رحلة الكابتن فلوير

المؤلف:

بن دغار


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٥

(بنوج) المكان الذي يمكن أن أجد فيه جمالا قوية.

عند ما نهضنا من النوم في اليوم التالي كنا مكسوون بالثلج ، ونجلس تحت أشجار (البير) ، الآن هناك سرب من طيور (الكولاكس) الصغيرة ، وكان تغريد البلبل جميلا. وقد تخيلت صورة صف من طيور صغيرة تعشش مع بعضها في غصن مكسو بالثلج ، وكانت هذه الطيور لا تستطيع النهوض بسبب البرد القارس. وتغريد هذه الطيور كان عبارة عن زغردة طويلة تبدأ من أعلى النوتة إلى أسفلها وكل نوتة تنقسم إلى ثلاثة أقسام كما تخيلتها. بعد ساعات من التغريد تبدأ في اصطياد طعامها.

إن «عبد الله» و «بارجي» ما زالا متجمدين ولكن أمام النار كانت هناك كومة ثانية تحترق بلا دخان في الرماد. إنني قد عرفت من خبرتي أنها رأس الضأن التي بدت وكأنها قطعت الآن من الشاة وإنها مدفونة في رماد النار والرماد مدفون في الرمل. كان الطعام يعد في الليل ولكنه في النهاية لذيذ الطعم ، يظهر أن أحدا قد نادى على جلال وأبدى ملاحظاته الشائنة عن قذارة البلدة.

لم نتمكن من السير حتى تتوقف العاصفة الثلجية ، حسب البوصلة ، فالثلج سيستمر لمدة ثلاثة أيام وربما تموت الجمال. لقد خففت ملابسي وبدأنا في السير حوالي الساعة التاسعة والنصف وكانت الريح الشمالية قد أذابت الثلج وأصبح البرد غير محتمل وأصابعي المكشوفة قد تجمدت تماما.

بعد أربعة أميال مررنا بقافلة تستظل تحت شجر (البيش) أو (القش) ، وقد قرر رجالي فورا أن نتوقف لكن أنا و «جلال» وأنا تابعنا سيرنا فوجدوا أنفسهم خلفنا ، أما سائقوا الجمال فقد لحقوا بنا. وللمرة الثانية توقف رجالي وهذه المرة قلت بأنني سأتركهم وأذهب ، وحيث أنهم رفضوا أن

١٠١

يعطوني جملا ، قررت أن أمشي. ومرة أخرى ذهب معي «عبد الله» وكان يضحك وهو غاضب يقول أنهم سيأتون وراءنا. وقد كان سرجي هذه المرة عليه طبقة سميكة من الثلج لأنني قد اخترقت أخدودا طويلا من الثلج المجمد.

بعد ثلاثة أميال أخرى نزل «بارجة» من خلف «عبد الله» تحت شجر (البيش) كان كومة من الأغطية ، فقد قام «عبد الله» بسلوكه البطولي بأن ترك أخاه ولحق بي. حقا إنها عاصفة ثلجية عنيفة ولإعطاء فكرة عن البرودة فقد شعرت بأن فخذي الأيمن قد تجمّع عليه الثلج وتجمّد وقد تقشر الجلد من عليه ، كان ذلك خلال الأيام الثلاثة التالية.

بعد ساعة أخرى توجهنا إلى الجنوب وكان الجوّ أفضل من السابق. وبعد حوالي ٢ ميل من (بنوج) توقفت الريح وأشرقت الشمس فتوقفنا وأشعلنا النار ، وكان معنا بارجة ومزحنا معه ثم أكلنا بعض اللحم والتمر. وقد تابعنا سيرنا تقريبا حوالي ميل واحد بطول الطريق. بعدها كانت هناك أرض واسعة وبيت مبني من الطوب الأبيض فتبين بأنه مسجد. بكل دقة ألقيت نظرة على المنطقة فوجدت دوائر مخططة ، وحسب توقعاتي كانت تلك الدوائر قد رسمها الملّا بمناسبة شهر محرم ، وقد قالوا بأنه فعلا كذلك ، لم يكونوا مهتمين بالأمر وإنني قد ذكرت سابقا أن الدين في هذه المنطقة محدّد «بالملّا» والشباب في المدينة.

لقد كان «شاكر خان» غائبا في (جيه) وقد أرسل رجاله عشاء طيبا ولكن كمية بسيطة. وقد كان الرقاق المصنوع من الأرز هو من أطيب الطعام. إنني قد بدأت ثانية علاوة على البرد الذي مررنا به أن نصادفنا صعوبات أخرى ، لذلك فقد نهضت في اليوم التالي قبل ساعتين من شروق الشمس وأخبرت «جلال» بأن يوقد النار. وكان في الخارج حاجزا بالعرض ليعلّق عليه قرب الماء للمنازل المختلفة وكانت صلبة مثل

١٠٢

الحجارة مع قطعة جلد بطول ٢ قدم لتعلق عليها.

على كل حال إنّ الرجال الآن مطيعين ، وكان «بارجة» خجولا وقد قلت ل «عبد الله» ربما يترك الغطاء الأحمر الذي عليه كهدية.

