تفسير الصّافي - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٧٩

الْمُؤْمِنِينَ التّائبين العابدين الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : لما نزلت هذه الآية إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قام رجل إلى النبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم فقال يا نبيّ الله أرأيتك الرّجل يأخذ سيفه فيقاتل حتّى يقتل إلّا أنّه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو فأنزل الله على رسوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الآية فبشّر النبيّ المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنّة.

وقال التَّائِبُونَ من الذنوب الْعابِدُونَ الذين لا يعبدون إلّا الله ولا يشركون به شيئاً الْحامِدُونَ الذين يحمدون على كلّ حال في الشّدة والرخاءِ السَّائِحُونَ الصائمون الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الذين يواظبون على الصلوات الخمس الْحافِظُونَ لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها والخشوع فيها وفي أوقاتها الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بعد ذلك والعاملون به وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ والمنتهون عنه قال فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنّة الحديث.

أقول : إنّما فسرّ السياحة بالصيام لقول النبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم : سياحة أمتي الصيام.

وعنه عليه السلام : لقي عباد البصري عليّ بن الحسين عليه السلام في طريق مكّة فقال يا عليّ بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحجّ ولينته إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الآية فقال له عليّ بن الحسين عليه السلام أتّم الآية فقال التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الآية فقال له عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا رأينا هؤلاءِ الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحجّ.

والقمّيّ : لقي الزّهري عليّ بن الحسين عليه السلام إلى آخر الحديث.

العيّاشيّ قال : هم الأئمّة عليهم السلام.

والقمّيّ قال نزلت الآية في الأئمّة عليهم السلام لأنّه وصفهم بصفة لا تجوز في

٣٨١

غيرهم ف الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ هم الذين يعرفون المعروف كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليله وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ هم الذين يعرفون المنكر صغيره وكبيره وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ هم الذين يعرفون حدود الله صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليلها ولا يجوز أن يكون بهذه لصفّة غير الأئمّة عليهم السلام.

وفي نهج البلاغة : أنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة فلا تبيعوها إلّا بها.

وفيه : فلا أموال بذلتموها للذي رزقها ولا أنفس خاطرتم (١) بها للذي خلقها.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن قول الله تعالى إِنَّ اللهَ اشْتَرى الآية.

فقال يعني في الميثاق ثمّ قرأت عليه التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ فقال لا اقرأها ، التائبين العابدين إلى آخر الآية وقال إذا رأيت هؤلاءِ فعند ذلك هؤُلاء اشترى منهم أنفسهم وأموالهم يعني في الرّجعة.

(١١٣) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ بموتهم على الشّرك أو بوحي من الله أنّهم لن يؤمنوا.

(١١٤) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ قطع استغفاره.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه قال ما يقول الناس في قول الله تعالى وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ فقيل يقولون إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له قال ليس هو هكذا إنّ أبا إبراهيم وعده أن يسلم فاستغفر له فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ وفي رواية أخرى : لما مات تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ فلم يستغفر له.

أقول : لا ينافي هذا التفسير ما رواه القمّيّ : أنّ إبراهيم عليه السلام قال لأبيه :

__________________

(١) الخَطَر بالتّحريك الإشراف على الهلاك وقوله خاطر بنفسه من استغنى برأيه وبئس الخطر لمن خاطر الله بترك طاعته كلاهما من المخاطرة وهي ارتكاب ما فيه خطر وهلاك م.

٣٨٢

إن لم تعبد الأصنام استغفرت لك فلمّا لم يدع الأصنام تبّرأ منه وذلك الجواز وقوع كلا الوعدين وكون استغفار إبراهيم له مشروطاً بإسلامه وكون المراد بالوعد في هذه الآية وعد أبيه إيّاه ويدلّ على وعد إبراهيم إيّاه قوله تعالى إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ.

في الكافي عن الباقر عليه السلام.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : الأوّاه هو الدُّعاء.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : الأوّاه المتضرّع إلى الله في صلوته وإذا خلا في قفرة من الأرض وفي الخلوات.

وقيل هو الذي يكثر التأوّه والبكاء والدّعاء ويكثر ذكر الله عزّ اسمه.

(١١٥) وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ للإِسلام حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ما يجب اتقاؤه.

في الكافي والعيّاشيّ والتوحيد عن الصادق عليه السلام : حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يعلم أمرهم في الحالين.

(١١٦) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ يعني ولا يتأتى ولاية ولا نصرة إلّا من اللهِ فتوجّهوا بشراشركم إليه وتبرّوا عمّا عداهُ.

(١١٧) لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ.

