رحلة الكابتن فلوير

المؤلف:

بن دغار


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٥

على سطح الصخور القوية ، وعليه فإن الماء قد أحدث تجويفا عبارة عن نفق بعرض خمسة عشر قدما. (إن كلمة «دول» تعني وعاء) ، فوقها مباشرة على الجهة اليمنى يزداد الجدول ليكوّن شلالا صامتا من المياه ، ولكن بعد مرورنا بخمسة عشر دقيقة تدفق الشلال أمامنا أطنانا من المياه.

كان قاع الجدول في (تانج) لبضع مئات من الياردات للأسفل ، ناعما وخاليا من الحجارة البالية ، وهذا يبيّن قوة اندفاع المياه ؛ لذلك غطسنا في مجرى (الدول) لدقائق قليلة التي بدأ فيها كل من في القافلة يضحكون ويصيحون ويتكلمون دليلا على شعورهم بالارتياح. الآن نحن بمنآى عن الخطر لسرعة انفتاح التيار المائي فورا ، وقد ظهرت على جوانبه ضفافا مسطّحة التي عليها يمكننا أن نجد ملاذا لنا. وبدأ أكثرنا يشكو الله لنجاتنا متجها للبحث عن مكان مناسب لنخيّم فيه. عموما ، ظهر لنا بأن «جازو» لديه ركنا معينا يتوفر فيه حطب الوقود وعلف الجمال.

لقد عزم «جازو» أن يكون اليوم الأول له كمرشد ، يوما ناجحا بتواجده في لهذا المكان ، ولكن المطر كان شديدا ، والرعد والبرق اشتد أكثر فصرخ الرجال «هوران هوران» (١) إنه المطر ـ إنه المطر .. وفي حوالي الساعة السابعة وعشر دقائق كنا نجلس على ركن عال من الصخور تطل على واد ضيق يمر به مجرى ماء هائج ، وبعد فترة وجيزة كنّا جميعا في المأوى الصخري. وكان الرعد والبرق لا يزالان مستمران والريح تهب الآن من جهة ، وأيضا تعصف من جهة أخرى محدثة صوتا لم أسمع مثله من قبل. بينما كنا ما زلنا نراقب الأمطار ، زاد هطوله بغزارة أكثر ، مما أرعب

__________________

(*) نفس هذه الكلمة «هوران» يستعملها هؤلاء الناس عند السيل الجارف الذي يحدثه المطر الشديد.

١٦١

الرجال في بادئ الأمر ، بعد ذلك ساد المرح والكثير من المزاح أثناء نصبنا الخيمة ، وبعد نصف ساعة توقف المطر ، فأشعلنا النار وغططنا في نوم عميق بالرغم من أننا كنّا لا نزال متوترين من السيول التي غمرت المكان حولنا.

في اليوم السادس لم ننزع مخيمنا بعد الظهر لأنني كنت أود رسم (تانج) وأن أعرف ارتفاع دائرة نصف النهار. في الصباح كنت أتسلى مع «علي شاه» الذي عيّن نفسه خادما للطاولة ورتب كل شيء بحذر من أوراق وبوصلات الخ .. ولم يدع مزاحه أبدا ، حتى أنه في بعض الأحيان كان يقف عند باب الخيمة وفي يده طبق من الشوربة ليقدمه إليّ ولكنه في نفس الوقت نفسه يجد الفرصة ليكمل مزاحه مع سائقي الجمال.

وبينما كنا نتناول الإفطار صباحا مرت بنا قافلة من ثلاثة «بشكارديين» مع عشرة حمير صغيرة ولكن نشيطة ، وقد سألونا بشغف كيف قضينا الليلة الماضية وقد رافقتهم حتى (دول) ولاحظت أن الممر ما زال وعرا للجمال ، ولكن الحمير الصغيرة كانت نشيطة فتسلقت ودارت حول عدد من الأغادير التي ترغم الجمال على اقتحامها والغوص فيها. وفي طريقنا أيضا وجدنا بطّة وحيدة قام بصيدها أحد الرفقاء وفجأة وبشكل غير عادي أصبحت الجداول مرتفعة وقد كانت تجري بين التلال التي ظهرت كصخور قاحلة.

بعد الظهر بدأنا سيرنا إلى (ماريخ) نفس الطريق الممطر الذي سلكناه ، وهنا أيضا واجهتنا العاصفة القوية ، وبالرغم من أننا كنا خارج مجرى الجدول إلا أنه كان علينا أن نقوم بحفر قناة حول الخيمة. وبعدها خلال عشرون دقيقة كان مكان الطبخ قد أصبح جدولا يغلي بالوحل. والخور أكثر اتساعا كل دقيقة أو ثلاث دقائق إلى أن أصبح عرضه ثلاثة أقدام. وكان حجر البرد يطقطق حولنا وطول كل منها حوالي بوصة وفيها نواة

١٦٢

سوداء اللون ، لذلك قمت بجمع بعض منه لعمل بحث علمي عليه.

