تفسير الصّافي - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٧٩

من غير كلفة وتسهّل ولا تطلب ما يشقّ عليهم ولا تداقّهم واقبل الميسور منهم ونحوه قوله يسرّوا ولا تعسّروا من الْعَفْوَ الذي هو ضدّ الجهد.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنّ الله أدّب رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم بذلك أي خذ منهم ما ظهر وما تيسر قال والعفو الوسط.

وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه قال لرجل من ثقيف ايّاك أن تضرب مسلماً أو يهوديّاً أو نصرانيّاً في درهم خراج أو تبيع دابة عمل في درهم فانا أمرنا أن نأخذ منه العفو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ بالمعروف الجميل من الأفعال والحميد من الأخلاق وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ولا تمار (١) السفهاء ولا تكافأهم بمثل سفههم.

في المجمع روي : أنّه لما نزلت هذه الآية سأل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم جبرئيل عن ذلك فقال لا أدري حتّى اسأل العالم ثمّ أتاه فقال يا محمّد إنّ الله يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك.

وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام : أمر الله نبيّه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام : أنّ الله أمر نبيّه بمداراة الناس فقال خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ.

(٢٠٠) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ ينخسنّك (٢) منه نخس في القلب يوسوسك على خلاف ما أمرت به كاعتراء غضب والنّزغ والنّسغ والنخس والغرز بمعنى شبّه وسوسة الناس إغراء لهم على المعاصي وإزعاجاً بغرز السايق ما يسوقه.

في المجمع لما نزلت الآية السابقة قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : كيف يا ربّ والغضب فنزلت فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ يسمع استعاذتك عَلِيمٌ بما فيه صلاح أمرك.

__________________

(١) الممارة المجادلة.

(٢) نخس الدابّة كنصر وجعل غرز مؤخرها أو جنبها بعود ونحوه أصل النخس الدّفع والحركة.

٢٦١

(٢٠١) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ لمة (١) منه كأنها طافت بهم ودارت حولهم ولم تقدر ان تؤثّر فيهم وقرء طيف بغير الف تَذَكَّرُوا ما أمر الله به ونهى عنه فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ مواقع الخطأ ومكايد الشيطان فيحترزون عنها.

في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : هو العبد يهمّ بالذنب ثمّ يتذكر فيمسك وفي رواية فيدعه وفي أُخرى فيبصر ويقصر.

والقمّيّ قال إذا ذكّرهم الشيطان المعاصي وحملهم عليها يذكرون اسم الله فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.

(٢٠٢) وَإِخْوانُهُمْ واخوان الشياطين يعني الذين لم يتّقوا يَمُدُّونَهُمْ الشياطين وقرء بضم الياء وكسر الميم فِي الغَيِ بالتزيين والحمل عليه ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ لا يمسكون عن اغوائهم حتّى يصرُّوا ولا يرجعوا فيهلكوا أو لا يقصر الاخوان عن الغيّ.

(٢٠٣) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ من القرآن أو بآية ممّا اقترحوه قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها هلّا جمعتها تقوّلاً من عند نفسك كسائر ما تقرأ أو هلّا طلبتها من الله قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي لست بمختلق للآيات أو لست بمقترح لها هذا القرآن بَصائِرُ للقلوب بها تبصر الحق مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

(٢٠٤) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قيل نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الإِمام والإِنصات له.

في الفقيه عن الباقر عليه السلام : إن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئاً في الأوليين وانصت لقراءته ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين فانّ الله يقول للمؤمنين وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ يعني في الفريضة خلف الإِمام فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ والأخيرتان تبع للأوّليتين.

__________________

(١) وفي حديث ابن مسعود لابن آدم : لمّتان لمة من الملك ولمّة من الشيطان واللّمة الهمّة والخطرة تقع في القلب أراد إلمام الملك أو الشّيطان به والقرب منه فما كان من خطرات الخير فهو من الملك وما كان من خطرات الشرّ فهو من الشيطان.

٢٦٢

وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام : إذا كنت خلف إمام تولّاه وتثق به فانّه يجزيك قراءته وان أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت به فإذا جهر فأنصت قال الله تعالى وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ والعيّاشيّ عن أحدهما عليهما السلام قال : إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت وسبّح في نفسك.

وعن الصادق عليه السلام : يجب الإِنصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها وإذا قرء عندك القرآن وجب عليك الإِنصات والاستماع.

وفي التهذيب عنه عليه السلام : أنّه سئل عن الرجل يؤمّ القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فقال إذا سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له قيل فانّه يشهد عليّ بالشرك قال إن عصى الله فأطع الله فرددت عليه فأبى أن يرخّص لي قيل أصلّي اذن في بيتي ثمّ أخرج إليه فقال أنت وذاك وقال إنّ عليّاً عليه السلام كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوّا وهو خلفه وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ فأنصت عليّ تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية ثمّ عاد في قراءته ثمّ أعاد ابن الكوّا الآية فأنصت عليّ أيضاً ثمّ قرء فأعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ عليه السلام ثمّ قال فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ثم أتمّ السورة ثمّ ركع.

