كتاب اللمع في الرّد على أهل الزّيغ والبدع

المؤلف:

أبي الحسن الأشعري


المحقق: الدكتور حمّوده غرابة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة الأزهريّة للتراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٥

الحديث حكمها ، ولو أشبهها لم يخل من أن يشبهها من كل الجهات أو من بعضها. فان أشبهها من جميع الجهات كان محدثا مثلها من جميع الجهات ، وان أشبهها من بعضها كان محدثا من حيث أشبهها ، ويستحيل أن يكون المحدث لم يزل قديما. وقد قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١). وقال تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٢).

مسألة

فان قال قائل : لم قلتم ان صانع الأشياء واحد؟ قيل له :

لأن الاثنين لا يجرى تدبيرهما على نظام ولا يتسق (٣) على احكام. ولا بد أن يلحقهما العجز أو واحدا منهما ؛ لأن أحدهما اذا أراد أن يحيى انسانا وأراد الآخر أن يميته لم يخل أن يتم مرادهما جميعا أو لا يتم مرادهما ، أو يتم (مراد أحدهما دون الآخر. ويستحيل أن يتم) (٤) مرادهما جميعا ؛ لأنه يستحيل أن يكون الجسم حيا ميتا فى حال واحدة وان لم يتم مرادهما جميعا وجب عجزهما ، والعاجز لا يكون إلها ولا قديما (وان تم مراد أحدهما دون الآخر وجب عجز من لم يتم مراده منهما والعاجز لا يكون إلها ولا قديما) (٥) فدل ما قلناه على أن صانع

__________________

(١) س ٤٢ الآية ١١

(٢) س ١١٢ الآية ٤. وقد كتبها م : كفوا.

(٣) ل : نقلها الناسخ : نسق.

(٤) ما بين المربعين نسي فى الأصل وزيادته ضرورية ليتم نظم الدليل.

(٥) ل : ما بين القوسين قد تركه الناسخ.

٢١

الأشياء واحد (١). وقد قال الله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٢) فهذا معنى احتجاجنا آنفا.

مسألة

فان قال قائل : ما الدليل على جواز اعادة الخلق؟ قيل له : الدليل على ذلك أن الله سبحانه خلقه أولا لا (٣) على مثال سبق ، فاذا خلقه أولا لم يعيه أن يخلقه خلقا آخر. وقد قال عزوجل : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ؛ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٤) فجعل النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة لأنها فى معناها. ثم قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (٥) فجعل ظهور النار على حرها ويبسها من الشجر الأخضر على نداوته ورطوبته دليلا

__________________

(١) بقى بعد ذلك احتمال ان يتفقا ولا بد من أبطال هذا الاحتمال أيضا حتى يتم الدليل. ويرى الامام محمد عبده فى رسالته ـ ص ٤٠ ـ ٤١ الطبعة العاشرة لرشيد رضا ـ أن هذا الاحتمال باطل اذ لو تعدد واجب الوجود لكان لكل من الواجبين تعين يخالف تعين الآخر بالضرورة وألا لم يتحصل معنى التعدد. وكلما اختلفت التعينات اختلفت الصفات الثانية للذوات المتعينة فيختلف العلم والإرادة مثلا باختلاف الذوات الواجبة فتخالف أفعالهم بتخالف علومهم وأرادتهم وهو خلاف يستحيل معه الوفاق فيفسد نظام الكون بل يستحيل له نظام. ولذلك كانت الآية : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) قطعية الدلالة على الوحدة فى رأيه خلافا للسعد وغيره من المتكلمين فانهم يرونها إقناعية.

(٢) س ٢١ الآية ٢٢

(٣) ل : تركها الناسخ.

(٤) س ٣٦ الآيتان ٧٨ ، ٧٩

(٥) نفس السورة الآية ٨٠

٢٢

على جواز خلقه الحياة فى الرمة البالية والعظام النخرة ، وعلى قدرته على خلق مثله. ثم قال : أو ليس الّذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم» (١). وهذا هو المعول عليه فى الحجاج فى جواز اعادة الخلق (٢).

وهذا هو الدليل أيضا على صحة الحجاج والنظر ؛ لأن الله تعالى حكم فى الشيء بحكم مثله وجعل سبيل النظير ومجراه مجرى نظيره. وقد قال الله تعالى : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (٣). وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٤) ـ يريد وهو هين عليه ـ فجعل الابتداء كالاعادة. فان قال قائل : زيدونى وضوحا فى صحة النظر (٥). قيل له : قول الله تعالى مخبرا عن ابراهيم عليه‌السلام لما رأى الكوكب : (قالَ هذا رَبِّي ، فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي ، فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي

__________________

(١) نفس السورة الآية ٨١

(٢) يعتمد دليل الأشعرى على أن الاعادة ممكنة عقلا وما دامت كذلك وقد ورد النص بوقوعها فيجب التصديق بها. ولكن الفلاسفة فيما بعد قالوا أن إعادة المعدوم ممتنعة بداهة وعلى ذلك فيجب تأويل النص لوجود قرينة تحيل المعنى الأصلي. فهل صادف الأشعرى هذا الاعتراض؟ وهل كان رأيه أن بعث الأجسام سيكون عن عدم أم عن جمع للأجزاء الأصلية كما ذهب الى ذلك المحققون من أتباعه؟ الواقع أنه لا يعرف للأشعرى رأى فى ذلك بل ربما لم يشتغل أصلا بمثل هذه المباحث لعدم الضرورة إليها فخصومه المعتزلة كانوا يسلمون بحشر الأجساد.

