الفرقة الناجية

الشيخ ابراهيم القطيفي

الفرقة الناجية

المؤلف:

الشيخ ابراهيم القطيفي


المحقق: حبيب آل جميع
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٣

اعتقد عصمته قال : من انكر واحدا منا يعني من الاثني عشر ، كان كمن أنكر جميعنا ، وكذا من جحد واحدا منا كان كمن جحدنا جميعا (١).

المطلب الثاني :

في أن أهل بيته عليه‌السلام يجب لهم من الطاعة والتمسك ما يجب لكتاب الله تعالى.

قلت : ودليل هذا مما اتفق على نقله المؤالف والمخالف ، ومما تكرر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيام حياته إلى حين وفاته.

روى أحمد بن حنبل في مسنده قال : حدثنا ابن نمير قال : حدثنا عبد الملك ابن أبي سنان عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ؛ الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، قال : ابن نمير قال بعض أصحابنا عن الأعمش قال : انظروا كيف تخلفوني فيهما (٢).

ومنه حدثنا أسود بن عامر قال : حدثنا شريك عن الركين عن القسم بن عنان عن زيد بن ثابت ، قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء وما بين الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (٣).

ومن تفسير الثعلبي رفعه إلى أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين إن أخذتم بهما لن تضلوا من بعدي

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ١ (باب من جحد الأئمة أو بعضهم) ص ٣٧٣.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ، ٣ / ١٧.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٣ / ٢٦ ، وقد ورد فيه بألفاظ مختلفة ومتعددة فراجع ج ٣ / ٥٩ وج ٤ / ٣٦٦ و ٣٧١ ، وج ٥ ص ١٨١ ، ط الميمنية بمصر.

١٢١

أحدهما أكبر من الآخر ؛ كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، أو قال : إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (١).

ومن مناقب الفقيه الشافعي ابن المغازلي رفعه بطريق آخر إلى أبي سعيد الخدري أيضا ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إني أوشك أن ادعى فأجيب ، فإني قد تركت فيكم الثقلين ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا ما ذا تخلفوني فيهما (٢).

ومن الجمع بين الصحاح الستة بحذف الإسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (٣).

أقول : هذا الخبر الذي اشترك في نقله الثقات من أهل الحديث (٤) ، قد اشتمل على لطائف لا تخفى ، منها أن التمسك بالعترة يقتضي عدم الضلالة ، ولا تعني النجاة إلا

__________________

(١) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، كنز العمال ١ / ١٦٥ ح ٩٤٥ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٩٤ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٧٢ ح ٥٣٨.

(٢) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ، ص ٢٣٥ ح ٢٣٨ ، ط ١ بطهران.

(٣) الجمع بين الصحاح الستة لرزين (مخطوط) ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي الشافعي ص ٢١ ، المناقب للخوارزمي الحنفي ص ٩٣ ، الغدير ١ / ٣٠ ، كنز العمال ١ / ١٦٧ ح ٩٥٤ وج ١٥ ص ٩١ ح ٢٥٥.

(٤) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة : أخرجه المحدثون من الفريقين السنة والشيعة. وأورده في مسانيدهم وفي صحاحهم عن طريق ما يزيد على ثلاثين صحابيا ، راجع : صحيح مسلم كتاب فضائل علي بن أبي طالب ٧ / ١٢٢ ، صحيح الترمذي ٥ / ٣٢٨ ، الإمام النسائي في خصائصه ٢١ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٠٩ ، كنز العمال ١ / ١٥٤ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٩٤ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ / ٣٥٣ ، جامع الأصول لابن الأثير ١ / ١٨٧ ، الفتح الكبير للنبهاني ١ / ٤٥١ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ١٦٣ ، أسد الغابة ٢ / ١٢ ، تاريخ ابن عساكر ٥ / ٤٣٦ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١١٣ ، التاج الجامع للأصول ٣ / ٣٠٨.

١٢٢

سلوك طريق لا ضلالة فيه. قال : العلامة التفتازاني (١) في شرح المقاصد : فإن قيل قال عليه‌السلام : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي الخ .. ، وقال : إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ومثل هذا يشعر بفضلهم على العالم وغيره ، قلت : نعم ، لاتصافهم بالعلم والتقوى مع شرف النسب ، إلا يرى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قرنهم بكتاب الله في كون التمسك بهم منقذا من الضلالة ، ولا معنى التمسك بالكتاب إلا أخذ بما فيه والهداية فكذا في العترة (٢).

ومنها أن العترة معصومة لأنه أخبره بأنها لا تفترق عن القرآن ، ومن المعلوم أن من ترك واجبا أو فعل حراما فقد فارق القرآن وسلك غير طريقه ، وإذا كان التمسك بهم تمسك بالقرآن كانوا معصومين ومنها اطلاعهم على ما تحتاج إليه الأمة من العلوم على الوجه الذي يعلم الله تعالى أنه الحق ، وإلا لم يكن التمسك بهم مانعا من الضلال ، ومنها أنهم باقون ما بقي التكليف ، لاتصالهم بالكتاب وهو كذلك ، ولأن الخطاب للأمة وتكليفها متصل ما بقى التكليف ، وإليه أشار بقوله حتى يردا علي الحوض ، ومنها أن الخلافة والإمامة منصوصة ، لأن هذا نص صريح على اتباع العترة وعلى إمامتهم ، إذ لا يراد بالإمام إلا من يجب اتباعه وامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه ، وكون ذلك يقتضي عدم الضلالة والجميع يعني مذهب الإمامية الاثني عشرية ، فهم الفرقة الناجية لاتباعهم من لا يضل من اتبعه والله الهادي ، ويؤيد هذا ويزيده بيانا ما رواه الفقيه الشافعي رفعه إلى ابن عباس قال : قال عليه‌السلام : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخر عنها هلك (٣).