في الإحتجاج عَن الصادق عليه السلام وفي المجمع عن الرضا عليه السلام : أنّهما قرءا لَقَدْ تابَ اللهُ بالنّبيّ على المهاجرين.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : هكذا نزلت وفي الإِحتجاج عن أبان بن تغلب : فقلت له يَا ابن رسول الله إنّ العامّة لا تقرأ كما عندك قال وكيف تقرأ يا ابان قال قلت إنّها تقرأ لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ فقال ويلهم وأيّ ذنب

٣٨٣

كان رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم حتّى تاب الله منه إنّما تاب الله به على أمّته الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ (١)

القمّيّ : في قصة تبوك هم أبو ذرّ وأبو خيثمة وعميرة بن وهب الذين تخلّفوه ثمّ لحقوا برسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم قال وتخلّف عن رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم قوم من أهل ثبات وبصائر لم يكن يلحقهم شكّ ولا ارتياب ولكنهم قالوا نلحق برسول الله منهم أبو خيثمة (٢) وكان قويّاً وكان له زوجتان وعريشتان فكانتا زوجتاه قد رشتا (٣) عريشته (٤) قال لا والله ما هذا بانصافٍ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر قد خرج في الضّحّ (٥) والريح وقد حمل السلاح يجاهد في سبيل الله وأبو خيثمة قويّ قاعد في عريشه وامرأتين حسناوين لّا والله ما هذا بإنصافٍ ثمّ أخذ ناقته فشدّ عليها رحله فلحق برسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ونظر الناس إلى راكب على الطريق فأخبروا رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم بذلك.

فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم كن أبا خيثمة فكان أبا خيثمة أقبل فأخبر النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم بما كان فجزّاه خيراً ودعا له وكان أبو ذرّ تخلّف عن رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ثلاثة أيّام وذلك أنّ جمله كان أعجف فلحق بعد ثلاثة أيّام ووقف عليه جملة في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره.

فلمّا ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم كن أبا ذر فقالوا هو أبو ذرّ فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم

__________________

(١) وهي صعوبة الأمر قال جابر يعني عسرة الزّاد وعسرة الظّهر وعسرة الماء والمراد بساعة العسرة وقت العسرة لأن السّاعة تقع على كلّ زمان م ن.

(٢) بالخاء المفتوحة المعجمة والياء التحتانّية السّاكنة والثاء المثلّثة والميم والهاء.

(٣) أي طلبتا ان تتّخذاهما.

(٤) العريش كالهودج وما عرش للكرم والبيت الّذي يستظل به ق.

(٥) الضحّ الشمس وقولهم جاء فلان بالضّح والريح أي بما طلعت عليه الشمس وما جرت عليه الريح يعني من الكثرة «ص».

٣٨٤

أدركوه بالماءِ فانّه عطشان فأدركوه بالماءِ ووافى أبو ذرّ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ومعه اداوة فيها ماء.

فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر معك ماء وعطِشت فقال نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمّي انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السّماءِ فذقته فإذا هو عذب بارد فقلت لا أشربه حتّى يشربه حبيبي رسول الله.

فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم : يا أبا ذرّ رحمك الله تعيش وحدك وتمُوت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنّة وَحدَك يسعد بك قوم من العراق يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك.

في الجوامع والْعُسْرَةِ حالهم في غزوة تبوك كان يعتقب العشرة على بعير واحد وكان زادهم الشعير المسوس والتّمر المدوّد والأهالة (١) السّنخة وبلغت الشدّة بهم إلى أن اقتسم التمرة اثنان وربّما مصّها الجماعة ليشربوا عليها الماء (٢) وكانوا في حمازة القيظ وفي الضّيقة الشديدة من القحط وقلّة الماءِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عن الثبات على الإيمان ومن اتّباع الرسّول في تلك الغزوة وقرء تزيغ بالتاءِ قيل إنّ قوماً منهم همّوا بالانصراف عن غزاتهم بغير استيذان فعصمهم الله حتّى مضوا.

القمّيّ : وكان مع رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم بتبوك رجل يقال له المضرّب لكثرة ضرباته التي أصابته ببدر وأُحد فقال له رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم عدّ لي أهل العسكر فعدّدهم فقال هو خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد والتّبّاع فقال عدّ المؤمنين فقال خمسة وعشرون رجلاً ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ تداركهم برأفته ورحمته.

(١١٨) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

__________________

(١) الأهالة كلّ هن يؤتدم به والسّنخة بالمهملة والنّون والخاء المعجَمَة الريح وحمازة القيظ بالحاء المهملة والزّاى شدّته «منه رحمه الله».

(٢) اي الماء المتغيّر م.

