السّلام في القرآن والحديث

الشيخ محمد الغروي

السّلام في القرآن والحديث

المؤلف:

الشيخ محمد الغروي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

وإذا قل سلام المؤمنين بعضهم على بعضهم ظهرت العداوة والبغضاء في قلوبهم (١).

١٩ ـ العلوي : « ثلاثة من حقائق الإيمان : الإنفاق من الإقتار ، وإنصاف الناس (٢) من نفسك ، وبذل السلام لجميع العالم » (٣).

٢٠ ـ حديث الشيخ الكليني بإسناده إلى الباقر عليه‌السلام قال : أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب ، فقالوا : إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا ، فادعه ومره فليكف عن آلهتنا ونكف عن إلهه ، قال : فبعث أبو طالب إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعاه ، فلما دخل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم ير في البيت إلا مشركاً فقال : السلام على من أتبع الهدى ، ثم جلس فخبره أبو طالب بما جاؤوا له فقال : أَوَ هل لهم في كلمة خير لهم من هذا ، يسودون بها العرب ، ويطأون أعناقهم؟ فقال أبو جهل : نعم وما هذه الكلمة؟ فقال : تقولون : لا إله إلا الله ، قال : فوضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا هراباً وهم يقولون : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) (٤) ، فأنزل الله تعالى في قولهم : ( ص * والقرآن ذي الذكر ـ إلى قوله ـ إلا اختلاق ) (٥).

أقول ؛ إن من أدب السلام على المشرك أن يقال : « السلام على من اتبع الهدى » تعريضاً بأن الإشراك بالله العظيم يمنع السلام على صاحبه ، وإنما الجدير به المهتدي بهدى الله. والتسليم المذكور هو من أدب الوحي السماوي ، قال تعالى حيث أمر موسى وهرون أن يأتيا فرعون : ( فأتياه فقولا إنا رسولا ربّك فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذّبهم قد جئناك بآية من ربّك والسلام على مَن اتَّبع الهدى ) (٦).

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٦٠.

٢ ـ في نسخة « والإنصاف ».

٣ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٦١.

٤ ـ ص : ٧.

٥ ـ ص : ١ ـ ٧. أصول الكافي ٢ | ٦٤٩ ، ( باب التسليم على أهل الملل ) ، الحديث ٥ ، الوسائل ٨ | ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

٦ ـ طه : ٤٧.

١٢١

قيل يريد : وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين ، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين (١).

والسيد الطباطبائي فسر الآية بما يلي : قوله : ( والسلام على مَن اتّبع الهدى ) كالتحية للوداع ، يشار به إلى تمام الرسالة ، ويبين به خلاصة ما تتضمنه الدعوة الدينية ، وهو أن السلامة منبسطة (٢) على من اتبع الهدى ، والسعادة لمن اهتدى ، فلا يصادف في مسير حياته مكروهاً يكرهه لا في دنيا ولا في عقبى (٣).

أقول : تفسير آية السلام بسلام الوداع فيها لا بأس ، وأما في الحديث الجاري فالمتعين هو سلام التحية ، لأنه قال الراوي : « فلما دخل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم ير في البيت إلا مشركاً فقال : « السلام على من اتبع الهدى ثم جلس ». وهو كالصريح فيها ، على أن في الآية ( والسلام على من اتبع الهدى ) وأما الحديث فليس فيه واو ، فتفطن. نعم هو صالح لأن يجعل سلام وداع كما تأتي الإشارة إليه (٤).

تنـبيـه :

كان من الجدير ، ببحث أدب السلام ، ذكر صيغ السلام أيضاً ، إلا أنها توجب ملال التكرير هنا وهناك ، فالأولى أن يقال : إن من خضع للآداب الإسلامية لا يدع السلام ، ويوفق للمعرفة بموضع الإصابة إن شاء الله تعالى.

ولمحمد رشيد رضا حول أدب السلام كلام قال : والسنة أن يسلم القادم على من يقدم عليهم ، وإذا تلاقى الرجلان فالسنة أن يبدأ الكبير في السن ، أو القدر ، بالسلام.

__________________

١ ـ تفسير الكشاف ٣ | ٦٧.

٢ ـ في الأصل « منبسط » والصحيح « إن السلامة منبسطة ».

٣ ـ تفسير الميزان ١٤ | ١٥٧.

٤ ـ في عاشرة الأبحاث من هذا الكتاب. قال الزمخشري في الدخول على أهل الذمة : وإذا دخلت فقل : السلام على من اتبع الهدى ، ولا بأس بالدعاء له بما يصلحه في دنياه. تفسير الكشاف ١ | ٥٤٥.

