ترحال في الجزيرة العربية - ج ٢

جون لويس بوركهارت

ترحال في الجزيرة العربية - ج ٢

المؤلف:

جون لويس بوركهارت


المترجم: صبري محمّد حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المركز القومي للترجمة
الطبعة: ١
ISBN: 977-437-388-X
الصفحات: ٢٨٩
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

المحتويات

الحج........................................................................................................ ٧

الرحلة من مكة إلى المدينة (المنورة)............................................................... ٦٢

المدينة (المنورة)......................................................................................... ٩٣

وصف المدينة المنورة.................................................................................. ٩٧

البساتين والمزارع..................................................................................... ١٣٤

وصف بعض أماكن الزيارة....................................................................... ١٤٤

سكان المدينة المنورة................................................................................ ١٥٣

حكومة المدينة المنورة............................................................................... ١٧٩

مناخ المدينة المنورة وأمراضها...................................................................... ١٨٥

الرحلة من المدينة المنورة إلى ينبع................................................................ ١٨٧

ينبع.................................................................................................... ١٩٧

الرحلة من ينبع إلى القاهرة....................................................................... ٢١٦

الملاحق............................................................................................... ٢٣٥

٥
٦

الحج

يتواصل مرور الأزمان مع استمرار مجىء الحجاج من سائر أنحاء العالم الإسلامى كل عام بأعداد كبيرة ؛ ابتغاء زيارة أماكن الحجاز المقدسة. عدم الاكتراث المتزايد بالدين ، والمصروفات الزائدة للرحلة يمنعان قسما كبيرا من المسلمين من العمل بنصوص القرآن التى تنص على حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ، حتى ولو لمرة واحدة فى العمر كله. أما أولئك الذين يضطرون إلى البقاء فى أوطانهم ، فالشرع يسمح لهم بأن ينيبوا عنهم من يدعو لهم ، ولكن أولئك الذين يعملون بهذه النصيحة قليلون جدا ، أو قد يتفادون ذلك عن طريق إعطاء بضعة دولارات لحاج من الحجاج ، الذين يأخذون عمولات مماثلة من أشخاص عدة ، لكى يدعوا لهم عقب الصلوات التى يؤدونها فى الأماكن المقدسة. فى زمن الحماس الإسلامى كان الناس يتحملون المصاعب ومشاق الرحلة ابتغاء زيادة الأجر ، إلى حد أن الكثيرين من هؤلاء الحجاج كانوا ينضمون إلى القوافل طمعا فى القيام برحلة الحج كلها عن طريق البر ، لكن فى الوقت الحالى لا يلتحق السواد الأعظم من الحجاج بالقوافل ، أو بالأحرى قوافل الحج ، وإنما يصلون إلى جدة بطريق البحر قادمين إليها من مصر أو من الخليج الفارسى ، يزاد على ذلك أن بعض الدوافع الرئيسية وراء هذه الرحلة هو الاتجار والتكسب.

فى عام ١٨١٤ م ، وصل عدد كبير من الحجاج إلى مكة ، قبل موسم الحج بثلاثة أشهر أو أربعة. مسألة صيام رمضان فى مكة (المكرمة) حافز كبير لمن يستطيعون إليه السبيل ، ولذلك تراهم يعجلون بالوصول إلى مكة ، ليطيلوا مقامهم فيها. فى غضون الوقت المحدد لوصول قوافل الحج المنتظمة ، كان هناك ما لا يقل عن أربعة آلاف حاج تركى ، جاءوا بطريق البحر ، وكانوا مجتمعين فعلا فى مكة (المكرمة) ،

٧

وربما كان نصف هذا العدد من أصقاع بعيدة من العالم الإسلامى. من بين قوافل الحج المنتظمة التى يتراوح عددها بين خمس قوافل وست قوافل اعتادت الوصول إلى مكة قبل أيام قلائل من الحج ، لم يظهر هذا العام سوى قافلتين ؛ هاتان القافلتان كانتا من سوريا ومن مصر ، كانت القافلة المصرية مكونة من أناس ينتمون إلى حاشية قائد الحج هو وقواته ، ولم يأت أحد من الحجاج عن طريق البر على الرغم من سلامة الطريق وأمنه.

