الفرقة الناجية

الشيخ ابراهيم القطيفي

الفرقة الناجية

المؤلف:

الشيخ ابراهيم القطيفي


المحقق: حبيب آل جميع
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٣

كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عزوجل يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بألف عام ، فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل في شيء واحد ، حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففي النبوة وفي علي الخلافة (١).

ومن الكتاب المذكور باسناده إلى أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كنت أنا وعلي نورا عن يمين العرش يسبح الله ذلك النور ، ويقدسه قبل ان يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلم أزل أنا وعلي في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب (٢).

ومنه بإسناده إلى جابر بن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله عزوجل أنزل قطعة من نور فأسكنها في صلب آدم ، فساقها حتى قسمها جزءين في صلب عبد الله وجزءا في صلب أبي طالب فأخرجني نبيا وأخرج عليا وصيا (٣).

ومن مناقب الفقيه المذكور أيضا قال : أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى الغندجاني ، قال : أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد ، قال : حدثني إسماعيل بن علي ، قال حدثني عبد الغفار بن جعفر ، قال : حدثني جرير عن الأعمش عن إبراهيم التميمي عن أبيه عن أبي ذر الغفاري رحمة الله عليه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ناصب عليا الخلافة من بعدي فهو كافر ، وقد حارب الله ورسوله ، ومن شك في علي عليه‌السلام فهو كافر (٤).

ومن ذلك ما رواه ابن شبرويه الديلمي في باب الخاء بإسناده عن سلمان الفارسي ، قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله تعالى آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ، ففي النبوة وفي علي

__________________

(١) المناقب للمغازلي ص ٨٧ ـ ٨٨ ح ١٣٠ ، ميزان الاعتدال ١ / ٢٣٥.

(٢) المصدر نفسه ٩٨ ، ح ١٣١.

(٣) في نسخة الأصل : وليا. المناقب للمغازلي ص ٩٨ ح ١٣٢.

(٤) المناقب للمغازلي ص ٤٥ و ٤٦ ح ٨٦.

٨١

الخلافة (١) ، أقول : الأحاديث في هذا كثيرة (٢) ، وفيما ذكرناه كفاية.

والغرض أنه إذا أثبت أنه وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخليفته وشقيقه في النور ، وعديله عن النبوة بالولاية ، وأنه ولي كل مؤمن بعد النبي ومؤمنة. فالمتبعون له ، والمقتفون لأثره والآخذون بقوله ، والمعتصمون بحبله ، هم الفرقة الناجية بلا شبهة.

والإمامية هم الموصوفون بذلك ، حتى صار اسمهم أنهم شيعته ، علما لهم من بين سائر الفرق الإسلامية. والنزاع في هذا مكابرة. على أن فيما يأتي من الفصول والمطالب ما يدفع النزاع والاحتمال ، والغرض الأهم من هذا المطلب إثبات ما أثبتناه من كونه وصيا ووليا ، وخليفة ومولى للمؤمنين والمؤمنات ، على الوجه الذي يفهم من ظاهر الأحاديث ، أعني ثبوت ذلك له بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقا ، فإن الطالب للحق والنجاة لا يخفى عليه ذلك إذا أنصف من نفسه والله الموفق.

المطلب الثاني :

في أنه عليه‌السلام باب مدينة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله، والعلم بذلك من المشهور ، بل المتواتر أيضا ، والأحاديث في ذلك كثيرة من طرقنا وطرق أهل السنة ، فمن ذلك :

ما رواه الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمرو الجعابي ، قال : حدثنا أحمد بن عيسى أبو جعفر العجلي ، قال : حدثنا إسماعيل بن خالد ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) فردوس الأخبار للديلمي باب الخاء ج ٢ / ص ٣٠٥ ، ح ٢٧٧٦ ، غاية المرام ص ٦٦.

(٢) أنظر : كفاية الطالب الباب ٨٧ ـ ص ٣١٥ ، ميزان الاعتدال ١ / ٢٣٥ ، ابن حجر العسقلاني في لسانه ٢ / ٢٢٩ ، تذكرة خواص الأمة لابن الجوزي ٥٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٤٥٠ ، ينابيع المودة ١٠ ، مناقب الخوارزمي ٤٦ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٣٠.

٨٢

وآله يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليقتبسه من علي (١).

وبحذف الإسناد عن عبد الله بن مسعود ، قال : استدعى رسول الله عليا فخلا به ، فلما خرج سألناه ما الذي عهد إليك ، فقال : علمني ألف باب من العلم فتح لي من كل باب ألف باب (٢).

ومن ذلك من كتاب ابن المغازلي الواسطي الفقيه الشافعي ، قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الحسن بن شاذان البزاز إذنا ، قال : حدثنا محمد بن حميد اللخمي (٣) ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عمار بن عطية ، قال : حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب (٤).

ومن الكتاب المذكور بحذف الإسناد عن حذيفة (٥) عن علي عليه‌السلام ، قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تأتي البيوت إلا من أبوابها (٦).

ومنه أيضا بحذف الإسناد عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب (٧).

ومنه بحذف الإسناد عن عبد الله بن عثمان بن عبد الرحمن قال : سمعت جابر

__________________

(١) الارشاد للشيخ المفيد ص ٢٢ ، فصل في فضله (ع) على الكافة في العلم.

(٢) المصدر نفسه ، ص ٢٣.

(٣) في نسخة الأصل : النجمي ولعله تصحيف.

