السّلام في القرآن والحديث

الشيخ محمد الغروي

السّلام في القرآن والحديث

المؤلف:

الشيخ محمد الغروي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

الفـصل التـاسـع

السـلام المـنهي عنـه

١٦١
١٦٢

السـلام المنـهي عنـه

إن النهي الوارد في النصوص الآتي ذكرها محمول على الكراهة ، وقد ذهب جمع من الأصحاب منهم الشيخ الحرّ العاملي إلى تحريم السلام على أصناف. منهم : أصحاب الملاهي (١) ، وليس معنى الكراهة قلّة الثواب ، كما ذهب إليه بعض في باب العبادات ، وفي غيره من قلة العذاب مثلاً ، بل المنع عن فعل المكروه ، أو الحرام ، إنما هو للمفسدة الكائنة فيه. أما المرتبة التي تحتم الحظر عن فعله فهو الحرام ، أو لا تحتم فالمكروه ، وهكذا في جانب المصلحة في فعل الشيء ، فإن كانت بمثابة عالية تحتم فعله فهو الواجب ، وإلا فالمندوب ، وإذا تساوت المصلحة مع المفسدة فيه فالمباح ؛ وذلك كله للبناء على مسلك العدلية القائلين بصفة العدل في الله تعالى. وقاعدة الحُسن والقبح العقليين ، ومنهم الإمامية ، وأن أحكام الإسلام تنشأ عن المصالح ، إذا كانت من الفرائض ، أو عند المفاسد ، كما في جميع المحرمات والمحظورات في الشرائع السماوية ، وعليه فالمنع عن الاقتراف في الشيء ، أو الاقتراب إليه لا يكون سدىً وجزافاً ، وبلا مصلحة ، أو مفسدة في محتوى الواجب ، او الحرام.

وإذا عرفت ذلك كله فالنصوص هي :

١ ـ روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين

__________________

١ ـ « تحريم التسليم على الكفار ، وأصحاب الملاهي ونحوهم ... » الوسائل ٨ | ٤٥٢.

١٦٣

رفعه قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام يقول : « ثلاثة لا يسلمون : الماشي مع الجنازة ، والماشي إلى الجمعة ، وفي بيت الحمام » (١).

بيـان : وذلك لأنهم في شغل من الخاطر ، وفي هم من البال ، فلا عليهم أن يسلموا (٢). وهل المراد من نفي السلام ، المقصود به ، النهي عنه أن هؤلاء هم لا يسلمون على غيرهم ؛ لأنهم في شغل من السلام والكلام مع من سواهم ، أو أن السائرين يجب عليهم أن لا يسلموا على هؤلاء الأصناف الثلاثة؟ والكل محتمل لاشتراك العلة في الأمرين.

٢ ـ روى الكليني عن أحمد بن محمد الكوفي ، عن عليّ بن الحسن بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن أبي بصير قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له الحاجة إلى المجوسي ، أو إلى اليهودي ، أو إلى النصراني ، أو أن يكون عاملاً ، أو دهقاناً من عظماء أهل أرضه ، فيكتب إليه الرجل في الحاجة العظيمة ، أيبدأ بالعلج ، ويسلّم عليه في كتابه ، وإنما يصنع ذلك لكي تقضى حاجته؟ قال : أما أن تبدأ به فلا ، ولكن تسلّم عليه في كتابك ، فإن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد كان يكتب إلى كسرى وقيصر » (٣).

بيـان : التسليم على أهل الكتاب ممنوع كما نص عليه في الصادقي : « .. لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم ... » (٤). وأما السلام في الكتابة فالحديث حالّ على جوازه لضرورة الحاجة دون غيرها ، والنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانت حاجته وضرورته دعوة الكافرين ككسرى وقيصر إلى الإسلام الذي أوله

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٥ ـ ٦٤٦ ، الخصال ١ | ٩١.

٢ ـ هامش أصول الكافي ٢ | ٦٤٦.