في الساعة الخامسة مساء أشرقت الشمس مرة أخرى ، وأنا جالس مستمتعا بأمسية جميلة بجانب النار المشتعلة فرحا لتوفير علف الجمال بكمية جيدة وكافية.

طيلة ذلك الطقس الجميل تعودت أن أتناول عشائي قريبا من نار دافئة بجانب راكبي الجمال لأستمتع بمزاحهم وقصصهم الجميلة ، فالبلوش هم أفضل أشخاص في العالم من حيث موافقتهم على الرحلات والسفر. فهم في وقت الشدائد يعملون بأمانة ونشاط كالجن. ودائما في المخيّم يبدون معي مسرورين وأحاديثهم واضحة أكثر من أي شخص جلست معه أو سمعت عنه. فهم أيضا عنصر طيّب ولهم قدرة قوية على المرح مع طبيعتهم المحبّبة.

في صباح اليوم التالي السابع من الشهر بدأ ستة من الرجال في رفع الخيمة التي كانت ثقيلة ورطبة بفعل المطر ووضعها على ظهر الجمال. وقد أصبح واضحا لنا عند ما نبدأ مسيرتنا تبدأ معها المتاعب. لقد ظهر أمامنا سقوط المياه منحدرة من الصخور العالية مشكلة بركة كبيرة من الصخور القوية بطبقة طينية على كل الجوانب.

وهنا علينا أن نقوم بقطع أشجار نبات الطرفاء لعمل معبر للجمال ، وفي حوالي الساعة الحادية عشر خرجنا من الجبال ، وبدا لنا أننا أخيرا قد وصلنا إلى القرية. أمامنا هنا سهلا منبسطا «مالحا» تقطعه ممرات مائية عميقة ، وتقع خلفنا سلسلة من الجبال القاحلة حمراء اللون.

كان «غلام شاه» مع الجمل «ماهري» خلف القافلة ، ولكنه بفعل طبيعة الجو كان في الخلف مختفيا عن النظر. هنا ظهر لنا طيفا غير عاديا. أشخاصا بملابس رثة يضعون شيئا ما ملفوفا على رؤوسهم لا يمكن أن

١٦٣

نتصور مدى الدهشة عند ما رأى رجالي هؤلاء الأشخاص الطويلي القامة ذو الأنوف المعكوفة واللحى السوداء الخشنة. إنهم لم يروا أو يسمعوا عن شخص مثلي إفرنجي. فهؤلاء قوم مسلحون حتى أسنانهم بالسيف ، والترس ، والبندقية ، والسكين والدرع الحديدي. كما أنهم يظهرون بزيهم الرئيسي الذي يتكون من لباس خفيف وزهيد ملفوف حول الوسط وصندل أخضر اللون وطاقية للرأس. حقا إني أعتقد لو أنهم رأوني قبل أن أراهم. لكانوا قاموا بقتلي ليس لأي حقد بل فقط ليروا ما هو جنسي. المهم أنني لدى كتابة مذكراتي عنهم اقتربوا مني فقمت بكتابة ملاحظات طيبة عن قائدهم.

وبالرغم من أن الرجال لا يعتقدون بالخرافات حيث كانت نظراتهم الثابتة على الجهاز الغير معروف تشير بل تثبت لي مدى حيرتهم. ولكنهم كانوا على وشك أن يمضوا في طريقهم. هذا ما لم أرغب به لأنني كنت متشوقا أن أسألهم عن أي شيء بالنسبة للطريق ، وأماكن التخييم إلى آخره.

وعند ما بدأت الحديث معهم باللغة البلوشية ، اقتربوا مني وهم يتذمرون وقد وضعوا بنادقهم أمامي وبدأوا في الأسئلة «من أنت»؟ «وماذا تكون»؟ «من أين أتيت»؟ ، «لماذا تتحدث بالبلوشية»؟ «نحن بلوش» ، «أين جملك»؟ «وإلى أين أنت ذاهب»؟ ... الخ.

لقد انتظرت لحظة بهدوء تام حتى أكملوا حديثهم ، ثم جاوبتهم بصوت منخفض «السلام عليكم» ، وفي الحال أظهروا احترامهم وتهذيبهم ، لاحترامي الشديد الذي دفعهم للسلوك الطيب. أيضا كان بإمكاني من أن أتظاهر بالأدب لمصلحتي في ذلك ـ لذا أكملت ردا على تحيتهم :

«السلام عليكم»

«أهلا وسهلا»

١٦٤

«نتمنى لكم السلامة»

«كيف حالكم»؟

«كيف أهل البيت»؟

«إنهم طيبون بإذن الله»

«ما هي الأخبار»

«ليس عندي أخبار»

«أنا بخير ، عساكم بخير كذلك»

