تفسير الصّافي - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٧٩

(١٣٨) وَقالُوا هذِهِ إشارة إلى ما جعل لآلهتهم أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ حرام لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ من غير حجة.

القمّيّ قال كانوا يحرمونها على قوم وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ حرام ظُهُورُها قال يعني البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا في الذبح والنحر وقيل لا يحجّون عليها ولا يلبّون على ظهورها والمعنى أنهم قسّموا أنعامهم فقالوا هذه أنعام حجر وهذا انعام محرمة الظهور وهذه أنعام لا يذكر عليها اسم الله فجعلوها أجناساً بدعوتهم الباطلة ونسبوا ذلك التقسيم إلى الله افْتِراءً عَلَيْهِ أي فعلوا ذلك كله على جهة الافتراءِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ.

(١٣٩) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ.

القمّيّ كانوا يحرمون الجنين الذي يخرجونه من بطون الأنعام على النساءِ فإذا كان ميّتاً يأكله الرجال والنساء قيل وأنّث خالصة لأنّ ما في معنى الأجنّة والتّاء فيه للمبالغة كما في رواية الشعر أو هو مصدر كالعافية وقرئ تكن بالتاءِ وميتة بالنصب بوجوه أُخر سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ أي جزاء وصفهم الكذب على الله في التحريم والتحليل من قوله وتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.

(١٤٠) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ كانوا يقتلون بناتهم مخافة السّبي والفقر وقرئ قتلوا بالتشديد بمعنى التكثير سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ لخفّة عقلهم وجهلهم بأنّ الله رازق أولادهم لا هم وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ من البحائر ونحوها افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ إلى الحق والصواب.

(١٤١) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ من الكروم مَعْرُوشاتٍ مرفوعات على ما يحملها وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ملقيات على وجه الأرض وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ أكل ذلك أي ثمره الذي يؤكل في اللون والطعم والحجم والرائحة وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً

١٦١

وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ يتشابه بعض أفرادهما في الطعم واللون والحجم ولا يتشابه بعضها كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ من ثمر كل واحد من ذلك إِذا أَثْمَرَ وان لم يدرك ولم يينع بعد وقيل فائِدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداءِ حقّ الله.

أقول : وانما يصحّ ذلك إذا خرص ما يأكل وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وقرئ بكسر الحاءِ في قرب الإسناد : إنّه قرء عند الرضا عليه السلام فقال للقارئ هكذا يقرؤها من كان قبلكم قال نعم قال افتح الفم بالحاءِ كأنّه كان يقرؤها بالكسر وكأنّ القمّيّ أيضاً بهذا أشار حيث قال كذا نزلت قيل يريد بالحق ما يتصدق به يوم الحصاد لا الزكاة المقدرة لأنّ الزكاة فرضت بالمدينة والآية مكّية وقيل بل هي الزّكوة أي لا تؤخروه عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء والآية مدنيّة.

والمرويّ عن أهل البيت عليهم السلام أنّه غير الزّكوة ففي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : في الزّرع حقان حقّ تؤخذ به وحقّ تعطيه أمّا الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر وامّا الذي تعطيه فقول الله عزّ وجلّ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فالضغث (١) نعطيه ثمّ الضغث حتّى تفرغ.

وعن الباقر عليه السلام : هذا من الصدقة تعطي المسكين القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ (٢) الحفنة بعد الحفنة (٣).

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية قال الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : فيها قال أعط من خضرك من مشرك وغيره.

__________________

(١) الضغث بالكسر والفتح قبضة الحشيش المختلط رطبها ويابسها ويقال ملأ الكف من القضبان والحشيش والشماريخ.

(٢) جذذت الشيء جذاً من باب قتل كسرته وقطعته فهو مجذوذ والجذاذ ضمّاً وكسراً والضّم أفصح قطع ما يكسر الجداد بالفتح والكسر صرام النخل وهو قطع ثمرتها.

(٣) الحفنة بالفتح فالسّكون ملأ الكفّين من طعام والجمع حفنات كسجدة وسجدات وحفنت لفلان من باب ضرب أعطيته قليلاً.

١٦٢

والأخبار في هذا المعنى كثيرة.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : لا تصرم (١) بالليل ولا تحصد بالليل ولا تضح بالليل ولا تبذر بالليل إلى قوله وان حصدت بالليل لم يأتك السّؤّال وهو قول الله وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدته فإذا خرج فالحفنة بعد الحفنة وكذلك عند الصرام وكذلك عند البذر ولا تبذر بالليل لأنّك تعطي من البذر كما تعطي في الحصاد.

وعنه عليه السلام : في هذه الآية تعطي المسكين يوم حصادك الضغث ثمّ إذا وقع في البيذر ثمّ إذا وقع في الصّاع العشر ونصف العشر.

والقمّيّ قال فرض الله يوم الحصاد من كل قطعة أرض قبضة للمساكين وكذا في جذاذ النخل وفي التمر وكذا عند البذر وانّ الرضا عليه السلام : سئل ان لم يحضر المساكين وهو يحصد كيف يصنع قال ليس عليه شيء وانّ الصادق عليه السلام : سئل هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله قال لا هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته وَلا تُسْرِفُوا في التصدق كقوله وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لا يرتضي فعلهم.

