ترحال في الجزيرة العربية - ج ٢

جون لويس بوركهارت

ترحال في الجزيرة العربية - ج ٢

المؤلف:

جون لويس بوركهارت


المترجم: صبري محمّد حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المركز القومي للترجمة
الطبعة: ١
ISBN: 977-437-388-X
الصفحات: ٢٨٩
الجزء ١ الجزء ٢

الإبل ، وبعد مضى ثلاث عشرة ساعة ، دخلنا أرضا مستوية فى أعلى ذلك الوادى ، وبعدها دخلنا وادى الصفراء ، القريب من القرية التى تحمل الاسم نفسه ، والذى نزلنا فيه طلبا لقسط من الراحة.

اليوم الثالث والعشرون من شهر يناير. نظرا لأن إبلنا كانت متعبة ، لعدم عثورها على شىء من الغذاء على الطريق ، وعلى الرغم من إطلاقها ترعى طوال فترة الصباح كلها ، الأمر الذى جعل الكثير من هذه الإبل تهدد بالانهيار والنفوق ، على الرغم من كل ذلك توقف الجمالة هنا فترة النهار كلها. والصفراء شأنها شأن القرى الأخرى عبارة عن سوق لكل القبائل المحيطة بها ؛ كانت قرية الصفراء مبنية على منحدر الجبل وفى الوادى الضيق ، تاركة بذلك متسعا لبيارات النخيل التى بجانبى القرية. هناك نهير غزير المياه ينساب نازلا إلى الوادى ، ومياه هذا النهير موزعة بين أشجار النخيل ، كما تروى هذه المياه أيضا بعض الحقول المزروعة فى الأجزاء المتسعة من ثنيات والتواءات ذلك الوادى. القمح ، والذرة ، والشعير ، والدخن تزرع فى هذا الوادى ، كما يزرع الناس هنا بعض الخضروات مثل الباذنجان ، والملوخية ، وكذلك البصل والفجل ، كما تكثر فى هذا الوادى أيضا أشجار الكروم ، والليمون وكذلك أشجار الموز. والتربة رملية فى سائر أنحاء هذا الوادى لكن الرى يزيد من خصوبتها ، وقد سقطت على الوادى أمطار غزيرة منذ ثلاثة أيام ، اعتبارا من يوم وجودنا فى هذا الوادى ، وكان لا يزال هناك سيل كبير ينساب عرضه حوالى عشرين قدما وعمقه حوالى ثلاثة أقدام أو أربعة. وتمتد بيارات نخيل التمور حوالى أربعة أميال ، وهذه البيارات مملوكة لسكان قرية صفراء ، هم والبدو المجاورين لهم ، الذين يجعلون البعض منهم ، أو إن شئت فقل : العمال العرب ، مسئولين عن رى هذه الأراضى ، على أن يعودوا هم إلى هذه الأراضى عند ما ينضج محصول التمر. ونخيل التمر ينتقل من شخص إلى آخر على سبيل التجارة ، ويباع بالواحدة ، يزاد على ذلك أن المهر الذى يدفع لولى العروس البكر عند الزواج منها ، يكون على شكل عدد من النخيل. والنخيل ينمو فى الرمال العميقة التى يجرى جمعها من الأجزاء الوسطى من الوادى ، ويجرى تكويم هذه

٨١

الرمال حول جذور النخلة ، ويتعين تجديد تلك الرمال سنويا ؛ نظرا لأن السيول عادة ما تجرف ذلك الرمل فى كل عام. كل بيارة صغيرة من بيارات النخيل تكون محاطة بسور من الطين أو الحجر ، والزراع يسكنون هجرا (قرى صغيرة) متعددة ، أو إن شئت فقل : بيوتا منعزلة ، تنتشر بين النخيل والأشجار ؛ هذه البيوت عادة ما تكون منخفضة وتشتمل دوما على غرفتين ، وفناء صغير للماشية. هذه البساتين فيها كثير من عيون الماء الجارية ، وكثير من الآبار ، والنهير الوحيد هنا ينبع من بيارة قريبة من السوق ، وهناك مسجد صغير مبنى بجوار هذا النبع ، المظلل بعدد صغير من أشجار الكستناء بنية اللون. وأنا لم أر غير هذه الأشجار فى الحجاز ، يزاد على ذلك أن ماء النبع كان مالحا لكنه أقل ملوحة من ماء كل من خوليس ورابغ.

سكان هذا الوادى ، الذى يذيع اسمه فى سائر أنحاء الحجاز لوفرة تموره ، هم من قبيلة بنى سالم ، أكثر فروع قبيلة حرب عددا من ناحية السكان ، وهم شأنهم شأن غالبية قبائل الحجاز ، جزء منهم من البدو والجزء الآخر من السكان المستقرين ؛ هؤلاء السكان المستقرين يبقون فى منازلهم وبساتينهم طوال العام ، على الرغم من أنهم يلبسون لباس إخوانهم الذين يعيشون فى الخيام ويحيون حياتهم. كان الرئيس الوهابى على علم بأهمية هذه المحطة ، وبعد أن نجح الرجل بعد طول عناء فى كسر شوكة بنى حرب ، الذين كانوا يمتلكون مفتاح شمال الحجاز (*) ، أحس أن من الضرورى تركيز انتباهه واهتمامه على هذا الوادى ، ولذلك بنى الوهابيون دشما ، أو إن شئت فقل أبراجا متعددة هناك وجعل جباة متحصلاته يقيمون فى تلك الأبراج ، كما كانوا يحتفظون فى هذه الأبراج بالضرائب التى يجبونها من الوادى. هؤلاء البدو جميعهم كانوا على عداء مع النظام الوهابى ، وعلى الرغم من تخلصهم من نير الوهابيين حاليا