__________________

(١) هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني (٧١٢ ـ ٧٩٣ ه‍) من أئمة العربية والبيان والمنطق ، ولد بتفتازان من بلاد خراسان وأقام بسرخس ، وأبعده تيمور لنك الى سمرقند ، فتوفى فيها ودفن في سرخس ، له العديد من المؤلفات منها تهذيب المنطق ، المطول ، المختصر ، شرح الشمسية وغيرها.

(٢) شرح المقاصد للتفتازاني ، ج ٥ ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

(٣) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ، ص ١٢٣ ح ١٧٣ و ١٧٦.

١٢٣

وعن ابن الأكوع عن أبيه قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق (١).

وعن أبي ذر قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق (٢). وعن ابن عباس بطريق آخر قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق (٣). إلى غير ذلك من الأحاديث بهذا اللفظ وما يشابهه (٤).

قلت : فالمتمسكون بأهل بيته هم الفرقة الناجية بلا شبهة ، كيف لا وأهل بيته قدوة النجاة ، والأئمة الهداة ، لا يقال : قد علمنا أن العترة متمسك أهل النجاة وكذا أهل البيت وآل محمد عليهم‌السلام ، فمن أين علمت أنهم اثنا عشر إماما؟ قلت : علمت من طريق الشيعة بما لا يحتاج إلى البيان ، ومن طريق أهل السنة بما دل عليه ما نقلوه من الأحاديث ، فإن فيها دلالة على ذلك كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبلان ممدودان لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فإنه دال على بقائهم ببقاء التكليف ، وكل من قال بذلك قال إنهم اثنا عشر. ومنه ما رواه عن المسمى فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري بإسناده قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ، حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ومن تخلف عنه هوى (٥). قلت : والأئمة من ولدها بعد ابنيها غير التسعة من ولد الحسين عليه‌السلام بالاتفاق ، وأعلم

__________________

(١) ينابيع المودة للقندوري الحنفي ص ٣٠ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٤٦ ح ٥١٩.

(٢) مجمع الزوائد للهيثمي الشافعي ٩ / ١٦٨ ، كفاية الطالب ص ٣٧٨.

(٣) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٥ / ٩٢ ، الفتح الكبير للنبهاني ٣ / ١٣٣.

(٤) حديث السفينة من الاحاديث المتواترة عند المسلمين فراجع : المعجم الصغير للطبراني ١ / ١٣٩ ، المستدرك للحاكم ٢ / ٣٤٣ ، ٣ / ١٥٠ ، نظم درر السمطين ص ٢٣٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، عيون الأخبار لابن قتيبة ١ / ٢١١ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٧٣ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٤٤ ، وغيرها.

(٥) فرائد السمطين ، ح ٣ / ٦٦.

١٢٤

أن من لا يعتقد مذهبا لا يفطن بمزايا الأخبار المثبتة له ، وإنما يعرفها من دان به واعتقده ، ألا ترى أن المرتضى علم الهدى رضى الله عنه أثبت من موانع التواتر سبق الشبهة ، قال : فإنها تمنع من معرفته لعدم توفر دواعي أهلها إلى النقل (١) وهو حسن.

ومن ذلك ما رواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي بإسناده إلى الحسن قال : قال سألت عن قول الله عزوجل (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) قال : المشكاة فاطمة والمصباح الحسن والحسين والزجاجة كأنها كوكب دري ، قال : كانت فاطمة كوكبا دريا من نساء العالمين ، توقد من شجرة مباركة ، الشجرة المباركة إبراهيم عليه‌السلام لا شرقية ولا غربية ، لا يهودية ولا نصرانية ، يكاد زيتها يضيء ، يكاد العلم أن ينطق منها ، ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ، قال : منها إمام بعد إمام يهدي الله لنوره من يشاء ، قال : يهدى الله لولايتهم من يشاء (٢) ، قلت : وهذا أيضا كالصريح في الأئمة التسعة من ذرية الحسين عليه‌السلام ، إذ لا إمام بعد إمام من ذريتها بعد الحسن والحسين إلّا هم ، وستسمع ما يزول معه الشك والوهم والاحتمال في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.

