السّلام في القرآن والحديث

الشيخ محمد الغروي

السّلام في القرآن والحديث

المؤلف:

الشيخ محمد الغروي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

« السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله وأسترعيك وأقرأ عليك السلام آمنّا [ إيماناً ] بالله وبالرسول وبما جاءت (١) به ... » (٢).

سلام وداع قبر الحسين عليه‌السلام (٣) :

ثم قالا ـ أي الشيخ المفيد والطوسي ـ : ثم أرجع إلى مشهد الحسين عليه‌السلام للوداع ، فإذا أردت أن تودّعه فقف عليه كوقوفك أول الزيارة واستقبله بوجهك وقل : « السلام عليك ياولي الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أنت لي جُنّة من العذاب ، وهذا أوان انصرافي غير راغب عنك ، ولا مستبدل بك سواك ، ولا مؤثر عليك غيرك ، ولا زاهد في قربك ، وقد جدت بنفسي للحدثان ، وتركت الأهل والأوطان » ، ـ إلى أن قال : ـ ثم أشر إلى القبر بمسبحتك اليمنى وقل : « سلام الله ، وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، يا بن رسول الله ، عليك وعلى روحك وبدنك ، وعلى ذرّيّتك ، ومن حضرك من أوليائك ، أستودعك الله ، وأسترعيك ، وأقرأ عليك السلام ... » (٤).

أقول : قد جاء في سلام وداع قبر أبي الفضل العباس بن علي عليهما‌السلام :

« السلام عليك يا مولاي ، سلام مودّع لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظنٍّ بما وعد الله الصابرين ؛ يا مولاي

__________________

١ ـ الظاهر « جاء به ».

٢ ـ كامل الزيارات ٤٦ ، الباب ١٢. هذا سلام الوداع بعد وفاته ، وإليك من سلام الوداع في حياته عليه‌السلام ففي صادقي : « جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو في مسجد الكوفة فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فردّ عليه فقال : جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلّم عليك وأودّعك ، فقال له : وأي شيءٍ أردت بذلك؟ فقال : الفضل جعلت فداك ، قال : فبع راحلتك وكل زادك وصلِّ في هذا المسجد ... » فروع الكافي ٣ | ٤٩١. والشاهد هو « فأردت أن أسلّم عليك وأودّعك » وله نظائر في أحاديثهم عليهم‌السلام.

٣ ـ لا يخفى أن سلام الوداع لقبر الحسين عليه‌السلام مذكور بتفصيل في كامل الزيارات ٢٥٢ ـ ٢٥٦ ، الباب ٨٤ ، الخاصّ بوداع قبر الحسين عليه‌السلام.

٤ ـ البحار ١٠١ | ٢٠٣ ، و ٢٥٧ ، الباب ٢١ ، الزيارات المختصة بالوداع ٢٨٠ ـ ٢٨٤ ، و ٣٦٣.

١٨١

لا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتك ، ورزقني العود إليك ، والمقام في حرمك ، والكون في مشهدك ، آمين ربّ العالمين » (١).

وجاء لجميع الأئمّة وأولادهم عليهم‌السلام تسليمات الوداع ، لكلّ واحد واحد منهم فليراجع بحار الشيخ المجلسي (٢).

ومن الجدير للمودّع أن ينوي العود ، كما جاء التصريح في الوداع الأخير (٣).

يبقى سؤال :

يختلج بالبال هنا سؤال وقد صرّح به بعض زملائنا لا بأس بإيراده والجواب عنه. وهو : إنّا نجد في جميع الزيارات ـ حتى الوداعيّة منها ـ قد كرّر فيها السلام كثيراً ، لماذا هذا التكرار؟ أوَليس من ورد على آخر وكان بمشهد ومرأَىً منه يسلّم في مجلس واحد مرّة واحدة ، ولو كرّر السلام بأن قال : السلام عليكم ، السلام عليكم ، عدّه العقلاء مستهزئاً. ومشاهد قبور

__________________

١ ـ البحار ١٠١ | ٣٦٢.

٢ ـ البحار ١٠٢ | ١٣ ـ ٣٢٤.

٣ ـ أي قبر أبي الفضل العباس عليه‌السلام ، ولا تخصّ نيّة العود به ، بل هي مطلوبة في الجميع ، حتى في سلام الوداع المتداول بين الناس ؛ لما جاء في المثل قولهم : ( العود أحمد ) أي أكثر حمداً ، قال الشاعر :

فلم تجر إلاّ جئت في الخير سابقاً

ولا عدت إلاّ أنت في العود أحمد

لسان العرب ٣ | ١٥٨ ـ حمد ـ.

قال الزمخشري بعد المثل : لأنك لا تعود إلى شيء في الغالب إلاّ بعد خبرته ... قال الأخطل : ( الطويل ) ..