__________________

(*) ساعده المضيّان فى هذا العمل ، وكان المضيان هذا من قبل شيخا لقبيلة حرب ، وقد حرمه الجيزى ، أحد منافسيه من هذا المنصب ، وقد جرى بعد ذلك إلقاء القبض بطريق الغدر على المضيّان بواسطة الأتراك فى المدينة (المنورة) ، وجرى إعدامه فى القسطنطينية ، وقام محافظ المدينة المنورة التركى بقتل الجيزى ، أحد أصدقاء محمد على باشا ، عند ما راح يتباهى بخدماته التى قدمها للأتراك.

٨٢

فإنهم يرمونهم بكثير من التوبيخ والتأنيب ، مثلما يمتدحهم أهل مكة. قبل مجىء الوهابيين لم يكن بنو حرب يعرفون سيدا لهم ، ولم يحدث أن فرض على ما تنتجه أراضيهم أى نوع من أنواع الضرائب ، والمؤكد أن شريف مكة كانت له سيادة اسمية على بنى حرب ، لكن واقع الأمر أن بنى حرب كانوا مستقلين استقلالا تاما ، كما أن شيوخهم كانوا يساندون ويؤيدون آراء الشريف ما دامت تلك الآراء فى مصلحتهم ولفائدتهم ، أوتعود بالخير على بنى حرب. بنو حرب يشكون حاليا من الضرائب الباهظة التى يفرضها عليهم الوهابيون ، ويقولون إنهم ، علاوة على النقود التى يضطرون إلى دفعها لخزانة سعود ، فإن شيخ شيوخ الوهابيين فى الحجاز ، والمدعو عثمان المضايفة ، يقوم هو الآخر بتحصيل مبالغ أخرى إضافية كبيرة منهم. وأنا أشك فى صدق هذه المعلومة ؛ لأنى أعلم أن الرئيس الوهابى كان يهتم بصورة خاصة بمنع قيام موظفيه بمثل هذه الأعمال الظالمة ، كما كان يعاقب كل من يرتكب هذه الأعمال.أبلغونى أيضا أن الوهابيين لم يفرضوا ضرائب على البساتين والمزارع وحدها ، وإنما فرضوا أيضا ضريبة على الماء المستخدم فى رى هذه المزارع والبساتين ، وكانت هذه الضريبة تدفع كل عام.

لباس أهل قرية الصفراء مكون من قميص ، وسروال من الخام الهندى الخشن الملون ، ومن فوق ذلك يلبسون عباءة من قماش خفيف ، هى من النوع نفسه الذى يلبسه البدو فى منطقة الفرات ، بالقرب من حلب ، كما تشبه أيضا اللباس الذى يرتديه بنو حرب كلهم ، وبخاصة أولئك الذين استقروا منهم ، هذا فى الوقت الذى يرتدى فيه بدو القبيلة عباءة بنية اللون مقلّمة بأقلام بيضاء. الأرباح التى يجنيها بنو حرب من مرور القوافل من ناحية ، ومن المعاملات الصغيرة التى يقومون بها : يبدو أنها كان لها تأثير سيئ على طبيعة بنى حرب ؛ والسبب فى ذلك أن بنى حرب يغشون ويخدعون كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا ، ومع ذلك فإنهم ليسوا محرومين من المواساة أو الكرم مع الفقراء من الحجاج ، الذين يحاولون أثناء مرورهم عبر أراضيهم ، الحصول من دكاكين بنى حرب على القسم الأكبر من احتياجاتهم الغذائية اليومية. التقينا هنا عددا كبيرا من الحجاج الفقراء الذين كانوا فى طريقهم إلى المدينة (المنورة) ، ولم يكن معهم

٨٣

ما يقيم أودهم سوى ذلك الذى كان يحصلون عليه من كرم البدو على الطريق. لم تكن هذه أول مرة أتأمل فيها الإساءة إلى كرم الخلفاء والسلاطين العظام السابقين ، وبخاصة أن هؤلاء الخلفاء والسلاطين أثروا كلا من مكة والمدينة (المنورة) ، وأنفقوا مبالغ باهظة من أجل مرور قوافل الحج الكبيرة عبر الأراضى المقدسة ، ولكنهم أهملوا تماما مسألة توفير الراحة والأمن لعدد كبير من فقراء الحجاج الذين يترحلون بصورة مستمرة فى سائر أنحاء البلاد. لو أنشأوا ستة منازل من منازل الخير والإحسان فى المسافة ما بين مكة والمدينة ، وخصصوا لها هبة سنوية تقدر ببضعة آلاف من الدولارات ، لجاء ذلك بمثابة خدمة واقعية لمسألة الدين ، وذلك على العكس من المبالغ الكبيرة التى ينفقونها على إطعام العاطلين ، أو فى المظاهر الاستعراضية. هذا الطريق الممتد فيما بين مكة والمدينة (المنورة) لا يوجد به خان (لوكاندة) ، ولم يفعلوا شيئا من أجل إراحة المسافرين ، اللهم باستثناء مسألة ترميم الآبار وصيانتها. والشىء الوحيد الذى يعد من أعمال الإحسان من بين أعمال الملوك الذين أثروا مكة (المكرمة) ، والذى سجله المؤرخون ، يتمثل فى إنشاء مستشفى فى مكة فى عام ٦١٨ ه‍ ، وذلك بناء على أمر من المؤيد ، سلطان مصر. ولا أثر لذلك المستشفى فى الوقت الحاضر.

