الفرقة الناجية

الشيخ ابراهيم القطيفي

الفرقة الناجية

المؤلف:

الشيخ ابراهيم القطيفي


المحقق: حبيب آل جميع
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٣

أما من عرف ذلك فلا يزيده ذلك إلا إيمانا وتصديقا بالحق وثباتا على الهدى ، ثم إنا نجيب عنه أولا ، بأن الاستدلال بالإجماع لا يكاد يتحقق ، لأن معرفته على الوجه الذي يتحقق حجته غير ممكنة عادة ، كما أشار إليه الإمام في كتاب (المحصول في الأصول) وما ذكر من استثناء زمن الصحابة قلت : هذا غير مسلّم لقيام ما ذكره فيه من الاحتمال بعينه وقد حققناه في الأصول ، هذا بالنسبة إلى المسائل الشرعية الظنية فكيف بالمسائل التي هي أصول من عمد الأديان وعلامة الإيمان (١).

وثانيا : بأن الإجماع ممنوع (٢) بل محقق العدم ، لأنهم إن أرادوا به حصول الاتفاق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، أو في زمن قليل ، فهو معلوم البطلان بالاتفاق ، وإن أرادوا بعده تطويل المدة ، فهو وإن كان ممنوعا أيضا إلا أنه لا يقوم حجة إلا إذا دخل الباقون طوعا. أما إذا استظهر الأكثر ، وخاف الأقل ، ودخل فيما دخل فيه الأكثر خوفا وكرها ، ولا شك أن الحال كان كذلك ، فإن بني هاشم لم يبايعوا ثم قهروا فبايعوا وامتنع علي عليه‌السلام ، ولزم بيته ولم يخرج إليهم في جمعة ولا جماعة (٣) الى أن وقع ما وقع مما نقله أهل الأخبار والأحاديث واشتهر كالشمس

__________________

(١) المحصول في الأصول للإمام الفخر الرازي ، باب الإجماع.

(٢) الإجماع ممنوع لعدة أسباب أن أبا بكر صرح بأن بيعته لم تكن عن مشورة ولا عن روية ، وذلك حيث خطب الناس في أوائل خلافته معتذرا إليهم ، فقال : إن بيعتي فلتة وقى الله شرها ، وخشيت الفتنة. راجع الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ / ٤٧ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل ، وعمر يشهد بذلك على رءوس الأشهاد في خطبة خطبها على المنبر النبوي يوم الجمعة في أواخر خلافته وقد طارت كل مطير ، أنظر الخطبة في صحيح البخاري كتاب الحدود ـ باب رجم الحبلى من الزنا اذا أحصنت ج ٨ / ٢٠٨ ط محمد علي صبيح ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٢٧ ، الغدير ٥ / ٣٧٠.

(٣) المتخلفون عن بيعة أبي بكر هم : العباس بن عبد المطلب ، عتبة بن أبي لهب ، سلمان الفارسي ، أبو ذر الغفاري ، عمار بن ياسر ، المقداد ، البراء بن عازب ، أبي بن كعب ، سعد بن أبي وقاص ، طلحة بن عبيد الله ، الزبير بن العوام ، خزيمة بن ثابت ، فروة بن عمرو الأنصاري ، خالد بن سعيد بن العاص الأموي ، سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى توفي بالشام في خلافة عمر ، الفضل بن عباس.

١٠١

في رابعة النهار ، حتى أن معاوية بعث إلى علي عليه‌السلام في كتاب كتبه إليه يقول فيه : إنك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش ، حتى تبايع بغيره ويومه ، إنه لم يبايع طوعا ولا رضى بيعة أبي بكر حتى استكره عليها خاضعا ذليلا كالجمل اذا لم يعبر على قنطرة وشبهها فإنه يكره ونخش (١) بالرماح وغيرها ليعبر كرها (٢).

فكتب إليه علي عليه‌السلام في الجواب عن هذا ما ذكره في نهج البلاغة المتواتر نقله عنه عليه‌السلام من خطبه وكتبه وكلامه ما هذا لفظه : وقلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش (٣) حتى أبايع ، ولعمري والله لقد أردت أن تذم فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت ، وما على المسلم من غضاضة (٤) في أن يكون مظلوما ، ما لم يكن شاكا في دينه ولا (٥) مرتابا بيقينه وهذه حجتي إلى غيرك قصدها ، ولكني أطلعت لك منها بقدر ما سنح (٦) من ذكرها (٧).

__________________

وفي مقدمة هؤلاء أمير المؤمنين (ع) وبنو هاشم ، راجع في ذلك : العقد الفريد ٤ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ١٣١ ـ ١٣٤ ط ١ مصر ، الغدير ٥ / ٣٧٠ ، مروج الذهب ٢ / ٣٠١ ، السيرة الحلبية ٣ / ٣٥٦ ، صحيح البخاري ج ٤ / كتاب المغازي ـ باب غزوة خيبر ٥ / ٨٢ ط دار الفكر ، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير ٥ / ١٥٢ ط محمد علي صبيح.

(١) نخش الدابة ، ساقها شديدا.

(٢) مصادر نهج البلاغة وأسانيده ٣ / ٢٧٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ / ١٨٤ ، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة للمحقق الكبير المحمودي ٤ / ١٨٦.

(٣) المخشوش : الذي جعل في أنفه الخشاش ـ ككتاب ـ وهو خشبة توضع في أنف الفحل ليسهل قياده.

(٤) الغضاضة : النقص ، وأراد معاوية الغض من الإمام بقوده الى البيعة يوم السقيفة ، فقلبه الإمام عليه لعدم تفريقه بين ما يمدح به ويذم. وفي قوله عليه‌السلام : ما لم يكن شاكا في دينه .. إلخ تعريض بمعاوية كما لا يخفى.

(٥) في نسخة الأصل : أو.