(٣) س ٣٠ الآية ١١

(٤) س ٣٠ الآية ٢٧

(٥) نقلها الناسخ : النظير.

٢٣

رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ») (١). فجمع عليه‌السلام القمر والكواكب فى أنه لا يجوز أن يكون واحد منهما إلها ربا لاجتماعهما فى الأفول ، وهذا هو النظر والاستدلال الّذي ينكره المنكرون وينحرف عنه المنحرفون (٢).

مسألة

فان قال قائل : لم أنكرتم أن يكون الله تعالى جسما؟

قيل له : أنكرنا ذلك لأنه لا يخلو أن يكون القائل لذلك أراد ما أنكرتم أن يكون طويلا عريضا مجتمعا ، أو أن يكون أراد تسميته جسما وان لم يكن طويلا عريضا مجتمعا عميقا. فان كان أراد ما أنكرتم أن يكون طويلا عريضا مجتمعا كما يقال ذلك للأجسام فيما يلينا فهذا لا يجوز ؛ لأن المجتمع لا يكون شيئا واحدا ؛ لأن (٣) أقل قليل الاجتماع لا يكون الا من (٤) شيئين ؛ لأن الشيء الواحد لا يكون لنفسه مجامعا ؛ وقد بينا آنفا (٥) أن الله عزوجل شيء واحد ؛ فبطل بذلك أن يكون

__________________

(١) الآيتان ٧٦ ، ٧٧ من سورة الأنعام.

(٢) يعالج المؤلف هذه النقطة على نطاق أوسع فى كتيبه المسمى «رسالة فى استحسان الخوض فى علم الكلام» المطبوع بحيدر أباد بالهند سنة ١٣٢٣. كما أشرنا الى ذلك فى المقدمة. والّذي أعاد طبعه الأب مكارثى ضمن مجموعة تحت عنوان «توحيد الأشعرى». المطبعة الكاثوليكية ببيروت سنة ١٩٥٣ م.

(٣) ل : نقلها الناسخ : الآن.

(٤) فى الأصل : بين (بدون نقط) فاختار م أن تكون بين واختيارنا أولى.

(٥) ما مر آنفا هو البرهنة على الوحدة بمعنى عدم التعدد فى الآلهة ، لا الوحدة بمعنى عدم التركيب فى الذات وهو ما تحتاج إليه هنا.

٢٤

مجتمعا. وان أراد لم لا تسمونه جسما وان لم يكن طويلا عريضا مجتمعا؟ فالأسماء ليست إلينا ، ولا يجوز أن نسمى الله تعالى باسم لم يسم به نفسه ، ولا سماه به رسوله ، ولا أجمع المسلمون عليه ولا على معناه.

مسألة

فان قال قائل : لم قلتم ان الله تعالى عالم؟ قيل له : لأن الأفعال المحكمة لا تتسق فى الحكمة الا من عالم. وذلك أنه لا يجوز أن يحوك الديباج النفارير (١) ويصنع دقائق الصنعة من لا يحسن ذلك ولا يعلمه. فلما رأينا الانسان على ما فيه من اتساق الحكمة كالحياة التى ركبها الله فيه والسمع والبصر وكمجارى الطعام والشراب وانقسامهما فيها (٢) وما هو عليه من كماله وتمامه ، والفلك وما فيه من شمسه وقمره وكواكبه ومجاريها ، دل ذلك على أن الّذي صنع ما ذكرناه لم يكن يصنعه الا وهو عالم بكيفيته وكنهه ، ولو جاز أن تحدث الصنائع الحكمية لا من عالم ندر لعل جميع ما يحدث من حكم الحيوان (٣)

__________________

(١) النفارير جمع نفرور وهو العصفور ، والجملة فى الأصل مكتوبة «وذلك أنه لا يجوز أن يحرك الديباج بالنفارير» وقد تركها م كما هى فى الأصل بغير تنبيه كما ترك ترجمتها وهى على ذلك لا معنى لها كما أنها تحتاج الى اصلاح قطعا ولعل ما فعلناه هو المقصود للمؤلف. فان المعنى على ذلك واضح لأن حياكة الديباج بوساطة العصافير مستحيل لانعدام العلم بذلك عندها.