في الكافي والعيّاشيّ عن الرضا عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال كان أبي يقول من الإسراف في الحصاد والجذاذ ان يتصدق الرجل بكفيه جميعاً وكان أبي إذا حضر شيئاً من هذا فرأى أحداً من غلمانِهِ يتصدق بكفّيه صاح به أعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة والضّغث بعد الضّغث من السّنبل.

وعن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال كان فلان بن فلان الأنصاري وسمّاه كان له حرث وكان إذا أخذه تصدق به ويبقى هو وعياله بغير شيء فجعل الله عزّ وجلّ ذلك سرفاً وفي الكافي عنه عليه السلام في حديث قال : وفي غير آية من كتاب الله يقول إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التقتير لكن

__________________

(١) الصرام وجذاذ النخل وهذا أول الصرام بالفتح والكسر والصرمة القطعة من النخل نحواً من ثلاثين.

١٦٣

أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده ثمّ يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيبُ له.

(١٤٢) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً وأنشأ من الأنعام ما تحمل الأثقال وما ينسج من وبره وصوفه وشعره الفرش كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ منها وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ في تحريم شيء منها من عند أنفسكم إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة.

(١٤٣) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حَمُولَةً وَفَرْشاً أو مفعول كُلُوا وَلا تَتَّبِعُوا معترض والزّوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه وقد يقال لمجموعهما مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ الأهليّ والوحشِي وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ الأهلي والوحشِيّ وقريء بفتح العين قُلْ آلذَّكَرَيْنِ ذكر الضأن وذكر المعز حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أم انثييهما أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أو ما حملته أناث الجنسين ذكراً كان أو أنثى نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ بأمر معلوم يدلّ على أنّ الله حرّم شيئاً من ذلك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعوى التحريم عليه.

(١٤٤) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ العراب (١) والبخاتي (٢) وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ الأهليّ والوحشِي وقيل أريد بالاثنين الذكر والأنثى من كل صنف والصواب ما قلناه كما يأتي بيانه قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ كما مرّ والمعنى إنكار انّ الله حرّم من الأجناس الأربعة أهليّاً كان أو وحشيّاً ذكراً كان أو أنثى وما تحمل إناثها ردّاً عليهم فإنهم كانوا يحرّمون ذكور الأنعام تارةً وإناثها تارة وأولادها كيف كانت تارة زاعمين أنّ الله حرّمها أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ بل كنتم حاضرين شاهدين إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا حين وصكم بهذا التحريم فانّكم لا تؤمنون بالرسل فلا طريق لكم إلى معرفة أمثال ذلك الا المشاهدة أو السماع فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فنسب إليه تحريم ما لا يحرم والمراد كبراؤهم المقرّرون لذلك أو عمرو بن لحيّ المؤسّس له الذي بَحَر البحائر وسيّب السّوائب لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

القمّيّ فهذه التي أحلها الله في كتابه في قوله وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ

__________________

(١) الإبل العراب خلاف البخاتي.

(٢) البخت بالضم الإِبل الخراسانية كالبختية ج بخاتي وبخاتى وبخات.

١٦٤

ثم فسرها في هذه الآية فقال مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ عنى الأهليّ والجبليّ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ عنى الأهليّ والوحشِيّ الجبليّ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ عنى الأهليّ والوحشِيّ الجبليّ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ يعني البخاتيّ والعراب فهذه أحلّهَا الله.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : حمل نوح عليه السلام في السفينة الأزواج الثمانية التي قال الله عزّ وجلّ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ الآية فكان مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ زوج داجنة (١) يربيها الناس والزوج الآخر الضّأن التي تكون في الجبال الوحشية أحلّ لهم صيدها وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ زوج داجنة يربيها الناس والزوج الآخر الضّباء التي تكون في الغار وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ البخاتي والعراب وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ زوج داجنة للناس والزوج الآخر البقر الوحشية وكل طير طيب وحشي وانسيّ.

وفيه وفي الفقيه عن داود الرقيّ قال : سألني بعض الخوارج عن هذه الآية مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ الآية ما الذي أحلّ الله من ذلك وما الذي حرَّم فلم يكن عندي فيه شيء فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا حاجّ فأخبرته بما كان فقال إنّ الله تعالى أحلّ في الأضحية بمنى الضّأن والمعز الأهليّة وحرّم أن يضحّى بالجبليّة وأمّا قوله وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ فانّ الله تعالى أحلّ في الأضحيَة الإبل العراب وحرّم منها البخاتي (٢) وأحلّ البقر الأهليّة أن يضحى بها وحرّم الجبلية فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بهذا الجواب فقال هذا شيء حملته الإبل من الحجاز.

أقول : لعلّ الخارجي كان قد سمع تحريم الأضحية ببعض هذه الأزواج الثمانية مع حلّها كلّها فأراد أن يمتحن بمعرفته داود ولعلّ علة تحريم الأضحية بالجَبَليّة منها بمنى كونها صيداً وتحريمها بالبخت لعلةٍ أخرى.

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً طعاماً محرماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ فيه إيذان بأن التحريم انّما يثبت بالوحي لا بالهوى إِلَّا أَنْ يَكُونَ الطعام مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً

__________________

(١) دجن بالمكان دجناً من باب قتل ودجوناً : أقام فيه ، وأدجن مثله.