فقلت لساقينا عليك فعُد بنا

إلى مثلها بالأمس فالعود أحمد

... المستقصى ١ | ٣٣٥.

وقال الميداني بعد المثل : ... يعني الابتداء محمود والعود أحقّ بأن يحمد منه ... مجمع الأمثال ٢ | ٣٤ ـ ٣٥.

لعادة المحمود عد يا أحمد

فالعود لا شك إليه يحمد

فرائد اللآل في مجمع الأمثال ٢ | ٢٩.

١٨٢

المعصومين عليهم‌السلام كمشاهد حضورهم ، لأنّ موتهم وحياتهم سواء ، يرون الزائر ، ويسمعون كلامه ، وسلامه ، ويردّون جوابه ، كما جاء ذلك في استئذان الدخول إلى الروضات المنورة أوّله :

« اللّهمّ إني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيك ، وقد منعت الناس أن يدخلوا إلاّ بإذنه ـ إلى قوله : ـ وأعلم أنّ رسولك وخلفاءك عليهم‌السلام أحياء عندك يرزقون ، يرون مقامي ، ويسمعون كلامي ، ويردّون سلامي ، وإنّك حجبت عن سمعي كلامهم ، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجتهم » (١) ...

وعليه فإن أراد المكرّر للسلام سماع سلامه ، فيسمعون ذلك من دون افتقار إلى التكرار ، وإن كانت الأخرى فلا غاية متصورة إلا الاستهزاء ، أو على الأقل يكون من الاستعمال المستهجن الساقط عن الأقطار.

والجواب عنه :

إنا نمنع أن يكون تكرار السلام من المستهجن ، إذا كان المسلّم ممتدحاً لصاحبه ، وذكر بين كلّ سلامين فضيلة من فضائله. نعم ، إذا لم يفصل بين السلامين كما سبق بأن قال : السلام عليكم ، السلام عليكم ، لعلّه يُعدّ عند العقلاء هازلاً أو لاغياً وإن كان في مقام المدح ، وأين هذا من قول : السلام عليك مكرّراً مع الفصل بذكر فضيلة من فضائله ، كما في جميع الزيارات ، منها زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام وفيها :

« السلام على المولود في الكعبة ، المزوّج في السماء ، السلام على أسد الله في الوغى ، السلام على من شُرّفت به مكّة ومنى ، السلام على صاحب الحوض وصاحب اللواء ، السلام على خامس أهل العباء ... » (٢).

ولم أجد في الزيارات المأثورة ، ـ ولا واحدة منها ـ زيارة مشتملة على التسليمات المتكررة ، إلا وفيها بين كلّ تسليمة وتسليمة ذكر فضيلة من فضائل المزور ، أفهل ترى في هذا النوع من التكرار استهجاناً؟ ، كلاّ ، ولعلّ

__________________

١ ـ البحار ١٠٠ | ١٦٠ ـ ١٦١.

٢ ـ البحار ١٠٠ | ٣٠٢.

١٨٣

وجه تعديد فضائل المزور ، والسلام المكرّر عليه ، رجاء أن يقع بعضها موقع القبول ، أو إظهار أنا لا نمتلك سوى أن نقف أمام ضريحك المنوّر ، ونسلّم عليك وعلى أهل بيتك ، والأرواح المنيخة بفنائك ، أو أنّ علينا الدخول إلى حرمك ، وذكر فضائلك والسلام الكثير ، وأنا نأمل بذلك الشفاعة والغفران. فتكرار السلام لإحدى هذه الغايات أو كلّها حسن ولا استهجان فيه.

ثم سلام الوداع لم يخصّ الإنسان ، وقد روى الصدوق عن الصادق عليه‌السلام قال : لما انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الركن الغربي (١) فقال له الركن : يا رسول الله ألستُ قعيداً من قواعد بيت ربّك؟ فما لي لا أُستَلَم؟ فدنا منه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : اسكن عليك السلام غير مهجور (٢).

بـيان :

يأتي الحديث نفسه في الأمر الثالث من الخاتمة ، في سلام الكائنات ، وفيه احتمال أن يكون السلام النبوي على الركن من سلام الوداع ، ومن ثم ذكرناه هنا. واحتمالان آخران فيه بأن يكون جواباً إما لشكوى الركن بشهادة كلمة « غير مهجور » ، أو الجواب عن سلام الركن قد سمعه وعلمه صلى‌الله‌عليه‌وآله دوننا.