١٢٢

ومن آداب السلام ما ثبت في الصحيحين أنه « يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير » وروى البخاري سلام الصغير على الكبير. ومسلم « أنه ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، مر بصبيان فسلم عليهم » ، وللترمذي « أنه مر بنسوة فأومأ بيده بالتسليم ». وقال بعض العلماء : المستحب أن يسلم الرجال على النساء المحارم مطلقاً ، والعجائز الاجنبيات دون غيرهن. وكان ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، يسلم على القوم عند المجيء وعند الانصراف (١) ، ذكره ابن القيم في الهدى وقال :وكان يسلم بنفسه على من يواجهه ، ويحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين عنه ، ويتحمل السلام لمن يبلغه إليه ، وإذا بلغه أحد السلام عن غيره يرد عليه وعلى المُبلغ به ، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، وإذا سلم عليه أحد رد عليه مثل تحيته أو أفضل منها على الفور من غير تأخير إلا لعذر ، مثل حالة الصلاة (٢) ، وحالة قضاء الحاجة ، وكان يسمع المسلم عليه رده ، ولم يكن يرد بيده ، ولا رأسه ، ولا إصبعه ، إلا في الصلاة (٢) ، فإنه كان يرد إشارة ، ثبت عنه ذلك في عدة أحاديث (٣) ، ولم يجئ ما يعارضها إلا بشيءٍ باطل لا يصح عنه (٤) ..

أدب السلام من أدب الإسلام العالي [ السامي ] ، الذي لا يكاد يجمعه غيره على حد تعبير البعض (٥) ، لو يعلم به أهل العالم لاعتنقوه ، إذا لم يبخل به أهل الإسلام قال البعض :

( ولكن خلف من بعدهم خلف أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كل شيءٍ يعمله المسلم ، حتى من النظر في القرآن ، وقراءة الكتب المشتملة على آياته ، وظنوا أن هذا تعظيم للدين ، وصون له عن المخالفين. وكلما زادوا بُعداً عن حقيقة الإسلام زادوا إيغالاً في هذا الضرب من التعظيم ،

__________________

١ ـ يأتي بحثه في ١٠ ـ سلام الوداع.

٢ ـ بل يرد بمثل ما قال.

٣ ـ تأتي أحاديث الرد القولي في ٨ ـ السلام ندب والرد فرض.

٤ ـ تفسير المنار ٥ | ٣١٦.

٥ ـ تفسير المنار ٥ | ٣١٤ ـ ٣١٥.

١٢٣

وإنهم ليشاهدون النصارى في هذا العصر يجتهدون بنشر دينهم ، ويوزعون كثيراً من كتبهم على الناس مجاناً ، ويعلّمون أولاد المخالفين لهم في مدارسهم ليقربوا من دينهم ، حتى إن الأوروبيين فرحوا فرحاً شديداً عندما وافقهم خديوي مصر ( إسماعيل باشا ) على استبدال التاريخ المسيحي بالتاريخ الهجري ، وعدوا هذا من آيات الفتح. وترى القوم يسعون في جعل يوم الأحد عيداً أسبوعياً للمسلمين ، يشاركون فيه النصارى بالبطالة ، ومع هذا ترى المسلمين لا يزالون يحبون منع غيرهم من الأخذ بآدابهم وعاداتهم ، ويزعمون أن هذا تعظيم للدين ، وكأن هذا التعظيم لا نهاية له إلا حجب هذا الدين عن العالمين ، إن هذا لهو البلاء المبين ، وسيرجعون عنه بعد حين ) (١).

أقـول :

من أراد النهج القويم ، والصراط المستقيم ، فليسلك مسلك أهل البيت عليهم‌السلام ، ولينهج منهجهم ، وصراطهم المستقيم ، بالتعلم من محاسن كلامهم فيأخذ عنهم دينه ، فإن في حديث الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « رحم الله عبداً أحيا أمرنا ، قلت : كيف يحيي أمركم؟ قال : يتعلم علومنا ، ويعلمها الناس ، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا ... » (٢) ، ما يدعو الناس إلى الدين الخالص ، لأنهم عليهم‌السلام حقيقة الدين.

__________________

١ ـ تفسير المنار ٥ | ٣١٤ ـ ٣١٥.

وأهل البيت عليهم السلام هم الذين يمثلون الإسلام وحقائقه ، وهم أهل السلام.

٢ ـ الوسائل ١٨ | ٦٦.

١٢٤

الفصـل الثـامـن

السَـلام نَـدب وَالـردّ فـرض

١٢٥
١٢٦

السـلام نـدب والرد فرض

قال تعالى : ( وإذا حُيّيتم بتحيّة فحيوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ الله كان على كلّ شئٍ حسيباً ) (١).

ما معنى التحية؟ وما صيغها؟ وما أحكامها؟ فهنا أمور ثلاثة.