ثم بدأنا التحية مرة أخرى حيث أنه من غير اللائق أن نتوقف أولا عن تكملة القاء التحية حتى تبدأ القافلة بالسير ، وعند ما بدأت الجمال تسير واحدا يلو الآخر سمعت اثنين من هؤلاء الرفقاء يتحدثان وقال أحدهما : حسنا إنني قد عشت حوالي ٣٠٠٠ سنة ، وقد سافرت لمعظم بلاد بلوشستان ، ولكنني لم أرى بحياتي رجلا يملك كل تلك المقومات. وعموما ، لم تكن هذه الصدمة الوحيدة له ، لأنني في اللحظة التي أخذت فيها دفتر مذكراتي لأدّون فيه ملاحظتي لصديق لي في (جاسك) لأخبره عن نجاح رحلتي حتى الآن ، كانت عيناه تحدّقان في الدفتر والورق التي لم يرى مثلها في حياته ، وبدأ يقلبها بين أصابعه بشكل طريف للغاية. ويقول وهو مندهشا ، أوه .. أو إنها رقيقة جدا ، «وكيف إنها بيضاء كالحليب والله» وقد مسح عليها بعصاه حيث تركت علامة سوداء على الورق. ثم أخذ القلم وهو يتعجب ويقول لصديقه «انظر إنه شيئ عجيب كيف يكتب ويعلم إن له قلبا أسودا.

وبعد أن بدأت القافلة في التقدم الآن أكثر ، ركبت الجمل «ماهري» الذي جثم بالقرب مني مع «غلام شاه» وقدته فورا للمقدمة ، حينها لم أكن

١٦٥

أعرف أن للجمل «ماهري» سرجان ، حيث جلس في السرج الأمامي غلام شاه وهو يحمل التلسكوب والترموميتر ، والمنظار المكبّر وغذائي أو عشائي من الطعام ، وكان «غلام شاه» باقيا بجانبي ونحن نتأرجح معا على الجمل ، وقد سبقنا القافلة بحوالي ساعة تقريبا ، أي ٦ أميال ، إلى أن وصلنا إلى كهف ، فجلسنا تحت ظله لتناول الغذاء. وكان المطر الذي لا مفر منه قد أدركنا هنا. عموما ، واصلنا سيرنا وفي حوالي الساعة الثالثة خيمنا على ضفة (خور شريفي) تتمتع منطقة شريفي هنا بواد مليء بالأشجار الجيدة ، وهنا وجدت الجمال علفها الجيّد من شجر «الكافور» والذي تأكل مثله منذ مغادرتنا بلدة (كيكن).

في هذا المساء وبواسطة «جهاز الترمومتر» وجدنا أنفسنا بعد كل الجهود بين الصخور والجبال ولا حظنا بأننا قد ارتفعنا فقط ٦٠٠ قدم. ثم شاهدنا عدة ممرات جبلية ، وماشية الجبال ، وحيوانات أخرى جيدة تستحق الصيد. وبكل بساطة أقنعت «جازو» للبقاء هنا للتمتع بهذه الرياضة ، كما أنه يمكننا من أن نجفف الخيمة ، حيث أن الجمال وسائقوها قد قاموا برحلة طويلة ومن الأفضل لهم أن يأخذوا قسطا من الراحة.

اليوم التالي كان لنا صباحا جميلا ، فقمت بسرعة بتبديل ملابسي وأخذت بندقيتي الصغيرة وخرجت من الخيمة وجلست أمام النار لأشاهد تجهيز طعام الإفطار ، وقد كان ذلك أجمل صباح في حياتي. فكل شيء يشعرني بجمال الطبيعة. رائحة الحطب وهو يحترق في الجو البارد النقي ، وصوت نقرات طائر الخشب الكبير الوحيد في البلد يتسلل من بين الأشجار القريبة. كل ذلك كان رائعا بتفاصيله الدقيقة التي تركت آثارها الجميلة في ذاكرتي.

لقد كان مخيّمنا بصورة رائعة الوصف فهناك على ضفاف (خور الشريفي) الذي سيقودنا لمرحلتين أخيرتين من رحلتنا ، وكانت الخيمة

١٦٦

منصوبة على عشب الربيع الأخضر وخلفنا كانت سلسلة من التلال البنفسيجية والحمراء تدعى (اوشدانداري). وعلى بعد بضعة أقدام حول بقايا النار ، تمدّد الرجال وهم ما يزالون يلتقون بستراتهم الضخمة التي تسمى «بالبالاكس» أو «هيري هيريس» لقد رفضوا أن يعترفوا بالاسم الفارسي لملابسهم وهم يقولون «لا لا ، نحن البلوش نسميّها البالش».

بسرعة قام «غلام شاه» بتجهيز البيض والشاي و «جازو» كان جالسا لتحضير التمر والخبز. بعد أن فرغنا من الطعام بدأنا سيرنا عند شروق الشمس الذي غطى التلال وقد انتشر نورها الساطع الدافئ على كل شيء.