ومن سلام الوداع ما وعدناك من ذكر سلام الوداع لشهر الله ، وهو ما جاء من دعاء الإمام السجّاد عليه‌السلام في وداع شهر رمضان (٣) : « ... السلام عليك يا شهر الله الأكبر ، ويا عيد أوليائه ، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ، ويا خير شهر في الأيّام والساعات ، السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال ، ونشرت فيه الأعمال ، السلام عليك من قرينٍ جلّ قدره موجوداً ، وأفجع فقده مفقوداً ، ومرجوّ آلم فراقه ، السلام عليك من أليف آنس مقبلاً فَسَرَّ ، وأوحش منقضياً فَمَضَّ ، السلام عليك من

__________________

١ ـ وهو بعد الشامي البادئ بالحجر الأسود في الطواف ثم الركن الشامي ، ثم الغربي ، ثم اليماني ، ويختم بالحجر الأسود ، وهو الركن العراقي فصارت الأركان أربعة.

٢ ـ علل الشرائع ٤٢٩ ، البحار ٩٩ | ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

٣ ـ الدعاء الخامس والأربعون من الصحيفة السجادية.

١٨٤

مجاور رقّت فيه القلوب وقلّت فيه الذنوب ، السلام عليك من ناصرٍ أَعانَ على الشيطان ، وصاحبٍ سَهَّلَ سُبُل الإحسان ، السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك ، وما أسعد من رَعى حرمتك بك ، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب ، وأسترك لأنواع العيوب ، السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين ، وأهيبك في صدور المؤمنين ، السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيّام ، السلام عليك من شهر هو من كلّ أمر سلام ، السلام عليك غير كريه المصحابة ، ولا ذميم الملابسة ، السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات ، وغسلت عنّا دنس الخطيئات ، السلام عليك غير مودّعٍ بَرَماً ولا متروكٍ صيامه سَأَماً ، السلام عليك من مطلوب قبل وقته ، ومحزون عليه قبل فوته ، السلام عليك كم من سوءٍ صُرِف بك عنّا ، وكم من خير أفيض بك علينا ، السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك ، وأشدّ شوقنا غداً إليك ، السلام عليك وعلى فضلك الذي حُرمناه وعى ماضٍ من بركاتك سلبناه ، اللّهمّ ... » (١).

أقـول : ولهذا الدعاء شرح يطول به المقام.

الـوداع :

الوداع مصدر وَدَعَ ، قال الشيخ الطريحي : قوله تعالى : ( ما ودّعك ربّك ) [ ٣ | ٩٣ ] أي ما تركك. ومنه قولهم : « استودعك الله غير مودّع » أي غير متروك. ومنه سمّي الوداع بالفتح لأنه فراق ومتاركة. وفي الحديث عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : ( ما ودّعك ربّك وما قلى ) قال : إن جبرئيل أبطأ على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّه كانت أوّل سورة نزلت ( اقرأ باسم ربّك ) ثم أبطأ عليه فقالت خديجة : لعلّ ربّك قد بركك ولا يرسل إليك ، فأنزل الله ( ما ودّعك ربّك وما قلى ) (٢).

قال ابن الأثير وفيه (٣) « لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجُمُعات ، أو ليختمنَّ

__________________

١ ـ كتاب إقبال السيد ابن طاوس ٢٥٠ ، الصحيفة السجادية : ٢٤٢ ـ ٢٤٥ ، الدعاء ٤٥ لم نكمل الدعاء فأخذنا منه قدر الحاجة.

٢ ـ تفسير القمي ٢ | ٤٢٨. مجمع البحرين ـ ودع ـ الضحى : ٣.

٣ ـ أي الحديث النبوي على ما اصطلح فيه.

١٨٥

على قلوبهم » أي : عن تركهم إيّاها ، والتخلّف عنها. يقال : وَدَعَ الشيء ، يَدعُه وَدْعاً : إذا تركه. والنَّحاة يقولون : إن العرب أماتوا ماضي يَدَعُ ، ومصدَرَه ، واستغنوا عنه بتَرَكَ. والنبي صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم أفصح. وإنّما يحمل قولهم على قلّة استعماله ، فهو شاذّ في الاستعمال ، صحيح في القياس. وقد جاء في غير حديث ، حتى قرئ به قوله تعالى :( ما وَدَعَكَ ربّك وما قلى ) بالتخفيف (١).

وقال ابن فارس : الواو والدال والعين : أصل واحد يدلّ على الترك والتخلية. وَدَعَه : تركه ، ومنه دَعْ. وينشد :

ليت شعري عن خليلي ما الذي

غاله في الحبّ حتى وَدَعه (٢)

ومنه ودَّعتُه توديعاً. ومنه الدَّعَة : الخفض ، كأنّه أمر يترك معه ما يُنصِب (٣).

أقول : في الباقري : « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كان له خمس مائة نخلة ، وكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين ، وكان إذا قام في صلاته غشى لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي المَلِكِ الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله ، وكان يصلّي صلاة مودّع ، يرى أن لا يصلّي بعدها أبداً ... » (٤).