الأمر الأول :

قال الشيخ الطوسي ، طاب ثراه : هذا خطاب من الله تعالى لجميع المكلفين ، يأمرهم إذا دعا لهم إنسان بطول الحياة والبقاء والسلامة أن يحييه [ يحييهم ] بأحسن من ذلك ، أو ردوا عليه [ عليهم ] مثله.

قال النحويون : ( أحسن ) ههنا صفة لا ينصرف ؛ لأنه على وزن ( أفعله ) وهو صفة ، والمعنى : حيوا بتحية أحسن منها ، والتحية مفعلة من حييت ومعناها : السلام (٢) فعلم منه أنها دعاء بالحياة وغيره.

وقال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله : التحية : السلام ، يقال حَيّى يُحيّي تحية إذا سلم ، قال الشاعر :

إنا محيوك يا سلمى فحيينا

وإن سقيت كرام الناس فأسقينا

__________________

١ ـ النساء : ٨٦.

٢ ـ تفسير التبيان ١ | ٤٥٣.

١٢٧

والتحية البقاء قال :

مِنْ كلّ ما نال الفتى

قد نلتُه إلاّ التحيّهْ

يعني المَلِك وإنما سمي بذلك ، لأن المَلِك يحيا بالسلام ، والثناء الحسن (١).

وقال الآخر : التحية مصدر حياه : إذا قال له : حياك الله. هذا هو الأصل ، ثم صارت التحية اسماً لكل ما يقوله المرء لمن يلاقيه أو يقبل عليه من نحو دعاء أو ثناء كقولهم : أنعم صباحاً وأنعم مساءً. وقالوا عم صباحاً ومساءً ، وجعلت تحية المسلمين السلام. للإشعار بأن دينهم دين السلام والإيمان ، وأنهم أهل السلم ومحبو السلامة. ومن التحيات الشائعة في بلادنا إلى هذا اليوم : أسعد الله صباحكم ، أسعد الله مساءكم ـ وهذا بمعنى قول العرب القدماء : أنعم صباحاً ومساءً ـ ونهارك سعيد ، وليلتك سعيدة وهذا مترجم عن الأفرنجية. وقد أوجب الله تعالى علينا في هذه الآية أن نجيب من حيانا ، بأحسن من تحيته ، أو بمثلها ، أو عينها ، كأن نقول له الكلمة التي يقولها وهذا هو ردها وفسروه : ... (٢).

أقول : يأتي البحث عن صيغ التحية (٣) وهل هي تخص الأقوال ، أو تعم الأفعال أيضاً؟.

الحق العموم ، وعليه عمل المعصوم عليه‌السلام وقوله ، روحي فداه ، قال ابن شهر اشوب : قال أنس : حَيَّتْ جارية الحسن بن علي عليهما‌السلام بطاقة ريحان فقال لها : أنت حرة لوجه الله ، فقيل له في ذلك؟ فقال : أدبنا الله تعالى فقال : ( وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ) الآية (٤) ، وكان أحسن منها إعتاقها (٥).

__________________

١ ـ تفسير مجمع البيان ٤ | ٨٤ ـ ٨٥. وقد سبق هذا الشعر ـ مع تغيير غير مضر ـ عند التكلم على الحديث التاسع من أحاديث ( ٧ ـ أدب السلام ) وكلام ابن الأثير فراجع.

٢ ـ تفسير المنار ٥ | ٣١١ ـ ٣١٢.

٣ ـ في الأمر الثاني.

٤ ـ النساء : ٨٦.

٥ ـ المناقب ٤ | ١٨ ، تفسير الصافي ١ | ٣٩٩ ، تفسير نور الثقلين ١ | ٤٣٥ ، تفسير الميزان ٥ | ٣٥. وفي بعض النسخ منها « جاءت » مكان « حَيّت ».

١٢٨

والعلوي : « إذا عطس أحدكم فسمّتوه قولوا : رحمكم الله ، وهو يقول : يُغفر لكم ويرحمكم الله ؛ قال الله عزّ وجلّ : ( وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) » (١).

دل الحديث الحسني على شمول التحية لمثل تقديم طاقة الريحان من الجارية سلاماً ، وعتقها إجابة ، هب أن العتق لا يكون إلا بالقول ، ولكنه اعتبر الجواب الأحسن للتحية غير القولية.

كما أن العلوي جعل جواب التسميت ونفسه من التحية من غير السلام لأجل التدليل بالآية ، ويشهد للشمول قول علي بن إبراهيم القمي : إنها ـ أي : التحية ـ السلام وغيره من البر (٢) ، وأبواب البر كثيرة ومنها التسميت.