كانت القافلة السورية هى الأقوى دوما ، منذ زمن الخلافة ، يوم أن كان الخلفاء شخصيا يرافقون الحجاج من بغداد إلى مكة. تبدأ القافلة السورية من القسطنطينية وينضم إليها حجاج شمالى آسيا أثناء مرورها عبر الأناضول وسوريا إلى أن تصل إلى دمشق ، التى تمضى فيها أسابيع عدة. وعلى امتداد الطريق من القسطنطينية إلى دمشق ، يعمل الجميع على راحة القافلة ، وسلامتها ، وترافقها قوات الحكام من بلد إلى آخر ، وقد قام السلاطين السابقون ببناء النّزل والخانات فى كل محطة من المحطات ، وزودوها بأسبلة المياه ، لكى تفيد منها القافلة أثناء مرورها الذى كان يحظى بحفاوة كبيرة وفرح شديد. فى دمشق يجرى الاستعداد لرحلة تستمر ثلاثين يوما عبر صحراء المدينة (المنورة) ، يزاد على ذلك أن الإبل التى تنقل القافلة إلى هذه المسافة يتعين استبدالها ؛ والسبب فى ذلك أن الجمل الأناضولى لا يقوى على تحمل متاعب رحلة من هذا القبيل. يضاف إلى ذلك أن مدن القسم الشرقى من سوريا كلها تقدم إبلها لهذا الغرض ؛ ولذلك يتعاقد كبار شيوخ البدو فى المناطق الحدودية ، مع حكومة دمشق على أعداد كبيرة من هذه الإبل. هذا يعنى أن تلك الإبل تكون بأعداد كبيرة جدا ، حتى وإن كان المسافرون مع هذه القافلة قليلى العدد ، وبخاصة إذا ما أخذنا بعين اعتبارنا من ناحية تلك الإبل التى تستخدم فى حمل الماء ، وحمل التموينات المطلوبة للحجاج ، والجنود ، والخيول ، ومن الناحية الأخرى تلك الإبل الإضافية التى يجرى إحضارها لاستعواض الإبل التى قد تنفق على الطريق ، والتى تستخدم فى جلب العلف اليومى الذى تحتاجه الإبل ونقله ، هذا بالإضافة أيضا إلى

٨

نقل وحمل المؤن والتموينات المخزّنة فى القلاع التى على طريق الحج ، لتكون بمثابة التموينات اللازمة لرحلة العودة. وينتبه البدو إلى عدم زيادة حمولة الجمل الواحد ، الأمر الذى يستلزم أيضا زيادة عدد الإبل. فى عام ١٨١٤ م ، على الرغم من أن القافلة لم تكن تضم أكثر من أربعة آلاف أو خمسة آلاف شخص ، بما فى ذلك الجنود والخدم ، إلا أنها كانت تضم خمسة عشر ألف جمل (*).

القافلة السورية منظمة تنظيما جيدا ، على الرغم من ـ كما هو الحال فى شئون الحكم الشرقى ـ وجود كثير من الإساءات والاستثناءات. يقوم باشا دمشق أو أحد كبار ضباطه بمرافقة القافلة وهو الذى يعطى إشارة التخييم والبدء عن طريق طلقة نارية يطلقها من بندقيته. أثناء السير تتصدر القافلة قوة من الخيالة تمشى فى المقدمة ، وقوة أخرى تسير فى مؤخرة القافلة ، لالتقاط أولئك الذين يضلون الطريق ، ويجرى تمييز الحجاج بعضهم عن بعض ، عن طريق تجمع كل جماعة بحيث لا يفارقون بعضهم بعضا ، وكل جماعة من هذه الجماعات تعرف معرفة جيدة مكانها الثابت الذى لا يتغير فى القافلة ، ويتحدد ذلك المكان فى ضوء الموقع الجغرافى الذى تجىء منه هذه

__________________

(*) يقول الفاسى إن أم الخليفة المعتصم بالله ، آخر الخلفاء العباسيين ، عند ما قامت بأداء فريضة الحج فى عام ٦٣١ ه‍ كانت قافلتها تضم مائة وعشرين جملا ، وعند ما قام سليمان بن عبد الملك بأداء فريضة الحج فى عام ٩٧ ه‍ ، استخدم تسعمائة جمل لنقل الملابس فقط. وتجدر الملاحظة هنا أن أحدا من خلفاء العثمانيين فى القسطنطينية لم يؤد فريضة الحج بشخصه. وقد أنفق الخليفة المهدى أبو عبد الله محمد ، فى رحلة حجه فى عام ١٦٠ ه‍ ثلاثين مليون درهم. كان الرجل يحمل معه عددا هائلا من الألبسة لتوزيعها على سبيل الهدايا ، كما بنى الخليفة المهدى أيضا منازل فاخرة فى كل محطة من المحطات من بغداد إلى مكة ، وأمر بتأثيثها تأثيثا جيدا ، كما أمر الرجل أيضا بإقامة العلامات الإرشادية ، التى توضح المسافات على طول الطريق. وكان أول خليفة يحمل معه الثلج لتبريد الشربات على الطريق ، وقد حذا حذوه كثير من الخلفاء الذين جاءوا بعده. أما هارون الرشيد الذى أدى فريضة الحج تسع مرات ، فقد أنفق فى واحدة منها مبلغ مليون وخمسين ألف دينار على شكل هدايا للمكيين والفقراء من الحجاج. والمملوك نصير الدين أبو المعالى ، سلطان مصر ، أخذ معه وهو يؤدى فريضة الحج فى عام ٧١٩ ه‍ ، خمسمائة جمل لنقل السكر والحلوى فقط ، ومائتين وثمانين جملا لنقل الرمان ، واللوز ، والفواكه الأخرى ، وفى حملة حفظ الطعام كان لدى نصير الدين أبو المعالى ألف إوزّة وثلاثة آلاف دجاجة. (راجع المقريزى «من حج من الخلفاء» )

٩

الجماعات. وعند ما تخيم هذه الجماعات ، فإنها تراعى وتلتزم بالنظام المفروض عليها ؛ هذا يعنى أن أولئك الذين يأتون من حلب على سبيل المثال يكونون مجاورين لأولئك الذين جاءوا من حمص .. إلخ. هذه القاعدة أمر ضرورى تجنبا لحدوث الفوضى أثناء المسير الليلى (*).