أقول : هذان الحديثان وما في معناهما ممّا يوافق ظاهر القرآن في عموم وجوب الاستماع والإِنصات محمول عند أصحابنا وعامة الفقهاء على الاستحباب وتأكده بل قد ورد الأمر بالقراءة خلف المخالف وان سمعت قراءته إذا لم تكن هناك تقيّة.

(٢٠٥) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ عامّ في كلّ ذكر تَضَرُّعاً وَخِيفَةً متضرّعاً وخائفاً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ باللسان لأنّ الذكر في النفس ودون الجهر اللذين يعبّر عنهما بالسر أدخل في الإِخلاص وأبعد من الرياء وأقرب إلى القبول بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ بالغدوة وَالعشياتِ لفضل هذين الوقتين وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ عن ذكر الله اللّاهين عنه.

٢٦٣

في الكافي والعيّاشيّ عن أحدهما عليهما السلام : لا يكتب الملك الا ما يسمع وقال الله عزّ وجلّ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً فلا يعلم ثواب ذلك الذّكر في نفس الرجل غير الله لعظمته والعيّاشيّ مرفوعاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ يعني مستكيناً وَخِيفَةً يعني خوفاً من عذابه وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ يعني دون الجهر من القراءة بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ يعني بالغدوة والعشي.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : الله من ذكرني سرّاً ذكرته علانيةً (١).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : من ذكر الله في السرّ فقد ذكر الله كثيراً إنّ المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السرّ فقال الله تعالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً.

وفيه والعيّاشيّ عنه عليه السلام : في هذه الآية قال تقول عند المساء لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حيّ لا يموت وهو على كل شيء قدير قيل بيده الخير قال إنّ بيده الخير ولكن قل كما أقول لك عشر مرّات وأعوذ بالله السميع العليم حين تطلع الشمس وحين تغرب عشر مرّات.

(٢٠٦) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ قيل يعني الملائكة والقمّيّ يعني الأنبياء والرسل والأئمّة عليهم السلام لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وينزّهونه وَلَهُ يَسْجُدُونَ ويخصّونه بالعبادة والتذلّل ولا يشركون به غيره هنا أوّل سجدات القرآن.

وفي الحديث : إذا قرء ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد له فله الجنّة وأمرت بالسجود فَعَصيت فعليّ النّار.

في ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الأعراف في كلّ شهر

__________________

(١) قال في الوافي بيان ذكر الله سرّاً يشمل الذّكر في النّفس الذي في مقابلة الغفلة والذّكر على اللّسان بالإِخفات الذي يقابل الجهر كذا ذكر الله لعبده علانية يشمل ذكره بالخير يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وذكره بالجميل في الدنيا على السن العباد.

٢٦٤

كان يوم القيامة من الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* فان قرأها في كل جمعة كان ممّن لا يحاسب يوم القيامة والله تبارك وتعالى أعلم بكل شيءٍ.

٢٦٥

سُورة الأنفال

هي مَدَنيّة عن ابن عبّاس وقُتادة غير سبع آيات نزلت بمكّة وَإِذْ يَمْكُرُ

بِكَ الَّذِينَ الى آخِرهنّ وقيل نزلت بأسرِهَا في غزاة بدر ،

عدد آيها هي خمس وسبعون آيةٍ.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ عن حكمها وهي غنائم خاصّة والنّفل الزيادة على الشيء سمّيت به الغنيمة لأنّها عَطيّة من الله وفضل.

في المجمع قرأ السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام : يسئلونك الأنفال يعني أن تعطيهم قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مختصة بهما يضعانها حيث شاءا.

في التهذيب عن الباقر والصادق عليهما السلام : الفيء والْأَنْفالِ ما كانَ من أرض لم تكن فيها هراقة دم أو قوم (١) صولُحوا وأعطوا بأيديهم وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كلّه من الفيء والأنفال فهذا كله للهِ ولرسوله فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء وهو للإِمام بعد الرسُول.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : الْأَنْفالِ ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صولحوا أو قوم أعطوا بأيديهم وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء.

وعنه عليه السلام : في عدّة أخبار من مات وليس له وارث فما له من الْأَنْفالِ.

__________________

(١) بيان أو قوم في الموضعين بتقدير مضاف وهو من عطف الخاص على العام فانّ الأول يشمل ما جلى عنها أهلها.

٢٦٦

وعنه عليه السلام : نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو (١) المال.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : لنا الْأَنْفالِ قيل ومَا الأنفال قال منها المعادن والآجام وكل أرض لا ربّ لها وكل أرض باد أهلها فهو لنا وقال ما كانَ للملوك فهو من الأنفال.

وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام : الْأَنْفالِ كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال وسماها الفقهاء فيئاً والأرضون الموات والآجام وبطون الأودية وقطايع الملوك وميراث من لا وارث له وهي لله وللرسول ولمن قام مقامه بعده.