والصادقي قال : أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلان ، رجل من الأنصار ، ورجل من ثقيف ، فقال له الثقفي : « يا رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حاجتي فقال : سَبَقَكَ أخوك الأنصاري ، فقال : يا رسول الله إنّي على سفر وإني عجلان ، وقال الأنصاري : إنّي قد أذنت له ، فقال : إن شئت

__________________

١ ـ النهاية ٥ | ١٦٥ ـ ١٦٦ ـ ودع ـ.

٢ ـ البيت لأبي الأسود الدؤلي في اللسان ـ ودع ـ.

٣ ـ معجم مقاييس اللغة ٦ | ٩٦ ـ ودع ـ.

٤ ـ الوسائل ٣ | ٧٣.

١٨٦

سألتني وإن شئت أنبأتك ، قال : أنبئني يارسول الله ، فقال : جئت تسألني عن الصلاة ، وعن الوضوء ، وعن السجود ، فقال الرجل : أي والذي بعثك بالحق ، فقال : أصبغ الوضوء ، واملأ يديك من ركبتيك ، وعفّر جبينك في التراب ، وصلّ صلاة مودع » الحديث (١).

والنبوي : « عليك باليأس ممّا في أيدي الناس ؛ فإنّه الغنى الحاضر ، وإياك والطمع ، فإنه الفقر الحاضر ، وصلّ صلاة مودّع ... » (٢).

بيـان :

كان الغرض من ذكر هذه الأحاديث الإصابة لموضع الوداع المطلوب والنافع ، وقد عرفت معنى « صلاة مودّع » أن يرى أنّه لا يوفق لغيرها من صلاة ، أي لم يبق حيّاً حتى يصلّي ، فما حال من يؤمن أن يموت بعد صلاته هذه مباشرة ، على النقل المتقدم من أهل اللغة لتفسير سلام الوداع مع الحبيب ، ومن يهمك لقاؤه ؛ وعند الفراق وغيبته ما موقفه؟.

خاصة الافتراق الذي لا لقاء بعده إلا القيامة ؛ وهو هنا يتجسد لدى الموالي لأهل البيت عليهم‌السلام ، فرقتهم الحازة للقلوب ، وليتصور ساعة وداع الإمام الحسين عليه‌السلام ، مع حرمه ، وأطفاله ، وولده السجاد ، وأخته زينب بنت أمير المؤمنين عليهم سلام الله ، وقد جاء في الأثر : « إنّ الحسين لمّا نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى ، التفت إلى الخيمة ونادى : ياسكينة! يا فطمة! يازينب! يا أمّ كلثوم! عليكنّ منّي السلام ... » (٣).

وسلام الوداع مؤخّر عن كلمة « عليك ، أو عليكم ، أو عليكنّ » كما سمعت من الخبر ، وقد يقال جرياً على التحاور المألوف من باب التفاؤل بالعود ، كما جاء ذلك في الحديث العلوي : « تفاءل بالخير تنجح » (٤).

__________________

١ ـ الوسائل ٤ | ٦٧٨.

٢ ـ الوسائل ١١ | ٣٢٢.

٣ ـ البحار ٤٥ | ٤٧.

٤ ـ غرر الحكم ١٥٣.

١٨٧
١٨٨

الخـاتـمة

فـيهـا أمـور ثـلاثـة

١٨٩
١٩٠

الخاتمـة فيهـا أمـور ثـلاثـة

بعد الفراغ من الفصول العشرة الكاملة ، نبحث عن خاتمة لها تحتوي على صلاة المعراج وأسرار سلامها ، وسلام الولادة والموت والبعث وأيّامها ، وسلام الكائنات. فهنا أمور ثلاثة :

الأمر الأوّل :

قبل التكلّم عن صلاة المعراج وأسرار سلامها نقدّم شيئاً من روايات التسليم في الصلاة ؛ فإنها صورة مصغّرة عن موضوعها وموضعها.

١ ـ روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن علي بن أسباط ، عنهم عليهم‌السلام ، قال : « فيما وعظ الله به عيسى عليه‌السلام : ياعيسى أنا ربّك وربّ آبائك (١) ، ـ وذكر الحديث بطوله إلى أن قال ـ : ثم أوصيك يا بن مريم البكر البتول بسيِّد المرسلين ، وحبيبي فهو أحمد ـ إلى أن قال : ـ يسمّي عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كلّ يوم خمس

__________________

١ ـ ليس لعيسى آباء إلا من طريق مريم قال تعالى : ( ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزى المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى ... ) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥. فنوح ومن بعده من الأنبياء المذكورين في الآية آباء عيسى لا من طريق أبيه إذ ليس لعيسى أب ، بل هم آباؤه من طريق أمه مريم ، والآية من البراهين الدالة على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله وهو أبوهما.