وقد عرفت أن السلام مظهر الحب ومن وسائله ، ونوع إخبار به ودليل عليه ، وقد جاء في الصادقي : « إذا أحببت رجلاً فأخبره بذلك ، فإنه أثبت للمودة بينكما » (٣) ومن ثم رغب على الابتداء به وإفشائه في العالم كله ، لأن الله عزّ وجلّ يحب السلام والسلامة للجميع ، وأن يكونوا إخوة متحابين ، يحب بعضهم بعضاً ، وتكون مهمتهم التواصل وصلاح أمورهم فيما بينهم ، وترى الأهتمام البالغ في الإسلام في توطيد السلام ؛ وآيات القرآن تشمل المسلمين وغيرهم ، وإنما وجه الخطاب إليهم ، لأنهم الذين ينتفعون بها دون غيرهم. ولعل في آخر الآية : ( إن الله كان على كل شئٍ حسيباً ) الإشعار بذلك ؛ والمعنى أنه تعالى يحاسبكم على قيامكم بالتحية كما هي ، وبأهدافكم الداعية إليها ، أو بترككم لها ، وبطريقتكم التي سرتم عليها ، أو سيرتم الآخرين ، أو منعتموهم ، ولا يخصكم الحساب فيه أيها المسلمون المؤمنون.

ويحتمل أن يكون الحسيب في الآية بمعنى الكافي ، لكونه تعالى

__________________

١ ـ الوسائل ٨ | ٤٦٠ ، الباب ٥٨ باب كيفية التسميت والرد ، الحديث ٣ ، تفسير البرهان ١ | ٣٩٩.

٢ ـ تفسير القمي ١ | ١٤٥ من سورة النساء.

٣ ـ الوسائل ٨ | ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، الباب ٣١ من أبواب العشرة ، الرقم ١.

١٢٩

يكفي الجميع في العطاء ، كل إنسان بحسبه حفظاً وعلماً وجزاءً ، ومنه قوله تعالى : ( عطاءً حساباً ) (١) أي كافياً (٢).

ويحتمل أن يكون الحسيب بمعنى الحفظ. وسواء أكان الحسيب في الآية بمعنى إحصاء الشيء وحسابه ، أو الكافي ، أو الحفظ كانت المناسبة للتحية موجودة ، ولا يخفى تطبيق أيٍ من المعاني الثلاثة على موضع التحية وموردها.

إنك قد عرفت أن مورد الخطاب للمسلمين ، ولا يخصص المورد حكم الوارد ، إذا كان للحكم عموم شرعاً وعقلاً ، والسر في كون خطابات القرآن الكريم عامة لعامة الناس هو عدم القرابة وانتفاؤها بين الله تعالى وبين أحد من خلقه ، فالكل عبيد له ، تجب عليهم ـ عقلاً ـ طاعة سيدهم ، فلو رأيت في الخطاب أختصاصاً بالمسلمين ، فإنه كما سبق لأجل انتفاعهم دون الناس الآخرين.

الأمر الثاني : في صيغ التحية :

والكلام حول صيغها والإجابة عليها وبيان مناسبتها يستدعي ـ نوعاً ما ـ بسطاً فيه. فنقول : لا ريب أن قوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيءٍ حسيباً ) أمر بالإجابة على التحية بالأحسن ، أو المماثل عند سماعها ، نظير الأمر بالسعي إلى ذكر الله عند النداء إلى الصلاة من يوم الجمعة (٣).

وقد بين سبحانه قسمين من أقسام الإجابة ، كما ستعرف ذلك قريباً ، ولم يذكر للتحية شيئاً. نعم قد بينتها أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام. كما لا امتراء في وجوب الإجابة ، لأجل صيغة الأمر الدالة على الوجوب على ما حرر في محله.

__________________

١ ـ النبأ : ٣٦. والآية هكذا : ( جزاءاً من ربك عطاءً حساباً ).

٢ ـ تفسير مجمع البيان ٣ | ٨٥.

٣ ـ قال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ). الجمعة : ٩.

١٣٠

وإليك معنى الآية وما يناسبها قال الطبرسي : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ). أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمناً ، وإلا فليقل : ( وعليكم ) لا يزيد على ذلك ، فقوله : ( بأحسن منها ) للمسلمين خاصة ، وقوله : ( أو ردّوها ) لأهل الكتاب عن ابن عباس. فإذا قال المسلم : السلام عليكم فقل : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله فقل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى السلام. وقيل : إن قوله ـ تعالى ـ : ( أو ردّوها ) للمسلمين خاصة أيضاً عن السدّي ، وعطاء ، وإبراهيم ، وابن جريج ، قالوا : إذا سلم عليك المسلم فرد عليه بأحسن مما سلم عليك ، أو بمثل ما قال. وهذا أقوى لما روي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : « إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم » (١).

وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين عليهم‌السلام أن المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر (٢). وذكر الحسن أن رجلاً دخل على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال « السلام عليك فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعليك السلام ورحمة الله ، فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله ، فقال النبي : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فقيل : يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية ، ولم تزد في الثالث ، فقال : إنه لم يبق لي من التحية شيئاً فزدت عليه مثله » (٣).