والقمّيّ عنه عليه السلام : أنّه سئل عن الْأَنْفالِ فقال هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها وهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للإِمام وما كان من أرض خربة لم يوجف (٢) عليها بخيل ولا ركاب وكل أرض لا ربّ لها والمعادن منها ومن مات وليس له مولىً فما له من الأنفال وقال نزلت يوم بدر لما انهزم الناس كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على ثلاث فرق فصنف كانوا عند خيمة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم وصنف أغاروا على النهب وفرقة طلبت العدوّ وأسروا وغنموا فلمّا جمعُوا الغنائم والأسارى تكلمت الأنصار في الأسارى فأنزل الله تبارك وتعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ فلما أباح الله لهم الأسارى والغنائم تكلم سعد ابن معاذ وكان ممّن أقام عند خيمة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله ما منعنا أن نطلب العدوّ زهادة في الجهاد ولا جبناً من العدو ولكنّا خفنا أن يعرى موضعك فيميل عليك خيل المشركين وقد أقام عند الخيمة وجُوه المهاجرين والأنصار ولم يشكّ أحد منهم والناس كثير يا رسول الله والغنائم قليلة ومتى تعطى هؤلاء لم يبق لأصحابك

__________________

(١) الصفو من الغنيمة ما اختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة وخالص كلّ شيء.

(٢) قوله تعالى فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ هو من الإيجاف وهو السّير الشّديد والمعنى فما أوجفتم على تحصيله وتغنيمه خيلاً ولا ركاباً وانّما مشيتم إليه على أرجلكم فلم تحصّلوا أموالهم بالغلبة والقتال ولكن الله سلّط رسله عليهم وحواه أموالهم.

٢٦٧

شيء وخاف أن يقسّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الغنائم واسلاب القتلى بين من قاتل ولا يعطى من تخلف على خيمة رسول اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلم شيئاً فاختلفوا فيما بينهم حتّى سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقالوا لمن هذه الغنائم فأنزل الله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فرجع الناس وليس لهم في الغنيمة شيء ثمّ أنزل الله بعد ذلك وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية فقسّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بينهم فقال سعد بن أبي وقاص يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ثكلتك أمّك وهل تُنْصَرون الا بضعفائكم قال فلم يخمّس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ببدر وقسّم بين أصحابه ثمّ استقبل بأخذ الخُمس بعد بدر فَاتَّقُوا اللهَ في الإِختلاف والمشاجرة وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله وتسليم أمره إلى الله والرسول وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ فيه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فان الإِيمان يقتضي ذلك.

(٢) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أي الكاملون في الإِيمان الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فزعت لذكره استعظاماً له وهيبة من جلاله وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ازدادوا بها يقيناً وطمأنينة نفس وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وإليه يفوّضون أمورهم فيما يخافون ويرجون.

(٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.

(٤) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنّهم حقّقوا إيمانهم بضمّ مكارم الأخلاق ومحاسن أفعال الجوارحِ إليه لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ كرامة وعلوّ منزلة وَمَغْفِرَةٌ لما فرط منهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ أعدّ لهم في الجنّة القمّيّ نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر وسلمان ومقداد.

في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنّة وبالزيادة في الإِيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرّطون النار ويأتي صدر الحديث في أواخر سورة التّوبة إن شاء الله.

٢٦٨

(٥) كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ قيل يعني حالهم هذه في كراهة ما حكم الله في الأنفال مثل حالهم في كراهة خروجك من بيتك للحرب.

وفي المجمع في حديث أبي حمزة : فالله ناصرك كَما أَخْرَجَكَ مِنْ بَيْتِكَ.

(٦) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ في إيثارك الجهاد إظهاراً للحق لايثارهم تلقّى العير وأخذ المال الكثير على ملاقات النفير والجهاد مَعَ الجمّ الغفير بَعْدَ ما تَبَيَّنَ أنّهم يُنْصَرُون أينما توجهوا بأعلام الرّسُول كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ أي يكرهون القتال كراهة أن يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم للقتال.

(٧) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ على إضمار اذكر إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ يعني العير او النفير وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ (١) الحدّة تَكُونُ لَكُمْ يعني العير فانه لم يكن فيها إلّا أربعون فارساً ولذلك يتمنّونها ويكرهون ملاقات النّفير لكثرة عددِهِم وعدّتهم (٢)

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : ذاتِ الشَّوْكَةِ التي فيها القتال يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ أن يثبته ويعليه بِكَلِماتِهِ قيل بآياتِهِ المنزلة في محاربتهم أو بأوليائه.

والقمّيّ قال الكلمات الأئمّة عليهم السلام وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ويستأصلهم والمعنى أنّكم تريدون مالاً الَّا تلقوا مكروهاً والله يريد اعلاءَ الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم به فوز الدارين.

(٨) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ فعل ما فعل وليس بتكرير لأنّ الأوّل لبيان مراد الله وتفاوت ما بينه وبين مرادهم والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول على اختيار

__________________

(١) الشّوكة شدّة البأس والحدّة بالسلاح يقال شاك الرّجل من باب خاف ظهرت شوكته وحدّته فهو شائك السلاح وشاكي السّلاح على القلب م.

(٢) عطف على كثرة لا على عددهم أي لكثرة عددهم ولتأهبهم واستعدادهم.

٢٦٩

ذات الشّوكة ونصره عليها وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ذلك.

(٩) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ لمّا علمتم أن لا محيص عن القتال مع قلّتكم وكثرة عدوّكم بدل من إِذْ يَعِدُكُمُ.

