كتاب اللمع في الرّد على أهل الزّيغ والبدع

المؤلف:

أبي الحسن الأشعري


المحقق: الدكتور حمّوده غرابة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة الأزهريّة للتراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٥

أنكرتم (١) أن يكون بعض الانسان متكلما وهو اللسان ، وبعضه عالما مريدا وهو القلب. فان قالوا : الحركة اذا كانت طاعة فالمتحرك متحرك لحلول الحركة فيه ، وليس الطائع طائعا لحلول الطاعة فيه ، بل هو طائع بفعل الطاعة. قيل لهم (٢). ما أنكرتم (٣) وان كانت الحركات صلاة وكان المتحرك متحركا لحلول الحركة فيه فالمصلى مصل (٤) لأنه فعل الصلاة ، لا لأنها (٥) حلته. فان أجابوا الى ذلك قيل لهم : فاذا أمرنا أن نصلى (ولم يجز أن يصلى) (٦) هو فيلزم لو أمرنا أن نكذب أن لا يجوز أن يكذب (٧) هو بل يجوز أن يفعل لنا كذبا كما جاز أن يفعل لنا صلاة ولم يجز أن يصلى هو ، فقولوا (٨) فى الكذب هذا القول. ثم يقال لهم : اذا أمرنا أن نتحرك جعل لنا حركات نتحرك بها فكذلك لو أمرنا بالكذب لم يستحل أن يفعل لنا كذبا نكذب به.

* * *

__________________

(١) ب وتبعه ل : فانكرتم.

(٢) ب وتبعه ل : له.

(٣) ب وتبعه ل : ما أنكرت.

(٤) ب وتبعه ل : مصلى.

(٥) ب وتبعه ل : لأنه.

(٦) ب ما بين قوسين قد تركه الناسخ.

(٧) ب : نقلها الناسخ : يكذب.

(٨) ب وتبعه ل : فقل.

١٢١

(٨)

باب الكلام فى الايمان

ان قال قائل : ما الايمان عندكم بالله تعالى؟ قيل له : هو التصديق بالله. وعلى ذلك اجتماع أهل اللغة التى نزل بها القرآن ، قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (١) وقال تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٢) فلما كان الايمان (٣) فى اللغة التى أنزل الله تعالى بها القرآن هو التصديق ـ قال الله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (٤) أى بمصدق لنا وقالوا جميعا : «فلان يؤمن بعذاب القبر والشفاعة» يريدون : بصدق بذلك ـ وجب (٥) أن يكون الايمان هو ما كان عند أهل اللغة ايمانا هو التصديق.

فان قال قائل : فحدثونا عن الفاسق من أهل القبلة أمؤمن هو؟ قيل له : نعم : مؤمن بايمانه ، فاسق بفسقه وكبيرته. وقد أجمع أهل اللغة أن من كان منه ضرب فهو ضارب ، ومن كان منه قتل (٦) فهو

__________________

(١) س ١٤ الآية ٤.

(٢) س ٢٦ الآية ٩٥.

(٣) ب وتبعه ل : الآن.

(٤) س ١٢ الآية ١٧.

(٥) ب وتبعه ل «فوجب» وهى جواب لقوله «فلما كان الايمان ..» إلخ.

(٦) ب وتبعه ل : «قيل» ففضلت تصحيحها بقتل وأن كانت تحتمل أن تكون قول.

١٢٢

قاتل (١) ، ومن كان منه كفر فهو كافر ، ومن كان منه فسق فهو فاسق ومن كان منه تصديق فهو مصدق ، وكذلك من كان منه الايمان فهو مؤمن. ولو كان الفاسق لا مؤمنا ولا كافرا لم يكن منه كفر ولا ايمان ولكان (٢) لا موحدا ولا ملحدا ، ولا وليا ولا عدوا ؛ فلما استحال ذلك استحال أن يكون الفاسق لا مؤمنا ولا كافرا كما قالت المعتزلة. أيضا فاذا كان الفاسق مؤمنا قبل فسقه بتوحيده فحدوث الزنا (٣) بعد التوحيد لا يبطل اسم الايمان الّذي لم يفارقه. وأيضا فقد كان الناس قبل حدوث واصل بن عطاء رئيس المعتزلة عن مقالتين : منهم خوارج يكفرون مرتكبى الكبائر ، ومنهم أهل استقامة يقولون هو مؤمن بايمانه ، فاسق بكبيرته. ولم يقل منهم قائل انه ليس بمؤمن ولا كافر قبل حدوث واصل بن عطاء حتى اعتزل واصل الأمة وخرج عن قولها ، فسمى معتزليا بمخالفته الاجماع (فبعد من الاجماع قوله) (٤) (وما) (٥) اتفق المسلمون عليه من أن العاصى من أهل القبلة لا يخلو من أن