١٩١

صلوات متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتح بالتكبير ، ويختم بالتسليم » (١).

بيـان :

بعض الحديث المذكور له علاقة : بالفصل الرابع ـ أي إفشاء السلام في العالم ـ. وقوله : « كنداء الجيش بالشعار » من أروع تمثيل يضرب في هذا المقام عند إقامة الجمعة والجماعة ، نظير التمثيل في آية ( إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ) (٢).

٢ ـ صحيح عمّار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسليم ما هو؟ قال : هو إذن » (٣).

٣ ـ العلوي : « افتتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم » (٤).

٤ ـ قال الصدوق : « قال رجل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : ما معنى قول الإمام : « السلام عليكم؟ » فقال : إنّ الإمام يترجم عن الله عزّ وجلّ ويقول في ترجمته لأهل الجماعة : أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة » (٥).

٥ ـ الرضوي قال : « إنما جعل التسليم تحليل الصلاة ، ولم يجعل بدلها تكبيراً ، أو تسبيحاً ، أو ضرباً آخر ، لأنه لمّا كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين ، والتوجه إلى الخالق ، كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها ، وابتداء المخلوقين في الكلام أوّلاً بالتسليم » (٦).

بيـان :

الحديث الرابع تفسير السلام بالأمان من العذاب ، كما أنّ الخامس

__________________

١ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٣ ـ ١٠٠٤ ، إثبات الهداة ١ | ١٥٩.

٢ ـ الصف : ٤.

٣ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٤.

٤ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٥.

٥ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٥.

٦ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٥ ، الحديث ١٠ الباب ١ من أبواب التسليم.

١٩٢

دال على أنّ السلام أوّل الكلام ، وقد تقدّم الأمران ، أوّلهما : في غضون العنوان الأوّل ، وثانيهما : في ( ٥ ـ السلام قبل الكلام ).

٦ ـ روى الصدوق بسنده إلى المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟.

قال : لأنّه تحليل الصلاة.

قلت : فلأيّ علّة يسلّم على اليمين ولا يسلّم على اليسار؟.

قال : لأنّ الملك الموكّل الذي يكتب الحسنات على اليمين ، والذي يكتب السيئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات ، فلهذا يسلّم على اليمين دون اليسار.

قلت : فلِمَ لا يقال : السلام عليك والملك على اليمين واحد ولكن يقال : السلام عليكم؟.

قال : ليكون قد سلّم عليه وعلى من على اليسار ، وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه.

قلت : فلِمَ لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه؟ ولكن كان بالأنف لمن يصلّي وحده وبالعين لم يصلّي بقوم.

قال : لأنّ مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين (١) ، فصاحب اليمين على الشدق الأيمن ، وتسليم المصلّي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته.

قلت : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً.

قال : تكون واحدة ردّاً على الإمام ، وتكون عليه وعلى مَلَكَيْه ، وتكون (٢). الثانية على من على يمينه والملكين به ، وتكون الثالثة على من على يساره والملكين الموكلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد ،

__________________

١ ـ الصحيح « الشدقان » بالرفع خبر « لأنّ ».

٢ ـ التأنيث باعتبار التسليمة.

١٩٣

لم يسلّم على يساره ، إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ، ويساره إلى مصلٍّى معه خلف الإمام فيسلم على يساره.

قلت : فتسليم الإمام على من يقع؟.

قال : على مَلَكَيْه والمأمومين ، يقول لملائكته : اكتبا سلامة صلاتي لما يفسدها ، ويقول لمن خلفه : سلمتم وأمنتم من عذاب الله عزّ وجلّ.

قلت : فلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟.

قال : لأنه تحية الملكين ، وفي إقامة الصلاة بحدودها ، وركوعها ، وسجودها ، وتسليمها سلامة للعبد من النار ، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله ، فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله ، وإن لم تسلم صلاته وردّت عليه ، ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة (١).

أقول : جئنا على هذا الحديث الشريف عن آخره لاشتماله على علل سلام الصلاة ، وتفسيره المستوفى ، فليعلم المصلّي ماذا يصنع ، وما يقول ، هذه معاني سلام صلاته علم بها أو جهلها.

إذا دريت ما رويناه فإليك صلاة النبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في السماء في ليلة المعراج :

روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، والفضل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : لمّا أسري برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة ، فأذّن جبرئيل وأقام ، فتقدّم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصفّ الملائكة ، والنبيّون خلف محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢).

__________________

١ ـ علل الشرائع ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، الباب ٧٧. الوسائل ٤ | ١٠٠٥ مختصراً ونقلاً عنه ، وفي ١٠٠٩ ـ ١٠١٠ تفصيلاً.