فى شارع السوق فى قرية الصفراء ، والذى يطلقون عليه اسم سوق الصفراء ، تعد التمور هى السلعة الوحيدة المعروضة للبيع ، ورطل التمر الذى يباع فى مكة بخمس وعشرين بارة ، يباع هنا بعشر بارات فى سوق الصفراء. عسل النحل المعبأ فى قراب مصنوعة من جلود الأغنام ، يشكل سلعة أخرى من السلع التى تباع فى هذا السوق ، يزاد على ذلك أن الجبال المجاورة عامرة بخلايا النحل. فى هذه المناطق التى تشتهر بتردد النحل عليها ، يقوم البدو بوضع خلايا من الخشب على الأرض ، ولكن النحل يندر أن يخطئ هذه الخلايا. والعسل هنا من أجود الأنواع ، وقد شاهدت صنفا من هذا العسل كان أبيض ورائقا وشفافا كما لو كان ماء. العقاقير والتوابل ، وكذلك بعض العطور ، التى يغرم بها بدو هذه المناطق ، يمكن أيضا شراؤها من سوق الصفراء.

٨٤

قرية الصفراء ، وقرية بدر هما القريتان أو بالأحرى المكانان الوحيدان فى الحجاز اللذان يمكن فيهما الحصول على بلسم مكة ، أو إن شئت فقل : البلسان ، بحاله النقية والشجرة التى يجرى منها الحصول على هذا البلسم ، تنمو فى الجبال المجاورة لهذين المكانين ، وبخاصة فوق جبل صبح ، وهم يطلقون على هذا البلسم هنا اسم بشيم العرب. قيل لى إن ارتفاع هذه الشجرة يتردد بين عشرة أقدام وخمسة عشر قدما ، وإن ساقها ناعم ، ولحاءها رقيق. فى منتصف الصيف ، يجرى إحداث خدوش صغيرة فى ذلك اللحاء ، ويجرى جمع العصارة التى تنتج عن ذلك باستعمال ظفر الإصبع الإبهام ، ويجرى وضعها فى وعاء ، ويبدو أن هذا النوع من الصمغ عبارة عن صنفين ؛ صنف منهما أبيض ، والصنف الثانى لونه خليط من البياض والصفرة ، والصنف الأول هو الأعلى قيمة ، وقد شاهدت هنا بعضا من هذا الصنف الثانى من البلسم ، موضوعا فى قربة صغيرة مصنوعة من جلد الغنم ، يستخدمها البدو فى جلب ذلك البلسم إلى السوق ؛ والبلسم له رائحة نفاذة مثل رائحة زيت الترابنتينا ، إضافة إلى أن له طعما لاذعا ، وأهل الصفراء عادة ما يغشون البلسم بخلطه بزيت السمسم ، والزفت ، وعند ما يختبرون نقاء البلسم ، يغمسون إصبعا فيه ثم يحاولون إشعال النار فى ذلك السائل ، وإذا ما اشتعل ذلك البلسم واحترق دون أن يترك أثرا فى الإصبع ، قالوا إنه من نوعية ممتازة ، أما إذا ترتب على ذلك إحراق الإصبع ، قالوا إنه مغشوش. وأنا أذكر أنى قرأت فى أسفار بروس ، عن طريقة لاختبار نوعية البلسم ، وذلك عن طريق إسقاط قطرة من البلسم فى كوب ملىء بالماء ، والنوع الجيد من البلسم ينزل إلى قاع الكوب ، أما النوع الردىء فيذوب فى الماء ويطفو على السطح. أجريت هذه التجربة التى لم تكن معروفة للناس هنا ، واكتشفت أن القطرة طفت فوق سطح الماء ، أجريت أيضا تجربتم على إصبع واحد من البدو ، الذى ندم على تهوره وطيشه. وهنا اعتبرت البلسم الذى يبيعه الناس هنا مغشوشا ؛ كانت كثافة البلسم هنا أقل من كثافة عسل النحل. كنت أود شراء شىء من هذا البلسم ، لكن لا لغتى ولا دكاكين الصفراء أسعفانى فى الحصول على قارورة أضع فيها ذلك الشىء من البلسم ، يضاف إلى ذلك أن القربة الكاملة كانت غالية الثمن علىّ ، والبدو الذين يجلبون البلسم إلى هذا المكان ،

٨٥

عادة ما يطلبون دولارين أو ثلاثة دولارات ثمنا للرطل الواحد من هذا البلسم ، إذا ما كان نقيا ، ويقوم أهل الصفراء ببيع البلسم مرة ثانية لحجاج القافلة الكبيرة بسعر يتردد بين ثمانية دولارات واثنى عشر دولارا للرطل الواحد من البلسم المغشوش. والفرس هم الذين يشترون ذلك البلسم.