بعد ذلك وصلنا إلى منحدر في وادي ضيق في تلال (اوشدانداري) حيث وجدنا هنا آثارا لصيد كثير. فجأة وجدت صديقي قد أصبح دليلا مسكينا ثقيل الحركة يجر رجليه محدثا صوتا وكأنه شخصان يمشيان ، إضافة لذلك فقد ظهر عليه الإعياء من برد شديد. وفي هذه اللحظة التي بدا فيها كل شيء ساكنا كان صديقي يهتز بسبب السعال الذي أصابه فجأة وارتعد له جسمه. وعند ما ذكرت بأن مرضه هذا سيصيبه بما يشبه العمى المؤقت فسيكون من الواضح عندئذ أنه لن يظل الدليل ، والمساعد النشيط. ولكن من غير الممكن أن أغضب من صديقي القديم بالرغم من أننا قد أخفنا بصوتنا قطيعان من ماشية التلال ، إلا أنني تمتعت بالتسلق المنعش وبجمع بعض النباتات لإضافتها لمجموعتي.

هذه المنطقة لا يسكنها أحد سوى أننا تقابلنا فقط مع خمسة رجال طوال رحلتنا منذ بدأناها من الساحل ، حتى أننا كذلك منذ يومين لم نصادف أحدا في طريقنا.

في صباح اليوم التالي وبعد جولة صيد فاشلة بدأنا سيرنا إلى أعلى (نهر شريفي) المتفرع من نهر (جغين) كان القاع هنا محصورا وفيه كثير من

١٦٧

الصخور الضخمة ، بسعادة غامرة تسلقنا هذا الصخر الشديد الإنحدار وعبرنا السهل المنبسط الذي تقطعه المنحنيات الكثيرة. هنا بدأنا نواجه أسرابا غير عادية من الجراد المهاجر ، ولكثافة هذه الحشرات التي كانت تطير في السماء كادت تحجب الشمس عن الأرض كالغيم ، وكانت جميعها من النوع الأحمر الثمين الذي يصلح للأكل.

بالرغم من أن الرجال الذين كانوا في المخيم يزدرون أكل الجراد إلا أنني قد شاهدت «عبد الله» يقوم بعصر المادة الصفراء من الجراد ويأكلها بتلذذ. ويبدو أن جميع الرجال يعتبرون الجراد من أفخر الأطعمة لتقديمه على الطاولة أكثر من أنه مدمر لجميع الزرع ويلتهم بسرعة أي نوع من النباتات التي تغطي المناطق وكذلك الشجيرات في مجرى المياه. أيضا بترحاله المتواصل في هذا الفصل من السنة يأكل الجراد عشب الربيع الأخضر بما فيه الكفاية ولكن عند ما يحل الصيف ويحترق الزرع من الحرارة أعتقد بأنهم سيموتون جوعا. إنني أذكر شيئا مهما قد حصل في بلدة (هنجام) ، لقد كان الجراد يأكل الجراد الميت ليعيش ولكن عند ما يدخل شهر يونيو سوف لا يكون هنا أي جراد في المنطقة.

كان هناك أيضا سربا من طيور الطهبوج وهي من فصيلة الدجاج وكذلك طائر الحجل. وقد قضيت وقتا طويلا في اصطياد طير الطهبوج. وفي الساعة الثانية وخمسة وثلاثون دقيقة مساء وصلنا ثانية إلى نهر (شريفي) الذي يبلغ عرض قاعه حوالي ميلا واحدا. أما مجموعة الضفاف المتكونة من الطين والوحل يبلغ ارتفاع الواحدة منها حوالي ستون قدما. بدا لنا القاع مغطى بالنباتات البحرية ذات الطعم الحلو. ولكن جمال الساحل لا تبالي بالأكل من تك السموم ، لأنها تتغذى على حشائش البامباس ، من ضمن النباتات أيضا كان نبات «سبارتا» وهو نبات ذات أوراق ناعمة وهي أكل مفضّل لدى الجمال وكان متوفرا بكثرة. أما نبات «التراث» الذي يعتبر

١٦٨

الطعام الصحي للجمال وبغيره لا يمكنها الحصول على قوتها ، فقد حاولنا جهدنا لنعثر عليه ولكن لم يوجد منه شيئا.

بعد حوالي ثلاثة أميال من دخولنا للنهر ، وصلنا إلى غابة صغيرة من أشجار التمر وكان هناك كوخا وحيدا بالقرب من هذه الغابة ، فنصبنا خيمتنا فيها وحينها لا حظنا صاحب هذا البستان مشغولا في إشعال حطب بعض النباتات التي لربما دخانه يدفع الجراد ليطير بعيدا عن هذا المكان الذي كانت فيه مساحة مزروعة بالقمح. كان راعي هذا البستان لأول وهلة خائفا من قافلتنا ، ولكنه تعاطف معنا بعد ذلك وباع لنا بعض البيض وحليب بثمن باهظ. وفي هذا المكان أيضا قمنا بذبح آخر شاه من الثلاثة التي جلبناها معنا من (جيكن) وكان لا بد من ذبحها لانقاذ حياتها ؛ وذلك لأنها أصبحت وحيدة في القافلة بعد أن قمنا بذبح رفيقتها ، وبعد أن عاندت في سيرها لشعورها بوحشة تامة ، ربطت مع الجمل من عنقها ، ولكن أدى شدها له باستمرار إلى قطع الحبل من طرفه.