٢ ـ الكافي ٣ | ٣٠٢. باب بدء الأذان والإقامة ... ، الوسائل ٤ | ٦١٢.

١٩٤

بيـان :

قال العلامة المجلسي : ويدل على ما أجمع عليه أصحابنا من أنّ الأذان والإقامة بالوحي لا بالنوم كما ذهب إليه العامة ، وعلى ثبوت المعراج وهو معلوم متواتر ، وعلى كون أرواح الأنبياء في السماء في أجسادهم الأصلية ، أو المثالية على الخلاف ، وقد تكلمنا في جميع ذلك في كتابنا الكبير (١) ، وأما حضور الصلاة فالمراد أما صلاة أوجب الله عليه في ذلك الوقت ، وأوحى إليه أن أصلها في الأرض عند الزوال ، ووصل في السماء إلى (٢) مكان يكون في المكان الذي يحاذيه في الأرض ، أول الزوال ، ويدل على جواز كون المؤذّن والمقيم غير الإمام ، وعلى جواز اتّحادهما ، وما ورد في التفريق لا يدلّ على التعيين (٣).

ويدلّ على إمامته ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، للنبيين في السماء ما جاء في تفسير قوله تعالى : ( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون ) (٤).

من الباقري وسؤال نافع بن الأزرق ، صاحب هشام بن عبد الملك ، وممّا سأله أن قال نافع بعد تلاوة الآية :

« من ذا الذي سأل محمداً وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة!؟ قال : فتلا أبو جعفر عليه‌السلام هذه الآية : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنُريه من ءاياتنا ) (٥). فكان من الآيات التي أراها الله محمداً ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حين أسرى به إلى بيت المقدس ، أن حشر الله الأوّلين والآخرين من النبيين ، والمرسلين ، ثم أمر جبرئيل فإذّن شفعاً ، وأقام شفعاً (٦) ، ثم قال في

____________

١ ـ أي كتاب البحار ؛ لأنه أكبر كتاب صنفه طاب ثراه.

٢ ـ البيت المعمور في السماء الرابعة ، يحاذي الكعبة في البيت الحرام ، وفيه ضراح مطاف الملائكة.

٣ ـ مرآة العقول ١٥ | ٨١.

٤ ـ الزخرف : ٤٥.

٥ ـ الإسراء : ١.

٦ ـ أي : اثنين اثنين.

١٩٥

إقامته : حيّ على خير العمل (١) ، ثم تقدّم محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلى بالقوم (٢) ، فأنزل الله عليه ( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون ) الأية ، فقال لهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، : على ما تشهدون؟ وما كنتم تعبدون؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وإنك رسول الله ، أخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا ، قال نافع : صدقت يا بن رسول الله ، يا أبا جعفر ، أنتم والله أوصياء رسول الله ، وخلفاؤه في التوارة ، وأسماؤكم في الإنجيل ، وفي الزبور ، وفي القرآن ، وأنتم أحقّ بالأمر من غيركم » (٣).

بيـان :

دلّ الحديث الباقري الأول على أنّ إقامة الجماعة كانت في البيت المعمور المحاذي للكعبة ، والثاني على إقامتها في بيت المقدس.

الجواب : لا علم لنا بالمسامة ، والمحاذاة الحقيقية ، فلعلها يسع الفضاء للأمرين ، والعلم عند الله عزّ وجلّ. ولهم عليهم‌السلام تصاريف في الكلام يراعون حال المخاطبين في ، وله نظائر في أحاديثهم عليهم‌السلام لا مجال لذكرها.

ويمكن حمل الأول على إسراء ، والثاني على إسراء آخر ، كما احتمله ابن طاوس ، قال في بعض كلماته التي نقلها المجلسي في عدد الأنبياء هناك : لعل هذا الإسراء كان دفعة أخرى ، غير ما هو مشهور ، فإنّ الأخبار وردت مختلفة في صفات الإسراء ، ولعل الحاضرين من الأنبياء كانوا في هذه الحال ، دون الأنبياء الذين حضروا في الإسراء الآخر ، لأن الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ، ولعلّ الحاضرين من الأنبياء كانوا في هذه هم المرسلون (٤) .. أو البيت المعمور هو المسجد الأقصى كما ذكره المجلسي

__________________

١ ـ يعني هلم إلى الصلاة فإنها خير الأعمال.

٢ ـ أي النبيين.

٣ ـ تفسير القمي ٢ | ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، تفسير الصافي ٢ | ٥٣١ ـ ٥٣٢ ، الاحتجاج | ٥٩ ـ ٦٠ ، روضة الكافي ١٢٠ ـ ١٢١.

٤ ـ البحار ١٨ | ٣١٨.

