تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٣

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ) انها المعركة كلها تدور بأمر الله ومشيئته وتدبيره. (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ، انه الامر الهائل ، انها معية الله تعالى للملائكة في المعركة ، اننا نؤمن بوجود خلق من خلق الله اسمهم الملائكة ، ولكنا لا ندرك من طبيعتهم الا ما أخبرنا به خالقهم عنهم ، وبمقدار ما نص عليه القرآن المجيد.

انها ليست فلتة عارضة ، ولا مصادفة عابرة ، ان ينصر الله العصبة المسلمة ويسلط على أعدائهم الرعب والملائكة ، انما ذلك لانهم شاقوا الله ورسوله ، ويصدون عن سبيل الله).

(وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ينزل عقابه الشديد على الذين يشاقونه ويشاقون رسوله ، وهو قادر على عقابهم في كل لحظة وهم الضعفاء العاجزون.

انها قاعدة وسنة ، لا فلتة ولا صدفة ، ويمكن تكرارها في كل وقت استقامت به الامة المسلمة :

(ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) فهذه نهاية المطاف ، وهذا هو العذاب الذي لا يقاس اليه ما ذقتم من الرعب والهزيمة ومن والضرب فوق الاعناق ومن ضرب كل بنان.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١))

٦١

البيان : ان قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخا ثابتا لا تهزمه في الارض قوة ، وهو موصول بقوة الله الغالب على أمره ، القاهر فوق عباده : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ .. فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ). ان التدبير لا ينتهي عند أن يقتل الله لكم أعداءكم ويمنحكم حسن البلاء ليأجركم عليه. انما هو يضيف اليه توهين كيد الكافرين واضعاف تدبيرهم.

فاذا كان الله عزوجل هو الذي قتل المشركين والذي رماهم وهو الذي أبلى المؤمنين البلاء الحسن وهو الذي أوهن كيد الكافرين فما يوجد البشر الا امتحان واختيار ليميز الخبيث من الطيب (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) و(ان الله لمع المؤمنين) ان المعركة بين الحق والباطل لم تكن يوما ما متكافئة أبدا. لان المؤمنين ـ معهم الله الذي لا يغلب ولا يقهر ـ سيكونون في صف والكفار ـ وليس معهم الا ضعفاء مثلهم ـ سيكونون في الصف الآخر.

ولقد كان مشركو العرب يعرفون هذه الحقيقة ، فان معرفتهم بالله سبحانه لم تكن قليلة ولا سطحية ولا غامضة. ولم يكن شرك العرب متمثلا في انكار الله تعالى. انما كان يتمثل فيهم عدم اخلاصهم العبودية له. وذلك بتلقي منهج حياتهم من غيره ، وهذا ما يتنافى مع التوحيد. وهذا الداء والبلاء واقع في كل زمان حتى في أصحاب رسول الله ص وآله ولذا تراهم بمجرد ان مات أسرعوا الى عقد خلافتهم الباطلة ونكثوا عهد الله ورسوله الذي أخذ عليهم قبل ذلك بسبعين يوما لا غير. وتركوا نبيهم مسجى ولم يكتفوا بذلك كله حتى حملوا الحطب وأرادوا حرق بيت نبيهم على جميع أهله وأولاده وعشيرته اذا لم يبايعهم علي (ع).

٦٢

أما تلك الاصنام التي يتظاهرون انهم يعبدونها ، فما كان ذلك له وجود في قرارة أنفسهم.

ولقد صرح القرآن المجيد بذلك عما اعترفوا به فقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى).

فهذا كان مبلغ تصور العوام منهم واما القادة والجبابرة لم يكن لهم أي علاقة بتلك الاصنام قط وانما كان لهم مصالح واغراض تتوقف على اظهار ذلك ليتوصلوا اليها من طريق ذلك فقط.

واكثر أهل عصرنا الحاضر يفعلون نفس ما فعله الاقدمون انما يظهر الكفر والالحاد لمصالح وغايات لهم خاصة يتوقف نيلها على ذلك واما في قرارة انفسهم فهم غير ذلك قطعا.