(٢) الظاهران المراد بالبخاتي في هذا الخبر هو الوحشي من الإِبل.

١٦٥

مصبوباً كالدم في العروق لا كالكبد والطحال أو المختلط باللحم لا يمكن تخليصه منه أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ قذر أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ سمّي ما ذبح على اسم الصنم فسقاً لتوغله (١) في الفسق فَمَنِ اضْطُرَّ فمن دعته الضرورة إلى تناول شيء من ذلك غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه بأكله وقد مضى تفسير الباغي والعادي في سورة البقرة فان قيل لم خصّ هذه الأشياء الأربعة هنا بذكر التحريم مع أن غيرها محرّم أيضاً فانه سبحانه ذكر في المائِدة تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردية وغيرها وقد ورد الأخبار الصحيحة بتحريم كل ذي مخلب (٢) من الطير وكل ذي ناب من الوحش وما لا قشر له من السمك إلى غير ذلك قلنا أمّا المذكورات في المائِدة فكلها يقع عليه اسم الميتة فيكون في حكمها فأجمل هاهنا وفصل هناك وأمّا غيرها فليس بهذه المثابة في الحُرمة فخصّ هذه الأشياء بالتحريم تعظيماً لحرمتها وبين تحريم ما عداها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.

وورد أنّه ممّا يعاف عنه وأمّا ما قيل أنّ هذه السّورة مكية والمائدة مدنية فيجوز أن يكون غير ما في هذه الآية من المحرمات انما حرّم فيما بعد فلا تساعده الأخبار الواردة في ذلك عن أهل البيت عليهم السلام وكذا ما قاله القمّيّ فانه قال :

قد احتج قوم بهذه الآية على أنّه ليس شيء محرّم إلّا هذا وأحلّوا كل شيء من البهائم القردة والكلاب والسباع والذئاب والأسد والبغال والحمير والدّواب وزعموا أنّ ذلك كله حلال وغلطوا في ذلك هذا غلطاً بيّناً وانّما هذه الآية ردّ على ما أحلت العرب وحرمت لأنّ العرب كانت تحلّل على نفسها وتحرم أشياء فحكى الله ذلك لنبيه صلّى الله عليه وآله وسلم ما قالوا فقال وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا الآية فكان إذا سقط الجنين أكله الرجال وحرم على النّساءِ وإذا كان ميّتاً أكله الرجال والنساء انتهى كلامه.

__________________

(١) أوغل في البلاد والعلم ذهب وبالغ وأبعد كتوغّل.

(٢) مخلب الطائر بكسر الميم وفتح اللام بمنزلة الظفر للإنسان.

١٦٦

انتهى كلامه وانّما قلنا أنّ القولين لا يساعده الأخبار لأنّها وردت : بأنّ الحرام ليس إلّا ما حرم الله. وتليت هذه الآية وذلك حين سألوا عن حرمة غير المذكور فيها من الحيوان ففي التهذيب عن الصادق عليه السلام والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن الجرّي (١) والمار (٢) ما هي والزِّمّير (٣) وما ليس له قشر من السمك حرام هو فقال لي يا محمّد اقرأ هذه الآية التي في الأنعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ فقال فقرأتها حتّى فرغت منها فقال إنّما الحرام ما حرم الله ورسوله في كتابه ولكنهم قد كانوا يعافون عن أشياءٍ فنحن نعافها.

وعن الباقر والعيّاشيّ عن الصادق عليهما السلام : أنّه سئل عن سباع الطير والوحش حتّى ذكر له القنافذ والوطواط (٤) والحمير والبغال والخيل فقال ليس الحرام الا ما حرم الله في كتابه وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير وانّما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوها وليست الحمير بحرام ثمّ قال اقرأ هذه الآية قُلْ لا أَجِدُ الآية. وعنه عليه السلام : أنّه سئل عن الجرّيث فقال وما الجرّيث فنعت له فقال لا أَجِدُ الآية ثمّ قال لم يحرم الله شيئاً من الحيوان في القرآن الا الخنزير بعينه ويكره كل شيءٍ من البحر ليس له قشر مثل الورق وليس بحرام وانّما هو مكروه وعن أحدهما عليهما السلام : أنّ أكل الغراب ليس بحرام انّما الحرام ما حرّم الله في كتابه ولكن الأنفس تتنزّه عن كثير من ذلك تقززاً (٥) قال صاحب التهذيب قوله ليس الحرام إلّا ما حرم الله في كتابه المعنى فيه أنّه ليس الحرام المخصوص المغلظ الشديد الخطر إلّا ما ذكره الله في القرآن وإن كان فيما عداه أيضاً محرمات كثيرة إلّا أنّها دونه في التغليظ.

(١٤٦) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ من دابة أو طير وَمِنَ الْبَقَرِ

__________________

(١) الجري بالجيم والراء المشدّدة المكسورة والياء المشددة اخيراً ضرب من السّمك عديم الفلس ويقال له الجريث بالثاء.

(٢) المارماهي بفتح الراء معرب وأصله حيّة السّمك.

(٣) الزمير كسكّيت نوع من السمك.