١٩٦

في الحديث العلوي فراجع تجده (١).

ومن حديث المعراج لمّا بلغ جبرئيل بالنبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة ، فإذا جبرئيل ينصرف قلت : خليلي جبرئيل في مثل هذا المكان! ـ أو في مثل هذه السدرة تخلفني وتمضي؟ فقال : حبيبي والذي بعثك بالحق نبيّاً ، إنّ هذا المسلك ما سلكه نبيّ مرسل ، ولا ملك مقرّب ، أستودعك ربّ العزة. وما زلت واقفاً حتى قذفت في بحار النور ، فلم تزل الأمواج تقذفني من نور إلى ظلمة ، ومن ظلمة (٢) إلى نور ، حتى أوقفني ربّي الموقف الذي أحبّ أن يقفني عنده من ملكوت الرحمن ، فقال عزّ وجلّ : يا أحمد قف ، فوقفت منتفضاً مرعوباً ، فنوديت من الملكوت : يا أحمد ، فألهمني ربّي فقلت : لبيك ربّي وسعديك ها أنا ذا عبدك بين يديك ، فنوديت : يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام ، قال : فقلت : هو السلام ومنه وإليه يعود السلام ... (٣) ...

بيـان : الكلام الأخير يجدر ذكره في ( ١ ـ السلام اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ الحسنى ).

قد حان إنجاز الوعد لذكر سلام صلاة المعراح : وننقل لك رواية الشيخ الكليني من الكافي من باب النوادر في المعراج المطولة (٤) : علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال : ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت : جعلت فداك في ماذا؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم. فقلت : إنهم يقولون : إن أُبي بن كعب رآه في النوم ، فقال : كذبوا ، فإنّ دين الله عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم ، قال : فقال له سدير الصيرفي : جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكراً ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن الله عزّ وجلّ لمّا عرج بنبيه ، صلى

__________________

١ ـ البحار ١٨ | ٣٩٤.

٢ ـ إذا قيل : نور وأنور فالفاقد للمزيد صحّ نسبة الظلمة إليه.

٣ ـ البحار ١٨ | ١٣.

٤ ـ تفسيراً لسورة الإسراء : وقد كانت العروج في ليلة إحدى وعشرين من رمضان ، قبل الهجرة بستة أشهر وكان الإسراء ... وفي ليلة ٢٧ في رجب سنة ٢ من الهجرة.

١٩٧

الله عليه وآله ، إلى سماواته السبع ، أما أوليهنّ فبارك عليه ، والثانية علمه فرضه ، فأنزل الله محملاً من نور فيه أربعون نوعاً من أنواع النور ، كانت محدقة بعرش الله ، تغشي أبصار الناظرين ، أمّا واحد منها فأصفر ، فمن أجل ذلك اصفرت الصفرة ، وواحد منها أحمر فمن أجل ذلك احمرت الحمرة ، وواحد منها أبيض فمن أجل ذلك ابيضّ البياض ، والباقي على سائر عدد الخلق من النور ؛ والألوان في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضة ، ثم عرج به إلى السماء ، فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّداً وقالت : سبوح قدوس ما أشبه هذا النور بنور ربنا ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : الله أكبر الله أكبر ، ثم فتحت أبواب السماء ، واجتمعت الملائكة ، فسلّمت على النبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفواجاً وقالت : يا محمد كيف أخوك إذا نزلت فاقرئه السلام ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفتعرفونه؟ قالوا : وكيف لا نعرفه ، وقد أخذ ميثاقك ، وميثاقه ، وميثاقه منا ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في كل وقت صلاة ـ وإنا لنصلّي عليك وعليه ، [ قال : ] ، ثم زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا يشبه النور الأول ، وزادني حلقاً وسلاسل ، وعرج بي إلى السماء الثانية ، فلما قربت من باب السماء الثانية نفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرت سجداً ، وقالت : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا. فقال جبرئيل عليه‌السلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله. فاجتمعت الملائكة وقالت : يا جبرئيل من هذا معك؟ قال : هذا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : وقد بعث؟ قال نعم ، قال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، : فخرجوا إلي شبه المعانيق (١) ، فسلموا علي ، وقالوا : اقرئ أخاك السلام ، قلت : أتعرفونه؟ قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك ، وميثاقه ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في كل وقت صلاة ـ قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأولى ، ثم

__________________

١ ـ المعانيق : جمع المعناق وهو الفرس الجيد العنق ، وفي الخبر « فانطلقنا إلى الناس معانيق أي : مسرعين ». مجمع البحري ـ عنق ـ.