في المجمع عن الباقر عليه السلام : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم لمّا نظر الى كثرة عدد المشركين وقلّة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال اللهمّ أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال يهتف ربّه مادّاً يديه حتّى سقط رداؤه عن منكبه فأنزل الله إِذْ تَسْتَغِيثُونَ الآية فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضاً من أردفته أنا إذا جئت بعده وقرئ بفتح الدّال وهو من أردفته إيّاه.

(١٠) وَما جَعَلَهُ اللهُ أي الإِمداد إِلَّا بُشْرى بشارة لكم بالنصر وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ليزول ما بها من الوَجَل لقلّتكم وذلّتِكم وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وأمداد الملائكة وكثرة العدد وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النّصرَ منها ولا تيأسوا منه بفقدها.

(١١) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ أمناً من الله بدل ثان من إِذْ يَعِدُكُمُ لإِظهار نعمة ثالثة والمعنى إذ تنعسون لأمنكم الحاصِل من الله بازالة الرّعب عن قلوبكم وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ من الحَدَث والخبث.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : اشربوا ماء السَّماءِ فإنّه يطهّر البدن ويدفع الأسقام ثمّ تلا هذه الآية.

ومثله في الخصال والعيّاشيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام : وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ يعني الجنابة وذلك لأنّه احتلم بعضهم وغلب المشركون على الماءِ ويحتمل أن يكون المراد برجز الشيطان وسوسته وتخويفه إيّاهم من العطش إذ روي أنّهم نزلوا في كثيب اعقر تسوخ فيه الأقدام على غير ماءٍ وناموا فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماءِ فوسوس إليهم الشيطان وقال كيف تنصرون وقد غلبتم على الماءِ وأنتم

٢٧٠

تصلّون محدثين مجنبين وتزعمون أنّكم أولياء الله وفيكم رسوله فأشفقوا فأنزل الله المطر فمطروا ليلاً حتّى جرى الوادي واتخذوا الحياض على عدوته (١) وسقوا الركاب (٢) واغتسلوا وتوضئوا وتلبّد (٣) الرمل الذي بينهم وبين العدوّ وحتّى ثبتت عليه الأقدام وزالت الوسوسة وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ بالوثوق على لطف الله تعالى بكم وَيُثَبِّتَ بِهِ بالمطر الْأَقْدامَ حتى لا تسوخ في الرمل أو بالرّبطِ على القلوب حتّى تثبت في المعركة.

(١٢) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ بدل ثالث لإِظهار نعمة رابعة إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ في اعانتهم وتثبيتهم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا بالبشارة لهم وبتكثير سوادهم ومحاربة أعدائهم سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ أعاليها التي هي المذبح والرّؤوس وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ أصابع أي جزّوا رقابهم واقطعوا أطرافهم.

(١٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ بسبب مشاقّتهم لهما وكونهم في شقّ خلاف شقهما وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

(١٤) ذلِكُمْ الخطاب فيه مَعَ الكفّار على طريقة الالتفات فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ والمعنى ذوقوا ما عجّل لكم من القتل والأسر مع ما أجّل لكم في الآخرة من عذاب النار.

القمّيّ : وكان سبب ذلك أنّ عير قريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالخروج ليأخذوها فأخبرهم أنّ الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين إمّا العير أو القريش إن ظفر بهم فخرج في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فلما قارب بَدْراً وكان أبو سفيان لعنه الله في العير فلما بلغه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قد خرج يتعرض العير خاف خوفاً شديداً ومضى إلى الشام فلما وافى (٤)

__________________

(١) العدى كالى شاطئ الوادي كالعدوة مثلثة.

(٢) الركب ركبان الإبل اسم جمع أو جمع وهم العشرة فصاعداً وقد يكون للخيل.

(٣) لبَدَ كنصر وفرح لبوداً ولبداً أقام ولزق كألبد وتلبّد الصّوف ونحوه تداخل ولزق بعضه ببعض.

(٤) وافى فلان اتى ووافيته موافاة أتيته ومثله وافيت القوم م.

٢٧١

النقرة (١) اكترى ضمضم بن عمرو الخزاعيّ بعشرة دنانير وأعطاه قلوصاً (٢) وقال له امض الى قريش وأخبرهم أنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم والصباة (٣) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم فأدركوا العير وأوصاه أن يحزم ناقته ويقطع أذنها حتّى يسيل الدّم ويشقّ ثوبه من قبل ودبر فإذا دخل مكّة وليّ وجهه إلى ذنب العير وصاح بأعلى صوته قال يا آل غالِب يا آل غالِب اللطيمة (٤) اللطيمة العير العير أدركوا أدركوا وما أريكم تدركون فإنَّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم والصباة من أهلِ يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم.

فخرج ضمضم يبادر إلى مكّة ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة أيّام كأنّ راكباً قد دخل مكّة ينادي يا آل غدر يا آل غدر اغدوا إلى مصارعكم صبح ثالثة ثمّ وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجراً فدهدهه من الجبل فما ترك داراً من دور قريش الا أصابه منه فلذة وكأنّ وادي مكّة قد سال من أسفله دما.