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥))

البيان : ان العقل قد يدرك الحق ، ولكن القلب المطموس لا يستجيب حتى لو اسمعهم الله سماع ألفهم لتولوا عن الاستجابة ، والاستجابة هي السماع الصحيح ، وكم من ناس تفهم عقولهم ولكن قلوبهم مطموسة لا تستجيب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ لِما يُحْيِيكُمْ)

ان رسول الله ص وآله يدعو الناس للحياة الانسانية الروحية الملكوتية ، التي هي لا غير تميز الانسان عن سائر الحيوانات والبهائم ، فكل من فقدت منه هذه الحياة الانسانية فهو يعيش عيشة البهائم وان كان أكبر عالم وفيلسوف وحاكم وسلطان.

انه يدعوهم الى عقيدة تحيي القلوب والعقول ، وتطلقها من أوهام

٦٣

الجهل والخرافة ، ومن الخضوع المذل للاسباب الظاهرة والحتميات القاهرة ، ومن العبودية لغير الله والمذلة للعبد السافل والشهوات المنحطة.

ويدعوهم الى شريعة الخالق العظيم والسلطان القاهر الذي لا يغلب والملك الغني الدائم الذي لا يفتقر ولا يبخل ولا يموت ولا يبعد ولا يغفل وهو مع عباده أينما كانوا. ويدعوهم الى منهج للحياة وللفكر. يطلقهم من كل قيد ويضبطهم من كل انفلات وفوضى. يدعوهم الى القوة والعزة ، والاستعلاء بعقيدتهم الحقة ، ومنهجهم العدل المستقيم الكافي الوافي ويدعوهم الى الجهاد في سبيل الله لاقرار الامن والامان وكفاح الظالم ونصرة المظلوم واعلاء كلمة الدين والحق. وازهاق كلمة الضلال والباطل والفساد في الارض. ذلك مجمل ما يدوهم اليه الاسلام ورسول الاسلام وخالق الاسلام يدعوهم الى سعادة الابد.

ان هذا الدين منهج حياة كاملة ، لا مجرد عقيدة موهومة خرافية سافلة ضالة. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ).

فيالها من صورة رهيبة مخيفة للقدرة الباهرة القاهرة التي لا تغلب ولا تقهر ولا تهزم ، استجيبوا له طائعين مختارين فانه القادر على نصركم واهلاك أعدائكم وفيض الخيرات عليكم. فانه يفصل بين المرء وقلبه ، وصاحبه لا يملك منه شيئا لان ادارة كل مخلوق بيد خالقه دائما.

انها صورة رهيبة حقا يتمثلها القلب الواعي في النص القرآني ، ولكن التعبير البشري يعجز عن تصوير ايقاعها في هذا القلب ، ووصف هذا الايقاع في العصب والحسّ.

(وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فقلوبكم بين يديه (فهو يقلب القلوب) وانتم

٦٤

بعد ذلك محشورون اليه فما لكم منه مفر ولا مهرب ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهو مع هذا يدعوكم ليستجيب لكم وتستجيبوا له استجابة الحر المختار ، لا استجابة العبد المقهور. وكل ما يدعو اليه لكم فيه النفع والربح. (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً).

والفتنة هنا هي الابتلاء والعذاب ، لان ارباب الجرائم ثلاثة ، مرتكب الجريمة ، والراضي بالجريمة ، والساكت عن أنكار الجريمة ، فليس العقاب مختص بمن ارتكب الجريمة بل يشمل الراضي بها والساكت عن انكارها وهذا معنى قوله عزوجل (اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.) فالاسلام منهج تكافل ايجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن كفاح أهل الظلم والفساد مع امكانهم ذلك ، فانكار المنكر واجب كالصلاة والصيام والتارك له مجرم ظالم.

(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨))

البيان : اذكروا هذا لتستيقنوا أن الرسول يدعوكم لما يحييكم ، واذكروه كي لا تقعدوا عن مكافحة الظلم والفساد ، في كل صوره وأشكاله.

