رحلة الكابتن فلوير

المؤلف:

بن دغار


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٥

١
٢

٣
٤

مقدمة

كان جدي «محمد آل دغار» لا ينفك بالحديث عن تاريخ جده الكبير أثناء فترة الحكم العربي لساحل مكران ، إعتقدت في تلك الفترة أنه أمر يتعلق بمجرى الأحداث في تلك الأيام. ومع الوقت إكتشفت وقرأت أوراقا عديدة عن هذا الموضوع مما جعلني أدرك أهمية تاريخهم والدور الذي قاموا به في تاريخ هذه المنطقة المهمة سواء سياسيا أو اقتصاديا.

ظلت أسرة آل دغار والتي ترجع أصولها إلى بني هود من القحطانيين العرب والذين ظلوا يحكمون أو يمثلون الحكومات العمانية والعربية العديدة التي حكمت ساحل مكران منذ ملوك هرمز واليعاربة والبو سعيد والقواسم وحتى خروج العمانيين منها ـ وأقاموا إماراتهم في المنطقة حتى سقوط آخر أمرائهم عام ١٩٣٢ على يد رضا شاه بهلوي.

وتظل «جغين» والتي هي منطقة استقرار هذه القبائل وأمرائهم من

٥

آل دغار تاريخا قائما بذاته وشاهدا على حكم القبائل العربية للساحل لسنوات طويلة قبل إنهيار الوجود العماني العربي بأكمله وتحويل المنطقة إلى حكم فارسي (إيران).

وقد جعلت موضوع تاريخهم أمرا أرجع إليه من وقت لآخر حتى إكتشفت وبعد سنوات من البحث المتقطع والغير منتظم أني جمعت مادة ومعلومات تاريخية تستحق أن أوصلها للقارئ العربي خاصة في منطقة الخليج لأنها تحوي معلومات لم تذكر أو تتوفر سواء للمطّلع العام أو المختص بالتاريخ السياسي لهذا الجزء من منطقتنا ـ ومع أني لست بالمختص بعلم التاريخ فإني ارتأيت أن أوصل هذه المعلومات عن طريق رحلة قام بها نقيب إنجليزي إسمه الكابتن فلوير الذي قام برحلة في هذه المنطقة عام ١٨٧٦ حيث زار مناطق قبائل البلوش على ساحل خليج عمان وكذلك مناطق الجزر العربية مثل (هنجام) التي كانت تحت حكم قبائل (بني ياس) ومن خلالها قمت بإضافة المعلومات المناسبة لإيصالها بسلاسة للقارئ.

ومع أن هذه المعلومات تاريخية وقديمة فإني أعتقد أنها إضافة جديدة للمكتبة العربية لأنها المرة الأولى التي يتم طرح الخلفية التاريخية والسياسية لهذه المنطقة وعلى أمل أن تكون بداية في فتح الباب لمعلومات إضافية عن التاريخ العربي في منطقة ساحل مكران. وإرتأيت تسمية الكتاب «رحلة الكابتن فلوير ١٨٧٦ عبر الساحل من نهاية عهد الحكم العمّاني مع الأحداث التاريخية».

حيث أنها أتت بسنوات قليلة بعد إنتهاء الحكم العماني كما هو مبين في ملحق الأحداث التاريخية والتي إرتأيت إضافتها كملحق عن تاريخ المنطقة قبل وبعد رحلة الكابتن فلوير لأجل تكملة البحث والإفادة العامة.

٦

وإننا إن نذكر هذا التاريخ لهذا الجيل الذي هو في واقع الأمر يرجع بذكراه إلى جده الخامس أو السادس في الشخصيات المذكورة بهذه الرحلة والكتاب فإننا نأمل أن يستفيد ونستعيد تاريخا مجيدا بنوه هؤلاء الأجداد ليكون التاريخ عبرة لنا ولأجيالنا القادمة.

والله المستعان

بن دغار

الإمارات

سبتمبر ـ ٢٠٠٨

٧
٨

تمهيد

عند تناول تاريخ عمان وإمارات ساحل عمان لا بد من الإشارة إلى أن هناك ثلاثة عوامل لعبت دورا في مكانها الهام عبر التاريخ.

