ترحال في الجزيرة العربية - ج ٢

جون لويس بوركهارت

ترحال في الجزيرة العربية - ج ٢

المؤلف:

جون لويس بوركهارت


المترجم: صبري محمّد حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المركز القومي للترجمة
الطبعة: ١
ISBN: 977-437-388-X
الصفحات: ٢٨٩
الجزء ١ الجزء ٢

شمالى جبل الحسّانى ، عبارة عن قلعة على طريق الحج ، تقع على بعد حوالى ثلاثة أميال داخل البلاد. بالقرب من قلعة الوجة هذه يوجد نبع مائى ممتاز ، كما توجد أيضا آبار كثيرة بالقرب من الخليج الصغير ، وماء هذه الآبار مستساغ ؛ هذا الخليج الصغير يستخدم ميناء للقلعة ، ومن ثم يطلق الناس عليه اسم مرسى الوجه. جنود هذه القلعة من المغربين ، ويقال إن هذه القلعة مكدس فيها كميات كبيرة من المؤن والتموينات. تزوج الكثيرون من هؤلاء المغاربة من نساء بدويات ، وراحوا يمارسون تجارة المؤن والتموينات مع السفن التى تمر على ذلك المرسى.

يسكن بدو قبيلة البلى الجبال المجاورة لمدينة الوجه. وإلى الشمال من الوجه ، وعلى بعد مسير رحلة مقدارها يومين جنوبى المويلح يقع مرسى ضبا الشهير بآباره الممتازة ؛ مرسى ضبا يقع فى خليج كبير ، وهو يعد واحدا من أحسن المرافئ التى على هذا الساحل ، والآبار تبعد مسافة مسير نصف ساعة نحو الداخل ، فى بيارة يظلها النخيل وأشجار الدوم. طريق الحج المصرى يمر من هذا المكان ؛ ولذلك جرى إنشاء بركة أو إن شئت فقل : مستودع أو خزان للماء. السفن التى تبحر من القصير إلى ينبع غالبا ما تمر بهذه النقطة ، ثم تواصل سيرها منها بمحاذاة الساحل فى اتجاه الجنوب. وعلى بعد مسير يومين ، شمالى ضبا ، توجد قلعة وقرية المويلح الصغيرة ، فى أرض بدو الحويطات وبدو العمران. تجاوزنا هذه القلعة عن بعد ، ولكنى تمكنت من رؤية بيارات كبيرة من النخيل بالقرب من شاطئ البحر ، أما ذلك الذى يسمونه القلعة ، فيبدو على شكل مبنى مربع الشكل فوق السهل بالقرب من المياه. موقع المويلح يتميز من بعد بواسطة الجبل العالى الواقع خلف المويلح ؛ هذا الجبل فيه ثلاث قمم بارزة عن سائر القمم الأخرى ، وهذه القمم الثلاث يراها الرائى من مسافة تتردد بين ستين ميلا وثمانين ميلا ، وقد قيل لى : فى أيام الشتاء وعند ما يكون الجو صافيا ، يمكن رؤية هذه القمم الثلاث من القصير ، عند شروق الشمس. قرية المويلح هى المركز الرئيسى على هذا الساحل الممتد من العقبة إلى ينبع. سكان المويلح الذين أغلبهم من البدو ، استقروا وراحوا يمارسون حرفة الاتجار فى الماشية والسمك مع كل من الطور وينبع ، والسوق التى يقيمها تجار المويلح تزورها أعداد كبيرة من بدو الداخل.

٢٢١

هذه السوق هى المكان الوحيد على هذا الشاطئ الذى تقام عليه بصورة منتظمة ، كما يمكن أيضا الحصول على المؤن والتموينات بصورة مستمرة ، وبالتالى يمثل هذا السوق غوثا فى الوقت المناسب للسفن التى تحتجز نظرا لأن الرياح لا تكون مواتية. نظرا لندرة المؤن والمواد فى الحجاز ووفرتها ورخصها فى مصر ، فإن السفن عند ما تغادر موانئ الحجاز قاصدة القصير أو السويس لا تأخذ من احتياجاتها إلا ما هو ضرورى ، لكن الرحلة التى يحسبها البحارة بحوالى عشرين يوما غالبا ما تصل إلى شهر كامل ، بل قد تصل إلى شهرين فى بعض الأحيان.

يستطيع المشاهد أن يرى من قرية المويلح ، تلك النقطة من شبه جزيرة سيناء التى يطلقون عليها اسم راس أبو محمد ، رؤية واضحة تماما. السفن القادمة من ينبع إلى القصير غالبا ما تتجه صوب ذلك الأنف الجبلى ، أو صوب واحدة من الجزر الواقعة أمام هذا الأنف الجبلى ، ثم تنحرف جنوبا قاصدة القصير. البحارة يتخذون ذلك المسار لكى يفيدوا من الرياح الشمالية التى تهب على هذه المنطقة من البحر الأحمر طوال تسعة أشهر فى العام ، يزاد على ذلك أن البحارة يفضلون هذه الرحلة المتعبة المكلفة ، التى يتمتعون خلالها بنسيم البر ، على الخطر والإرهاق المترتب على الإبحار فى بحر مفتوح ، عكس اتجاه الريح ، أو الإبحار مباشرة من جدة أو ينبع إلى الساحل الإفريقى ، الذى لا يعرف موانئه الواقعة جنوب القصير سوى قلة قليلة من الربابين ، والذين يخشون من سكانه البدو.

عند ما تصل السفن إلى رأس محمد ، فإنها تلقى مراسيها بالقرب من واحدة من الجزر الصغيرة ، أو قد تدخل إلى الميناء المسمى شرم ، لتبقى فيه إلى أن تهب ريح مواتية ، التى عادة ما تحمل تلك السفن إلى القصير خلال يوم أو يومين. أما فيما يتعلق بنا ، فلم يحدث لنا ما يعكر صفونا طوال الرحلة ، وذلك على الرغم من أن الريح لم تكن مواتية تماما واضطرتنا ذات مرة إلى البقاء مدة ثلاثة أيام فى المكان الذى كنا نرسوا فيه ، كنت أتوقع تحطم السفينة ، عند ما كنت أرى القبطان وهو يبحر خلال المناطق الضحلة القريبة من الشاطئ ، هذه العملية اكتسب فيها هؤلاء القباطنة خبرات

٢٢٢

غالية ، ويكشفون خلالها عن شجاعة كبيرة مثل الجبن الشديد الذى ينتابهم عند ما يكونون مبحرين فى عرض البحر.