فانتبهت ذَعِرَةً فأخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عتبة بن ربيعة فقال عتبة هذه مصيبة تحدث في قريش وفشت الرّؤيا في قريش وبلغ ذلك أبا جهل فقال ما رأت عاتكة هذه الرّؤيا وهذه تبنية ثانية في بني عبد المطلب واللّات والعزّى لننتظرنّ ثلاثة أيّام فان كان ما رأت حقّاً فهو كما رأت وإن كان غير ذلكَ لنكتبنّ بيننا كتاباً انه ما من أهل بيت من العَربَ أكذب رجالاً ولا نساءً من بني هاشم فلما مضى يوم قال أبو جهل هذا يوم قد مضى فلما كان اليوم الثاني قال أبو جهل هذان يومان قد مَضَيا فلما كان اليوم الثالث وافى ضمضم ينادي في الوادي يا آل غالب يا آل غالب اللطيمة

__________________

(١) النقرة ويقال معدن النّقرة وقد تكسر قافهما منزل لحاجّ العراق بين اضاخ ومأوان ق.

(٢) القلوص من الإِبل الشّابة أو الباقية على السّير أو أوّل ما يركب من إناثها إلى أن تثنّى ثمّ هي ناقة والناقة الطويلة القوائم خاصّ بالإناث ج قلائص وقُلُص قلاص.

(٣) في النّهاية يقال صبا فلان إذا خرج من دين الى دين غيره قال وكانت العرب تسمّي النّبي صلّى الله عليه وآله الصّاب لأنّه خرج من دين قريش الى دين الإسلام ويسمّون المسلمين الصّباة بغير همز كأنّه جمع الصّاب «منه رحمه الله».

(٤) بمعنى ضرب الخدّ والظاهر في مثل المقام انّه كناية عن الصدمة اي اسرعوا الى علاجها أو اشكوا والعير العير أي ادركوهم ويمكن تقدير اسرعوا في الكلّ وغير ذلك أيضاً.

٢٧٢

اللطيمة العير العير أدركوا أدركوا وما أريكم تدركون فإنَّ محمّداً صلَّى الله عليه وآله وسلم والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم التي فيها خزائنكم.

فتصايح الناس بمكّة وتهيّؤا للخروج وقام سهل بن عمرو وصفوان بن أميّة وأبو البختري بن هشام ومنبّه (١) ونبيه ابنا الحجّاج ونوفل بن خويلد فقالوا يا معشر قريش والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه أن يطمع محمّد والصّباة من أهل يثرب أن يتعرّضوا لعيركم التي فيها خزائنكم فو الله ما قرشّي ولا قرشيّة إلَّا ولهما في هذه العير نَشّ (٢) فصاعداً وانّه للذّلّ والصغار أن يطمع محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم في أموالكم ويفرِّق بينكم وبين متجركم فاخرجوا.

وأخرج صفوان بن أميّة خمسمائة دينار وجهّز بها وأخرج سهيل بن عمرو وما بقي أحد من عظماءِ قريش إلّا أخرجوا مالاً وحمّلوا وقوّوا وخرجوا عَلى الصعب (٣) والذّلول لا يملكون أنفسهم كما قال الله تعالى خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحرث وعقيل بن أبي طالب وأخرجوا معهم القِيان (٤) يشربون الخمر ويضربون بالدّفوف.

وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فلما كان بقرب بدر على ليلة منها بعث بشير بن أبي الرّغباء ومحمّد بن عمرو يتجسّسان خبر العير فأتيا ماء بدر فأناخا راحلتيهما واستعذبا من الماءِ وسمعا جاريتين قد تشبّثت إحداهما بالأخرى وتطالبها بدرهم كان لها عليها فقالت عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وهي تنزل غداً هاهنا واعمل لهم وأقضيكِ فرجعا فأخبراه بما سمعا فأقبل أبو سفيان بالعير فلما شارف بدراً تقدّم العير وأقبل وحده حتّى انتهى إلى ماءِ بدر وكان بها رجل من جهينة يقال له كِسب الجهني فقال له يا كِسب هل لك علم بمحمّد صلّى الله عليه

__________________

(١) منبّه كمعظّم ونبيه كعظيم لفظاً ومعنىً.

(٢) النّش عشرون درهماً.

(٣) الجمل المتروك الّذي لا يترك.

(٤) والقينة الأمة مغنّية كانت أو غير مغنّية وقيل الأمة البيضاء والجمع قيان.

٢٧٣

وآله وسلم وأصحابه قال لا قال واللّات والعزّى لئن كتمتنا أمر محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم لا يزال قريش لك معادية آخر الدّهر فانّه ليس أحد من قريش إلّا وله في هذا العير نَشّ فصاعداً فلا تكتمني.

فقال : والله ما لي علم بمحمّد وأصحابه بالتخبار الّا أنّي رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا فاستعذبا من الماءِ وأناخا راحلتيهما ورَجَعا فلا أدري من هما فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ إبلهما ففتّ أبعار الإِبل بيده فوجد فيها النّوى فقال : هذه علائف يثرب هؤلاءِ والله عيون محمّد فرجع مسرعاً وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومرّوا مسرعين.

ونزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فأخبره أنّ العير قد أفلتت وأنّ قريشاً قد أقبلت لتمنع عن عيرها وأمره بالقتال ووعده النّصرة وكان نازلاً ماء الصّفراءِ فأحبّ أن يبلو الأنصار لأنّهم إنّما وعدوه لأن ينصروه وكان في الدّار فأخبرهم أنّ العير قد جازت وأن قريشاً قد أقبلت لتمنع عن عيرها وأنّ الله قد أمرني بمحاربتهم.

فجزع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من ذلك وخافوا خوفاً شديداً فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : أشيروا عليَّ فقام أبو بكر فقال يا رسول الله إنّها قريش وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت ولا ذلّت منذ عزّت ولم نخرج على هيئة الحرب.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : اجلس فجلس فقال : أشيروا عليَّ فقام عمر فقال مثل مقالة أبي بكر فقال اجلس.

ثمّ قام المقداد فقال : يا رسول الله! إنّها قريش وخيلاؤها وقد آمنّا بك وصدَّقناك وشهدنا أنَّ ما جئت به حقّ من عند الله ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا (١) وشوك الهراس

__________________

(١) الغضا بالقصر شجر ذو شوك وخشبة من أصلب الخشب ولذا لا يكون في فحمه صلابة الهراس كسحاب شجر شائك ثمره كالنّبق.

٢٧٤

لخضنا معك ولا نقول لك ما قالت بَنو إسرائيل لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ولكنّا نقول اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون فجزاه النّبيّ خيراً ثمّ جلس.

ثمّ قال أشيروا عليَّ فقام سعد بن معاذ فقال بأبي أنت وأمّي يا رسول الله كأنّك أردتنا قال : نعم قال : فلعلّك خرجت على أمر قد أمرت بغيره قال : نعم.

قالَ بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنّنا قد آمنّا بك وصدّقناك وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت واترك منها ما شئت والّذي أخذت منه أحبّ إليّ من الذي تركت والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضنا مَعَك ثمّ قال بأبي أنت وأمّي يا رسول الله والله ما خضت هذا الطريق قطّ ومالي به علم وقد خلَّفنا بالمدينة قوماً ليس نحن بأَشدّ جهاداً لك منهم ولو علموا أنّه الحرب لما تخلَّفوا ولكن نعدّ لك الرّواحل ونلقى عدوّنا فانّا صُبَّرٌ عند اللقاء أنجاد في الحرب وانّا لنرجو أن يقر الله عينيك بنا فإن يك ما تحبّ فهو ذاك وإن يك غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا.

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم : ويحدث الله غير ذلك كأنّي بمصرع فلان هاهنا وبمصرع فلان هاهنا وبمصرع أبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبّه ونبيه ابني الحجّاج فإنَّ الله قد وعدني إحدى الطّائفتين ولن يخلف الله الميعاد.

فنزل جبرئيل على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ إلى قوله وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بالرّحيل حتّى نزل عشاء على ماءِ بدر وهي العدوة الشّامية وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانيّة وبعثت عبيدها تستعذب من الماءِ فأخذهم أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم وحبسوهم فقالوا لهم : من أنتم قالوا : نحن عبيد قريش قالوا فأين العير قالوا لا عِلمَ لنا بالعير فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يصلِّي فانفتل من صلوته فقال إن صدّقوكم ضربتموهم وإن كذّبوكم تركتموهم عليَّ بهم فأتوا بهم.

٢٧٥

فقال لهم : من أنتم؟ قالوا يا محمّد نحن عبيد قريش قال : كم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم قال كم ينحرون في كلّ يوم جزوراً (١) قالوا تسعة إلى عشرة.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم القوم تسعمائة إلى ألف قال : فمن فيهم من بني هاشم قالوا العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب فأمر رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم بهم فحبسُوا.

وبلغ قريشاً ذلك فخافوا خوفاً شديداً ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال له أما ترى هذا البغي والله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا بغياً وعدواناً والله ما أفلح قوم قطّ بغوا ولوددت أنّ ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كله ولم نسر هذا المسير.

فقال له أبو البختري إنّك سيّد من سادات قريش فسر في الناس وتحمّل العير التي أصابها محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم بنخلة وَدَم (٢) ابن الحضرمي فانّه حليفك فقال عتبة أنت تشير عليّ بذلك وما على أحد منّا خلاف إلّا ابن الحنظلية يعني أبا جهل فسر إليه وأعلمه أنّي قد تحمّلت العير الّتي أصابها محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلم بنخلة وَدَم ابن الحضرمي.

فقال أبو البختّري فقصدت خبأه وإذا هو قد أخرج درعاً له فقلت له إنّ أبا الوليد بعثني إليك برسالة فغضب ثمّ قال أما وجد عتبة رسولاً غيرك فقلت أما والله لو غيره أرسلني ما جئت ولكن أبا الوليد سيّد العشيرة فغضب غضبة أخرى فقال تقول سيّد العشيرة فقلت أنا أقوله وقريش كلّها تقول أنّه قد تحمّل العير وَدَم ابن الحضرميّ.