(٤) المناقب للمغازلي ، ص ٨١ ـ ح ١٢١.

(٥) في المناقب للمغازلي ط بيروت (عن جرير) وفي عمدة ابن بطريق ١٥٣ نقلا عن ابن المغازلي (حذيفة).

(٦) المصدر السابق ، ص ٨١ ـ ح ١٢٣.

(٧) المصدر السابق ، ص ٨٢ ـ ح ١٢٣.

٨٣

بن عبد الله الأنصاري ، يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : في يوم الحديبية وهو آخذ بإصبع علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقال : هذا أمير البررة وقاتل الفجرة (١) ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، ثم مدّ بها صوته ، وقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب (٢).

ومنه بطريق آخر عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا دار الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب (٣).

والأخبار في ذلك كثيرة (٤) ، وفي هذا كفاية إذا عرفت هذا ، فاعلم أن المراد بالباب في هذه الأخبار الكناية عن الحافظ للشيء الذي لا يسند عنه شيء ولا يخرج منه ولا يدخل إليه إلا به. وإذا أثبت أنه عليه‌السلام الحافظ لعلوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحكمته وثبت الأمر بالتوصل به إلى العلم والحكمة وجب اتباعه والأخذ عنه ، وكان الآخذون عنه والمتبعون له هم الفرقة الناجية بلا شبهة ولا ريب ، ولا شك انهم الإمامية الاثني عشرية المعتقدون لولايته وفرض طاعته وطاعة عترته الوارثين لما ورثه عليه‌السلام والحافظين لما حفظه ، وهم شيعته حقا ، وسنوضح عن قريب ذلك من الأخبار إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) في نسخة الأصل : إمام البررة وقاتل الكفرة.

(٢) المصدر السابق ، ص ١٨٤ ـ ح ١٢٤.

(٣) المصدر السابق ، ص ١٨٦ ـ ح ١٢٨.

(٤) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة الصحيحة المعتبرة ، والمصادر التي ذكرت هذا الحديث بمختلف الأسانيد كثيرة جدا وأليك أسماء بعضها : ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ٢ / ٤٦٤ ، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ١ / ٢٣٤ ح ٤٥٩ ، المستدرك للحاكم ٣ / ١٢٦ وصححه ، أسد الغابة ٤ / ٢٢ ، المناقب للخوارزمي ص ٤٠ ، كنز العمال ١٥ / ١٢٩ ح ٣٧٨ ط ٢ ، صحيح الترمذي ٥ / ٣٠١ ح ٣٨٠٧ ، ولمزيد من المصادر راجع المراجعات (تحقيق الشيخ حسين الراضي) ص ١٤٤ ـ ١٤٦ ، رقم ٥٨٨ ـ ٥٦٠.

٨٤

المطلب الثالث :

في أنه عليه‌السلام المنصوص عليه بالإمامة ووجوب الإتباع ، وثبوت ما كان للنبي عليه‌السلام من الأولية والطاعة والمحل ، وهو من المشهورات والمتواترات في الحديث.

أما عند الإمامية فأظهر من أن يذكر ، رواه كل من ينسب إليه العلم منهم ، ولا حاجة لنا إلى ذكر شيء من أحاديثهم في هذا الباب ، لأن ذلك من الضروريات عندهم وهو مروي عندهم بما لا يحصى كثرة (١).

ومن مجمله بحذف الإسناد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قضى مناسكه في حجة الوداع دخل مكة فأقام بها يوما واحدا فهبط الأمين جبرئيل عليه‌السلام عليه بأول آية العنكبوت (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (٢) ، فسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جبرئيل : ما هذه الفتنة؟ فقال : العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول لك ما بعثت نبيا من أنبيائي إلا أمر انه عند انقضاء أجله أن سيخلف على أمته من يقوم مقامه ، والمطيعون له فيما أمرهم به ، الصادقون والمخالفون عن أمره هم الكاذبون. وقد آن لك يا محمد أن تسير إلى ربك وهو يقول لك أنصب لأمتك من بعدك علي بن أبي طالب ، أما فهو الوصي المهيمن على أمتك ، القائم فيهم بأمرك إن أطاعوك ، وهي الفتنة التي ذكرت لك ، وإن الله يأمرك أن تعلمه جميع ما علمك من العلوم وتودعه جميع ما استودعك من أسرار النبوة وشرائع الدين ، وأن تسلم إليه جميع ما معك من آثار الأنبياء والسلاح والألوية والرايات ، فإنه الأمين على ذلك. ويقول لك

__________________

(١) أنظر : تفسير فرات بن ابراهيم الكوفي من أهل القرن الثالث ص ١٢ ط الحيدرية ، الكافي لثقة الاسلام الكليني ٤ / ١٤٨ ح ١ وص ١٤٩ ح ٣ ط الجديدة بطهران ، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٣٧ ط الجديدة ، أمالي الصدوق ص ١١١ ، الخصال للشيخ الصدوق ص ٢٤٠ ، ثواب الأعمال للصدوق ص ٧٤.

(٢) سورة العنكبوت ، آية ١ ـ ٣.