خلال سيرنا تنبهت للمناقشة التي دارت بين «إبراهيم» واثنين من رفقاء الرحلة الصغار. فحديثهما كان عن الأمطار التي سقطت بغزارة وكيف أنهما بإمكانهما أن يكونا بوضع جيّد عند قيامهما باتفاقيات عمالية. بعد سقوط الأمطار هذه السنة بكثرة عن السنين السابقة ، فزراعة القمح الواسعة في (مكران) تستلزم شيئان : عدد من العمال مع كمية الأمطار هذه لتحويلها للزرع. وبعد أن بدأ هذان الرجلان رحلة شاقة وطويلة لبلاد عدائية وأخرى غير معروفة ، وبعد أن أصبحا على مقربة من بلدهما ، سنحت لهما الفرصة الآن للعيش في رفاهية بدلا من متابعتهم القيام برحلات أخرى خطيرة.

بدأ هذا الموضوع يدور في رأسي بدقة ولبعض الوقت قبل أن أتخذ أي قرار فيه. إن شيئا واحدا لم أتمكن من معرفته من ذلك الحديث الجاف الذي كان مبررا ظاهرا للغضب الظاهر في أعينهم. للمرة الثانية لمّح لي

١٦٩

«إبراهيم» بحديثه عن مضاعفة أجرهم لحل أي نزاع ولكنني لم أصدقهما فتحدثت مع إبراهيم بعنف (حيث أنه ليس من الممكن أن يفرض عليه شيئا من هذا القبيل) ، وقلت له بأني لا أصدق هذا القول لأنني أعرف الكثير عن البلوش منذ سنين عديدة فهم لا يقومون بفعل شيء يدل على عدم رجولتهم ، فهم إذا وعدوا وأعطوا كلمة يلتزمون بها ، وليس من الممكن أبدا أن يصحبوا رجلا منذ البداية ثم يتخلو عنه بعد ذلك وهو في أول الطريق.

(لربما كان علي شاه قد رفض نوعا من الاحتقار ولذلك يفعلون هذا الشيء).

إن ما مرّ من أحداث طوال الوقت كان مجرد رغبة ، بعد ذلك سارت الأمور بجميع المراحل بشكل سليم.

في صباح اليوم التالي بدأنا السير وكان علينا أن نمشي حوالي تسع ساعات متواصلة. وخلال الساعتان والنصف الأخيرة كنا نأخذ طريقنا إلى أعلى وأسفل بين الصخور والممرات المائية في الظلام الشديد وفي اتجاه غير مؤكد بأنه صحيح أم لا.

على كل يجب علينا أن لا نسبق الأحداث في رحلة زاخرة بالحوادث المفاجئة التي قادتنا في الحقيقة للترحال عبر حدود بلاد رائعة (باشاكارد).

ونحن في هذه البلاد الآن «حسب معلومات السكان» سنجد أشياء مذهلة. أكثر ما في هذه البلدة كان غير سالكا ، وكان هناك شيئا ما عبارة عن جسم ضخم كالشيطان يدعى .. «هيرس» بجسم هائل كالرجال الضخمة. بعد ذلك أيضا كان هناك قلاعا ضخمة البناء قد بناها «رستم» نفسه في عصر قديم ، كذلك كان علينا أن نشاهد الكثير من الأشياء المهمة التي وصفتها كما هي في الصفحات المقبلة بأقل تعديل تعتبر البلدة بدائية ،

١٧٠

برغم من التأشير عليها في الخارطة منذ أيام «بوتينجر» لم يدخلها بعد أي شخص أبيض. حتى خارطة «الماجور سانت جون» التي كانت مطبوعة في موطني حددت عليها عاصمة البلدة (أنغهوران) على بعد أربعون ميلا من موضعها الأصلي.

في صباح اليوم التاسع كنا قد تأخرنا قليلا بسبب الجمال لأنها كانت هائجة ، نود أن نجد مدخلا إلى العشب ، وبسبب هذا فقد خلعوا المقبض الخشبي من أنوفها حيث يربطها باللجام. وقد قضينا نصف ساعة للتحكم بهذه الحيوانات ، فقد كانوا يتألمون جدا خاصة الجمل الكبير «جاسكي» الذي أفلت رقبته فقام خمسة رجال بالسيطرة عليه بعد تهيجه الشديد لوضعه المؤلم هذا.

بعد تسوية هذه الحادثة بدأنا سيرنا من ضفة النهر ومررنا ببقعة مزروعة بالقمح من النوع الطيب المذاق الذي يحبه سكان القرية الجبلية وكانوا يسمونه «سونايتي».

كان طريقنا جميلا وبهيجا بما فيه الكفاية بين سنابل القمح وأسراب من الطيور زاد في جماله منظر الصخور الفائق التصّور ، ولكن فاتنا في هذا الصباح تغريدا رائعا لطيور الحجل أو الطيور ذات الأرجل الصفراء. حتى الآن لم نصل بعد لبلدة طيور (الكابج) أو طيور الأرجل الحمراء التي تطير بنظام ثابت على علوّ منخفض وصوتها المنخفض بنبرة «كوك ، كوك ، كوك».