فالمشيع يفكر في الموت ، وقاصد الجمعة كأنه في صلاتها ، والحمامي في مظنة كشف العورة ، فإذا اتجه إلى غيره يوشك أن تبدو سوءته ، ومن أجل هذه أو غيرها حظر السلام معهم.

٣ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٥١ ، باب مكاتبة أهل الذمة ، الحديث ١. والعلج الرجل من كفار العجم. مرآة العقول ١٢ | ٥٤٩.

٤ ـ الحديث المرقم ٢ ـ من الناحية الأولى. كما وقدمنا كلام صاحب تفسير المنار وإصراره على جواز الابتداء بالسلام عليهم.

١٦٤

السلام ، وأصله ، ومعدنه ، نعم وظيفة المسلمين إذا سلم عليهم الكتابي أن يقولوا ( عليك أو عليكم ) كما سبق التصريح به في النصوص (١) ، إلا أن فيها رواية صحيحة صريحة في القول في الرد بكلمة ( سلام ) وهي : ما رواه الشيخ الكليني ، طاب ثراه ، عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام » (٢).

بيـان : قيل : ( سلام ) بكسر السين : الحجارة ، وهو تصحيف مردود ، والظاهر هو ما قيل : معناه أي علينا أو على من يستحقه (٣) ، وقد سبق أن السلام دعاء بالسلامة ، ولا ينتفع الكافر به كما في الكاظمي : « أرأيت إن احتجت إلى متطبب وهو نصراني أسلم عليه وأدعو له؟ قال : نعم ، إنه لا ينفعه دعاؤك » (٤). فكل حديث دل على تسليم ودعاء لكافر، أو كتابي ، أو غيرهما من المنحرفين ، يعمل به ولا يظن أن ذلك بنافع له.

٣ ـ صحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم ».

أقـول : هذا الحديث مع أحاديث أخرى تعرضنا لها في الناحية الأولى من الأمر الثالث من ( ٨ ـ السلام ندب والرد فرض ) فلا نعيد بيانها.

٤ ـ محمد بن إدريس في ( آخر السرائر ) نقلاً من رواية أبي القاسم بن قولويه عن الأصبغ قال : سمعت عليّاً عليه‌السلام يقول : « ستة لا ينبغي أن تسلّم عليهم : اليهود ، والنصارى ، وأصحاب النرد والشطرنج ، وأصحاب خمر ، وبربط وطنبور ، والمتفكّهين بسبّ الأمهات ، والشعراء » (٥).

__________________

١ ـ ذكرناها في الناحية الأولى من ( ٨ ـ السلام ندب والرد فرض ).

٢ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٩ ـ ٦٥٠.

٣ ـ هامش أصول الكافي ٢ | ٦٥٠.

٤ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٥٠.

تقدم أن السلام على المشرك : « السلام على من أتبع الهدى » أصول الكافي ٢ | ٦٤٩. وفي الأمر الثالث من ( ٨ ـ السلام ندب والرد فرض ).

٥ ـ الوسائل ٨ | ٤٥٤.

١٦٥

أقـول :

هؤلاء ليسوا ستة ، إلا أن يُعدّ الأولان واحداً ، وكذا أصحاب النرد والشطرنج ، والثالث أصحاب خمر ، والرابع صاحب البربط والطنبور ، والخامس المتفكّه بسبّ الأّمهات ، والسادس الشعراء المعني بهم غير شعراء أهل البيت عليهم‌السلام ، وما كان من شعرهم في المواعظ والحكم وما ضاهاها ، بل الشاعر القاذف المحصنات بشعره كما تسمع قريباً.

٥ ـ عبد الله بن جعفر الحميري في ( قرب الإسناد ) عن السندي بن محمد ، عن أبي البختري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « لا تبدأوا أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا : عليكم ، ولا تصافحوهم ، ولا تكنوهم إلا أن تضطروا إلى ذلك » (١).