فقال إن عتبة أطول النّاس لساناً وأبلغهم في الكلام ويتعصّب لمحمّد صلَّى الله عليه وآله وسلم فانّه من بني عبد مناف وابنه معه ويريد أن لا يخذله بين الناس لا

__________________

(١) الجزور بالفتح وهي من الإِبل خاصّة ما كمل خمس سنين ودخل في السّادسة يقع على الذّكر والأُنثى والجمع جزر كرسول ورسل يقال جزرت الجزور من باب قتل أي نحرتها.

(٢) وَدَم بالفتح علم وبطن من كلب في تغلب.

٢٧٦

واللّات والعزّى حتّى نقحم (١) عليهم بيثرب ونأخذهم أسارى فندخلهم مكّة فتسامع العرب بذلك ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه.

وبلغ أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم كثرة قريش ففزعوا فزعاً شديداً وشكوا وبِكوا واستغاثوا فأنزل الله على رسوله صلَّى الله عليه وآله وسلم إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فلمّا أمسى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم وجنّه (٢) اللّيل القى الله تعالى على أصحابه النّعاس حتى ناموا وأنزل الله تعالى عليهم السماءَ (٣).

وكان نزول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في موضع لا يثبت فيه القدم فأنزل الله عليهم السّماءَ ولبد الأرض حتّى تثبت أقدامهم وهو قول الله تعالى إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وذلك أنّ بعض أصحاب النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم احتلم وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ وكان المطر على قريش مثل العزالي (٤) وكان على أصحاب رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم رَذاذاً بقدر ما يلبد به الأرض وخافت قريش خوفاً شديداً فأقبلوا يتحارسونَ يخافون البيات فبعث رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم عمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فقال ادخلا في القوم وَأتونا بأخبارهم فكانا يجولان بعسكرهم لا يرون إلّا خائفاً ذعراً إذا صهل الفرس وثب على جحفلته (٥) فسمعوا منبّه بن الحجّاج يقول :

لا يترك الجوع لنا مبيتنا

لا بدّ أن نموت أو يميتنا

__________________

(١) قحم في الأمر كنصر قحوماً رمى بنفسه فيه فجأة بلا رويّة وقحمته تقحيماً وأقحمته فانقحم واقتحم.

(٢) جنّه اللّيل وعليه حنا وأجنّه ستره وكلّ ما ستر عنك فقد جنّ عنك وجنّ الليل وجنونه وجنانه ظلمته.

(٣) السماء المطر سمّي به لأنّه ينزل من السماء «منه رحمه الله».

(٤) العزالي جمع عزلاء وهو مصبّ الماء من الرّواية ونحوها والرّذاذ المطر الضّعيف «منه».

(٥) الجحفلة بمنزلة الشّفه للخيل والبغال والحمير.

٢٧٧

قال قد والله كانوا شباعاً ولكنهم من الخوف قالوا هذا والقى الله في قلوبهم الرّعب كما قال الله تعالى سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فلمّا أصبح رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم عبّا (١) أصحابه وكان في عسكر رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فرسان فرس للزّبير بن العوام وفرس لمقداد وكان في عسكره سبعون جملاً يتعاقبون عليها وكان رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم وعليّ بن أبي طالب عليه السلام ومرثد بن أبي مرثد الغنويّ على جمل يتعاقبون عليه والجمل لمرثد.

وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس فعبّأ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم أصحابه بين يديه فقال غضّوا أبصاركم ولا تبدؤهم بالقتال ولا يتكلّمن أحد فلمّا نظرت قريش إلى قلّة أصحاب رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم.

قال أبو جهل ما هم إلّا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد.

فقال عتبة بن ربيعة أترى لهم كميناً ومدداً فبعثوا عمرو بن وهب الجُمَحي وكان فارساً شجاعاً فجال بفرسه حتّى طاف على عسكر رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ثمّ صعد في الوادي وصوّت ثمّ رجع إلى قريش فقال ما لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح (٢) يثرب قد حملت الموت الناقع أما ترونهم خرساً لا يتكلّمون يتلمّظون تلمّظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم وما أريهم يولّون حتّى يقتلوا ولا يُقْتَلُونَ حتّى تقتلوا بعددهم فارتئوا (٣) رأيكم فقال أبو جهل كذبت وجبنت وانتفخ سحْرُك يعني نظرت إلى سيوف أهل يثرب.

وفزع أصحاب رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم حين نظروا إلى كثرة

__________________

(١) عبّأ المتاع والأمر كمنع هيّأه والجيش جهّزه كعبأه تعبية وتعبيئاً فيهما والطيب صنعهُ وخلطه.

(٢) نضح البعير الماء حمله من نهر وبئر لسقي الزّرع فهو ناضح سمّي بذلك لأنّه ينضح الماء أي يصبّه والأنثى ناضحة وسانية أيضا والجمع نواضح وهذا أصله ثمّ استعمل الناضح في كل بعير وان لم يحمل الماء.

(٣) رَتأَ العقدة كمنع رتأً شدّها وفلاناً خنقه وأقام وانطلق.