كان الرجال قد بدأوا المسير في شروق الشمس ، وقد تركتهم قبل نصف ساعة لأخذ خارطة الطريق ، وسرت تحت غابات من شجر النخيل وتعجبت أن أرى المستنقع وسط عيون للماء لا تعد والتي تنبع من الجبل إلى النهر.

إن في هذا الفصل البارد يتصاعد البخار دائما حول مدخل الطريق. والثلاث أو الأربع أميال الأولى كانت ظلماء وباردة وقد عرضنا بين الجبال. إن الممّر الذي نحن به الآن كان كما مررنا به من قبل ولكنه قد فقد الكثير من جماله المتوحشة ، فالجبال كانت يابسة ، ونفس الألوان اللامعة كانت هناك. ثم سرنا بسرعة ، وفي حوالي الساعة الرابعة عصرا خيّمنا ، وذهب صلاح الآن لتحضير الطعام والطبّاخ البرتغالي كان يراقبه محاولة منه ليقوم بعمل شيء من الطعام.

جميع الرجال فرحين مبتهجين بي ، وبنجاحي في الرحلة خلال التسعة أيام ، إن «عبد الله» المسكين كان يقبّل يداي وهو يقول : «شارين أتاكي شارين أتاجي» «إنك أثبت ذلك لوحدك وهذا جيّد».

إن الوقت يمر ثقيلا معهم وكل واحد قال إن «صاحب» مجنون ، وسائقي الجمال لم ينكرو هذا القول ، وهكذا إنها وعود ، ووعدتم الاتفاق عليه تحت الصعوبات ، الآن كل شيء في الخيمة منظم ، ونظيف.

إن الإجراءات الأولى هي أن أخلع ملابسي وأضعها للفحص مع ملابس الرجال ، جميع الرجال والجمال كانوا على أحسن حال ما عدا «عبد الله» المسكين ، حيث أن درجة حرارته كانت مرتفعة وقد أعطيناه عشرة جرعات

١٠٣

من مادة الكيناء. أما «عبد الله الآخر» و «بارجة» فقد كانوا عطوفين. بعد ذلك ذهبت إلى سريري لأنام وقد نجحنا في تلك الرحلة ونتائجها ، وأشعر أنني قد عدت إلى بيتي أخيرا. قبل أن أنام ذكرت في مذكرتي الطباخ و «جوزي» ، أو «جوجي» ـ كما ينطقها البلوش ـ الذي كان يأبى أن يتعلم لغة البلوش وكان قصير القامة ممتلئ الجسم قصير التنفس وكان منظره وهو قادم من رحلة طويلة يرثى له. فقد كان كقديس أو ولي من أولياء الله ، لقد سمعته يتكلم مع سائقي الجمال بالهندوستاني ويشرح لهم عن «سانت فرانسيس» الذي يمشي تحت الأرض وهو يسخط ، ومن المتوقع أن يصعد إلى أعلى ليسأل لماذا هو الآن لا يقوم بعمله.

وكان أيضا يشرح لهم أي اعتذار قد قدم إلى قداسته ، كاعتذار عن حالة الفسق والهمجية من البشر المحيطين به ، بدون شك إن كل هذا لم يكن مفهوما لديهم.

الليلة وبينما كنت أحاول أن أنام سمعت صوته خارجا وهو يتكلم بالهندوستاني ويلاطف شخصا لا أعرفه يتوسل بقوة : «تعال إلى هنا ولنذهب إلى البيت كأصدقاء» «كيف لك أن تتصرف هكذا ، ألا تعرف أنها بلد بربرية مليئة بالحيوانات المتوحشة. كيف لك أن تتركني هكذا وتعلم أنني أريد أن أنام.

إنني قد استغربت لسماع هذا الحديث ولكنني أعلم أنه لا يوجد أحد في المخيّم يتكلم أو يفهم اللغة الهندوستانية غيري أنا ، فكان عندي حب الاستطلاع ونظرت من باب الخيمة لأرى ما يجرى خارجا. كان «جوزي» يضع الطيور في قفص صغير يمكن نقله وكان دائما يحب القنص ، وكنت أقول بأن «جوزي» قوي ، المهم أنه قد أمسك بها جميعا ما عدا الديك لأنه كان يطارده وقد صعد لأعلى الخيمة وحاول أن يلاطف الديك لينزل من أعلى الخيمة وكان كلامه غير فعّال وأخذ يزجره بعصاه القصيرة.

١٠٤

الجزء الرابع :

إن البلوش ليس لديهم مقياس للمسافات. في القرى المعروفة التي تبعد اثنان أو ثلاثة أميال عن بعضها تستعمل لقياس المقارنة. إن الطريق الجديد الذي وصف لنا كان أبعد من (جاسك) إلى (يكدار) وليس بعيدا كالمسافة ذاتها من «گيگن» إلى (حشدان). وإذا سألت أحد البلوش سيحاول أولا أن يصف الطريق حسب قاعدته هكذا قائلا : سيلف ببطء ويواجه الاتجاه وإذا كان بعيدا جدا سيقف على جبل رملي صغير ويؤشر بيديه ويقول «أووووه» هناك.