اذكروا ايام الضعف والخوف قبل أن تذوقوا حلاوة الاسلام وقوة الحق والعدل. واذكروا كيف نقلكم الاسلام من مقام الخوف والضعف الى مكان الامن والقوة. فأصبح كسرى وقيصر وجميع من في الارض يرهبون بأسكم وقوتكم الموصولة بخالق الكون وما فيه : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، فمن ذا الذي يتأمل هذه النقلة الجبارة البعيدة المدى ثم

٦٥

لا يستجيب لصوت الحق والعدل صوت الامن والقوة ، صوت الخالق العظيم ونبيه الكريم ص وآله :

(فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

وهذه القوة الالهية التي لا تقهر ولا يقهر كل من اتصل بها وانما هي تلازم أهل التقوى والايمان الصحيح :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) ...

ان التخلي عن تكاليف الامة المسلمة في الارض خيانة لله ولرسوله فالقضية الاولى في هذا الدين هي قضية : (لا اله الا الله ، محمد رسول الله) قضية أفراد الله سبحانه بالالوهية والأخذ في هذا بما بلغه نبيه محمد ص وآله.

والبشرية في تاريخها كله لم تكن تجحد الله البتة ، ولكنها انما كانت تنحرف عن مناهجه. وبذلك تكون قد أشركت مع الله الها آخر. فكل من أطاع مخلوقا قد شرع مقابل الله تعالى فقد اشرك هذا المشرع مع الله عزوجل وأولها الاشراك الخفية ولذا قال عزوجل عن هذا :

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً)

(فشهادة لا اله الا الله) هي افراده بالتشريع والحاكمية الملازمة للتشريع.

هذه هي قضية هذا الدين ـ اعتقادا لتقريره في الضمير ، وحركة لتقريره في الحياة ـ

ومن هنا كان التخلي عنها خيانة لله ولرسوله ، يحذر الله منها العصبة المسلمة التي آمنت به وأعلنت هذا الايمان ، فأصبح متعينا عليها أن تجاهد لتحقيق مدلوله الواقعي والنهوض بتكاليف هذا الجهاد في الانفس والاموال والاولاد.

٦٦

كذلك يحذرها خيانة الامانة التي حملتها يوم بايعت رسول الله ص وآله ، على الاسلام ، فالاسلام ليس كلمة تقال باللسان ، وليس مجرد عبارات وادعائيات ، انما هو منهج حياة كاملة ، شاملة تعترضه العقبات ، انه منهج لبناء واقع الحياة على قاعدة (ان لا اله الا الله)

وذلك برد الناس بأجمعهم الى عبودية ربهم الحق ، ورد المجتمع الى حاكميته عزوجل. ورد الطغاة المعتدين الى حدود الله وعدله المستقيم ، وكلها أمانات واجب تطبيقها (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) فاذا انتبه القلب الى موضع الامتحان والاختبار ، كان ذلك عونا له على الحذر واليقظة بالانحراف والخروج عن حدود الله بدافع حب أموال أو أولاد. فحب الاموال والاولاد يجب أن يبقى ضمن اطار الشريعة وضمن أوامر الله تعالى ونواهيه. ومن يخالف ذلك فقد خان نفسه واولاده وخالفه جميعا

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤))

البيان : التقوى هو الزاد ، زاد التقوى التي تحيي القلوب وتوقظها وتستجيش فيها أجهزة الحذر والرغبة معا. وحدة النور والهدى ، الذي يكشف منحنيات الطريق ودروبه على مد البصر. فلا تغبشه الشبهات التي تحجب الرؤية الكاملة الصحيحة.

٦٧

ثم هو زاد الفطرة للخطايا ، الزاد المطمئن الذي يسكب الهدوء والقرار ، وزاد الامل في فضل الله العظيم ، يوم تنفد الاوزاد وتقصر الاعمال.

انها حقيقة : ان تقوى الله تجعل في القلب فرقانا يكشف له منعرجات الطريق ، ولكن هذه الحقيقة ـ ككل حقائق العقيدة ـ لا يعرفها الا من ذاقها فعلا. ان الوصف لا ينقل مذاق هذه الحقيقة لمن لم يذوقوها.

