو».

١٧٧

[٩٧] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن نصر ، أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال : سمعت ابن عباس قال :.

لمّا دخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه ، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال : «هذه القبلة».

[٩٨] أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمرو بن خالد ، أخبرنا زهير أخبرنا أبو إسحاق ، عن البراء :

أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار وإنه صلّى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلّى أول صلاة صلّاها صلاة العصر ، وصلّى معه قوم فخرج رجل ممن صلّى معه ، فمرّ على أهل مسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل مكّة ، فداروا كما هم قبل البيت ، وكانت اليهود قد أعجبهم إذا كان يصلّي قبل بيت المقدس ، وأهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك ، وقال البراء في حديثه هذا : إنه مات على القبلة قبل أن تحوّل رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣].

وكان تحويل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين.

ع [٩٩] قال مجاهد وغيره : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسجد بني سلمة ، وقد صلّى بأصحابه

__________________

[٩٧] ـ إسناده على شرط البخاري ، تفرد البخاري بالرواية عن إسحاق بن نصر البخاري السعدي ، ومن فوقه على شرطهما. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز.

وهو في «شرح السنة» ٤٤٩ بهذا الإسناد.

خرجه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٣٩٨ عن إسحاق بن نصر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٣٣٠ من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج به.

ـ وفي الباب من حديث أسامة بن زيد عند مسلم ١٣٣٠ والنسائي (٥ / ٢٢٠ ـ ٢٢١) وعبد الرزاق ٩٠٥٦ وابن حبان ٣٢٠٨ والطبري ٢٢٥٧ و ٢٢٦٠ والبيهقي (٢ / ٣٢٨).

[٩٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري. زهير هو ابن معاوية ، وأبو إسحاق هو السبيعي ، اسمه عمرو بن عبد الله الهمداني.

أخرجه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٤٠ عن عمرو بن خالد بهذا الإسناد وأخرجه البخاري ٣٩٩ و ٤٤٨٦ و ٤٤٩٢ و ٧٢٥٢ ومسلم ٥٢٥ والترمذي ٣٤٠ و ٢٩٦٢ والنسائي (٢ / ٦٠) وابن ماجه ١٠١٠ والطيالسي ٧١٩ وابن أبي شيبة (١ / ٣٣٤) وأحمد ٤ / ٢٨٣ وأبو عوانة ١ / ٣٩٣ و ٣٩٤ وابن حبان ١٧١٦ والدارقطني (١ / ٢٧٣) والبغوي في «شرح السنة» ٤٤٥ والبيهقي (٢ / ٢) من طرق عن أبي إسحاق عن البراء به.

ع [٩٩] ـ ضعيف بهذا اللفظ.

عزاه المصنف لمجاهد وغيره ، وإسناده إلى مجاهد في مقدمة الكتاب ، وفيه مسلم بن خالد الزنجي ، وهو ضعيف ، ومع ذلك هو مرسل. وذكره ابن سعد في «الطبقات» (١ / ١٨٦) بقوله : «ويقال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ركعتين ...» فذكره بدون إسناده.

ـ وكذا ذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ١٩٥) بقوله : وذكر غير واحد من المفسرين أن تحويل القبلة نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .... فذكره.

ـ وقال الحافظ في تخريج الكشاف (١ / ٢٠٢) : أخرجه الواقدي في المغازي ، ونقله عنه ابن سعد ثم أبو الفتح اليعمري ا ه. والواقدي متروك الحديث ، وهذا المتن بهذا اللفظ منكر ضعيف. والصحيح ما بعده.

١٧٨

ركعتين من صلاة الظهر ، فتحوّل في الصّلاة واستقبل الميزاب (١) ، وحوّل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

وقيل : كان التحويل خارج الصلاة بين الصلاتين ، وأهل قباء وصل إليهم الخبر في صلاة الصبح.

[١٠٠] أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي السامري ، أخبرنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري ، عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر قال :

بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذا جاءهم آت وقال لهم : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.

فلما تحوّلت القبلة قالت اليهود : يا محمد ما هو إلّا شيء تبتدعه من تلقاء نفسك فتارة تصلي إلى بيت المقدس وتارة إلى الكعبة ، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره ، فأنزل الله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ) ، يعني : أمر الكعبة ، (الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) ، ثم هدّدهم فقال : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) ، قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء ، قال ابن عباس : يريد أنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي وما أنا بغافل عن ثوابكم (١) وجزائكم ، وقرأ الباقون بالياء ، يعني : ما أنا بغافل عما يفعل اليهود فأجازيهم في الدنيا وفي الآخرة.

(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥))

قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ، يعني : اليهود والنصارى ، قالوا : ائتنا بآية على ما تقول ، قال الله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ) : معجزة ، (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) ، يعني : الكعبة ، (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) ، لأن اليهود تستقبل بيت المقدس وهو المغرب ، والنصارى تستقبل المشرق ، وقبلة المسلمين الكعبة.

[١٠١] أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي (٢) ،

__________________

(١) وقع في الأصل «الميزان» والمثبت هو الصواب.

[١٠٠] ـ إسناده صحيح. أبو مصعب أحد الأئمة الذين رووا الموطأ عن مالك وهو من فوقه رجال البخاري ومسلم ، وهو إسناد كالشمس.