١٠٥
١٠٦

في صباح اليوم التالي كان يجب أن أقوم بعمل تفتيشي دقيق .. «غلام شاه» و «جلال» كانا على قائمة الاتهام ، ومع كوننا أصدقاء ـ ولكن يجب الحفاظ على النظام ، كما يقول السيد «باكنيت» (١).

إستولى على «غلام شاه» هوّس لأنه قد اقترض من جميع سائقي الجمال نقودا وقام بشراء بنادق ، سيوف ، ودروع ، وقد أمرته إذا لم يتخلص من هذه الأشياء فإنه سيحرم من مرافقتنا ، أما جلال العجوز فقد قمت بتأنيبه عمل غير مقبول لأنه استخدم إسمي في طرق غير صحيحة ، وقمت بتنحيته إلى رتبة أقل للتعامل مع (الجمّالين) ويأتي يالشاي والسكر.

كان الجو باردا ولكنه لم يكن كأول الطريق ، وقد بدأنا الاتجاه إلى (جاسك) في اليوم التالي. كان على «جانكي» أن يحضر حطبا وماء للمعسكر وقد أمر أيضا بأن يحضر جميع الجمال. لقد سمعنا الكثير عن

__________________

(١) (باكننيت) ـ أو (باجنيت) ـ يبدو أنه أحد مسؤلي السيد فلوير في مركز التلغراف في «جاسك» أو أحد ضباطه العسكريين السابقين.

١٠٧

قافلة الفرس الغجر الذين قد طردوا مؤخرا من (بنت) حيث أنهم كانوا يسرقون وقد ذهبوا إلى (جاسك). إن قوافل الغجر هذه قد عرفت في المنطقة بالبراعة في الخداع ، وكانوا دائما ميسوري الحال ، وليس بفترة بعيدة قام مأمور السند من (كراتشي) بإرسال حوالي أربعمائة متشرّد منهم وصلوا إلى (جاسك).

إن «الأمير حاجي» كان ما يزال في (گيه) ولكن وزيره (كريم شاه) قد أمر من قبله لامدادنا باحتياجاتنا. فقد طلبنا مرشدا لطريق (غابريغ) إلى البحر وخمسين (مّنا) من أرز (بنت).

إن أرز (بنت) كان في الأعوام الماضية له نكهة القمح وكان أفضل عند ما كان يستورد من الهند ويخلط معه الحامض ليحفظه من التسوّس. وكان الأرز جاهزا في تلك الليلة وأيضا كل شيء. ولكن المرشدين لم يأتوا ولكنهم قد أكدوا أنهم سيكونوا في المعسكر قبل شروق الشمس في اليوم التالي.

على كل حال كان علينا أن نترك أحدا هنا.

إن «غلام» شاه المسكين قد أتى إلى الخيمة في هذه الليلة وقال بصوت مضطرب إنه متأسف ؛ لتركي له يرحل عنا ، وشرح الأمر كالتالي : حينما كنت في (بمبور) كان مخيمنا كئيبا ، وكان «صالح» يقرأ القصص الفارسية ولم يقصّر في روايتها في الوقت الذي كانت فيه معرفته باللغة الفارسية قليلة كما تبين عند قدوم ال «مهدي».

إن هذا ال «مهدي» كان شخصا صغير السن ومرحا ومغنّيا كبيرا ويلعب على المزمار. بالإضافة إلى أنه سعيد الحظ وكان لامعا ، كما يقولون في (بومباي) «النصّاب الأوروبي».

وقد كان غشاشا مهذبا ، ليس فقط استعار ملابس «غلام شاه» ولكنه

١٠٨

أقنعه بشراء ما سبق ذكره ، والذي استلم عنه عمولة. على كل حال كنت عند ما أحدّد الأمر الذي ذكرته سابقا صبّر ذلك مهدي أولا ثم بعد ذلك أخذ «غلام شاه» في يده وأقسم بأنه سيزوجه شقيقته.

في صباح اليوم التالي نهضنا مبكرين ، ولكننا تأخرنا حيث أنه بدون شك يجب تنظيم الأشياء ؛ لأن المشكلة المذكورة قد استمرت حتى الساعة العاشرة. وقبل أن نبدأ رحلتنا عرّج المرشدون إلى أعلى وكان هناك «مهدي» و «غلام شاه». إن الوزير «كريم شاه» المسؤول قد تأخر ، على كل حال رجالي كانوا جيدين وكان ليس لديهم مانع من أخذ المرشدين معنا ، إننا فعلا قد تأخرنا ولكنني قد قررت أن أتجه إلى (Pasgah) لذلك أعطيت جمالي ل «عبد الله» الذي كان لا يزال مريضا وسرت نحو القافلة بعصا طويلة بعد أن حملناه بخفة سرنا مسرعين لأعلى حوالي ثلاثة أميال في الساعة.

بعد أن عبرنا (زانجوتان) أخذنا طريقا أكثر إلى الشرق ، ووصلنا إلى بلدة (جاري داراب) إن الصديق الغدّار لغلام شاه قد تركه ليأتي ببعض التمويل للرحلة من الأكواخ المجاورة ولكننا لم نره.

وقد كان يرتدي في ذلك الوقت جاكيتا وقميصا وسروالا ويحمل بندقية وسيف.