اليوم فقط عرفت حقيقة غريبة وهي أن الجمال الذكور تعرق فقط في مؤخرة رأسها أما الإناث منها فإنها لا تعرق بالمرة ؛ لذلك لم أكن أعرف حقيقة هذا الأمر لأن جمالي كانت جميعها ذكورا.

لقد عانينا كثيرا في تلك الرحلة من الصعوبات التي واجهتنا بسبب عدم

١٧١

وضوح معالم الطريق. وقد علمت اليوم ما بين الساعة العاشرة وخمسة عشر دقيقة وحتى الخامسة والنصف ، حسب ما ظهر في البوصلة ، وبالمقارنة مع الأيام الأخرى ، إنه ما يزال هناك صعوبة كذلك لعبور سبعة تلال أخرى عمودية الشكل إضافة لما سرناه تبعد الواحدة عن الثانية ميلا أو نصف ميل. وفي الساعة الثانية بعد الظهر عند وصولنا إلى نقطة تلاقي ثلاثة روافد لنهر (الشريفي) تركنا القاع الرئيسي للنهر لنتابع القناة الشرقية ، وهنا جمعنا القافلة بعد أن تجولنا حول المنطقة ووجدنا أماكن كثيرة للتوقف.

وما أن اقتربنا من المكان الذي قررنا التوقف فيه حتى سمعنا صوتا يصيح «هلي واجي هلي ، بالله عليكم أن تأتوا إلى هنا لقد انكسر الدواء وقد يحرق الجمال ويقطعها إربا. إنه بلا شك شيء مثير ولم أستطع طبعا أن أخمن ما قد حصل. وبأقصى سرعة ذهبت إلى الرجال حيث يقفون ، فوجدت قطعتان من القطران قد انصهرت في الجراب وذابت بفعل حرارة الشمس في ساعات الظهيرة وسألت عن كل شيء وانبعث منهما رائحة قوية غير محتملة أزعجت الرجال. لقد كانوا دائما في هلع وخوف شديد من أدويتي.

حيث كان حسن هو المكلف بحمل شنطة جلدية تحتوي على النترات قوية ، والكبريت و «حامض المبورياتيك» لفحص المعادن. وعلى الرغم من أنها كانت مغلّفة بعناية إلا أن الحقيبة قد تفحمّت يوما بعد يوم بفعل هذه المواد ، وعند ما شاهد الرجال هذا المنظر اعتقدوا بأن كل شيء سيحترق بفعلها.

فقط وجدت جواربي الاحتياطية تالفة لأنها كانت ملتصقة مع بعضها. أما باقي الأشياء فلم يحصل لها أي شيء ، عندئذ وجدنا في طريقنا شجيرات عجيبة يطلقون عليها اسم «بان» فهي في الحقيقة تنتمي إلى فصيلة «الفينستوكسيكوم» فمئات الفروع اللامعة منها ثبت في الوسط وليست لها

١٧٢

أوراق وإذا ما ضغط عليها فإنها تخرج ما يشبه اللبن الأبيض ولكن مرّ الطعم. وعند ما تموت هذه الشجيرات تموت معها الجذوع. بعدها يتشعب في منتصف الشجيرات شيئا يشبه الجذور الصغيرة.

أدركنا المساء ونحن ما زلنا نخوض في سيرنا ضفاف السيل حتى وصلنا لنقطة التقاء جدران المجرى مع بعضها البعض ، فوجدنا أنفسنا في ممر أسفل فجوة عميقة.

كان جدار المجرى يرتفع حوالي ثلاثمائة قدم ويكسوه الطمي الأزرق وصفائح «الكورتز» وهو معدن شبه نفيس. أما الحواف فكانت أمامنا كأنها ممشطة ذو أسنان ، المياه هنا كانت قوية وبعض عناصرها قد غيّرت الطمي إلى حجارة زرقاء قوية.

بدأ «جازو» يبحث عن واد ليقودنا خارج هذه الفجوة ، ثم قال هنا يرقد جدودي ، بعدها وجدنا اثنان أو ثلاث مخارج توقفنا أخيرا وأشعلنا المصابيح واسترحنا هنا لنكتشف بعد ذلك بسيرنا إحدى الأماكن القديمة المحببة لدى «جازو». وبعد مجهود كبير نجحنا في أن نصعد بالجمال والخروج بها من الممر. وعند ما وصلنا إلى أعلى وجدنا منحدرا شديدا ، وبعد أن عبرنا مجرى الجدول وصلنا إلى (دازاكا) فنصبنا الخيام فيها. لقد كان صعودنا اليوم حسب مؤشر «الباروميتر» حوالي ٢٦٥ ، ٢٧ وتمثل ما يقارب ٥٤٠ ، ٣ قدما. ثم اضطررنا أن نأخذ بكلمة «جازو» عن عدم وجود «جور» حولنا ، وما كان علينا إلا أن نحل الجمال لترعى من شجر «الكاهور» الذي برغم قلته كنا متأكدون من أنه هناك بالمكان.