بعد رحلة استمرت اثنين وعشرين يوما أصبحنا على مقربة من رأس محمد ، وكان ذلك فى اليوم الرابع من شهر يونيو ، وربطنا المركب ببعض الحبال فى بعض الشعاب المرجانية ، التى تقع فى جزيرة صغيرة أمام أنف الجبل ، كان القبطان (الريس) قد عقد العزم على العبور فى صبيحة اليوم التالى.

لما كنت أعلم أن البدو يوجدون دوما فى ميناء شرم ، وذلك لنقل المسافرين بالبر إلى الطور أو إلى السويس ، فقد تمنيت لو نزلت على الشاطئ هنا فى شرم ، والطريق من هنا إلى القاهرة قصير جدا ، عن الطريق إلى القاهرة عن طريق القصير ، يزاد على ذلك أن حالتى الصحية المتأخرة جعلتنى أرغب فى ترك السفينة التى ليس عليها مكان للإقامة ، إضافة إلى أن المخاوف من الطاعون لم تنته بعد ، على الرغم من عدم حدوث وفيات على ظهر المركب خلال الأسبوعين الماضيين. ونظير أربعة دولارات أعطيتها للريس ودولار واحد للقبطان ، تعطّفا علىّ وخرجنا قليلا عن مسارهما ، وفى صبيحة اليوم التالى ، الموافق للخامس من شهر يونيو دخلنا ميناء شرم.

تبعد شرم حوالى أربع ساعات أو خمس عن النقطة التى يسمونها رأس محمد ، وشرم ميناء جيد ومتسع ويسمح برسو السفن الكبيرة ؛ وهى تقع عند مدخل خليج العقبة ، وهى أفضل الموانئ الموجودة على الجانب الغربى من الخليج ، وتحت الاسم شرم (وجمعه شروم) يندرج ميناءان يبعدان نصف ميل عن بعضهما البعض ، وهذان الميناءان جيدان ، لكن الميناء الجنوبى هو الأكثر استعمالا. ونظرا لوجود بئر غزيرة المياه بالقرب من هذين الميناءين ، فإن السفن الذاهبة إلى الحجاز أو القادمة منه تمر بهذين الميناءين ، والمسافرون الذين يودون أن يكفوا أنفسهم مؤونة الرحلة البحرية فى خليج السويس (التى تستغرق وقتا طويلا أثناء هبوب الرياح الشمالية) ينزلون إلى البر هنا فى شرم ، وينقلهم البدو على الإبل إلى الطور أو السويس. هؤلاء البدو الذين يعيشون فى الجبال ، يشاهدون السفن عن بعد ، وعند ما تصل تلك السفن

٢٢٣

يسارع هؤلاء البدو بالذهاب إلى الشاطئ ليعرضوا خدماتهم على المسافرين. فى الماضى ، عند ما كان باشوات مصر لهم سلطة اسمية على هؤلاء البدو ، كانت أطقم السفن تخشى من البدو وتخافهم ؛ كان أولئك البدو الأعراب يحصلون على إتاوات دورية من السفن عند ما تدخل موانيهم ، وكانوا يتصرفون بطريقة عدوانية مع أطقم هذه السفن. فى الوقت الراهن ، نجح محمد على باشا ، من خلال آمر السويس ، فى تأديب هؤلاء البدو واستئصال شأفتهم ، وأصبح سلوكهم وديا إلى حد كبير فى هذه الأيام ، إضافة إلى أن السفر بصحبتهم أصبح آمنا تماما ، لكن إذا ما تصادف أن تحطمت سفينة على شواطئهم ، أو على الجزر القريبة من هذه الشواطئ (وهذا أمر نادر تماما) ، فإنهم لا يزالون يحتفظون لأنفسهم بحقهم القديم فى سلب حمولة المركب التى تكون من هذا القبيل ونهبها.

وصلت فى المساء واحدة من السفن وكانت محملة بالجنود ، الذين غادروا ينبع قبلنا بستة أيام ؛ كان آمر (قائد) الجنود ، هو وأربع من جماعته أو خمس ، قد نزلوا إلى الشاطئ ، لينقلوا بطريق البر إلى القاهرة ، وواصلت السفينتان سيرهما فى اليوم التالى قاصدتين القصير. لم تكن هناك صعوبات فى مسألة الحصول على الإبل ؛ فقد كان هناك أكثر من ثلاثين جملا جاهزا للتأجير ، وبدأنا رحلتنا فى مساء يوم وصولنا إلى شرم ، على شكل جماعتين ، كانت جماعة المقدمة مكونة من الجنود ، أما المجموعة الثانية التى كانت تبعد عن المجموعة الأولى مسير ساعتين ، فكانت تشملنى أنا وعبدى ومسافرين آخرين ، من أهل دمشق ، كانا سعيدين بتقصير رحلة عودتهما إلى وطنهما. سرنا فى مساء ذلك اليوم حوالى ساعة ونصف الساعة فى الوادى ، ثم خلدنا إلى الراحة لتمضية الليل.

فى اليوم السادس من شهر يونيو واصلنا مسيرنا عبر وديان قاحلة جرداء ، بين صخور منحدرة ، القسم الأكبر منها من الجرانيت ، إلى أن توقفنا ، عند الظهر تقريبا ، تحت صخرة بارزة هيأت لنا شيئا من الظل. ذهب البدو لإحضار شىء من الماء من مكان عال فى الجبال الغربية يسمونه الحمراء ، وثبت أن ماءه كان من النوع الممتاز.

