تراثنا ـ العدد [ 61 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 61 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٨

بمثله ، وفي سنده جهالة.

وذكره السيوطي عن عطاء بن يسار ، وزاد نسبته لابن إسحاق.

قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف : ١٣١ بعد أن أخرجه من رواية ابن مردويه والواحدي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وله طريق أخرى عند ابن مردويه من رواية الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس.

والخلاصة : إن كلا من هذه الطرق ضعيف.

على أن السورة مكية ، وحين نزلت لم يكن الوليد بن عقبة قد أسلم ، فقد أسلم يوم الفتح ، وبعثه رسول الله على صدقات بني المصطلق ، فلما وصل إليهم هابهم فانصرف عنهم وأخبر أنهم ارتدوا ، فبعث إليهم خالد بن الوليد يأمره أن يتثبت فيهم ، فأخبروا أنهم متمسكون بالإسلام ، فنزل قوله عزوجل : (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...) (١).

أقول :

لا يخفى أن هذا الموضع من المواضع التي يتبين فيها عقيدة القوم في أهل البيت عليهم‌السلام ، وموقفهم من أعدائهم ، فقد كشفوا هنا عن عداوتهم وبغضهم ونصبهم لأهل البيت عليهم‌السلام ، وحبهم ودفاعهم عن أعدائهم ، وإلا فأي معنى لإنكار ورود آيات المدح في رجالات الإسلام الذين بارزوا يوم بدر ، وورود آيات الذم في رجال الكفر الذين قتلوا في ذلك اليوم؟!

__________________

(١) سورة الحجرات ٤٩ : ٦.

٤١

هب أنهم لا يريدون الاعتراف بكون المراد علي عليه‌السلام ، لأن مثل هذه المدائح لم ترد في حق غيره من مشايخ القوم ، لأنهم لم يفعلوا شيئا في سبيل الإسلام يمدحون عليه ، ولكن ما معنى إنكار ورود آيات الذم في الذين قتلوا من الكفار يوم بدر؟!

ولنتكلم على هذه الآيات بالترتيب باختصار ، مع التعرض لنقد هذا المتقول :

* أما الآية الأولى :

فمن أين عرف هذا المتقول أن هذه الجملة «من الكذب البين على علي»؟!

قال الحافظ الحسكاني : «أخبرنا عقيل بن الحسين ، قال : أخبرنا علي ابن الحسين ، قال : حدثنا محمد بن عبيد الله ، قال : حدثنا أبو بكر محمد ابن سليمان ـ بالبصرة ـ ، قال : حدثنا العطاردي ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله عزوجل : (وممن خلقنا أمة) قال : يعني : من أمة محمد أمة ، يعني : علي بن أبي طالب ، (يهدون بالحق) يعني : يدعون بعدك ـ يا محمد ـ إلى الحق ، (وبه يعدلون) في الخلافة بعدك ...

وفي كتاب فهم القرآن عن جعفر الصادق ، في معنى قوله : (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) ، قال : هذه الآية لآل محمد.

وجدت بخط أبي سعد بن دوست ، في أصله» (١).

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٢٦٩.

٤٢

وقال الحافظ الخوارزمي : «أخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني ، المعروف بالمروزي ، في ما كتب إلي من همدان ، أخبرني الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد ، بأصبهان ، في ما أذن لي في الرواية عنه ، قال : أخبرني الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ٤٧٣ ، أخبرني الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني ...

وبهذا الإسناد عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا ، حدثني أحمد بن محمد السري ، حدثني المنذر بن محمد بن المنذر ، حدثني أبي ، حدثني عمي الحسين بن سعيد ، حدثني أبي ، عن أبان بن تغلب ، عن فضيل ، عن عبد الملك الهمداني ، عن زاذان ، عن علي ، قال : تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهم الذين قال الله عزوجل : (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) ، وهم أنا وشيعتي» (١).

فهذان سندان من أسانيد هذا الخبر.

أما الحاكم الحسكاني ، فقد ترجمنا له في الكتاب ، فلا نعيد.

وأما الخوارزمي ، فقد ترجموا له التراجم الحسنة ، ووصفوه بالأوصاف الجميلة ، وأثنوا عليه الثناء الجميل ، واعتمدوا عليه ، ونقلوا عنه ، فراجع من كتبهم : جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٣١ ، بغية الوعاة ٢ / ٣٠٨ ، الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٣ / ٥٢٣ ، العقد الثمين في أخبار البلد

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب : ٢٣٧.