__________________

(١) ب وتبعه ل : «قابل» وتصحيحها تابع لتصيح ما قبلها.

(٢) ب وتبعه ل : ولكن.

(٣) يكتبها م دائما «الزنا» مع أن لفظ «الزنا» هو الأفصح.

(٤) ب ، ل : «فبعدم الاجماع قوله» وقد صححها م هكذا : «فبعدم الاجماع (على) قوله».

(٥) ليست فى الأصل بل فى «واتفق» وقد نقلها الناسخ فى ب «واتفقوا» وقد ترك م زيادتها فأصبح كله مهلهلا.

١٢٣

يكون مؤمنا أو كافرا يقضى ببطلان (١) قوله. وأيضا فلو جاز لقائل أن يقول : ان من معه ايمان وأتى كبيرة فليس مؤمنا بل (٢) فاسقا (٣) ، لجاز لقائل أن يقول : بل هو مؤمن بايمانه ، ولا يقال فاسق بفسقه. فان كان هذا القول مستحيلا لأنه لا يجوز فسق لا لفاسق كان قولهم مستحيلا لأنه لا يجوز ايمان الا لمؤمن (٤).

* * *

__________________

(١) ب وتبعه ل : «على بطلان» ولا شك فى خطئه لأن القضاء على البطلان حكم بالصحة والمقصود خلافه.

(٢) ب وتبعه ل ، م : «ولا» غ وهو خطأ كما يتبين ذلك من تتمه الكلام.

(٣) غير هام الى (كافرا).

(٤) ب وتبعه ل : لا لمون.

١٢٤

(٩)

باب الكلام فى الخاص والعام والوعد والوعيد

ان قال قائل : خبرونا عن قول الله تعالى : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (١).

وعن قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) (٢).

وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٣) فالجواب عن ذلك أن قوله تعالى : (مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً ...) يحتمل أن يقع على جميع من يفعل ذلك ويحتمل أن يقع على بعض. لأن لفظ «من» يقع فى اللغة مرة على الكل ومرة على البعض ، فلما كانت صورة اللفظة ترد مرة ويراد بها البعض وترد أخرى ويرد بها الكل لم يجز أن يقطع على الكل بصورتها كما لا يقطع على البعض بصورتها. وكذلك لا يقضى بقوله : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) و (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ ..) على بعض ولا على كل ؛ اذ كان يقع ذلك تارة على الكل وتارة على البعض ولا جاز لزاعم أن يزعم أن الصورة انما هى للكل حتى تأتى دلالة البعض لم يكن هذا الزاعم (٤) بزعمه هذا أولى ممن

__________________

(١) س ٨٢ الآية ١٤.

(٢) س ٤ الآية ٣٠.

(٣) س ١٤ الآية ١٠.

(٤) غيرها م الى قوله : «لزاعم» مع أن الأصل هو الصحيح.

١٢٥

قال : صورة هذا القول توجب القضاء على العض الى أن تقوم دلالة الكل فلما تكافأ القائلان فى قولهما وجب أن يكون القولان جميعا ملغيين.

وقد قال زهير (١) :

ومن لم يصانع فى أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم وليس كل من لا يصانع كذلك. قال :

ومن لا يظلم الناس يظلم (٢).