البلسم (البلسان) الذى يباع فى كل من جدة ومكة ، اللتان يجلب منهما إلى القاهرة ، يجرى غشه مرات عدة ، وإذا لم يفلح أحد الحجاج فى العثور على بعض البدو الذين يشترى منهم هذا البلسان مباشرة ، ضاع أمله وتبدد فى الحصول على البلسم النقى. طبقات الحجاج الأثرياء ، يضعون قطرة من البلسم فى أول فنجال قهوة يشربونه فى الصباح اعتقادا منهم أن هذا البلسم من المقويات أو المنشطات. وبذور الشجرة التى يحصل الناس منها على البلسم ، يستعملها الناس فى الحجاز لإحداث الإجهاض عند النساء.

تجب الإشارة هنا ، إلى عرف خاص بمسألة الدية ، فى قبيلة بنى سالم ؛ والدية هى الغرامة التى تدفع لأهل القتيل (وقد تصل هنا إلى حوالى ثمانمائة دولار) ، وتقبلها أسرة القتيل ، والذى يدفع هذه الدية هو القاتل وأسرته ، وأقاربه ، والقاتل شخصيا يدفع ثلث الدية ، أما الأقارب فيدفعون الثلثين ، وهذا الإجراء على حد علمى لا يسرى فى أى مكان آخر فى الصحراء.

جرت مشادة طويلة بين مرشدينا من البدو وأهل الملايو المرافقين لنا ؛ كان المرشدون قد دخلوا لشراء جملين من السوق ، ليحلا محل جملين آخرين لا يصلحان لمواصلة الرحلة ، ولكن نظرا لعدم وجود نقود كافية لشراء الجملين ، فقد طلبوا من أهل الملايو تقديم يد العون والمساعدة فى هذا الشأن ، ورجوهم أن يقرضوهم عشرة دولارات يتم سدادها عند الوصول إلى المدينة (المنورة) ، ورفض أهل الملايو تقديم هذه المساعدة ، ونظرا للضغط عليهم والإلحاح الشديد طلبوا منى التوسط لصالحهم ، لكن البدو أخذوا المبلغ منهم غصبا بالطريقة التى سبق أن لجأت إليها أنا فى مناسبة سابقة ، وهنا ظهر كيس نقود ذلك الجاوى الذى كان يخبئه فى كيس من أكياس الأرز ،

٨٦

يحتمل أن يحتوى ذلك الكيس على ما يقرب من ثلاثمائة دولار. تخوف صاحب ذلك الكيس من هذا الاكتشاف ، كما تخوف أيضا من أن يقتله العرب على الطريق طمعا فى ذلك الكيس ، ولذلك ومن باب عقابه على بخله ، عمل البدو على إزعاجه بصورة مستمرة إلى أن وصلنا المدينة (المنورة).

اليوم الرابع والعشرون من شهر يناير. غادرنا سوق الصفراء (*) عند الساعة الثالثة مساء ، وسرنا فى الوادى ، الذى بدأ يتسع فى المنطقة الواقعة خلف السوق. خضرة النخيل والمزارع تتناقض تناقضا تاما وفريدا مع الجبال الجرداء التى على الجانبين. كان اتجاهنا شمال ١٠ شرق. اكتشفت هنا أن الصخر فى سائر أنحاء المنطقة مكون من صخور الثون حمراء اللون ، وتتخللها طبقات من الصخر نفسه ولكنه أخضر اللون ، وخلف قرية الجديدة التى تقع على ارتفاع قليل ، اكتشفت عند عودتى من المدينة المنورة نوعا من صخور ، وعلى بعد مسير ساعة واحدة من السوق ، مررنا بقرية مشابهة للجديدة تدعى الخرمة ، التى تندرج ضمن وادى الصفراء. وبعد مضى ساعتين وصلنا إلى أنقاض عين ماء عامة (سبيل) ، بالقرب من بئر شبه مملوءة بالماء. الوادى ينقسم فى هذه المنطقة إلى قسمين : أحدهما يسير فى الاتجاه الشمالى الغربى ، أما القسم الثانى الذى سرنا فيه ، فيتجه صوب أقصى الشمال الشرقى ، وبعد مضى ساعتين ونصف الساعة مررنا بكفر صغير يطلقون عليه اسم الدار الحمراء ، وفيه بساتين النخيل والمزارع ، التى يسكنها الحواسب ، الذين هم فرع من قبيلة حرب ، وفى هذه المنطقة بنى الناس أبراجا صغيرة متعددة للمراقبة ، فوق قمم الجبال المجاورة ، على جانبى الوادى ، بأوامر من عثمان المضايفة ، مستهدفا بذلك تأمين هذا الشّعب. عرضوا علينا كثيرا من الموز أثناء مرورنا خلال ذلك الوادى ، وبعد مضى ساعتين وثلاثة أرباع الساعة ، يبدأ الطريق فى الصعود ،

__________________

(*) مر أثناء الليل ، مراسل بريدى كردى ، راكبا ناقة ، وبصحبته بدو عدة. مر هذا المراسل البريدى بقرية الصفراء ، كان الرجل قادما من مركز رئاسة محمد على ، وكان يحمل معلومات استخباراتية عن الاستيلاء على تربة ، إلى طوسون باشا فى المدينة (المنورة).

٨٧

وتتحول التربة التى كانت من قبيل الصفراء ومكونة من الزلط والرمل إلى تربة صخرية ، وبعد مضى أربع ساعات وربع الساعة تجاوزنا القرية التى يسمونها موقد ، التى تنتج التمر هى الأخرى.