(٦) أي أن حجتي هذه على كوني مظلوما في أخذي لبيعة غيري فان المقصود بها غيرك ، إذ لست في هذا الأمر بشيء فتخاطب فيه ، و (سنح) بمعنى عرض.

(٧) نهج البلاغة ص ٣٨٧ رقم الكتاب ٢٨ ، وقال الشريف الرضي : وهو من محاسن كتبه ، مصادر نهج البلاغة وأسانيده ٣٥ / ٢٧٠ ، نهج السعادة في مستدرك نهج

١٠٢

قلت : وفي هذا وأشباهه حجة واضحة على نفي احتمال إرادة أن يكون خليفة رابعا كما لا يخفى ، هذا وكون علي عليه‌السلام وخواصه من بني هاشم وسائر الناس لم يرضوا بيعة أبي بكر اختيارا (١) مما لا يحتاج إلى بيان لمن نظر الحديث والتواريخ والأخبار ، كيف وعلي عليه‌السلام لم يزل شاكيا ومتعرضا على من تقدمه بالخلافة ، فمن ذلك خطبته في نهج البلاغة الموسومة (بالشقشقية) وهي مشهورة (٢). وخطبته التي خطبها بعد مبايعة الناس له وهي مشهورة (٣) ، رواها أهل التواريخ والعلماء ، وذكرها ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب (العقد) (٤) ، وأبو هلال العسكري في كتاب (الأوائل) وغير ذلك (٥).

ومما يوضح ذلك ويزيده بيانا ، ويذهب الشك عنه ، ويحقق أن بيعة علي عليه

__________________

البلاغة ٤ / ١٩٧ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥ / ط ١ مصر.

(١) عن استخدام القوة في بيعة أبي بكر ، راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ / ٢١٩ وج ٦ و ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ ـ ٤٩ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل وج ١ / ٧٤ وج ٢ ص ١٤ ـ ١٩.

(٢) الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين (ع) ، سميت بذلك لقوله (ع) لابن عباس حين سأله أن يسترسل في خطبته بعد أن توقف بسبب مناولته كتابا من قبل بعض الحاضرين ، فأقبل ينظر إليه ، قال علي : «كلا إنها شقشقة هدرت ثم قرّت» ، والشقشقة شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج وصوت البعير عند إخراجه هدير. وأول الخطبة : أما والله ، لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا. راجع شرح النهج لابن ابي الحديد (١ / ١٥١ الى ١٦٠) وفيه ذكر الخطبة وشرحها ، نهج البلاغة للإمام علي الخطبة الثالثة ، الغدير ٧ / ٢ / ٨٥ فانه ذكر ٢٨ مصدرا لها.

(٣) مصادر نهج البلاغة وأسانيده ١ / ٣٥١ ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ / ١٦٢ ، وشرح النهج لابن ميثم البحراني ١ / ٢٩٧ ، قال : ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة ١ / ٣٧٥ : هذه الخطبة من جلائل خطبه ومن مشهوراتها رواه الناس كلهم.

(٤) العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي المتوفى سنة ٣٢٨ ه‍ ، كما ذكره في البحار ج ٨ ص ١٦١ ط قديم الكمباني ، ثم جاءت الأيدي «الأمينة» على ودائع العلم فحذفتها عند النسخ أو عند الطبع وكم لهم من أمثالها.

(٥) الأوائل لأبي هلال العسكري ص ١٣٨ ، وما هو نهج البلاغة للسيد الشهرستاني

١٠٣

السلام كانت كرها ، ما رواه الحميد في سادس حديث من المتفق عليه من صحيح البخاري ومسلم من مسند أبي بكر ، قال : ومكثت فاطمة عليها‌السلام بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر ثم توفيت ، قالت عائشة : وكان لعلي وجه بين الناس في حياة فاطمة فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي عليه‌السلام (١). وفي حديث عروة فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر فقال رجل للزهري : فلم يبايعه على ستة أشهر ، فقال : لا والله ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي عليه‌السلام (٢). وذكر الواقدي أن عمر جاء إلى علي عليه‌السلام في عصابة فيهم أسيد بن الحضير وسلمة بن أسلم الأشهلي فقال : أخرجوا أو لنحرقنها عليكم (٣).

وذكر ابن خيرانة في غرره قال زيد بن أسلم : كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة ، فقال عمر لفاطمة عليها‌السلام : أخرجي من البيت وإلا أحرقته ومن فيه ، قال : وفي البيت علي والحسن والحسين عليهم‌السلام وجماعة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت فاطمة عليها‌السلام ، فتحرق علي وولدي ، قال : إي والله أو ليخرجن وليبايعن (٤).

__________________

ص ٣٤ ، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي ص ١٢٤ ، ومدارك نهج البلاغة لكاشف الغطاء ص ٢٣٧ ، ومعاني الأخبار للصدوق ٢ / ٣٤٣ ، وعلل الشرائع ١ / ١٥٠ باب ١٢٢ ت رقم ١٢ ، الاحتجاج للطبرسي ١ / ٢٨١ ، وأو عزت للخطبة الشقشقية كتب معاجم اللغة : لسان العرب ١٢ / ٥٣ ، النهاية لابن الأثير ٢ / ٤٩٠ ، القاموس للفيروزآبادي ٣ / ٢٥١.

(١) صحيح البخاري ٣ / ٣٩ ط الشرفية ، وصحيح مسلم ٥ / ١٥٣ ط المكتبة التجارية (كتاب الجهاد والسير).

(٢) المصدر السابق ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٧٤.

(٣) المغازي للواقدي ص ٢٣٠ ، الامامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ١٩ ـ ٢٠ ، العقد الفريد ٤ / ٢٥٩ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ / ٥٧ ، الغدير ٧ / ٧٧.