العامل الأول ـ الموقع الجغرافي :

أنها تاريخيا سيطرت على أغلب الجزء الشرقي لشبه الجزيرة العربية ممتدة من حضرموت إلى قطر ، وبجوارها مناطق عديدة في بحر العرب والمحيط الهندي ، وعرفت بكونها (أمة بحارة) ، فبين بلاد ما بين النهرين إلى ضفاف الهند وشرق أفريقيا لعبوا دورا رئيسيا في العالم البحري لنحو ليس أقل من خمسة آلاف سنة.

العامل الثاني ـ العامل التاريخي :

ويشكل المظهر التاريخي عاملا آخر من أهمية هذا الإقليم حيث أثبتت الاكتشافات الأثرية الأخيرة على أن أقدم المستوطنات فيها يرجع

٩

إلى الألفية السابعة قبل الميلاد. فالصوان المكتشف في ظفار وأكوام القبور في عبري والأحجار المحفورة في وادي عدي وأم النار وهيلي ومليحه أثبتت مدى تطور حضارة ذلك الوقت. وإستمر هذا الدور ، منذ تلك الأزمان السحيقة عندما كانت هذه المنطقة مركزا لمعظم الاتصالات في الشرق الأوسط مما دعا أهاليه وقبائله بالإنتقال والإستقرار في مناطق عدة قريبة بل ويحكموها مثل قصة سليمة بن ملك بن فهم ، والذي يعتبره رهط كبير من البلوش جدهم الأكبر ، وكذلك الوصول إلى سواحل الهند وشرق أفريقيا وإقامة مستوطناتهم بها.

العامل الثالث ـ الجانب السياسي :

إن العامل الثالث لأهمية هذا الإقليم هو الجانب السياسي ، فمنذ فجر الإسلام حتى الآن تتمتع بسياستها المستقلة الخاصة. وفي السابق لعب الجانب القبلي في إعتبارهم من العرق القحطاني اليماني المرجعية العصبية في تعاملهم مع باقي العنصر العدناني في شبه الجزيرة العربية بل وحتى في نفس الإقليم العماني سواء في ظاهره أو باطنه أو ساحله أو حتى في أطرافه والتي وصلت إلى مكران وزنجبار.

ورغم أن المذهب الإباضي لعب دورا أساسيا في هذه الخصوصية إذ رفضت مبادئه الفكر السائد الآخر في بقية الجزيرة العربية بدءا من سلطات الخلفاء في بغداد ، غير ان هذه الإستقلالية ظلت سمة سائدة بين كافة القبائل في سائر الإقليم العماني وأطرافه ، مما جعل إماراتها ودولها لاعبا رئيسيا في تاريخ المنطقة بل وقوة كبيرة تقارع قوى عظمى أخرى أتت للمنطقة مثل البرتغاليين ودولة فارس وحتى الإنجليز.

١٠

لذا ، أعتقد بأنه من الأهمية لأن يدرك أبناء هذه المنطقة الخصوصية السياسية والتاريخية والجغرافية لبلادهم حتى يتم البناء على النهضة الحديثة التي نشهدها والإنطلاق نحو أفاق جديدة لإعادة الدور التاريخي لنا في مسيرة الحضارة الإنسانية.

وهذا الكتاب هو قطرة في بحر الدور الحضاري الذي قام به أجدادنا عسى أن يكون منارا لنا في المستقبل إنشاء الله.

والله ولي التوفيق ، ، ،

١١
١٢

مقدمة الكتاب

جولد سميد

إلى كل المهتمين بالدراسة الجغرافية والسياسية لبلاد فارس «إيران» وشمال الهند إن معرفة هذه البلاد تمثل أهمية قصوى للإنجليز وعلى الأخص فى وقتنا الحاضر فإن أمناطق بلوشستانأ المجهولة والتي من الممكن أن تخفق في كونها موضوعا جذابا لأن حتى العنوان يتطلب تفسيرا لمعناه لأن معنى (بلوشستان) غير معروف ومجهول وهذه المنطقة ولم يتم تحديدها ضمن الحدود المقر بها دوليا وغير معلنة سلفا ونحن عند ما نصف هذه المنطقة فهي واقعة بين خطوط الطول ٥٧ و ٦٧ ، يحدها من الشمال خط العرض ٢٨ ويبدأ من (كوه باسمان) و (كوه نوشادر) ومن الجنوب يحدها البحر ، هذا الوصف يتطابق مع الطريقة الفارسية في تحديد أملاك الشاه من (بندر عباس) شرقا مما جعل (الهند البريطانية) تحذوا حذوها في إطلاق نفس الأسماء التعريفية لمقاطعة (براهوي) (١) غرب جبال

