تفسير الصّافي - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٧٩

وفي التّهذيب عن الرضا عليه السلام : والجرّيث والضّب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم عليهمَا السلام لم يؤمنوا فتاهوا (١) فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البرّ وفي الخصال عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في حديث : المسوخات وأمّا الخنازير فقوم نصارى سألوا ربّهم انزال المائِدة عليهم فلما أنزلت عليهم كانوا أشدّ ما كانوا كفراً وأشدّ تكذيباً.

(١١٦) وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : لم يقله وسيقوله إنّ الله إذا علم شيئاً هو كائن أخبر عنه خبر ما قد كان أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ توبيخ للكفرة وتبكيت لهم.

القمّيّ وذلك أنّ النصارى زعموا أنّ عيسى عليه السلام قال لهم إنّي وَأُمِّي إِلهَيْنِ (٢) مِنْ دُونِ اللهِ فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام فيقول أَأَنْتَ قُلْتَ الآية قالَ سُبْحانَكَ انزّهك تنزيهاً من أن يكون لك شريك ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ ما لا يحق لي أن أقوله إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام في تفسيرها : أنّ الاسم الأكبر ثلاثة وسبعون حرفاً فاحتجَبَ الرّب تعالى بحرف فمن ثمّة لا يعلم أحد ما في نفسه عزّ وجلّ أعطى آدم اثنين وسبعين حرفاً فتوارثها الأنبياء حتّى صارت عند عيسى فذلك قول عيسى عليه السلام تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي يعني اثنين وسبعين حرفاً من الاسم الأكبر يقول أنت علّمتنيها فأنت تعلمها وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ يقول لأنّك احتجبت من خلقك بذلك الحرف فلا يعلم أحد ما في نفسك إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.

(١١٧) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً رقيباً مطّلعاً أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويعتقدوه ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي

__________________

(١) تاه في الأرض اي ذهب متحيّراً يتيه تيهاً وتَيَهاناً.

(٢) لعلّ التقدير إنّيّ وأمّي اتخذوا الهين ولا يستقيم حكاية عن الآية كما لا يخفى.

١٠١

بالرّفع إلى السّماء من قوله إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ والتوفّي أخذ الشيء وافياً والموت نوع منه قال الله عزّ وجلّ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ المراقب لأحوالهم وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ مطّلع مراقب له.

(١١٨) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ تملكهم وتطّلع على جرائمهم قيل فيه تنبيه على أنّهم استحقّوا ذلك لأنّهم عِبادُكَ وقد عبدوا غيرك وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ القادر القويّ على الثواب والعقاب الّذي لا تثيب ولا تعاقب إلّا عن حكمة وصواب فانّ المغفرة حسنة لكل مجرم فان عذبت فعدل وان غفرت ففضل.

(١١٩) قالَ اللهُ هذا يَوْمُ (١) يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ وقرء يومَ بالنّصب ولا يخلو من تكلّف لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

(١٢٠) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيه تنبيه على كذب النصارى وفساد دعوهم في المسيح وأمه.

القمّيّ والدّليل على أنّ عيسى عليه السلام لم يقل لهم ذلك قوله تعالى هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.

ثم روى بإسناده عن الباقر عليه السلام : في هذه الآية إذا كان يوم القيامة وحشر الناس للحساب فيمرّون بأهوال يوم القيامة فلا ينتهون الى العرصة حتّى يجهدوا جهداً شديداً قال يقفون بفناء العَرْصَة ويشرف الجبّار عليهم وهو على عرشه فأوّل من يدعى بنداءٍ يسمع الخلائق أجمعين أن يهتف باسم محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلم النّبيّ القرشيّ العَرَبيّ قال فيتقدم حتّى يقف على يمين العرش.

قال : ثمّ يدعى بصاحبكم فيتقدّم حتّى يقف على يسار رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) قوله تعالى هذا يَوْمُ يَنْفَعُ هذا مبتدأ ويَوْمُ خبره وهو معرب لأنّه مضاف الى معرب فيبقى على حقّه من الأعراب ويقرأ يَوْمُ بالفتح وهو منصوب على الظّرف وهذا فيه وجهان أحدهما هو مفعول قالَ اللهُ هذا القول في يوم والثّاني ان هذا مبتدأ ويَوْمُ ظرف للخبر المحذوف أي هذا يقع أو يكون يوم يقع وقال الكوفيّون يَوْمُ في موضع رفع خبر هذا ولكنه بنيّ على الفتح لاضافته الى الفعل وعندهم يجوز بناؤه وان أضيف الى معرب وعندنا لا يجوز الّا إذا أضيف إلى مبنيّ.

١٠٢

وآله وسلم ثمّ يدعى بأمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم فيقفون على يسار عليّ ثمّ يدعى بنبيّ نبيّ وأمّته معه من أوّل النبيين إلى آخرهم وأمّتهم معهم فيقفون على يسار العرش.

قال : ثمّ أوّل من يدعى للمسائلة القلم قال فيتقدّم فيقف بين يدي الله في صورة الآدميّين فيقول الله هل سطرت في اللّوح ما ألهمتك وأمرتك به من الوحي فيقول القلم نعم يا ربّ قد علمت أنّي قد سطرت في اللّوح ما أمرتني وألهمتني به من وحيك فيقول الله فمن يشهد لك بذلك فيقول يا ربّ وهل أطّلع على مكنون سرّك خلق غيرك قال فيقول له أفلجت حجّتك.