توقفنا فى موقد مدة ربع ساعة ، حيث أحاط بنا عدد كبير من السكان ، وعند ما ركبت جملى ، اكتشفت نشل بعض الأشياء البسيطة من أمتعتى. هذا المنحدر يخشاه الحجاج ويخافونه بصفة خاصة ، ويروى الناس قصصا عن سرقات يرتكبها العرب ، ويكاد العقل لا يصدق هذه القصص. العرب هنا يرتدون فى بعض الأحيان ، زى الجنود الأتراك ويقدمون أنفسهم للقافلة أثناء سيرها فى الليل ، وبهذه الطريقة استطاعوا ، فى العام الماضى ، سرقة واحد من أفضل خيول باشا دمشق ، الذى كان يقود القافلة السورية. جرت العادة أن يهجم هؤلاء العرب من الخلف على جمل الحاج النائم ، ويقفلون فمه باستعمال العباءة ، ويلقون لزملائهم من فوق ظهر الجمل ، الأشياء القيمة. وإذا ما اكتشف أمرهم فإنهم يخرجون خناجرهم ، ويستلونها ويشقون طريقا لأنفسهم عنوة ؛ وسبب ذلك أنهم إذا ما ألقى القبض عليهم فسوف يحاسبون حسابا عسيرا. والعقاب المعتاد فى مثل هذه الحالات ، هو الموت على الخازوق ، ويكون ذلك بدء تحرك القافلة إلى المحطة التالية ، مخلفينهم وراءهم يلقون حتفهم على الخازوق ، أو تأكلهم الحيوانات الضارية. ومع ذلك ، فإن هذا العقاب المروّع لا يمنع الآخرين من ارتكاب الجرائم نفسها ؛ ولذلك نرى الأفراد من بين البدو يتباهون بأنهم شهيرون وخبراء فى سرقة الحجاج ؛ نظرا لأن الشخصية التى من هذا القبيل تكون بحاجة إلى قدر عال من الشجاعة والمهارة. واعتبارا من هذه المنطقة يبدأ طريقنا فى الاتجاه شمال ٢٠ شرق. فى هذه المنطقة يبدأ واد قاحل أجرد عرضه حوالى ثلاثمائة ياردة ، استسلمنا بعد مسير دام ست ساعات ونصف الساعة ، أمضيناها فى كثير من الانحناءات إلى أن وصلنا قرية الجديدة ، التى تقع فى نقطة يستقيم الطريق عندها ويبدأ فى الصعود المنحدر انحدارا شديدا. شاهدت عددا كبيرا من النخيل على جانبى الوادى ، الذى يحمل اسم وادى الجديدة ، وينقسم إلى قرى عدة. سوق الجديدة يوجد بالقرب من المدخل الجنوبى ، وهذا السوق أكبر بكثير من سوق الصفراء ، لكنه يكاد

٨٨

يكون خربا فى هذه الأيام. واعتبارا من هذه النقطة يبدأ الوادى فى الضيق ، ممتدا بين صخور منحدرة مسافة مسير حوالى ربع ساعة. فى هذا المكان جرت هزيمة حملة محمد على باشا فى عام ١٨١١ م ، التى جردها ولده طوسون بك على الوهابيين. كان الوهابيون يسيطرون على الجبال من الجانبين ، ولذلك كانت طلقات البنادق تمر عبر الوادى من الجانبين ، عند ما كان الجيش التركى يحاول دون جدوى ، اجتياز ذلك المجاز. حضر هذه المعركة القسم الأكبر من شيوخ قبيلة حرب ، والشيخان الوهابيان الجنوبيان : عثمان المضايفة وتامى ، ومعهم اثنان من أولاد سعود.

عند الساعة السابعة والنصف ، أو بالأحرى بعد مرور سبع ساعات ونصف الساعة ، تجاوزنا قرية الخيف ، آخر قرى منطقة الجديدة ، وهنا شاهدنا أيضا منازل عدة منعزلة عن بعضها ، مبعثرة على طول الوادى. كان فى المنطقة حوالى ثمانون خيمة من خيام الجنود الأتراك ، وكان الهدف من هذه الخيام هو حراسة هذا الممر الذى يعد من أهم المواقع فى الحجاز ؛ لأنه الطريق الوحيد الذى تتمكن القوافل ، عن طريقه ، من الوصول قادمة من مكة أو ينبع إلى المدينة (المنورة). وقبيلة حرب جاهزة ، بحكم استعدادها للحرب ، للدفاع عن هذا الموقع. وحتى قبل الغزو الوهابى كانت قبيلة حرب تدخل بصورة مستمرة فى حرب مع القافلة السورية ، بل إن باشا الشام (الجزار باشا) جرى رفض مروره مرات عدة من هذا الموقع ، وأجبر على أن يسلك طريق الحج الشرقى ، الذى يقع خلف سلسلة الجبال الكبيرة ، بدلا من الخضوع لمطالب بنى حرب حتى يمكنه المرور عبر أراضيهم. يضاف إلى ذلك أن عبد الله باشا ، الذى قاد وترأس قافلة الحج شخصيا ثمانى عشرة مرة إلى مكة ، اضطر إلى أن يسلك أيضا الطريق الشرقى بدلا من الخضوع لمطالب بنى حرب. وبنو حرب عند ما يكونون على ود مع القافلة ، يصبح من حقهم الحصول على ضريبة مرور كبيرة يجرى تحصيلها فى منطقة الجديدة.