١٧٣
١٧٤

الجزء السابع :

إن جبل (راستو) الذي نحن به الآن ونود قطعه سيرا ليس به أي شيء غير السلاحف العجيبة ، وبينما نحن نخترق مجرى السيل ومقابلنا تماما كانت هناك صفوفا من المنازل والتي يستعملها المواطنون هنا لحراسة بساتين النخيل. من على قمة (راستو) شاهدنا منظرا جميلا. وعبورا للجهة الشمالية نحو الأفق وعلى أبعد مسافة تقع سلسلة جبال (مرز) الشامخة التي تمثل مقاطعة (مرز).

١٧٥
١٧٦

في اليوم الثاني استيقظت مبكرا وأنا متلهف أن أرى كيف هي حالة الأراضي التي أنا فيها اليوم. كان هناك رسما ليد رجل على حائط قديم الذي كان في وقت من الأوقات قريبا من قطعة أرض مزروعة بالقمح ، وعلى مقربة منه أيضا كانت هناك شجرة ضخمة من شجر النخيل هي الوحيدة التي بقيت من جميع أنثى أشجار النخيل التي كانت تملأ الأرض قديما.

بينما كنت أستمتع بوجبة الإفطار التي كانت تتكون من لحم فخذ بارد ومخلل وكاكاو مع احتفاظنا بكل ما يدل على التحضر الفاخر ، أخبرنا «علي شاه» عن وصول أحد الممثلين الدبلوماسيين من «ريّس علي» (١) حاكم (باشكارد) التي كانت حسب معرفتي بجانب (أبيني باند) المكان الذي خيّمنا فيه. وكنت تواقا لاعطائه إنطباعا جيدا عنا فكان ردائي القرمزي اللون موضوع على يد المقعد وقد طلبت قهوة وغليون.

__________________

(١) قد يكون رئيس علي من آل مير مبارك ـ وهم من (جغدان) وكانوا على خلاف مع حكام (أنغوران) وإبنه هو غلام حسين ، ولست مطلعا على كامل نسبهم.

١٧٧

بعد ذلك استدعيت زائري. دخل المكان وهو يردد بفخر سلام البلوش الطويل. وقد عرفت شخصية الزائر من بندقيته الطويلة المكسوة بالفضة ، وحافظة سيفه ذلك يدل على أنه شخصية اجتماعية رفيعة المستوى.

وبالرغم من أنه لم يشأ أن يظهر اهتمامه ، إلا أن الدهشة بدت عليه عند ما رأى خيمتي والسجاد المريح ، وأكثر من ذلك حلقة البراميل المثبت فيها أعمدة الخيمة ، وقد كان منبهرا بعظمتنا ، وبكل بساطة كنا لا نجد صعوبة في الرد على أسئلته ، وعند ما سألنا لماذا أتينا إلى هنا كان «إبراهيم» جاهزا للرد عليه. لم يكن تقديم القهوة مقبولا منه بالرغم من أن تقديم القهوة هو دليل على الاحترام ولكنها غير مرغوبة لمرارتها. ولا حتى الغليون المحضّر بتبغ شيراز الجيد لم يكن حارا ليناسب ذوق البلوش الذين يدخنون مثل العرب نوع من التبغ اللّاذع والحاد الرائحة ولا يفضلون النوع الخفيف الطعم.

كانت مهمته تقديم دعوة من «ريس علي» والذي كان مخيمه بعيدا عنا حوالي ميل واحد ، وقد جاء ليرشدني إلى ذلك المخيّم. برغم هذه المفاجأة إلا أنني أكدت له وأنا أحمل الكرة بيدي قائلا : وسوف أفكّر باقتراحه ، ولمّحت له كذلك أنه لم يكن لي من قبل شرف مقابلة الريس بنفسه. ورأيت أنه من الأصلح لي أن يقوم نائبي بالزيارة الأولى ، وهنا أخذه «إبراهيم» خارجا لمناقشة العمل الحقيقي للاجتماع. ملاحظاتي لشخصية مشهورة كهذه كان لها كثيرا من الاعتبار والاهتمام. وقد لا حظت ذلك في مناسبات عديدة ما مدى الفرق بين التأثير على هؤلاء الجهلة من البلوش الذي لا يتسلل إلى نفوسهم وبين أولئك الفارسيين الأكثر مدنية وحضارة.

جاء إبراهيم بعد ذلك ملحا علينا بالذهاب فورا إليهم لأن الأمير

١٧٨

«يوسف» (١) من (جاسك) كان موجودا مع «الريس علي» كذلك كان الأمير «شهداد» شقيق الأمير «يوسف» ، ومع هؤلاء الحكام كان إبراهيم يحاول أن يجعلهم متقاربين ومتحالفين مع بعضهم البعض.