ويقول القائل جاءنى من أحببت ، وانما يعنى واحدا. ويقول : جاءنى التجار وان لم يكن الكل جاءه. وجاءنى جيرانى ، وان لم يأت جميعهم. ويقول القائل : لقينى الفجار بما كرهت ، ولا يعنى جميعهم فلما كانت هذه الألفاظ ترد مرة ويراد (٣) بها الكل وترد أخرى ويراد بها البعض ، لم يجز أن يقضى على الكل دون البعض ولا على البعض دون الكل الا بدلالة. وأيضا فلو وجب القضاء بصورة هذه الآيات أن يقضى على عذاب كل فاجر وآكل أموال اليتامى ظلما وآكل أموال الناس بالباطل لوجب أن (٤) يقضى على (٥) أن كل الموحدين من أهل الصلاة فى الجنة بظاهرة قوله تعالى : (مَنْ جاءَ

__________________

(١) هو زهير بن أبى سلمى الشاعر الجاهلى المعروف.

(٢) جزء بيته القائل :

ومن لم يذد عن خوصه بسلاحه

يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

(٣) ب وتبعه ل ، م يراد بدون حرف العطف ، وقد حذف م الواو من قوله «ويراد» الثانية.

(٤) تركها الناسخ.

(٥) ب وتبعه ل : على أن : ولعل الأصح بأن.

١٢٦

بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (١) وبظاهر (٢) قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٣) على أن (٤) كل مقتول فى سبيل الله فى الجنان يرزق فيها ، وبظاهر قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٥) على كل ذنب أنه (حتى الذنب (٦) الّذي) وقف عليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأجمع المسلمون أنه لا يغفر وهو الشرك والكفر. وليس قول من قال ان الآيات فى الوعيد عامة والآيات الآخرة (٧) خاصة أولى من قالب (٨) قلب القصة وجعل آيات الوعيد خاصة والآيات الآخرة عامة. وأيضا فلو وجب أن يقضى بظواهر الآيات على أن كل فاجر وآكل أموال اليتامى ظلما فى جهنم لجاز أن يقضى بقول الله تعالى : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) (٩)

__________________

(١) س ٢٧ الآية ٨٩.

(٢) معطوف على قوله «بظاهر قوله تعالى».

(٣) س ٣ الآية ١٦٩.

(٤) لعل الأولى أن يقول «بأن» بدلا من قوله «على أن» كما سبق.

(٥) س ٣٩ الآية ٥٣.

(٦) ب ، ل : «الا ذنبا» وهو ما يأباه السياق.

(٧) المقصود بها الآيات الخاصة بالموعد والتبشير.

(٨) يزيد م (قول) قبل قول المؤلف «قالب» ولا لزوم له لأنه مفهوم بداهة.

(٩) س ٦٧ الآيتان ٨ ، ٩.

١٢٧

أن (١) النار لا يدخلها الا كافر وبظاهر قوله تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ، لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٢) أن كل من يصلى النار كذلك ، وبظاهر قول الله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٣) أنه (٤) لا يترك الحكم بما أنزل الله الا كافر ، فلما لم يلزم أن لا يدخل النار الا كافر (٥) بهذه (٦) الآيات لم يلزم أن يكون كل فاجر فى جهنم وكل آكل أموال اليتامى ظلما وكل من يأكل أموال الناس بالباطل فى النار للآيات التى تلوناها. والجواب عن كل آية يعتلون بها فى الوعيد كالجواب عن هذه الآيات. وقوله تعالى. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً) يحتمل من يفعل ذلك مستحيلا (٧) ويحتمل الجميع. وقوله : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) يحتمل البعض منهم وهم الكفار ، ويحتمل الجميع وكذلك الجواب عن كل آية فى الوعيد. ويلزم المعتزلة ان يكون جميع أهل الشمال

__________________

(١) يزيد ب وتبعه ل ، م كلمة «مكذبا» قبل قوله «أن» ويجب حذفها لأن «أن» متعلقة بقوله : «لجاز أن يقضى ..» قبلها.

(٢) س ٩٣ الآيات ١٤ ـ ١٦.

(٣) س ٥ الآية ٤٤ وقد غير م «الكافرون» فى الأصل الى «الفاسقون» كما أشرنا الى ذلك فى المقدمة.

(٤) ب : تركها الناسخ.

(٥) أو تبعه : كافرا ، وقد غيرها م الى «فاسق» كما أشرنا الى ذلك أيضا.