ان الحق في ذاته لا يخفى على الفطرة ، ان هناك اصطلاحا من الفطرة على الحق الذي فطرت عليه. والذي خلقت به السموات والارض ، ولكنه الهوى هو الذي يحول بين الحق والفطرة ، الهوى هو الذي ينشر الغبش ، ويحجب الرؤية ، ويعمي المسالك ويخفي الدروب والهوى لا تدفعه الحجة انما تدفعه التقوى ، تدفعه مخافة الله عزوجل ، ومراقبته في السر والعلن ، ومن ثم هذا الفرقان الذي ينير البصيرة ، ويرفع اللبس ويكشف الطريق المستقيم ، وهو أمر لا يقدر بثمن .. ولكن فضل الله العظيم ، يضيف اليه تكفير الخطايا ، ومغفرة الذنوب ، ثم يضيف اليهما (الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

الا انه العطاء العميم ، الذي لا يعطيه الا الرب الكريم (ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : انه التذكير بما كان في مكة ، قبل الهجرة ، حينما تآمرت قريش على قتله بعد موت ناصره ابو طالب (ع) وقد نجاه الله بوقاية علي بن ابي طالب (ع) له ومبيته على فراشه وخروجه الى الغار ثم مهاجرته الى المدينة الى الانصار المتهيئة للقائه.

ولقد كان المسلمون الذين يخاطبون بهذا القرآن أول مرة يعرفون الحالين ـ قبل الهجرة وبعدها ـ معرفة الذي عاش وذاق ، وسمع ورأى.

٦٨

والصورة التي يرسمها قوله تعالى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) صورة عميقة التأثير .. ذلك حين تتراءى للخيال ندوة قريش الضالة ، وهم يتآمرون على قتله واغتياله في الليل المظلم. وقد دبر الله تعالى ـ مقابل مكرهم ـ ونجاه من كيدهم ومكرهم وتدبير الله فوق كل مكر وتدبير فأين هؤلاء البشر الضعاف المهازيل من تلك القوة القادرة ، قدرة خالق الكون وما حواه القوة التي لا تقهر ولا تغلب ، واذا أراد شيئا فحسبه أن يقول له كن فيكون.

والتعبير القرآني يرسم الصورة على طريقة القرآن الفريدة في التصوير. فيهز بها القلوب ويحرك بها اعماق الشعور.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا)

لقد كان الملأ من قريش يعرفون طبيعة هذه الدعوة ، مذ كانوا يعرفون مدلولات لغتهم الصحيحة كانوا يعرفون أن شهادة لا اله الا الله وان محمدا رسول لله ، معناها اعلان التمرد على سلطان البشر كافة ، والخروج من حاكمية العباد جملة والانقطاع الى ألوهية خالق الكون والانسان وحده ثم يختص تلقي هذا التوحيد من قبل محمد وحده. وكانوا يرون الذين يشهدون هذه الشهادة كيف يخرجون من كل مقررات قريش وأضاليلها ، ويوجهون بولائهم كله الى الله.

وحقيقة انه في مكة لم تكن للاسلام شريعة ودولة ، ولكن الذين كانوا ينطقون بالشهادتين كانوا يسلمون قيادهم للارادة الالهية ، والقيادة المحمدية ، ويخصصون ولاءهم للعصبة المسلمة فقط لا غير ، وهذا الذي كان يزعج الملأ من قريش من زحف الاسلام وانتشار القرآن.

وقد كان الملأ من قريش يعمدون الى ما في القرآن من قصص الاولين وقصص الخوارق والمعجزات وفعل الله عزوجل بالمكذبين

٦٩

وانجائه المؤمنين .. فيقولون للجماهير المستغفلة انها أساطير الاولين ، كتبها محمد ممن يجمعونها وجاء يتلوها عليكم زاعما انه يوحي اليه بها من عند الله. ولا بد أن نقدر أنه كان هناك تأثير لهذه البلبلة في الوسط الجاهلي عند عامة الناس.