قال : ثمّ يدعى باللوح فيتقدم في صورة الآدميّين حتّى يقف مع القلم فيقول له هل سطر فيك القلم ما ألهمته وأمرته به من وحي فيقول اللّوح نعم يا ربّ وبلّغته إسرافيل ثمّ يدعى بإسرافيل فيتقدم إسرافيل مع اللّوح والقلم في صورة الآدميّين فيقول الله له هل بلّغك إسرافيل ما بلّغ فيقول يا ربِّ وبلّغته جميع أنبيائك وأنفذت إليهم جميع ما انتهى إليّ من أمرك وأدّيت رسالاتك إلى نبيّ نبيّ ورسول رسول وبلّغتهم كلّ وحيك وحكمتك وكتبك وانّ آخر من بلّغته رسالتك ووحيك وحكمتك وعلمك وكتابك وكلامك محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلم العربيّ القرشّي الحرميّ حبيبك قال أبو جعفر عليه السلام : فأوّل من يدعى من ولد آدم للمسائلة محمّد بن عبد الله فيدنيه الله حتّى لا يكون خلق أقرب إلى الله يومئذ منه فيقول الله يا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم هل بلّغك جبرئيل ما أوحيت إليك وأرسلته به إليك من كتابي وحكمتي وعلمي وهل أوحى ذلك إليك فيقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نعم يا ربّ قد بلّغني جبرئيل جميع ما أوحيته إليه وأرسلته به من كتابك وحكمتك وعلمك وأوحاه إليّ فيقول الله لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم هل بلّغت لأمّتك ما بلّغك جبرئيل من كتابي وحكمتي وعلمي فيقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نعم يا ربّ قد بلّغت أمتي جميع ما أوحيت إليّ من كتابك وحكمتك وعلمك وجاهدت في سبيلك.

فيقول الله لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم فمن يشهد لك بذلك فيقول محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم يا ربّ أنت الشّاهد لي بتبليغ الرّسالة وملائكتك والأبرار من أمتي

١٠٣

وكفى بك شهيداً فيدعى بالملائكة فيشهدون لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم بتبليغ الرّسالة ثمّ يدعى بأمّة محمّد فيسألون هل بلّغكم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم رسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي وعلّمكم ذلك فيشهدون لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم بتبليغ الرسالة والحكمة والعلم فيقول الله لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم فهل استخلفت في أمّتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتي وعلمي ويفسّر لهم كتابي ويبيّن لهم ما يختلفون فيه من بعدك حجّة لي وخليفة في الأرض فيقول محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم نعم يا ربّ قد خلّفت فيهم عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه أخي ووزيري ووصييّ وخير أمّتي ونصبته لهم علماً في حياتي ودعوتهم إلى طاعته وجعلته خليفتي في أمّتي إماماً يقتدى به الأمّة من بعدي إلى يوم القيامة فيدعى بعليّ بن أبي طالب فيقال له هل أوصى إليك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم واستخلفك في أمّته ونصبك علماً لأمّته في حيوته وهل قمت فيهم من بعده مقامه فيقول له عليّ نعم يا ربّ قد أوصى إليّ محمّد وخلّفني في أمّته ونصبني لهم علماً في حيوته فلمّا قبضت محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم إليك جحدتني أمّته ومكروا بي واستضعفوني وكادوا يقتلونني وقدّموا قدّامي من أخّرت وأخّروا من قدّمت ولم يسمعوا مِنّي ولم يطيعوا أمري فقاتلتهم في سبيلك حتّى قتلوني فيقال لعليّ هل خلّفت من بعدك في أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم حجّة وخليفة في الأرض يدعو عبادي إلى ديني والى سبيلي فيقول عليّ نعم يا ربّ قد خلّفت فيهم الحَسَن ابني وابن بنت نبيّك فيدعى بالحسن بن علي صلوات الله عليهما فيسأل عمّا سئل عنه عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : ثمّ يدعى بإمام إمام وبأهل عالمه فيحتجّون بحجّتهم فيقبل الله عذرهم ويجيز حجّتهم قال ثمّ يقول الله هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ العيّاشيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : كان القرآن ينسخ بعضه بعضاً وانّما يؤخذ من أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بآخره وكان آخر ما نزل عليه سورة المائِدة نسخت ما قبلها ولم ينسخها شيء لقد نزلت عليه وهو على بغلة شهباء وثقل عليه الوحي حتّى وقفت وتدلّى بطنها حتّى رأيت سرّتها تكاد تمسّ الأرض وأغمي على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حتّى وضع يده على ذوابة شيبة بن وهب الجحميّ ثمّ دفع ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقرأ علينا سورة

١٠٤

المائِدة فعمِلَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعملنا.

وعن الصادق عليه السّلام : نزلت المائدة كملاً ونزلت معها سبعون ألف ألف ملك وفي ثواب الأعمال عن الباقر عليه السلام : من قرء سورة المائدة في كلّ يوم خميس لم يلبس إيمانه بظلم ولم يشرك به أبَدَاً إن شاء الله تعالى.