بيـان :

تقدم مضمون الحديث جملةً وتفصيلاً ، وأنّ الابتداء بالسلام على الكتابي ممنوع ، والردّ ليس إلاّ بـ « عليك ، أو عليكم » إلاّ صحيح زرارة الدالّ على جواز الردّ بـ ( سلام ) وبيان المراد من ذلك ، لا غيره.

٦ ـ قال الحرّ : محمد بن علي بن الحسين في ( الخصال ) عن محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن هارون بن مسلم ، عن مصدّق بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : « لا تسلّموا على اليهود ولا النصارى ـ إلى أن قال : ـ ولا على المصلّي ، ـ وذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأنّ التسليم من المسلّم تطوّع ، والردّ فريضة ـ ولا على آكل الرّبا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الذي في الحمّام » (٢).

__________________

١ ـ الوسائل ٨ | ٤٥٤ ، الحديث ٩ الباب ٤٩ ، العشرة.

والسلام كما قلنا إنه دعاء وهو جائز في حال الضرورة انظر الوسائل ٤ | ١١٥٥ الباب ٤٦ من أبواب الدعاء ، الحديث ١ ، الوسائل ٨ | ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

٢ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٧ ، الباب ١٧ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ١.

١٦٦

أقـول :

قال الحرّ : هذا محمول على الكراهة. وقوله : ( لا يستطيع ) أي : لا يسهل عليه ردّ الجواب ، بل يشقّ عليه الاشتغال بردّ السلام والعود إلى صلاته ، فيشتغل عنها لما تقدّم من تقرير السلام ، وعدم إنكاره ، ومن التصريح بجواز الردّ بل الأمر به (١). يريد ( بجواز الردّ بل الأمر به ) النصوص المتقدمة (٢).

ومن النهي المكرر عن السلام على الكتابي يعلم التشدد فيه ، ولعلّ الوجه المنع من العشرة معه ؛ لأنّ السلام مفتاحها ؛ ومن ثم منع فتح بابها به (٣).

٧ ـ رواية الصدوق بإسناده إلى الصادقين عليهم‌السلام : « ستة لا يسلّم عليهم : اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي ، والرجل على غائطه وعلى موائد الخمر ، وعلى الشاعر الذي يقذف المحصنات ، وعلى المتفكّهين بسبّ الأّمهات » (٤).

أقول : تقدم بلفظ أهل الكتاب أيضاً.

٨ ـ قال الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، بإسناده رفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « نهى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يسلم على أربعة : على السكران في سكره ، وعلى من يعمل التماثيل ، وعلى من يلعب بالنرد ، وعلى من يلعب بالأربعة عشر ، وأنا أزيدكم الخامسة انهاكم أن تسلموا على أصحاب الشطرنج » (٥).

__________________

١ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٧.

٢ ـ المذكورة في الناحية الثالثة المرقمة ١ ـ ٧.

٣ ـ أي بالسلام الذي هو مفتاح باب العشرة ، والغض من هذا البيان أن حديث المنع من السلام على الكتابي دليل على منع العشرة والمراودة معه ، فكنّىعن منعها بمنع السلام عليه.

٤ ـ الخصال ١ | ٣٢٦. جامع الأحاديث ١٥ | ٥٨٥.

٥ ـ الخصال ١ | ٢٣٧.

١٦٧

أقول :

قال العلامة المجلسي في المسالك : مذهب الأصحاب تحريم اللعب بآلات القمار كلها ، من النرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر وغيرها ووافقهم على ذلك جماعة من العامة ، منهم أبو حنيفة ، ومالك ، وبعض الشافعية ، ورووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله روايات ، وفسروا الأربعة عشر بأنها قطعة من خشب فيها حفر في ثلاثة أسطر ، ويجعل في الحفر حصاً صغاراً يلعب بها (١).

وروى الشيخ الكليني سبعة عشر حديثا في المنع عن اللعب بالشطرنج نذكرها لأدنى علاقة :

١ ـ الكاظمي : « النرد والشطنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ... ».

٢ ـ الصادقي : « .. الرجس من الأوثان : الشطرنج ... ».