٨٥

إني نظرت إلى عبادي فاخترتك رسولا ونبيا ، واخترت لك علي بن أبي طالب وصيا وخليفة ، فاستمهله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن يصل إلى المدينة في النصب والاستخلاف ، وخلا بعلي يومه وليلته وعلّمه العلوم واستودعه الأسرار وسلّم إليه ما معه من آثار الأنبياء السالفة وأعلمه ما أتاه جبرئيل عليه‌السلام وارتحل من مكة قاصدا إلى المدينة عازما على أن ينصبه إذا وصل إليها ، فلما بلغ غدير خم قبل الحجفة (١) بثلاثة أميال ، نزل عليه جبرئيل وهو على خمس ساعات من النهار بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٢) فاستمهل جبرئيل إلى المدينة ، فأجابه : إن الله سبحانه وتعالى يأمرك أن تفرض ولايته في منزلك هذا قبل أن يتفرق هؤلاء إلى بلدانهم وقراهم ، فنادى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنزول ، وأمر برد من تقدم ، ونزل في غير منزل لعدم الكلأ والماء في مكان غير صالح للنزول ، ووقت غير صالح له لشدة الحر ، وأمر الرجال بنصب الأقتاب شبه المنبر ، وخطب وبالغ ونص عليه بعد أن دفع بعضده ، حتى صارت رجليه مع ركبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وظهر بياض إبطيهما وقال في خطبته : ألست أولى بكم من أنفسكم ، قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال وهو رافع باصبع علي : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ،

__________________

(١) الجحفة بالضم ثم السكون ، والفاء : كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام ان لم يمروا على المدينة ، وكان اسمها مهيعة وإنما سميت الجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام وهي الآن خراب ، وبينها وبين ساحل البحر نحو ثلاث مراحل ، وبينها وبين المدينة ست مراحل ، وبينها وبين غدير خم ميلان ، وقال السكري : الجحفة على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة. معجم البلدان ٢ / ١١١.

(٢) سورة المائدة آية ٦٧ ، نزلت يوم ١٨ من ذي الحجة في غدير خم حينما نصب الرسول (ص) عليا (ع) علما للناس ، وخليفة من بعده ، وذلك يوم الخميس فقد نزل بها عن جبرئيل بعد مضي خمس ساعات من النهار ، فقال : يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول لك : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك .. الخ ، نزول هذه الآية في يوم الغدير.

٨٦

وأدر الحق معه حيث ما دار ، ألا فليبلّغ منكم الشاهد الغائب والوالد الولد (١).

وما يقوله بعض أهل السنة من التأويلات تدفعه قرائن الأحوال والمقدمات ، فإنها بغير نصب الخلافة لا تليق. كيف وقد فهم ذلك من النبي عليه‌السلام جميع الحاضرين (٢). وعمر بن الخطاب قال له : بخ بخ (٣) لك يا علي بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (٤). وعن طريق أهل السنة ، فمن ذلك ما مر في آخر المطلب الأول ، من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ناصب عليا الخلافة من بعدي فهو كافر ، ومن شك في علي فهو كافر (٥).

ومن ذلك ما ذكر في كتاب شواهد التنزيل بإسناده إلى ابن عباس في تأويل قوله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٦) ، قال : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي (٧).

ومن مسند أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا زيد بن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب ، قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت شجرتين ، فصلى الظهر فأخذ بيد علي علي السلام ، فقال : ألستم

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٣٧ ط الجديدة ، أمالي الصدوق ص ١١١.

(٢) لمزيد من الاطلاع على تأويل حديث الغدير ، راجع : المراجعات ص ٢٧٥ ـ ٢٨٤ ، تحقيق الشيخ حسين الراضي.

(٣) بخ : كلمة فخر ، وبخبخ الرجل قال : بخ بخ والعرب تقول للشيء تمدحه : بخ بخ وبه وبه بمعنى واحد. لسان العرب ٣ / ٦٠٥.

(٤) ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ٢ / ٥٠ ح ٥٤٨ ، مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٢٨١ ط الميمنية ، تفسير الفخر الرازي ٣ / ٦٣ الدار العامرة بمصر ، فضائل الخمسة ١ / ٣٥٠ ، الحاوي للفتاوي للسيوطي ١ / ١٢٢.

(٥) ينابيع المودة ص ١٨١.

(٦) سورة الأنفال ، آية ٢٥.

(٧) شواهد التنزيل ١ / ١٨٧.

٨٧

تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى ، فأخذ بيد علي عليه‌السلام ، فقال لهم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، قال : فلقيه عمر ، فقال له : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (١).

وبطريق آخر من المسند المذكور قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا أبو أعوان عن المغيرة ، قال : حدثنا أبو عبيدة عن ابن ميمون بن عبد الله ، قال : قال زيد بن أرقم وأنا أسمع ، نزلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بواد يقال له خم ، فأمر بالصلاة فصلاها ، قال : فخطبنا وظلل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سوت على شجرة عن الشمس ، فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أولستم تعلمون! ، أولستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ، قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٢).

ومن ذلك أيضا ، قال : حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم ، قال : حدثنا مطر عن أبي الطفيل ، قال : جمع علي عليه‌السلام الناس في الرحبة ، ثم قال : انشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام ، قال : فقام ثلاثون رجلا من الناس ، وقال : أبو نعيم فقام أناس كثيرة فشهدوا حين أخذ بيده فقال : للناس أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٣).

ومن المسند المذكور ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء وهو ابن عازب ، قال : أقبلنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع حتى كنا بغدير خم ، فنودي فينا إلى الصلاة جامعة وكسح لرسول الله

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٢٨١ ، فضائل الخمسة ١ / ٣٥٠ ، الحاوي للفتاوي السيوطي ١ / ١٢٢ ، كنز العمال ١٥ / ١١٧ ج ٣٣٥ ط ٢.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٤ / ٣٧٠ ، كنز العمال ج ١٥ / ٩١ ح ٢٥٥ ، الغدير للأميني ١ / ٣٠.