١٠٥

سورة الأنعام

هي مكية غير ست آيات وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إلى آخر

ثلاث آيات قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى آخر ثلاث آيات فانّهُن نَزَلْنَ

بالمدينة وعدد آيها مائة وخمس وستون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

(١) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وصف نفسه بما نبّه به على أنّه المستحقّ للحمد حُمِد أو لم يحمد ليكون حجّة على العادلين به وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ انشأهما والفرق بين الخلق والجعل أنّ الخلق فيه معنى التقدير والجعل فيه معنى التصيير كانشاءِ شيء من شيء ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ يعني أنّه خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه ثمّ هم يسوّون به ما لا يقدر على شيء منه ومعنى ثمّ استبعاد عدولهم (١) بعد هذا الوضوح.

في الإحتجاج عن الصادق عليه السلام في حديث : في نزول هذه الآية أنّها ردّ على ثلاثة أصناف لما قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كان ردّاً على الدّهرية الّذين قالوا إنّ الأشياءَ لا بدْو لها وهي قائمة ثمّ قال وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ فكان ردّاً على الثنويّة (٢) الذين قالوا إنّ النّور والظّلمة هما المدّبران ثمّ قال ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ

__________________

(١) وعدلوا بالله أشركوا به وجعلوا له مثلاً ومنه حديث عليّ عليه السلام : كذب العادلون بك إذ شبّهوك بأصنامهم.

(٢) الثّنويّة من يثبت مع القديم قديماً غيره قيل وهم فرق المجوس يثبتون مبدئين مبدءً للخير ومبدأ للشرّ وهما النّور والظلمة ويقولون بنبوة إبراهيم وقيل هم طائفة يقولون إنّ كلّ مخلوق مخلوق للخلق الأوّل وقد شهد ببطلان قولهم قوله (ع) في وصف الحقّ تعالى : لا من شيءٍ كان ولا من شيء خلق ما كان فبهذا يدافع جميع حجج الثنويّة وشبههم.

١٠٦

يَعْدِلُونَ فكان ردّاً على مشركي العرب الذين قالوا إنّ أوثاننا آلهة.

(٢) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أي ابتدأ خلقكم منه ثُمَّ قَضى أَجَلاً كتب وقدّر أجلاً محتوماً لموتكم لا يتقدم ولا يتأخر وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ لموتكم أيضاً يمحوه ويثبت غيره لحكمة الصدقة والدّعاءِ وصلة الرحم وغيرها ممّا يحقق الخوف والرّجاء ولوازم العبودية فان بها وبأضدادها يزيد العمر وينقص وفيه سرّ البداءِ وقد بيّناه في كتابنا المسمّى بالوافي مستوفى في الكافي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها قال : أجلان أجل محتوم وأجل موقوف.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : الأجل المقضيّ هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه والمسمّى هو الذي فيه البداء يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ تشكّون فيه وفي بعثه إيّاكم استبعاد لأمترائهم بعد ما ثبت أنّه خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم إلى آجالهم فانّ من قدر على خلق الأصول وجمعها وإبداع الحيوة فيها وابقائها ما يشاء وتوقيفهم في الأجل بعد حتمه إيّاه في الخوف والرّجاءِ بعد قضائه الأمر كان حقيقاً بأن يعبد وكان أقدر على جمع الأصول وإحيائها ثانياً فالآية الأولى دليل التوحيد والثانية دليل التوحيد والبعث جميعاً.

(٣) وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ هو المعبود فيهما والمعروف بالإِلهية والوحدانية مثل قوله وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ في التوحيد عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية كذلك هو في كلّ مكان قيل بذاته قال ويحك الأماكن أقدار فإذا قلت في مكان بذاته لزمك ان تقول في أقدار وغير ذلك ولكن هو باين من خلقه محيط بما خلق علماً وقدرةً واحاطةً وسلطاناً وليس علمه بما في الأرض بأقل مِمّا في السّماءِ لا يبعد عنه شيء والأشياء عنده سواء علماً وقدرة وسلطاناً وملكاً واحاطةً يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ.

القمّيّ قال السّرّ ما أسرّ في نفسه والجهر ما أظهره وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ من خير وشر فيثيب عليه ويعاقب.

(٤) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ تاركين النّظر

١٠٧

فيها غيرَ ملتفتين إليها.

(٥) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فسيظهر لهم ما كانوا به يستهزؤن عند نزول العذاب بِهِم.

(٦) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ من أهل زمان مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أعطيناهم من البسطة في الأجسام والسّعة في الأموال ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ ما لم نعطكم يا أهل مكّة وفي الكلام التفات وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ المطر عَلَيْهِمْ مِدْراراً مغزاراً (١) وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فعاشوا في الخصب (٢) بين الأنّهار والثمار فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ولم يغن ذلك عنهم شيئاً وَأَنْشَأْنا وأحدّثنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ بدلاً منهم يعني إنّا كما قدّرنا أن نهلك من قبلكم كعاد وثمود وننشيء مكانهم آخرين قدّرنا أن نفعل ذلك بكم.

(٧) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ مكتوباً في ورق فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ولم يقتصر بهم على الرّؤية لئلّا يقولوا سكّرت أبصارنا لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ لعظم عنادهم وقسوة قلوبهم.