٣ ـ العلوي : « الشطرنج والنرد هما الميسر ».

٤ ـ الصادقي : « الشطرنج من الباطل ».

٥ ـ الصادقي : « ... أو صاحب شاهين قال : قلت : وأي شيءٍ صاحب شاهين؟ قال الشطرنج ».

٦ ـ الصادقي : « أنه سئل عن الشطرنج ولعبة شبيب التي يقال لها لعبة الأمير ، وعن لعبة الثلاث فقال : أرأيتك إذا ميز الحق من الباطل مع أيهما يكون؟ قال : قلت : مع الباطل ، قال : فلا خير فيه ».

٧ ـ الصادقي : « الرجس من الأوثان هو الشطرنج .. ».

٨ ـ الصادقي : « ما الميسر؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هي الشطرنج .. ».

٩ ـ الباقري ـ حديث الفضيل ـ سألت أبا جعفر عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس النرد ، والشطرنج ، حتى انتهيت إلى السُدّر (٢) فقال :

__________________

١ ـ هامش الخصال ١ | ٢٣٧.

٢ ـ معرّب سه در أي ثلاثة أبواب وسدّر كقُبّر لعبة الصبيان.

١٦٨

« إذا ميّز الله بين الحق والباطل في أيهما يكون؟ قلت : مع الباطل ، قال : فما لك وللباطل ».

١٠ ـ الصادقي : « يغفر الله في شهر رمضان إلا لثلاثة صاحب مسكر أو صاحب شاهين ، أو مشاحن » (١).

١١ ـ الصادقي : « الشطرنج ميسر والنرد ميسر ».

١٢ ـ الكاظمي : « أقعدُ مع قوم يلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها ، ولكن انظر ، فقال : ما لك ولمجلس لا ينظر الله إلى أهله »!؟.

١٣ ـ الصادقي : « أنه سئل عن الشطرنج فقال : دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله ».

١٤ ـ الرضوي : « جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال : يا أبا جعفر ما تقول في الشطرنج التي يلعب بها الناس؟ فقال : أخبرني علي بن الحسين عن الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن كان ناطقاً فكان منطقه لغير ذكر الله عزّ وجلّ كان لاغياً ، ومَن كان صامتاً فكان صمته لغير ذكر الله كان ساهياً ، ثم سكت ، فقام الرجل وانصرف ».

١٥ ـ الصادقي : « ما تقول في الشطرنج؟ قال : المقلّب لها كالمقلب لحم الخنزير ».

١٦ ـ الرضوي : « المطّلع في الشطرنج كالمطّلع في النار ».

١٧ ـ الصادقي : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللعب بالشطرنج والنرد » (٢).

__________________

١ ـ صاحب بدعة وضلالة.

٢ ـ فروع الكافي ٦ | ٤٣٥ ـ ٤٣٧ ، باب النرد والشطرنج ، الحديث ١ ـ ١٧.

أقـول :

قوله صلى الله عليه وآله في ١٤ ـ الرضوي : « من كان ناطقاً فكان منطقه لغير ذكر الله عز وجل كان لاغياً ـ إلى آخره ـ » لا يعطي ظاهر الجواب عن سؤال الرجل عن الشطرنج التي يلعب بها الناس؟ ولكنه يبدو من الحديث من قيام الرجل وانصرافه بعد سكوته صلى الله عليه وآله أنه ممن يعرف جواب السؤال بالإشارة ، لأنه حر ( والحر تكفيه الإشارة ).

١٦٩

١٨ ـ الرضوي : « إن الشطرنج وأربعة عشر وكل ما قومر عليه فهو ميسر »(١).

١٩ ـ الصادقي : « إن المؤمن لمشغول عن اللعب ـ بعد السؤال ـ عن اللعب بالشطرنج ».