__________________

(١) تقصد مناطق خان الكالات والتي أصبحت الإقليم الرابع لباكستان بعد ضمها إليه عام ١٩٤٧.

١٣

(هالة) والتي تعد نقطة إلتقاء بين الحدود الغربية أو فارس والشرقية أو خان (الكلات) البلوشية مما يعني أنها شمال نهر (ماشكد) وجنوب قرية الصيد (غواتر).

وفي نظرة عامة إلى خريطة بلاد فارس الحالية يتضح أن جزءا كبيرا من أراضي بلوشستان أصبحت ضمن حدودها مما يعني أنها تحتاج إلى تحديد خاص لا يمكن معه أن تكون الأراضي الخالية والمعروفة مثل (باشكرد) و (رودبار) و (ارفشان) أن ننعتها باسم الصحراء أو الأرض الجبلية. لذا وجب تعيينها أو الإشارة إليها ولو بشكل غير مؤكد باسم (الأراضي المجهولة) وربما يكون هذا سيئا للجغرافي ولكنه ليس كذلك بالنسبة إلى طلاب السياسات الشرقية الذين يعتبرونه إهمالا جغرافيا لا يستحق اللوم لأنه من غير المنطقي أن تبقى هذه المنطقة مجهولة بالنسبة للهند البريطانية لأنها من جيرانها المباشرين. ومنذ أكثر من أربعين سنة وضعنا عملائنا السياسيين في (السند) و (بلوشستان) وبقية حكام تلك الأقاليم تحت سيطرتنا الخاصة لكن بشكل أقل من تلك الفترة بينما بقيت علاقتنا بتلك الأخيرة مستمرة. فضلا عن ذلك وخلال عشرين سنة فقط من إنشاء خط التلغراف بطول ٤٠٠ ميل على طول ساحل (مكران) غرب (كراتشي) وبعد ست سنوات امتد إلى ميناء (جاسك) حتى وصل جزيرة (هنجام) عبر توصيلة تحت الماء إلي نقطة التقاء الحدود مع بلاد (البلوش) غربا. وهذا يدعونا إلي عمل قانون لتشجيع ومنح إجازات رسمية لمغادرة الموظفين إلى خارج مجال أعمالهم الخاصة حتى في إجازاتهم الخاصة ليتمكنوا من كسب معلومات أو تغيير مؤقت للجو الصحي السائد في البلاد التي يعملون بها.

السيد آرنست فلورير أحد الموظفين الحكوميين في التلغراف الهندي الأوروبي في تلك الفترة في الخليج «الفارسي» يعد واحدا ممن لديهم القدرة على الاكتشاف والروح التي تطمح دائما إلى البحث عن المجهول

١٤

مما يمكننا من القول أنه مكتشف عظيم وقد قام بمهمته بناء على اقتراح قدمته إليه في حضور موظفي التلغراف الانجليز مبتدئا من نقطة امتداد ساحل مناطق البلوش وصولا إلى «شط العرب» و «كراتشي» بمباركة الحكومة مما لا يدع مجالا للشك في اعتقادي أنه أحد أوائل المكتشفين المختارين لهذه المهمة لكن ثمة بعض التعليمات المؤكدة الصادرة إليه تقضي بأن تتم المهمة دون اعتبار الأمر رسميا. وكما حصل ترك السيد فلورير مكان إقامته الموحشة في «جاسك» إلى الداخل بعيدا عن سلطة رؤسائه لكن في نفس الوقت لم يعترض أحد من موظفي محطة التلغراف علي هذه الرحلة مما يعني مضيه في تنفيذ مهمته بدون صعوبات رسمية ليحقق ذاته من خلال المهمة وليبقي القارىء هو الحكم.