٢٢٤

كانت هناك امرأة وحيدة ومعها عنزتان تعيش فى ذلك الوادى. فيما بين البدو أنفسهم نجد أن هذا الوادى هو أكثر الوديان أمنا من بين أجزاء هذه المنطقة ؛ هذا الأمن يجرى خرقه فى بعض الأحيان بسبب السلوك المشين الذى يأتيه الجنود الأتراك الذين يمرون بهذا الطريق. وأنا عرفت هؤلاء الرجال حق المعرفة من خبراتى المتكررة معهم ، ولذلك رفضت الانضمام إلى جماعتهم. عند ما واصلنا مسيرنا قبيل المساء التقينا على الطريق واحدا من أبناء البدو الذين كانوا يعملون جمّالين فى المجموعة التى سبقتنا. لم يكن جمل ذلك الصبى ، قادرا على مسايرة بقية الإبل ، وكان الصبى (الجمال) قد أخرج خنجره وراح يجرح الجمل علّه يسرع ويواكب الإبل الأخرى ، وعند ما احتج الصبى على الجمل وأمسك بالحكمة (المقود) ، لقى عضة فى كتفه ، وعند ما أصر الصبى على الإمساك بالحكمة (المقود) ، تناول الوغد بندقيته وأطلقها على الجمل ، وهنا جرى الصبى وراح ينتظر مجيئنا. وعلى بعد أميال قليلة سمعنا من بعيد صوت الجندى وهو يسب ويلعن وهو سائر خلف الجمل. ونظرا لأنى كنت أتوقع حدوث مشاجرة ، فقد قمت بتعمير بندقيتى ومسدساتى. وعند ما رآنى أسير فى مقدمة الجماعة ، جرى نحوى على الفور ، وراح ينادينى باللغة التركية ويطلب منى النزول لاستبدال جمله بجملى. سخرت منه وقلت له بالعربية : إننى لست فلاحا كى يخاطبنى بهذه اللهجة. عندئذ ، وبطريقه هؤلاء الجنود الذين اعتادوا على أن كل من ليس بجندى يتعين عليه الخضوع لأوامرهم ، تحول ذلك الجندى ناحية عبدى وأمره بالنزول من فوق الجمل ، وأقسم أنه سوف يفتح النار على واحد منا إذا لم نطع أوامره. عند ما سمعت ذلك تناولت بندقيتى ، وأكدت له أنها معمّرة ببارود جيد وسوف أوجه بها طلقة إلى قلبه على نحو أفضل من الطلقة التى سيوجهها إلىّ من بندقيته. طوال هذه المشادة كان جمله قد شرد قليلا فى الوادى ، ومن باب الخوف على أمتعته ، جرى خلف الجمل ومضينا نحن فى طريقنا ، ونظرا لأنه لم يستطع اللحاق بنا فى الرمل ، فقد فتح نيران بندقيته علىّ ، من مسافة بعيدة ، وعلى الفور رددت عليه وانتهت المعركة بعد ذلك. بعد مسافة وصلنا إلى رفاقه الذين كانوا قد نزلوا عن رواحلهم طلبا لشىء من الراحة. قلت لهم إن صديقهم كان فى مأزق مع الجمل ، الأمر الذى جعلهم يرسلون واحدا من

٢٢٥

البدو لإحضاره ، بينما واصلت أنا مسيرى ، وخيمت فى تلك الليلة فى واد جانبى بعيدا عن الطريق ، انضم إلينا فيه من جديد ذلك الصبى البدوى ؛ إذ كان يرغب فى ألا يراه الجنود الآخرون.

بدأنا عندئذ نوجه رحلتنا على نحو لا يسمح لنا بالتقاء الجنود مرة ثانية ، ومع ذلك التقيت ذلك الجندى بعد ذلك بيومين فى بلدة الطور. كان محافظ السويس فى الطور فى ذلك التاريخ ، وكان بوسعى التقدم إليه بشكواى ، كان ذلك الجندى يخشى هذه المسألة ، ولذلك جاء إلىّ وعلى وجهه ابتسامة ، ليقول لى إنه يتمنى ألا يكون هناك ما يعكر الصفو بيننا ، وعلل الطلقة التى أطلقها بأنها كانت من باب تنبيه رفاقه إلى مساعدته فى مسألة الجمل ، ورددت عليه بأن الطلقة التى أطلقتها أنا كان لها هدف مختلف تماما ، وأنى جد آسف لأنها أخطأت الهدف ، وعقبها ضحك الرجل وانصرف لحال سبيله. ليس هناك على وجه الأرض جندى بذىء ، ومتكبر ، ورذيل ، وجبان مثل الجندى التركى ؛ الجندى التركى إذا ما أحس أنه لن يلقى مقاومة ، تجده يتصرف بطريقة فيها الكثير من الاستبداد والطغيان ، ولا يتورع عن قتل إنسان برىء ، جراء نوبة من نوبات انفعاله ، لكن الجندى التركى إذا ما لقى مقاومة حازمة ، أو عند ما يتخوف من النتائج السيئة التى يمكن أن تترتب على سلوكه تراه يلوذ بكثير من الأعمال الوضيعة والحقيرة. طوال رحلتى من أسوان إلى القاهرة ، التى كان القسم الأكبر منها بطريق البر ، صادفت أشياء مماثلة مع بعض الجنود الأتراك ، وهنا يتعين علىّ أن أضع قاعدة أمام الرحالة ، مفادها أنهم يجب أن يتعاملوا مع هؤلاء الجنود الأتراك بتكبر وتعال لأنهم يعملون للخوف ألف حساب وحساب ، وهنا يبدءون فى تغيير تصرفاتهم. قطعنا فى ذلك اليوم مسير حوالى تسع ساعات.