٢٠ ـ الصادقي : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم خنزير ، لا صلاة له حتى يغسل يده كما يغسلها من مسّ لحم الخنزير ، والناظر إليها كالناظر في إلى فرج أمه ، والسلام على اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء ، ومن جلس على اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار ، وكان عيشه ذلك حسرة (٢) ..

هذه نبذة من روايات منع اللعب بالشطرنج وسائر آلات القمار المنهية في الإسلام. والآن : فلنعد إلى ما كنا بصدده من سرد أحاديث السلام المنهي عنه ، تقدم ثامنها و :

٩ ـ محمد بن إدريس في ( آخر السرائر ) نقلاً من كتاب جامع البزنطي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك والسلام على اللاّهي بها معصية ... » (٣).

١٠ ـ الجعفريات بالإسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن يهود خيبر يريدون أن يلقوكم ، فلا تبدأوهم بالسلام ، فقالوا : يا رسول الله فإن سلموا علينا فما نردُّ عليهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : تقولون : وعليكم » (٤).

__________________

١ ـ الوسائل ١٢ | ١٢٠ ـ ١٢١ ، تفسير العياشي ١ | ٣٣٩.

٢ ـ الوسائل ١٢ | ٢٤١ ، وهو من صحيح البزنطي في آخر السرائر.

وإنما ذكرنا شطراً من أحاديث الشطرنج لأدنى ربط بالسلام المنهي عنه وللتحذير منها.

٣ ـ الوسائل ١٢ | ٢٤١ ، باب ١٠٣ تحريم الحضور عند اللاعب بالشطرنج والسلام عليه ... الحديث ٤ من أبواب ما يكتسب به.

٤ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٤ ، الجعفريات ٨٢.

١٧٠

١١ ـ النبوي : « نهى عن النزول على أهل الكنائس في كنائسهم وقال : إن اللعنة تنزل عليهم ، ونهى أن يبدأوا بالسلام وإن بدرهم به قيل له : عليكم » (١).

١٢ ـ فقه الرضا عليه‌السلام « ولا تجالس شارب الخمر ولا تسلم عليه إذا جزت به ... ».

أقول : الوجه في المنع عن السلام على هؤلاء الأصناف ليس إلا التحذير عما هم فيه من التمرّد على الله عزّ وجلّ ، وعن التعاون على الإثم ، والعدوان ، وتقوية الباطل بكل ألوانه ، ورفضه على قدر الطاقة من كل إنسان.

وللسيد المرحوم الطباطبائي بيان حول النهي الوارد عن التسليم المذكور ، يذكره بعد ذكر رواية الفقيه ، وما عقبها من قوله ، وإليك الرواية وما قاله السيد طاب ثراه :

وفي الفقيه بإسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : « لا تسلموا على اليهود ، ولا على النصارى ، ولا على المجوس ، ولا على عبدة الأوثان ، ولا على موائد شرب الخمر ، ولا على صاحب الشطرنج والنرد ، ولا على المخنث ، ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ، ولا على المصلي ، ـ لأن المصلي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأنّ التسليم من المسلم تطوّع والردّ فريضة ـ ، ولا على آكل الربا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الذي في الحمّام ، ولا على الفاسق المعلن بفسقه » (٢).

وأما النهي الوارد عن التسليم على بعض الأفراد فإنما هو متفرع على النهي عن توليهم ، والركون إليهم كما قال تعالى : ( لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء ) [ المائدة : ٥١ ] وقال : ( لا تتخذوا عدوى وعدوّكم

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٥. جامع الأحاديث ١٥ | ٥٨٦ ـ ٥٨٧.

٢ ـ حديث الفقيه موجود في الخصال ٢ | ٤٨٤ ، ( لا يسلم على اثني عشر. ولا يحضرني كتاب من لا يحضره الفقيه ). والثلاثة الأولى أهل الكتاب المتقدم الذكر.

١٧١

أولياء ) [ الممتحنة : ١ ] وقال : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) [ هود : ١١٣ ] إلى غير ذلك من الآيات.