جرت العادة أن يتعاقد الحجاج على الرحلة مع واحد من المقوّمين ؛ والمقوّم هو واحد من أولئك الذين يتعهدون بتوفير الإبل والمؤن والتموينات المطلوبة للحج. والمقوم الواحد يتولى أمر عدد من الحجاج يتردد بين عشرين حاجا وثلاثين حاجا ، والمتعهد هو الذى يوفر الخيام ويوفر على الحجاج متاعب الطريق ومشاقه ، هذا يعنى أن المقوّم هو الذى يقوم على أمر الخيام ، وإعداد القهوة ، وتوفير الماء ، وإعداد الفطور والغذاء اللازمين للحجاج ، وبذلك لا يشارك الحجاج على أى نحو من الأنحاء فى هذه الأمور. وإذا ما نفق جمل من الإبل تعين على المقوّم الإتيان بغيره ، وبغض النظر عن عدم توفر التموينات على الطريق ، فإن المقوّم هو المسئول عن توفير الواجبات المطلوبة للحجاج. فى عام ١٨١٤ م ، كان أجر المقوّم ، بما فى ذلك الطعام يقدر بحوالى مائة وخمسين دولارا من دمشق إلى المدينة المنورة ، يضاف إليها خمسين دولارا أخرى من المدينة (المنورة) إلى مكة (المكرمة). يدفع المقوّم من هذا المبلغ حوالى ستين دولارا للجمّال الذى يقتاد الجمل أثناء السير فى الليل ، وهذا احتياط ضرورى فى مثل هذه القوافل الكبيرة ، تحاشيا لنوم الراكب أثناء السفر ، الأمر الذى يجعل الجمل يسير على هواه ويخرج عن خط السير المحدد. يتلقى المقوّم علاوة على الأجر المحدد ، بعض الهدايا من الحجاج. وعند العودة إلى سوريا ، يكون المبلغ أقل ، نظرا لعودة عدد كبير من الإبل بلا أحمال.

__________________

(*) فى كتاب بوركهارت المعنون «ترحال فى سوريا» يجد القارئ فى صفحة ٢٤٢ (النص الإنجليزى) المزيد من المعلومات عن قافلة الحج ، وفى ملحق ذلك الكتاب (الملحق رقم ٣) يجد القارئ أيضا وصفا للطريق بين دمشق ومكة. (المعد)

١٠

قلة قليلة من المسافرين هم الذين يؤثرون القيام بالرحلة على مسئوليتهم الخاصة ، أو باستعمال إبلهم الخاصة ؛ والسبب فى ذلك أن مثل هؤلاء الناس إذا لم يحمهم الجنود أو رئيس القافلة ، قد يجدون بعض المصاعب بسبب سوء معاملة المقوّمين على المساقى ، أو إن شئت فقل : أماكن السقيا ، وأثناء السير ؛ هذا يعنى أن هؤلاء المقوّمين يحاولون بشتى الطرق ، عرقلة السفر بغير طريقهم ، الأمر الذى يجعل من الرحلة التى من هذا القبيل حكرا على الحجاج الأثرياء ، الذين لديهم المقدرة على تشكيل جماعات خاصة بهم تضم ما بين أربعين حاجا وخمسين حاجا.

توقد الشعلات أثناء الليل ، ويجرى قطع المسافة اليومية فيما بين الساعة الثالثة عصرا وبعد شروق الشمس بساعة أو ساعتين من اليوم التالى. والبدو الذين يحملون التموين لا يتحركون إلا أثناء النهار فقط ، وفى مقدمة القافلة ، التى يتجاوزون مخيمها فى الصباح ، ثم يجرى بعد ذلك تجاوز هؤلاء البدو ، ثم تتجاوز القافلة فى الليلة التالية ، وهم فى مكان راحتهم. والرحلة مع بدو المؤن والتموينات أسهل من السير مع القافلة الرئيسية ؛ نظرا لأن بدو التموينات يحظون براحة ليلية منتظمة ، لكن طابع هؤلاء البدو السيئ هو الذى يمنع الحجاج من اصطحابهم.

فى كل مسقى من المساقى التى على الطريق ، توجد قلعة صغيرة وخزان كبير ، تسقى منه الإبل. هذه القلاع تقوم على حراستها مجموعات صغيرة ، تظل طوال العام تحرس المؤن المخزّنة فى تلك القلاع. شيوخ القبائل يلتقون القافلة عند هذه المساقى ، والمعروف أن هذه المساقى مملوكة للبدو ، ويحصل الشيوخ فى تلك اللقاءات على الإتاوة المحددة. الماء وفير على الطريق ؛ هذه المساقى أو المحطات لا تبعد الواحدة منها عن الأخرى مسافة تزيد على مسير إحدى عشرة ساعة أو اثنتى عشرة ، وفى فصل الشتاء يتوفر الكثير من برك مياه المطر ، يضاف إلى ذلك أن الحجاج الذين يحملون صناديق فوق ظهور الإبل ، أو على سرج الإبل الشبيهة بالهودج ، قد ينامون فى الليل ، ويمضون الرحلة بلا مضايقات ، لكن هؤلاء الفقراء ، أو أولئك الذين تتملكهم رغبة الحصول على مبلغ كبير من المال يرضون بالسير مع القافلة سيرا على الأقدام ، لكى يعملوا خدما ، ولذلك يموت الكثيرون منهم على الطريق بسبب التعب.