تذنيب : الاثنا عشر الذين هم معتقد الفرقة المحقة الناجية ممن اتفق على فضلهم وعلمهم وزهدهم بين الأمة ، وشاع ذلك في جميع أقطار الإسلام ، ونسب أهل العلوم والطريق علومهم وطريقهم إليهم ، ولم يقصروا عن جواب أبدا ولا استشكلوا في مسألة سئلوا عنها ، ولا احتاجوا فيها إلى مراجعة ، وامتحنهم جميع أهل الأديان فأثبتوا الحجج عليهم ، مع أن أحدا منهم لا يجلس بين يدي عالم يتعلم منه ، ولا ذي فضل ليقتبس من فضله ، بل علومهم وكمال فضلهم وراثة من النبي عليه‌السلام ، يرثه واحدا بعد واحد ، حتى إن أكابر العلماء امتحنت أصغرهم ومن لم يبلغوا الحلم ، بالنسبة إلى السن منهم فأجابوهم ، فتحيروا في علومهم وجبورهم في مسائلهم ، كما اتفق للإمام الجواد ابن الرضا عليهم‌السلام ، مع قاضي القضاة وشيخ الإسلام يومئذ

__________________

(١) الشافي في الإمامة الجزء الأول / ١٣٨ وج ٣ / ١٣٦.

(٢) المناقب لابن المغازلي ، ص ٣١٦ ـ ٣١٧ ، ح ٣٦٠.

١٢٥

يحيى بن أكثم (١) في حضرة المأمون ، وذلك بعد أن لامه بنو العباس على تعرضه وتعظيمه ، وقالوا انه صبي لا علم له ، فأجابهم إن هؤلاء أهل بيت النبوة وعلوهم لدنية وراثة من آبائهم عن جدهم عليه‌السلام ، وخبره مشهور (٢).

وفيما وقع في مجلس المأمون بين الرضا عليه‌السلام وبين أرباب الأديان من اليهود والنصارى والصابئين والملحدين ، ما يحير العقول ، حيث احتج على أهل التوراة بالتوراة ، وعلى أهل الإنجيل بالإنجيل ، يقرأ عليهم الأسفار حتى تعجبوا من قراءته لها ، وأقام حجج الله وبيناته وخبره مشهور (٣). وأخبار الباقر عليه‌السلام وابنه الصادق أشهر من أن تذكر ، وكذلك الكاظم عليه‌السلام ، وغيرهم إلى الإمام المهدي عليه‌السلام ، حتى أن العسكري عليه‌السلام أخرجه طفلا رضيعا يحمله على ذراعه إلى شيعته فقال لهم : هذا وليكم وهو صاحب العصر ، فاستأذنه أحدهم أن يسأله فأذن له ، فسأل فأجابه من غير تردد عما سأله ، واستدل له بالكتاب العزيز ، وخبره مشهور (٤) ولو لا خوف الخروج عن المقصود ، لأوردت لكل إمام ما تخصه من الكرامات التي هي في الحقيقة كالمعجزات.

إن قلت : ما تذكره ، إنما هو مشهور عندكم ولا حجة على غيركم ، قلت : ما ذكرته من علمهم ورجوع العلماء واحتياجهم إليهم واستغنائهم عنهم مما لا خلاف فيه بين الفريقين ، حتى أن أكابر علماء الشافعية ، صنفوا كتبا منفردة في فضائلهم ، كل واحد على انفراد وهو مشهور مثل الفصول المهمة في فضائل الأئمة (٥) ، ومثل كتاب

__________________

(١) هو يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمي الأسيدي المروزي أبو محمد ، قاضي رفيع القدر ، عالي الشهرة. من نبلاء الفقهاء ولد بمرو سنة ١٥٩ ه‍ ـ ٧٧٥ م ، واتصل بالمأمون أيام مقامه بها فولاه قضاء البصرة سنة ٢٠٢ ه‍ ، ثم قاضي القضاة ببغداد ، توفي بالربذة من قرى المدينة سنة ٢٤٢ ه‍ ـ ٨٥٧ م. الأعلام ٩ / ١٦٧.

(٢) الاحتجاج للطبرسي ، ٢ / ٤٣٣ ـ ٤٤٦.

(٣) المصدر نفسه ، ٢ / ٤١٥ ـ ٤٢٥.

(٤) المصدر السابق ، ٢ / ٤١٦.

(٥) لابن الصباغ المالكي ، ط الحيدرية في النجف الأشرف.

١٢٦

الخوارزمي (١) ، وغيرهما مثل كتاب أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عباس المسمى بمقتضب الأثر في إمامة الاثني عشر وغيره من المصنفات (٢) ، وذكروا أنا وإن لم نقل بمعتقد الشيعة ، فإنا لا ننكر ما كان لأئمتهم الاثني عشر من الفضائل فإنهم أهل بيت النبوة ، وآل محمد (ص) ، ومن وقف على الكتب الثلاثة وغيرها من كتب الجماعة ، عرف أن الحق بيد الإمامية الدائنين بدينهم والقائلين بعصمتهم ، إذا كان مثل هذا الأمر حجة فهذه كتب الأخبار الصحاح مشحونة بفضائل الصحابة ، بما لا نزيد عليه ، لأنا نقول نحن إنما احتججنا بكلام من لم يعتقد إمامتهم ، فإن ائتم بمثله ممن لم يعتقد في الصحابة فقد تمت المعارضة ، وإلا فلا ، هذا والاعتماد في إمامتهم على الأدلة القطعية التي ذكرناها ونذكرها من الأحاديث ، وإنما ذكرنا من ذكرنا سندا ومؤيدا لها لأن مثل الذي ذكر عنهم لا يتفق لغير الإمام المؤيد من الله تعالى الحافظ للدين بإرثه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ابن الفارض (٣) في قصيدته بعد أن ذكر الأول والثاني والثالث بما ذكر قال في حق علي عليه‌السلام :

وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا

علي بعلم ناله بالوصية (٤)

وإنما قال : ذلك لأن مثل علومهم عليهم‌السلام مما لا ينال إلا بذلك ، ومن عظيم

__________________

(١) المناقب للحافظ الموفق بن أحمد الحنفي المعروف بأخطب خوارزم المتوفى سنة ٥٦٨ ه‍.