نعم ربما اقتضت مصلحة التقرب من الظالمين لتبليغ الدين ، أو إسماعهم كلمة الحق التسليم عليهم ، ليحصل به تمام الأنس ، وتمتزج النفوس كما أمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بذلك في قوله : ( فاصفح عنهم وقل سلام ) [ الزخرف : ٨٩ ] وكما في قوله يصف المؤمنين : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) [ الفرقان : ٦٣ ] (١).

* * *

وقائمة الأصناف المنهي عليهم‌السلام كما يلي :

١ ـ آكل الربا.

٢ ـ اليهود.

٣ ـ النصارى.

٤ ـ المجوس.

٥ ـ عبدة الأوثان.

٦ ـ المخنث.

٧ ـ موائد فيها خمر جالسها وشاربها.

٨ ـ الشاعر القاذف المحصنات بشعره بل مطلقاً الشعراء القاذفين.

٩ ـ المصلي.

١٠ ـ لاعبي الشطرنج والنرد والميسر.

١١ ـ رجل جالس على غائظ.

١٢ ـ الذي في بيت الحمّام.

١٣ ـ الفاسق المعلن بفسقه.

١٤ ـ النازل في الكنائس.

١٥ ـ السكران.

١٦ ـ عامل التماثيل.

__________________

١ ـ تفسير الميزان ٥ | ٣٤ ـ ٣٥.

١٧٢

١٧ ـ اللاعب بالأربعة عشر وآلات القمار.

١٨ ـ أصحاب البربط والطنبور.

١٩ ـ المتفكهين بسبّ الأّمهات.

٢٠ ـ الماشي مع الجنازة.

٢١ ـ الماشي إلى صلاة الجمعة.

٢٢ ـ العلج.

٢٣ ـ النساء وفيه تفصيل (١).

٢٤ ـ الدهقان العظيم.

٢٥ ـ قاذف المحصنات.

وللضرورة في كلّ المجالات عذر موجّه ، فإذا اقتضت المصلحة أن يتقدم بالسلام للهداية ، أو تبليغ الأحكام ، سلّم تسليماً لأمر الله تعالى ، ورجاء أن يهتدي الضالّ ، أو يتبصّر الجاهل ، وعسى الله عزّ وجلّ أن يجعل السلام ـ وهو اسم من أسمائه الحسنى ـ سلامه للقلوب ، وطهارة من الذنوب ، إذ هو ( تحيّة من عند الله مباركة طيبة ) (٢) ، والأمور جميعها بيده تعالى.

__________________

١ ـ الدعائم ٢ | ٢١٥ وفيه « ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسلّم الرجال عليهنّ » جامع أحاديث الشيعة ١٥ | ٦٠٥.

أقول : فيه تفصيل يتجلّى من حديث أصول الكافي ٢ | ٦٤٨ ـ باب التسليم على النساء ـ إذا كانت المرأة شابّة كره السلام عليها ، وأمّا غيرها فكالرجال ، ما لم يوجب فيها موجب من الأحكام الخمسة. بصورة معيّنة.

٢ ـ النور : ٦١.

١٧٣
١٧٤

الفـصل العـاشر

سـلام الـوداع

١٧٥
١٧٦

سـلام الوداع

إنما شرّع السلام لكلّ من متلاقيين لأجل أن تطيب الضمائر ، وتسكن الخواطر ، ولتجديد العهد ، وإبقاء السلام والأمن ، والخير للعباد والبلاد.

وهذه المعاني كما هي محبوبة في بداية اللقاء كذلك بصالح الجانبين في نهايته ، وليس السلام في الأولى بأولى من الثانية ؛ لأن المواجهة بطلاقة الوجه وعن سلامة الطوية ومرضيّة على كلّ حال ، يفترقان على ذلك كما يلتقيان ؛ وجمال السبب في البدء والعود واحد ، وليس الأول أجمل من الآخر، وبه جاء النصّ الصحيح مصرّحاً : وأنّ التحية عند الانصراف ليست بأولى من الآخرى.