(٤) نهج الحق وكشف الصدق ص ٢٧١ ط بيروت ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٥ ، وتاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ٧ / ١٦٤ ، تاريخ أبي الفداء ١ / ١٥٦ ، أعلام النساء ٣ / ١٢٠٧ ، أنساب الأشراف للبلاذري ١ / ٥٨٦.

١٠٤

وروى ابن عبد ربه وهو رجل مغربي من أعيان أهل السنة في الجزء الرابع من كتاب (العقد) عن الذين تخلفوا عن بيعة ابي بكر قال : فأما علي والعباس فقعدا في بيت فاطمة حتى بعث إليهما أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهما من بيت فاطمة عليها‌السلام ، وقال له : إن أبيا فقاتلهما ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما النار (١) ، فلقيته فاطمة عليها‌السلام فقالت : يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا (٢) ، قال : نعم (٣). وفي هذا كفاية شافية ودلالة واضحة وافية. وإذ قد تحقق أن عليا عليه‌السلام هو المنصوص عليه بالإمامة والخلافة بما لا شبهة فيه ولا رد له ، فالفرقة التابعة له هم الناجون بلا شبهة وهم من ذكرنا ، أعنى الإمامية ، لما ذكرنا غير مرة أنهم المعروفون به واسمهم شيعته وشعارهم اقتفاء أثره والله الهادي.

وروى أبو بكر بن مردويه بإسناد له عن مسلم قال : سمعت أبا ذر والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي قالوا : كنا قعودا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما معنا غيرنا ، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق ؛ فرقة أهل حق لا يشوبونه بباطل ، مثلهم كمثل الذهب كلما فتنته بالنار ازداد جودة وطيبا وإمامهم هذا أحد الثلاثة وهو الذي أمر الله به في كتابه إماما ورحمة ، وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحق ، مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار ازداد خبثا ، وإمامهم هذا أحد الثلاثة ، وفرقة أهل ضلالة مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وإمامهم هذا أحد الثلاثة قال : فسألتهم عن أهل الحق وإمامهم ، فقالوا : هذا علي بن أبي طالب عليه‌السلام إمام المتقين ، وأمسك عن الاثنين فجهدت أن يسميهما فلم يفعل. وروى هذا الحديث أيضا خطيب خوارزم موفق بن أحمد ، ورواه أيضا أبو الفرج المعافى ابن زكريا ، وهو شيخ

__________________

(١) في نسخة الفريد : الدار بدل النار.

(٢) في نسخة الأصل : ديارنا.

(٣) العقد الفريد ٤ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ط لجنة التأليف والترجمة والنشر.

١٠٥

البخاري (١) ، ثم قال الله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢) ، دلّت الآية الكريمة على النص على أمير المؤمنين عليه‌السلام بثبوت الولاية التي لله ولرسوله ، بعدهما إن قلت : الآية محتملة ، فمن أين دلالتها بل الظاهر عدم الدلالة لأنه تعالى عبر بالذين آمنوا ، قلت : الاحتمال نظرا إلى الآية مسلّم ، إلا أن أهل التفسير ورواة الحديث (٣) أثبتوا اختصاصها به عليه‌السلام ، ويكون قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا) للتعظيم ، كقوله تعالى في سورة التوبة (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ

__________________

(١) المناقب لابن مردويه (مخطوط) ، والمناقب للحافظ الموفق أحمد الحنفي المعروف بأخطب خوارزم ص ٩٧ ، وأبو الفرح المعافا ابن زكريا شيخ البخاري في الجليس الأنيس (مخطوط) توجد نسخة منه في كتابخانه في تركيا ج ٤ / ٢٢٤.

(٢) سورة المائدة ، آية ٥٥.

(٣) راجع : الدر المنثور للسيوطي ٢ / ٢٩٣ ، الكشاف للزمخشري ١ / ٦٤٩ ، تفسير الطبري ٦ / ٢٨٨ ، زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي الحنبلي ٢ / ٣٨٣ ، تفسير القرطبي ٦ / ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ١ / ١٢٠ ، فتح البيان في مقاصد القرآن ٣ / ٥١ ، فرائد السمطين ١ / ١١ ، الغدير ٢ / ٥٢ ، ٣ / ١٥٦ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٦ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٧١ ، تفسير النسفي ١ / ٢٨٩ ، شواهد التنزيل ١ / ١٦١ ، فتح الغدير للشوكاني ٢ / ٥٣ على أن نزول آية الولاية في علي (ع) مما أجمع المعروف عليه ، وقد نقل إجماعهم هذا غير واحد من أعلام أهل السنة كالإمام القوشجي في مبحث الإمامة من شرح التجريد المطبوع في ايران. وابن شهرآشوب في مناقبه ٣ / ٢ حيث قال : اجتمعت الأمة أن هذه الآية نزلت في علي (ع) لما تصدق بخاتمه وهو راكع لا خلاف بين المفسرين في ذلك ، ذكره الثعلبي والماوردي والقشيري والقزويني والرازي والنيسابوري والفلكي والطوسي والطبري وغيرهم ، وأورد لخزيمة بن ثابت قول (ص ٦) :

أبا حسن تفديك نفسي وأسرتي

وكل بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدح من محبك ضائعا

وما المدح في حب الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا

علي فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وبيّنها في محكمات الشرائع

١٠٦

اللهِ) (١) فإنها لأمير المؤمنين عليه‌السلام وحديثها مشهورا ، فمن المفسرين الثعلبي والسدي وعتبة وغالب بن عبد الله (٢) قالوا جميعا : وإنما عني بذلك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنه مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه. والأثر بذلك كثير ما رواه الثعلبي في تفسيره قال : بحذف الإسناد عن عباية الربعي قال : حدثني عبد الله بن عباس رضى الله عنه ، وهو جالس على شفير (٣) زمزم يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذ أقبل رجل معتم بعمامة ، فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إلا وقال الرجل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ابن عباس سألتك بالله من أنت؟ قال : فكشف العمامة عن وجهه وقال : يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهاتين وإلا صمتا ، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا ، يقول : علي قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله ، أما إني صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهم اشهد إني سألت في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يعطني أحد شيئا ، وكان علي عليه‌السلام راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختم بها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) سورة التوبة ، آية ٢٠.