على أن الذي انتهى اليه الامر في مكة أن هذه الاساليب لم تعش طويلا وان هذا النوع من المناورات قد انكشفت زيفها بعد حين ولكن العجيب في شأن هذا القرآن ـ على طول الكيد ـ ما يزال هو الغالب والصادق ، والمتحدي لكل من ناوأه ، ان لهذا الكتاب من الخصائص العجيبة والسلطان القاهر على الفطرة ما يغلب به كيد الجاهلية الاولى ، وجاهلية القرن العشرين :

(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ)

وهو دعاء غريب بصورة من العناد الجامح الذي يؤثر الهلاك على الاذعان للحق ، حتى ولو كان حقا.

ان الفطرة السليمة حين تشك تدعو الله أن يكشف لها عن وجه الحق ، وأن يهديها اليه ولكن حين تفسد هذه الفطرة بالكبرياء الجامحة ، تأخذها العزة بالاثم حتى لتؤثر الهلاك والدمار والعذاب على أن تخضع للحق عند ما ينكشف لها واضحا لا ريب فيه. وبمثل هذا العناد كان مشركوا مكة يواجهون دعوة الحق التي يدعو اليها رسول الله ص وآله :

(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).

انها رحمة الله تمهلهم ـ وان كانوا يستحقون الهلاك ـ فلا يأخذهم الله تعالى بعنادهم ويعجل هلاكهم.

٧٠

(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠))

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ.) فالفرصة أمامهم سانحة لينتهوا عماهم فيه من الكفر ، ومن التجمع لحرب الاسلام وأهله. ومن انفاق الاموال للصد عن سبيل الله. والطريق أمامهم مفتوح ليتوبوا عن هذا كله ويرجعوا الى الله عزوجل.

فالاسلام يحب من قبله ويدخل التائبين جنات النعيم ، وللذين كفروا أن يختاروا ماداموا في الحياة فاذا استمروا على كفرهم وعنادهم فسوف يصلون عذاب جهنم وبئس المصير :

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ). وهذه حدود الجهاد في سبيل الله في كل زمان لا في ذلك الزمان فحسب ، فالاسلام يقرر حكما دائما للحركة في مواجهة الواقع الجاهلي الدائم.

لقد أعلن الاسلام اعلانا عاما لتحرير الانسان من عبودية المخلوق ، ويخصه بعبادة خالقه لا غير ، فلا يخضع لسواه ولا يحتاج سواه ولا يراقب الا رضاه فاذا فعل العبد ذلك تحرر من العبودية المادية وتوجه للصعود والارتفاع في مراتب الاحرار والصديقين الابرار الى أن يصل الى ما فوق الملائكة المقربين.

(حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) هذا هو المنهج الواقعي الحركي الايجابي لهذا

٧١

الدين. لا ما يقوله المهزومون والمخدوعون ولو كانوا من المخلصين ولكنهم لهذا الدين جاهلون.

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١))

البيان : عن الصادق (ع) : اما خمس الله فللرسول ص وآله واما خمس ذي القربى فهو لأقاربه الخاصة ، واما الثلاثة الباقية فهم لفقراء بني هاشم ، لان الله قد حرم عليهم الزكاة.

فمن الغنيمة يخرج الخمس : ثلاثة لفقراء بني هاشم والثلاثة الاخرى فهي للامام بعد النبي ص وآله ، لان الله تعالى قد ألزمه بما ألزم النبي بقضاء حوائج المحتاجين وقضاء ديونهم لان الامام (ع) قائم مقام النبي ص وآله الذي هو أولى المؤمنين من أنفسهم وهو بمنزلة الاب العطوف

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤))

البيان : ان المعركة شاخصة بمواقع الفريقين فيها وشاهدة بالتدبير الخفي من ورائها. ان يد الله تكاد ترى وهي توقف هؤلاء هنا ، وهؤلاء هناك ، والقافلة من بعيد ، والكلمات تكاد تشف عن تدبير الله في رؤيا الرسول ص وآله. وفي تقليل كل فريق في نظر الفريق الآخر. وفي كل منهما بالاخر ، ويملك الاسلوب القرآني الفريد عرض المشاهد وما وراء المشاهد بهذه الحياة وبهذه الحركة المرئية.