(٢) راجع على سبيل المثال لا الحصر : فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين لإبراهيم الجويني ، ط في بيروت تحقيق المحمودي. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت ، للحاكم الحسكاني الحنفي ، ط ١ بيروت تحقيق المحمودي. ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ، الثغور الباسمة في مناقب سيدتنا فاطمة ، ط ١ بيروت ، تحقيق محمد سعيد الطريحي. ذخائر العقبى للطبري. فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروزآبادي. كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للكنجي الشافعي ، وغيرها.

(٣) هو عمر بن علي بن مرشد بن علي ، شرف الدين ابن الفارض ، أشعر المتصوفين ، يلقب سلطان العاشقين ولما شب اشتغل بفقه الشافعية ، وأخذ الحديث عن ابن عساكر ، ولد (٥٧٦ ـ ٦٣٢ ه‍) (١١٨١ ـ ١٢٣٥ م) ، له ديوان شعر مطبوع جمع سبطه علي وشرحه الكثيرون. الأعلام ٥ / ٢١٦.

(٤) الغدير ٦ / ٦٦ ، ديوان ابن الفارض ، ص ٦٤ ط دار القلم العربي بحلب ١٩٨٨ م.

١٢٧

قهر الله تعالى للعباد للحجة عليهم ، اقترانهم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة عليهم ، حيث يقال في الصلاة وغيرها : اللهم صل على محمد وآل محمد وقد روى أهل الحديث من أهل السنة عنه عليه‌السلام كيفية الصلاة عليه من طرق شتى ، فمن ذلك ما رواه الثعلبي بإسناده في تفسير قوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) (١) قال : لما نزلت قلنا : يا رسول الله قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك قال : قولوا اللهم صلى على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد (٢).

وروى نحوه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه (٣) وغيرهما (٤) إن قلت : الأول يشملهم وغيرهم قلت : هذا قول من لا تحصيل له ، فإن الآل هم الأهل الذين أمر بالتمسك بهم مع الكتاب العزيز ، وليس إلا ، وقد سبق ما يدل على ذلك ، فإن النبي عليه‌السلام مع خصوصية أزواجه وقربهم منه بالمباشرة والمعاشرة ما رضى أن يكون أحدا منهم داخلا في أهل بيته ، بل قال : لعائشة وأم سلمة وزينب تنحى إنك إلى خير. ولقائل من أين عرفت أن الآل هم الأهل ، لأنا نقول من كلام أئمة العربية الذي هو مقتضى أصولها ، قال : رزين قال : أبو عبد الله البخاري ويقال : آل يعقوب

__________________

(١) سورة الأحزاب ، آية ٥٦.

(٢) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، تفسير الطبري ٢ / ٤٣ ، تفسير القرطبي ١٤ / ٢٢٣ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٥٠٧ ، تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٢٦ ، الدر المنثور للسيوطي ٥ / ٢١٥ ط مصر ، أحكام القرآن لابن عربي ١٥٧٠.

(٣) صحيح البخاري ، كتاب التفاسير باب قوله تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي ٦ / ١٢٠ ط دار الفكرة ، وكتاب بدء الخلق ، باب يزفون النسلان في المشي ٤ / ١١٨ ط دار الفكر ، وكتاب الدعوات باب الصلاة على النبي (ص) ٧ / ١٥٧ ط دار الفكر ، صحيح مسلم كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي (ص) ١ / ١٧٣ ط عيسى الحلبي.

(٤) راجع : صحيح الترمذي ١ / ٣٠١ ح ٤٨١ و ٥ / ٣٨ ط دار الفكر ، سنن النسائي ٣ / ٤٥ ـ ٤٩ ، سنن ابن ماجه ١ / ٢٩٢ ح ٩٠٣ و ٩٠٤ و ٩٠٦ ، سنن أبي داود ١ / ٢٥٧ ح ٩٧٦ و ٩٧٧ ، مسند أحمد بن حنبل ٢ / ٤٧ ، موطأ مالك مع شرحه تنوير الحوالك ١ / ١٧٩ ، والمستدرك للحاكم ١ / ٢٦٨ ، السنن الكبرى ٢ / ٣٧٧٨ ، فضائل الخمسة ١ / ٢٠٨ وغيرها.

١٢٨

إذا صغر الآل ردّه إلى الأصل وقالوا : أهيل (١).

وقال مكي القبسي النحوي (٢) في مشكل إعراب القرآن ، وهو أعلم من صنف في المشكل كتابا : إن آل محمد هم أهل محمد ، لأن أصل آل أهل ، ثم أبدل من الهاء همزة فصارت أأل ، ثم أبدل الهمزة ألفا لانفتاح ما قبلها وسكونها ، فإذا أصغر آل رد إلى أصله فقيل أهيل (٣).