٣٨٥

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال ابن أميّة وفي المجمع عن السّجّاد والباقر والصادق عليهم السلام : أنّهم قرءوا خالفُوا (١).

والقمّيّ قال العالم عليه السلام : إنّما نزل وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خالَفُوا ولو خلّفوا لم يكن عليهم عتب.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : لو كانوا خلّفوا لكانوا في حال طاعة حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي مع سعتها وهو مثل لحيرتهم في أمرهم كأنهم لا يجدون في الأرض موضع قرار وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ أي قلوبهم من فرط الوحشة والغمّ وَظَنُّوا وعَلِمُوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ من سخط الله إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ ثمّ رجع عليهم بالقبول.

في المعاني عن الصادق عليه السلام : هي الاقالة لِيَتُوبُوا ليعودوا إلى حالتهم الأولى إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ لمن تاب ولو عاد في اليوم مائة مرّة وقد مضى تحقيق معنى التّوبة من الله ومن العبد في سورة البقرة والقمّيّ : في قصة غزوة تبوك وقد كان تخلّف عن رسول الله قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق منهم كعب بن مالك الشّاعر ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أميّة الواقفي.

فلمّا تاب الله عليهم قال كعب ما كنت قطّ أقوى منّي في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم : إلى تبوك ومَا اجتمعت لي راحلتان إلّا في ذلك اليوم فكنت أقول أخرج غداً أخرج بعد غد فإنِّي قويّ وتوانيت وبقيت (٢) بعد خروج النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم أيّاماً ادخل السّوق ولا أقضي حاجة فلقيت هلال بن أميّة ومرارة بن الربيع وقد كانا تخلّفا أيضاً فتوافقنا أن نبكر إلى السّوق ولم نقض حاجة فما زلنا نقول نخرج غداً وبعد غد حتّى بلغنا إقبال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم

__________________

(١) وفي رواية العيّاشي الأخرى والكافي : انّ الثَّلاثَةِ هم عثمان وصاحباه انّ الله سلّط عليهم الخوف فما سمعوا صوت كافر ولا قعقعة حجرية الّا قالوا أتينا فأقالهم الله وما تابوا فلعلّه تأويل للآية وإجراء لها فيهم «منه رحمه الله».

(٢) الونى كفتى التّعب والفترة ضد ويمدّ وَنى يني ونياً ووُنياً وَوُنِيَ وَنيةً وونىً واوناه وتوانى هو وناقة وآنية فاترة طليح ق.

٣٨٦

فندمنا فلمّا وافى رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم استقبلناه نهنِّيه بالسلامة فسلَّمنا عليه فلم يرد علينا السلام فأعرض عنّا وسلَّمنا على إخواننا فلم يردّوا علينا السلام فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا وكنّا نحضر المسجد فلا يسلّم علينا أحد ولا يكلِّمنا فجاءت نساؤنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقلن قد بلغنا سخطك على أزواجنا أفنعتزلهم.

فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم : لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكنّ فلمّا رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حلّ بهم قال ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلّمنا رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم : ولا إخواننا ولا أهلونا فهلّموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتّى يتوب الله علينا أو نموت فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون وكانَ أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثمّ يولّون عنهم فلا يكلّمونهم بقوا على هذه الحالة أيّاماً كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله أن يغفِر لهم فلمّا طال عليهم الأمر قال لهم كعب يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله قد سخط بعضنا علينا وإخواننا سخطوا علينا وأهلونا سخطوا علينا فلا يكلّمنا أحد فلم لا يسخط بعضنا على بعض فتفرّقوا في الليل وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتّى يموت أو يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيّام كلّ منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلّمه.

فلمّا كانَ في الليلة الثالثة ورسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم : في بيت أمّ سلمة نزلت توبتهم على رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم قال : حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ حيث لم يكلّمهم رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ولا إخوانهم ولا أهلوهم فضاقت المدينة عليهم حتّى خرجوا منها وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ حيث حلفوا أن لا يكلّم بعضهم بعضاً فتفّرقوا وتاب الله عليهم لمّا عرف صدق نيّاتهم.

(١١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : إيّانا عني ، وعن الرضا عليه السلام : الصادقون هم الأئمّة عليهم السلام والصّدّيقون بطاعتهم.

٣٨٧

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام قال : مع آل محمّد صلىَّ الله عليه وآله وسلم.

والقمّيّ قال هم الأئمّة عليهم السلام.