اليوم السابع من شهر يونيو. واصلنا سيرنا فى الوديان حوالى ساعتين ونصف الساعة ، لنصل بعد ذلك إلى جبل عال ، اضطررت عنده إلى النزول عن جملى. واستطعت الوصول إلى قمة الجبل بصعوبة بالغة ؛ نظرا لأنى كنت خائر القوى ، وكنت أرتعش لأنى كنت محموما اعتبارا من الليلة السابقة. استغرق تجاوزنا للجبل قرابة

٢٢٦

الساعتين ونصف الساعة ، لننزل بعد ذلك إلى واد على الجانب الآخر ، ومن فوق قمة الجبل شاهدت منظر خليج العقبة البديع. الجزء العلوى من هذا الجبل جرانيتى ، والأجزاء السفلى منه من صخر مختلف عن صخور القمة ، وفى فترة العصر خرجنا من هذه السلسلة إلى السهل الغربى ، الذى ينحدر انحدارا متدرجا نحو البحر فى السويس ، وخيمنا فى ذلك السهل بعد ركوب الراحلات مدة تقدر بحوالى عشر ساعات.

اليوم الثامن من شهر يونيو. وصلنا الطور قادمين إليها من هذه الاستراحة بعد حوالى ثلاث ساعات ونصف الساعة ، وفى الطور وجدنا اضطرابا كبيرا ؛ كانت حرم محمد على باشا التى صادفتها فى كل محطة من محطات هذه الرحلة ، قد وصلت إلى الطور قادمة من ينبع ، قبل أيام قلائل ، ونظرا لأن الريح كانت تهب من الشمال ، فقد آثرت حرم محمد على النزول إلى الشاطئ على أمل مواصلة الرحلة برا إلى السويس. كان محافظ السويس هو ومصطفى بك ، وهو واحد من كبار الضباط ، قد جاءا للقائها ، وكانت خيامها قد نصبت بالقرب من قرية الطور الصغيرة. كان الأمر يحتاج إلى ما يتردد بين أربعمائة وخمسمائة جمل لنقل الحاشية والمتعلقات والجنود إلى السويس ، ونظرا لعدم توفر مثل هذا العدد من الإبل فى وقت قصير ، فقد كانت تنتظر أسبوعا فى الطور.

كنت قد قررت التوقف أياما قلائل فى الطور ، مستهدفا بذلك استرداد شىء من الصحة يعيننى على مواصلة رحلتى إلى القاهرة ، لكنى عند ما عرفت أن الطاعون لا يزال منتشرا فى السويس ، وأيضا فى القاهرة ، غيرت خطتى ، وصممت على البقاء فى الطور بضعة أسابيع ، إلى أن تنتهى موجة الطاعون ، وسرعان ما اكتشفت أن مسألة الحصول على مسكن فى الطور تعد أمرا غير مناسب ؛ قرية الطور مبنية فى واد رملى ، قريب من الشاطئ ، وبلا أية حماية من أشعة الشمس ، وخلف هذه القرية الصغيرة توجد أيضا مجموعة قليلة جدا من بيارات النخيل ، ومنازل هذه القرية شديدة البؤس ، كما أن جحافل الذباب والبعوض تملأ فتحات كل مسكن من المساكن.أمضيت الليل فى قرية الطور ، وبعد أن عرفت من البدو أن هناك قرية أخرى صغيرة

٢٢٧

على بعد مسير حوالى ساعة واحدة ، وأن هذه القرية تقع على أرض مرتفعة ، وأنها وفيرة الماء الممتاز ، قررت الذهاب للسكنى فيها.

هذه القرية يحيط بها سور شبه مدمر. الناظر إلى المكان يشاهد بقايا قلعة مدمرة ، يقال إن الذى أنشأها هو السلطان سليم ، الذى ضحى بالحدود والمواقع المتقدمة من إمبراطوريته. كان الفرنسيون قد فكروا فى إعادة بناء هذه القلعة ، لكنهم غادروا مصر قبل أن يبدأوا إعادة بناء هذه القلعة. هناك قريتان صغيرتان ، تبعدان قرابة ميل عن هذه القرية وتقعان على جانبى الطور ؛ هاتان القريتان الصغيرتان يسكنهما العرب ، فى حين أن قرية الطور نفسها لا يسكنها سوى اليونانيين الذين لا يزيد عددهم على عشرين أسرة تقريبا ، ومعهم قسيس يخضع لأسقفية جبل سيناء. هؤلاء اليونانيين يكسبون عيشهم هنا ، فى هذا المكان ، من بيع المؤن والتموينات إلى السفن التى ترسو هنا للتزود بالماء ، الذى يتوفر هنا فى الآبار بكميات كبيرة ، ومن نوعية ممتازة. البضائع والتموينات هنا أسعارها ضعف أسعارها فى القاهرة ، يضاف إلى ذلك أن سكان الطور لهم قواربهم الخاصة ، التى يبحرون فيها إلى مدينة السويس لجلب المؤن والتموينات. هؤلاء كان يمكن أن يصبحوا أثرياء بحكم عيشتهم المتواضعة ، لو لا مرور الجنود الأتراك عليهم. تطفل مجموعة صغيرة من الجنود الأتراك ولو مرة واحدة على هؤلاء اليونانيين قد يأتى على ما جمعوه طوال عام كامل. والباشا لا يحتفظ لنفسه بحامية فى هذا المكان.

اليوم التاسع من شهر يونيو. فى الصباح تسلقت السهل الصاعد إلى أن وصلت إلى القرية سالفة الذكر ، التى يطلق الناس عليها اسم الوادى بعد أن تزودت بكمية كبيرة من المؤن والتموينات من قرية الطور. عثرت بسهولة ويسر على سكن لى فى تلك القرية ، وسعدت لأن توقعاتى لتلك القرية كانت صائبة ؛ هذه القرية مكونة من حوالى ثلاثين منزلا ، لكل منها حديقة ، وتحيط بها بيارات النخيل ، ويكاد يكون لكل منزل من هذه المنازل حديقته الخاصة. استأجرت مبنى شبه مفتوح فى منتصفه ، ولكنى سقفته بجريد النخل ، وتمتعت بقربى من حديقة غناء ينمو فيها النخيل وأشجار النبق ،