(٢) ب وتبعه ل : وانقسامه فيه ، وقد تركها م كما هى ولا تصح الا مع تأويل بعيد.

(٣) لعل المقصود للمؤلف هو لفظ الانسان على أن يراد به أفراده حتى يصح قوله «وتدابيرهم».

٢٥

وتدابيرهم وصنائعهم يحدث منهم وهم غير عالمين ؛ فلما استحال ذلك دل على أن الصنائع المحكمة لا تحدث الا من عالم (١).

كذلك لا يجوز أن تحدث الصنائع الا من قادر حي ؛ لأنه لو جاز حدوثها ممن ليس بقادر ولا حي لم ندر لعل سائر ما يظهر من الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى ؛ فلما استحال ذلك دلت الصنائع على أن الله حي قادر.

مسألة

فان قال قائل : لم قلتم ان الله سميع بصير؟ قيل له : لأن الحى اذا لم يكن موصوفا بآفة (٢) تمنعه من ادراك المسموعات والمبصرات اذا وجدت فهو سميع بصير. فلما كان الله تعالى حيا لا تجوز عليه الآفات من الصمم والعمى وغير ذلك ـ اذ كانت الآفات تدل على حدوث جازت عليه ـ صح أنه سميع بصير.

مسألة

فان قال : أتقولون ان الله تعالى لم يزل عالما قادرا سميعا بصيرا؟ قيل له : كذلك نقول. فان قال : فما الدليل على ذلك؟ قيل له : الدليل على ذلك أن الحى اذا لم يكن عالما كان (٣)

__________________

(١) قد يفيد هذا الدليل اثبات أصل العلم لله ولكن المدعى أن الله يعلم كل شيء حتى المعلومات التى ستوجد والأشياء التى يستحيل وجودها فهل يثبت الدليل ذلك أم أننا ما زلنا بحاجة الى المزيد من الأدلة التى تثبت عموم علمه تعالى لكل ما يصح أن يعلم؟ قد يكون المتأخرون من الأشاعرة أكثر عمقا من الأشعرى فى ذلك.

(٢) ل : نقلها الناسخ : بأنه.

(٣) ل : تركها الناسخ

٢٦

موصوفا بضد العلم من الجهل أو الشك (١) أو الآفات فلو كان البارى تعالى لم يزل حيا غير عالم لكان (لم يزل) موصوفا بضد العلم. ولو كان (لم يزل) موصوفا بضد العلم من الجهل أو الشك أو الآفات (٢) لاستحال أن يعلم ؛ لأن ضد العلم لو كان قديما (٣) لاستحال أن يبطل ، واذا استحال أن يبطل ذلك لم يجز أن يصنع الصنائع الحكمية. فلما صنعها ودلت على أنه عالم صح وثبت أنه لم يزل عالما ؛ اذ قد استحال أن يكون لم يزل بضد العلم موصوفا.

وكذلك لو كان لم يزل حيا غير قادر لوجب أن يكون لم يزل عاجزا موصوفا بضد القدرة. ولو كان عجزه قديما لاستحال أن يقدر وأن تحدث الأفعال منه.

وكذلك لو كان لم يزل حيا غير سميع ولا بصير لكان لم يزل موصوفا بضد السمع من الصمم والآفات ، وبضد البصر من العمى والآفات ، ومحال جواز الآفات على البارى ، لأنها من سمات الحدث ، فدل ما قلناه على أن الله تعالى لم يزل عالما قادرا سميعا بصيرا.

مسألة

فان قال قائل : لم قلتم ان للبارى (٤) تعالى علما به علم

__________________

(١) ل : نقلها الناسخ : الشكر.

(٢) يزيد الأصل بعد ذلك قبل قوله : «لاستحال أن ...» «فلو كان البارى تعالى لم يزل حيا غير عالم لكان موصوفا بضد العلم» وهى زيادة لا لزوم لها بل قد تؤدى الى اضطراب المعنى.

(٣) ل : رسمها الناسخ هكذا : قديم.

(٤) ل : نقلها الناسخ : البارى.

٢٧

قيل له : لأن الصنائع الحكمية كما لا تقع منا الا عالم كذلك لا تحدث منا الا من ذى علم ، فلو لم تدل الصنائع على علم من ظهرت منه منا لم تدل على أن من ظهرت منه منا فهو عالم ، فلو دلت على أن البارى تعالى عالم قياسا على دلالتها على (أنا علماء) (١) ولم تدل على أن له علما (٢) قياسا على دلالتها على أن لنا علما لجاز لزاعم أن يزعم أنها تدل على علمنا ولا تدل على أنا علماء. واذا لم يجز هذا لم يجز ما قاله هذا القائل.