وفي الإكمال عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : في مجمع من المهاجرين والأنصار أيّام خلافة عثمان أسألكم بالله أتعلمون أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال سلمان يا رسول الله عامّة هذه الآية أم خاصّة فقال أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أمروا بذلك وأمّا الصّادقون فخاصّة لأخي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة قالوا اللهمّ نعم.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : أنّه قرأ من الصَّادِقِينَ.

(١٢٠) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ بل عليهم أن يصحبوه على البأساءِ والضّرّاءِ ويكابدوا معه الشدائد برغبة ونشاط كما فعله أبو ذرّ وأبو خيثمة ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ شيء من العطش وَلا نَصَبٌ تعب وَلا مَخْمَصَةٌ مجاعة فِي سَبِيلِ اللهِ في طريق الجهاد وَلا يَطَؤُنَ لا يدسون بأرجلهم وبحوافر خيولهم وأخاف رواحلهم مَوْطِئاً موضعاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وطأهم إيّاه ويضيق صدورهم بتصرفهم في أرضهم وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً بقتل أو أسر أو نهب إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ واستوجبوا الثواب عند الله إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

(١٢١) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً أرضاً في مسيرهم والوادي كل منفرج ينفذ فيه السيل فشاع بمعنى الأرض إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ذلك الإنفاق وقطع الوادي لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ بذلك أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ جزاء أحسن أعمالهم أو أحسن جزاءِ أعمالهم.

(١٢٢) وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً وما استقام لهم أن ينفروا جميعاً لنحو غزو وطلب علم كما لا يستقيم لهم أن يثبطوا جميعاً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ فهلا نفر من كلّ جماعة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة طائِفَةٌ جماعة قليلة لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ

٣٨٨

ليتكلّفُوا الفقاهة فيه ويتجشموا (١) مشاق تحصيلها وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ فيه دلالة على أنّه ينبغي أن يكون غرض المتفقه أن يستقيم (٢) ويقيم لا الترفع على الناس والتبسط في البلاد لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ارادة أن يحذروا عمّا ينذرون منه.

في العلل عن الصادق عليه السلام : أنّه قيل له أنّ قوماً يروون أنّ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم قال اختلاف أمّتي رحمة فقال صدقوا فقيل ان كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب قال ليس حيث تذهب وذهبوا إنّما أراد قول الله عزّ وجلّ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ الآية فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافاً في دين الله إنّما الدين واحد.

وفي الكافي قيل للصادق عليه السلام : إذا حدث على الإِمام حدث كيف يصنع الناس فقال أين قول الله عزّ وجلّ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ الآية قيل فما حالهم قال هم في عذر ما داموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتّى يرجع إليهم أصحابهم.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : ما في معناه.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : كان هذا حين كثر الناس فأمرهم أن ينفر منهم طائفة ويقيم طائفة للتفقه وأن يكون الغزو نوباً.

أقول : يعنى يبقى مع النّبي صلىَّ الله عليه وآله وسلم طائفة للتفقه وإنذار النافِرة فيكون النفر للغزو والقعود للتفقّه.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : تفقهّوا في الدين فانّه من لم يتفقّه منكم في الدين فهو اعرابي إنّ الله يقول في كتابه لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ.

__________________

(١) جشم الأمر كسمع جشما وجشامة تكلّفه على مشقة كتجشّمه ق.

(٢) أي يستقيم نفسه ويقيم غيره.

٣٨٩

(١٢٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب نظيره وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فانّ الأقرب أحق بالشفقة والاستصلاح.

في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام قال : الدّيلم والقمّيّ : يجب على كلّ قوم أن يقاتلوا من يليهم ممّن يقرب من الإمام ولا يجوزوا ذلك الموضع وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً شدة وصبراً على القتال.

القمّيّ أي غلظوا لهم القول والقتل وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بالحراسة والإِعانة.

(١٢٤) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ فمن المنافقين مَنْ يَقُولُ إنكاراً واستهزاء أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً بزيادة العلم الحاصل من تدبّر السورة وانضمام الإيمان بها وبما فيها وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بنزولها لأنّه سبب زيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم.

القمّيّ وهو ردّ على من يزعم أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها ثمّ بيّن صلىَّ الله عليه وآله وسلم ذلك قيل قد فهمت نقصان الإِيمان وتمامه فمن أين جاءت زيادته؟ قال : قول الله تعالى وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الآية وقال وَزِدْناهُمْ هُدىً ولو كان كلّه واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ولا استوت النّعم فيه ولا استوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة وبالزيادة في الإِيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرّطون النار وقد مضى لهذا المعنى زيادة بيان في سورة الأنفال.

(١٢٥) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ

٣٩٠

القمّيّ والعيّاشيّ عن الباقر : يقول شكاً الى شكهم وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ واستحكم ذلك فيهم حتّى ماتوا عليه.