وروى الواحدي بإسناده عن أبي أمامة عن مالك بن التيهان قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قال : « السلام عليكم كتب له عشر حسنات ، ومن قال : السلام عليكم ورحمة الله ، كتب له عشرون حسنة ،

__________________

١ ـ الوسائل ٨ | ٤٥٢ ، الباب ٤٩ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ١.

قال المجلسي : ابن عيينة يرويه بغير واو ، وهو الصواب لأنه إذا حذفت الواو صار قولهم الذي قالوه نفسه مردوداً عليهم خاصة ، وإذا أثبت الواو وقع الاشتراك. المرآة ١٢ | ٥٤٦.

٢ ـ تفسير القمي ١ | ١٤٥.

٣ ـ المجازات النبوية ٢٢٩ ، الرقم ٢٣٦ في معناه ، البحار ٧٦ | ١٢.

١٣١

ومن قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة » (١).

( إن الله كان على كلّ شيءٍ حسيباً ) (٢). أي : حفيظاً عن مجاهد. وقيل : كافياً. وقيل : مجازياً عن ابن عباس. وفي هذه الآية دلالة على وجوب رد السلام ؛ لأن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب (٣). وقال الحسن وجماعة من المفسرين : إن السلام تطوع والرد فرض (٤).

ثم إن الرد ربما كان من فروض الكفاية ، وقد يتعين بأن يخصه بالسلام ، ولا أحد عنده فيتعين عليه الرد (٥).

أقـول :

أشار الطبرسي رحمه‌الله إلى بعض الأحاديث المروية في صيغ التحية وأحكامها ، من كيفية رد السلام لأهل الكتاب التي يأتي ذكرها في الأمر الثالث. والأولى سرد الأحاديث على عادتنا وبيان بعض الأمور :

١ ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : السلام تطوع والردّ فريضة » (٦).

٢ ـ الصدوق بإسناده إلى الباقر عليه‌السلام في حديث النهي عن التسليم على جماعة منهم المصلي : « ولا على المصلي ، وذلك لأن المصلي لا يستطيع أن يردّ السلام ؛ لأن التسليم من المسلم تطوع والردّ عليه فريضة ... » (٧). ويأتي الكلام عليه في بحث السلام المنهي (٨).

٣ ـ روى الكليني رحمه‌الله عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ،

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٥.

٢ ـ النساء : ٨٦.

٣ ـ قلنا : صيغة الأمر تفضي الوجوب.

٤ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٤.

٥ ـ تفسير مجمع البيان ٣ | ٨٥.

٦ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٤ ، الوسائل ٨ | ٤٣٨.

٧ ـ جامع الأحاديث ١٥ | ٥٨٦.

٨ ـ تاسع أبحاث التحية في هذه الرسالة.

١٣٢

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام ، والبادي بالسلام أولى بالله ورسوله » (١).

إنما صح التنزيل لأجل مفروغية وجوب المنزل عليه يعني رد السلام.

٤ ـ النبوي : « وردك السلام صدقة » (٢).

تطلق الصدقة على الواجب أيضاً ، كالصدقات المالية المفروضة ، والوجه في تسمية رد السلام بالصدقة ، لكونه واجباً قُربيّاً كالتسليم ، لأنه اسم الله الفاشي في الخلق ، والمحثوث على إفشائه أكثر فأكثر ، ويشهد له النبوي المتقدم (٣) : « إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم ؛ فإن الرجل المسلم إذا مر بالقوم فسلم عليهم ، فإن لم يردوا عليه ، يرد عليه من هو خير منهم وأطيب » (٤).

يريد بالخير الأطيب الملائكة ، حيث جاء في تسليم داخل الدار على أهلها سواء كانوا فيها أو لا ؛ فإن لكل بقعة ملائكة موكلة بها ، وكذا مع كل إنسان ملائكة يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وشماله ، من أمر الله (٥) ، ولاشك أنهم بأمره تعالى يعملون ويردون السلام إلى أهله.

ولنعد إلى أحاديث السلام :

٥ ـ في العلوي : « وأفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها » (٦).

٦ ـ سبط الشيخ الطبرسي في مشكاة الأنوار نقلاً عن المحاسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من قال : سلام عليكم فهي عشر حسنات ، [ ومن قال : سلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة ] ، ومن

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٧٠ ، باب التكاتب من كتاب العشرة ، الحديث ٢.

٢ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٦٠.

٣ ـ تحت رقم ٤ ـ النبوي من ( ٤ ـ إفشاء السلام في العالم ).

٤ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٦٣.