(٢) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، وتفسير السدي لأبي محمد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة القرشي التابعي الكوفي المعروف بالسدي المتوفى سنة ١٢٧ ه‍ ، والتذكرة ص ٢٤ لأبي المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى سنة ٦٥٤ ه‍ ، تفسير الرازي ٣ / ٤٣١ عن السدي وعتبة وغالب بن عبد الله ، تفسير القرطبي ٦ / ٢٢١ ، تفسير النسفي ١ / ٤٩٦ ، تفسير علاء الدين الخازن البغدادي ١ / ٤٩٦ ، تفسير البحر المحيط لأبين حيان الأندلسي المتوفى سنة ٧٥٤ ه‍ ٣ / ٥١٤ ، تفسير التسهيل لعلوم التنزيل ١٨١ ، تفسير الآلوسي ٢ / ٣٢٩ ، تفسير محيي الدين بن عربي ١ / ٣٣٤.

(٣) في نسخة الأصل : شفين ولعله تصحيف.

١٠٧

فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إن موسى سألك فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (١) ، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا) ، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك ، اللهم فاشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري ، قال : أبو ذر فما استتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكلمة حتى تنزل جبرئيل عليه‌السلام من عند الله تعالى فقال : «يا محمد اقرأ ، قال : وما أقرأ؟ قال : اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)» (٢).

وروى الفقيه الشافعي ابن المغازلي بحذف الإسناد عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ) .. الآية ، قال : نزلت في علي عليه‌السلام (٣) والأحاديث في ذلك كثيرة (٤) ، فمنها بحذف الإسناد من رواية الشافعي المذكور. قال : حدثنا علي بن عباس قال : دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء فقال : أبو مريم حدثني علي بالحديث الذي حدثني عن أبي جعفر ، قال : كنت عند أبي جعفر

__________________

(١) سورة طه ، آية ٢٥ ـ ٣٢.

(٢) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، تفسير الميزان الجزء السادس في تفسير سورة المائدة ص ٢١ نقلا عن تفسير الثعلبي ، والغدير كذلك في الجزء الثاني ص ٥٢.

(٣) المناقب لابن المغازلي الشافعي ص ٣١١ ، ح ٣٥٤.

(٤) انظر : شواهد التنظير للحسكاني الحنفي ١ / ١٦١ ـ ١٨٤ ، ترجمة الامام علي (ع) من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ٢ / ٤٠٩ ح ٩٠٨ ، أسباب النزول للواحدي ص ١١٣ ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٢٨ و ٢٥٠ ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٣١١ ح ٣٤٥ ـ ٣٥٨ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١١٥ ، المناقب للخوارزمي ص ١٨٧ ، الصواعق المحرقة لابن حجر ص ٣٩ ط المحمدية ، أنساب الأشراف للبلاذري ٢ / ١٥٠ ، كنز العمال ١٥ / ١٤٦ ، ح ٤١٦ ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٥ / ٣٨ ، فرائد السمطين ١ / ١١ ح ١٥٠.

١٠٨

عليه‌السلام جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام ، فقلت : جعلني الله فداك هذا ابن الذي عنده علم (من) الكتاب (١) قال : لا ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عزوجل (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٢) (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (٣). و (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٤) ، لا يقال : قلتم الذين آمنوا ، أعني به أمير المؤمنين عليه‌السلام للتعظيم ، فلم قلتم إن الخاتم الذي دفعه من الزكاة ، مع إنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها ، ولا دفعها في أثناء الصلاة ، لأن ذلك بينا فيها ، لأنا نقول لا معنى للإيراد بعد تفسير المفسرين ونقل الحديث بما لا يحتمل ذلك. لكن بحسب عنه تفصيلا ، أما عن تأخير الزكاة فلأنها لا تجب على الفور بحيث لا يجوز الدخول في الصلاة إلا مع أدائها لأنه ورد جواز التأخير الشهر والشهرين بل الثلاثة للبسط وغيره ، وجاز أن يكون التأخير من هذا القبيل ، سلمنا لكن ذلك في الواجبة لا في المندوبة وجاز أن يكون ذلك من الزكاة المندوبة ، وأما دفعها في أثناء الصلاة فلا مانع منه ، لأن المنافي لها الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة ، وليس هناك كذلك ، لأن الفعل ليس إلا مد الخنصر ، والرفع من السائل ، هذا ويجوز أن يكون الحق تعالى عبر عن صدقته بإيتاء الزكاة تعظيما لعطية السائل في أثناء الصلاة من حيث المساواة في الثواب ، وإنما أوردنا الآية ، والحديث الدال عليها ، لأنها في الحقيقة كالمفسر للنص في قوله عليه‌السلام : «من كنت مولاه فعلي مولاه» فإنه أثبت له ما كان لنفسه ، كما أثبت الله تعالى له ما كان له ولرسوله ، والله الهادي.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٢) سورة الرعد ، آية ٤٣.

(٣) سورة هود ، آية ١٧.

(٤) المناقب لابن المغازلي ص ٣١٣ ـ ٣١٤ ح ٣٥٨.

١٠٩
١١٠

الفصل الثاني

فيما جاء في عترة النبي وأهل بيته عليهم‌السلام ، وفيه مطلبان :

المطلب الأول :

في تطهرهم من الرجس والذنوب والفواحش ما ظهر منها وما بطن قال الله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١).