فان قال ؛ فما أنكرتم أن لا تدل الأفعال الحكمية على علم العالم منا ، كما دلت على أنه عالم ؛ لأنه ليس معنى العالم منا أن له علما ؛ لأنه قد يعلم العالم منا عالما من (٣) لا يعلم أن له علما؟ قيل له : ان جاز لك أن تزعم هذا جاز لغيرك أن يزعم أن الأفعال الحكمية تدل على أن لى علما بها ولا تدل على أنى عالم ؛ لأنه ليس معنى العالم أن له علما (٤) لأنه قد يعلم الانسان منا أن له علما من لا يعلمه عالما (٥). وأيضا الناسى (٦).

__________________

(١) ل : نقلها الناسخ : أن علما.

(٢) ب وتبعه ل : علم.

(٣) فاعل لقوله «قد يعلم» وكلمة «العالم» قبلها مفعول.

(٤) ب وتبعه ل : علم.

(٥) ل : نقلها الناسخ : عالم. ولفظ «من» قبلها فاعل لقوله : «قد يعلم» والانسان مفعول.

(٦) هى فى الأصل «لناس» فصححها الى «لناشئ» وهى بهذا لا معنى لها واعتقد انها كما صححها على معنى أن الناسى له علم وليس عالما وقت نسيانه يكون ذلك تأييدا لقوله قبل ذلك : «لأنه قد يعلم الانسان منا أن له علما من لا يعلمه عالما».

٢٨

وأيضا هذه الدعوى عندى فاسدة. وذلك أن معنى (١) العالم عندى أن له علما ، ومن لم يعلم لزيد علما (٢) لم يعلمه عالما. فان قال قائل : فما أنكرتم من أن يدل الفعل الحكمى على أن للانسان علما هو غيره كما قلتم انه يدل على علم؟ قيل له : ليس اذا دل الفعل الحكمى على أن للانسان علما دل على أنه غيره ، كما ليس اذا دل على أنه عالم دل على أنه متغاير على وجه من الوجوه ، وأيضا فان معنى الغيرية (٣) جواز مفارقة أحد (٤) الشيئين للآخر على وجه من الوجوه فلما دلت الدلالة على قدم البارى تعالى وعلمه (٥) استحال أن يكونا (٦) غيرين. وأيضا فلو جاز لزاعم أن الفعل الحكمى (٧) (٨) يدل على أن العالم عالم ثم يعلم علمه بعد ذلك لجاز لزاعم أن يزعم أن الفعل الحكمى يدل على أن العلم علم ثم يعلم أنه لعالم بعد ذلك ، واذا لم يجز هذا

__________________

(١) ل : تركها الناسخ.

(٢) ل : كتبها الناسخ هكذا : لن يدع لما.

(٣) هذا تفسير اصطلاحى للغيرية لجأ إليه المؤلف لئلا يلزمه القول بتعدد القدماء المتغايرة اذا قال وجودية الصفات وتغايرها فى نفسها مع مغايرتها للذات وعلى خلافه معظم أصحابه وقد أنكر ورود هذا التعريف عن الأشعرى الامام محمد عبده (الحاشية ص ٩٩) مرجحا أنه من مبتدعات الأصحاب لتوجيه قوله فى الصفات «أنها لا هى ولا غيره» وقد علمت الآن قيمة هذا الادعاء.

(٤) ل : نقلها الناسخ : أجل.

(٥) معطوف على قول «البارى».

(٦) ل : نقلها الناسخ : يكون.

(٧) ب وتبعه ل : الحكم.

(٨) ل : نقلها الناسخ هكذا : هذا القائل.

٢٩

وتكافأ القولان وجب أن تكون الدلالة على أن العالم دلالة على العلم.

فان قال قائل : من أنه انما يدل الفعل الحكمى على علم العالم لأنه ممن يجوز أن يموت ويجهل. قيل له : لو جاز هذا لقائله (١) لجاز لزاعم أن يزعم أن الفعل الحكمى يدل أن العالم عالم لأنه ممن يجوز أن يموت ويجهل.

ومما يبطل قول من قال ان دلالة الفعل الحكمى على علم العالم منا دلالة على أنه غير العالم وأنه محدث أن العالم للعلم (٢) ما كان عالما لا للغيرية ولا للحدث ، فوجب أن تكون الدلالة على أن العالم عالم دلالة على العلم ، ولم يكن العلم علما لأنه غير العالم ، ولا لأنه محدث لوجود غير ليس بعلم ومحدث ليس بعلم ، فلم يجب أن تكون الدلالة على أن العلم علم دلالة على أنه محدث أو أنه غير العالم. وأيضا فلو جاز لزاعم أن يزعم أن الدلالة على أن العلم علم دلالة على حدثه أو دلالة على أنه

__________________

(١) هكذا فى الأصل وقد غيرها م الى «لعلم» وأعرب (ما) التى بعدها على أنها (ما) الابهامية وحل الجملة على أساس أن الدليل المبطل لهذا الادعاء هو أن العالم للعلم لا يعلم بسبب الغيرية ولا بسبب الحدث (أنظر الترجمة) وأنا أوجب بقاء اللفظ كما هو وأعرب (ما) على أنها نافية فينحل للكلام الى أن الدليل المبطل لهذا الادعاء هو أن الانسان وقت ادراكه للعلم المتعلق بفرد لا يدرك فى نفس الوقت الدلالة الدالة على العلم أن هذا العلم حادث أو أنه مغاير للعالم. فلم تكن الدلالة على العلم دلالة على أنه غير أو أنه محدث.