٥ ـ تفسير البرهان ٣ | ١٥٣ ، تفسير القمي ٢ | ١٠٩ ، قال تعالى : ( له معقّبتٌ مِنْ بَيْنَ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يحفظونَه من أمر الله ) الرعد : ١١.

٦ ـ تحف العقول ١٥٢.

١٣٣

قال : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون » (١).

٧ ـ قال السيد الشريف الرضي ، طاب ثراه ، في المجازات النبوية :

ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وقد أتاه رجل فقال : « السلام عليك يانبي الله ، فقال : وعليك ورحمة الله ، ثم أتاه رجل آخر ، فقال : السلام عليك يانبي الله ورحمة الله وبركاته ، فقال : وعليك ، فقيل له : يا رسول الله لِمَ لم تقل لهذا كما قلت للذي قبل؟ فقال : إنه تشافها ».

ـ قال الشريف الرضي : ـ فقوله عليه الصلاة والسلام : « إنه تشافها » استعارة ، والمراد استفرغ جميع التحية ؛ فلم يدع منها شيئاً يزاد به على لفظه ، ويرد عليه جواباً عن قوله. والأولان أبقيا من تحيتهما بقية ردت عليهما وأعيدت إليهما ، وأصل ذلك مأخوذ من التشاف ، وهو تتبع بقية الإناء والحوض حتى يستنقد جميع ما فيه ، وتلك البقية تسمى الشفافة. قال الشاعر :

أخو فقرات دببت في عظامه

شفافات أعجاز الكرى فهو أخضع

يريد بقايا الكرى وصباباته ، ودليل ذلك قوله : أعجاز الكرى أي : أواخره وعقابيله ؛ ومن أمثال العرب : ليس الرِّيّ عن التشاف ، يقولون ليس يروى العطشان تتبع بقية الماء حتى يستقرغ جميع ما في الإناء (٢).

أقـول :

الظاهر في الكلام سقط ؛ لأنه يدل على أن الذين حيوا رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانوا ثلاثة : « الأول قال : السلام عليك ، فرد عليه الرسول : وعليك ورحمة الله. والثاني قال : السلام عليك ورحمة الله ، فرد

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٦٦ ، وهامشه ، أصول الكافي ٢ | ٦٤٥ مع تغيير يسير.

٢ ـ المجازات النبوية : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، رقم الكلمة ٢٣٦. والمثل في مجمع الأمثال ٢ | ١٩٠ حرف اللام ، قال الميداني بعد المثل : الاشتفاف والتشاف : أن تشرب جميع ما في الإناء ، مأخوذ من الشفافة وهي البقية ، يقول : من لا يستشف لا يروى ، فقد يكون الرّيّ دون ذلك. يضرب في قناعة الرجل ببعض ما ينال من حاجته.

١٣٤

الرسول : وعليك ورحمة الله وبركاته. والثالث قال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فكان رد الرسول : وعليك » (١).

كما أن المروي في كل الإجابات لفظة « السلام » بينا النسخة عندنا خالية عنه برواية الشيخ الطبرسي عن المجازات النبوية على نقل النوري (٢).

٨ ـ روى الكليني عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « مر أمير المؤمنين علي عليه‌السلام بقوم فسلم عليهم ، فقالوا : عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم عليه‌السلام إنما قالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت » (٣).

أقول : في الحديث تصريح بنهاية السلام ، والإجابة ، ويشهد له النبوي المتقدم (٤).

٩ ـ النبوي المروي في شأن نزول آية ( وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ) (٥) « وقد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة السلام عليكم » (٦).

١٠ ـ ما رواه الصدوق قال : حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « بينما أمير المؤمنين عليه‌السلام في الرحبة والناس عليه متراكمون ، فمن بين مستفتٍ ومن بين مستعدي إذ قام إليه رجل فقال : السلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فنظر إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام بعينيه

__________________

١ ـ هامش المجازات النبوية ٢٢٩.

٢ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٠ عن الشريف الرضي المتقدم ذكره.

٣ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٦.

٤ ـ المروي عن الشريف الرضي.

٥ ـ المجادلة : ٨.

٦ ـ تفسير القمي ٢ | ٣٥٥ وتقدم الحديث في ( ٢ ـ السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين ).