(٣) المصدر نفسه ، ١ / ١١٩ و ٤ / ٣٧٢.

٨٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله بين شجرتين فأخذ بيد علي عليه‌السلام ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هذا مولى من أنا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر وقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (١).

ومن تفسير الثعلبي بإسناده إلى البراء أيضا مثل الحديث المتقدم بلا فصل ، إلا أنه لم يذكر عن عمر لفظ وأمسيت بل اقتصر على (أصبحت) (٢).

ومن التفسير المذكور في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٣). الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلغ فيه ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٤).

ومن التفسير المذكور في تفسير قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (٥) ، قال : وسأل سفيان بن عتيبة عن قوله الله عزوجل ، (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) فيمن نزلت ، فقال : لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك ، حدثني جعفر بن محمد عن آبائه ، قال : لما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا ، فأخذ بيد علي عليه‌السلام ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقته حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها ، ثم أتى النبي صلى الله

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ، و (واقعة الغدير) تعتبر من أشهر الوقائع الاسلامية وقد سجّلها المؤرخون في كتبهم. انظر [الغدير للأميني ، الجزء الأول ، فقيه ما يروي القليل] ص ٢٨١.

(٢) تفسير الثعلبي (مخطوط).

(٣) سورة المائدة آية ٦٧.

(٤) تفسير الثعلبي (مخطوط).

(٥) سورة المعارج ، آية ١.

٨٩

عليه وآله وهو في ملأ من أصحابه ، فقال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه ، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه ، وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت باصبعي ابن عمك ففضلته علينا ، وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وهذا شيء منك أو من الله ، فقال : والذي لا إله إلا هو إنه من أمر الله ، فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتينا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله تعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) (١).

ومن مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن طاوان ، قال : أخبرنا أبو الحسين أحمد الحسين ابن السماك ، قال : حدثني أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي (٢) ، قال : حدثني علي بن قتيبة الرملي ، قال : حدثني حمزة بن ربيعة القرشي عن أبي شوذب (٣) عن مطر (٤) الوراق عن شمر بن حوشب عن أبي هريرة ، قال : من صام يوم ثامن عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : ألست أولى بالمؤمنين؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، قال فأنزل الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٥) (٦).

__________________

(١) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، ص ٣٥ الصحفة الأولى من الورقة ٢٠٣ ، والغدير ١ / ٢٤٠ ح ٣.

(٢) في نسخة الأصل : الخلودي.

(٣) في نسخة الأصل : شوذن ، ولعله تصحيف.

(٤) في نسخة الاصل : بطر ، ولعله تصحيف.

(٥) سورة المائدة ، آية ٣.

(٦) المناقب ص ١٨ ـ ١٩ ح ٢٤ ، فضائل الخمسة ١ / ٣٥٠.

٩٠

أقول : والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى كثرة بالأسانيد المعتبرة ، فهو من المتواترات اليقينية (١). وقد ذكر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمسة وسبعين طريقا ، وأفرد له كتابا سمّاه كتاب (الولاية) (٢). وأفرد أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف بابن عقدة ، وهو ثقة عند أرباب المذاهب الأخبار ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، وأفرد له كتابا سمّاه (حديث الولاية) ، وطرقه مائة وخمسون طريقا (٣). وغيرهما من العلماء والرواة (٤) ، كابن المغازلي فإنه ذكر اثني عشر طريقا بالخبر (٥) ، ولو لا خوف الإطالة لأوردنا الأخبار وأسماء الرجال وكلهم من الصحابة العشرة (٦) وغيرهم. فصار مما لا شك فيه ولا ارتياب ، ومما يدل أيضا على ظهور النص واشتهاره ما ذكره جماعة من أصحاب التواريخ والعلماء ؛ أن المأمون العباسي جمع أربعين رجلا من علماء السنة وناظرهم بعد أن بسطهم ووثقهم من الإنصاف ، وأثبت عليهم الحجة بأن علي

__________________

(١) هذه الواقعة (واقعة الغدير) تعتبر من أشهر الوقائع الاسلامية وقد سجلها المؤرخون في كتبهم ومن الصعب جدا إحصاء جميع تلك المصادر ولهذا نذكر اسماء بعضها : تفسير الرازي ٣ / ٦٣٦ ، تفسير ابن كثير ٢ / ١٤ ، تفسير النيسابوري ٦ / ١٩٤ ، تفسير السيوطي ٢ / ٢٥٩ ، تفسير الآلوسي ٢ / ٣٥٠ ، تفسير الطبري ٣ / ٤٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٨ ، سنن البيهقي ٢ / ١١٩ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٩٠ ، وغيرها من عشرات المصادر ، وللمزيد راجع الجزء الأول من الغدير للأميني ففيه ما يروي الغليل.

(٢) محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ ، المتوفى ٣١٠ ه‍ ، له كتاب الولاية في طريق حديث الغدير رواه فيه بخمس وسبعين طريقا وقيل بخمسة وتسعين طريقا.

(٣) ابو العباس أحمد بن عقده ، المتوفى ٣٣٣ ه‍ ، له كتاب الولاية في طرق حديث الغدير رواه فيه بمائة وخمس طرق وقيل بمائة وخمسين طريقا من الصحابة.