(٤) الوطواط الخطاف وقيل الخفاش والجمع الوطاوط.

(٥) التقزز بالقاف والزائين المعجمتين التباعد عن الدّنس والمبالغة في التّطهير.

١٦٧

وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما الثروب وشحوم الكلى إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أي ما علقت بظهورهما أَوِ الْحَوايا (١) أو ما اشتمل على الأمعاءِ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وهو شحم الإلية فانه متصل بالعصعص (٢) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم وَإِنَّا لَصادِقُونَ في الأخبار والوعد والوعيد.

(١٤٧) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فيما تقول فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ لا يعجل بالعقوبة فلا تغتروا بامهاله لا يمهل إذا جاء وقته وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ حين ينزل.

(١٤٨) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي مثل هذا التكذيب لك في أن الله منع من الشرك ولم يحرم ما حرموه كذب الذين من قبلهم الرسل حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا الذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ من أمر معلوم يصحّ الإِحتجاج به على ما زعمتم فَتُخْرِجُوهُ لَنا فتظهروه لنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ ما تتبعون في ذلك إلّا الظنّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ تكذبون على الله تعالى.

(١٤٩) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ (٣) البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوّة على الإثبات فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ بالتوفيق لها والحمل عليها.

القمّيّ قال لَوْ شاءَ لجعلكم كلكم على أمر واحد ولكن جعلكم على الاختلاف.

وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام : إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فاما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة امّا الباطنة فالعقول وعن الباقر عليه

__________________

(١) الحوية كغنّية استدارة كل شيء كالتحوي وما تحوى من الأمعاء كالحاوية والحاوياء ج حوايا.

(٢) العُصعُص بضم عينيه عظم الذّنب وهو عظم يقال له أول ما يخلق وآخر ما يبلى.

(٣) الحجّة البالغة التي تبلغ الجاهل آه لعلّ المقصود انها ما تساوي في معرفتها الجاهل والعالم وان افترقا في ان العالم يعرفها بحقيقة الإيمان والجاهل بالإلزام والغلبة عليه والإعجاز والإذلال وان أنكرها في قلبه بمعنى حَسَده عليه وعدم رضاه وتسليمه لها مثل معرفة إبليس بالمعارف الحقة فان الحسَد والجحود والعداوة والكبر يمنعه عن الرضاء بها وتسليمه لها.

١٦٨

السلام : نحن الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ على من دون السماءِ وفوق الأرض.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : مثله وفي الأمالي عن الصادق عليه السلام : انه سئل عن قوله تعالى فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فقال إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكُنت عالماً فان قال نعم قال له أفلا عملت بما علمت وإن كان جاهلاً قال له أفلا تعلّمت حتّى تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة.

وفي رواية عن الصادق عليه السلام : الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ التي تبلغ الجاهل من أهل الكتاب فيعلمها بجهله كما يعلمه العالم بعلمه.

(١٥٠) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ احضروهم الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا يعني قدوتهم فيه استحضرهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وانه لا متمسّك لهم كمن يقلدهم ولذلك قيد الشهداء بالإضافة ووصفهم بما يقتضي العهد بهم فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ فلا تصدقهم فيه وبين لهم فساده وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فيه اشعار بأنّ التكذيب مُسَبَّب عن متابعة الهوى والتصديق مسبب عن متابعة الحجة وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ كعَبَدة الأصنام وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ يجعلون له عديلاً.

(١٥١) قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ أقرأ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً لما أوجب ترك الشّرك والإحسان الى الوالدين فقد حرّم الشرك والإساءة اليهما لأن إيجاب الشيء نهي عن ضدّه فيصحّ ان يقع تفصيلاً لما حرّم وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وضعه موضع النّهي عن الإِساءة اليهما للمبالغة والدلالة على أنّ ترك الإِساءة في شأنهما غير كاف.

القمّيّ مقطوعاً قال : بِالْوالِدَيْنِ رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ من أجل فقر أو من خشية فقر لقوله خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ كبائر الذّنوب أو الزنا ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ في الكافي والعيّاشي عن السجّاد : ما ظَهَرَ نكاح امرأة الأب وَما بَطَنَ الزنا.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : ما ظَهَرَ هو الزّنا وَما بَطَنَ المخالة (١) وَلا تَقْتُلُوا

__________________

(١) المخالة بالتشديد من الخلّة يعني اتخاذ الخليل قال الله تعالى ولا متخذات منه رحمه الله وخاله مخالة وخلالاً ويفتح وانه الكريم الخلّ والخلّة بكسرهما أي المصادقة والإخاء والخلة أيضاً الصديق للذكر والأنثى والواحد والجمع.

١٦٩

النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ كالقود وقتل المرتدّ ورجم المحصن ذلِكُمْ إشارة إلى ما ذكر مفصلاً وَصَّاكُمْ بِهِ بحفظه لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

(١٥٢) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الّا بالخصلة الّتي هي أحسن مما يفعل بما له كحفظه وتثميره حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ قوّته وهو بلوغ الحلم وكمال العقل.

في الفقيه والتهذيب عن الصادق : انقطاع يُتْم اليتيم الاحتلام وهو أشدّه وان احتلم ولم يونس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليّه ماله.