١ ـ الحسن الطبرسي ـ في مكارم الأخلاق ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفاً فليسلّم ، فليست الأولى (١) بأولى من الأخرى » (٢).

٢ ـ سبط الطبرسي ـ في مشكاة الأنوار ـ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، فإذا قام فليسلّم ؛ فإن الأول ليس أولى من الآخر » (٣).

__________________

١ ـ أي التحيّة أو التسليمة الأولى.

٢ ـ مكارم الأخلاق ٢٦ ، الوسائل ٨ | ٤٥٦ ، جامع أحاديث الشيعة ١٥ | ٦١٨.

٣ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٨ ، جامع الأحاديث ١٥ | ٦١٨.

١٧٧

٣ ـ الجعفريات : أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد ، حدّثني موسى ، حدّثنا أبي عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمد ، عن أبيه ؛ عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا قام أحدكم من مجلسه فليودّعهم بالسلام » (١).

٤ ـ القطب الراوندي ـ في لبّ اللباب ـ ... قال : « ثم قام رجل وخرج ولم يسلّم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أسرع ما نسيتم! إذا جئتم فسلّموا ، وإذا قمتم فسلموا » (٢).

٥ ـ هرون عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى الله عليه وعلى أهل بيته قال : « إذا قام الرجل من مجلسه فليودّع إخوانه بالسلام » (٣).

أقـول : إنما ذكرالمجلس في جميع هذه الأحاديث لكي يصلح للوداع ، ولتوقف الصدق العرفي على المكث الصالح للأفتراق ، وعليه فالالتقاء بين اثنين فصاعداً مع المكث ـ وإن قلّ زمانه ـ يجدر معه سلام الوداع ، وإلاّ فلا سلام إلاّ سلام اللقاء والمواجهة التي لها كرامتها. وربّما يقال بكفاية المواجهة إطلاقاً ، فيسلّم سلامين : سلام اللقاء ، والآخر الوداع فتدبّره.

ثم إنّه قد جاء سلام الوداع في مواطن :

منها : في زيارة مراقد الأئمّة الأطهار وأولادهم ، ومرقد النبيّ ، بل جميع الأنبياء ، والأوصياء عليهم‌السلام ، عندما يريد الزائر الانصراف.

ومنها : سلام وداع شهر الله شهر رمضان المبارك ، وقد جاء عن أهل البيت عليهم‌السلام دعاؤه ، وسلام وداعه (٤).

ومنها : غير ذلك من أيّ إنسان أو أمر محبوب أراد صاحبه الافتراق

__________________

١ ـ الجعفريات ٢٢٩ ، مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٨ ، جامع الأحاديث ١٥ | ٦١٨.

٢ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٨ ، جامع الأحاديث ١٥ | ٦١٩.

٣ ـ قرب الإسناد ٢٢ ، الوسائل ٨ | ٤٥٦ ، جامع الأحاديث ١٥ | ٦١٨.

٤ ـ الصحيفة السجادية ٢٤٢ ـ ٢٤٥ ، الدعاء ٤٥ ، الآتي ذكره قريباً.

١٧٨

عنه ، يجدر أن يسلّم عليه سلام المودّع له ، إن صدق شوقه وحبّه ، وهذه سنّة الحبّ والهوى ، ولن تجد لسنّتها تبديلاً ، ( فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الذين يبدّلونه ) (١).

نعود إلى زائر ضرائح الأبدان المقدسة فنقول : إنّ الزائر يكتسب من المزور بسلامه عليه دخولاً وخروجاً ، فضلاً من فضائله ، وكلّ ما كان المزور أفضل حظي بالأسمى منها ، واستجيب دعاؤه تحت قبّته ، وشملته الرحمة ، خاصّة قبر الحسين عليه‌السلام ، للروايات المأثورة فيه (٢) ولسنا الأن بصددها ، بل المهم ذكر أحاديث سلام الوداع.