(٢) ليست فى الأصل.

٣٠

غير العالم لزاعم أن يزعم أن الدلالة على أن العالم (عالم) (١) دلالة على حدثه وأنه متغاير فى ذاته.

والدليل على أن لله (٢) تعالى قدرة وحياة كالدليل على أن لله تعالى علما. وقد قال جل ذكره : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (٣) وقال : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) (٤) فثبت العلم لنفسه وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) (٥) فثبت القوة لنفسه.

ومما يدل على أن الله تعالى عالم بعلم أنه لا يخلو أن يكون الله تعالى عالما بنفسه أو بعلم يستحيل أن يكون هو نفسه. فان كان عالما بنفسه كانت نفسه علما ، لأن قائلا لو قال : ان الله تعالى عالم بمعنى هو غيره لوجب عليه أن يكون ذلك المعنى علما ، ويستحيل أن يكون العلم عالما (٦) ، أو العالم علما ، أو يكون الله تعالى بمعنى الصفات ألا ترى أن الطريق الّذي يعلم (به) (٧) أن العلم علم أن العالم به علم لأن قدرة الانسان التى (٨) لا يعلم بها لا يجوز أن يكون علما. فلما استحال أن يكون البارى تعالى علما استحال أن يكون عالما بنفسه فاذا استحال ذلك صح أنه عالم يستحيل أن يكون هو نفسه.

__________________

(١) ب : وتبعه ل الله.

(٢) ب : وتبعه ل : الله.

(٣) ص ٤ الآية ١٦٦.

(٤) س ٤١ الآية ١٥.

(٥) س ٣٥ الآية ١١.

(٦) ل : نقلها الناسخ : علم.

(٧) ليست فى الأصل.

(٨) فى ب وتبعه ل : الّذي.

٣١

فان قال قائل : ما أنكرتم أن يكون البارى سبحانه عالما لا بنفسه ولا بمعنى يستحيل أن يكون هو نفسه. قيل له : لو جاز هذا لجاز أن يكون قولنا «عالم» لم يرجع به الى نفسه ولا الى معنى ولم يثبت به نفسه ولا معنى يستحيل أن يكون هو نفسه ، واذا لم يجز هذا بطل ما قالوه.

وهذا الدليل يدل على اثبات صفات الله تعالى لذاته كلها : من الحياة ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، وسائر صفات الذات (١).

__________________

(١) للبارى تعالى صفات كثيرة منها صفة نفسية وهى الوجود ، ويرى المحققون من المتكلمين أنها من الأمور الاعتبارية. ومنها صفات أسلوب بمعنى أن مفهومها سلبى مثل القدم والبقاء. ومنها صفات أفعال مثل كونه رازقا وهذه والتى قبلها لا تقتضى ثبوت وصف قائم بالبارى. ومنها صفات ثبوتية مثل القدرة والإرادة وهى المقصودة بقول المؤلف «صفات الذات».

٣٢

(٢)

باب الكلام فى القرآن والإرادة

أن قال قائل : لم قلتم أن الله تعالى لم يزل متكلما وان كلام الله تعالى غير مخلوق؟ قيل له : قلنا ذلك (١) لأن الله تعالى قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢) فلو كان القرآن مخلوقا لكان الله تعالى قائلا له : «كن» والقرآن قوله ، ويستحيل أن يكون قوله مقولا له (٣) ، لأن هذا يوجب قولا ثانيا ، القول فى القول الثانى وفى تعلقه بقول ثالث كالقول فى الأول وتعلقه بقول ثان وهذا يقتضي ما لا نهاية له من الأقوال وهذا فاسد. واذا فسد ذلك فسد أن يكون القرآن

__________________

(١) ولكن ما هو القديم فى القرآن ذرايه؟ الفاظه ومعانية أم المعانى والمدلولات فقط؟ يلزم الأشعرى الصمت فى الاجابة على هذا الترديد فيما هو معروف حتى اليوم من كتبه وأن كان الشهرستانى ينسب إليه القول بحدوث الألفاظ وقدم المعنى النفسى بينما ينسب إليه بعضهم القول بقدم اللفظ والمعنى معا (أنظر نهاية الاقدام ص ٣٢٠ وشرح العقائد العضدية ص ١٨٨).