وفيهما وفي الكافي عنه عليه السلام : إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم وكتبت عليه السيّئات وكتبت له الحسنات وجاز له كلّ شيء الّا أن يكون ضعيفاً أو سفيهاً وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ بالعدل والتسوية لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الا ما يسعها ولا يعسر عليها في اتِّباع إيفاء الكيل والوزن بذلك تنبيه على تعسيره وانّ ما وراء الوسع فيه معفوّ وَإِذا قُلْتُمْ في حكومة ونحوها فَاعْدِلُوا فيه وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى ولو كان المقول له أو عليه من ذوي قرابتكم وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا يعني ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية احكام الشرع ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ تتّعظون به وقرء بتخفيف الذّال.

والعيّاشي عن الباقر عليه السلام : انه كان متكئاً على فراشه إذ قرء الآيات المحكمات التي لم ينسخهن شيء من الأنعام فقال شيّعهن سبعون ألف ملك قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً الآيات.

وفي المجمع عن ابن عبّاس : هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب وهي محرمات على بني آدم كلهم وهن ام الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار وقال كعب الأحبار والذي نفس كعب بيده إن هذا الأول شيء في التوراة بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الآيات.

(١٥٣) وَأَنَ ولأنّ تعليل للأمر باتّباعه هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً قيل الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في اثبات التّوحيد والنّبوة وبيان الشريعة وقرء إنّ

١٧٠

بالكسر على الاستيناف وبالفتح والتخفيف وصراطي بفتح الياءِ وبالسّين فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الأديان المختلفة المتشعبة عن الأهوية المتباينة فَتَفَرَّقَ بِكُمْ فَتفرّقكم وتُزِيلَكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ الذي هو اتّباع الوحي واقتفاء البرهان ذلِكُمْ الإتباع وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الضّلال والتفّرق عن الحق.

في روضة الواعظين عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : في هذه الآية سألت الله أن يجعلها لعليّ عليه السلام ففعل.

وفي الاحتِجاج عنه عليه السلام : في خطبة الغدير معاشر الناس إِنّ الله قد أمرني ونهاني وقد أَمرت عليّاً ونهيته فعلم الأمر والنّهي من ربّه فاسمعوا لأمره تسلموا وأطيعوه تهتدوا وانتهوا نهيه ترشدوا وصيروا الى مراده ولا تتفرق بكم السّبل عن سبيله معاشر الناس أنا الصراط المستقيم الذي آمركم باتباعه ثمّ عليّ من بعدي ثمّ ولدي من صلبه أئمّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنّه قال لبريد العجليّ تدري ما يعني بصراطي مستقيماً قال قلت لا قال ولاية عليّ والأوصياء عليهم السلام قال وتدري ما يعني فَاتَّبِعُوهُ قال قلت لا قال يعني عليّ بن أبي طالب قال وتدري ما يعني وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ قال قلت لا قال ولاية فلان وفلان والله قال وتدري ما يعني فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قال قلت لا قال يعني سبيل عليّ عليه السلام.

(١٥٤) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ عطف على وَصَّاكُمْ وثمّ للتراخي في الأخبار أو للتفاوت في الرتبة كأنّه قيل ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ قديماً وحديثاً ثمّ أعظم من ذلك إنّا آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً للكرامة والنعمة عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ على من أحسن القيام به وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وبياناً مفصّلاً لكل ما يحتاج إليه في الدين وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ لعل بني إسرائيل بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ بلقائه للجزاء.

(١٥٥) وَهذا كِتابٌ يعني القرآن أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ كثير النفع فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ باتباعه والعمل بما فيه.

١٧١

(١٥٦) أَنْ تَقُولُوا أنزلناه كراهة أن تقولوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا اليهود والنصارى وَإِنْ كُنَّا وانه كنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ قرائتهم لَغافِلِينَ لا ندري ما هي.

(١٥٧) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا ولذلك تلقفنا فنوناً من العلم كالقصص والأشعار والخطب على أنا امّيّون فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ حجة واضحة تعرفونها وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لمن تأمل فيه وعمل به فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ بعد أن عرف صحتها أو تمكن من معرفتها وَصَدَفَ أعرض وصد (١).

القمّيّ أي دفع عَنْها فضل واضلّ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ شدته بِما كانُوا يَصْدِفُونَ باعراضهم وصدهم.

(١٥٨) هَلْ يَنْظُرُونَ إنكار يعني ما ينتظرون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ ملائكة الموت أو العذاب أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أي أمره بالعذاب أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ.

في الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام : في معنى هذه الآية انما خاطب نبيّنا هل ينتظر المنافقون والمشركون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ فيعاينوهم أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني بذلك أمر ربّك والآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذب الأمم السالفة والقرون (٢) الخالية.

وفيه وفي التوحيد عنه عليه السلام : يخبر محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله ولرسوله فقال هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني بذلك العذابَ يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً كان المعنى

__________________

(١) صدّ عنه صدوداً أعرض وفلاناً عن كذا صداً منعه وصرفه.

(٢) قوله تعالى وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ أي مضت.

١٧٢

انّه لا ينفع الإِيمان حينئذ نفساً غير مقدّمة إيمانها أو مقدّمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيراً.