(٤) لمزيد من المعلومات عن المؤلفين في حديث الغدير من علماء السنة والشيعة ، أنظر المراجعات / ت / الشيخ حسين الراضي ١٩٣ ـ ١٩٦ ، حيث ذكر سبعة أسماء وعشرين مؤلفا.

(٥) مناقب الامام علي (ع) لابن المغازلي ١٦ ـ ٢٧.

(٦) حول رواة حديث الغدير من الصحابة والتابعين أنظر : المراجعات / ت / الشيخ حسين الراضي ١٩٦ ـ ٢٠٩.

٩١

بن أبي طالب وصي رسول الله والمستحق للقيام مقامه في أمته ، وأورد نصوصا كثيرة قد نقلها المسلمون وتفصيلها في مناظرته (١) ، فاعترف الأربعون أن عليا هو المنصوص عليه بالخلافة ، وللمأمون في ذلك أبيات كثيرة منها :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذا الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن (٢)

ومقدمو غير علي عليه‌السلام لا سبيل لهم إلى رد الأخبار لظهروها ونقل أرباب الحديث الثقات لها ، وليس لهم من المسالك التي يلجئون إليها إلا أمور نحن ذاكروها ، والجواب عنها على وجه موجز حسن إن شاء الله تعالى.

فمنها إن الخبر ورد على سبب خاص ، فيتخصص به وليس بشيء أصلا لأنه على تقدير التسليم لا تتخصص به فإن خصوص السبب لا يخصص ، إذ الاعتبار إنما هو بعموم الكتاب والسنة وأكثر أوامرهما ونواهيهما وردت على أسباب خاصة ، وقد حقق ذلك أهل الأصول من الشيعة وأهل السنة (٣). ثم أنه يحسب عنه من وجوه :

الأول : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكره واستدل به على استحقاق الخلافة واستشهد من كان حاضرا يومئذ ممن شهد مجلسه ذلك فشهد ثلاثون رجلا (٤) بذلك ، ولو كان مخصوصا بسبب لم يحسن منه الاستدلال به ، ولكان أنكر فأيده استدلاله من الصحابة من حضره ، وهذا واضح مع أنه استدل به غير مرة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويوم الشورى (٥) منها فلم ينكر

__________________

(١) عن مناظرة المأمون أنظر : الغدير ١ / ٢١٠ و ٣ / ٢٣٦ ، العقد الفريد ٣ / ٤٣.

(٢) راجع : كتاب في رحاب أئمة أهل البيت (ع) م ٣ / ص ١١١ ، وقد أثبتت القصيدة بكاملها.

(٣) راجع : أصول الفقه للشيخ المظفر ١ / ١٢٩ ، فوائد الأصول للعلامة الخراساني ١ / ٦٠ ، كفاية الأصول (مبحث الخاص والعام).

(٤) وأنت تعلم أن تواطؤ الثلاثين صحابيا على الكذب يمنعه العقل ، محصول التواتر بمجرد شهادتهم اذن قطعي لا ريب فيه : راجع المراجعات ص ٢٦٨ ، تحقيق الشيخ حسين الراضي.

(٥) حول يوم الشورى ، راجع : صحيح مسلم ٢ / ١٥ ، كتاب الوصية ، وصحيح البخاري طبع دمشق ١ / ٥٤ كتاب الجهاد ، الباب ١٧٢ ، الحديث ٢٨٨٨.

٩٢

عليه أحد.

الثاني : إن عمر بن الخطاب مع كونه من الصحابة المهاجرين والعارفين بمدلولات لكلام العربي وبمقاصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكثرة معاشرته إياه ، ولقرائن لأحوال قال بعد ذلك : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، ولو كان خاصا أو تحمل الخصوص لما قال ذلك ، على أنه لو كان وهما لم يقره عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنه سمع كلامه وعرفه ، ولم ينكره ، وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام أقره (١) ورضى به ، وهذا واضح أيضا في أن المراد لعموم.

الثالث : أن أهل العربية الذين أنزل القرآن على لغتهم ويفهمون دقائقه بطبعهم ، فهموا العموم وعرفوه حتى قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله النعمان بن الحارث الفهري ، وقال له : ما قال وهو عليه‌السلام في ملأ من أصحابه ، فأجابه بالقسم لعظيم ، إنه من الله وقد علم عليه‌السلام أن كلامه كلام منكر ومستكبر من ذلك. ولو كان المراد به أمرا خاصا لأجابه به ، فإقراره على ما فهم ، منضما الى فهمه وسؤاله لي ملأ من الأصحاب ، دليل صريح على أن المراد العموم ، وهذا أيضا واضح.

ومنها تأويل المولى فإن لفظ المولى مشترك ، فقد لا يراد به الأولى والسيد المطاع ، بل أحد معانيه المشتركة ، وليس شيء أيضا ، لأن العمدة في معاني المولى في العربية (٢) ، وهو الأولى لأنه أكثر استعمالا حتى إن الإطلاق ينصرف إليه إذا لم تقم قرينة على غيره لكثرة استعماله ، ثم إنا نجيب عن ذلك من وجوه الأول والثاني والثالث ما ذكرناه في الجواب عن احتمال إرادة الخصوص ، فإنها صالحة للجواب عن هذا كما لا يخفى ، كيف لا وقد قال عمر بن الخطاب : هنيئا لك يا بن أبي

__________________

(١) تقدمت الهاء على الواو في الأصل فوردت أقروه والأصل ما أثبتناه.