(١٢٦) أَوَلا يَرَوْنَ يعني المنافقين أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ يبتلون بأصناف البليّات أو بالجهاد مع رسول الله فيعاينون ما يظهر عليهم من الآيات.

والقمّيّ يمرضون فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ من نفاقهم وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ لا يعتبرون.

(١٢٧) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ تغامزوا بالعيون إنكاراً لها وسخرية أو غيظاً لما فيها من عيوبهم هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ أي يقولون هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ من المسلمين إن قمتم وانصرفتم فانّا لا نصبر على استماعه وترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال فان لم يرهم أحد قاموا وان يرهم أحد أقامُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا تفرّقوا مخافة الفضيحَة صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ عن الإيمان والإنشراح به بالخذلان.

والقمّيّ عن الحقّ إلى الباطل باختيارهم الباطل على الحقّ قيل ويحتمل الدّعاء بِأَنَّهُمْ بسبب أنّهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لسوء فهمهم وعدم تدبّرهم

(١٢٨) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم عربيّ.

القمّيّ مثلكم في الخلقة قال ويقرأ من أنْفُسِكُمْ أي من أشرفكم في الجوامع قيل هو قراءة رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم وفاطمة عَزِيزٌ عَلَيْهِ شديد شاق ما عَنِتُّمْ عنتكم ولقاؤكم المكروه.

والقمّيّ ما أنكرتم وجحدتم حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ على إيمانكم وصلاح شأنكم حتّى لا يخرج أحد منكم عن الاستسعاد بدينه الذي جاء به بِالْمُؤْمِنِينَ منكم ومن غيركم رَؤُفٌ رَحِيمٌ.

(١٢٩) فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإيمان بك فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ استعن بالله فانّه يكفيك أمرهم وينصُرُك عليهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فلا أرجو غيره ولا أخاف إلّا منه وَهُوَ

٣٩١

رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.

في التوحيد عن الصادق عليه السلام : أي الملك العظيم.

العيّاشيّ عنه عليه السلام : رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ قال فينا عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ قال فينا حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ قال فينا بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ قال يشركنا المؤمنون في هذه الرابعة وثلاثة لنا وفي رواية أخرى : فَلَنا ثلاثة أرباعها ولشيعتِنا ربعها.

وفي الكافي عنه عليه السلام : هكذا أنزل الله تعالى لقد جاءنا رَسُولٌ مِنْ أنفسنا عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عنتنا حَرِيصٌ علينا بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.

وفي ثواب الأعمال والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الأنفال وسورة البراءة في كلّ شهر لم يدخله نفاق أبداً وكان من شيعةِ أمير المؤمنين عليه السلام وزاد العيّاشيّ : ويأكل يوم القيامة من موائد الجنّة مع شيعته حتّى يفرغ الناس من الحساب.

٣٩٢

سورة يونس

هي مكية في قول الأكثرين ، وروي عن ابن عبّاس وقتادة إلّا ثلاث

آيات نزلت بالمدينة فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ إلى آخرهنَّ ، عدد آيها مائة وتسع آياتٍ.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الر القمّيّ الر هو من حروف الاسم الأعظم المتقطع في القرآن فإذا ألّفه الرّسول أو الإِمام فدعا به اجيب.

أقول : وقد سبق مثله في تأويل الم في أوّل سورة البقرة.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : والر معناه أنا الله الرّؤف تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ذي الحكمة أو المحكم آياته.

(٢) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ إنكار لتعجّبهم من أنّه عزّ وجلّ بعث بشراً رسُولاً كما سبق ذكره في سورة الأنعام أو من أنّه سبحانه بعث يتيماً غير ذي جاه ومال وبسطة وهذا من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحي والنّبوّة أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي سابقةً وفضلاً سمّيت قدماً لأنّ السّبق بها كما سمّيت النّعمة يداً لأنّها باليد تعطى واضافاتها إلى الصّدق لتحقِّقها والتنبيه على أنّهم ينالونها بصدق القول والنّية.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : أن معنى قَدَمَ صِدْقٍ شفاعة محمّد صلىَّ الله عليه وآله وسلم.

وفي الكافي والعيّاشيّ والقمّيّ عنه عليه السلام : هو رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم.

٣٩٣

أقول : وهذا يرجع إلى ذلك.

وفي الكافي والعيّاشيّ عنه عليه السلام : بولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

أقول : وهذا لأنّ الولاية من شروط الشفاعة وهما متلازمان قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا يعنون الكتاب وما جاء به الرّسول لَسِحْرٌ مُبِينٌ وقرئ لساحر على أنّ الإشارة إلى الرّسول وفيه اعتراف بأنّهم صادفوا منه أموراً خارقة للعادة معجزة إيّاهم عن المعارضة.