في التوحيد في الحديث : السابق مِنْ قَبْلُ يعني من قبل أن تجيء هذه الآية وهذه الآية طلوع الشّمس من مغربها ومثله في الإحتجاج عنه عليه السلام.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : نزلت أو اكتسبت فِي إِيمانِها خَيْراً قال إذا طلعت الشمس من مغربها من آمن في ذلك اليوم لم ينفعه إيمانه أبداً.

وفي الخصال عنه عليه السلام : فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها.

ومثله في الكافي والعيّاشيّ عنهما عليهما السلام : في قوله يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ قال طلوع الشمس من المغرب وخروج الدّجال والدخان والرجل يكون مصرّاً ولم يعمل عمل الإِيمان ثمّ تجيء الآيات فلا ينفعه إيمانه.

وعن أحدهما عليهما السلام : في قوله أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قال المؤمن العاصي حالت بينه وبين إيمانه كثرة ذنوبه وقِلّة حَسَناته فلم يكسب في إيمانه خيراً.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : مِنْ قَبْلُ يعني في الميثاق أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قال الإقرار بالأنبياء والأوصياءِ وأمير المؤمنين عليهم السلام خاصّة قال لا ينفع إيمانها لأنّها سلبَت.

وفي الإكمال عنه عليه السلام : في هذه الآية يعني خروج القائم المنتظر.

وعنه عليه السلام قال : الآيات هم الأئمّة عليهم السلام والآية المنتظرة القائم عليه السلام فيومئِذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث : يذكر فيه خروج الدجال وقاتله يقول في آخره إلّا أنّ بعد ذلك الطّامّة الكبرى قيل وما ذلك يا أمير المؤمنين قال خروج دابّة الأرض من عند الصّفا معها خاتم سليمان وعصا موسى عليه السلام تضع الخاتم

١٧٣

على وجه كل مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقّاً وتضعه على وجه كل كافر فينكت هذا كافر حقّاً حتّى أنّ المؤمن لينادي الويل لك يا كافر وانّ الكافر لينادي طوبى لك يا مؤمن وددت أنّي كنت مثلك فأفوز فوزاً عظيماً ثمّ ترفع الدابّة رأسها فيراها من بين الخافقين (١) بإذن الله جلّ جلاله وذلك بعد طلوع الشّمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا تقبل توبة ولا عمل يرفع ولا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ثمّ فسّر صعصعة راوي هذا الحديث طلوع الشمس من مغربها بخروج القائم عليه السلام قُلِ انْتَظِرُوا (٢) إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وعيد لهم وتهديد أي انْتَظِرُوا إتيان أحد الثلاثة إِنَّا مُنْتَظِرُونَ له وحينئذ لنا الفوز ولكم الويل.

(١٥٩) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ بددوه (٣) فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وافترقوا فيه وقرئ فارقوا أي باينوا ونسبها في المجمع الى أمير المؤمنين عليه السلام.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام قال : كان عليّ عليه السلام يقرؤها فارقوا دينهم قال فارق والله القوم وَكانُوا شِيَعاً فرقاً يشيع كل فرقة اماماً.

في المجمع عن الباقر عليه السلام : أنّهم أهل الضّلال وأصحاب الشبهات والبدع من هذه الأمّة.

والقمّيّ قال : فارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وصاروا أحزاباً.

وعن الصادق عليه السلام : في هذه الآية فارق القوم والله دِينَهُمْ.

وفي الحديث النبوي : ستفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة وهي التي تتبع وصيّي عليّاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قيل أي من السؤال عنهم وعن

__________________

(١) الخافقان جانبا الجو من المشرق الى المغرب والخافقان السّماء والأرض.

(٢) قوله تعالى قُلِ انْتَظِرُوا أي إتيان الملائكة ووقوع هذه الآيات إِنَّا مُنْتَظِرُونَ بكم وقوعها في هذه الآية حث على المسارعة إلى الإيمان والطاعة قبل الحال التي لا يقبل فيها التوبة وفيها أيضاً حجة على من يقول إنّ الإيمان اسم لأداء الواجبات أو للطاعات فإنّه سبحانه قد صرّح فيها بان اكتساب الخيرات غير الإيمان المجرد لعطفه سبحانه كسب الخيرات وهي الطاعات في الإيمان على الإيمان فكأنّه قال لا ينفع نفساً لم تؤمن قبل ذلك اليوم وكذا لا ينفع نفساً لم تكن كاسبةً خيراً في إيمانها قبل ذلك كسبها الخيرات ذلك اليوم.

(٣) بددت الشيء بدّاً من باب قتل فرقته واستعمل مبالغة وتكثيراً وبدد الله عظامه يوم القيامة فرقها.

١٧٤

تفرقهم وقيل معناه أنّك على المباعدة التامة من الاجتماع معهم في شيء من مذاهبهم الفاسدة إِنَّما أَمْرُهُمْ والحكم بينهم في اختلافهم إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ بالمجازاة.

(١٦٠) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها أي عشر حسنات أمثالها فضلاً من الله تعالى.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : لما نزلت هذه الآية مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : ربّ زدني فأنزل الله سبحانه مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الحديث.