٤٣

الأمين ٧ / ٣١٠ ، كتائب أعلام الأخيار في طبقات فقهاء مذهب النعمان المختار ـ للكفوي ـ.

فالرجل من أعلام علمائهم في الحديث والفقه والأدب ، وإن حاول ابن تيمية وأتباعه الحط من شأنه والتقليل من منزلته عندهم.

وفي رواته :

١ ـ الأعمش.

٢ ـ أبو معاوية.

٣ ـ أبان بن تغلب.

٤ ـ ابن مردويه.

٥ ـ أبو علي الحداد.

وغير هؤلاء من الأئمة وكبار الحفاظ الثقات ، فكيف يقال : إن الرواية «من الكذب البين»؟!

والحقيقة ، إن هذا الخبر من أصدق الأخبار وأثبتها ، وذلك لأن المراد ليس مطلق الأمة ، لعدم كونهم جميعا «يهدون بالحق» بل المراد ، أمة من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما في الخبر أيضا ـ.

ولأن الأخبار في أن أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة واحدة ناجية وما عداها هالكة في النار.

إذا ، ليس كلها بهاد بالحق ، بل إحداها ، ولا بد وأن تكون هي الناجية ، وقد عينت الأحاديث المتواترة ـ كحديث الثقلين وحديث السفينة الفرقة الناجية من بين الفرق.

وذكر العلامة الحلي عن أستاذه الشيخ نصير الدين الطوسي ، أنه سئل عن المذاهب فقال : بحثنا عنها وعن قول رسول الله : ستفترق أمتي ...

٤٤

وقد عين عليه‌السلام الفرقة الناجية والهالكة في حديث آخر صحيح متفق عليه ، وهو قوله عليه وآله السلام : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق .. فوجدنا الفرقة الناجية هي الفرقة الإمامية ، لأنهم باينوا جميع المذاهب ، وجميع المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد.

* وأما الآية الثانية :

فالحكم على رواية بأنها «كذب واضح» لا بد وأن يستند إلى دليل ، والدليل يرجع إما إلى السند ، وإما إلى المدلول ، وإما إلى كليهما ، هذه هي القاعدة عند من «عنده أدنى علم بالتفسير والرواية» ، وهذا المتقول لم يذكر أي دليل ، فلا يسمع كلامه.

بل كان عليه أن يوضح موضع الكذب ، هل هو في دخول من أقر بولاية علي الجنة ، أو في دخول «من سخط ولايته ، ونقض عهده ، وقاتله النار»؟!

فهل الباعث على تكذيبه لهذا الحديث بغضه لعلي ، أو حبه لمن عاداه ، أو كلا الأمرين؟!

* وأما الآية الثالثة والآية الرابعة :

فإنهما واردتان ـ بحسب الرواية عند الفريقين ـ في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، من جهة. وفي : الوليد وعتبة وشيبة ، من جهة أخرى.

فما الباعث على تكذيب الخبر؟!

٤٥

وهل من شك في أن «المتقين» هم : علي وصاحباه ، و «الفجار» هم : الوليد وصاحباه؟!

وهل من شك في أن الله تعالى لا يجعل «المتقين كالفجار»؟!

وأيضا : هل من شك في أن الوليد وعتبة وشيبة «اجترحوا السيئات» ، وأن عليا وحمزة وعبيدة «عملوا الصالحات»؟! وأن الله لا يجعل «سواء محياهم ومماتهم»؟!

ساء ما يحكم النواصب!!

وأما التذرع بما قيل في «محمد بن السائب الكلبي» فلا يفيد ، لأن هذا الرجل من رجال صحيحي : الترمذي وابن ماجة في التفسير ـ كما في تهذيب التهذيب ، الذي أحال إليه المتقول ـ وقد ذكر ابن حجر عن ابن عدي : «هو معروف بالتفسير ، وليس لأحد أطول من تفسيره ، وحدث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير ، وأما في الحديث ففيه مناكير ولشهرته في ما بين الضعفاء يكتب حديثه».

ونقل عن الساجي قوله : «متروك الحديث ، وكان ضعيفا جدا لفرطه في التشيع ، وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع» (١).

وعلى الجملة ، فإن الرجل مرضي عندهم في التفسير ، وبحثنا في التفسير لا الأحكام ، وإن كان من ذم فهو «لفرطه في التشيع»!!

على أنه لا بد من التحقيق في أن للخبر المذكور طريقا آخر ليس فيه الكلبي أو لا!

__________________

(١) تهذيب التهذيب +٩ / ١٥٧.