وهو في «شرح السنة» ٤٤٦ بهذا الإسناد.

أخرجه المصنف من طريق مالك ، وهو في «الموطأ» (١ / ١٩٥) عن ابن دينار به.

وأخرجه البخاري ٤٠٣ و ٤٤٨٨ و ٤٤٩٠ و ٤٤٩١ و ٤٤٩٤ و ٧٢٥١ ومسلم ٥٢٦ والنسائي (٢ / ٦١) والشافعي (١ / ٦٤) وابن أبي شيبة (١ / ٣٣٥) وأحمد (٢ / ١٦ و ٢٦ و ١٠٥) والدارمي ٢٨١ وأبو عوانة (١ / ٣٩٤) وابن حبان ١٧١٥ والبيهقي (٢ / ٢ و ١١) من طرق من حديث ابن عمر.

[١٠١] ـ حديث حسن بشواهده وطرقه. إسناده لا بأس به لأجل عبد الله بن جعفر المخرمي. وباقي رجال الإسناد ثقات.

وهو في «شرح السنة» ٤٤٧ بهذا الإسناد.

أخرجه المصنف من طريق الترمذي ، وهو في «سننه» ٣٤٤ عن الحسن بن بكر بهذا الإسناد.

وأخرجه الترمذي ٣٤٢ و ٣٤٣ وابن ماجه ١٠١١ من وجه آخر عن أبي معشر نجيح عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن

__________________

(١) في المخطوط «توليتكم».

(٢) في المطبوع «بن الجراح» بدل «الجراحي» والمثبت عن «شرح السنة» ووقع في المخطوط «الخزاعي».

١٧٩

أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، أخبرنا الحسن بن بكر المروزي أخبرنا المعلّى بن منصور أخبرنا عبد الله بن جعفر المخرميّ (١) ، عن عثمان الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما بين المشرق والمغرب [قبلة](١)».

وأراد به في حق أهل المشرق وأراد بالمشرق : مشرق الشتاء في أقصر يوم من السنة ، وبالمغرب : مغرب الصيف في أطول يوم من السنة ، فمن جعل مغرب الصيف في هذا الوقت عن (٢) يمينه ومشرق الشتاء عن يساره كان وجهه إلى القبلة. (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) : مرادهم ، الخطاب مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد به الأمة ، (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) ، من الحق في القبلة ، (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ).

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨))

قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) ، يعني : مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه ، (يَعْرِفُونَهُ) ، يعني : يعرفون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) : من بين الصبيان ، قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلّام : إن الله قد أنزل على نبيّه (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) فكيف هذه المعرفة؟ قال عبد الله : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف (٣) ابني ، ومعرفتي بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشدّ من معرفتي بابني ، فقال عمر : وكيف ذلك؟ فقال : أشهد أنه رسول حقّ من الله تعالى ، وقد نعته الله في كتابنا ، ولا أدري ما تصنع النساء ، فقال عمر : وفقك الله يا ابن سلام فقد صدقت (٢) ، (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ

__________________

أبي هريرة مرفوعا بلفظ : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» وعلّقه النسائي (٤ / ١٧٢) وقال : أبو معشر ضعيف ، مع ضعفه اختلط وعنده مناكير.

وقال الترمذي عقب الرواية الأولى والثانية : أبو معشر اسمه نجيح قال البخاري : لا أروي عنه شيئا. ثم قال الترمذي : قال البخاري. وحديث الأخنسي أقوى من حديث أبي معشر وأصح ا ه.

ـ وحديث الأخنسي في الرواية الثالثة للترمذي.

ـ وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني (١ / ٢٧٠) والبيهقي (٢ / ٩) وصححه الحاكم (١ / ٢٠٥) وقال : على شرطهما! وسكت الذهبي! مع أن فيه شعيب بن أيوب تفرد عنه أبو داود ، وهو ثقة ، لكنه مدلس ثم ساقه الحاكم من وجه آخر عن ابن عمر وقال : هذا حديث صحيح وقد أوفقه جماعة على ابن عمر ، ووافقه الذهبي سكوتا.

ـ وفي «نصب الراية» (١ / ٣٠٣) قال الزيلعي : هذا الحديث تكلم فيه أحمد وقوّاه البخاري. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» ٥٢٨ : قال أبو زرعة : هذا حديث فيه وهم. بل هو موقوف على ابن عمر ا ه. قلت : قد ورد من حديث أبي هريرة ، من طريقين ، أحدهما يقرب من الحسن بمفرده.

ـ لذا صححه الألباني في الإرواء (٢ / ١٠٢) لهذه الطرق ، ومع ذلك لا يبلغ درجة الصحة فهو معلول. بعضهم أعله بالإرسال وبعضهم أعله بالوقف ، وحسبه أن يكون حسنا ، وقد ورد عن عمر قوله ، أخرجه مالك (١ / ٢٠١).

(١) وقع في الأصل «المخزومي» وكذا في تفسير ابن كثير (١ / ١٦٤) والتصويب من سنن الترمذي و «التقريب» لابن حجر. و «شرح السنة».

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٧١) ونسبه للثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس ، وإسناده

__________________

(١) لفظ «قبلة» في نسخ المطبوع في أول الأثر ، والمثبت عن المخطوط وكتب الحديث وشرح السنة.

(٢) في المطبوع «على».

(٣) في المطبوع «عرفت».

١٨٠