١١

القافلة المصرية التى تبدأ من القاهرة ، تخضع للقواعد والنظم نفسها التى تسير عليها القافلة السورية ، لكن يندر أن تتساوى مع القافلة السورية من حيث العدد ؛ نظرا لأنها لا تضم سوى المصريين فقط ، علاوة على الحرس العسكرى المرافق. الطريق الممتد بطول ساحل البحر الأحمر ، يمر عبر أراضى القبائل البدوية المحبة للحرب ، التى تحاول فى معظم الأحيان اقتطاع أو عزل جزء من القافلة عن طريق القوة. يضاف إلى ذلك أن المساقى تكاد تكون شحيحة على هذا الطريق وذلك على العكس من الطريق الآخر ؛ المسافة بين بئر وأخرى تصل إلى ثلاثة أيام فى معظم الأحيان ، ولكن هذه الآبار وفيرة المياه رغم ندرتها ، ومن بين هذه الآبار لا يوجد سوى بئرين أو ثلاثة ، هى التى مياهها مالحة. فى عام ١٨١٤ م كانت القافلة المصرية مكونة من الجنود فقط ، مع المجموعة الخاصة بالمحمل ، وبعض الموظفين العموميين ؛ الحجاج المصريين كلهم يؤثرون السفر عن طريق السويس. فى عام ١٨١٦ م ، التحق بعض أعيان القاهرة بقافلة الحج ، وكان الواحد من هؤلاء الأعيان يصاحبه حوالى مائة وعشرة جمال ، يستعملها فى نقل أمتعته وحاشيته ، كما كانت له أيضا ثمانى خيام ، ولا بد أن مصروفات هذا الرجل فى الذهاب والإياب وصلت إلى ما يقرب من عشرة آلاف جنيه. كان ضمن هذه القافلة أيضا خمسمائة فلاح ، معهم نساؤهم جاءوا من الوجه القبلى والوجه البحرى ، والذين كانوا لا يخشون الصحراء وأخطارها ومتاعبها أكثر من خشيتهم للبحر وأخطاره. شاهدت مع هؤلاء الفلاحين مجموعة من النساء الشعبيات والبنات الراقصات ، اللاتى كانت خيامهن ومعداتهن من بين أعظم الخيام والمعدات فى القافلة. هناك مجموعة من الحاجّات السوريات من هذا المستوى نفسه يرافقن القافلة السورية أيضا.

توقف الحج الفارسى فى التوقيت نفسه الذى أوقف الوهابيون فيه الحج السورى. هذا الحج الفارسى كان يأتى عن طريق بغداد ، ثم يمر عبر نجد قاصدا مكة المكرمة ، وبعد أن أبرم عبد الله بن سعود معاهدة سلام مع طوسون باشا فى عام ١٨١٥ م ، استأنف الحج الفارسى عبوره للصحراء ، مرورا بالدرعية دون اعتراض أو مضايقات ،

١٢

لكنه طوال رحلة مقدارها مسير أربعة أيام إلى مكة كان يتعرض للهجوم من جانب بنى الشمر ، تلك القبيلة التى ظلت على الحياد أثناء الحرب التى دارت بين طوسون باشا والوهابيين. وهنا كانت القافلة تعود إلى الدرعية ، ومن خلال وساطة سعود كان يجرى استعادة البضائع التى جرى سلبها ونهبها ، وكان سعود يرسل جماعة من أتباعه لمرافقة القافلة إلى المدينة المقدسة.

كان من عادة عرب العجيل فى بغداد أن يرافقوا القافلة الفارسية. لما كان أفراد القافلة معروفين بأنهم من الشيعة ، فقد كانوا يتعرضون لمصاعب كثيرة على الطريق ؛ فقد كان سعود يجبى منهم ضريبة ثقيلة يطلق عليها اسم ضريبة الرؤوس أو الأعناق ، وكان الشريف غالب فى مكة (المكرمة) يفعل الشىء نفسه ، بل إنها وصلت فى السنوات التى تلت ذلك إلى ثلاثين سكوينا (*) على الرأس الواحدة. معروف أن الحجاج الفارسيين كلهم من الأغنياء ، ولا يعانى أحد من الحجاج ذلك الذى يعانيه هؤلاء الحجاج الفارسيون على طريق الحج. أعداد كبيرة من هؤلاء الحجاج يأتون عن طريق البحر ، وهم يركبون البحر من البصرة إلى المخا ، وإذا ما صادفوا الريح التجارية واصلوا إبحارهم إلى جدة ، وإذا لم تهب عليهم تلك الرياح قسموا أنفسهم على شكل قافلة ويصلون عن طريق البر الممتد بطول ساحل اليمن. فى عام ١٨١٤ م ، عند ما كنت أؤدى فريضة الحج ، كانت تلك القلة القليلة من الحجاج الفارسيين قد وصلت قادمة من بغداد إلى سوريا ، وتبعت القافلة السورية ، وبصحبتهم جمالة بغداديون.