وأصبح «غلام شاه» محرجا بسبب هذا الأمر ، وطوال المرحلتين في رحلتنا كان خجولا ويرفض كل أكل يقدم له ولا يقترب حتى من جمله المفضل «جوجي».

بعد يومين عفيت عنهم جميعا ، فأعيدا «جلال» و «غلام شاه» إلى عملهما. فتابعنا طريقنا السابق إلى بلدة (بازجا) وللآن لم تظهر الأنهار. ووجدنا أنفسنا نسافر على أرض لا بأس بها ولا يوجد بها شيء جديد.

١٠٩

ورحلنا إلى معسكرنا القديم قبل ساعة من غروب الشمس وأمرت الرجال بتثبيت الخيمة لأنهم تعاركوا على ما يتعلق بحمولتنا.

في اليوم التالي وقبل غروب الشمس حاول «رمضان» أحد المرافقين الغير متمكنيين معنا أن يضع بعض الصعوبات على طريق رحلتنا التي هي من بين جبال غير معروفة بدون مرشد ، ولكن من استفساراتي واستخدامي للبوصلة تأكدت أنه من الممكن أن أجد طريق (غابريغ) ؛ لذلك واصلنا سيرنا بصحبة «جلال» وحماره العزيز. بعد سيرنا حوالي (٢) ميل من الجبال وجدنا ثلاث طرق. أخذنا الطريق الأيمن واتجهنا (٢) ميل نحو الغرب. بعد ذلك عبرنا (جيديش) وقد تأكدنا أننا على الطريق الصحيح حيث أننا وجدنا أثرا للقافلة التي كانت هنا في الليلة السابقة.

عند ما أتكلم عن الطريق ، يجب عليّ أن أفهم المعنى في أنه ليست ممرات وعربات نقل ولكن عبور العقبات مثل الهاوية ، والسير لمرور الجمال المحمّلة. ثم تابعنا نهر (جيديش) ووصلنا إلى خيمتان وكان هناك قطيع من الماشية والغنم التي وصلت الآن من (سذيج) ، أما السكان هنا فقد تعجّبوا من أن يروا رجلا أبيض يتكلم البلوشية ، لقد قالوا لنا إننا في الطريق الصحيح ، وعلى بعد ثلاثة أميال يوجد طريقان ، الطريق الأيسر يتجه إلى (سذيج) والطريق الأيمن يتجه إلى (غابريغ).

حسب إشارات رأسه ويديه يمكنك أن تقدّر المسافة. إن رجلا من ساكني بيوت السعف قد رافقنا إلى الطريق الصحيح إلى (سذيج) من ممر شديد الانحدار وقد فكرت أن أنتظر حتى أرى الأمتعة.

إن الطريق إلى الشمال أطول ولكن الأمتعة خلفنا ، وقد حللنا هذه المخاطرة بجمع الرجال ليدفعوا الجمال ولكن ثلاثة من الجمال نقلت

١١٠

الحمولة التي عليهم فتأخرنا لمدة نصف ساعة. ونحن الآن في أرض مرتفعة. وقد أدركنا المسافة إلى (بندي ديشكاري).

حوالي خمسة عشر ميلا من بداية سيرنا تقع (جامكي) على بعد خمسة أميال غربا. هنا طريق يقطع طريقنا إلى (سارتاربي). الآن قد لحقنا بالقافلة التي تعسكر في المكان الذي مررنا به هذا الصباح. كان هناك سبع عربات محمّلة عشرة أو اثنى عشر كيسا من التمر في كل واحد منها ، يصحبهم ثلاثة أو أربعة حمير يحملون كيسين.

كان الرجال يسيرون على أقدامهم وكانوا سائرين ثلاثة أيام من (بنت) إلى (سذيج) ولكنهم كانوا يقومون ببيع سلة من البلح عند ما يصادفون جمع من الناس في أي مكان ويأخذون بدلا عنه الملح ، السمك اللذيذ والملابس الزرقاء ، وكانوا بغاية اللطف.

عند ما تركنا (شاريكي) باتجاه اليسار وشاهدنا صديقنا العجوز (شيهران إيكوه) سرنا ستة أميال ، عبر (نهر سوريني) وسرنا نحو ٢ ميل حتى وصلنا (سذيج) كان المكان بديع للتخييم ولكن سرنا ساعة أخرى وقررنا أن نخيّم هنا. كان قاع النهر الرملي به نبات «الكورتي» بكثرة. أعلى الساحل الصخري حوالي سبعون قدم إلى الشمال الشرقي وكانت المياه حلوة. إن البلوش المقيمين في تلك المنطقة قد ذكروا أن أحلى المياه هي التي وجدوها هنا ، كذلك يوجد في نفس المنطقة بطاطا حلوة. وصديقنا الذي شاهدناه بالأمس قد مرّ من هنا عند ما خيّمنا في المكان ، في هذا الطريق ضحكنا كثيرا على «جلال». بعد ذلك لم أتمكن من النوم ولم أسمح لأي شخص أن ينام حتى بجانب خيمتي. هذه الليلة كانت باردة وكان «جلال» بجانب الخيمة ولم يكن هناك لمدة نصف ساعة قبل أن يجبرني أن أطرده خارجا بسبب شخيره. لقد حمل فراشه وخرج. وجلس مع بعض الرجال حول النار بجانب الخيمة. متوقعا أن يجد مكانا للنوم أفضل ولقد قالوا له

١١١

«لا يوجد إله إلا الله الواحد» هل تعرف أنكم قوم عاديّون ولا تعلمون هذا الرجل «صاحب» له هالة قدسية.