١٩٨

عرج بي إلى السماء الثالثة ، فنفرت الملائكة وخرّت سُجّداً ، وقالت : سبوح قدوس ، ربّ الملائكة والروح ، ما هذا النور الذي يشبه نور ربِّنا؟ فقال جبرئيل عليه‌السلام : أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله. فاجتمعت الملائكة وقالت : مرحباً بالأوّل ، ومرحباً بالآخر ، ومرحباً بالحاشر ، ومرحباً بالناشر (١) ، محمد خير النبيين ، وعلي خير الوصيين.

قال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، : ثم سلّموا عليّ وسألوني عن أخي ، قلت : هو في الأرض ، أفتعرفونه؟ قالوا : وكيف لا نعرفه ، وقد نحجّ البيت المعمور كل سنة ، وعليه رق أبيض (٢) ، فيه اسم محمد ، واسم علي ، والحسن ، والحسين ، [ والأئمة ] عليهم‌السلام ، وشيعتهم إلى يوم القيامة ، وإنا لنبارك عليهم كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في وقت كل صلاة ـ ويمسحون رؤوسهم بأيديهم ، قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأولى ، ثم عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة ، فلم تقل الملائكة شيئاً ، وسمعت دوياً كأنه في الصدور ، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء ، وخرجت إلي شبه المعانيق ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، فقالت الملائكة : صوتان مقرونان معروفان ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، فقالت الملائكة : هي لشيعته إلى يوم القيامة ، ثم اجتمعت الملائكة وقالت : كيف تركت أخاك؟ فقلت لهم : وتعرفونه؟ قالوا : نعرفه وشيعته ، وهم نور حول عرش الله وإن في البيت المعمور لرقّاً من نور ، [ فيه كتاب من نور ] ، فيه اسم محمد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، والأئمة ، وشيعتهم إلى يوم القيامة ، لا يزيد فيه رجل ، ولا ينقص منهم رجل ، وإنه لميثاقنا ، وإنه ليقرأ علينا كل يوم جمعة

__________________

١ ـ الحاشر من ألقاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمقارنته عليه الصلاة والسلام مع الحشر كما قال : « أنا والساعة كهاتين » وأشار إلى السبابة والوسطى. والناشر من ألقاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنّ الناشر بمعنى المفرق ، وهو عليه‌السلام يفرق بين أهل الجنة ، والنار. قال المجلسي رحمه‌الله : مرحباً بالحاشر أي من يتصل زمان أمته بالحشر. ومرحباً بالناشر أي بمن ينشر قبل الخلق وإليه الجمع والحساب كما تسمعه في المتن.

٢ ـ الرق ـ بالكسر ـ : جلد رقيق يكتب فيه. والصحيفة البيضاء هامش الكافي ٣ | ٤٨٤.

١٩٩

ثم قيل لي : ارفع رأسك يا محمد ، فرفعت رأسي فإذا أطباق السماء قد خرقت ، والحجب قد رفعت ، ثم قال لي : طأطىء رأسك انظر ما ترى ؛ فطأطأت رأسي ، فنطرت إلى بيت مثل بيتكم هذا ، وحرم مثل حرم هذا البيت ، لو ألقيت شيئاً من يدي لم يقع إلا عليه ، فقيل لي : يا محمد إن هذا الحرم وأنت الحرام ولكل مثل مثال ، ثم أوحى الله إلي : يا محمد ادن من ( صاد ) ، فاغسل مساجدك وطهرها ، وصلّ لربّك فدنى رسول الله من ( صاد ) وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ، فتلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين ، ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه أن اغسل وجهك ، فإنك تنظر إلى عظمتي ، ثم اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى. فإنك تلقى بيدك كلامي ، ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك من الماء ، ورجليك إلى كعبيك ، فإنّي أبارك عليك ، وأوطئك موطئاً لم يطأه أحد غيرك ، فهذا علة الأذان والوضوء. ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه يا محمد استقبل الحجر الأسود ، وكبرني على عدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً ، لأن الحجب سبع ، فافتتح عند انقطاع الحجب فمن أجل صار الافتتاح ستة. والحجب متطابقة بينهن بحار النور ، وذلك النور الذي أنزل الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرات لافتتاح الحجب ثلاث مرات ، فصار التكبير سبعاً ، والافتتاح ثلاث ، فلما فرغ من التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ، ثم أوحى الله إليه أن أحمدني ، فلما قال : الحمد لله رب العالمين ، قال النبي في نفسه : شكراً ، فاوحى الله عزّ وجلّ إليه قطعت حمدي ، فسم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين ، فلما بلغ ولا الضالّين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمد لله رب العالمين شكراً ، فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ قطعت ذكري فسم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ، ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه اقرأ يا محمد نسبة ربّك تبارك وتعالى : ( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد ) ، ثم أمسك عنه الوحي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الواحد الأحد الصمد ،

٢٠٠