(٢) س ١٦ الآية ٤٠

(٣) الضمير فى قوله : «له» يعود فى رأيى الى القول لا الى الله على معنى أنه يستحيل أن يكون القول مخلوقا بقول آخر وبذلك يتضح الدليل. ويصوره الأشعرى فى (الابانة ص ٢١ القاهرة سنة ١٣٤٨) هكذا : «ومما يدل من كتاب الله على أن كلامه غير مخلوق قوله عزوجل : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فلو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له (كُنْ فَيَكُونُ) ولو كان الله عزوجل قائلا للقول (كُنْ) كان للقول قول ، وهذا يوجب أحد أمرين. أما أن يؤول الأمر الى أن قول الله غير مخلوق ، أو يكون كل قول واقعا بقول لا الى غاية وذلك محال».

          (٣ ـ كتاب اللمع)

٣٣

مخلوقا ولو جاز أن يقول لقوله لجاز أن يريد ارادته ، وذلك فاسد عندنا وعندهم ، واذا بطل هذا استحال أن يكون مخلوقا.

فان قال قائل : ما أنكرتم أن يكون معنى قوله تعالى : (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أى نكونه فيكون من غير أن (يقول له فى الحقيقة شيئا) (١) قيل له قال الله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فلو جاز لقائل أن يقول لم يكن الله تعالى قائلا (٢) لشيء فى الحقيقة (كُنْ) وانما المعنى أن تكون فيكون ، لجاز لزاعم أن الله تعالى لا يريد شيئا. وانما معنى «أردناه» فعلناه من غير أن تكون إرادة) (٣) على وجه من الوجوه. فان قال قائل أن يكون معنى (٤) أن الله تعالى أراد الشيء أنه فعله وهو مريد له فى الحقيقة بمعنى أنه فاعل له؟ قيل له : لو جاز هذا لقائله لجاز لزاعم أن يزعم أن الله عزوجل قائل للشيء فى الحقيقة (كُنْ) ويزعم أن معنى

__________________

(١) فى الأصل اضطراب ونص عبارته : «نقول له فى الحقيقة ولا أن نقول له فى الحقيقة شيئا» وقد نقلها الناسخ فى ب كما هى ، ووضع م (ولا أن نقول له فى الحقيقة) بين قوسين وحكم بزيادتها ، وهو مصيب.

(٢) ب وتبعه ل : قائل.

(٣) يقرؤها م إرادة ورأيى أنها إرادة على أن «تكون» تامة وهو أولى رغم أن الأصل كتبها «يكون إرادة» ويصبح أن نقراها «يكون إرادة» أى الشيء ويكون اسم «يكون» ضميرا يعود الى الله.

(٤) غيرها م الى (انه) ولا ضرورة له على أن نقرأ بالفتح والاسكان (أن).

٣٤

ذلك أنه يكونه فيثبت الله قولا فى الحقيقة هو المقول له ، كما زعمتم أن لله تعالى إرادة فى الحقيقة هى مراده ، ولو جاز لزاعم أن يزعم هذا جاز الآخر أن يقول أن علم الله تعالى بالشيء هو فعله له.

فان قال قائل : أليس قد قال الله تعالى (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) (١) ولا إرادة للجدار فى الحقيقة وانما قال «يريد» توسعا. والمعنى أنه ينقض قيل له نعم فان قال : فما أنكرتم أن يكون معنى (أَنْ (٢) نَقُولَ لَهُ كُنْ) أى نكونه فيكون؟ قيل له : الفرق بين ذلك الجماد يستحيل مع جماديته أن يكون مريدا والبارى تعالى فى الحقيقة لا يستحيل عليه أن يريد أو يقول ، فلذلك لم يكن قوله : (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) بمعنى فكونه. وأيضا فلو كان قوله : (أَنْ نَقُولَ لَهُ) ليس معناه اثبات قول له وانما معناه أن نكونه كما أن قوله «جدارا يريد أن ينقض» معناه أن ينقض ، لجاز لزاعم أن يزعم أن (معنى) (٣) قوله «أردناه» : فعلناه ، وهو فى الحقيقة لا يريد فعله. كما أن قوله : «جدارا يريد أن ينقض» معناه أنه ينقض ، وهذا أولى فى حقيقة القياس ، واذا لم يجب هذا لم يجب ما قاله (٤).

ويقال لهم : اذا كان معنى أن الله تعالى أراد فعل الشيء أنه

__________________

(١) س ١٨ الآية ٧٧

(٢) ب وتبعه ل : انقول.

(٣) ليست فى الأصل.

(٤) فى الأصل : «ما قلتموه» وما ذكرناه اولى ليتلاقى مع قوله : «فان قال».

٣٥

فعله ومعنى أراد حركة الشيء أنه حركه ، فما أنكرتم أن يكون الجماد فى الحقيقة مريدا لحركة نفسه بمعنى أنه متحرك ، وأن لا يكون للبارى (١) تعالى على الجماد مزية (٢) فى الإرادة ، وأن لا يكون له مزية على من وقع فعله وهو غير مريد له لأنه قد حصل له معنى فاعل كما حصل للبارى تعالى معنى فاعل.