أراد به تعالى وهو أعلم عليا وزوجته وذريتهما المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين دون غيرهم (٢) ، لا يقال : ظاهر الكتاب يدل أن المراد نساؤه عليه‌السلام ، لأن ما قبل الآية وما بعدها فيهن ، لأنا نقول ما قبل الآية وما بعدها في النساء بالصيغة الموضوعة لهن. أعني قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، ثم عدل تعالى عنهن إلى أهل البيت عليهم‌السلام كقوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ)

__________________

(١) سورة الأحزاب ، آية ٣٣.

(٢) هذه الآية نزلت في خمسة وهم : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، راجع : صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل بيت النبي ٢ / ٣٦٨ ، ط عيسى الحلبي ، صحيح الترمذي ٥ / ٣٠ ح ٣٢٥٨ و ٥ / ٣٢٨ ح ٣٨٧٥ ط دار الفكر ، مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٣٠ ط الميمنية ٢ / ١١ ، أسد الغابة في معرفة الصحابة ٢ / ١٢ ، الدر المنثور ٥ / ١٩٨ ، الكشاف للزمخشري ١ / ١٩٣ ، أحكام القرآن لابن عربي ٢ / ١٦٦ ، ولمزيد من ذلك انظر : المراجعات / ت / الشيخ حسين الراضي ص ٣٦ ـ ٤٣.

١١١

الآية ، ولو أراد النساء لقال : عنكم ثم رجع إليهن بقوله (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ) ، وهذا صريح أنه لا يريدهن ، وفيه دقيقة هي أن النساء في محل البيت في محل آخر عنده ، نعم ربما أمكن أن يقال : بدخولهن في الآية ، ولاشتمالها على المذكر والمؤنث عبر بصيغة المذكر ، لكن في الحديث ما ينفي ذلك وسنسمعه عن قريب ، فنقول روى أحمد بن حنبل في مسنده ، قال : حدثنا محمد بن مصعب ، وهو القرقساني ، قال : حدثنا الأوزاعي عن شداد بن أبي عمار (١) ، قال : دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا عليه‌السلام ، فشتموه ، فشتمته معهم ، فلما قاموا قال لي : لم شتمت هذا الرجل ، فقال : رأيت القوم يشتمونه فشتمته معهم ، فقال : ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قلت : بلى. قال : أتيت فاطمة أسألها عن علي عليه‌السلام ، فقالت : توجه إلى رسول الله ، فجلست أنتظره ، حتى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس ومعه علي والحسن والحسين عليهم‌السلام ، أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل ، فنادى عليا وفاطمة فأجلسها بين يديه وأجلس الحسن والحسين عليهما‌السلام ، كل واحد منهما على فخذه ، ثم لف عليهم ثوبه ، أو قال : كساء ، ثم تلى هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق (٢) ، ومن المسند المذكور قال : حدثنا نمير ، قال : حدثنا عبد الملك ، قال : حدثنا عطا ابن أبي رياح ، قال : حدثنا من سمع أم سلمة (٣) تذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان

__________________

(١) في نسخة الأصل : غماره ولعله تصحيف.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ج ٤ / ص ١٠٧ ط دار صادر ببيروت.

(٣) هي رملة ، أو هند بنت أبي أمية سهل بن المغيرة المخزومية ، القرشية أم المؤمنين ، من خيرة أزواج النبي (ص) ثبتت على طريقة رسول الله (ص) وأمره وإطاعته في حياة النبي (ص) وبعد وفاته ، وصفها المؤرخون بالعقل البالغ والرأي الصائب ، حفظت وصايا النبي (ص) في ذريته وأهل بيته من بعده ، لها الكثير من الأحاديث روتها عن النبي (ص) وعن علي (ع) ، وآخرين من الصحابة ، روى عنها العديد من الصحابة والتابعين ، نقلت أحاديث عديدة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خاصة ، وفضائل أهل البيت عامة ، ماتت عام (٦٢)

١١٢

في بيتها ، فأتته فاطمة عليها‌السلام ببرمة (١) فيها جزيرة ، فدخلت بها عليه فقال : ادعي لي زوجك وابنيك ، قالت : فجاء علي والحسن والحسين عليهم‌السلام فدخلوا ، فجلسوا يأكلون من الجزيرة (٢) وهو وهم على مقام لهم على دكان تحته (ومعه) (٣) كساء خيبري ، قالت : وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قالت : فأخذ فضل الكساء وكساهم به ، ثم أخرج يده فألقى بها إلى السماء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وقالت : فأدخلت رأسي البيت وقلت : وأنا معكم يا رسول الله ، قال : إنك إلى خير إنك إلى خير.

قال عبد الملك وحدثتني بها أم سلمة (٤) مثل حديث عطا سواء قال : عبد الله ، وحدثني داود بن الحجاف عن شهر بن حوشب عن أم سلمة بمثل سواء.

ومن الكتاب المذكور أيضا قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال :

حدثنا علي بن زيد عن شهر بن حوشب عن أم سلمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة : ائتيني بزوجك ، فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكيا ، قالت : ثم وضع يده عليهم وقال : اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وآل محمد إنك حميد مجيد ، قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذب من يدي ، وقال : إنك إلى خير (٥). إلى غير ذلك من الأخبار التي ذكرها في

__________________

للهجرة ، ذكرها وترجم لها العديد من المؤرخين ، وأصحاب الرجال والسيرة منهم ، محمد بن سعد في الطبقات الكبرى ٨ / ٦٠ ، الأعلام للزركلي ٩ / ١٠٤ ، صفوة الصفوة لابن الجوزي ١ / ٥٦.

(١) البرمة ، بضم الباء ، القدر من الجمزة.