(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)

٧٢

ولقد قال المشركون لحلفائهم الذين أرادوا أن يمدوهم وهم ذاهبون لقتال المسلمين :

(فلعمري لئن كنا انما نقاتل الناس فما بنا من ضعف أو قلة ، ولئن كنا انما نقاتل الله ـ كما يزعم محمد ـ فما لأحد بالله من طاقة)

ان وقوع المعركة بين جند الحق وجند الباطل واستعلاء سلطان الحق في عالم الواقع ـ بعد استعلائه في عالم الضمير ، ان هذا كله مما يعين على جلاء الحق للعيون والقلوب.

(وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فهو سبحانه لا يخفى عليه شيء مما يقول فريق الحق أو فريق الباطل ولا شيء مما يخفونه في صدورهم من وراء الاقوال والافعال.

(وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ، وهو التعقيب المناسب للمحقق المتدبر ووقوع القضاء فهو أمر من الامور التي مرجعها لله وحده ، يصرفها بسلطانه ، ويوقعها بارادته ، ولا تند عن قدرته وحكمته ، ولا ينفد شيء في الوجود الا ما قضاه وأجرى به قدره.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧)

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨))

البيان : في هذه الفقرات القليلة تحتشد معان وايحاءات وقواعد وتوجيهات وصور ومشاهد وتشخص مواقف من المعركة كأنها حية واقعة.

انها تبدأ بنداء الذين آمنوا ، العصبة المؤمنة ، (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ

٧٣

مَعَ الصَّابِرِينَ). وهذه المعية من الله هي الضمان للصابرين بالفوز والغلبة والفلاح سواء قتلوا أو قتلوا (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) ، أي واذكروا ايها المؤمنون : اذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته وقال لهم : لا غالب لكم ، فلما قرب الفريقان للقتال نكص وتولى الى الوراء ، ولم يبق مكان للمشركين ان يتراجعوا فوقعوا باغراء الشيطان وتحقق لهم ان الشيطان قد خدعهم ، وكان المشركون هم الذين خرجوا من ديارهم بطرا وراء الناس ويصدون عن سبيل الله ويشجعهم على الخروج الشيطان ثم يتركهم ويتقهقر.

(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١))

البيان : المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، هم مجموعة من الذين مالوا الى الاسلام في مكة في أول الامر لاغراض دنيوية ، وأولهم أهل السقيفة الذين تركوا نبيهم مسجى على فراشه وسارعوا لعقد الخلافة والرياسة التي كان دخولهم في الاسلام لأجلها لا غير.

وكان رسول الله ص وآله يعرفهم حق المعرفة ولذا عبأهم تحت رياسة الشاب الجاهل (اسامة ابن زيد) وأراد ابعادهم عن المدينة ليأمن شرهم وفسادهم فعصوا أمره ولم يخرجوا وجعل ص وآله يلعنهم على رؤوس الاشهاد ليشهر نفاقهم على كافة الناس ويحذروا فسادهم ولكن عصوا وخالفوا أمر رسول الله ص وآله مع سماعهم اللعن العلني.

وهؤلاء المنافقون لم تصح عقيدتهم ولم تطمئن قلوبهم ، وكانوا قد خرجوا مع المسلمين في وقعة بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين وكثرة المشركين قالوا هذه المقالة النكراء.

٧٤

(غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) وهؤلاء المنافقون ، لا يدركون حقيقة اسباب النصر وأسباب الهزيمة ، فهم لا يرون الا ظواهر الاشياء وهم عن قدرة الخالق العظيم غافلون وجاهلون (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، هذا ما تدركه القلوب المؤمنة وتطمئن اليه وهو محجوب عن القلوب الخالية من الايمان واليقين.

ان المنافقين والذين في قلوبهم مرضى يقفون ليتفرجوا ، والعصبة المؤمنة تصارع جحافل الطاغوت وقائدهم العظيم أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (ع).

والعصبة المؤمنة دائما وأبدا ميزانها معونة الله وقوة الايمان وصلابة العقيدة ولا تستهين بقوتها مهما كانت الافراد قليلة لان الله عزوجل الذي لا يغلب معها وعونها :

(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ).

وهذا ما جرى لأهل بدر من المشركين حينما كانوا يلاقون حتفهم بسيوف أهل الايمان الصحيح وقد شاركت الملائكة العصبة المؤمنة في قتال الكافرين وهم يضربون وجوههم وادبارهم.