٢٢٨

والرمان ، وأشجار المشمش. كان فى وسط تلك الأشجار بئر كبيرة تعطى ماء ممتازا ، ولم يكن أمامى ما أتمناه أكثر من ذلك الذى أنا فيه حاليا. أهل هذه القرية تحول القسم الأكبر منهم إلى سكان مستقرين ، على الرغم من أصلهم البدوى ؛ هؤلاء السكان لم يتشككوا فى نواياى ومقصدى من الإقامة فى القرية ، نظرا لأنهم تبينوا أنى لا أقوى على الوقوف على قدمىّ ، وبناء على ذلك راحوا يعاملونى برفق. يضاف إلى ذلك أن الهدايا الصغيرة من اللحم التى كنت أوزعها عليهم سرعان ما فعلت فعلها ، وجعلتنى أقف على حسن نواياهم تجاهى ، وكانت لدى أسباب كثيرة تجعلنى راض عن سلوكهم وتصرفاتهم تجاهى ، وبذلك تمتعت براحة كاملة وبهواء الجبل النقى ، ذلك الجبل الذى يقع على ارتفاع أعلى من ارتفاع جبل الطور ، وسرعان ما استعدت قواى.

على امتداد السنوات الأربع الماضية ، واعتبارا من افتراقى عن صديقى السيد / باركر والسيد / ماسيك ، هما وبساتين حلب الغناء ، لم أستشعر الراحة على نحو أفضل مما أنا عليه هنا فى هذه القرية ، بل إن اليوم الأول من وجودى هنا فى هذه القرية أحدث تحسنا فى صحتى. ونظرا لأنى أعرف أن التمرينات الخفيفة يمكن أن تفيدنى ، فقد ركبت دابة واتجهت إلى قرية الحمام ، ذلك الحمام الدافئ الذى يقع عند ناصية الجبل ، الواقع إلى الشمال من قرية الطور ، ويبعد مسير نصف ساعة عن قرية الوادى. هذا الجبل الجيرى تنبجس منه عيون دافئة متعددة ، العين الرئيسية من بين هذه العيون مسقوفة ، ويتردد عليها كل البدو المقيمين فى المنطقة المحيطة بها. هناك بعض البنايات شبه المهدمة ، ويحتمل أن يكون عمرها من عمر قلعة الطور المدمرة ، ربما كانت تلك البنايات توفر الإعاشة والإقامة للزوار. مياه العيون هنا معتدلة الحرارة ، ويبدو أن فيها نسبة عالية من النوشادر. هناك بالقرب من تلك العيون توجد بيارات نخيل مترامية الأطراف. وأنا لم يسبق لى أن رأيت نخيلا كثيف النمو بالصورة التى عليها النخيل هنا فى قرية الحمام ؛ النخيل هنا يشكل غابة كثيفة على نحو يصعب معه على الإنسان أن يشق طريقه خلالها. مزارع النخيل هذه مملوكة لبدو شبه الجزيرة العربية ، الذين يجيئون إلى هنا مع عائلاتهم فى موسم حصاد التمر. ومع ذلك ، فإن أكبر البيارات هنا من ممتلكات القساوسة اليونانيين فى جبل سيناء ، ومن بين

٢٢٩

هؤلاء القساوسة قس يعيش فى البرج المنعزل الموجود وسط هذه البيارات ، هذا القس يعيش عيشة الرهبان النّسّاك ، وسبب ذلك أنه الساكن الوحيد فى هذا المكان. لقد كان تخوف هذا القس من البدو هو الذى جعله يحبس نفسه شهورا داخل هذا البرج ، الذى لا يمكن الدخول إليه إلا بواسطة سلم نقال ، وهنا سقاء واحد هو الشخص الوحيد الذى يتردد على ذلك القس عند ما يجلب له كل أسبوع كمية من الماء. هذا القس موضوع هنا ليكون راعيا للدير ، لكن التجربة أثبتت فشل أو عدم فاعلية المحاولات كلها التى ترمى إلى حماية الأشجار من سلب البدو ونهبهم لها ، الأمر الذى يجعل هؤلاء البدو يتنازلون عن ثمار أو تمور هذه البيارة لكل من يبادر بالوصول إليها ، وبذلك يتحول إنتاج البيارة من التمور والذى يقدر بما قيمته أربعة آلاف أو خمسة آلاف قرش ، إلى ملكية عامة للناس أجمعين.

لقيت بعض الصعوبات فى الحصول على اللحم فى قرية وادى ؛ والسبب فى ذلك أن الأغنام جد نادرة فى شبه الجزيرة ، وليس من بين العرب من هو على استعداد لبيع ما عنده من هذه اللحوم. جرى إرسال قطيع من السويس إلى الطور ، وذلك تلبية لاحتياجات زوجة محمد على باشا وحاشيتها. وقد اضطررت إلى دفع اثنى عشر قرشا هنا ثمنا لجدى صغير.

أدى مقامى أسبوعا ثانيا فى قرية الوادى إلى تحسين صحتى تحسنا كبيرا. لم أكن قد شفيت تماما ، ولكنى كنت أتمنى استرداد المزيد من القوة التى تعيننى على رحلتى إلى القاهرة التى يمكن أن أجد فيها وسائل الشفاء الكامل. كنت ميالا إلى التعجيل برحيلى عن قرية الوادى نظرا لأن الناس كانوا يقولون : إن البدو الذين لديهم إبل لم يقدموها للمشاركة فى نقل نساء الباشا ، سوف يغادرون هذه المنطقة ، وقد حمّلوا إبلهم بالفحم المتجه إلى القاهرة ، وعندها سيكون من الصعب علىّ العثور على إبل تنقلنى إلى القاهرة. كان قد مضى علىّ ثمانية عشر شهرا لم أتسلم خلالها أية رسائل من أوروبا ، وكنت أشعر بالقلق وأود الوصول إلى القاهرة ؛ حيث عرفت أن كثيرا من الناس كانوا فى انتظارى. عرفت أيضا أن الطاعون لا بد أن يكون قد انحسر ، وأن ذلك الانحسار سيزداد عند ما أصل إلى القاهرة ، وسبب ذلك أن فصل

٢٣٠

الحرارة يؤدى إلى انحسار هذا المرض ، وهنا سارعت إلى استئجار جملين من الحمام إلى القاهرة ، ودفعت اثنى عشر دولارا نظير ذلك.