(٢) الجزيرة : شبه عصيدة بلحم وبلا لحم عصيدة ، وقيل : مرقة من بلاله النخالة (أقرب الموارد).

(٣) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ٦ / ٢٩٢ ط دار صادر.

(٥) مسند أحمد بن حنبل ٦ / ٣٢٣ ط دار صادر.

١١٣

المسند المذكور وفيها دلالة ظاهرة على عدم دخول النساء فيه (١).

ومن صحيح مسلم والبخاري معا رفعاه إلى مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة قالت عائشة : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غداة وعليه (٢) مرط مرحّل (٣) من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي عليه‌السلام فأدخله ، وقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٤).

ومن تفسير الثعلبي ، قال : في تفسير قوله تعالى (طه) قال : جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : طه طهارة أهل بيت محمد عليهم‌السلام (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٥).

ومنه أيضا قال : أخبرني محمد بن عقيل الجرجاني بحذف الإسناد عن أبي سعيد الخدري قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نزلت هذه الآية في خمسة ؛ في علي وفي الحسن والحسين وفاطمة (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٦).

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ج ٣ / ٢٥٩ و ٢٨٥ وج ٤ / ١٠٧ وج ٦ / ٢٩٢ و ٢٩٦ و ٢٩٨ و ٣٠٤ و ٣٠٦ ، ط الميمنية بمصر.

(٢) في نسخة الأصل : وعنده.

(٣) مرط مرحل : المرط كساء المرحل : هو الموشّى المنقوش عليه صور رحال الإبل.

(٤) صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أهل بيت النبي ٢ / ٣٦٨ ، ط عيسى الحلبي ، وج ٥ / ص ٣٧ ، ط عز الدين البيروتية المحققة ، ح رقم ٦١. وصحيح البخاري ، كتاب فضائل أهل بيت النبي ٣ / ٣٥٢ ، التاريخ الكبير للبخاري ج ١ / ق ٢ ص ٦٩ ، تحت رقم ١٧١٩ و ٢١٧٤ ، ط سنة ١٣٨٢ ه‍.

(٥) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، شواهد التنزيل وهامشه ح ١ ص ٣٨١ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٨٢ ، ط ١ بالقاهرة.

(٦) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ١ / ١٨٣ ، تفسير الطبري ٢٢ / ٨٠٦ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٨٣.

١١٤

قلت : وفيه دلالة صريحة على عدم دخول النساء ، لأنه خصها بخمسة. ومنه أيضا رفعه إلى عطاء بن أبي رياح ، وذكر الحديث الذي ذكرناه في مسند أحمد بن حنبل. إلا أنه زاد عند ذكر أم سلمة رضى الله عنها ، وأبدل في قولها فدخلت بها عليه ثالثة ولم يكرر قوله : (إنك إلى خير) قالها مرة واحدة ، وأورد قول أم سلمة : وأنا معكم (بغير واو) (١).

ومنه أيضا رفعه إلى مجمع من بني الحرث بن تيم الله قال : دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي قالت : أرأيت خروجك يوم الجمل؟ قالت : إنه كان قدرا من الله تعالى ، فسألتها عن علي عليه‌السلام ، قالت : سألتني عن أحب الناس كان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد رأيت عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وقد جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بصوف عليهم ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت : قلت يا رسول الله أنا من أهلك ، قال : تنحي أنت إلى خير (٢).

ومنه دفعه إلى إسماعيل بن عبد الله بن جعفر الطيار ، عن أبيه قال : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى الرحمة هابطة من السماء قال : من يدعو مرتين ، قالت زينب : أنا يا رسول الله ، قال : ادعي لي عليا عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، قالت فجعل الحسن عن يمينه والحسين عن شماله وعليا وفاطمة بجانبه ثم غشاهم كساء خيبريا ثم قال : اللهم إن لكل نبي أهلا وهؤلاء أهل بيتي فأنزل الله عزوجل (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فقالت زينب : يا رسول الله ألا أدخل معكم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : مكانك إنك إلى خير (٣).

__________________

(١) تفسير الثعلبي (مخطوط).

(٢) المصدر السابق ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٣ حديث ٦٧ ، المستدرك للحاكم ٣ / ٤٧ وصححه ، الدر المنثور للسيوطي ٥ / ١٩٨.

(٣) تفسير الثعلبي ، مصدر سابق.

١١٥

ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي ، رفعه إلى عائشة ، وذكر الحديث الذي قدمناه عن صفية بنت شيبة عن عائشة بعنعنته وروى هذا الحديث بعنعنته (١) ، وروى هذا الحديث نفسه أيضا أبو الحسن زرين بن معاوية العبدي السرقوسطي الأندلسي في الجمع بين الصحاح الستة (٢) ، وموطأ مالك بن أنس (٣) ، وصحيحي مسلم والبخاري (٤) ، وسنن أبي داود السجستاني (٥) ، وصحيح الترمذي (٦) ، والنسخة الكبيرة من صحيح النسائي (٧). والأحاديث في ذلك كثيرة (٨). وفيما ذكرناه منها كفاية ، أقول لا خفاء أن الآية الكريمة دلت على معتقد الإمامية من عصمة العترة ، لأن نفي الرجس عنهم وإثبات التطهير يقتضي ذلك. وكيف ينتفي الرجس ويثبت التطهير لمن يعصي خالقه فيما أمره به ، أو يرتكب ما نهاه عنه. ومن العجب نفي بعض الأمة العصمة مع إثباتهم معناها بالآية ، وهي ظاهرة فيها لغة وعرفا.

قال أحمد بن فارس (٩) اللغوي (١٠) في كتاب المجمل : التطهر : التنزه عن الإثم ،

__________________

(١) الجمع بين الصحيحين للحميدي ، ص ٣٠.

(٢) الجمع بين الصحاح الستة (مخطوط).