ومع هذا الضرب من الملائكة فقد تهددهم بعذاب الحريق بعد هذا الموت الفظيع. وهذا النص بما يعرضه من مشهد (عَذابَ الْحَرِيقِ) يثير في النفس سؤالا : ترى هذا تهديد من الملائكة للذين كفروا بعذاب المستقبل المقرر لهم ـ كأنه واقع بهم ـ بعد الفتح المقرر لهم ، اذ أخذ الذين كفروا بالمهانة والعذاب سنة ماضية لا تتخلف ولا تتبدل فهذا هو المصير المحتوم الذي جرت به السنة من قديم الزمان :

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها

٧٥

عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤))

البيان : ان الله سبحانه ، لا يكل الناس الى فلتات عابرة ، ولا الى جزاف لا ضابط له. انما هي سنة الله يمضي بها قدره ، ولقد آتاهم الله من نعمته ورزقهم من فضله. ومكن لهم في الارض وجعلهم خلائف فيها .. وهذا كله انما يعطيه الله للناس ابتلاء وامتحانا لينظر أيشكرون أم يكفرون ويجحدون نعمه. فاذا شكروا زادهم من فضله واذا طغوا وظلموا انتقم منهم وسلبهم ما أنعم به عليهم وحولها الى غيرهم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ)

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).

ان الله تعالى يقرر عدله في معاملة عباده ، فاذا أنعم الله على عباده يستحيل أن يسلبهم ما أعطاهم الا اذا كفروا النعمة وطغوا بما أعطاهم واستعانوا به على معاصيه وعندئذ استحقوا الانتقام :

(وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦)

فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩))

البيان : هذه الآيات كانت تواجه حالة قائمة بالفعل في حياة المسلمين عند نشأة الدولة بالمدينة ، وهي تمثل احدى قواعد العلاقات الخارجية بين المعسكرين للحق والباطل. ولفظ الدواب وان كان يشمل كل ما دب في الارض الا انه ورد هنا لتوبيخ ببعض هذا البشر بالبهائم العجماوية التي لا تملك مواهب الانسان وخواصه التي امتاز بها على

٧٦

غيره. فهؤلاء الذين يرون الآيات الخارقة لا تؤثر في نفوسهم ويصرون على عنادهم وانحرافهم عن الحق فمثلهم كمثل الدواب التي فقدت قوة التمييز والادراك لفساد فطرتهم من ارتكاب الجرائم.

ان الاسلام يريد الحياة للبشرية الحياة السعيدة الهنيئة ، ويريد لهم الارتفاع عن مستوى الحيوانات التي لا تدرك الا ما يرجع الى قوام جسمها وحياتها في الدنيا لا غير :

(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ)

ان الاسلام يكره الخيانة حتى لاعدا اعدائه ، ويحتقر الخائنين الذين ينقضون العهد والميثاق ومن ثم يحذر المسلمين من الدنو الى رزية الخيانة ونقض الميثاق والعهد :

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ)

فتبعية الذين كفروا بالحق لما جاءهم الغدر والخيانة ، ولكن الله تعالى لن يترك المسلمين وحدهم مازالوا عليه متكلون وله مطيعون وبأمره يعملون.

فاصحاب الايمان تطمئن قلوبهم بمقتضى اخلاصهم لله برب العالمين ، وغايتهم اخراج الناس من الظلمات الى النور ونيلهم لسعادة الدنيا والآخرة ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ولكن الله عزوجل يأمر المسلمين ان يأخذوا العدة لأعدائهم ليرهبوهم لعلهم يستسلمون ويسلمون فيسعدوا ويفوزوا فلذا قال عزوجل :

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ

٧٧

لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣))

البيان : فهو القاء رعب ورهبة في قلوب أعداء الله لعلهم يرشدون ويرجعون للحق ومن ثم فان الاسلام ينفي من حسابه ـ منذ الوهلة الاولى ـ كل حرب تقوم على أمجاد الاشخاص والدولة ، وكل حرب تقوم للاستغلال وفتح الاسواق والبلدان بالقهر والاذلال :

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) والتعبير عن الميل الى السلم بالجنوح تعبير لطيف رقيق.