٤٦

لكن ما ذكرناه كاف للاعتماد على هذا الخبر.

وقال الآلوسي بتفسير الآية : «وفي رواية أخرى عن ابن عباس أخرجها ابن عساكر أنه قال : الذين آمنوا : علي وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنهم ـ ، والمفسدين في الأرض : عتبة والوليد بن عتبة وشيبة ، وهم الذين تبارزوا يوم بدر».

قال الآلوسي : «ولعله أراد أنهم سبب النزول» (١).

فلم يناقش لا من جهة السند ولا من جهة أخرى.

هذا في الآية الثالثة.

وفي الآية الرابعة ، أورد الفخر الرازي كلام الكلبي فقال : «قال الكلبي : نزلت هذه الآية في علي وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح (٢) رضي الله عنهم ، وفي ثلاثة من المشركين : عتبة وشيبة والوليد بن عتبة. قالوا للمؤمنين : والله ما أنتم على شئ ، ولو كان ما تقولون حقا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة ، كما أنا أفضل حالا منكم في الدنيا ، فأنكر الله عليهم هذا الكلام ، وبين أنه لا يمكن أن يكون حال المؤمن المطيع مساويا لحال الكافر العاصي ، في درجات الثواب ومنازل السعادات» (٣).

فلم يناقش لا من جهة السند ولا من جهة أخرى.

* وأما الآية الخامسة :

فإنا لا نقول بأن مجرد وجود خبر في كتاب دليل على صحة الخبر ،

__________________

(١) تفسير الآلوسي ٢٣ / ١٨٩.

(٢) هذا غلط أو تصحيف ، فهو عبيدة بن الحارث.

(٣) تفسير الرازي ٢٧ / ٢٦٦.

٤٧

حتى لو كان في كتابي البخاري ومسلم!

أما ابن حجر المكي ، فقد ذكر الآية في ما نزل في أهل البيت عليهم السلام ، ولذا تعجب منه هذا المتقول ، فكان بين كلاميه في صدر التعليقة وذيلها تناقض.

على أن محل الاستشهاد هو رواية مثل ابن حجر المكي المتعصب الخبر في مثل كتاب الصواعق الذي ألفه في رد الإمامية ـ كما نص عليه في ديباجته ـ ليكون دليلا على أنه خبر متفق عليه بين الفريقين ووارد من طرقهما جميعا ، فقوله في خبر : «فيه كذاب» لا يضر بالمقصود ، كما لا يخفى على الفهيم المنصف.

على أن رواة الخبر من كبار الأئمة ، وحفاظ أهل السنة ، كثيرون : قال ابن جرير الطبري : «وقد حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن محمد بن علي : أولئك هم خير البرية. فقال النبي : أنت يا علي وشيعتك» (١).

وقال ابن عساكر : «أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي ، أنبأنا عاصم ابن الحسن ، أنبأنا أبو عمر ابن مهدي ، أنبأنا أبو العباس ابن عقدة ، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحسن القطواني ، أنبأنا إبراهيم بن أنس الأنصاري ، أنبأنا إبراهيم بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن مسلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال النبي : قد أتاكم أخي ..

ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال : والذي نفسي بيده ، إن هذا

__________________

(١) تفسير الطبري ٣٠ / ١٧١.

٤٨

وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة.

ثم قال : إنه أولكم إيمانا معي ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزية.

قال : ونزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) ، فكان أصحاب محمد إذا أقبل علي قالوا : قد جاء خير البرية.

أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي ، أنبأنا أبو القاسم ابن مسعدة ، أنبأنا حمزة بن يوسف ، أنبأنا أبو أحمد ابن عدي ، أنبأنا الحسن بن علي الأهوازي ، أنبأنا معمر بن سهل ، أنبأنا أبو سمرة أحمد بن سالم ، أنبأنا شريك ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، قال : علي خير البرية.

قال أبو أحمد : وهذا قد رواه غير أبي سمرة عن شريك. وروي عن غير شريك أيضا ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن جابر بن عبد الله : كنا نعد عليا من خيارنا. ولا يسنده فكذا إلا أبو سمرة» (١).

وهكذا ذكر الروايات كل من السيوطي (٢) والشوكاني (٣) وغيرهما ، وفي أسانيدها كبار الأئمة والحفاظ.

فإن كان عجب ، فمن هؤلاء كلهم ، لا من ابن حجر وحده!!

وأما الآية السادسة :

فالحديث في نزولها في أمير المؤمنين وحمزة وعبيدة ، وفي عتبة

__________________

(١) ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ / ٤٤٢ ـ ٤٤٣.