أراد السيد «فلوير» أن يخرج من هذا المكان ليؤلف كتابا يعبر فيه عن وجهة نظره الصائبة والتي تستحق القراءة وفي الحقيقة فإن مما ذكره في

١٥

كتابه ليس لدي وقت للالتفات إلى نقده لكن سعادتي كبيرة عند ما أمنح دليلا يساعد على اكتشاف هذا المجهول ويعطي معلومات الى مستحقيها ، فالمعلومات القليلة المتوفره تعطي اهتماما أكبر للإنجليز خاصة لأنها قريبة إلى مستعمراتهم في «الهند البريطانية» لذا فإن المقاطعة المجهولة (باشكرد) تعطي هذا الغموض الدائم لهم. فعبرت مرتين خلال سهول بمبور الجنوبية ومرة من الضواحي الغريبة مرورا من (بندر عباس) إلى (سيستان) ورحلتين من (بمبور) إلى (مكران) مكنتني من أن أكون على دراية بموانىء (مكران) والأراضي المجاورة لحدوده الشرقية. ومع ذلك لم يتسن لي الوقت ولا الفرصة لأتصل برئيسها عبر رسالة مما اضطره للحجز للسيد (فلورير) لزيارة عاصمة سيف الله. وكان البلوش في تلك الفترة يواجهون صعوبات جمة بسبب تقلد موظف آخر منصبا جديدا ووصلتنا عنه بعض القصص التي تعبر عن شخصيته الحازمة (١).

(باشكارد) لم تكن المنطقة الوحيدة في غرب (بلوشستان) التي زارها مسافرنا الجريء بل أقام مخيمات في أماكن مختلفة في الشرق والغرب وفي الشمال من تلك المقاطعة المسماة بلوشستان مخيما بصحبة واحد أو اثنين من السكان الأصليين لهذه المنطقة أو أحد المغامرين الذي يدفعه إلى خوض هذه المغامرة والاستفادة بقصصها وأحداثها المتتابعة ثم يتابع رحلته إلى (فارس) المملكة الكاملة للشاه يمر خلالها على مدن مثل (كرمان) ، (يزد) ، (أصفهان) وصولا إلى خانقيين قرب الحدود التركية ومن هناك إلى «بغداد» و (البصرة) أصبح هناك القليل من الأراضي التي لم يزرها بعد ، ومن «البصرة» إلى «مارسيليا» و «لندن» وقد انتابنا شعور أننا لن نفاجأ من

__________________

(١) يقصد الحاكم العسكري القاجاري «إبراهيم خان» والذي أعدم قادة الثوار البلوش وحكامهم بإطلاقهم في فوهة المدفع.

١٦

المؤلف بأي رواية جديدة حول رحلته الممتعة.

إبعاد السيد (فلورير) عن شواطئ الخليج الفارسي باتجاه التلغراف المصري وإقامتي الرسمية في (القاهرة) مكنتنا من استئناف العلاقات التي بداناها منذ سنوات بعيدة.

الكثير من الأسئلة سألتها ووفقت في الإجابة عليها عند كتابتي لهذا التقديم البسيط للكتاب والذي يعد من أجمل الكتب والأكثر روعة وليس من اليسير أن يحظى المرء بالتقدير إن لم يكن قد أعطي كتابته العناية الكافية لذا نرجو أن تتحقق الفائدة لقارئ الكتاب.

جولد سميد

القاهرة

٣٠ من مارس ١٨٨٢

١٧

١٨

الجزء الأول :

لقد لفت نظري في (شهرنو) الأكواخ القليلة المتفرقة وسكانها يلبسون الملابس الزاهية محتفلين بحلول عيد الأضحى ، اليوم الذي يلتف فيه المسلمون حول الكعبة بمكة المكرمة ، وذلك حسب اعتقادي ؛ لأنه كما ذكرت ، ليس بيد أحد منهم أن يعرف أي مناسبة تمر بهم ، فقط أنا و «الملا سعيد» كنا نعرف سبب المناسبة.

١٩
٢٠