(٣) إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قد سبق تفسيره في سورة الأعرافِ عند ذكر آية السّخرة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يقدّره ويقضيه ويرتّبه في مراتبه على أحكام عواقبه والتدبير النظر في ادبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة والأمر أمر الخلق كلّه ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ تقرير لعظمته وعزّ جلاله وردّ على من زعم أنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله ذلِكُمُ اللهُ أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهيّة والرّبوبيّة رَبَّكُمُ لا غير إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك فَاعْبُدُوهُ وحده لا تشركوا به شيئاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ يعني أنّه أدنى تذكّر ينبّه على الخطأ فيما أنتم عليه وعلى أنّه المستحقّ للعبادة لا ما تعبدونه.

(٤) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً إليه رجوعكم في العاقبة فاستعدوا للقائه وَعْدَ اللهِ حَقًّا وعد وعداً حقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ بعدله أو بعدالتهم في أمورهم وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ قيل غيّر النّظم للمبالغة في استحقاقِهم للعقاب والتّنبيه على أنّ المقصود بالذات من الإبداءِ والإعادة هو الإثابة وأمّا العقاب فواقع بالعرض وانّه تعالى يتولّى اثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ولذلك لم يعيّنه وأمّا عقاب الكفرة فكأنّه داء ساق إليهم سوء اعتقادهم وشؤم أفعالهم.

(٥) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وقرئ بهمزتين حيث وقع وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ وقدّر القمر ذا منازل أو قدّر مسيره منازل وهذا كقوله سبحانه وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ حساب الأوقات من الأشهر والأيّام والليالي ما

٣٩٤

خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ الذي هو الحكمة البالغة يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وقرئ بالياءِ فانّهم المنتفعُون بالتأمّل فيها.

(٦) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما (١) خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ العواقب.

(٧) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لا يتوقّعُونه لإِنكارهم للبعث وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِن الآخِرة لغفلتهم عنها وَاطْمَأَنُّوا بِها وسكنوا إليها سكون من لا يزعج عنها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٢) ذاهبون عن تأمّلها ذاهلون عن النّظر فيها.

(٨) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بِما واظبُوا عليه وتمرّنوا به من المعاصي.

(٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ بسبب إيمانهمْ للاستقامة على سلوك الطريق المؤدّي إلى الجنّة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ لأنّ التمسّك بسبب السعادة كالوصول إليها.

(١٠) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ دعاؤهم فيها اللهمّ إنّا نسبحك تسبيحاً.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن التسبيح فقال اسم من أسماءِ الله تعالى ودعوى أهل الجنّة وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ وخاتمة دعائهم أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

(١١) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ الذي دعوا به عند ضجر أو بطر كقولهم رفعني الله من بينكم وكقولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أو الشّرّ الذي استحقّوه اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ كما يعجل لهم الخير ويجيبُهم إليه حين استعجلوه قيل وضع اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ

__________________

(١) أي فعله فيما على ما يقتضيه الحكمة في السّموات من الأفلاك والكواكب السيّارة وغير السيّارة وفي الأرض من الحيوان والنّبات والحماد وأنواع الأرزاق والنّعم م ن.

(٢) قال عليه السلام : الآيات أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام ما لله آية أكبر منّي.

٣٩٥

موضع تعجيله لهم الخير اشعاراً بسرعة اجابته لهم في الخير حتّى كان استعجالهم به تعجيل لهم لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ لأميتوا وأهلكوا وقرئ لقضى على البناءِ للفاعل.

القمّيّ قال وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لهم الشَّرَّ كما يستعجلون الخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ أي فرغ من أجلهم فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يعني لا نعجل لهم الشّرّ ولا نقضي إليهم أجلهم بل نمهّلهم امهالاً.

(١٢) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لدفعه مخلصاً فيه لِجَنْبِهِ أي مضطجعاً (١) أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً يعني أنّه لا يزال داعياً في جميع حالاته لا يفتر حتّى يزول عنه الضّرّ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ على طريقته الأولى قبل أن مسَّه الضر أو مر عن موقف الدعاء والتضرع لا يرجع إليه كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا كأنّه لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كشف الضرّ كَذلِكَ مثل ذلك التّزيين زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الانهماك في الشّهوات والإعراض عن العبادات عند الرّخاءِ.