(٢) الدر المنثور ٦ / ٣٧٩.

(٣) فتح القدير ٥ / ٤٧٧.

٤٩

وشيبة والوليد مخرج في كتاب البخاري (١) ، والجمهور يرون صحته من أوله إلى آخره!! فهل من مجال لتقول وافتراء؟

ثم إن كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة» مطلق ، فإنه يجثو للخصومة والمطالبة بحقه من كل من ظلمه ويظلمه في نفسه وأهل بيته وشيعته بأي نحو من أنحاء الظلم ، إلى يوم القيامة ، ابتداء ممن أسس أساس ذلك وانتهاء بآخر فرد تبعه على ذلك .. والله أحكم الحاكمين.

وأما الآية السابعة :

فهي نازلة في علي والوليد بلا نزاع كما ذكر السيد ، والعجب من هذا المفتري المتقول أنه طالما يستند إلى تفسير ابن كثير ، وزاد المسير في التفسير لابن الجوزي ، وأمثالهما من المتعصبين ، أما هنا فلا يأخذ بما جاء في تلك الكتب من الحق المبين!!

أما رواة نزول الآية المباركة في القضية المذكورة ، فكثيرون جدا ، نكتفي بذكر أسماء من نقل عنهم الحافظ السيوطي في الدر المنثور (٢) وهم :

١ ـ ابن إسحاق.

٢ ـ ابن جرير.

٣ ـ ابن أبي حاتم.

٤ ـ الخطيب البغدادي.

__________________

(١) مرتين ، في غزوة بدر ، وفي تفسير سورة الحج.

(٢) الدر المنثور ٥ / ١٧٨.

٥٠

٥ ـ ابن مردويه الأصفهاني.

٦ ـ أبو الحسن الواحدي.

٧ ـ أبو أحمد ابن عدي.

٨ ـ ابن عساكر.

أما ابن الجوزي ، فهذا نص كلامه :

«في سبب نزولها قولان ، أحدهما : إن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال لعلي بن أبي طالب : أنا أحد منك سنانا ، وأبسط منك لسانا ، وأملأ للكتيبة منك. فقال له علي : اسكت فإنما أنت فاسق ، فنزلت هذه الآية فعنى بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد ..

رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومقاتل.

والثاني : أنها نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل .. قاله شريك.

قوله تعالى : (لا يستوون) ، قال الزجاج : المعنى : لا يستوي المؤمنون والكافرون ، ويجوز أن يكون لاثنين ، لأن معنى الاثنين : جماعة ، وقد شهد الله بهذا الكلام لعلي عليه‌السلام بالإيمان وأنه في الجنة ، لقوله (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى) وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف : جنة المأوى ، على التوحيد». انتهى (١).

فانظر كيف ذكر القولين ، مقدما القول الحق ، ثم طبق الآية على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، دون غيره.

__________________

(١) زاد المسير ٦ / ١٨٢ ـ ١٨٣.

٥١

وقد ذكر «عبد الرحمن بن أبي ليلى» في أصحاب القول الأول ، مما يدل على جلالة الرجل والاعتماد عليه.

وأما ابن كثير فقال بعد ذكر الآيات : «وقد ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما أنها نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، ولهذا فصل حكمهم فقال : (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي : صدقت قلوبهم بآيات الله وعملوا بمقتضاها وهي الصالحات (فلهم جنات المأوى) أي التي فيها المساكن والدور والغرف العالية (نزلا) أي خيافة وكرامة (بما كانوا يعملون)» (١).

فقد ذكر القول المذكور ولم يناقش فيه ولم يذكر غيره أصلا.

ثم إن من رواة هذا الخبر : ابن أبي حاتم ، وقد رواه عن «عبد الرحمن ابن أبي ليلى» .. قال السيوطي : «وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في قوله : (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) قال : نزلت في علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه والوليد بن عقبة» (٢).

وقد أثنى ابن تيمية على تفسير ابن أبي حاتم ووافق على رواياته فيه ، فأتباعه ملزمون بذلك!!

ثم إن الرواية في أسباب النزول ، بسنده عن «عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس» و «ابن أبي ليلى» هو «عبد الرحمن بن أبي ليلى» كما عرفت من

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٣ / ٣٩٥.

(٢) الدر المنثور ٥ / ١٧٨.

٥٢

تفسير ابن أبي حاتم وزاد المسير أيضا ، وهذا الرجل من رجال الصحاح الستة (١).