القمّيّ فهذه ناسخة لقوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها.

أقول : هذا أقل ما وعد من الإضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وسبع مائة وبغير حساب.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل هل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك فقال لا هما يجريان في ذلك مجرى واحد ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالها وما يتقربان به إلى الله عزّ وجلّ قيل أليس الله عزّ وجلّ يقول مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وزعمت أنهم مجتمعون على الصلوة والزكوة والصوم والحجّ مع المؤمن قال أليس قد قال الله فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله لهم حسناتهم لكل حسنة بسبعين ضعفاً فهذا فضل المؤمن ويزيده الله في حسناته على قدر صحة إيمانه اضعافاً كثيرة ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير.

والقمّيّ عنه عليه السلام : في هذه الآية هي للمسلمين عامّة قال فان لم يكن ولاية دفع عنه بما عمل من حسنة في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها عدلاً من الله سبحانه وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص الثواب وزيادة العقاب.

١٧٥

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : لما أعطى الله سبحانه إبليس ما أعطاه من القوّة قال آدم يا ربّ سلطته على ولدي وأجريته فيهم مجرى الدّم في العروق وأعطيته ما أعطيتَه فما لي ولولدي فقال لك ولولدك السّيئة بواحدة والحسنة بعشر أمثالها قال ربّ زدني قال التوبة مبسوطة الى أن تبلغ النّفس الحلقوم فقال يا ربّ زدني قال اغفر ولا أبالي قال حسبي.

أقول : لعلّ السّرّ في كون الحسنة بعشر أمثالها والسّيئة بمثلها انّ الجوهر الإنساني المؤمن بطبعه مائل الى العالم العلوّي لأنّه مقتبس عنه وهبوطه الى القالب الجسماني غريب من طبيعته والحسنة انما ترتقي الى ما يوافق طبيعة ذلك الجوهر لأنّها من جنسه والقوّة التي تحرك الحجر الى ما فوق ذراعاً واحداً هي بعينها ان استعملت في تحريكه الى أسفل حركتَه عشرة أذرع وزيادة فلذلك كانت الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف ومنها ما يوفى أجرها بغير حساب والحسنة التي لا يدفع تأثيرها سمعة أو رياء أو عجب كالحجر الذي يدور من شاهق لا يصادفه دافع لأنّه لا يتقدر مقدار هويته بحساب حتّى تبلغ الغاية.

(١٦١) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بالوحي والإرشاد دِيناً هداني دِيناً قِيَماً فَيُعِل من قام كالسيّد والهَيّن وقرئ قيماً بكسر القاف خفيفة الياءِ على المصدر مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً هداني وعرّفني مِلَّةَ إِبْراهِيمَ في حال حنيفيته (١) وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ العيّاشيّ ، عن الباقر عليه السلام : ما أبقت الحنيفية شيئاً حتّى أنّ منها قص الأظفار والأخذ من الشارب والختان.

وعنه عليه السلام : ما من أحد من هذه الأمة يدين بدين إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا وعن السجّاد عليه السلام : ما أحد على مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عليه السلام إلّا نحن وشيعتنا وسائر الناس منها بَرَآء.

__________________

(١) الحنيف : المسلم المائل الى الدّين المستقيم والجمع حنفاء والحنيف المسلم لأنّه لا تحنّف أي تحرى الدين المستقيم والحنف محركة الاستقامة.

١٧٦

(١٦٢) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي عبادتي وقرباني وَمَحْيايَ وَمَماتِي وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطاعة لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ خالصة له.

(١٦٣) لا شَرِيكَ لَهُ لا أشرك فيها غيره وَبِذلِكَ أي الإِخلاص لِلّهِ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قيل لأنّ إسلام كل نبيّ متقدم على إسلام أمته.

أقول : بل لأنّه أول من أجاب في الميثاق في عالم الذر كما ورد عنهم عليهم السلام فاسلامه متقدم على إسلام الخلائق كلهم.

العيّاشيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : في حديث قد ذكر فيه إبراهيم عليه السلام فقال دينه ديني وديني دينه وسنّته سنّتي وسنّتي سنّته وفضلي فضله وأنا أفضل منه.

(١٦٤) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا فأشركه في عبادتي وهو جواب عن دعائهم إلى عبادة آلهتهم وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ والحال أنّ كل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ جزاء عمل من طاعة أو معصية إِلَّا عَلَيْها فعليها عقاب معصيتها ولها ثواب طاعتها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى لا تحمل نفس اثم نفس أخرى جواب عن قولهم اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ.

في العيون عن الرضا عليه السلام : أنّه سئل ما تقول في حديث يروى عن الصادق عليه السلام أنّه إذا خرج القائم عليه السلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم فقال عليه السلام : هو كذلك فقيل قول الله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ما معناه قال صدق الله في جميع أقواله ولكن ذراري قتلة الحسين عليه السلام يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه ولو أنّ رجلاً قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل وانّما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.

وفيه فيما كتبه عليه السلام : للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدين ولا يأخذ

١٧٧

الله البريء بالسقيم ولا يعذب الله الأطفال بذنوب الآباء وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ بتبيين الرشد من الغيّ وتميز المحق من المبطِل.