ثم أكمل «جلال» قائلا : «وصدقوني ـ إذا لم يكن مع هذا الرجل «صاحب» كلبا فإن الملائكة ستكون بمقدورها رؤيته فقط لا غير ، وإذا لم يأكل لحم الخنزير؟ يأكل الخنزير؟ قال «جلال» ومن أنت حتى تقول يأكل «صاحب» لحم الخنزير؟ هل أنا لا أرى أي شيء يأكله؟

وتمنى جميع الرجال قائلين «لا لا هو لا يأكل لحم الخنزير» ، وكانت هذه الأيام هي أيام صيام ، وفي الحقيقة فإنني لم آكل لحم الخنزير ولو أكلت لحم الخنزير فإنهم لا يستطيعون تناول الطعام ويبقى القدر غير نظيف ، قال جلال هل تعلم لماذا لا يسمح صاحب لأي شخص أن ينام في خيمته؟

لماذا؟

لماذا؟ قال «جلال» بسبب أكل لحم الخنزير سابقا فإنه يقضي كل الليل في الصلاة وإنه بلا شك لا يريد أحدا أن يزعجه. إنه كان صادقا تماما ، وإنني قد شاهدته من قبل يومين يؤشر على كتاب للصلاة.

إن نهر (سذيج) الذي نخيّم بقربه الآن هو أكبر من السابق عند ما كان يصب في البحر. من الجداول المختلفة في الجبال التي كانت ثلاثة أو أربعة منها تصب في ممرين للجبال والبحر ، وقلة كمية المياه والباقي منها كان يضيع في الرمال. إن نهر (سذيج) ينبع من خلف (باندي نيلاج) والذي يشكل ممر (شمسان) (١) مما يؤدي إلى سلوك الطريق للمناطق

__________________

(١) ممر (شمسان) : معروف للقوافل العابرة بالمنطقة وكان يستخدم من قبل رجال القبائل في مهاجمة حملات القاجاريين عند عبورهم ممر (شمسان) في ملاحقاتهم لهم.

١١٢

الداخلية ؛ لتجنب المرتفعات الخمس أو الأربع إلى الساحل الصخري المنحدر في جانب أو آخر ، ولمراعاة الإنحناء الكبير الغير عادي ، لتجنب ذلك بدأنا سيرنا إلى أسفل الوادي عند النهر. أحيانا كنا نمر على طريق حصوي قاسي وأحيانا أخرى نمر أسفل الوادي على نهر ضحل. إن قاع النهر كان يختلف من حيث العمق ، وكان عرضه حوالي ميل ونصف ، أما الآن فيجري بكل إنسيابية مكونا أركانا تسمى (كجه) وكل ركن له اسم ولكن رجالنا لا يعرفون تلك الأسماء. إن هذا المكان يصلح ليخيّم فيه أي فرد يكون طعامه وزاده معه (١).

__________________

(١) يلاحظ هنا دقة الرحالة «فلوير» في ملاحظاته العسكرية المهمة التي تبين المسار للطرق المختلفة وأماكن المياه العذبة وهنا يتكلم عن المبيت للجيش والأفراد إذ كانوا يحملون زادهم وطعامهم معهم.

١١٣

ومن الآن وبعد هذه المقدمة فإني أرفق مذكراتي كالتالي :

في الخامس من فبراير وبعد خروجنا من المعسكر بخمسة أميال من (سذيج) كان الطريق غربا ممتد بطول ٢ ميل. طريق حصوي وقد تركنا (شيران) خلفنا وهبطنا من المضيق إلى الوادي الذي كان من أعلى الضفة يظهر بشكل جميل من الخضرة والأشجار. عبرنا جنوب الضفة وتابعنا سيرنا لمدة ثلاثة أميال أخرى ، خلال هذه المسافة عبرنا أربعة طرق خطيرة ، عدا الجانب الأيمن.

طبقة صخر تنحدر من الجهة الشرقية لضفة النهر إلى منتصف المجرى وتنتهي بصخر وعر من بضعة أقدام من الماء. إنها المرة الخامسة التي نعبر فيها النهر الذي يجري من الجبال إلى الساحل. وجبال عالية على الجانبين ، بعد مرورنا للمرة السادسة في طريق ضيق.