يجدر أن نلاحظ هنا أن الفارسيين لم يكن مسموحا لهم دوما بالمجىء إلى المدينة المقدسة ؛ بحجة أنهم مهرطقين ألداء ، يخفون معتقداتهم أثناء الحج فقط ، وذلك من باب عدم الإساءة إلى السنة. فى عام ١٨٦٤ م ، أى بعد إعادة بناء المسجد الحرام بسنوات قلائل ، أمر السلطان مراد الرابع بعدم السماح للحجاج الشيعة بأداء فريضة

__________________

(*) السّكوين : نقد ذهبى إيطالى وتركى قديم. (المترجم)

١٣

الحج أو الدخول إلى بيت الله الحرام. جرى الالتزام بذلك الأمر سنوات عدة ، لكن المال الذى كان ينفقه الفرس سرعان ما أعاد فتح الطريق إلى عرفات والكعبة. ونحن نعرف من المؤرخ العصمى ، أن شيعيا أميت حيا على الخازوق لأنه رفض التخلى عن مذهبه.

ظلت قافلة الحج المغربية غير منتظمة طوال سنوات كثيرة. هذه القافلة عادة ما يصحبها واحد من أقارب ملك مراكش (المغرب) ، والقافلة تبدأ من محل إقامة ذلك القريب ، وتتقدم على شكل مسيرات بطيئة فى اتجاه تونس وطرابلس ، لتصحب معها المزيد من الحجاج من المناطق التى تمر خلالها. طريق هذه القافلة من ناحية طرابلس ، يسير محاذيا لشواطئ سيرتيس إلى أن تصل إلى درنة ، ومن درنة بمحاذاة الساحل إلى مصر ، مرورا بالإسكندرية ، أو تسير فى اتجاه بحيرات النطرون قاصدة القاهرة مباشرة ، لتستأنف منها السير فى طريق الحج المعتاد. هذه القافلة ، وهى فى طريق عودتها من مكة ، تقوم دوما بزيارة المدينة (المنورة) ، التى لا يزورها الحج المصرى مطلقا ، وقد تمر هذه القافلة أثناء عودتها فى بعض الأحيان وصولا إلى القدس. مجموعة صغيرة من القوات هى التى ترافق القافلة المغربية ، لكن حجاج هذه القافلة يكونون مسلحين تسليحا جيدا ، وعلى استعداد للدفاع عن أنفسهم ، أما القافلتان الأخريان فلا يقاتل أحد منهم سوى الحرس المرافق لهما.

مرت آخر قافلة مغربية عبر الأراضى المصرية فى عام ١٨١١ م ، وسمح لهم الوهابيون بزيارة مكة ، بعد أن تأكدوا أنهم أقلعوا عن الممارسات المشينة التى كانوا يسمون بها كلا من المصريين والسوريين ، ولكن القافلة ألمت بها مصائب كثيرة فى طريق عودتها ، من جانب أعدائها من ناحية ، وافتقارها من ناحية ثانية إلى المرشدين ، والتموينات ، الأمر الذى أسفر عن وفاة الكثيرين من أفراد هذه القافلة. حجاج البربر يأتون حاليا عن طريق البحر من الإسكندرية ، ثم يبحرون بعد ذلك من السويس بواقع خمسين حاجا أو مائة حاج فى المرة الواحدة. وعلى الرغم من أن هؤلاء الحجاج البربر يرتدون ملابس بسيطة تنم عن الفقر فإنهم يحملون معهم من المال

١٤

ما يكفى احتياجاتهم ، وقلة قليلة من هؤلاء البربر هم الذين يمارسون الشحاذة ، وأنا لم أر من هذه الفئة سوى مجموعة صغيرة جدا ، وهم عبارة عن عرب من درعة فى الجانب الجنوبى الشرقى من جبل أطلس ؛ هذه المجموعة انضمت إلى القافلة المصرية عن طريق البر فى شهر سبتمبر من العام ١٨١٦ ، وقد أبلغونى أنهم حصلوا على ترخيص مجانى بالمرور عن طريق البحر من تونس إلى الإسكندرية. كان واحد من هذه المجموعة من بدو البربر ، الذين كان مخيمهم يبعد ، عند ما غادره ، مسير عشرين يوما عن مدينة تمبكتو فى قافلة المغربين (المغاربة أو المغربيين) جرت العادة أن يكون فيها بعض المواطنين من جزيرة جربة ، الذين تدور حولهم شكوك قوية بأنهم من شيعة علىّ رضي‌الله‌عنه ؛ كما يتركز البعض منهم فى كثير من الأحيان ، فى القاهرة ، إذ يسكنون المنطقة التى تدعى منطقة طولون ، ويحافظون تماما على عزل أنفسهم عن سائر المغربيين المقيمين فى المدينة. لكن الغالبية العظمى من القافلة تكون مكونة من أفراد من المملكة المغربية.