عرب هذه الأجزاء من البلاد أرسوا أعرافا وتقاليد خاصة بالنقل ؛ من بين سكان شبه الجزيرة نجد أن قبيلة الصوالحة من حقها أن تقوم بنصف العمليات النقلية أما النصف الآخر فهو من حق قبيلتى المزينة والعليقات. ونظرا لأنى كنت بحاجة إلى جملين فقد تحتم أن يكون أحدهما من الصوالحة والآخر إما من مزينة أو العليقات. ونظرا لآن کنت بحاجة إلى جملين فقد تحتم أن يكون أحدهما من الصوالحة والآخر إما من مزينة أو العليقات. وإذا ما تصادف عدم وجود أى أحد من القبائل الثلاث يصبح من السهل تسوية الأمر مع واحد منهم ، وبذلك لا يكون للفردين الآخرين المطالبة بالحق فى ذلك فيما بعد ، لكن إذا ما تصادف وجود أفراد عدة منهم فى المكان ، أدى ذلك فى أغلب الأحيان إلى قيام نزاعات فيما بينهم ، وهنا على من يختاره المسافر أن يعطى الباقين مبلغا صغيرا لكى يمنعهم من المطالبة بحقوقهم. هذا العرف أو القانون له حدود معينة ، إذا ما تعداها كل من المسافر ومرشده ، لا يصبح بعدها لبلديات المرشد أى حق من الحقوق فى عملية النقل. الحد المتجه من الطور إلى الشمال ، يشكل منتصف الطريق بين قرية الطور وقرية وادى. والبدوى الذى نقلنى من الطور إلى وادى تعدى ذلك الحد خلسة ، ولم يعلم أحد من أصدقائه بهذا الأمر ، وراحوا يتابعونا عند ما شاهدونا على الطريق ، لكننا كنا قد تجاوزنا الحد عند ما لحقوا بنا ، الأمر الذى جعلنى من نصيب هذا المرشد ، وعند ما رحت أبحث فى قرية وادى عن مرشد جديد لى إلى القاهرة ، أبلغونى أنه ليس هناك من يمكن أن يتحمل مسئولية عملية النقل هذه ، دون موافقة من البدوى الذى حملنى من الطور إلى قرية وادى ، والذى سبق أن عبرت الحدود على جمله. وهنا أرسلوا فى طلب ذلك البدوى ، ونظرا لأن إبل ذلك الرجل لم تكن موجودة لذا تنازل عن حقه لشخص آخر نظير دولارين ، ورحلت مع المرشد الآخر.

هذه المشاجرات حول النقل عجيبة جدا ومعقدة إلى الحد الذى يصعب حلها ، فى الوقت نفسه يفضل أن يبقى المسافر سلبيا فى مثل هذه المشكلات ، ومع ذلك لا يصل الأمر إلى حد فرض الضرائب ، نظرا لأن المبلغ المختلف عليه لا يجاوز دولارا واحدا.

٢٣١

غادرت قرية الوادى فى اليوم السابع عشر من شهر يونيو. كان طريقنا يمر خلال سهل مرتفع ، محاطا من ناحية الشرق بجبال سيناء ، ومن ناحية الغرب تحيط به التلال الجيرية ، التى تفصل السهل عن البحر ، وتمتد بمحاذاته لمدة مسير حوالى خمس ساعات أو ست. هذا السهل الذى هو أرض قاحلة تماما ، وأرضه زلطية ، يطلق الناس عليه اسم القاع ، وسمعته سيئة بسبب البدو من ناحية ، وعدم وجود عيون مائية فيه من ناحية ثانية ، ولحرارته الشديدة بحكم طبيعته من ناحية ثالثة. هذا هو الحال الذى وجدت عليه ذلك السهل. فى ذلك اليوم عانينا الكثير جراء الرياح شديدة الحرارة. نزلنا فى فترة الظهيرة فى السهل المفتوح ، ولم نعثر على شجرة واحدة يمكن أن تعطينا شيئا من الظل. وجرى فرد بشت من بشوت البدو على أربعة أعمدة لكى تشكل نوعا من الخيام ، ولم تكف تلك العباءة إلا لحمايتى أنا من الشمس ، فى حين راح عبدى ومرشداى يلفون أنفسهم فى عباءاتهم ورقدوا ليناموا فى الشمس. هواء السموم الحار هذا ، يغلق مسام الجسم بدلا من التعرق ، وفى المساء بدأ الألم يعاودنى ، ولازمنى اعتبارا من هذه المنطقة إلى أن وصلت إلى القاهرة. خيمنا تلك الليلة فى سهل القاع.

اليوم الثامن عشر من شهر يونيو. دخلنا وادى فيران فى الصباح ، وسرنا فيه فى اتجاه البحر ، وواصلنا مسيرنا بمحاذاة الشاطئ إلى نهاية اليوم ، إلى أن أصبحنا على مقربة من بئر المرخة أمام الخليج الذى يسمونه بركة فرعون.

اليوم التاسع عشر من شهر يونيو. واصلنا مسيرنا مرة ثانية من مرخة بمحاذاة الساحل ثم دخلنا بعد ذلك وادى طيب ، تاركين على يسارنا تلك الجبال التى تقترب من الشاطئ ، والتى يقع فى منتصفها ذلك الحمام الذى يطلقون عليه اسم حمام سيدنا موسى. طيب عبارة عن واد عامر بالشجر ، الذى ذوت أغصانه وأوراقه بسبب عدم سقوط المطر. وبعد أن وصلنا قمة ذلك الوادى ، واصلنا مسيرنا فى سهل مرتفع ، وتجاوزنا وادى أسايط ، ونمنا فى وادى الغرندل.