بين العبور السابع والثامن عبرنا مساحة بعرض نصف ميل جميلة للغاية وبها حشائش طويلة وأشجار كثيرة. بعد ذلك عبرنا مرتفعا ضيقا على الضفة الشمالية. ولم يكن هناك أثرا لأي عربة منذ وقت مغادرتنا المعسكر ، مسافة بسيطة التقينا بشيكاري أو قناص اسمه «شيه مريد» وكان معه جملان محملان ب «القش» متجهة إلى (سذيج) وبعد (٢) ميل إلى الجنوب ثانية كان أمامنا ظهر جبل «سوراك» عبرنا النهر ثانية وجبنا حوالي أربعمائة قدم إلى أعلى ضفة النهر من الغرب. لقد أكّد لنا «شيه مريد» بأنه ليس هناك طرقا مستقيما ولا بد أن يوجد طريق ومن الممكن أن نسير فيه ، وعند ما اتجهنا إلى الشمال الغربي كانت (سوراك) خلفنا حيث تنتهي من الجهة الغربية ببلدة (غابريغ) والجهة الشرقية ببلدة (سذيج).

لقد دخلنا وادي (سذيج) مرة ثانية وتوقفنا قبل ساعة من غروب

١١٤

الشمس ، بينما كنا في انتظار وصول أمتعتنا اقترب منا رجل بلباس أنيق ومعه عبد وجمل. وقد أخبرانا بأن هذا الطريق سينقسم قريبا إلى طريقين غدا ويجب علينا أن نسير في الطريق على الجهة اليمنى إلى (غابريغ) ، إنهم كانا في طريقهما إلى (بنت) وكانا خادمين للأمير «حاجي».

عند ما أتى الليل كنا هنا أنا و «صالح» و «جلال» وحماره والجمال. وقد أشعلنا النار حيث كان الجو باردا في تلك الليلة ، وقد تأسفنا لأنه لم يكن هناك طعام معنا ، ثم سمعنا صوتا في الظلام ، فمشى جلال في اتجاه الصوت وأخذ يصيح ولكن صدى الصوت كان بين الجبال. وقد تحيّرنا ولم نعلم من أين أتى ذلك الصوت ، وأخيرا وصل الرجلين الاثنين وحيواناتهم ، فقد ضلوا طريقنا عند ما قطعناها عبر منحنى من ستة أميال ، ولكنهم تبعوا النهر حتى رأوا النار التي أشعلناها ، وقد جلسنا في مكان سبقه إلينا بعض الفرس الذين تم طردهم من (بنت). لقد قمنا بتوزيع التمر والأرز ، وقد رفع الجميع أيديهم للتحية عند الأكل عدا «تاجو» الخبير في ركوب الجمال كان هادئا.

إنني أود أن يأخذ الرجال قسطا من الراحة ، وكذلك الجمال ولكننا قررنا أن نتابع السير ، وفي الصباح الباكر من اليوم السادس حملّنا الجمال وعبرنا النهر للمرة الثانية عشر ، واتجهنا إلى الطريق الغربي وإلى الجنوب الشرقي لنهاية جبال (جوراني) ، وبعد أن عبرنا للمرة الثالثة عشر اتجهنا إلى الطريق الغربي بين عيون الماء التي بها الحشائش الكثيرة وهنا قد لحق بنا «شيه مريد» والحمّالين اللذين يحملان «القش» ، بعد ذلك صعدنا إلى المضيق على الضفة اليمنى من أعلى ذلك المكان فشاهدنا منظرا عظيما للنهر الأزرق ، والحشائش وحوله الجبال الجميلة ، ومررنا على أرض مردومة منذ زمن بعيد. وقد انقسمنا حينها عن أصدقائنا الذين أخذوا طريق (سذيج) إلى الجهة اليمنى ، ودخلوا إلى طريق منحدر ووصلوا إلى منطقة

١١٥

حصوية عند ممرات الأغنام ، وفورا اندفع الرجال ليسألوا عن الطريق ولكن الساكن الوحيد كان امرأة عجوز بدون أسنان ، ولم تقل أية كلمة. جميع من معنا تابعوا السير وعملوا بالرأي بأن أي شخص لا يفهمونه يجب أن يصمتوا. إن الاتجاه الذي أشارت إليه المرأة العجوز كان على جبال صعبة المسير ، ولكننا أخذنا الطريق الجنوبي الغربي فرأينا النهر الذي لا حظنا بأنه سيكون على طول طريقنا.

التقينا هنا بولد صغير وقد أغاظني كالمرأة العجوز التي التقينا بها ، إنه من السكان البلوش وقد أزعجنا في هذه الرحلة ؛ لأن من عادة البلوش أن يستهلوا أية ملاحظة أو الردّ بتكشيرة كبيرة ، سألت هذا الطفل «أنت بلوشي ، أليس كذلك؟ وكان هذا يعني نوعا من التحية ، وإنني أعتقد أنه ليس هناك كلمة صحيحة بالإنجليزية بهذا المعنى ، وهي تعني أيضا «جميل» ، أو «أنت رجل مدرك أليس كذلك؟ عند ما التقينا ب (الاشاريين) في المرة الأولى في (لو كان جاه) أخذوا يعنفون عبد الله» بشدة ردا على سؤاله عن الطريق دون مقدمات عن السؤال عن قبيلتهم وأصلهم. إنها شهادة واحدة عن الشعور القوي لوطنية البلوش (١) والتي كانت واضحة في تعاملاتهم.

حسب هذه المعلومات خضنا النهر وأعتقد أن اسمه كان «هيماني». وبعد تأخيرنا لبعض الوقت بسبب الوحل والجمال واصلنا السير.