فان قال : فما معنى قوله تعالى : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٣) قيل له : معنى ذلك أنهما قالتا فى الحقيقة : (أَتَيْنا طائِعِينَ).

ومما يدل من القياس على أن الله تعالى لم يزل متكلما أنه لو كان لم يزل غير متكلم ـ وهو ممن لا يستحيل عليه الكلام ـ لكان موصوفا بضد الكلام ولكان ضد الكلام قديما ولو كان ضد الكلام قديما لاستحال أن يعدم (٤) وأن يتكلم البارى ، لأن القديم لا يجوز عدمه كما لا يجوز حدوثه ، فكان يجب أن لا يكون البارى قائلا ولا آمرا ولا ناهيا على وجه من الوجوه (٥) وهذا فاسد عندنا وعندهم ، واذا فسد هذا صح وثبت أن البارى لم يزل متكلما قائلا.

فان قال قائل : ولم زعمتم أنه لو كان لم يزل غير متكلم

__________________

(١) ل نقلها الناسخ : البارى

(٢) ل : نقلها الناسخ : مريدا

(٣) يقرؤها م «يعدم» فهل يوجد عدم اللازم تمعنى فنى.

(٤) من ٤١ الآية ١١.

(٥) من الممكن أن نسلم مع المؤلف وجوب أن لا يكون قائلا بمعنى الصفة القائمة به ، أما وجوب أن يكون غير آمر أو ناه فلا ، لأنه يجوز أن يكون آمر أو ناهيا على لسان أنبيائه بمقتضى ما يفيض عليهم من العلم بتشريعاته وضرورة تبليغها للخلق.

٣٦

لكان موصوفا بضد الكلام (١) قيل له لأن الحى؟ اذا لم يكن موصوفا بالكلام كان موصوفا بضده ، كما أنه اذا لم يكن موصوفا بالعلم كان موصوفا بضده ، وذلك أن الحى فيما بيننا ذلك حكمه ولم تقم دلالة على حي يخلو من الكلام وأضداده فى الغائب كما لم تقم دلالة على حي يخلو من العلم وأضداده حتى يكون لا موصوفا بأنه عالم بضد العلم ، فقد اجتمع الأمر فيهما : أنه مستحيل فيما بيننا حي غير (عالم ولا موصوف بضد العلم ، وأنه مستحيل فيما بيننا حي غير (٢) متكلم ولا موصوف بضد الكلام ، وأنه لم يقم على ذلك دلالة فى الغائب. فلو جاز أحد الأمرين وهو حي غير متكلم ولا موصوف بضد الكلام لجاز الأمر الآخر وهو حي غير عالم ولا موصوف بضد العلم. وأيضا فأنه يستحيل فيما بيننا عالم يوصف بضد العلم مع علمه ، ومتكلم يوصف بضد الكلام مع كلامه ، فلما اجتمعا فى الاحالة وجب أن يكون من جوز متكلما فى الغائب يوصف بضد الكلام مع كلامه ، كمن جوز عالما فى الغائب يوصف بضد العلم مع علمه ، فكذلك يجب أيضا لما استحال فيما بيننا حي غير عالم ولا موصف بضد العلم ، وجب أن يستحيل فيما بيننا حي غير متكلم ولا موصوف بضد الكلام (و) (٣) أن

__________________

(١) ب وتبعه ل : الى.

(٢) ل : كل ما بين قوسين قد تركه الناسخ.

(٣) ليست فى الأصل ولم يزدها م وزيادتها ضرورية لصحة التعبير وتمام المعنى.

٣٧

يستحيل ذلك فى الغائب ، ووجب أن يكون من جوز أحد الأمرين فى الغائب كمن جوز الأمر الآخر.

وهذا هو الدليل على أن الله تعالى لم يزل مريدا ، وذلك أن الحى اذا كان غير مريد لشيء أصلا وجب أن يكون موصوفا بضد من أضداد الارادات كالسهو والكراهة والايناء (١) والآفات ، كما وجب أن الحى اذا كان غير عالم بشيء أصلا (كان) (٢) موصوفا بضد من أضداد العلوم كالجهل والسهو والغفلة أو الموت وما أشبه ذلك من الآفات فلما (٣) استحال أن يكون البارى تعالى لم يزل موصوفا بضد الإرادة لأن هذا يوجب أن لا يريد شيئا على وجه من الوجوه ، وذلك أن ضد الإرادة اذا كان البارى تعالى لم يزل موصوفا به يوجب قدمه ومحال عدم القديم ، كما محال حدوث القديم ، فاذا استحال عدمه وجب أن لا يريد البارى شيئا ويقصد فعله على وجه من

__________________

(١) من آنى اذا أخر ومنه الحديث «آنيت وآذيت» اى أخرت المجيء عن وقته وهى فى الأصل «الانبا» (النقط النون فقط) فاقترح م أن تكون الاباء ، وظاهر أن رسم الكلمة يأبى ذلك وليس من شك فى أن الايناء بمعنى التأخير يعتبر من أضداد الإرادة. وقد يشهد لأنها «الاباء» قول الشيخ فى ص ٤٩ : ولو كان ما يكره كونه لكان ما يأتى «كونه».