(٨) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يصدقه ويكلمنا أنّه نبّي لقوله لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ لحقّ إهلاكهم فان سنّة الله جرت بذلك فيمن قبلهم ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين.

(٩) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً جواب ثان أو جواب لاقتراحٍ ثان فانّهم كانوا تارة يقولون لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وتارة يقولون لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً والمعنى لو جعلنا قريناً لك ملكاً يصدّقك ويعاينوه أو جعلنا مكانك ملكاً كما اقترحوه لمثلناه رجلاً كما مثّل جبرئيل في صورة دحية فانّ القوّة البشريّة لا تقوى على رؤية الملك في صورته وَلَلَبَسْنا

__________________

(١) في الحديث : الإمام كالعين الغزيرة يقال غزر الماء بالضمّ غزاراً وغزارة كثر فهو غزير أي كثير والمراد شدّة النّفع وعمومه. والمدرار الكثير الدّر مفعال يستوي فيه المذكر والمؤنّث.

(٢) الخصب بالكسر كحِمل : النماء والبركة والمرعى الخصب كثير العشب.

١٠٨

عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ولخلطنا عليهم ما يخلطُون على أنفسهم فيقولون ما هذا إِلَّا بَشَرٌ* مثلنا وكذّبوُه كما كَذّبُوك في تفسير الإمام عليه السلام في سورة البقرة.

وفي الإحتجاج عنه عليه السلام قال : قلت لأبي عليّ بن محمّد عليهما السلام هل كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يناظِرُ اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم قال مراراً كثيرة إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان قاعداً ذات يوم بفناءِ الكعبة إذ ابتدأ عبد الله بن أبي أميّة المخزوميّ فقال يا محمّد لقد ادّعيت دعوىً عظيمة وقلت مقالاً هائلاً زعمت أنّك رسول ربّ العالمين وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشراً مثلنا ولو كنت نبيّاً لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيّاً لكان إنّما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا ما أنت يا محمّد الّا مسحوراً ولست بنبيّ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم اللهم أنت السّامع لكل صوت والعالم بكلّ شيء تعلم ما قاله عبادك فأنزل عليه يا محمّد وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ إلى قوله تعالى وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأمّا قولك لي ولو كنت نبيّاً لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيّاً لكان إنّما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا فالملك لم تشاهده حواسّكم لأنّه من جنس هذا الهواءِ لا عيان منه ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكاً بل هذا بشر لأنّه إنّما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي الفتمُوه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وانّ ما يقوله حقّ بل إنّما بعث الله بشراً رسولاً وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبكم فتعلمون بعجزكم عمّا جاء به إنّه معجزة وانّ ذلك شهادة من الله بالصّدق له ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم إنّ ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتّى يصير ذلك معجزاً الا ترون أنّ الطّيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأنّ لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها ولو أنّ آدميّاً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً فالله عزّ وجلّ سهّل عليكم الأمر وجعله مثلكم بحيث يقوم عليكم حجّته وأنتم تقترحون عمل الصّعب الذي لا

١٠٩

حجّة فيه الحديث ويأتي نبذ منه في سورة الفرقان وآخر في سورة زخرف إن شاء الله.

(١٠) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على ما يرى من قومِهِ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فأحاط بهم الذي يستهزؤن به من العذاب.

(١١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ قيل أي سافروا فيها ثُمَّ انْظُرُوا بأبصاركم وتفكروا بقلوبكم.

والقمّيّ أي انْظُرُوا في القرآن وأخبار الأنبياء فانظروا وقد مضى نظيره عن الصادق عليه السلام في سورة آل عمران كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ المستهزئين بالرّسل من الأمم السالفة حيث استأصلهم بالعذاب.

(١٢) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ سؤال تبكيت (١) قُلْ لِلَّهِ تقرير لهم أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم في ذلك ولا تقدرون أن تضيفوا شيئاً منه إلى غيره كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أوجبها على ذاته في هدايتكم الى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الأدّلة وانزال الكتب والإِمهال على الكفر والذنوب لتدارك ما فرط لَيَجْمَعَنَّكُمْ قرناً بعد قرن إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ قيل استيناف ووعيد على اشراكهم واغفالهم النظر وقيل بدل من الرَّحْمَةَ فانّه منها الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بتضييع رأس ما لهم الّذي هو الفطرة الأصليّة فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فانّ إبطال الفطرة ادّاهم الى الإِصرار على الكفر.

(١٣) وَلَهُ وَللهِ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ما تمكنَ وحلّ من السّكنى ذكر في الأوّل السَّماواتِ وَالْأَرْضِ المشتملتين على الأمكنة جميعاً وهنا اللَّيْلِ وَالنَّهارِ المشتملين على الأزمنة جميعاً ليعمّ الموجودات التي تندرج تحت الظّرفين وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ لا يخفى عليه شيء.

(١٤) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا إنكار لاتّخاذ غير الله وليّاً لا لإتّخاذ الوليّ ولذلك قدّم غير وأوْلِيَ الهمزة فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ منشؤهما ومبدعهما ابتدأ بقدرته وحكمته من

__________________

(١) التّبكيت التقريع والتوبيخ كما يقال له يا فاسق أما استحييت أما خفت الله.