(٢) صرح اللغويون بأن كل من ولي أمر واحد فهو وليه ، فيكون المعنى : أن الذي يلي أموركم فيكون أولى بها منكم ، إنما هو الله ورسوله وعلي. راجع مادة (ولي) من الصحاح أو من مختار الصحاح. أو غيرهما من معاجم اللغة.

٩٣

طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

الرابع : إن معاني المولى عشرة : الأولى (١) ، والإمام ، والسيد المطاع ، ومالك الرق ، والمعتق ، وابن العم ، وناصر ، وضامن الجريرة ، والجار ، والحليف ، ولا يصح حمل قوله عليه‌السلام من كنت مولاه فعلي مولاه إلا على أحد الأولين. كما لا يخفى إذ لا اشتباه في غير الناصر ، ومعلوم أن مثل ذلك المقام ، لا يقتضي ولا تحمل ذلك على أن نصرة النبي عليه‌السلام في الحقيقة إنما هي إقامة الدين ، والحجج ، والهداية ، وحفظ الشريعة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من وظائفه عليه‌السلام ، وبثبوتها لأمير المؤمنين عليه‌السلام يقتضي المطلوب.

الخامس : إن نزوله في غير محل النزول وفي غير وقته ، وندائه بالاجتماع وقيامه خطيبا وذكر مقدمة الحديث بقول : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ، ألست أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه وأتباعه؟ ، ذلك بعد قول المسلمين : بلى ، بقوله : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، يدفع كل احتمال غير الأولى والسيد المطاع. وهذا واضح لا يرده إلا مكابر مقتضى عقله ويزيده بيانا. ويدفع الريب ما ذكره الثعلبي في تفسيره ؛ أن سبب نزوله وخطبته ونصه إنزال قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٢) ، ومما يدع احتمال الوهم ما أورده حسان بن ثابت (٣) شاعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الأنصار ، بعد قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستئذانه أن يقول شعرا ، فقام على نشر من الأرض والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع وجماعة المسلمين ، فقال :

__________________

(١) المولى بمعنى الأولى راجع الغدير للأميني ١ / ٣٤٠ ـ ٣٨٥ ، التبيان للشيخ الطوسي ٢ / ٥٥ ط النجف ، المراجعات ، / ت / الشيخ حسين الراضي ص ٢٢٧ ـ ٢٣٢.

(٢) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، وشواهد التنزيل ١ / ١٨٨ ، وتفسير النيسابوري (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) ، هامش تفسير الطبري ٦ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٣) هو حسان بن ثابت بن المنذر الذي قال فيه الرسول (ص) لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك (ت ٥٤ ه‍ / ٦٧٤ م) ، الزركلي : الأعلام ٢ / ١٨٨ ، الغدير ٢ / ٣٤.

٩٤

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالنبي مناديا

وقد جاءه جبريل من عند ربه

بأنك معصوم فلا تك وانيا

وبلغهم ما أنزل الله ربهم

إليك ولا تخش هناك الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفه

بكف علي معلن الصوت عاليا

فقال : فمن مولاكم ووليكم

فقالوا : ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا

ولم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

ويا رب فانصر ناصريه لنصرهم

إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك (١) ، قلت : وقد روى أبو بكر بن مردويه الحافظ بإسناد إلى أبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم دعا الناس في غدير خم ، أمر بما كان تحت الشجرة من شوك فقمّ وذلك يوم الخميس ، ثم دعا الناس إلى ولاية علي عليه‌السلام فأخذ بإصبعيه فرفعهما حتى نظر الناس بياض إبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يفترقا حتى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على كمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي عليه‌السلام ، ثم قال : من كنت مولاه فعلي ، مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، فقال حسان بن ثابت : يا رسول الله ائذن لي أن أقول أبياتا ، فقال : قل على بركة الله ، فقال حسان : يا معشر قريش اسمعوا شهادة رسول الله ،

__________________

(١) الغدير ٢ / ٣٩.

(٢) سورة المائدة ، آية ٣.

٩٥

وقال : يناديهم يوم الغدير نبيهم (١).

قلت : ألا ترى إلى فهمه ما أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من المولى وذكره في شعره بمعناه بكونه إماما وهاديا وإلى عدم إنكار أحد عليه ، وإلى تقريره صلى‌الله‌عليه‌وآله له على ذلك ، ودعائه له بأنه مؤيد بروح القدس. ولو لا خوف التطويل لأوردت غير ذلك من أشعار العرب يوم الغدير وبعده (٢) ، وفي هذا كفاية لمن أراد الهداية والله الهادي ، ومما يؤيد أن المراد بالمولى الولي ، ما تظافرت به الروايات ، بقوله : صلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت وليه فعلي وليه (٣). وقوله : هو وليكم بعدي (٤). وقوله : هو أولى الناس بكم بعدي (٥).

روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن بريده عن أبيه ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثتين (إلى اليمن) (٦) ، على أحدهما علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا التقيتم فعلي على الناس (٧)

__________________

(١) المناقب لابن مردويه (مخطوط) ، المناقب للخوارزمي ص ٨٠ ، تفسير ابن كثير الشافعي ٢ / ١٤ / ط ١ بمصر ، الغدير ١ / ٢٣٠ ، شواهد التنزيل ١ / ١٥٧ ح ٢١١ ـ ٢١٥ ، ط ١ بيروت.