قال ابن قولويه : حدّثني الحسين بن محمد بن عامر ، عن المعلّى بن محمد البصري ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، قال : قلت لأبي الرضا عليه‌السلام : أيّهما أفضل : رجل يأتي مكّة ولا يأتي المدينة ، أو رجل يأتي النبي ولا يأتي مكّة؟ قال : فقال لي : أيّ شيءٍ تقولون أنتم؟ قلت : نحن نقول في الحسين عليه‌السلام (٣) ، فكيف في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : أما لئن قلت ذلك [ فـ ] لقد شهد أبو عبد الله عليه‌السلام عيداً بالمدينة ، فانصرف فدخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم عليه ، ثم قال لمن حضره : أما لقد فضلنا أهل البلدان كلّهم مكّة فمن دونها ، لسلامنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ».

__________________

١ ـ البقرة : ١٨١.

٢ ـ في كامل الزيارات ١٤٢ ، الباب ٥٦ الباقري : « لو يعلم الناس ما في زيارة قبر الحسين عليه‌السلام من الفضل لماتوا شوقاً ، وتقطعت أنفسهم عليه حسرات ... » ، وفي ٢٧٤ ، الباب ٩٠ رواية ابي هاشم الجعفري في إرسال أبي الحسن الهادي من يدعو له في الحائر قال فيها عليه‌السلام : « .. وأنّ لله تعالى بقاعاً يحبّ أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحائر منها ». وراجع المصدر فإنّ فيه أبواباً عقدها للحسين عليه‌السلام وغيره ، ما يبهر العقول خاصة الباب ٥٩ ص ١٤٧ ـ ١٤٩ ، وفيه روايات ، منها الصادقي : « يا بشير من زار قبر الحسين عليه‌السلام عارفاً بحقه ، كان كمن زاد الله في عرشه » فانظر المصدر فإنّ فيه من هذا النوع أكثر من حديث.

٣ ـ يريد أن زيارة الحسين عليه‌السلام يوم عرفة أفضل من وقوف عرفات من الحج المندوب لا الواجب.

٤ ـ كامل الزيارات ٣٣١ ، الباب ١٠٨ ، الوسائل ١٠ | ٢٧٣.

١٧٩

أقول : في الحديث بيان فضيلة أهل البيت عليهم‌السلام ، وأنّ بقاعهم أفضل البقاع ، لانتسابها إليهم ، ولولاهم لم يعرف لمكّة فضلها ، ولولاهم لم يعبد الله تعالى ، ولم يعرف لخلقه ، لأنهم من أشرفهم ، وأنهم أدلاّء على الله وأبوابه التي منها تؤتى ، كذلك شاء الله عزّ وجلّ لهم.

وداع قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

في صحيح معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل ثم ائت قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعدما تفرغ من حوائجك ، فودّعه واصنع ما صنعت عند دخولك ... » (١).

قوله عليه‌السلام : « واصنع ما صنعت عند دخولك » : قد بيّنه في كلام آخر له وهو : « فاغتسل قبل أن تدخلها ، أو حين تريد أن تدخلها ، ثم تأتي قبر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله فتسلّم ... »(٢).

وصحيح يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عن وداع قبر رسول الله صلى عليه وآله؟ فقال : « تقول : صلى الله عليك ، السلام عليك لا جعله الله آخر تسليمي عليك » (٣).

وداع قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد ما قضى الزائر من زيارته المأثورة وطره :

قال ابن قولويه : حدّثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ في كتاب الجامع ـ يروي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إذا أردت أن تودّع قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام فقل :

____________

١ ـ كامل الزيارات ٢٦ ، الباب ٧.

٢ ـ كامل الزيارات ١٥ ، الباب ٣.

٣ ـ كامل الزيارات ٢٦ ـ ٢٧ ، الباب ٧ الوسائل ١٠ | ٢٨١.

أقول : من تسليم الوداع ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام عند دفن فاطمة عليها السلام في آخر ما قال : « والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن ... » النهج ١٠ | ١٦٥ الخطبة ١٩٥.

١٨٠