١١٠

غير احتذاءِ مثال وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ يرزق ولا يرزق يعني أنّ المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الانتفاعُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أي أمرني ربّي أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لأنّ النّبي سابق أمّته في الإِسلام وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وقيل لي وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ويجوز عطفه على قُلْ.

(١٥) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مبالغة أخرى في قطع أطماعهم وتعريض لهم بأنهم عصاة مستوجبون للعذاب.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ حتى نزلت سورة الفتح فلم يعد الى ذلك الكلام.

(١٦) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ يعني العذاب وقرءَ بالبناءِ للفاعل فَقَدْ رَحِمَهُ وتفضّل عليه في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ.

(١٧) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ ببلية كمرض وفقر فَلا كاشِفَ لَهُ فلا قادر على كشفِهِ إلَّا هو وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ بنعمة كصحة وغنىً فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقدر على إدامته وإزالته.

(١٨) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ تصوير لقهره وعلّوه بالغلبة والقدرة يعني أنّهم تحت تسخيره وتذليله وَهُوَ الْحَكِيمُ في أمره وتدبيره الْخَبِيرُ بالعباد وخفايا أحوالهم وبكل شيء.

(١٩) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً أعظم شهادة وأصدق قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قيل الله جواب وشهيد مستأنف بتقدير هو وقيل بل الله شهيد سادّ مسدّ الجواب.

أقولُ : لعلّه أريد أنّه لا يحتاج إلى الجواب ويكون معنى السّؤال أنّه غير خاف أنّ الله هو أكبر شيء شهادة وأنتم أيضاً تعلمون ذلك ومعنى اللهُ شَهِيدٌ أن الله الذي هو أكبر شيء شهادة هو الذي يشهد لي بالنبوّة وانّما جاز اطلاق الشّيء على الله تعالى لإِخراجه

١١١

عن حدّ التعطيل ولكنه شيء بخلاف الأشياءِ كذا في الكافي عن الصادق عليه السلام.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : إن مشركي أهل مكّة قالوا يا محمّد ما وجد الله رسولاً يرسله غيرك ما نرى أحداً يصدّقك بالذي تقول وذلك في أوّل ما دعاهم وهو يومئذ بمكّة قالوا ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعمُوا أنّه ليس لك ذكر عندهم فأتانا بأمر يشهد أنّك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال : رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ قيل يعني أنذركم وأنذر سائر من بلغه إلى يوم القيامة.

وفي المجمع والكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : فِي هذه الآية وَمَنْ بَلَغَ أن يكون إماماً من آل محمّد صلوات الله عليهم فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.

والقمّيّ : ما في معناه أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى تقرير لهم مع إنكار واستبعاد قُلْ لا أَشْهَدُ بما تشهدون قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ بل اشهد أن لا إله إلّا هو وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ به من الأوثان وغيرها.

(٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ يعرفون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بحليته المذكورة في التوراة والإِنجيل كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ بحِلاهم (١)

القمّيّ : نزلت في اليهود والنصارى لأنَّ الله قد أنزل عليهم في التوراة والإِنجيل والزبور صفة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وصفة أصحابه ومهاجره وهو قوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله إلى قوله ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ فهذه صفة رسول الله صلّى الله عليه وآله في التّوراة والإِنجيل وصفة أصحابه فلمّا بعثه الله عزّ وجل عرفه أهل الكتاب كما قال جلّ جلاله فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من أهل الكتاب والمشركين فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ لتضييعهم ما به يكتسب الإِيمان.

__________________

(١) الحلية بالكسر بمعنى الصّفة.

١١٢

(٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً كقولهم الملائكة بنات الله وهؤلاءِ شفعاؤنا عند الله أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ كأن كذّبوا القرآن والمعجزات وسمّوها سحراً وانما ذكر أَوْ وهم قد جمعوا بين الأمرين تنبيهاً على أنّ كلًّا منهما وحده بالغ غاية الافراط في الظّلم إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فضلاً عمّن لا أحد أظلم منه.

(٢٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ (١) جَمِيعاً منصوب بمضمر تهويلاً للأمر ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ قيل أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله تعالى ويأتي ما ورد فيه وانّ المراد بها شركاؤهم في الولاية وقرئ يحشر ويقول بالياءِ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي تزعمونهم شركاء توبيخ لهم بعدم انتفاعهم بها.

(٢٣) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ في المجمع عن الصادق عليه السلام : يعني معذرتهم.

أقول : يعني معذرتهم الّتي يتوهّمون أن يتخلّصوا بها من فتنت الذّهب إذا خلصته وقرء لم تكن بالتّاءِ وفتنتهم بالرّفع وبالياءِ والنّصب إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ يكذبون ويحلفون عليه مع علمهم بأنّه لا ينفع من فرط الحيرة والدهشة وقرئ ربّنا بالنّصب.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : يعنون بولاية عليّ صلوات الله وسلامه عليه.

(٢٤) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من الشركاءِ.

في الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث يذكر فيه أهوال يوم القيامة : ثمّ يجتمعون في موطن آخر ويستنطقون فيه فيقولون وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وهؤلاءِ خاصّة هم المقرّون في دار الدّنيا بالتّوحيد فلم ينفعهم إيمانهم بالله تعالى مع مخالفتهم رسله وشكّهم فيما أتوا به عن ربّهم ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدالهم

__________________

(١) قوله وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ* اه هو مفعول به والتقدير واذكر يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ* وجَمِيعاً* حال من ضمير المفعول ومفعولا تزعمون محذوفان اي تزعمونهم شركاء ودل على المحذوف ما تقدّم.

١١٣

الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ فكذّبهم الله فيمَا انتحلوه من الإِيمان بقوله انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ.

والقمّيّ مقطوعاً قال : انها في قدريّة (١) هذه الأمّة يحشرهم الله تعالى يوم القيامة مع الصابئين والنّصارى والمجوس فيقولون وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ يقول الله تعالى انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ قال وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إنّ لكلّ أمّة مجوساً ومجوس هذه الأمّة الّذين يقولون لا قَدَر ويزعمون أنّ المشيئة والقدرة إليهم ولهم.

(٢٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حين تتلو القرآن وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أغطية جمع كنان وهو ما يستر الشيء أَنْ يَفْقَهُوهُ كراهة أن يفقهوه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً (٢) يمنع من استماعه كناية عن نبوّ (٣) قلوبهم وأسماعهم عن قبوله وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يخاصمونك يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأساطير الأباطيل وأصله السطر بمعنى الخطّ والمعنى بلغ تكذيبهم الآيات الى أنّهم يجادلونك ويناكرونك ويجعلون كلام الله الذي هو أصدق الحديث خرافات الأوّلين وهي غاية التكذيب وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ القمّيّ قال بنو هاشم كانوا ينصرون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ويمنعون قريشاً عنه وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ أي يباعدونه ولا يؤمنون به وَإِنْ يُهْلِكُونَ وما يهلكون بذلك إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ انّ ضررهم لا يتعداهم إلى غيرهم.

(٢٧) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ جوابه محذوف يعني لو تراهم حين يوقفون على النار حتّى يعاينوها أو حين يطّلعون عليها بالدّخول لرأيته أمراً فظيعاً (٤)

__________________

(١) في الحديث ذكر القدريّة وهم المنسوبون الى القدر ويزعمون أنّ كل عبد خالق فعله ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيّته فنسبوا الى القدر لأنّه بدعتهم وضلالتهم. وفي شرح المواقف قيل القدريّة هم المعتزلة لإستناد أفعالهم الى قدرتهم وفي الحديث : لا يدخل الجنّة قدري وهو الذي يقول لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء إبليس.

(٢) الوقر بالفتح الثّقل في الإذن.

(٣) نبا السّيف ينبو من باب قتل نبّوا على فعول : كلّ ورجع من غير قطع.

(٤) فظع الأمر بالضمّ فهو فظاعة فهو فظيع أي شديد شنيع جاوزا المقدار.

١١٤

القمّيّ قال نزلت في بني أميّة فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ تمنّوا أن يرجعوا إلى الدنيا وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عطف على نُرَدُّ أو ابتداء كلام وقرئ بالنصب فيهما على الجواب بإضمار ان بعد الواو وإجراء لها مجرى الفاء وبرفع الأول ونصب الثاني.

(٢٨) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ من نفاقهم وقبايح أعمالهم فتمنّوا ما تمنّوا ضجراً لا عزماً على أنهم لو ردّوا لآمَنُوا وَلَوْ رُدُّوا أي الى الدّنيا بعد الوقوف والظّهور لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الكفر والمعاصي وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما وعدوا من أنفسهم لا يفون به.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنهم ملعونون في الأصل.

(٢٩) وَقالُوا عطف على لَعادُوا أو ابتداء إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا الضّمير للحيوة وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.

(٣٠) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ للتوبيخ والسّؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي مولاه كناية عن اطّلاعهم على الربّ وجزائه والوقوف بمعنى الإِطّلاع قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ تعيير من الله لهم على تكذيبهم بالبعث قالُوا بَلى وَرَبِّنا اقّروا وأكدّوا باليمين لانجلاءِ الأمر غاية الجلاءِ قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ بسبب كفركم.

(٣١) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ ببلوغ الآخرة وما يتصل به من الجزاءِ إذ فاتهم النّعيم واستوجبُوا العذاب المقيم حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ غاية لكذّبوا لا لخسر لأنّ خسرانهم لا غاية له بَغْتَةً فجأة قالُوا يا حَسْرَتَنا أي تعالي فهذا أوانُك عَلى ما فَرَّطْنا قصّرنا فيها قيل أي في الدّنيا وان لم يجر لها ذكر للعلم بها أو في السّاعة أي في شأنها والإِيمان بها أو في الجنّة يعني في طلبها والعمل لها لما روي عن النّبي صلّى الله عليه وآله : في هذه الآية يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة فيقولون يا حَسْرَتَنا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ تمثيل لاستحقاقهم آضار (١) الآثام أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ بئس شيئاً

__________________

(١) الوَضَرُ بالتحريك الدّرن والدّسم يقال وضرت القصعة أي دسمت ووضره وضراً فهو وضِر مثل وسخ وسخاً فهو وسخ وزناً ومعنىً فعلى هذا الآضار جمع وضر.