١٣٥

هاتيك العظيمتين ثم قال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته مَن أنت؟ فقال : أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك ، قال : ما أنت من رعيتي وأهل بلادي ، ولو سلمت عليّ يوماً واحداً ماخفيت عليّ؟ فقال : الأمان يا أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هل أحدثت في مصري هذا حدثاً منذ دخلته؟ قال : لا. قال : فلعلك من رجال الحرب؟ قال : نعم ، قال : إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس ، قال : أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً لك أسألك عن شيءٍ بعثني فيه ابن الأصفر (١) وقال له : إن كنت أنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد ، فأجبني عما أسألك ، فإنك إن فعلت ذلك أتَّبعك وأبعث إليك بالجائزة ، فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك ، فبعثني إليك لأسألك عنها ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قاتل الله ابن آكلة الأكبادما أضله وأعماه ومَن معه ، والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها ، حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي ، عليّ بالحسن والحسين ومحمد فأحضروا فقال : يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني. فاسأل أيهم أحببت ، فقال : أسأل ذا الوفرة يعني الحسن عليه‌السلام ، وكان صبياً ، فقال له الحسن عليه‌السلام : سلني عما بدا لك. فقال الشامي : كم بين الحق والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟ فقال الحسن بن علي عليه‌السلام : بين الحق والباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً ... »(٢).

أقـول :

الحديث طويل وليس فيه الشاهد إلا الكامل من صيغ السلام ، وبيان منتهى الجواب الأول ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام المجيب. فالحديث من

__________________

١ ـ أي : ملك الروم وإنما سمّي الروم بني الأصفر لأن أباهم الأول كان أصفر اللون هامش الخصال ٢ | ٤٤٠.

٢ ـ الخصال ٢ | ٤٤٠ ـ ٤٤١ ، باب العشرة ، الوسائل ٨ | ٤٤٨.

١٣٦

شواهد كمال السلام والإجابة ، كما كان منها رواية الشريف الرضي النبوية من بدايتهما إلى نهايتهما ، ومنها ، أي من السلام والإجابة الكاملة ، ما يلي :

١١ ـ في حديث صادقي طويل في كيفية خلق آدم عليه‌السلام ـ إلى أن قال :ـ « ثم أمر الله تعالى الملائكة أن يحملوا آدم على أكتافهم ليكون عالياً عليهم ، وهم يقولون سبّوح سبّوح ، لا خروج عن طاعتك ، وسارت به في طرق السموات وقد اصطفت حوله الملائكة ، فلا يمر آدم على صف إلا ويقول : السلام عليكم يا ملائكة ربي ، فيجيبون : وعليك ورحمة الله وبركاته يا صفوة الله وروحه وفطرته ـ إلى أن قال : ـ فانتصب آدم على منبره قائماً وسلم على الملائكة ، وقال : السلام عليكم يا ملائكة ربي ورحمة الله وبركاته ، فأجابته الملائكة : وعليك السلام يا صفوة الله وبديع فطرته ... » (١).

١٢ ـ وما رواه الحر عن الصدوق بإسناده إلى وهب اليماني في حديث قال : « إن الله قال لآدم : انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فسلم عليهم فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فلما رجع إلى ربه عزّ وجلّ قال له ربه تبارك وتعالى : هذه تحيتك ، وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة » (٢).

١٣ ـ الشيخ أبو الفتوح في تفسيره عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه كان إذا سلم عليه أحد من المسلمين ، فقال : سلام عليك ، يقول : « وعليك السلام ورحمة الله » ، وإذا قال : السلام عليك ورحمة الله ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وعليك السلام ورحمة الله وبركاته » وهكذا كان يزيد في جواب من يسلم عليه (٣).

١٤ ـ ما رواه الكليني (٤) عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار قال : حدثني

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٠ ـ ٣٧١.

٢ ـ الوسائل ٨ | ٤٤٤.

٣ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧١.

٤ ـ في الروضة تحت ( حديث الشيخ مع الباقر عليه‌السلام ).

١٣٧

رجل من أصحابنا عن الحكم بن عتيبة قال : بينا أنا مع أبي جعفر عليه‌السلام والبيت غاص بأهله ، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عَنَزة له (١) حتى وقف على باب البيت ، فقال : السلام عليك (٢) يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم سكت فقال أبو جعفر عليه‌السلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه‌السلام. ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه‌السلام ثم قال يابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك ، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم ، ووالله ما أحبّكم وأحبّ مَن يحبّكم لطمع في دنيا ، و [ الله ] إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه ، والله إني لأحل حلالكم ، وأحرم حرامكم ، وأنتظر أمركم ، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال : أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليهما‌السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي عليه‌السلام : إن تمت ترد على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ، ويثلج قلبك ، ويبرد فؤادك ، وتقر عينك ، وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسك ههنا ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك ، وتكون معنا في السنام الأعلى ، [ فـ ] ـقال الشيخ : كيف قلت يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال الشيخ : الله أكبر يا أبا جعفر ، إن أنا متُّ أرد على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم‌السلام ، وتقر عيني ، ويثلج قلبي ، ويبرد فؤادي ، وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسي إلى ههنا ،

__________________

١ ـ بالتحريك : عصاً في رأسها حديد هامش الروضة ٧٦.