(٦) متعلق بقوله «لم يلزم».

(٧) ب وتبعه ل : مستحيلا.

١٢٨

كافرين بظاهر قول الله تعالى : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ، لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ ، وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (١) وبقوله : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) الى قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ ، وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٢)

* * *

__________________

(١) س ٥٦ الآيات ٤١ ـ ٤٧.

(٢) س ٦٩ الآيات ٢٥ ـ ٣٤.

          (٩ ـ كتاب اللمع)

١٢٩

(١٠)

باب الكلام فى الامامة

ان قال قائل : ما (١) الدليل على إمامة أبى بكر رضى الله عنه؟ قيل له : الدليل على ذلك أنا وجدنا الناس على ثلاثة أصناف : قائلين يقولون بامامة على بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقائلين يقولون بامامة العباس رضى الله عنه ، (وقائلين يقولون بامامة الصديق (٢) رضى الله عنه). ورأينا (٣) عليا والعباس قد بايعاه وانقادا لأمره فى كافة المسلمين وان كان قد توقف (٤) عن البيعة متوقفون وقتا ما فقد أطبقوا على البيعة له والانقياد لامامته والكون تحت رايته واتباع أمره ، وقالوا له : يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا يجوز أن تجمع الأمة على خطأ. ولا يجوز لمدع (٥) أن يدعى أن باطن على والعباس بخلاف ما أظهراه ، ولو جاز ذلك لم يجز لنا أن نقضى على (٦) صحة اجماع من الأمة على شيء (لأنا) (٧) لا نأمن أن يكون باطن بعض الأمة خلاف ظاهرهم. فلما كان بما يظهر

__________________

(١) ل : تركها الناسخ.

(٢) ما بين قوسين ليس فى الأصل وزيادته أولى وأن كان مفهوما من السياق.

(٣) ل : نقلها الناسخ : ورائنا.

(٤) ب وتبعه ل : يوفق.

(٥) ب وتبعه ل : لمدعى.

(٦) لعل الأولى أن يقول «بصحة لا على صحة» كما سبق.

(٧) ليست فى الأصل.

١٣٠

من الأمة من الاتفاق قد يعلم به الاجماع ولا يلتفت الى دعوى من ادعى الباطن وكان مدعى ذلك كقائل يقول من الخوارج (١) أن باطن على بخلاف ظاهرة ، فلما كان فى هذا ابطال الاجماع وجب القضاء على (٢) إمامة أبى بكر بعقد من عقدها له من المسلمين ، وبيعه من بايعه من المهاجرين والأنصار ، واجماع المسلمين عليه فى وقته ، لا سيما وعلى والعباس عاقدان له البيعة على أنفسهما ، ومقران له بالامامة وخلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاذا كانت الامامة لا تخرج عن هؤلاء الثلاثة باجماع وقد بايعاه فى كافة المسلمين ، وجب أن يكون إماما مفترض (٣) الطاعة. وقد نطق القرآن بامامة الصديق ودل على إمامة الفاروق ؛ وذلك أن الله تعالى قال فى سورة براءة للقاعدين عن نصرة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمتخلفين عن الجهاد معه : (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٤) وقال فى سورة أخرى (٥) : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) يعنى قوله : (لَنْ

__________________

(١) يزيد الأصل بعدها وتبعه ل قوله «من يقول» وقد أبقاها كما هى مع حاجة النص الى مثل هذا الحذف الّذي فعلناه.

(٢) لعل الأولى أن يقول بامامة كما سبق.

(٣) ل نقلها الناسخ معترض وهو نقيض المطلوب ولعل الأولى «مفروض».

(٤) الآية ٨٣.

(٥) المقصود بها سورة الفتح كما سيصرح بعد ذلك.