١١٥

يزرونه وزرهم.

(٣٢) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وما أعمالها إلّا لعب ولهو يلهي الناس ويشغلهم عمّا يعقب منفعة دائمة ولذّة حقيقية وهي جواب قولهم إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ لدوامها وخلود لذّاتها ومنافعها وقرئ ولدار الآخِرة أَفَلا يَعْقِلُونَ أيّ الأمرين خير وقرئ على الخطاب.

(٣٣) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ في الحقيقة وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ولكنهم يجحدون آيات الله ويكذّبونه والباء لتضمّن الجحود معنى التكذيب وقرأ بالتخفيف من أكذبه إذا وجده كاذباً أو نسبه إلى الكذب.

في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : قرئ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ فقال لي والله لقد كذّبوه أشدّ التّكذيب ولكنّها مخففة لا يكذبونك ولا يأتون بباطل يكذبون به حقّك.

ونسبه القمّيّ الى الصادق عليه السلام إلا أنّه قال : لا يأتون بحقّ يبطلون حقّك ويؤيّد هذا ثبوت التّكذيب والعيّاشيّ عنه عليه السلام : أي لا يستطيعون إبطال قولك.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السّلام : أنّه كان يقرأ لا يكذّبونك ويقول انّ المراد بها أنّهم لا يأتون بحقّ أحقّ من حقّك.

وفيه عن أكثر المفسّرين يُكَذِّبُونَكَ بقلوبهم اعتقاداً قال ويشهد لهذا ما روي : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لقي أبا جهل فصافحه فقيل له في ذلك فقال والله إنّي لأعلم أنّه صادق ولكنّا متى كنّا تبعاً لعبد مناف فأنزل الله تعالى الْآيَةَ.

(٣٤) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا في الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّ من صَبَرَ صَبَر قليلاً وانّ من جزع جزع قليلاً ثمّ قال وعليك بالصّبر في جميع أمورك فانّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم وأمره بالصّبر والرّفق قال فصبر

١١٦

حتّى نالوه (١) بالعظائم ورموه بها فضاق صدره فأنزل الله عزّ وجلّ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ثم كذّبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا فالزم النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم نفسه الصّبر الحديث.

والقمّيّ عنه عليه السلام : ما يقرب منه وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ قيل أي لمواعيده من قوله وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ من قصصهم وما كابدوا (٢) من قومهم.

(٣٥) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ عظم وشقّ إِعْراضُهُمْ عنك وعن الإِيمان بما جئت به.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يحبّ إسلام الحرث بن نوفل بن عبد مناف دعاه وجهد به أن يسلم فغلب عليه الشّقاءِ فشقّ ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله هذه الآية فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ منفذاً تنفيذ فيه إلى جوف الأرض أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ أو مصعداً تصعد به إلى السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ فتطلع لهم آية من الأرض أو تنزل آية من السّمَاءِ يؤمنون بها وجوابه محذوف أي فافعل والجملة جواب الشرط الأوّل والمقصود بيان حرصه البالغ على إيمان قومه وأنّه لو قدر على ذلك لفعل ولكنه لا يقدر نظيره فَلَعَلَّكَ باخِعٌ (٣) نَفْسَكَ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى بأن تأتيهم آية يخضعوا لها ولكن لا يفعل لخروجه عن الحكمة.

في الإِكمال عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : يا عليّ إنّ الله قد قضى الفرقة والإِختلاف على هذه الأمّة وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى حتى لا يختلف اثنان من هذه الأمّة ولا ينازع في شيء من أمره ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله فَلا

__________________

(١) قوله نالوه بالعظائم يعني نسبوه الى الكذب والجنون والسّحر وغير ذلك وافتروا عليه.

(٢) الكَبَد بالتحريك : الشدّة والمشقّة من المكابدة للشيء وهو تحمّل المشاق في شيء.

(٣) أي قاتل نفسك بالغمّ والوجد عليهم.

١١٧

تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ.

القمّيّ مخاطبة للنّبي صلّى الله عليه وآله وسلم والمعنيّ النّاس.

(٣٦) إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بتفهم وتدبّر يعني أنّ الذين تحرص على إيمانهم بمنزلة الموتى الّذين لا يسمعون وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ فيحكم فيهم ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ فحينئذ يسمعون وأمّا قبل ذلك فلا سبيل إلى أسماعهم.

(٣٧) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ مِمّا اقترحوه تركوا الاعتداد بما نزلت عليه من آيات الله والمعجزات مع كثرتها كأنّه لم ينزل عليه شيء من الآيات عناداً منهم قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً يخضعوا لها وقرئ أن ينزل بالتّخفيف وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ إنّه يقدر عليه وان حكمته لا يقتضي ذلك.

القمّيّ قال لا يعلمون أنّ الآية إذا جاءت ولم يؤمنوا بها لهلكوا وعن الباقر عليه السلام : في هذه الآية سيريكم في آخر الزّمان آيات منها دابّة الأرض والدّجّال ونزول عيسى بن مريم وطلوع الشمس من مغربها.