(٢) لمزيد من المعلومات عن الشعراء الذين نظموا في الغدير راجع الغدير ج ٢ / ٣ / ٤ ، والملحمة العلوية للشيخ جعفر الهلالي ٢٨ ـ ٣٥.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٢٥ / ح ٣٠٦٢ بسند صحيح ، ط دار المعارف بمصر ، الاستيعاب لابن عبد البر بهامش الاصابة ٣ / ٢٨ ، المستدرك للحاكم ٣ / ١٣٤ ، تاريخ ابن عساكر ١ / ٣٨٤ ح ٤٩٠.

(٤) خصائص أمير المؤمنين للشافعي ص ٢٤ ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٥ / ٣٥ ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٤ / ٣٣٩.

(٥) كنز العمال ٥ / ١١٥ ح ٣٣٣ ط ٢ حيدر أباد ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٤ ، أنساب الأشراف للبلاذري ٢ / ١٠٦ ح ٤٣ ، فضائل الخمسة ١ / ٣٢٨ ح ٢٥٥.

(٦) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٧) ما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدا على علي مدة حياته ، بل كانت له الإمرة على غيره ، وكان حامل لوائه في كل زحف بخلاف غيره ، فإن أبا بكر وعمر كانا من أجناد أسامة وتحت لوائه الذي عقده له رسول الله حين أمّره في غزوة مؤتة ، وعبأهما بنفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في ذلك الجيش بإجماع أهل الأخبار ، وقد جعلهما أيضا من أجناد

٩٦

وإن (١) افترقتم فكل واحد منكما على جنده (٢) ، قال : فلقينا بني زيد من أهل (٣) اليمن فاقتتلنا وظهر المسلمون على المشركين فقاتلنا (٤) وسبينا الذرية ، فاصطفى علي عليه‌السلام من السبي امرأة لنفسه ، قال يريده : فكتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبره بذلك ، فلما أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دفعت الكتاب إليه ، فقرأ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : يا رسول الله هذا مكان العائذ (٥) ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه فقد بلغت ما أرسلت به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تشنّع (٦) في علي ، فإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي.

وفي كتاب (المناقب) تأليف أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، وهو من رؤساء السنة ، روى هذا الحديث من عدة طرق ، وفي رواية بريدة له زيادة ، وهي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لبريدة : إنه عنك يا بريدة ، فقد أكثرت الوقوع بعلي ، فو الله إنك لتقع برجل أولى الناس بكم من بعدي ، وزيادة أخرى ؛ إن بريدة قال : يا رسول الله استغفر لي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : حتى يأتي علي عليه‌السلام ، فلما جاء علي عليه‌السلام طلب بريدة ان يستغفر له ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي

__________________

ابن العاص في غزوة ذات السلاسل ولهما قضية في تلك الغزوة مع أميرهما عمرو بن العاص ، أخرجها الحاكم في ص ٤٣ من الجزء ٣ من المستدرك ، وأوردها الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحة ذلك الحديث ، أما علي (ع) فلم يكن مأمورا ولا تابعا لغير النبي منذ بعث الى أن قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٣٦٩ ط ١.

(١) في نسخة الأصل : واذا.

(٢) في نسخة الأصل : جند ، ولعله تصحيف.

(٣) أهل : زيادة على نسخة الأصل.

(٤) في نسخة الأصل : فقتلنا.

(٥) في نسخة الأصل : العابد ولعله تصحيف.

(٦) مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٥٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧ ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ١ / ٣٦٩ ح ٤٦٦ و ٤٦٧ و ٤٦٨ ط بمصر ، وج ٩ / ١٧٠ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل.

٩٧

عليه‌السلام : إن تستغفر له استغفر له. ، فاستغفر له (١).

السادس : ما رواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي ، أن في ذلك اليوم وتلك الساعة بعد أن قال عمر بن الخطاب بما قال ، أنزل الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٢). وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرب بولايتك يا علي.

قلت : ومن المعلوم أن أمرا ينزل فيه من الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٣) ولا يكون المراد منه غير ما ذكرنا ، وهذا واضح لمن تأمله. وقد روى مسلم في الصحيح في المجلد الثالث عن طارق (٤) بن شهاب قال : قالت اليهود لعمر : لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، فبعلم اليوم الذي أنزلت فيه لاتخاذنا ذلك اليوم عيدا (٥). قلت : وقد سبق في رواية أبي هريرة أن من صام يوم الغدير كتب له صيام ستين شهرا (٦) ، ومن المعلوم أن فضيلته ليس إلا من حيث نصب علي عليه‌السلام للإمامة ، فلا يحتمل المولى غير الأولى ، وهذا مما لا سترة به ولا عليه.

ومنها أن عليا عليه‌السلام لما كان خليفة رابعا ، أمكن تنزيل النصوص والأوامر على ذلك. أقول وهذا لا يحتاج إلى بيان طويل ، بل هو بالإعراض عنه حقيق ، فإن الناس اختلفوا أن الخلافة والإمامة منصوص عليها من النبي عن الله تعالى أم لا ، بل

__________________

(١) المناقب لابن مردويه مخطوط ، فضائل الخمسة ١ / ٣٤١ ، فرائد السمطين ١ / ٢٩٨ ح ٢٣٦.

(٢) المناقب لابن المغازلي ص ١٩ ج ٢٤.

(٣) شواهد التنزيل ١ / ١٥٧ ، الدر المنثور ٢ / ٢٥٩ ، فرائد السمطين ١ / ٧٢.

(٤) في الأصل طاوس ، ولعله تصحيف.