وأنا أعتقد أن ألفى حاج هو أعلى رقم يمكن أن يصل إليه عدد الحجاج البربر. كانت القوافل الأخيرة تضم ما بين ستة آلاف وثمانية آلاف رجل.

جرت العادة أن تصل إلى مكة قافلتان يمنيتان ، كانتا تأتيان عن طريق البر فى الأزمان السابقة. كان الناس يطلقون على القافلة الأولى من هاتين القافلتين اسم : الحج القبصى ، الذى كان يبدأ من مدينة صعدة فى اليمن ، ويشق طريقه عبر الجبال إلى الطائف ، ومنها إلى مكة. ويمكن العثور على اثنين من يوميات هذه القافلة مع بعض الملاحظات الخاصة بها فى ملاحق هذا الكتاب. القافلة اليمنية الثانية ، التى شكلها المواطنون اليمنيون ، والمواطنون الفارسيون ، وكذلك المواطنون الهنود الذين كانوا يصلون إلى موانئ اليمن ، كانت تسير محاذية للساحل ، وقد توقفت تلك القافلة فى حوالى عام ١٨٠٣ م ، ولم يجر تشكيلها بعد ذلك. كانت تلك القافلة ، ذات يوم ، واحدة من القوافل الكبيرة ، العامرة بالتجارة وتحمل كميات كبيرة من البن ،

١٥

وكانت تشرف أحيانا بوجود أئمة اليمن على رأسها. القافلة اليمنية ، شأنها شأن القافلتين السورية والمصرية ، كان لها مكان محدد بالقرب من مكة ، وكانت تنصب فيه خيامها. وقد جرى بناء خزان كبير من الحجر فى هذا المكان لكى يستخدم فى إمداد القافلة بالماء.

لقد اطلعت على طريق لقافلة حج هندية ، رأيت هذا الطريق موقعا على شكل مسار فى خرائط عدة ، وأن ذلك الطريق كان يبدأ من مدينة مسقط ، مرورا بنجد إلى مكة ؛ لكنى لم أستطع الحصول على أية معلومات خاصة بهذه القافلة ، ومع ذلك ، فإن مسألة وجود هذه القافلة فى الأزمان السابقة ، ورد ذكرها عند المؤرخ العصمى. أما هؤلاء الذين سألتهم عن هذه القافلة ، فلم يؤكدوا لى ورود قافلة من هذا القبيل على أذهانهم ، لكنى أرى أن الشحاذين الهنود ، والفارسيين ، وكذلك الشحاذين العرب ، كانوا يجيئون ، فى زمن السلم ، من هذا الطريق على شكل جماعات صغيرة.

قبل قيام كبير الأشراف سرور ، بكسر شوكة الأشراف الآخرين ، كان أولئك الأشراف يجبون من كل القوافل التى تأتى إلى مكة مبالغ كبيرة ، علاوة على الصّرّة التى كانت مخصصة لأولئك الأشراف. كان أولئك الأشراف ، إذا ما علموا باقتراب وصول قافلة من القوافل ، يخرجون من مكة ومعهم أتباعهم المسلمين ، وأصدقاؤهم من البدو ، وكانوا يتناقشون طوال أيام مع قادة القوافل قبل الاتفاق على مبلغ الإتاوة.

ونحن هنا يجب أن نضيف إلى القوافل سالفة الذكر تلك المجموعات البدوية الكبيرة التى تلجأ إلى مكة ، فى وقت السلم ، وافدة عليها من سائر أنحاء الصحراء ؛ والسبب فى ذلك أن لقب حاج يحظى بكثير من الاحترام من البدو قليلى التدين ، ونجد ترسل بدوها لأداء فريضة الحج شأنها فى ذلك شأن بدو الجنوب أيضا. عند ما كان الوهابيون قابضين على زمام السلطة فى مكة ، كانت جحافل من هؤلاء البدو يأتون إلى سهل عرفات ، لسبب رئيسى وليس لأى سبب آخر ، ربما كان التعبير عن ولائهم

١٦

للرئيس الوهابى ، الذى عرف عنه ، بأنه ، كان يحب أن يرى أعرابه متجمعين فى عرفات. فى عام ١٨١١ م قام الوهابيون بأداء فريضة الحج لآخر مرة ، أى بعد الهزيمة الأولى لطوسون بك بوقت قصير فى منطقة الجديدة ؛ كان بصحبة الوهابيين فى تلك المرة عدد كبير من البدو وبخاصة القحطان ، والعسير ، مع بعض آخر من بدو المناطق الصحراوية الداخلية ، وكان يجرى بيع المسلوبات والمسروقات والغنائم التى أخذها الوهابيون من الجيش التركى ، للمكيين فى سوق عرفات. وأنا هنا يجب أن أشير إلى أن على بك العباسى ، قد وقع فى خطأ جسيم فيما يتعلق بعدد الوهابيين الذين رآهم يدخلون مكة فى ذلك الوقت ، أى فى زمن الحج ؛ فقد ظن على بك العباسى أن الوهابيين جاءوا للاستيلاء على المدينة ، وراح يتباهى بأنه كان موجودا أثناء استيلاء الوهابيين على مكة فى المرة الأولى ، فى الوقت الذى بوسع أى طفل من أطفال مكة أن يقول لعلى بك العباسى إن ذلك الحادث وقع قبل ثلاث سنوات من مجيئه إلى مكة ، أو بالأحرى إلى منطقة الحجاز.