أما بخصوص وجود خطورة عليّ من أهالي «بشكرد» فقد أعاد لي ما ذكره طول الفترة السابقة أن واحدا من بلوش (مكران) الجيّدين يساوي ستة من (الباشكارديين) وأنه مع الرجال الذين معي سوف يحمونني في المناطق بعد هذا الإقليم.

وفي الثانية عشر والنصف حملنا أمتعتنا ورحلنا عبر الصخور لمسافة ميل ونصف في اتجاه الغرب. وفي طريقي كان جلّ اهتمامي مركزا على «تاجو» الذي كان يسير بجوار جملي يقظا لكل ما هو غير عادي ، وكنت أشعر متى كان يريد أن يتحدث إليّ أو يخطرني بشيء ما ، ولما كان يدرك أنني فهمت مقصده كان يحاول أن يلتقط من ذاكرته المشوشة جملا باللغة العربية التي اكتسب منها بعض أجزاء لخمسة أو ستة عشر كلمة (٢).

__________________

(١) هو الأمير يوسف بن داخذا وعمه الأمير «شهداد» بن الأمير حاجي «الكبير» بن الأمير حسين بن الأمير داخذا بن شاهو بن اليشكري بن الأمير جمعة بن الأمير دغار. واستحوذ على قلعة جاشك في تلك الفترة ، وكان على رأس أمراء آل حاجي في صراعهم مع ابن عمهم الأمير عبد النبي (كما ذكر سابقا) في حكم مناطق ساحل (مكران) بعد انتهاء حكم الفترة العمانية في عهد السيد ثويني بن سعيد بن سلطان آل بو سعيد حاكم مسقط وعمان.

(٢) لهجة أهل الباطنة ليست مختلفة كثيرا عن لهجات مناطق عمان الأخرى ومع انتشار واستمرار القبائل العربية مثل المعامرة والحواسنة وآل سعيد من الباطنة في عهد الحكومة العمانية لمكران فلقد انتشرت لهجة أهل الباطنة بالأخص في مناطق ساحل مكران أكثر من أي لهجات مناطق عمان الأخرى ، وأيضا اللهجة السواحيلية للمناطق التي كانت تحكمها عمان في أفريقيا انتشرت بين كثير من تم استقدامهم في شرق أفريقيا سواء في فترة تجارة الرقيق أو بعدها وواضح هذا جليا في الفنون والتراث الشعبي والرقصات المحلية بين البلوش من الأصول الأفريقية.

١٧٩

لم أجد الفرصة حينذاك في بلدة (هنجام) لدراسة لهجة أهل الباطنة من بعض القراصنة الذين كانوا عابرين بسفنهم الشراعية وذلك في ليلة واحدة تقريبا ، وجميع دراساتي العربية التي تعلمتها من خلال الأربع سنوات لم تفيدني بأي شيئ مع هذا الرجل ولهجته. والمحادثة التي كانت بيننا الآن بها الكثير ما هو في لعبة» Buz «أو لعبة التخمين ، ولكن مع قليل من الصبر استطعت فهم الحديث فقلت : «جي يسيرون ، هذين الاثنين ، يبغون فلوس» (وهذا يعني أن الاثنين سيرحلان ويريدان دفع أجرتهما هنا).

إن هذا على كل لم يزعجني كثيرا ، لأننا سنبقى حوالي ثلاثة أو أربعة أيام داخل الخيمة لحين دفع أجور جميع الرجال ، وصديقيّ الاثنين سيبقيان لذلك أيضا ، لأنهما في الحقيقة لم يكن لديهما الشجاعة ليخبراني أنهما راحلان. فهما يعتقدان بأن لديهما ثلاثة أسباب قوية لطلبهما دفع الأجرة مقدما ، وحتى لا أثير شكهما برفضي كنت أحاول دائما أن لا أتقرب منهما حتى هذه اللحظة.

بعد ذلك صعدنا إلى أعلى هضبة طينية ناعمة زرقاء ثم انحدرنا إلى الجهة المعاكسة ووجدنا أنفسنا في ممر ضيق منخفض تابعنا سيرنا فيه حتى وصلنا إلى سفح (ابنين باند) الذي يعلو ٠٠٠ ، ٣ قدما فوقنا وهنا أرشدنا قائدنا للمكان الوحيد المنبسط الذي ممكن أن ننصب به خيمتنا. وحتى تنصب الخيمة فرشت سجادتي ووضعت الكرسي الخاص في طرفها وبقينا ننتظر «الريس» وأصدقائه. أولا جاء «شداد» و «يوسف» وهما الزعيمين لساحل (مكران) من الساحل مع بعض رجالي الذين وقفوا يظهرون ولائهم بصور مختلفة لهؤلاء الحكام ، فأخذوا مسرعين يقبّلون أيديهم.

إن هذين الحاكمين الصغيرين ذوى البنية الطويلة بطلعتهما القوية كانا محترمين جدا لتسامحهما وكان الترحيب بينهما وبين الرجال باديا على جانب عطوف من جهة ومخلص وودي من جهة أخرى ، وكأن كلام

١٨٠