قلت : ومن المعلوم أن من اقترن أسمه باسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشاركه في الصلاة المأمور بها عبادة ، لا يكون أحد أعلى منه مرتبة ولا أكبر مزية ، فالمسلمون عامة قائلون بأفضليتهم ، وجاعلون ما دلّ عليها في صلاتهم من حيث لا يشعر من لم يوفق لولايتهم ومن قهر الله تعالى عباده لهم ما من به عليهم من زيارة قبورهم ، والعبادة وطلب الحوائج إليه عندنا ، حتى أن الرضا عليه‌السلام مع بعد داره عن دار الهجرة الموجب لخفاء اسمه يتوجه إليه في المواسم خصوصا شهر رجب ما ربما كان أكثر من الحجيج إلى البيت الحرام ، وليس ما ذكرناه مختصا بمن يعتقد إمامته وعصمته ، بل الأكثر من غيرهم ، فهذا من جذب الله تعالى أنفس العباد إلى أوليائه بلا شبهة ، وهذا الكلام أشار إليه المرتضى علم الهدى رحمه‌الله (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ، كتاب التفاسير ، آية ٦ من سورة يوسف ومريم.

(٢) هو مكي بن أبي طالب مموش بن محمد بن مختار الأندلسي القيسي مقرئ ، عالم بالتفسير والعربية ، ولد في القيروان سنة ٥٥ ه‍ ـ ٩٦٦ م ، ثم سكن قرطبة سنة ٣٩٣ ه‍ ، وخطب وقرأ بجامعها ، وتوفي فيها سنة ٤٣٧ ه‍ ـ ١٠٤٥ ، له كتب كثيرة منها : مشكل إعراب القرآن ، طبع عدة طبعات منها طبعة بإشراف مجمع اللغة بدمشق ، تحقيق الاستاذ د. ياسين محمد العراس ، ونشرته دار المأمون في دمشق أيضا تحقيق السواس ، ودار الرسالة تحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن ، يقع في مجلدين.

(٣) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٣٧ ، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الاصفهاني ص ٩٨ ط دار القلم ، تحقيق صفوان دوودي.

(٤) الشافي في الإمامة ٣ / ١٣٨.

١٢٩
١٣٠

الفصل الثالث

في أن الأئمة اثنا عشر إماما ، وفيه مطلبان :

المطلب الأول :

في أنهم اثنا عشر على الإجمال ، فمن ذلك ما رواه البخاري في الصحيح قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا غندر قال : حدثنا شعبة عن عبد الملك قال : سمعت جابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يكون بعدي اثنا عشر أميرا (١) ، ومنه أيضا يرفعه إلى ابن عتبة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا (٢) ، قلت : أراد أن بعد المهدي عليه‌السلام ينقطع التكليف ، لأنه محل قيام الساعة ، فعبر عنه بأن أمر الناس يكون ماضيا ما دام لأن بعده لا يمضى لهم أمر يعتد به. ويؤيد ما قلناه ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : النجوم أمان لأهل السماء ، فاذا ذهبت النجوم ذهبوا وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فاذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ / ٢٦٤٠ ، كتاب الأحكام ، باب الاستخلاف ، حديث ٦٧٩٦ ط الهندي ، تحقيق د. مصطفى البغا.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ١٢٧ ، كنز العمال ١٢ / ٣٢ ـ ٣٣ ، ح ٣٣٨٤٨ ، ٣٣٧٤٩ ، ٣٣٨٠٢ ، ٣٨٨٥٣ ، صحيح مسلم ٤ / ١٠٠ ح ١٨٢١ هامش (٢) ط مؤسسة عز الدين ـ بيروت.

(٣) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٥ / ٩٢ ، ذخائر العقبى ١٧ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ / ١٦١ والمستدرك للحاكم ٢ / ٤٤٨ ، فرائد السمطين ١ / ٤٥.

١٣١

ومن صحيح مسلم حدثني رفاعة بن الهيثم الواسطي حدثنا خالد يعني ابن عبد الله الطحان عن حصين عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته يقول إن هذا الدين لا ينقضي حتى يمضي فيه اثنا عشر خليفة (١).

قلت : ومن هذا الحديث يعرف ما ذكرناه آنفا بعد الحد الثاني ، لأن قوله لا ينقضي حتى ، يدل على أنه بعد مضي الاثني عشر ينقضي الدين ، أي يسقط التكليف ، وهو ظاهر ، ومنه أيضا قال : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا (٢) ، وقال فيه أيضا : حدثنا قتيبة بن سعيد أبو عوان عن سماك عن جابر بن سمرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا الحديث ولم يذكر لي لا يزال أمر الناس ماضيا (٣).

ومنه أيضا قال : حدثنا هذاب بن خالد الأزدي حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال : سمعت جابر بن سمرة يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا يزال الإسلام إلى اثني عشر خليفة (٤).

ومنه أيضا حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن داود عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة (٥).

ومنه أيضا : وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي حدثنا أزهر حدثنا أحمد بن عون بن عثمان عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال : انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ / ١٠٠ ح ١٢٨١ ، ط مؤسسة عز الدين ـ بيروت.

(٢) صحيح مسلم ج ٤ / ١٠٠ ح ١٨٢١ ، ط مؤسسة عز الدين ـ بيروت.