(٣٨) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ تدبّ على وجهها وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ في الهواءِ قيل وصفه به قطعاً لمجاز السّرعة ونحوها إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ محفوظة أحوالها مقدّرة أرزاقها مكتوبة آجالها مخلوقة أبدانها مربوبة أرواحها كما أنتم كذلك.

القمّيّ يعني خلق مثلكم قال وقال كل شيء ممّا خلق خلق مثلكم ، قيل المقصود من ذلك الدّلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره وليكون كالدّليل على أنه قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ شيئاً من التّفريط لأنّ فرط لا يتعدّى بنفسه وقد عدّى بفي الى الكتاب وقرئ بالتخفيف ويعني بالكتاب القرآن كما يستفاد من كثير من الأخبار كحديث اختلاف العلماء في الفتيا في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال : أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه أم كانوا شركاءَ له فعليهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله ديناً تامّاً فقصّر الرّسُول عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ

١١٨

وتِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وحديث وصف الإِمامة عن الرّضا عليه السّلام في العيون وغيره : جهل القوم وخدعوا عن أديانهم إنّ الله لم يقبض نبيّه حتّى أكمل الدّين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجمع ما يحتاج إليه كملاً فقال عزّ وجلّ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعني الأمم كلّها في الفقيه عن الصادق عليه الصّلوة والسّلام : أيّ بعير حجّ عليه ثلاث سنين جعل من نَعَمِ الجنّة قال وروي : سبع سنين.

وفيه : أنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها فقال أين صاحبها مُروه فليستعدّ غداً للخصومة.

وفي الخصال عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في حديث القيامة قال : لن يركب يومئذ إلّا أربعة أنا وعليّ وفاطمة وصالح نبيّ الله فأمّا أنا فعلى البراق وأمّا فاطمة ابنتي فعلى ناقتي العَضباء وأمّا صالح فعلى ناقة الله الّتي عقرت وأمّا عليّ فعلى ناقة من نور زمامها من ياقوت عليه حلّتان خضراوان.

(٣٩) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌ عن الهدى وَبُكْمٌ لا يتكلّمون بخير فِي الظُّلُماتِ يعني ظلمات الكفر كذا رواه القمّيّ عن الباقر عليه السّلام في تفسير الآية مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ يخذله فيضلّ لأنّه ليس من أهل الهدى وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يرشده إلى الهدى بلطفه لأنّه من أهل الهدى واللّطف.

القمّيّ عن الباقر عليه السّلام : نزلت في الذين كذّبوا الأوصياءَ هم صُمٌّ وَبُكْمٌ كما قال الله فِي الظُّلُماتِ من كان من ولد إبليس فانّه لا يصدق بالأوصياءِ ولا يؤمن بهم أبداً وهم الّذين أضلّهم الله ومن كان من ولد آدم آمن بالأوصياءِ وهم عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

(٤٠) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ أرأيت أنفسكم معناه أخبروني إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ في الدّنيا أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ يعني القيامة من تدعون أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ تبكيت لهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بأنّ الأصنام آلهة.

(٤١) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ بل تخصّون الله بالدعاءِ دون الآلهة فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ

١١٩

إِلَيْهِ ما تدعُون إلى كشفه إِنْ شاءَ أن يتفضّل عليكم بكشفه وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ وتتركون آلهتكم لما ركز في العقول إنّه القادر على كشف الضرّ دون غيره أو لا تذكرونها في ذلك الوقت من شدّة الأمر وهو له.

(٤٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ يعني الرّسل فكذّبوهم فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ بالشدّة والفقر وَالضَّرَّاءِ والمرض ونقصان الأنفس والأموال لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ لكي يتضرّعوا ويخضعُوا ويتذلّلوا أو يتوبُوا عن ذنوبهم.

(٤٣) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ معناه نفي تضرّعهم في ذلك الوقت جاء ب «لو لا» ليدلّ على أنّه لم يكن لهم عذر في ترك التضرّع الّا عنادهم وقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زيّنها الشّيطان لهم في نهج البلاغة من كلامه : ولو أنّ النّاس حين ينزل بهم النّقم ويزول عنهم النّعم فزعوا الى ربّهم بصدق من نياتهم ووَلَهٍ من قلوبهم لردّ عليهم كلّ شارد وأصلح لهم كلّ فاسِدٍ.

(٤٤) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ من البأساءِ والضّرّاءِ يعني تركوا الاتّعاظ به فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من الصحّة والتّوسعة في الرّزق وقرئ فتّحنا بالتّشديد حيث وقع حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا من الخير والنّعم واشتغلوا بالنّعم عن المنعم أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً مفاجأة من حيث لا يشعرون فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ آيسون من النّجاة والرّحمة متحسّرون.

(٤٥) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي اخرهم لم يترك منهم أحد من دبره إذا تبعه وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على إهلاك أعدائه وإعلاء كلمته فان تخليص أهل الأرض في سوء عقائد الكفّار وقبيح اعمال العصاة والفجار نقمة جليلة يحق ان يحمد عليها.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : إذا رأيت الله تعالى يعطى على العاصي فانّ ذلك استدراج منه ثمّ تلا هذه الآية وعن أمير المؤمنين عليه السلام : يا ابن آدم إذا رأيت ربّك تتابع عليك نعمه فاحذره.

١٢٠