(٣) موطأ الامام مالك ص ٢٣٣.

(٤) صحيح مسلم ج ٢ / ٣٦٨ ، ط عيسى الحلبي ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٥٣ دار الفكر.

(٥) سنن أبي داود ج ١ / ١٩٨.

(٦) صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٥١ ح ٣٢٠٥ ط المكتبة الاسلامية.

(٧) صحيح النسائي ص ٧٢ ـ ٧٦ ، وخصائص الإمام النسائي ص ٤٩.

(٨) راجع : مستدرك الحاكم ٣ / ١٢٣ ، خصائص الإمام النسائي ٤٩ ، تلخيص الذهبي ٢ / ١٥٠ ، معجم الطبراني ١ / ٦٥ ، الاصابة لابن حجر ٢ / ٥٠٢ ، تفسير الرازي ٢ / ٧٠٠ ، السيرة الحلبية ٣ / ٢١٢ ، تفسير الكشاف للزمخشري ١ / ١٩٣ ، أسباب النزول للواحدي ٢٠٣.

(٩) في نسخة الأصل : فارمن ولعله تصحيف.

(١٠) هو الإمام العلامة اللغوي أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب القزويني المعروف بالرازي ، ولد على الأرجح في العقد الأول من القرن الرابع الهجري وكان مسقط رأسه في قرية دكوسف وجياناباذ ، تتلمذ على أبي القاسم الطبراني وأبي بكر أحمد بن الحسن الخطيب ، وأحمد بن طاهر بن النجم ، توفي على الأرجح في سنة ٣٩٥ ه‍

١١٦

وكل قبيح (١). قلت : فهم المعصومون الهادون فاتباعهم هو النجاة لأنهم يهدون إلى الحق ، وبه يعدلون ، فالفرقة المتبعة لهم المنسوبة إليهم هي الفرقة الناجية بلا شك ولا شبهة. ومما يوضح ما ذكرناه ، ويزيده شأنا ؛ ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة (٢) ، ومن المعلوم أن من حبه يوجب الدرجة التي فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يكون ممن يرتكب الفواحش والآثام ، ونحو ذلك ما رواه ابن المغازلي الشافعي في كتابه بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم بعرفات ، وعلي عليه‌السلام تجاهه ، إذ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أدن مني يا علي ، خلقت أنا وأنت من شجرة ، فأنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها ، فمن تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنة (٣).

__________________

بالري ، ودفن مقابل مشهد القاضي عبد العزيز الجرجاني. كتابه (مجمل اللغة) طبع جزء منه بمصر سنة ١٩١٤ ، ثم قام الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد بضبط هذا الجزء وتصحيحه وطبعه سنة ١٩٤٧ ولم يذكر في مقدمته سوى ذلك. ثم قام الأستاذ زهير عبد المحسن سلطان بتحقيقه كاملا على أربع نسخ خطية تخيرها من نحو سبع نسخ وطبع في أربعة أجزاء تقع في مجلدين كبيرين وناشره هو مؤسسة الرسالة في بيروت سنة ١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨٤ م. وفي سنة ١٤٠٥ ه‍ ـ ١٩٨٥ م صدرت طبعة محققة بعناية الشيخ هادي حسن حمودي تقع في خمسة أجزاء عن معهد المخطوطات العربية بالكويت واعتمد على خمس نسخ مخطوطة. واشترك المحققان الفاضلان في ثلاث نسخ مخطوطة ، وانفرد الأول بواحدة وانفرد الثاني باثنتين ولكل طبعة من الطبعتين الكاملتين ميزات تميزها ، وقد ألحق كل محقق طبعته بالفهارس الفنية التي تكشف معاليق الكتاب. (راجع ترجمته في معجم الأدباء ٤ / ٨٠).

(١) مجمل اللغة لأحمد بن فارس ، تحقيق الشيخ هادي حسن حمودي ، ج ٤ / ص ٣٢٥ ، مادة (طهر) ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ج ٣ / ٤٢٨ مادة (طهر).

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٧٧ ، فضائل الصحابة ٢ / ٦٠ ، والمناقب لابن المغازلي الشافعي ٢٣٧ حديث ٤١٧.

(٣) المناقب لابن المغازلي ، ص ٩٠ حديث ١٣٣ ، ص ٢٩٧ حديث ٣٤٠.

١١٧

وما رواه أيضا بإسناده إلى عبد الله بن عباس ، قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه؟ قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب عليه (١). وما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى سعيد بن حسين عن ابن عباس قال : لما نزل قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) قالوا : يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت مودتهم؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسين وأبناؤه (٣).

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة (٤) ، فمن جعل الله تعالى مودتهم أجر الرسالة ، جعلهم قسما لبكر فطرته في التوبة ، كيف يتطرق إليهم المعصية واحتمالها مما كشف عن ذلك أن أعداهم من حرصهم على أن لا يكونوا في الأرض ، بل مع قتلهم لهم وسبي ذراريهم ، ما استطاعوا أن ينسبوا إليهم رذيلة ولا منقصة ولا معصية ، وهذا أدلّ دليل على عصمتهم وطهارتهم ، ولما بعث الحسين عليه‌السلام الكتاب المشهور (٥) إلى معاوية ، وأغلظ عليه القول فيه ، وذكر ابنه يزيد بمعايبه القبيحة من شرب الخمر ، واللعب بالكلاب اطلع معاوية يزيد عليه فأشار عليه أن يكتب له جوابا ويسبه فيه وينقض حرمته ، فقال له معاوية : اني إذا كتبت ذلك عرف بين المهاجرين والأنصار ،

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٦٣ حديث ٩٨.

(٢) سورة الشورى ، آية ٢٣.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٤١٥.