ربما يلزم أن أسجل هنا أن قافلة الجمال تمشي لمسافة مائة ميل على

__________________

(١) هذا صحيح ، وحتى هذا اليوم عند ما يلتقي أبناء قبائل البلوش يرحبون ببعضهم ويسألون عن أحوال قبائلهم ثم يبادرون بالأسئلة الأخرى ويعتبرون من الجهل أو قلة التهذيب أن تبادر بالأسئلة دون الطريقة المتعارف عليها. وكذلك فإن طال جلوسهم فإنهم يعتبرون عدم المعرفة بالنسب وأنساب القبائل من الجهل في الأصول والعادات.

١١٦

خط مستقيم ، تعطي رؤية جميلة للطريق. بالممارسة أيضا ممكن أن يعرف إذا كان الجمل محملا أم لا. بعد ربع ميل بطول الضفة جبنا إلى جهة الطريق نحو الجنوب الغربي ، وفي محاولة مني لمعرفة الطريق عبرت واحة صغيرة وجميلة فيها غابات من شجر النخيل ، تظهر الأشجار جميعها كأنها ماتت منذ سنين ، غالبا ما يكون ذلك بفعل تغيير مجرى النهر الذي كان قديما يسبقها.

هناك في (مكران) مساحات كبيرة من الأشجار قد دمرت بنفس الطريقة وهذا دائما نراه عند ما يقطع النهر الطريق خلال الرمال الناعمة ويشق مجرا جديدا كل سنة. إن قاع النهر هنا حصوي تماما كنهر «هيماني» ولكن يوجد جبلان كبيران واحدا على كل جانب ، وقد حددنا الطريق الذي اخترناه بعد أن سرنا حوالي أربعة أميال بين مساحات عالية وعبرنا انحدارا عريضا على الجانب الأيمن. إن هذا الانحدار الوعر كان مغطى بحجارة وحصى رملي وكانت به آثارا لأقدام رجال وجمال وقد شققنا طريقنا بدون أي أثر للطريق لمدة ثلاثة أميال وقد وجدنا حفرتان مليئتان بالمياه فتوقفنا للعشاء.

لقد رأينا الآن أننا نقترب من حدود الجبال ونمشي على مسطح منبسط مالح ووصلنا إلى مكان مفتوح خلف (جبال هون) توجد هنا بيوت سعف النخيل وقطعان المواشي ، وبعد أن مشينا كل هذه المسافة كانت لي الرغبة الشديدة بأن نخيّم هنا. على كل إنه باقي ساعة على مغيب الشمس وقد خيّمنا تحت بعض الأشجار.

مسيرتنا اليوم كانت من شروق الشمس حتى مغيبها ، وقد كانت رحلة شاقة والرجال قد تعبوا لدرجة أن الصندل الذي يصنعه البلوش من سعف النخيل قد إهترأ ، والجمال أيضا تعبت وكذلك الحمير.

١١٧

كانت هناك قرية (١) صغيرة وملامح السكان هنا تختلف عن أية أناس شاهدناهم من قبل ، كانت أعينهم كبيرة لامعة وبشرتهم زيتونية اللون ونظيفي المظهر. وقد حضر رئيسهم إلينا وطلب بشدة النرجيلة ، وعند ما ذبحنا الشاة ، جميع الرجال ألّحوا علينا أن نعطيهم بقايا الذبيحة وأحشائها.

وكانوا يريدون شراء المعطف الخاص بي. وكان عليّ أن أخرجهم من المخيم. وقد أقاموا في هذا المكان حديثا وكانوا من قبل يقيمون في (غابريغ) ولكن كان الأمير «عبد النبي» يتقاضى منهم الخراج وكانوا يظنون بأنهم سيكونوا في مأمن في المستقبل.

طريقنا الآن مستقيم على ساحل شديد الانحراف نحو الغرب. لقد ظهر الطريق أمامنا على ساحل رملي ، وعند اجتيازه كانت أقدام الجمال متكيّفة معه ، وكان بيننا وبين (جاسك) فقط نهران هما (غابريغ) و (جكين). في صباح اليوم التالي كنا في غاية الفرح. أنا و «صالح» اتجهنا إلى الأمام وقد رحلنا إلى النهر كما توقعنا وكان «صالح» يدفع الجمال بعنف قبل أن يرسل أولا شخصا ليستكشف عمق القاع.

يجري النهر قاطعا الرمال وله مظهر مختلف عن المجرى نفسه ، بينما كانت الرياح تعصف بين الجبال الصخرية. وبدلا عن الماء النظيف إننا نمشي الآن في ماء غير صاف ومساحة واسعة موحلة بينما لا يمكن أن ترى شيئا ، كان قاع النهر حوالي ثلاثمائة ياردة وفي هذا الفصل يبلغ وادي

__________________

(١) قد تكون هذه القرية ـ إن لم أخطأ ـ هي (هون) التي ذكرها الرحالة البرتغالي «تكسييرا» في كتابه عن ملوك هرمز وأنها في الأصل (عمون) تصغير (عمان) وتسكنها العديد من قبائلهم في هذه المنطقة. راجع Texirra ,Pedro. ، والقرية الأخرى Haymen «هيمن» وتعني حيل اليمن أو أهل اليمن تأسيا بأصول قبائلها التي استقرت في هذه المنطقة.