(٣) المصدر نفسه ج ٤ / ١٠٠ ، حديث رقم ١٨٢١.

(٤) المصدر نفسه ج ٤ / ١٠١ ، حديث رقم ١٨٢١.

(٥) المصدر نفسه ج ٤ / ١٠١ ، حديث رقم ١٨٢١.

١٣٢

وآله فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة (١).

ومنه أيضا قال : حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكتب إلي : إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول : لا يزال هذا الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خلفة (٢).

أقول : هذا الحديث صريح ، لا يحتمل غير ما ذهب إليه الإمامية من أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، وأن الثاني عشر ذو عمر طويل ، يمتد ببقاء التكليف ، إذ لا يمكن أن يكون الدين قائما إلى قيام الساعة ، وأن الخلفاء اثنا عشر إلا على ذلك التقدير. وهذا واضح لمن تأمله ، وأنصف من نفسه وترك التعسفات وغيرها من التكلفات والميل إلى تقليد الغير في دينه من غير بصيرة ، والأخبار في هذا من طرقهم كثيرة ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين (٣). وأبو داود السجستاني في صحيحه كتاب السنن (٤) وغيرهم من المحدثين (٥).

قلت : وإذا أثبت أن الخلفاء بعده اثنا عشر لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة فقد ثبت مذهب الإمامية ، وأنهم الفرقة الناجية ، لتمسكهم بمن يكون الدين به ظاهرا ، ومنصورا وعزيزا ، ومنيعا ومسددا ، وأقول أيضا هذه الأخبار في معنى شرح ما مضى من الأمر بالتمسك بالعترة ، وأنها مع الكتاب حبل ممدود ولا يفترق عنه ،

__________________

(١) المصدر نفسه ج ٤ / ١٠١ حديث رقم ١٨٢١.

(٢) صحيح مسلم ٤ / ١٠١ ، ح ١٨٢٢ ، ط عز الدين.

(٣) الجمع بين الصحيحين للحميدي ، ص ٣٤.

(٤) سنن أبي داود ج ٤ ص ٤٧١ ، كتاب المهدي.

(٥) كنز العمال ١٠ / ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ينابيع المودة ٣ / ٩٩.

١٣٣

إلى أن يردا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الحوض. ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق» فصارت الأخبار كلها متضافرة مؤيدا بعضها لبعض.

المطلب الثاني :

في أن الأئمة اثنا عشر إماما على التفصيل. فمن ذلك الأحاديث التي ذكرها محمد بن عبد الله بن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من رواية رجال المذاهب الأربعة ، كما رواه المسمى عندهم صدر الأئمة أخطب خوارزم موفق أحمد المكي في كتابه قال : حدثنا فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسن محمد البغدادي فيما كتب إلى من همدان قال : أتينا الإمام الشريف نور الهدى أبا طالب الحسن بن محمد الزيني قال : أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال : حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال : حدثنا علي بن سنان الموصلى عن أحمد بن محمد بن صالح عن سلمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبد الرحمن بن زيد عن جابر عن سلان عن أبي سلمى (١) راعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ليلة أسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) (٢) ، فقلت : والمؤمنون ، قال : صدقت يا محمد من خلفت في أمتك؟ قلت : خيرها ، قال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قلت : نعم يا رب ، قال : يا محمد إني أطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد ثم اطلعت ثانية (٣) فاخترت عليا (وشققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي) (٤). يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة

__________________

(١) في نسخة الأصل : سلمان ولعله تصحيف.

(٢) سورة البقرة ، آية ٢٨٥.

(٣) في نسخة الأصل : الثانية.

(٤) ما بين القوسين زيادة على الأصل.

١٣٤

من ولده من نور من نوري ، وعرضت ولايتكم عن أهل السموات والأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين ، يا محمد ، لو أن عبدا من عبادي عبدني حتى ينقطع ، أو يصير كالشن البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له ، حتى يقر بولايتكم ، يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت : نعم يا رب ، فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفت فإذا بعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والمهدي في ضحضاح من نور قياما (١) يصلون وهو في وسطهم ، يعني المهدي ، كأنه كوكب درّي ، وقال : يا محمد ، هؤلاء الحجج وهذا (٢) الثائر من عترتك ، وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي (٣).

بالإسناد عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن شاذان قال : حدثنا محمد بن علي بن الفضل عن محمد بن القاسم عن عباد بن يعقوب عن موسى بن عثمان عن الأعمش قال : حدثني أبو إسحاق عن الحارث (٤) وسعيد بن قيس (٥) (عن) (٦) علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا واردكم (على الحوض) (٧) وأنت يا علي الساقي ، والحسن الذائد ، والحسين الآمر ، وعلي بن الحسين الفارط (٨) ومحمد بن علي الناشر ، وجعفر بن محمد السائق ، وموسى بن

__________________

(١) في نسخة الأصل : قيام ولعله تصحيف.

(٢) في نسخة الأصل : وهو.

(٣) مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٩٥ ، فرائد السمطين ٢ / آخر المجلد ، ينابيع المودة ص ٤٨٦ ، المناقب المائة لابن شاذان ، المنقبة السابعة عشرة ص ١١ ـ ١٢.