فى الوقت الراهن ، يأتى السواد الأعظم من الحجاج ـ كما سبق أن قلت ـ عن طريق البحر إلى جدة ، أما هؤلاء الذين يأتون من الشمال فيبحرون من السويس أو القصير قاصدين جدة ومعهم عدد كبير من الحجاج البربر ، وكثير من الحجاج الأتراك القادمين من الأناضول ، ومن تركيا الأوروبية ، وكثير من الحجاج السوريين ، وعدد كبير من الدراويش الذين يفدون من بلاد فارس ، ومن بعض المناطق التى يرويها نهر إندوس (*). يزاد على ذلك أن فقر الحالة الملاحية فى البحر الأحمر ، والذى تصادف مع الطلب المتزايد على السفن اللازمة لنقل مؤن وتموينات إعاشة جيش الحجاز ، يزيد من تأرجح عملية المرور وعدم ثباتها ؛ الأمر الذى كان يضيع الفرص على

__________________

(*) أحد الأنهار الكبيرة فى شبه القارة الهندية ، يصل طوله إلى حوالى ١٧٠٠ ميل ، وينبع من سلسلة جبال كيلاس فى الهيمالايا فى جنوب غرب التبت. هذا النهر ينساب من الشمال إلى الغرب تحت اسم سنج خمباب ، ثم ينساب بعد ذلك فى اتجاه شمالى غرب خلال كشمير بين سلسلتى جبال لاداخ وزسكر.

١٧

الحجاج فى بعض الأحيان ، ويصلون متأخرين عن موعد الحج ، وقد حدث ذلك لإحدى الجماعات فى عام ١٨١٤ م ، التى وصلت إلى مكة بعد فوات موعد الحج بثلاثة أيام ، نظرا لاحتجاز هذه الجماعة طيلة ثلاثة أيام فى ميناء السويس. أضف إلى ذلك أن حال السفن السيئ ، وازدحامها لا يمكن أن يضفى على هذه الرحلة شيئا من الراحة على الحجاج ، وعلى العكس من ذلك فقد فرض محمد على باشا ضريبة على الحجاج ، تحت مسمى عقد المرور إلى جدة نظير مبلغ مرتفع (وقد بلغت الضريبة فى عام ١٨١٤ م ثمانية عشر دولارا على الرأس الواحدة) ، وذلك عن طريق واليه فى السويس الذى كان يوزع هذه العقود على ظهور السفن العربية ، ولم يكن يدفع لأصحاب السفن من ذلك المبلغ سوى ستة دولارات فقط عن الرأس الواحد. فى الماضى كان الحجاج مسموحا لهم بأن يأخذوا معهم من السويس ، كمية كبيرة من المؤن حسبما يريدون ، لكى يبيعوا جزءا منها بعد الحج مقابل ربح مجز ؛ لكن الحجاج ، فى الوقت الراهن ، لا يسمح لهم إلا بما يكفى استهلاكهم فقط طوال فترة الحج ، يزاد على ذلك ، أن مسألة حمل الحجاج لمؤنهم وتمويناتهم معهم ، وبخاصة الزبد ، والدقيق ، والبسكويت ، والسمك المملح الذى يشترونه بأسعار رخيصة من مصر ، طوال هذه المدة هى التى جعلت الحجاج يفضلون رحلة البحر على رحلة البر ؛ وسبب ذلك أن من يسافرون بطريق البر يضطرون إلى شراء تمويناتهم من مكة ، حيث الأسعار العالية جدا.

إذا ما وصل الحجاج الأجانب إلى القاهرة ، ولم يجدوا سفنا راسية فى ميناء السويس ، فقد جرت العادة أن يواصلوا الإبحار فى النيل إلى أن يصلوا إلى قنا ، ومن قنا يعبرون الصحراء وصولا إلى القصير ، والرحلة من القصير إلى جدة قصيرة جدا. وعند العودة من الحجاز يفضل السواد الأعظم من الحجاج الأتراك ذلك المسار. مواطنو الوجه القبلى يعودون عن طريق القصير ، وهذا هو ما يفعله كثير من الحجاج الزنوج ، بعد أن يسيروا بطول الساحل النيلى من سنار إلى قنا. والأجر الذى يدفعه الحاج من القصير إلى جدة يقدر بحوالى ستة إلى ثمانية دولارات.

١٨

فى أواخر أيام المماليك ، وعند ما كانوا يحتلون أو يسيطرون على الوجه القبلى ، فى الوقت الذى كان محمد على فيه قد غزا الوجه البحرى ، كان الكثيرون من الحجاج الأتراك ، الذين انتقلوا إلى الحجاز بأعداد صغيرة ، على الرغم من وقوعه تحت السيطرة الوهابية ، يلقون معاملة سيئة على أيدى المماليك عند عودتهم إلى مصر ، كان المماليك يجردون هؤلاء الحجاج الأتراك من أشيائهم ومن ملابسهم ، بل يقتلونهم أحيانا أثناء إبحارهم فى النيل. كان السفاح اليونانى ، المدعو حسان بك اليهودى ، يتفاخر بأنه هو نفسه قتل خمسمائة من هؤلاء الحجاج الأتراك. هذه المذابح التى أقيمت لهؤلاء الحجاج الذين لا ذنب لهم ولا جريرة ، هى التى أعطت محمد على باشا ذريعة لقتل المماليك فى مذبحة القلعة.