تبدت لى صفراء أفضل من الناحية السكانية عن الجديدة ، كما أن منازلها كانت أيضا أكثر عددا من منازل الجديدة. وأنا عند ما أتحدث عن هذا الممر (الشّعب) ،

٨٩

أجد أن العرب عادة ما يجمعون بين الاسمين ويقولون : «وادى الصفراء والجديدة». هذا الوادى يتسع فى المنطقة الواقعة خلف الخيف ، ويشكل عددا كبيرا من الانحناءات. كانت قافلتنا فى خوف مستمر من اللصوص ، الأمر الذى يجعلنا نصحو الليل بطوله ، على الرغم من أن برودة الجو الشديدة كانت تحول بيننا وبين النوم. كان اتجاهنا بدءا من الخيف ، صوب شمال ٤٠ شرق. وعند الساعة الثانية عشرة ، وبعد أن بدأنا الصعود خلال الوادى ، دخلنا سهلا ، يقع وسط الجبال ، طوله حوالى عشرة أميال ، ويطلقون عليه اسم النازية ، ونزلنا فى ذلك السهل طلبا لقسط من الراحة.

اليوم الخامس والعشرون من شهر يناير. بقينا مخيمين فى سهل النازية طوال النهار ، كان بعض المسافرين قد أعلمونا عن وقوع بعض الاضطرابات على الطريق الذى ننتوى السير فيه ، والتى لم نكتشف كذبها وعدم صدقها إلا فى اليوم التالى. الصخور المحيطة بهذا السهل جرانيتية فى بعض أجزائها ومن الحجر الجيرى فى أجزائها الأخرى ، وهذا السهل عليه غطاء كثيف من أشجار السنط. والماء الجيد موجود على جانب الجبال ولكنه ليس موجودا فى السهل نفسه. كان بنو سالم الذين ينتمى إليهم سكان الجديدة يرعون قطعانهم فى هذا السهل ، كان الناس مشغولين هنا بجمع العلف اللازم لإبلهم والذى يحصلون عليه من أشجار السنط ، ومن أجل هذا الغرض كان الناس يفردون حصيرا من القش تحت الشجرة ويروحون يضربون أغصانها بعصى طويلة ، مما يسفر عن سقوط الأوراق الغضة الطرية من أعراف الأغصان ، هذه الأوراق تعد من أفضل الأعلاف التى تقدم للإبل. رأيت هذه الأوراق تباع فى سوق الصفراء باستعمال المكيال. تبادلنا مع سكان السهل البسكويت نظير شىء من الحليب ، وقد أعطانى أحد البدو شيئا من الزبد الطازج مقابل جرعة صغيرة من الدواء أعطيته إياها.

اليوم السادس والعشرون من شهر يناير. بدأنا سيرنا عند الساعة الثامنة مساء ، وبعد مسير ساعة ونصف الساعة وصلنا إلى الجبل. يصل عرض ذلك السهل حوالى ستة أميال. ودخلنا منطقة ذلك الجبل من الاتجاه شمال ٥٠ شرق. فى هذا السهل

٩٠

لا تشكل الصخور المختلطة المكونة من الجرانيت والحجر الجيرى أية طبقات منتظمة. مررنا بعد ذلك عبر منحدر قصير ، وبعد مضى ساعتين ونصف الساعة ، دخلنا سهلا صغيرا يطلقون عليه اسم شعب الحال ، ويقع بين الجبال ، التى كان فيها مخيمات بدوية عدة. وبعد مضى خمس ساعات ، دخلنا واديا واسعا ، يمتد على شكل خط مستقيم ، ويغطيه الرمل الأبيض. كان الليل باردا ، وكان القمر ساطعا سطوعا جميلا ، وهنا تقدمت للسير فى مقدمة القافلة ، التى كانت بطيئة الخطى ، وسرعان ما وجدتنى أتقدم دون أن أستشعر ذلك التقدم ، إلى أن وجدت نفسى على بعد مسافة كبيرة من القافلة ، وعند ما وجدت أن القافلة لم تظهر بعد ، جلست أرضا تحت شجرة من الأشجار ، وكنت على وشك شب النار ، عند ما بدأت تتناهى إلىّ أصوات أقدام الخيول المقبلة علىّ. ظللت مختبئا خلف الشجرة ، وسرعان ما رأيت بعض البدو يمرون علىّ ومظهرهم يوحى بكثير من الشك. بعد أن انتظرت القافلة فترة طويلة ، ومع عجزى عن تعليل تأخرها ، تراجعت قليلا ووجدت الإبل واقفة تنال قسطا من الراحة ، ووجدت كل من كانوا على ظهور هذه الإبل نيام على الأرض ، أما المسافرون سيرا على الأقدام فكانوا لم يصلوا بعد إلى المحطة. حدث ذلك لنا مرات عدة طوال الرحلة. ذلك أن الجمل لم يسمع أصوات من حوله ، وإذا لم يستحثه الجمال ، فإنه يبطئ الخطى ، ثم يتوقف فى النهاية طلبا للراحة ، وإذا ما توقف الجمل القائد فجأة ، فعلت بقية الإبل الشىء نفسه. أيقظت العرب وواصلنا المسير. فى اليوم التالى ، علمنا أن بعض المسافرين جرى سلبهم ونهبهم على الطريق فى تلك الليلة ـ وكانت هذه الأخبار من أولئك الخيالة الذين مروا بى ، والذين تفرقوا عند ما شاهدوا قافلة كبيرة قادمة.