١٣١

تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) ثم قال «(قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) (١) كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون الا قليلا» ثم قال : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ؛ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) يقول (٢) ان أطعتم الداعى لكم الى قتالهم آتاكم تعالى أجرا حسنا (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) يعنى تعرضوا عن اجابة لداعى لكم الى قتالهم (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) كما أعرضتم من قبل (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٣). وقد علمنا أن الداعم لهم غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه قال لنبيه. (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً). وقال فى سورة الفتح (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) فمنعهم الله تعالى عن الخروج مع نبيه صلى الله وسلم وجعل خروجهم معه تبديلا لكلامه فوجب أن الداعى الّذي أمروا باتباعه داع يدعوهم بعد الرسول ، وقد قال الناس قولين (٤) ، قال بعضهم : هم فارس والروم ، وقال آخرون هم أهل اليمامة. وأبو بكر قاتل الروم وأهل اليمامة ، وقوتلت

__________________

(١) ما بين قوسين لم يذكره الأصل وزيادته تعين كثيرا على فهم الأصل.

(٢) ب وتبعه ل ، م يقولون وقد زاد م (اذا) ليصح التعبير

(٣) هذه الآية وحتى قبلها من سورة الفتح : الآيتان ١٥ ، ١٦ وصنيعنا أصح لأن القائل فرد وهو الله سبحانه وتعالى.

(٤) أى فى تعيين أولئك القوم الموصوفين فى القرآن بوصف (... أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).

١٣٢

فارس فى أيامه وظهر بهم من (١) بعده ، فان كانوا أهل اليمامة أو الروم فقد قاتلهم أبو بكر رضى الله عنه وفى ذلك ايجاب إمامته وان كانوا فارس فقد قوتلوا فى أيامه وفرغ عمر منهم من بعده ؛ فقد وجب إمامة عمر ، واذا وجبت إمامة عمر وجبت إمامة أبى بكر رضى الله عنهما لأن أبا بكر عقدها له ، وان كان المعنى : من قاتل فارس وفرغ منهم فاذا (٢) وجبت إمامة عمر وجبت إمامة أبى بكر لأنه هو (٣) العاقد لامامته. فدل ما قلناه من القرآن على إمامة الصديق والفاروق. واذا وجبت إمامة أبى بكر بالدلالات التى ذكرناها ـ بظاهر القرآن وباجماع المسلمين فى وقته عليها ـ فسد قول من قال ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص على إمامة غيره ، لأنه لا يجوز إمامة من نص الرسول على إمامة غيره ، وهذا يقضى على (٤) بطلان قول من قال ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نصب عليا بعده إماما.

ومما يبطل قول من قال بالنص على أبى بكر : أن أبا بكر

__________________

(١) اسم موصول لا حرف جر وهو فاعل لقوله قبل ذلك (وَظَهَرَ).

(٢) مرتب على محذوف تقديره : فقد وجبت إمامة عمر.

(٣) ل : تركها الناسخ.

(٤) كذا فى ب وتبعه ل. ولعل الأولى يقول ببطلان كما سبق.

١٣٣

قال لعمر «ابسط يدك أبايعك» يوم السقيفة (١) ، فلو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص على إمامته لم يجز أن يقول : «ابسط يدك أبايعك».

وقد قلنا فى الأبواب التى تكلمنا عليها قولا وجيزا.

تم الكتاب

«والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله وسلم».

* * *

__________________

(١) متعلق بقوله «قال» أى أن أبا بكر قال يوم السقفية لعمر .. «أبسط يدك» والله ولى التوفيق.

١٣٤

فهرس

الموضوع

          الصفحه

تقديم........................................................................... ٣

المخطوطات.................................................................... ١٠

الباب الأول : الله وصفاته....................................................... ١٨

الباب الثانى : باب الكلام فى القرآن والإرادة....................................... ٢٣

الباب الثالث : باب الكلام فى الإرادة وأنها تعم سائر المحدثات........................ ٤٨

الباب الرابع : باب الكلام فى الرؤية............................................... ٦١

الباب الخامس : باب الكلام فى القدر............................................. ٦٩

الباب السادس : باب الكلام فى الاستطاعة........................................ ٩٢

الباب السابع : باب الكلام فى التعديل والتجويز.................................. ١١٤

الباب الثامن : باب الكلام فى الايمان............................................ ١٢٢

الباب التاسع : باب الكلام فى الخاص والعام والوعد والوعيد........................ ١٢٥

الباب العاشر : باب الكلام فى الامامة........................................... ١٣٠

الفهرس...................................................................... ١٣٤

١٣٥