فقول المتقول : «وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى» من خياناته أو جهالاته!!

و «عبيد الله بن موسى» ـ وهو العبسي الكوفي ـ من رجال الصحاح الستة أيضا (٢).

فأين ضعف هذا السند يا منصفون؟!

ولاحظوا كيف نتكلم؟! وكيف أعداء أهل البيت يتكلمون؟!

(أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ...) .. والله أحكم الحاكمين.

للبحث صلة ...

__________________

(١) تقريب التهذيب ١ / ٤٩٦.

(٢) تقريب التهذيب ١ / ٥٣٩.

٥٣

عدالة الصحابة

(٤)

الشيخ محمد السند

حال المسلمين في أحد

قال تعالى في سورة آل عمران : (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين * إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون * ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شئ قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات

٥٤

الصدور * إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم) (١).

وقال تعالى : (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) (٢).

وقال تعالى : (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) (٣).

فهذه الآيات ترسم لنا وتقسم من كان في ركب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأن بعضهم كان يريد الدنيا وبعضهم الآخر يريد الآخرة ، وأنه وقع من كثير من المسلمين فرار بعد ما شاهدوا النصر باستزلال الشيطان لهم بسبب بعض الأعمال السيئة السابقة ، وأن طائفة منهم يظنون بالله ظن الجاهلية ويخفون ذلك في قلوبهم ، وأن من صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القتال منهم الطيب ومنهم الخبيث ، وأن وقعة أحد كانت للتمييز بينهما.

وهذا خلاف رأي من يدعي التعميم والمساواة في من صحب ولازم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أن التمييز وقع في من كان من المسلمين أحدي! ومن ذلك يتبين أن التوصيف بكون الشخص بدريا أو أحديا إنما يكون منقبة إذا كان من الفئة المؤمنة ، لا ما إذا كان من الفئات الأخرى ،

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٥٢ ـ ١٥٥.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٧٩.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

٥٥

فليس كل بدري أو أحدي هو من الفئة المؤمنة الممدوحة ، بل بعضهم من الفئات المذمومة في سورتي الأنفال وآل عمران.

ثم إن السورة تحذر ـ أيضا ـ من وقوع انقلاب من المسلمين على الأعقاب برحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي كتب السير أن جماعة من المسلمين لما شاهدوا الهزيمة وظنوا أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قتل ، لاذوا بالفرار وصعدوا الجبل ، واجتمعوا حول صخرة ـ عرفوا بعد ذلك بجماعة الصخرة ـ وقالوا : إنا على دين الآباء (١) ، كي يكون ذلك شافعا لهم عند قريش ، وفي ما سطر في السير ما يلوح أنهم ممن يعدون من أعيان القوم ووجوههم.

والمتأمل للسور الحاكية للغزوات ـ كما تقدم في سورة الأحزاب عن غزوة الخندق ، وسورة التوبة عن غزوة تبوك وحنين وغيرهما ـ يجدها ناطقة بلسان التمييز والتقسيم والتصنيف لمن صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشارك في القتال ، وأن هناك الفئة الصالحة الثابتة المؤمنة ، وهناك الطالحة وأصناف أهل النفاق ومحترفيه الذين في قلوبهم مرض.

أما الآية السابعة :

فهي قوله تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (٢) ..

وقوله تعالى : (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) (٣) ..

__________________

(١) أنظر مثلا : السيرة الحلبية ٢ / ٥٠٤ ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٣ / ٤٤.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٤٣.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١١٠.

٥٦

وقوله تعالى : (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (١).

وهذه الآيات ـ وما هو من قبيلها ـ يستدل بها عندهم على حجية إجماع الأمة ، أو حجية إجماع الصحابة ، بتقريب أنهم أول المصاديق لهذا العنوان ، ونحو ذلك ، وللوصول إلى المعنى ومفاده في حدود ظهور ألفاظ الآيات لا بد من الالتفات إلى النقاط التالية :

الأولى : إن الآية الثانية المذكورة آنفا قد ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام أن أحد وجوه قراءتها أنها بلفظ (أئمة) (٢) ـ جمع إمام ـ لا (أمة) ، ويعضد هذه القراءة النقاط اللاحقة.

الثانية : إن لفظة (أمة) هي من الألفاظ التي تستعمل في الجماعة كما تستعمل في المجموع ، بل تستعمل في الفرد ، كقوله تعالى : (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا) (٣) ..

وكقوله تعالى : (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) (٤) ..

وكقوله تعالى : (منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) (٥) ..

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ١١٥.