٢٧٨

قريش وقوّتهم فأنزل الله تعالى على رسوله وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وقد علم الله أنّهم لا يجنحُون ولا يجيبون إلى السّلم وانّما أراد الله تعالى بذلك لتطيب قلوب أصحاب النّبي صلىَّ الله عليه وآله وسلم فبعث رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلى قريش فقال :

يا معشر قريش ما أجد من العرب أبغض إليّ من أبدأكم فخلّوني والعرب فان أكُ صادقاً فأنتم أعلا بي عيناً وإن أكُ كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري فارجعوا.

فقال عتبة والله ما أفلح قوم قط ردّوا هذا ثمّ ركب جملاً له أحمر فنظر إليه رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم يجول في العسكر وينهى عن القتال فقال إن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن تطيعوه ترشدوا فأقبل عتبة يقول يا معشر قريش اجتمعوا واسمعوا ثمّ خطبهم فقال :

يُمْن مع (١) رحْب ورُحْب مع يمن يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدّهر وارجعوا إلى مكّة واشربوا الخمور وعانقوا الحور فإنَّ محمّداً صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلّ (٢) وذمّة وهو ابن عمّكم فارجعوا ولا تردّوا رأيي وإنّما تطالبون محمّداً بالعير التي أخذها محمّد بنخله وَدَم ابن الحضرمي وهو حليفي وعليّ عقله.

فلمّا سمع أبو جهل ذلك غاظه وقال إنّ عتبة أطول الناس لساناً وأبلغهم في الكلام ولئن رجعت قريش بقوله ليكوننّ سيّد قريش إلى آخر الدّهر ثمّ قال يا عتبة نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سَحْرُك (٣) وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا آثارنا بأعيننا فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل وكان على فرس فأخذ بشعره فقال الناس يقتله فعرقب فرسه فقال أمثلي يجبن وسيعلم قريش اليوم أيّنا الألأم والأجبن وأيّنا المفسد لقومه لا يمشي الّا أنا وأنت بالموت عياناً ثمّ قال هذا جَناي وخياره

__________________

(١) رَحُبَ ككرم وسمع رحباً بالضّم ورحابة فهو رحب ورحيب ورحاب بالضمّ اتَسَع.

(٢) الالِّ بالكسر العهد والحلف والأمان والقرابة.

(٣) السَّحر ويحرّك ويضمّ الرّية ج سحور وأسحار واثر دبرة البعير وانتفخ سحره ومساحره عدا طوره وجاوز قدره وانقطع منه سحري يئست منه.

٢٧٩

فيه وكل جان يده إلى فيه ثمّ أخذ بشعره يجره فاجتمع إليه الناس فقالوا :

يا أبا الوليد الله الله لا تَفُتَّ في أعضاد الناس تنهى عن شيء تكون أوّله فخلّصوا أبا جهل من يده.

فنظر عتبة إلى أخيه شيبة ونظر إلى ابنه الوليد فقال قم يا بنيّ فقام ثمّ لبس درعه وطلبوا له بيضة تسع رأسه فلم يجدوها لعظم هامته فاعتمّ بعمامتين ثمّ أخذ سيفه وتقدم هو وأخوه وابنه ونادى يا محمّد أخرج إلينا أكفّاءنا من قريش فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار عوذ ومعوذ وعون بني عفراء فقال عتبة من أنتم انتسبوا لنعرفكم فقالوا نحن بنو عفراء أنصار الله وأنصار رسول الله فقال ارجعوا فإنّا لسنا إيّاكم نريد إنّما نريد الأكفّاء من قريش فبعث إليهم رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ان ارجعوا فرجعوا وكره أن يكون أوّل الكرّة بالأنصار فرجعوا وواقفوا موقفهم.

ثمّ نظر رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلى عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب وكان له سبعون سنة فقال له قم يا عبيدة فقام بين يديه بالسّيف ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطلب فقال له قم يا عمّ ثمّ نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له قم يا عليّ وكان أصغر القوم سنّاً فقاموا بين يدي رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم بسيوفهم فاطلبوا بحقّكم الذي جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد ان تطفي نور الله وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.

ثمّ قال رسول الله يا عبيدة عليك بِعُتْبَة وقال لحمزة عليك بشيبه وقال لعليّ عليك بالوليد بن عتبة فمرّوا حتّى انتهوا إلى القوم فقال عتبة من أنتم انتسبوا لنعرفكم فقال أنا عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب فقال كفو كريم فقال : فمن هذان فقال حمزة ابن عبد المطلب وعليّ بن أبي طالب فقال كفوان كريمان لعن الله من أوقفنا وإيّاكم هذا الموقف فقال شيبة لحمزة من أنت فقال أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله فقال له شيبة لقد لقّبت أسد الحلفاء (١) فانظر كيف يكون صولتك يا أسد الله.

__________________

(١) الحلفة والحلفاء والحلف محركة النبت المعروف ولعلّ المراد بأسد الحلفاء الأسد السّاكن تحت شجرتها لأنّها تغطيه وهو يمكن فيها ويستأنس بها ويتوطّن عندها فحاصل مراد القائل انّك ملقّب بالأسد تشبيهاً وانا أسد حقيقة نظير قول الشاعر أسد دم الأسد الهزبر خضابه.

٢٨٠