وقد عقد رسول الله ص وآله مع مشركي قريش صلح الحديبية ـ وهم على شركهم ـ بشروط لم يسترح اليها بعض المسلمين الجاهلين للاهداف البعيدة التي يراها أهل العلم لا غير وكان من ابرز الثائرين لهذا الصلح ابن الخطاب الذي كل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال) على حد تعبيره هو ولم يمض الا الوقت القصير حتى خانت قريش العهد وفتح رسول الله مكة عنوة ودخلها على قريش اذلاء ورسول الله ص وآله وأصحابه هم الاعزاء الفاتحون (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)

حسبك الله ، فهو حارسك وجافظك ، ولقد وقعت المعجزة التي لا يقدر عليها الا الله والتي لا تصنعها الا العقيدة الراسخة والايمان الصحيح ، واذا هي القلوب المتعددة قد تراصت وأصبحت قلبا واحدا : ببصيرة النبي ونصر علي بن ابي طالب (ع).

ان هذه العقيدة عجيبة فعلا ، انها حين تخالط القلوب تستحيل الى مزاج من الحب والالفة ومودات القلوب التي تندي جفافها وتربط بينها برباط وثيق عميق رفيق.

٧٨

وهذه العقيدة تهتف للبشرية بنداء الحب في الله ، وتوقع على أوتارها ألحان الخلوص له ، والالتقاء عليه ، فاذا استجاشت واستجابت وقعت تلك المعجزة التي لا يدري سرها الا الله عزوجل ، ولا يقدر عليها الا الله سبحانه.

يقول رسول الله ص وآله : (ان من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الانبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى) قالوا : يا رسول الله تخبرنا من هم فقال ص وآله : (هم قوم تحابوا بروح نبيهم على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها والله ان لوجوههم لنورا ، وانهم لعلى نور ، لا يخافون اذا خاف الناس ولا يحزنون اذا حزن الناس).

وعنه ص وآله : (ان المسلم اذا لقي أخاه المسلم فأخذه بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق عن الشجرة اليابسة. في يوم ريح عاصف وغفر لهما جميعا ما تقدم منهما).

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩))

البيان : يقف الفكر ليستعرض القوة التي ارادها الله لعباده المؤمنين. الذين لهم قوة الله العزيز الذي لا يقهر ولا يغلب. وامامها تلك القوة الضئيلة ، العاجزة الهزيلة. التي تتصدى لكتائب الله

٧٩

العظيم ، فاذا الفرق شاسع والبون بعيد واذا هي معركة مضمونة العاقبة. معروفة النهاية. مقررة المصير. وهذا كله يتضمنه قوله عزوجل (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) .. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)

ان الفئة المؤمنة انما تمتاز بانها تعرف طريقها. وتفقه منهجها. وتدرك حقيقة وصلتها بقوة الله تعالى .. ان الفئة المؤمنة انما تمتاز بانها تعرف طريقها وتفقه منهجها. وتدرك حقيقة وجودها وحقيقة غايتها .. انها تفقه حقيقة الالوهية وحقيقة العبودية وبذلك لا بد ان تنفرد وتستعلي وان العبودية يجب ان تكون لله وحده بلا شريك. وتفقه انها هي ـ الامة المسلمة ـ المهتدية بهدى الله عزوجل العزيز الجبار. المنطلقة في الارض باذن الله لاخراج الناس من عبادة المخلوق الضعيف الفقير. الى عبادة الخالق القوي الغني القهار وتعلم انها هي المستخلفة عن الله في ارض الله. وعلى مملكته وان هذا بنفسه علاء واستعلاء لكن لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة اعداءه هي السفلى المنهزمة باذن الله. وهذه النسبة كل واحد لعشرة من الكفار. والمائة تغلب الفا بأذن الله والله مع المتقين.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)

إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَٰهَدُوا بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚوَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِى الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَٰهَدُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَٰهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَٰئِكَ مِنكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَٰبِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ (٧٥))

٨٠