(٢) أنظر : تفسير القمي ١ / ١١٨ ، تفسير العياشي ١ / ٢١٩ ح ١٢٩ ، تفسير الصافي ١ / ٣٧٠ ـ ٣٧١ ح ١١٠.

(٣) سورة النحل ١٦ : ١٢٠.

(٤) سورة البقرة ٢ : ١٢٨.

(٥) سورة المائدة ٥ : ٦٦.

٥٧

وكقوله تعالى : (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) (١) ..

وكقوله تعالى : (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون ...) (٢) ..

وكقوله تعالى : (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) (٣) ..

وكقوله تعالى : (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون) (٤) ..

والذي يظهر أن المعنى المستعمل فيه للفظة ها هنا هو بمعنى الجماعة لا المجموع ، وهو أن هذه الأمة الوسط تكون شاهدة على جميع الناس ، والرسول شاهد عليها.

ومن البين أن هذا المقام لا يتشرف به مجموع الأمة أو جميع أهل القبلة من الموحدين ، فهل يجوز أن تقبل شهادة من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر أو على صرة من بقل ، فيطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟!! كما أشار إلى ذلك الإمامان الباقر والصادق عليهما‌السلام (٥) ..

لا ريب أن الله لم يعن مثل هذا ، بل المراد جماعة خاصة لهم هذا المقام والشأن ، وهم الذين قال تعالى عنهم : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٥٩.

(٢) سورة الأعراف ٧ : ١٦٤.

(٣) سورة الأعراف ٧ : ١٨١.

(٤) سورة القصص ٢٨ : ٢٣.

(٥) أنظر الهامش رقم ٢ من الصفحة السابقة.

٥٨

بما كنتم تعملون) (١) ، فإن سنخ اطلاع هؤلاء على الأعمال وشهادتهم لها لدنية من الله تعالى ، كما إن مقتضى ما يعطيه لفظ «الوسط» بقول مطلق هو الوسطية في الصفات والفضائل لا الإفراط ولا التفريط ، فهم النقباء ..

كما إن الآية السابقة ـ للآية الثانية المذكورة من سورة آل عمران ـ وهي قوله تعالى : (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (٢) ، فهذه الأمة الداعية إلى الخير ، والآمرة بالمعروف ، والناهية عن المنكر ، على صعيد الحكم والإمامة هي جزء من مجموع المسلمين ، لا كل المجموع ..

كما إن لفظة (أخرجت للناس) تعطي مفهوم خروجها من الأصلاب ، وفيه إشارة إلى دعوة إبراهيم عليه‌السلام حين قال : (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) (٣) وذلك بعد ما حكى الله عنه ما قاله في قوله تعالى : (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (٤) ..

وكما قال تعالى : (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) (٥) أي جعل التوحيد والعصمة من الشرك كلمة باقية في عقب إبراهيم من نسل إسماعيل ، فكان تقلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأصلاب

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٠٥.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٠٤.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٢٨.

(٤) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٥) سورة الزخرف ٤٣ : ٢٦ ـ ٢٨.

٥٩

والأجداد الطاهرين من الشرك والوثنية ، قال تعالى : (الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين) (١).

فمن ذلك كله يتبين أن الأمة المقصودة من الآيتين هي ثلة من مجموع المسلمين لهم تلك المواصفات الخاصة التي تؤهلهم إلى ذلك المقام.

وكيف يتوهم أن مجموع من أسلم بالشهادتين هو المراد؟! والحال أن سورة آل عمران ـ كما قدمنا ـ تصنف من شهد معركة أحد ـ فضلا عن غيرهم ـ إلى فئات صالحة وطالحة ، وكذا ما في بقية السور التي استعرضناها ، وغيرها ، إذ إن فيها الذم والوعيد الشديد لألوان من الفئات الطالحة ممن أظهرت الإسلام على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأما الآية الثالثة المذكورة ، فهي تجعل الميزان طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعدم مشاققته ، وعدم الرد عليه ، كما في قوله تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (٢) ..

والحال أن بعض وجوه من صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره ، بأنه غلبه الوجع ، أو : إنه ـ والعياذ بالله ـ يهجر ، وذلك عندما طلب الدواة والكتف من أجل كتابة كتاب لئلا تضل أمته من بعده لو تمسكت به ، والله تعالى يقول : (ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى) (٣) ،

__________________

(١) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٨ و ٢١٩.

(٢) سورة النساء ٤ : ٦٥.

(٣) سورة النجم ٥٣ : ٢ ـ ٥.

٦٠