الناس يسمون الوادى الذى كنا نسير فيه باسم وادى الشهداء ؛ إذ يقال إن عددا كبيرا من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم سقطوا قتلى فى المعارك ؛ رفات هؤلاء الشهداء مغطى بأكوام من الحجارة فى أجزاء مختلفة من الوادى. كما نشاهد هنا أيضا مقابر عدة لبعض الحجاج ، كما لاحظت أيضا بعض الجدران المتهدمة ، التى تدل على مسجد قديم ، المكان هنا ليس فيه ماء. هذه محطة من محطات قافلة الحج. بعد مضى تسع ساعات خرجنا من هذا الوادى ، الذى يقع على مطلع هين لين ، ثم اتجهنا بعد ذلك

٩١

فى الاتجاه شرق شمال شرق ، وعبرنا أرضا صخرية ، ثم دخلنا سهلا واسعا يسمونه الفريش ، حيث مرت علينا فى هذا المكان قافلتان صغيرتان قادمتان من المدينة (المنورة) قاصدتان ينبع ، وبعد مضى إحدى عشرة ساعة ونصف الساعة توقفنا لنيل قسط من الراحة.

سهل الفريش على حد قول المؤرخ العصمى ، كان مسرحا لمعركة دموية فاصلة بين شريف مكة وقبيلتى ظافر وعنيزة فى عام ١٠٣٦ ه‍. كانت قبيلة ظافر ، المستقرة حاليا فى بلاد الرافدين ، فى اتجاه بغداد ، كانت ترعى قطعانها فى المنطقة المجاورة للمدينة (المنورة).

اليوم السابع والعشرون من شهر يناير. الصخور فى هذه المنطقة كلها من الجرانيت الأحمر. ومرت علينا جماعة بدوية مكونة من نساء وأطفال ومعهم أيضا خيام ؛ هذه الجماعة البدوية تنتمى إلى قبيلة حرب ، فرع الحميدة ، وكانوا قد تركوا المنطقة العالية نظرا لعدم سقوط الأمطار ، وراحوا يبحثون عن مراع فى الجبال المنخفضة. وبينما كنا مخيمين هبت علينا عاصفة هوجاء ، فيها رعد وبرق ، وانهمر المطر على إثرها ، ولما كانت تلك العاصفة قد أنذرتنا بطول وقتها ، ونظرا أيضا لأننا لم تكن معنا خيام ، فقد وجدنا أن من الأفضل لنا مواصلة السير. استأنفنا مسيرنا بعد الظهر ، واستمر المطر فى السقوط طوال بقية اليوم والليل بكامله ، وتضافر ذلك مع المناخ البارد فى هذه المناطق المرتفعة ، الأمر الذى جعلنا جميعا نستشعر ذلك البرد القارس. مر طريقنا صاعدا عبر وديان صخرية عامرة بالأشجار الشوكية ، هذا الوادى عبرته سيول عدة سرعان ما تشرّبها ، الأمر الذى جعلنا نعانى بعض المصاعب فى عبور هذا الوادى. بعد مسير ست ساعات وصلنا قمة هذه السلسلة الجبلية ، وعند ما تبدى أمامنا السهل الشرقى الواسع ، مررنا بالعديد من التلال المنعزلة. الأرض هنا مغطاة بالصوان البنى والصوان أسود اللون. وبعد مرور تسع ساعات قطعنا مسافة فى الناحية الغربية من مزارع النخيل ، وحول المنازل القليلة المبنية والتى يسمونها بير على. وبعد مضى عشر ساعات ، وعند منتصف الليل ، وبعد أن صفت السماء ، وبعد أن زال الصقيع والمطر ، وصلنا أمام بوابة المدينة (المنورة). كانت البوابة مغلقة ، وتعين

٩٢

علينا الانتظار لحين طلوع النهار ، وبذلك تنفتح البوابة. ونظرا لعجزى عن شب نار على الأرض فى حطب مبتل ، ونظرا أيضا لأننا جميعا كنا منقوعين فى ماء المطر ؛ فقد تسبب صقيع النهار فى زيادة آلامنا ومتاعبنا ، وربما كان ذلك هو السبب الرئيسى وراء إصابتى بالحمى التى ألمت بى فى هذا البلد ، والمعروف أنى كنت أتمتع بصحة جيدة طوال الرحلة.

دخلنا المدينة (المنورة) عند شروق الشمس فى اليوم الثامن والعشرين من شهر يناير ، أى بعد ثلاثة عشر يوما من مغادرة مكة ، توقفنا منها يومين على الطريق. معروف أن قافلة الحج تقطع هذه الرحلة فى أحد عشر يوما ، وإذا ما كانت متعجلة فإنها تقطعها فى عشرة أيام.

البدو يطلقون على المنطقة الواقعة بين مكة (المكرمة) والمدينة (المنورة) ، فى الناحية الغربية من الجبال ، اسم الجحفه ، الذى يعنى فى بعض الأحيان المنطقة الممتدة من مكة إلى بدر فقط.