٢٣٢

اليوم العشرون من شهر يونيو. تجاوزنا عين الهوارة مالحة الماء ، وعبرنا سهلا قاحلا ، وخيمنا فى فترة المساء فى وادى سدر. كانت رحلاتنا النهارية طويلة جدا ، وسرنا بضع ساعات أثناء الليل ، حتى نتمكن من الوصول إلى السويس فى الوقت المناسب لكى نلحق بالقافلة ، التى كانت تستعد فى السويس لنقل حريم الباشا إلى القاهرة. ونظرا لأنى سوف أتناول تفاصيل هذا الطريق فيما سأكتبه عن زيارتى لجبل سيناء ، فأنا أفضل عدم الدخول هنا فى المزيد من التفاصيل ، يضاف إلى ذلك أن الملاحظات التى أوردتها حول هذا الموضوع تكاد تكون شكلية إلى حد بعيد.

اليوم السادس والعشرون من شهر يونيو. تجاوزنا عيون موسى فى فترة الصباح ووصلنا السويس فى فترة العصر. كانت القافلة على وشك الرحيل ، وانضممنا إليها فى المساء. كانت هناك حراسة قوية ، وكان إجمالى إبل القاهرة يقدر بحوالى ستمائة جمل. واصلنا المسير أثناء الليل وبلا توقف ، وفى صباح اليوم الثانى والعشرين من شهر يونيو. نزلنا فى المكان الذى يسمونه الحمراء ، أو إن شئت فقل : محطة الحج فيما بين القاهرة وعجرود. كانت نساء الباشا قد أحضرن معهن من الحجاز عربتين ، ركبن فيهما المسافة كلها من الطور إلى السويس ، إذ كان الطريق سهلا ومطروقا فى كل أجزائه. وكانت عربتان أخريان قد أرسلتا لهن من القاهرة إلى السويس ، إحداهما حنطور إنجليزى جميل تجره أربعة خيول ، وركبت النساء هذا الحنطور من السويس ، وكن يتركن هذين الحنطورين من حين لآخر ويركبن فى محفّات جميلة تحملها البغال. واصلنا المسير من جديد فى المساء ، وسرنا الليل بطوله ، ووصلنا بركة الحج فى صبيحة اليوم الثالث والعشرين من شهر يونيو ، وبذلك نكون قد قطعنا الرحلة من الطور إلى القاهرة فى ستة أيام ؛ هذه المسيرة الاضطرارية التى أتعبتنى وأرهقتنى تماما بسبب حرارة الجو. وفى بركة الحج كان عدد كبير من الوجهاء والأعيان فى انتظار القافلة لاستقبالها ، كانت نساء الباشا قد قررن التخييم بضعة أيام قلائل فى بركة الحج بين بيارات النخيل. ونظرا لأنى ، بحكم ضعفى ، لم أقو على السفر فى اليوم نفسه (على الرغم من أن القاهرة لا تبعد عن بركة الحج سوى مسير أربع ساعات فقط) ، فقد آثرت المبيت فى بركة الحج ، ودخلت المدينة فى

٢٣٣

صباح اليوم الرابع والعشرين من شهر يونيو ، بعد غياب عنها دام حوالى عامين ونصف العام. وجدت أن الرسالتين اللتين أرسلتهما من المدينة (المنورة) لم يجر استلامهما ، وأن معارفى هنا ظنوا أنى فى عداد المفقودين. كان الطاعون قد انحسر تماما ، وكان بعض المسيحيين قد أعادوا فتح منازلهم ، لكن يبدو أن حزنا كبيرا كان يخيم على المدينة كلها ، جراء الوفيات التى ترتبت على ذلك الوباء.

زاد فرحى بوصولى إلى القاهرة أيضا بفعل خطابات التشجيع التى وصلتنى من إنجلترا ، لكن حالتى الصحية لم تكن يسمح لى بالانغماس فى المتع المترتبة على النجاح.أطباء القاهرة هم مثل الأطباء الأوروبيين الموجودين فى الأجزاء الأخرى من الليفانت ؛ فقد جعلونى أبتلع أرطالا من اللحاء ، الأمر الذى زاد مرضى سوءا على سوئه ، ولم أسترد عافيتى إلا بعد شهرين من الزمن فى الإسكندرية ، التى سافرت إليها لزيارة العقيد ميسيت ، الممثل البريطانى المقيم فى مصر ، الذى كلفنى بكثير من الالتزامات ، والذى بفضل اهتماماته ، وبفضل التدريبات التى أجريتها على ظهور الخيل ، استطعت استرداد عافيتى. الرحلة ممتعة ، التى قمت بها فى فصل الشتاء ، خلال الوجه البحرى ، فى بحيرة المنزلة ،جعلتنى أسترد عافيتى أكثر وأكثر عن ذى قبل.

٢٣٤

الملاحق

٢٣٥
٢٣٦

الملحق رقم

١ محطات قافلة الحج المسماة «الحج القبصى». فى المناطق

الجبلية بين مكة وصنعاء فى اليمن.

مكة

اليوم الأول ، شداد : بعض الأكواخ التى تقدم القهوة (مقاهى).

٢ ـ قارة : قرية صغيرة على قمة الجبل الذى يحمل هذا الاسم.

٣ ـ الطائف.

٤ ـ العبّاسة : فى المنطقة التى فيها عرب ثقيف.

٥ ـ ملاوى جدارة : منطقة من مناطق عرب بنى سعد.

٦ ـ مخرة : منطقة من مناطق عرب نصرة. القرية الرئيسية من قرى قبيلة بنى سعد هى ؛ قرية لغام ، وصور هى القرية الرئيسية من قرى قبيلة نصيرة ؛ تبعد مسافة مسير يوم واحد عن الحدود الشمالية القصوى لمنطقة الزهران. فى هذه المنطقة توجد أيضا قرية البجيلة المحصنة.

٧ ـ السرّار : وهى تابعة لعرب بنى ثقيف.