١١٨

(غابريغ) حوالي مائة ياردة عرضا. وصفة هذا النهر له ضفة أو طرف جانبي رملي بارتفاع اثنين إلى ثلاثة أقدام ، وهذا الساحل به كتل من الرمال التي تندفع مسرعة إذا ما لمسها الماء.

الضفّة الأخرى بها انحدار رملي كذلك وهناك جزر رملية وهي مغطاة كلية بوحل زلق كان مهلكا للجمال. بحيث تنزلق في بعض الأوقات أرجلها وتشج. إن أول عملية عند وصولنا إلى ضفاف النهر أن نتوقف ونرسل اثنين من الرجال ليقطعا النهر وليكتشفا مدى عمق القاع. لقد وضعا ملابسهما على رؤوسهما وأخذا يمشيان بالعصى وهم يتمايلان فربما تعلق أرجلهما بالوحل في المكان الرملي الناعم الزلق. باقي الرجال يقفون على الضفة ويتمازحون حتى أن صدى هذا المزاح كان يحدث صوتا ، وفي بعض الأوقات يصل مستوى الماء والوحل إلى وسط أجسادهما إلا في المجرى العميق فإنهم يطفون إلى أعلى عند ضرب الماء بأيديهما. أحيانا تكون هناك أماكن سيئة نجد فيها علامات من نبات «الطرفاء» ، وأحيانا أماكن مستوية وقد يقطع الرجال مسافات من السير ، ويسيرون أسفل الممر هكذا عكس ما ذكره «د. نوتون» في كتابه (نصائح للسفر) والذي قال فيها : «إن خوض النهر أحيانا يكون سهلا مرتين وأحيانا أخرى يصعب خوضه» ، وفي بعض الأحيان يكون الجمل غير محمّل فيقطع النهر مرات ومرات عديدة ، وإذا كان الجمل محمّلا حملا ثقيلا لا يقدر على عبور النهر.

عند ما يكون الطريق جاهزا يمشي الجمل المحمّل أولا مع اثنان أو ثلاثة من الرجال على جانب ليسندون الجمل ، واثنان خلفه بعصاهم الكبيرة لحثّه على المشي ليبذل قصارى جهده قبل أن يغوص في الوحل.

مع عدد من الرجال تصبح عملية اجتياز النهر سهلة ، ولكنها كانت تختلف معي و «صالح» بغير رجال آخرين معنا. على كل حال إننا حاولنا مع الجمال السير لنعبر النهر ولكنها كانت خائفة تريد الرجوع إلى الشاطئ

١١٩

وقد أوقفناها في جزيرة موحلة في منتصف المجرى وبدأنا في شدها.

إن النصف الآخر كان عميقا وليس أمامنا سوى ساحل موحل رملي يرتفع حوالي ثلاثة أقدام. إننا مضطرون للسير ، وكنا نتراقص بفعل الأرض الموحلة الزلقة المهلكة. أخيرا كان الرجال يزمجرون وهم خائفون مما أربكهم وقد غطسوا ثانية ووجدوا أنفسهم غير قادرين على ضمّ أرجلهم فالأرض كانت زلقة ، وقد برك الجمل على ركبتيه وكان «صالح» خلفي يحدث صوتا كأنه كان يغوص في الوحل والمياه تغمر الأشياء التي معنا.

وقد أعدت أشيائي بواسطة العصاة الغليظة التي أستعملها لضرب الجمل ، وأخذ «صالح» يدور حولي وأنا في الوحل. إننا الآن مبتلين و «صالح» يمسك يلجام الجمال ، إلى أن أقتطع عصاة أخرى جديدة وهو الآن يدفعها إلى الأمام وأنا أضربها من الخلف لحثها على وقمنا بعبور النهر (نهر وادي غابريغ).

نحن وكل ما نحمله من فرش النوم والبطاطين في حالة سيئة ولن نتمكن من سياقة الجمال لمدة العشرة أميال المتبقية للمعسكر التي نحن الآن قد قطعنا نصفها بين (غابريغ) و (جغين) وقد خيّمنا وتناولنا طعام الغداء ، بعد ذلك غفونا لمدة نصف ساعة وكان القمر متألقا ولا معا بعد ذلك اتجهنا إلى (جاسك).

عموما إننا الآن قد قطعنا الجزء الأكبر من الرحلة على غير ما كنّا متوقعين ، وعند ما بدأنا السير توارى القمر خلف الغيوم ، فصعوبة ركوب الجمل على الطريق الوعرة من سطح الجبال الرملية في ليلة مظلمة يحتاج إلى خبرة ، والأمور التي كانت من الممكن التحكم فيها أصبحت الآن ليس لدي القدرة على اختيارها ، وهكذا حسب ما كنت أنا و «صالح» نسوق الجمال حتى على الأرض المستوية وفي أثناء النهار ونفكر في أننا ربما نقع بسهولة في المجرى أو نقفز. لكننا اليوم نبذل قصارى جهدنا لنشق الظلمة.

١٢٠