(٤) في نسخة الأصل : الحرث.

(٥) في نسخة الأصل : بشير.

(٦) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٧) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٨) الفارط : أي السابق الى الماء (انظر الصحاح ، فرط ٣ : ١١٤٨).

١٣٥

جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين ، وعلي بن موسى زين المؤمنين ، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم ، وعلي بن محمد خطيب شيعته ومن يزوجهم الحور العين ، والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به ، والمهدي (١) شفيعهم يوم القيامة ، حيث لا يأذن إلا لمن يشاء ويرضى (٢).

وبالإسناد السابق في الإشارة إليهم ، عن أبي شاذان قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العلوي الطبري عن أحمد بن عبد الله حدثني جدي أحمد بن محمد عن أبيه عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة قال : حدثنا أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان المحمدي قال : دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا الحسين على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ويقول : أنت السيد ابن السيد أبو السادة ، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة ، أنت الحجة ابن الحجة أبو الحجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم (٣). والأخبار بل المصنفات عن أكابرهم ومحدثهم في هذا المعنى كثيرة يعرفها من نظر في كتبهم خصوصا المفردة في الأئمة الاثني عشر (٤).

وهذه الأخبار أيضا موافقة ومؤازرة لما مضى من ذكر الاثني عشر على الإجمال ، وكلاهما مؤيدان الروايات الدالة على التمسك بالعترة والأهل الأول وأن المتمسك بهم هو الناجي ، وأخبار المهدي على الإجمال في كتبهم كثيرة ، وما ذكرناه ونذكره يدل على تعيينه ، أنه ابن الحسن العسكري عليهما وعلى آبائهما السلام ، فصارت

__________________

(١) في نسخة المائة منقبة لابن شاذان : القائم.

(٢) مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده (ع) لابن شاذان تحقيق نبيل رضا علوان ، ط ١ الدار الإسلامية ١٩٨٨ ص ٤١٧ ـ ٤٨ (المنقبة الخامسة). فرائد السمطين ٢ / ٣١٢ ح ٥٧٢. مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٩٤. ينابيع المودة ص ٢٦٥. المناقب لابن شهرآشوب ١ / ٢٩٢.

(٣) المصدر السابق ، ص ١١٧ ـ ١١٨ (المنقبة الثامنة والخمسون).

(٤) راجع على سبيل المثال لا الحصر : مقتل الإمام الحسين للخوارزمي ١ / ١٤٥ ، والشيخ الكراجكي في كتابه الاستبصار ص ٩ ، والقندوري في ينابيع المودة ص ١٦٨ ، وكشف الغمة ٣ / ٢٩٨ ، والحمويني في فرائد السمطين ٢ / ٢٣١ ح ٥٧٢.

١٣٦

الأخبار كلها في معنى الخبر الواحد الدال على المراد من دين الإمامية ومعتقدهم ، وأنهم الفرقة الناجية ، وأقول إن بعض فضلاء الرواة ونقلة الأخبار صنف كتابا مفردا (١) في نقل الصحابة النص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمة الاثني عشر بأعيانهم وأفرد لكل راو منهم بابا ذكر فيه ما ورد عنه متصلا بالنبي عليه‌السلام من الأحاديث في ذلك ، ثم أعقب ذلك بذكر ما ورد عن الأئمة عليهم‌السلام مما وافق نقل الصحابة. وأنا اقتصر من ذلك على حديث أو اثنين من كل باب ، وأعقبه بما يتيسر مما أعقبه ، لئلا ينتهي إلى الإنكار والإطناب.

فأقول وبالله التوفيق : المروي عنه من الصحابة من الرجال عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وجابر بن سمرة ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، وعمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأبو أمامة وائله بن الأسقع ، وأبو أيوب الأنصاري ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن أسيد ، وعمران بن الحصين ، وسعد بن مالك ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو قتادة الأنصاري ، وعلي بن أبي طالب ، والحسن والحسين ، ومن النساء أم سلمة ، وعائشة ، وفاطمة ، فالذي نختاره من رواته عبد الله بن عباس حديث اليهودي قال : أخبرني أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني قال : حدثنا أحمد بن مطرق (٢) بن سوار بن الحسين (٣) ، القاضي الحسني (٤) بمكة قال : حدثني أبو حاتم المهلبي المغيرة بن محمد بن مهلب قال : حدثنا عبد الغفار (بن) (٥) كثير الكوفي عن إبراهيم (٦) بن حميد عن أبي هاشم عن مجاهد عن ابن

__________________

(١) كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر ، لأبي القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي ، من أهل أواسط القرن الرابع من تلامذة الصدوق.

(٢) في نسخة الأصل : مطرف ، وفي نسخة أخرى مطوق.

(٣) في نسخة الأصل : سوار أبو الحسين.

(٤) في نسخة أخرى : البستي.

(٥) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٦) في نسخة الأصل : هيثم.