بعض آخر من الحجاج يأتون عن طريق البحر قادمين من اليمن ، ومن جزر الهند الشرقية ، وبخاصة من المسلمين الهندوس ، ومن مسلمى الملايو ، ومنهم أيضا بعض الكشميريين ، وأناس آخرون من جوزيرات ، ومنهم أيضا بعض الفرس ، وأيضا بعض حجاج الخليج الفارسى ؛ كما يفد عن طريق البحر أيضا بعض حجاج البصرة ، ومسقط ، وعمان ، وحضر موت ؛ فضلا عن أولئك الذين يأتون من المدينة (المنورة) ومن ممباسا ، الذين يندرجون تحت اسم أهل السواحل ، أو بالأحرى الساحل المستوى ، يضاف إلى ذلك المسلمون الأحباش ، وكثير من الحجاج الزنوج الذين يأتون من الطريق نفسه. وهنا نجد أن كل المسلمين الذين يعيشون على سواحل المحيط ، يتأكدون خلال موسم الحج ، من وجود سفينة تبحر من أحد الموانئ المجاورة قاصدة البحر الأحمر ، لكن السواد الأعظم من حجاج الساحل يأتون عن طريق رحلات الأسطول الهندى المنتظمة فى شهر مايو ، ويبقون فى مكة أو المدينة (المنورة) إلى أن يدخل موسم الحج ، الذين يرحلون بعد أدائه مباشرة على ظهر السفن الوطنية من ميناء جدة إلى اليمن ، التى يبقون فيها إلى أن يبدأ هبوب الرياح التجارية فيبدءون فى تجاوز باب المندب. جموع كبيرة من الشحاذين يفدون من البلاد سالفة الذكر على مكة ، وهم يسافرون على حساب المحسنين فى بلادهم ، أو قد يدفع الأجر عنهم أولئك الذين

١٩

يستخدمونهم معينين وخادمين لهم فى أداء فريضة الحج ، لكنهم عند ما يصلون إلى الحجاز يعتمدون كلية على إحسان الحجاج الآخرين ، وعلى الصدقات التى يجمعونها ، والتى لا بد أن تكون كافية لإعادتهم إلى بلادهم.

قلة قليلة من الحجاج ، باستثناء المتسولين منهم ، يصلون إلى الحجاز دون أن يحضروا معهم بعض منتجات بلادهم لكى يبيعونها ، وهذه الملاحظة تنطبق أيضا على التجار ، الذين يعتبرون الاتجار هدفا رئيسيا من أهداف أدائهم للحج ، شأنهم فى ذلك شأن من يحجون بدافع من الحماس الدينى ؛ وسبب ذلك عند من يحجون بدافع من الحماس الدينى ، هو أن الربح الذى يجنونه من بيع هذه المجموعات الصغيرة من السلع المحلية فى مكة ، يقلل إلى حد ما ، التكاليف الباهظة للرحلة. المغربيون (المغاربة) على سبيل المثال ، يحضرون طرابيشهم الحمراء وعباءاتهم الصوفية ، والأتراك الأوروبيون يحضرون معهم الأحذية ، والشباشب ، والخردوات المعدنية ، والأقمشة المطرزة ، والمسكّرات ، والكهرمان ، والحلى الصغيرة أوروبية الصنع ، وأكياس النقود والحافظات المصنوعة من الحرير .. إلخ ، أما أتراك الأناضول فيحضرون معهم السجاد ، والحرير ، والشيلان المصنوعة من صوف الأنجورا ، أما الفرس فيحضرون معهم الشيلان الكشميرية والغتر المصنوعة من الحرير ، ولكن الأفغان يحضرون معهم المساويك ، التى يطلق الناس عليها اسم المساويك القطرية ، التى يصنعونها من الأغصان الإسفنجية لشجرة تنمو فى بخارى ، كما يحضرون معهم أيضا الخرز الذى يصنعونه من حجر أصفر يشبه الصابون ، كما يحضرون معهم أيضا شيلانا سادة خشنة ، يصنعونها فى بلادهم ، أما الهنود فيجلبون معهم المنتجات المتعددة التى تنتجها بلادهم الواسعة الثرية ، أما حجاج اليمن فيحضرون معهم الثعابين والأفاعى ، التى تعد من مستلزمات الشيش والغلايين الفارسية ، كما يجلبون معهم أيضا النعال ، ومصنوعات جلدية أخرى متباينة ، والأفارقة يحضرون معهم سلعا مختلفة تناسب تجارة العبيد. ومع ذلك ، يخيب ظن الحجاج فى كثير من الأحيان فى الآمال التى يعلقونها على هذا الكسب ؛ والسبب فى ذلك ، أن احتياج هؤلاء الناس إلى

٢٠