(٢) ليست فى الأصل.

(٣) جواب «فلما» غير مذكور وان كان من الممكن تقديره أو تغيير قوله : «فلما استحال» الى مثل قولنا «ويتحيل» التى لا تتطلب جوابا.

٣٨

الوجوه وذلك فاسد. فاذا فسد هذا صح وثبت أن البارى تعالى لم يزل مريدا.

فان قال قائل : لم (١) قلتم اذا كان من لم يزل غير متكلم ولا مريد وجب أن يكون موصوفا بضد الإرادة والكلام اذا كان ممن لا يستحيل عليه الكلام والإرادة ، فما أنكرتم من أنه من لم يزل غير فاعل وجب أن يكون موصوفا بضد الفعل وأن يكون تاركا فيما لم يزل؟

قيل له : لا يجب ما قلته ، وذلك أن الكلام (٢) ضد أليس بكلام ، وللارادة ضدا (٣) ليس بإرادة ، فوجب لو كان البارى (٤) تعالى حيا غير متكلم ولا مريد أن يكون موصوفا بضد الكلام والإرادة وليس للفعل ضد (٥) ليس بفعل ، فيجب بنفى الفعل عن الفاعل وجود ضده لأن الموجود اذا لم يكن فعلا (٦) كان

__________________

(١) ب وتبعه ل : لم وقد أبقاها م كما هى ورأيى أننا اما أن تغير «لم» الى «اذا» أو نغير قوله فيما بعد : «فما أنكرتم من» الى قوله «وأنكرتم» لأن المقصود هو ادعاء التلازم بين القولين لا توجيه سؤالين بدليل قول الأشعرى فى الرد : «لم يجب ما قلته» على أن المقام هنا للواو لا للفاء على فرض أن المراد هو توجيه سؤالين الا اذا قلنا أن الفاء واقعة فى جواب شرط مقدر وهو بعيد.

(٢) ب وتبعه ل الكلام.

(٣) ب وتبعه ل : ضد.

(٤) ب وتبعه ل : بارى

(٥) ب وتبعه ل : ضدا.

(٦) الكلمة فى الأصل «فعلا» وقد استبعد م بقاءها كما هى وغيرها الى «محدثا» مع اعترافه بما فى التعبير من تعقيد بالنسبة له ، ورأيى أنه لا ضرورة لهذا التغيير لأن «فعلا» هنا بمعنى مفعول أى مخلوق ، ولا شك أن المعنى بذلك واضح وصحيح.

٣٩

قديما ، والقديم لا يضاد المحدثات فلما لم يكن للفعل ضد ليس بفعل لم يجب بنفى الفعل عن الله تعالى فى أزله (١) اثبات ضد ، ولما كان للكلام ضد ليس بكلام وجب بنفى الكلام عن الله تعالى فى أزله اثبات ذلك الضد لا محالة.

فان قال : فيجب اذا كان القديم غير فاعل فيما لم يزل أن (٢) يكون عاجزا أو تاركا قيل له فليس العجز مضادا للفعل. وذلك أنه ليس من جنس من أجناس الفعل من حركة وسكون وغيرهما من سائر الأغراض لا وقد يجوز أن يخلقه الله مع العجز ، فعلمنا بذلك أن العجز لا يضاد الفعل ، لأن الأجسام (٣) والجواهر من أفعال الله تعالى ، فعلمنا أن العجز لا يضاد الفعل ، لأن عجزى لو ضاد فعلى للحركة لكان تضاد وقوع الحركة من ربى فى جسمى. ألا ترى أنه اذا استحال أن أفعل فى علما مع الموت استحال أن يفعل ربى فى مع الموت علما ، فلما لم يكن العجز مضادا للفعل وانما يضاد القدرة وكان الترك للشيء فعل

__________________

(١) ل : نقلها الناسخ : أن له.

(٢) ب ، ل : أيكون.

(٣) ب ، ل ، م «الأجسام» والجملة بذلك لا فائدة منها هاهنا ولكننا اذا غيرنا الكلمة الى «الأعراض» مثلا كان المعنى لازما وواضحا وذلك لأن حركة الشخص من الأعراض فاذا كان الله هو الخالق لها كما أنه الخالق له كان عاجزا عن خلقها مع أنها فعل الله قائم به ، واذن فقد اجتمع العجز والفعل فلم يكن العجز ضدا للفعل.

٤٠