(٥) صحيح مسلم ج ٣ من الطبعة القديمة ، كتاب التفاسير وفي الجزء الخامس ص ٥١٧ ـ ٥١٨ ط ١ ـ ١٩٨٧ بيروت / مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر.

(٦) تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٧٥ ح ٥٧٥ و ٥٧٦ و ٥٧٧ ، شواهد التنزيل ١ / ١٥٨ ح ١٠ م و ٢١٣ ، الغدير ١ / ٤٠٢ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٩٠ ، وفي بعض الروايات بدل ستين (شهرا) ستين (سنة) كما في فرائد السمطين للحمويني ١ / ٧٧ ب ١٣.

٩٨

هي بالبيعة ، فمن قال بالأول وثبت عنده النص قال بها لعلي عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل للنص ، ومن لم يقل قال بخلافة أبي بكر بالبيعة ، فإذا علم النص لا يمكن أن يقال : إن عليا عليه‌السلام الخليفة الرابع ، فإنه لا قابل من الأمة به ، ولو قيل فهو غير محتمل ، على أنا بحسب عن ذلك بعد ما تقدم ، فإن الوجوه السابقة أكثرها بل كلها تصلح جوابا عن هذا. كما لا يخفى بأن عليا عليه‌السلام مع الاتفاق على فضله وعلمه وايداع النبي عليه‌السلام علومه ، وله بما ثبت من الأحاديث السابقة لا يخفى عليه مثل ذلك ، لو كان هو المراد قطعا ، ولو كان كذلك ، لما طلب لنفسه ذلك بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل بيعته لأبي بكر ولما احتج لنفسه على ما ذكره بحديث الغدير ، فإنه لما بويع لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة (١) ، وأتى المسجد وطلبوا من علي عليه‌السلام البيعة والدخول فيما دخل فيه أهل السقيفة من المهاجرين والأنصار فامتنع عليه‌السلام ، واحتج عليهم بالحجج الواضحة ، والدالة بل الراجحة أنه الخليفة وأنه أولى بالأمر من غيره ، فقام بشير بن سعد الأنصاري سيد الأوس الذي وطأ الأمر لأبي بكر وقال : والله يا أبا الحسن لو أن هذا الكلام سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر لما اختلف عليه اثنان منهم ، ولسارعوا إلى مبايعتك ، فقال لهم عليه‌السلام : يا هؤلاء ما كنت بالذي أخلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه؟ وقد أوصاني وقال : يا أخي لا تفارقني حتى تؤتيني في رمسي (٢). وأيم الله ما كنت أظن أن أحدا

__________________

(١) حول حادث السقيفة والنزاع في داخلها للفوز بالخلافة وتجاهل (الصحابة) الحضور (النص) على الإمام أمير المؤمنين (ع) ، انظر : مروج الذهب ٢ / ٣٠٧ ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ١٩ ـ ٢٠ ، تاريخ الفداء ١ / ١٥٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢١٩ ، تاريخ الخميس ٢ / ١٦٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٠.

(٢) حول اختصاص الامام أمير المؤمنين (ع) بوصية رسول الله (ص) وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه انظر : خصائص النسائي ١٢٧ الحديث ١٥٤ ، ابن الوردي ١ / ٢٠٩ ، طبقات ابن سعد ج ٢ ، ق ٢ / ٦١ ليدن ١٣٣٠ ه‍ ، المستدرك للحاكم ١ / ٣٦٢ ، السيرة النبوية لابن هشام ٤ / ٢٢٩.

٩٩

يسابقني على الخلافة ، وينازعنا أهل البيت فيها ، ولا علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك يوم غدير خم لأحد حجة ، ولا لقائل مقالا ، فأنشد الله كم (١) رجلا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، أن يشهد اليوم بما سمع ، فقام جماعة كثيرة فشهدوا بذلك ، حتى كثر الكلام وارتفعت الأصوات وكثر الرهج إلى آخر الخبر (٢) ، إلى غير ذلك من احتجاجاته عليه‌السلام. وسيأتي عن قريب ما يوضح عن هذا أيضا ، وفي هذا كفاية لمن أنصف من نفسه ، وطلب النجاة ورضى ربه والله الهادي.

ومنها معارضة ذلك كله بالإجماع ، وحسن الظن بالصحابة الممدوحين في الكتاب العزيز ، فإنهم أجمعوا على خلافة أبي بكر ، ولو علموا استحقاق علي لها لما غصبوه مقامه ولما باعوا دينهم بالدنيا.

أقول : هذا ما يتقدح في القلوب الساذجة والأنفس الخالية من معرفة الحق واليقين بالنصوص الواضحة والدلائل الراجحة وبمزايا الأمور وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلهم في النار إلا واحدة ، فإنه دلّ على أن الناجي قليل بل نادر بالنسبة إلى الكثير من السالكين وأهل المال والآراء ، والحق تعالى قد كرر ذلك في كتابه العزيز بقوله : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (٣) ، (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٤) ، (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٥) ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (٦) ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) (كم) زيادة على نسخة الأصل.

(٢) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٢٨ ـ باب ٤ ـ ص ١٨٦ وما بعدها ، ط الجديدة ، الاحتجاج للطبرسي ج ١ وج ٢ ـ ط النجف.

(٣) سورة ص ، آية ٢٤.

(٤) سورة سبأ ، آية ١٣.

(٥) سورة الأنعام ، آية ١١٦.

(٦) سورة هود ، آية ١٧ ، سورة الرعد ، آية ١.

١٠٠