(١٣) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا بالتكذيب وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالحجج الدالة على صدقهم وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لعلمه بإصرارهم على الكفر وانّه لا فائدة في إمهالهم بعد أن لزمهم الحجّة بإرسال الرسل كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ كل مجرم.

(١٤) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ استخلفناكم في الأرض مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد القرون التي أهلكناهم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ خيراً أو شرّاً.

(١٥) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا قرآن آخر ليس فيه ما يغيظنا من ذمّ عبادة الأوثان والوعيد لعابديها أَوْ بَدِّلْهُ بأن تجعَلَ مكان آية عذاب آية رحمة وتسقط ذكر الآلهة وذمّ عبادتها قُلْ ما يَكُونُ (٢) لِي (٣) ما

__________________

(١) أي العليل الّذي لا يقدر أن يجلس أَوْ قاعِداً الّذي لا يقدر أن يقوم أَوْ قائِماً الصّحيح.

(٢) في الكافي والقمّيّ والعيّاشيّ عن الصّادق عليه السلام : قالوا وبدّل عليّاً عليه السلام منه رحمه الله.

(٣) ومن استدلّ بهذه الآية على أنّ نسخ القرآن بالسنّة لا يجوز فقد ابعد لأنّه إذا نسخ القرآن بالسنّة وما يقوله النبيّ

٣٩٦

يصحّ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي من قبل نفسي من غير أن يأمرني بذلك ربّي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ ليس إلىّ تبديل ولا نسخ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي في التّبديل والنسخ من عند نفسي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.

(١٦) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ ولا أعلمكم الله به على لساني وقرئ ولأدريكم بلام التأكيد اي ولأعلمكم به على لسان غيري يعني أنّ تلاوته ليست الّا بمشيّة الله واحداثه أمراً عجيباً خارقاً للعادة وهو ان يخرج رجل أمّي لم يتعلّم ساعة من عمره ولا نشأ (١) في بلد فيه العلماء فيقرأ عليكم كتاباً بهر بفصاحته كلّ لكلام فصيح مسحوناً بعلم ما كان وما يكون فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ فقد أقمت فيما بينكم ناشياً وكهلاً مقدار أربعين سنة فلم تعرفوني متعاطياً شيئاً من نحو ذلك فتتهموني باختراعه أَفَلا تَعْقِلُونَ أفلا تستعملون عقولكم بالتدبّر والتفكّر لتعلمُوا أنّه ليس الّا من عِندِ الله.

(١٧) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ.

(١٨) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ تشفع لنا فيما يهمنا من أمور الدنيا والآخِرة قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أتخبرونه بما ليس بمعلوم للعالم بجميع المعلومات يعني بما ليس بموجود سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ وقرئ بالتاءِ القمّيّ كانت قريش يعبدون الأصنام ويقولون إنّما نعبدهم ليقرِبونا إلى اللهِ زلفى فانّا لا نقدر على عبادة الله فردّ الله عليهم فقال قُلْ لهم يا محمّد أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ أي ليس يعلم فوضع حرفاً مكان حرف أي ليس له شريك يعبد.

(١٩) وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً يعني قبل بعث نوح كانوا على الفطرة

__________________

صلى الله عليه وآله وسلم فانّما يقول بالوحي من الله فلم ينسخ القرآن ولم يبدّله من قبل نفسه بل يكون تبديله من قبل الله تعالى ولكن لا يكون قرآناً ويؤيّد ذلك قوله وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى م ن.

(١) نشأ كمنع شبّ والنّاشئ الغلام جاز حدّ الصّغر ق.

٣٩٧

لا مهتدين ولا ضلّالاً كما مضى بيانه في سورة البقرة عند تفسير هذه الكلمة فَاخْتَلَفُوا باتّباع الهوى وببعثه الرسل فتبعهم طائفة واضرب أخرى وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بتأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ عاجلاً فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ولتميز المحقّ من المبطِل ولكنّ الحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار للتكليف والاختبار وتلك للثّواب والعقاب.

(٢٠) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي من الآيات التي اقترحوها فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ هو المختصّ بعلمه ولِكلّ أمر أجل فَانْتَظِرُوا لنزول ما اقترحتموه إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لما يفعل الله بكم.

(٢١) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً صحة وسعة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ كمرض وقحط إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فاجأوا وقوع المكر منهم فِي آياتِنا بالطعن والاحتيال في دفعها قيل قحط أهل مكّة سبع سنين حتّى كادوا يهلكون ثمّ لمّا رحمهم الله بالمطر طفِقوا يقدحون في آيات الله ويكيدون رسوله قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً منكم قد دبّر عقابكم قبل أن تدبّروا كيدكم والمكر إخفاء الكيد وهو من الله تعالى الاستدراج والجزاء على المكر إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ اعلام بأنّ ما يظنونه خافياً غيرَ خاف على الله وتحقيق للانتقام.