١٣٧

عباس ، قال : قدم يهودي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له نعثل ، فقال : يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج (١) في صدري من حين ، فإن أنت أجبتني عنها أسلمت على يديك ، قال : سل يا أبا عمارة ، فلم يزل يسأله ويجيبه ، وهو يقول صدقت يا محمد ، إلى أن قال : فأخبرني عن وصيك من هو ، فما من نبي إلا وله وصي ، وإن نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون فقال : نعم إن وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين (٢) ويتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار ، قال : يا محمد فسمهم لي ، قال : نعم إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى عليه فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه الحسن بن علي فإذا مضى الحسن فبعده ابنه الحجة بن الحسن بن علي (ع) (٣) فهذه اثنا عشر (إماما على) (٤) عدد نقباء بني اسرائيل ، قال : فأين مكانهم في الجنة؟ قال : معي في درجتي ، قال : أشهد ان لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأشهد أنهم الأوصياء بعدك ، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة ، وفيما عهد إلينا موسى بن عمران عليه‌السلام : إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له أحمد خاتم الأنبياء لا نبي بعده ، يخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط .. ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (٥).

وحديث آخر رواه محمد بن علي رضى الله عنه ، قال : حدثني محمد بن موسى المتوكل ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النجفي عن عمه الحسين بن زيد النوفلي ، عن الحسن بن علي بن سالم عن أبيه عن

__________________

(١) قال في المصباح : تلجلج في صدره شيء : تردد.

(٢) في نسخة الأصل الحسن ثم الحسين يتلوه.

(٣) في نسخة الأصل : ثم المهدي.

(٤) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٥) راجع الحديث في كفاية الأثر ص ١١ ـ ١٦.

١٣٨

أبي حمزة عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عباس قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله تبارك وتعالى ، أطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا ، ثم أطلع ثانية فاختار منها عليا ، فجعله إماما ثم أمرني أن أتخذه أخا ووصيا وخليفة ووزيرا ، فعلي مني وأنا من علي وهو زوج ابنتي وأبو سبطي الحسن والحسين عليهم‌السلام ، ألا وإن الله تعالى جعلني وإياهم حججا على عباده ، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون (١) بأمري ، ويحفظون وصيتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي (ومهدي أمتي) (٢) ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ليظهر (٣) بعد غيبة طويلة وحيرة مظلة ، فيعلن أمر الله ويظهر دين الحق (٤) ويؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما (٥).

ومن رواية عبد الله بن مسعود أخبرنا أبو المفضل قال : إلى آخر الإسناد عن عبد الله مسعود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الأئمة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم (٦). ومن رواية أبي سعيد الخدري بحذف الإسناد قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الأئمة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين ، والتاسع قائمهم ، فطوبى لمن أحبهم والويل لمن أبغضهم (٧).

وحدثنا علي بن الحسين (ابن محمد) (٨) بن مبدة بحذف الإسناد ، عن أبي سعيد الخدري قال : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الأولى ، ثم أقبل بوجهه

__________________

(١) وفي نسخة الأصل : ليوصون ، ونسخة أخرى : يقولون.

(٢) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٣) في نسخة الأصل : يظهر.

(٤) في نسخة الأصل : الله.

(٥) كفاية الأثر ، ص ١٠ ـ ١١.

(٦) المصدر نفسه ، ص ٢٣.

(٧) المصدر نفسه ، ص ٣٠.

(٨) ما بين القوسين زيادة على الأصل.

١٣٩

الكريم علينا فقال : معاشر أصحابي إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطة في بني إسرائيل فتمسكوا بأهل بيتي بعدي ، والأئمة الراشدين من ذريتي ، فإنكم لن تضلوا أبدا فقيل يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال : اثنا عشر من أهل بيتي ، أو قال : من عترتي (١) ، ومن رواية أبي ذر الغفاري بحذف الإسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمة بعدي اثنا عشر ؛ تسعة من صلب الحسين (ع) ، تاسعهم قائمهم ثم قال : ألا إن مثلهم فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها هلك ومثل باب حطة (في) (٢) بني إسرائيل (٣).

ومن رواية سلمان الفارسي بحذف الإسناد قال : خطبنا رسول الله (ص) فقال : معاشر الناس إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب أوصيكم في عترتي خيرا وإياكم والبدع فإن كل بدعة ضلالة ، والظلالة وأهلها في النار ، معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر ، ومن فقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة (٤) بعدي ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، قال : فلم يزل حتى دخل بيت عائشة فدخلت إليه وقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمعتك تقول (٥) إذا افتقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر ، فما الشمس وما القمر وما الفرقدان (٦) وما النجوم الزاهرة؟ فقال : أنا الشمس وعلي القمر فإذا افتقدتموني فتمسكوا بعلي وأما الفرقدان فالحسن والحسين ، إذا افتقدتم القمر فتمسكوا بهما ، وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم ، ثم قال : (ع) إنهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي (٧) ، أئمة أبرار عدد أسباط يعقوب وحواريي

__________________

(١) كفاية الأثر ، ص ٣٣ ـ ٣٤.

(٢) ما بين القوسين زيادة على نسخة الأصل.

(٣) كفاية الأثر ، ص ٣٨ ـ ٣٩.

(٤) في نسخة الأصل : الزهر.

(٥) في نسخة الأصل : يقول ولعله تصحيف.

(٦) في نسخة الأصل : الفرقدين.

(٧) في نسخة الأصل : بعد ولعل الياء ساقطة.

١٤٠