(١٦٥) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ قيل أي يخلف بعضكم بعضاً كلما مضى قرن خلفهم قرن يجزي ذلك على انتظام واتساق إلى يوم القيامة أو خلفاء الله في أرضه تتصرّفون فيها وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ في الشرف والغنى والعقل وغير ذلك لِيَبْلُوَكُمْ ليختبركم فِي ما آتاكُمْ من الجاه والمال كيف تشكرون نعمه إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ لمن كفر نعمه وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن قام بشكرها.

في الكافي وثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام : أنّ سورة الأنعام نزلت جملة واحدة شيّعها سبعون ألف ملك حتّى نزلت على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم فعظّموها وبجّلوها فانّ اسم الله فيها في سبعين موضعاً ولو يعلم الناس ما في قراءتها ما تركوها.

والقمّيّ عن الرّضا عليه السلام : نزلت الأنعام جملة واحدة وشيّعها سبعون ألف ملك لهم زَجَلٌ (١) بالتسبيح والتهليل والتكبير فمن قرأها سبّحوا له الى يوم القيامةِ.

__________________

(١) الزَّجل بالتحريك الصّوت يقال سحاب زَجَل أي ذو رعد ومنه لهم زَجَل بالتسبيح.

١٧٨

سورة الأعراف

مكية عدد آيها مائتان وست آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) المص قد مضى الكلام في تأويله في أوّل سورة البقرة.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام في حديث : والمص معناه أنا الله المقتدر الصادق.

وفيه والعيّاشيّ عنه عليه السلام : أنّه أتاه رجل من بني أُميَّة وكان زنديقاً فقال له قوله الله عزّ وجلّ في كتابه المص أي شيء أراد بهذا وأيّ شيء فيه من الحَلال والحرام وأيّ شيء فيه ممّا ينتفع به الناس قال فاغتاظ من ذلك فقال امسك ويحك الألف واحد واللّام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون كم مَعَك فقال الرجل مائة وواحد وستون فقال إذا انقضت سنة احدى وستين ومائة ينقضي ملك أصحابك قال فنظر فلما انقضت أحدى وستين ومائة يوم عاشوراء دخل المسودة (١) الكوفة وذهب ملكهم.

(٢) كِتابٌ هو كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ضيق من تبليغه قيل : كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم يخاف تكذيب قومه واعراضهم عن قبول قوله وإذا همّ له فكان يضيق صدره في الأداءِ ولا ينبسط له فأمّنه الله بهذه الآية وأمره بترك مبالاته لِتُنْذِرَ بِهِ أي أنزل إليك لإنذارك بِهِ وَذِكْرى وتذكيراً لِلْمُؤْمِنِينَ.

(٣) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ من القرآن والوحي وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ

__________________

(١) المسوِّدة بكسر الواو أي لابسي السّواد ومنه الحديث فدخلت علينا المسوّدة يعني أصحاب الدعوة العباسية لأنّهم كانوا يلبسون ثياباً سوداء وعيسى ابن موسى أوّل من لبس لباس العبّاسيين من العلويّين استحوذ عليهم الشياطين وأغمرهم لباس الجاهلية.

١٧٩

شياطين الإِنسِ والجنّ فيحملوكم على الأهواءِ والبدع ويضلّوكم عن دين الله وعمّا أُمِرْتم باتباعه قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ تذكراً قليلاً تتذكرون وقرء خفيفة الذال ويتذكرون وبالغيبة خطاباً مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم.

(٤) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ وكثيراً من القرى أَهْلَكْناها فَجاءَها فجاء أهلها بَأْسُنا عذابنا بَياتاً بآيتين كقوم لوط أَوْ هُمْ قائِلُونَ (١) أو هم قائلين نصف النهار كقوم شعيب يعني أخذهم في غفلة منهم وأمن وفي وقتي دعة واستراحة.

(٥) فَما كانَ دَعْواهُمْ ما كانوا يدّعونه من دينهم أو دعائهم واستغاثتهم إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ الّا اعترافهم ببطلانه وبظلمهم فيما كانوا عليه وتحسرّهم على ما كان منهم.

(٦) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ يعني الأمم عن قبول الرسالة واجابتهم الرسل وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ يعني الأنبياء عن تأدية ما حملوا من الرسالة.

في الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث : فيقام الرّسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها الى أممهم فيخبرون أنهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم وتسأل الأمم فيجحَدون كما قال الله فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ.

الحديث وقد مضى تمامه في سورة النساءِ عند تفسير فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ.

(٧) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ على الرسل والمرسَل إليهم ما كان منهم بِعِلْمٍ عالمين بأحوالهم الظاهِرة والباطنة وَما كُنَّا غائِبِينَ عنهم وعن أفعالهم وأحوالهم والغرض من السؤال التوبيخ والتقرير عليهم وازدياد سرور المثابين بالثناءِ عليهم وغمّ المعاقبين بإظهار قبائحهم.

(٨) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ أي وزن الأعمال والتميّز بين خفيفها وراجحها.

__________________

(١) قوله تعالى وَأَحْسَنُ مَقِيلاً هو من القائلة وهو استكنان في وقت نصف النهار وفي التفسير إنّه لا ينتصف النهار يوم القيامة حتّى يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار بالنار.

١٨٠