(٢٢) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ يحملكم على السير ويمكنكم منه بتهيئة أسبابه فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ في السفن وَجَرَيْنَ بِهِمْ بمن فيها عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة كأنّه يذكر لغيرهم ليتعجب من حالهم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ليّنة الهبوب وَفَرِحُوا بِها بتلك الرّيح جاءَتْها جاءت السفنَ رِيحٌ عاصِفٌ شديدة الهبوب وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ من أمكنة الموج وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ أي أهْلكوا يعني سدّت عليهم مسالك الخلاص كمن أحاطت به العدوّ وهو مثل في الهلاك دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لأنّهم لا يدعون حينئذ غيره مَعَه لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ على إرادة القول.

(٢٣) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إجابة لدعائهم إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ فاجئوا الفساد

٣٩٨

فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه بِغَيْرِ الْحَقِ مبطلين فيه وهو احتراز عن تخريب المسلمين ديار الكفرة فانّها افساد بحقّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ فانّ وباله عليكم او انّه على أمثالكم وابناءِ جنسكم مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا منفعة الحيوة الدنيا لا تبقى ويبقى عقابها وهو خبر بَغْيُكُمْ أو خبر محذوف وقرئ بالنّصب أي يتمتعون متاع الحيوة الدّنيا.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : ثلاث يرجعن على صاحبهن النكث والبغي والمكر ثمّ تلا هذه الآية ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

(٢٤) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا حالها العجيبة في سرعة تفضّيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار النّاس بها كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ من الزروع والبقول والحشيش حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها زينتها وَازَّيَّنَتْ وتزيّنت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزّين فتزيّنت بها وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها متمكّنون من حصدها ورفع غلّتها أَتاها أَمْرُنا ضربها عاهة وآفة بعد أَمْنهم وايقانهم أن قد سلم لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها فجعلنا زرعها حَصِيداً شبيهاً بما يحصد من الزرع من أصله كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كأن لم يوجد زرعها فيما قبله والأمس مثل في الوقت القريب والممثّل به في الآية مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاماً (١) بعد ما كان غضّاً والتفّ وزيّن الأرض حتّى طمع فيه أهله وظنّوا أنّه قد سلم من الآفات لا الماءِ وان وليه حرف التشبيه لأنّه من التشبيه المركب كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فإنهم المنتفعون به.

(٢٥) وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ أي دار الله.

في المعاني عن الباقر عليه السلام : في هذه الآية قال إنّ السَّلامِ هو الله عزّ وجلّ وداره التي خلقها لعباده وأوليائه الجنّة وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ بالتوفيق إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

__________________

(١) الحطام ما يحطم عن عيدان الزّرع إذا يبس من حطم الشّيء حطماً من باب تعب إذا انكسر وحطمه حطماً من باب ضرب فانحطم م.

٣٩٩

الذي هو طريقها.

(٢٦) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى المثوبة الحسنى وَزِيادَةٌ وما يزيد على المثوبة تفضلاً.

القمّيّ هي النظر إلى رحمة الله

وعن الباقر عليه السلام : أمّا الْحُسْنى فالجنّة وأمّا الزيادة فالدنيا ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ويجمع لهم ثواب الدنيا والآخرة.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام : الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب.

(٢٧) وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ ولا يغشاها قَتَرٌ غبرة فيها سواد وَلا ذِلَّةٌ أثر هوان أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها أي تجازى سيئة بسيئة مثلها لا يزاد عليها وفيه دلالة على أنّ المراد بالزيادة الفضل وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ لا يعصمهم أحد من سخط الله وعذابه أو ما لهم من عند الله من يعصمهم كما يكون للمؤمنين كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً لفرط سوادها وظلمتها وقرئ قطعاً بسكون الطاءِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : هؤلاءِ أهل البدع والشبهات والشهوات يسوّد الله وجوههم ثمّ يلقونه قال ويلبسهم الذلة والصّغار.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أما ترى البيت إذا كان الليل كان أشدّ سواداً فكذلك هم يزدادون سواداً.

(٢٨) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يعني الفريقين ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ الزمُوا مكانكم لا تبرحوا حتّى تنظروا ما يفعل بكم أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ففرّقنا بينهم وقطعنَا الوصل التي كانت بينهم.

والقمّيّ يبعث الله ناراً تزيل بين (١) الكفّار والمؤمنين وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ

__________________

(١) زيّلته فتزّيل أي فرّقته فتفرّق ص.

٤٠٠