(٤) راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ٢ / ٣٠ / ح ٨٢٢ ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٣٠٧ ح ٣٥٢ ، ذخائر العقبى للطبري ص ٢٥ ، تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن ٤ / ٩٤ ، تفسير الكلبي ٤ / ٣٥ ، التفسير الحديث ٢ / ١٢٧ ، التفسير الواضح ٢٥ / ١٩ ، تنوير المقياس ص ٣١٠ ، كفاية الطالب ص ٩١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، شرح المواهب الدينية ٧ / ٢١ ، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص ٣٩٣ ، فرائد السمطين ١ / ٢١ ، فضائل الخمسة ١ / ٢٥٩ ، وغيرهم كثير.

(٥) قال الإمام الحسين (ع) : إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله. تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٥٢.

١١٨

ولا يليق مني أن أقول كذبا يشتهر بينهم وليس في الحسين عليه‌السلام موضع عيب أعيبه فيه يكون صدقا ، فأعرض عن جوابه (١) لذلك ، قلت : حسن في ذلك التمثيل بقول الشاعر (والفضل ما شهدت به الأعداء).

على أنه قد ورد في مناقب فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام مما رواه الشيعة والسنة مما يقتضي الجزم بما قاله الشيعة من عصمتهم ، ولو لا خوف الإطالة لأوردناه مفصلا ، وفيما ذكرناه كفاية ، ويزيده بيانا ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب فاطمة عليها‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة (٢).

وما رواه أيضا قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني (٣).

ومن صحيح مسلم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها (٤) إلى غير ذلك (٥).

أقول وجعل إيذاءه عليه‌السلام وغضبه منوطا بإيذائها وغضبها ، دليل على عصمتها ، إذ لو فعلت منكرا أو اقترفت ذنبا جاز ايذاؤها قطعا ، ولا يجوز أن يؤذي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويعصيه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويكشف عن هذا ومن عصمة أهل البيت ما نقله أهل الحديث أن عليا عليه‌السلام سأل رجلا من

__________________

(١) حياة الإمام الحسين للقرشي ، ٢ / ٢٣٦.

(٢) صحيح البخاري ، الجزء الرابع ، كتاب بدء الخلق ، باب مناقب قرابة رسول الله (ص) ، وهو من الأحاديث المشهورة المستفيضة.

(٣) المصدر السابق.

(٤) صحيح مسلم ، الجزء الخامس ، ص ٥٤ ، باب فضائل فاطمة.

(٥) كشف الغمة في باب فضائل فاطمة ، ورواه عنه في البحار في باب مناقبها ، وفي الوسائل في كتاب النكاح باب استحباب حبس المرأة في بيتها ، وكنز العمال في كتاب فضائل الخمسة في فضائل فاطمة ٧ / ١١١ ، ومعاني الأخبار باب معنى الشحنة ، البحار ٣٦ / ح ١٤٦ ، ١١٠ ، مستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٣ ، أسد الغابة ٥ / ٥٥٢ ، الإصابة ٨ / ١٥٩ ، تهذيب التهذيب ١٢ / ٤٤١ ، وميزان الاعتدال ٢ / ٧٣ ، ذخائر العقبى ٣٩.

١١٩

الصحابة ، فقال له : لو أن شهودا شهدوا على فاطمة بفاحشة ما كنت تفعل بها؟ فقال : كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على غيرها ، فقال له عليا عليه‌السلام : إذا تكون من الكافرين ، قال : ولم ذلك ، قال : لأن الله قد شهد لها بالتطهير ، فتصديق الشهود عليها بالفاحشة تكذيب لله تعالى وتصديق للشهود وهو كفر. فاعترف بذلك ولم ينكر على علي أحد من الصحابة في ذلك (١).

ومن المتفق عليه بين الأمة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (٢) رواه المؤالف والمخالف. وأما الإمام علي عليه‌السلام فعصمته أظهر من أن تذكر ، وكفى بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الحق معه حيث ما دار ، فلا نجاة إلا باتباعه ، ولا هلاك معه. لا يبقى مدعاكم أن الفرقة الناجية هم الإمامية الاثنا عشرية وإنما استدللتم على اتباع علي والحسن والحسين عليهم‌السلام من الرجال ، فأين التسعة لأنا نقول الغرض هنا هو بيان وجوب اتباع من ذكرناه ، وأن المتبع لهم هم الفرقة الناجية ، وسنبين اتباع ذريتهم التسعة المعصومين ، على أنه قد مر ما فيه دلالة على العموم كقوله (وأبناؤهما) وهو جمع. وأيضا فمن اعتقد ما ذكرناه ، فهو معتقد لإمامة ذريتهم التسعة. إذ لا قائل بعصمة علي والحسين خاصة ، نعم ربما وقف بعض من يسمى بالشيعة (٣) دون إكمال الأئمة ، ولا يعتقد بمذهبه لأن من

__________________

(١) ذخائر العقبى ص ٣٤ ، والمناقب لابن شهرآشوب ٣ / ٣٦٢.

(٢) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة (باب مناقب الحسن والحسين) ٣ / ١٣٦٩ ، الطبعة الأخيرة ، وصحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة (باب فضائل الحسن والحسين). مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٧ ، صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ / ٣ ، تاريخ البغدادي ١ / ١٤٠.

(٣) هي الفرقة الإسماعيلية وهي التي زعمت أن الإمام بعد جعفر بن محمد الصادق هو ابنه اسماعيل (١٠١ ـ ١٣٩ ه‍) وقالوا : ان الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه فلما توفي قبل أبيه جعفر بن محمد عهد الأمر لابنه محمد بن اسماعيل ، وكان الحق له ، ولا يجوز غير ذلك لأن الإمامة لا تنتقل من أخ الى أخ بعد الحسن والحسين (فرق الشيعة للنوبختي ، ص ٦٨ ، ط دار الأضواء).

١٢٠