٢ ـ أقول : قد جاء في كيفية السلام على الإمام المهدي عجل الله فرجه في حديث الإمام الباقر عليه‌السلام : « ... فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ... » كمال الدين ١ | ٣٣١ ، الباب الثاني والثلاثون ، الحديث ١٦. كما وجاء في بقية المعصومين عليهم‌السلام كلهم بنحو آخر يطول بذكره المقام ، انظر كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ٥١٧ ، الباب السادس ، الحديث ١ ـ ٤. للشيخ لطف الله الصافي الگلبايگاني ، الطبعة الثانية بالأفست ـ المصطفوي ، طهران ، ١٣٨٥ هـ.

١٣٨

وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني ، فأكون معكم في السنام الأعلى؟!! ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج (١) ، هاهاها حتى لصق بالأرض ، وأقبل أهل البيت ينتحبون ، وينشجون لما يرون من حال الشيخ ، وأقبل أبو جعفر عليه‌السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها (٢) ، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه‌السلام : يابن رسول الله ناولني يدك ، جعلني الله فداك ، فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ، ثم حسر عن بطنه ، وصدره فوضع يده على بطنه وصدره ، ثم قام فقال : السلام عليكم ، وأقبل أبو جعفر ينظر في قفاه وهو مدبرٌ ثم أقبل بوجهه على القوم فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فقال الحكم بن عتيبة : لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس » (٣).

أقـول :

اشتمل الحديث على سلام التحية وسلام الوداع ، الفصل العاشر الآتي ذكره ، وإنما نقلناه عن آخره لأن محتواه يمثل لنا أروع الولاء لأهل البيت عليهم‌السلام.

حول الصيغ المروية المتقدمة وبعض بحوثها كلام لبعض الجمهور فكما يلي :

قال الزمخشري : الأحسن منها أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله ، إذا قال : السلام عليكم ، وأن تزيد وبركاته » وإذا قال : « ورحمة الله ». وروي أن رجلاً قال لرسول الله ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، : السلام عليك ، فقال : « وعليك السلام ورحمة الله » وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله ، فقال : « وعليك السلام ورحمة الله وبركاته » وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال « وعليك » فقال الرجل : نقصتني

__________________

١ ـ النحب والنحيب والانتحاب : البكاء بصوت طويل. والنشج : صوت معه توجع وبكاء ، كما يردد الصبي بكاءه في صدره النهاية ـ نحب ـ ونشج.

٢ ـ حملاق العين ـ بالكسر والضم ـ وكعصفور : باطن أجفانها الذي يسود بالكحلة ، أو ما غطته الاجفان من بياض المقلة ، أو باطن الجفن الأحمر ، الذي إذا قلب للكحل رأيت حمرته ، أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن ، جمع حماليق. هامش الروضة ٧٧.

٣ ـ روضة الكافي ٧٦ ـ ٧٧.

١٣٩

فأين ما قال الله؟ وتلا الآية ، فقال « إنك لم تترك لي فضلاً فرددت عليك مثله ... » (١) ، هذا مجمل القول حول صيغ السلام بين المسلمين.

الأمر الثالث :

في بعض أحكام السلام وما يمت به بصلة : من سلام أهل الكتاب ابتداء أو إجابة ، وإبلاغ التحية ، وبيان كيفيتها في بعض الفروض وما جاء من حديث في هذه النواحي الثلاث :

الناحية الأولى : : تحية أهل الكتاب وفيها من الأحاديث :

١ ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « دخل يهودي على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعائشة عنده فقال : السام (٢) عليكم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد عليه كما رد على صاحبه فغضبت عائشة فقالت : عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود ، يا إخوة القردة والخنازير، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء ، إن الرفق لم يوضع على شيءٍ قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه ، قالت : يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم : السام عليكم؟ فقال : بلى ، أما سمعت ما رددت عليهم؟ قلت : عليكم ، فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا : سلام عليكم ، وإذا سلم عليكم كافر فقولوا : عليك » (٣).

أقـول : تصريح بالاقتصار في الإجابة على « عليك ، أو عليكم » كما في العلوي الآتي وكذا المنع من الابتداء بالتسليم عليهم :

__________________

١ ـ تفسير الكشاف ١ | ٥٤٤ ، وقد عرفت مصدر النبوي من نقل الشريف الرضي وغيره. وفي تفسير المنار ٥ | ١٢ : وفسروه بأن تقول لمن قال : السلام عليكم ، بقولك : وعليكم السلام ، والأحسن أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله ، فإذا قال هذا في تحيته ، فالأحسن أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وهكذا يزيد المجيب على المبتدىء كلمة أو أكثر ... ).

٢ ـ السام : الموت.

٣ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٨ ، باب التسليم على أهل الملل ، الحديث ١.

١٤٠