٨ ـ برحراح : على الطرف الشمالى من زهران ؛ وهى عبارة عن منطقة عرب يحملون الاسم نفسه. هذه الزهران تعد واحدة من أشد الأراضى خصوبة فى هذه السلسلة الجبلية ، على الرغم من أن قراها تفصلها عن بعضها البعض مساحات من

٢٣٧

الصخور الجرداء ؛ هذه المنطقة تسكنها قبائل زهران من بنى مالك وبنى غامد. معروف أن باخروج ، شيخ الزهران ، بعد أن قاوم محمد على باشا مقاومة باسلة ، أخذ على غرة فى شهر مارس من العام ١٨١٥ الميلادى ، وجرى تقطيعه إربا إربا بناء على أوامر من ذلك القائد التركى.

٩ ـ وادى على ، فى المنطقة نفسها.

١٠ ـ مشنية : على الحدود الجنوبية لزهران.

١١ ـ رغدان : واحد من أسواق عرب غامد.

١٢ ـ قرن المغسل : من عرب غامد.

١٣ ـ الزاهرة : من عرب غامد. قبيلتا زهران وغامد تمتلكان الحجاز (أقصد جبال الحجاز) والمناطق المجاورة لهما من تهامة ، أو بالأحرى السهل الغربى فى اتجاه البحر ، كما تمتلكان أيضا السهل الشرقى العلوى. أهم أماكن قبيلة غامد هى المخواة ، ويجب عدم الخلط بين المخواه والمخا.

١٤ ـ الرهيطة : تابعة لقبيلة الشمران القوية.

١٥ ـ أدامة : تابعة لعرب الشمران.

١٦ ـ تبالة : تابعة لعرب الشمران الذين يسكنون على جانبى الجبال فى السهل الغربى والسهل الشرقى.

١٧ ـ الحسبة : سوق من أسواق عرب الشمران.

١٨ ـ الأسابيلى : قرية من قرى قبيلة أسابيلى.

١٩ ـ بنى شفرة : سوق من أسواق قبيلة مسماة بهذا الاسم سبق أن اتحدت مع قبيلة الأسابيلى ، لكنها أصبحت قبيلة مستقلة بأمر من الرئيس الوهابى.

٢٠ ـ شط ابن عريف.

٢٣٨

٢١ ـ سدوان : هذا المكان وشط ابن عريف يسكنهما عرب من قبيلة تدعى أهل عريف.

٢٢ ـ المتسة.

٢٣ ـ ابن معان التى تنتمى هى والمتسة إلى عرب ابن قتلان.

٢٤ ـ إبل : تقع فى أراضى قبيلة عسير القوية.

٢٥ ـ ابن شاير : من قبيلة عسير.

٢٦ ـ دبان : من عرب القحطان ، التى تعد واحدة من أقوى قبائل الصحراء الشرقية.

٢٧ ـ درب بن العقيدة : واد تسكنه قبيلة الرفيضة الذين ينتمون إلى عسير. ولديهم قوة لا بأس بها من الخيول.

٢٨ ـ درب سلمان : من قبيلة الرفيضة.

٢٩ ـ وكاشة : من عرب العبيدة ، وتقع فى أرض شديدة الخصوبة. اعتبارا من آرين وفى اتجاه الجنوب نجد أن العرب يربون بعضا من الإبل على الجبال ، لكن يكثر عندهم الماعز والأغنام ، والبدو يطلقون على هؤلاء العرب اسم الشواوى ، أو إن شئت فقل : أهل شاه ، أو أهل بل.

٣٠ ـ وادى ياوود : وهو يتبع عرب عبيدة.

٣١ ـ هود ابن زياد : من عرب عبيدة.

٣٢ ـ ثهران : منطقة وسوق من أسواق قبيلة وداع.

٣٣ ـ قراض : تابعة لقبيلة وداع.

٣٤ ـ رغافة : من عرب السّحار.

٣٥ ـ ضحيان : من عرب السحار.

٢٣٩

٣٦ ـ صعدة : من قبيلة السحار. يبدأ الحج القبصى من صعدة ؛ هذا يعنى.أن قافلة الحج تبدأ من هذا المكان ، وهى تسمى بهذا الاسم من قبل أمير أو رئيس الحج ، الذى ينعتونه بالقبصى. يتجمع الحجاج الذين يجيئون من مناطق اليمن الداخلية فى صعدة ؛ وصعدة بلدة كبيرة لكنها عتيقة ومتحللة ، وهى شهيرة فى اليمن السعيد بأنها مسقط رأس يحيى بن حسين ، المؤسس الرئيسى للمذهب الزيدى ، الذى له أتباع كثيرون فى اليمن ، وقد ظهر مؤخرا فى صعدة ولىّ ؛ هذا الولى يدعى السيد أحمد ، والزيدية يجلونه تماما ، ويطلقون عليه اسم ولىّ ، أو قديس حتى يوم أن كان على قيد الحياة. العرب يحكمون صعدة ، وقد امتد النفوذ الوهابى إلى صعدة. ومن صعدة وفى اتجاه صنعاء نجد العرب يسكنون هذه المنطقة ، التى تقع ضمن ممتلكات إمام صنعاء.

٣٧ ـ العاشمية : تابعة لقبيلة سوفيان.

٣٨ ـ سوق من أسواق عرب بكيل.

٣٩ ـ هناك سوق آخر من أسواق القبيلة نفسها. عرب بكيل هم وعرب حاشد الذين فى هذه المنطقة يخدمون ضمن الجيش الخاص بإمام صنعاء ، والكثيرون منهم يذهبون إلى الهند ، ويفضلهم الأمراء المحليون هناك على سائر الجنود الآخرين ، وهذا هو الأمير الهندى تيبو صاحب يستخدم العديدين منهم فى جيشه. وهم عادة ما يبحرون من ميناء شاهر فى حضر موت ، ويقصدون الجزيرات وكتش فى الوقت الراهن.

٤٠ ـ غولت عجيب : وهى تابعة لعرب حاشد.

٤١ ـ ديدة : تابعة لعرب عمران.

٤٢ ـ عيال صراح : من قبيلة همدان.

٤٣ ـ صنعاء : من مكة لصنعاء تقدر المسافة بمسير ثلاثة وأربعين يوما بالخطو البطىء ، وسبب ذلك أن السواد الأعظم من الحجاج يقطعون الرحلة سيرا على الأقدام.

٢٤٠