المدينة (المنورة)

توقفت القافلة فى فناء كبير فى الضاحية التى يجرى فيها تنزيل الأحمال عن الإبل ، وفى الحال تفرق المسافرون مع هذه القافلة بحثا عن مساكن يقيمون فيها. وبعون من المزوّر ، الذين هم طائفة من الرجال المحترفين ، شأنهم شأن الأدلاء فى مكة ، عثرت بعد شىء من التعب ، على سكن طيب فى شارع السوق الرئيسى فى المدينة ، وكان ذلك السكن يبعد حوالى خمسين ياردة عن المسجد النبوى. نقلت متعلقاتى إلى ذلك السكن ، الذى زارنى فيه المزوّر ، لكى يطلب منى زيارة الحرم النبوى وقبر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهنا فى المدينة المنورة ، كما فى مكة المكرمة يتعين على المسافر الذى يصل إلى المدينة المنورة القيام بهذه الزيارة ، قبل القيام بأى عمل من الأعمال.

المناسك هنا فى المدينة (المنورة) أسهل وأقصر منها فى مكة ، كما سيتضح لنا حالا. خلال ربع ساعة فقط تمكنت من القيام بكل هذه المناسك ، وبعدها أصبحت حرا

٩٣

فى العودة إلى المنزل لترتيب أمورى المنزلية. ساعدنى المزوّر فى شراء بعض المؤن والتموينات ، التى لم نحصل عليها بسهولة ؛ كان طوسون باشا ، حاكم المدينة (المنورة) قد قام بطرد البدو والجمّالة الذين اعتادوا نقل المؤن والتموينات. هذا يعنى أن الدقيق والزبد ، هاتان السلعتان الضروريتان فى كل مطبخ من المطابخ الشرقية ، كان لا بد من شرائهما قبل غروب الشمس ، على الرغم من عدم وجود هاتين السلعتين فى السوق العامة ، لكنى لم أستطع الحصول على الفحم النباتى إلا بعد ثلاثة أيام ، وبخاصة أن أهمية الفحم ظهرت واضحة جلية وأحسها الجميع خلال هذا الفصل البارد من العام. وعند ما بلغنى أن يحيى أفندى ، طبيب طوسون باشا ، هو الشخص نفسه الذى سبق أن أخذ فى شهر يوليو الماضى كمبيالتى المالية فى جدة ، كان موجودا فى المدينة (المنورة) ، سارعت إلى زيارته فى اليوم التالى ، وأطلعته على رسالة تسلمتها فى مكة ـ قبل مغادرتى إياها إلى المدينة المنورة ـ من البنك الذى أتعامل معه فى القاهرة ، تفيد سداد مبلغ الكمبيالة ، التى لم تصل أية أخبار عنها إلى يحيى أفندى نفسه. كانت معرفتى بيحيى أفندى مفيدة لى تماما فى تلك المناسبة ، فقد أفادتنى فيما أنا فيه حاليا. فى الزيارة التى زارنى إياها عقب زيارتى له مباشرة ، ألقى الرجل نظرة على مجموعة الأدوية الصغيرة التى كانت فى حوزتى ، وهى الأدوية نفسها التى حملتها معى فى رحلتى فى بلاد النوبة ، والتى لم أستخدم أى شىء منها خلال هذه الرحلة ، وأنا لم أستعمل من هذه سوى بعض المطهرات عند ما كنت فى جدة ومكة ؛ هذا يعنى أنى كان معى نصف رطل من لحاء الشجر ضمن أدويتى. فى ذلك الوقت كان هناك عدد كبير من رجال الباشا مصابين بالحمى ، يضاف إلى ذلك أن طوسون باشا نفسه كان بحال صحى لا يحسد عليه ، ولم يكن لدى طبيبه أدوية تكفى سوى عدد قليل جدا من هذه الحالات. رجانى الطبيب أن يأخذ اللحاء ، الذى أعطيته إياه لأنى كنت فى صحة جيدة ، واعتقدت أنى قريب جدا من القاهرة (مصر) التى كنت آمل الوصول إليها فى غضون شهرين. أنا حقيقة مدين ليحيى أفندى ببعض الأشياء الأخرى ، وكنت سعيدا لأنى استطعت التعبير له عن شكرى وامتنانى. بعد يومين ندمت على مسألة الكرم هذه ؛ لأن الحمى داهمتنى ، سرعان ما تحولت بعد ذلك إلى شىء خطير ، ونظرا لأن هذه الحمى كانت متقطعة ، فقد تمنيت لو أنى تعاطيت دواء اللحاء ، لكنى

٩٤

عند ما طلبت من يحيى أفندى شيئا من ذلك اللحاء ، أفادنى بأنه كان قد وزع آخر جرعة منه ، وأحضر لى بدلا من اللحاء بعض مسحوق الجنتيانا ، التى فقدت مفعولها منذ زمن طويل. تزايدت الحمى التى كنت أعانى منها ، وأصبحت مصحوبة بقىء فى الصباح وفى المساء ، وعرق شديد ، وعلى امتداد شهر كامل كان حالى سيئا. ثبت أن الأدوية التى أخذتها كانت عديمة الجدوى ، وبعد أن بدأت فى تناول الأدوية الأخرى ، نظرا لعدم وجود اللحاء ، التى كنت أحسب أنها تفيد فى علاج حالتى ، ونظرا أيضا لأن يحيى أفندى لم يكن يزورنى إلا نادرا ، نظرا لكل ذلك تركت مرضى للطبيعة. بعد الشهر الأول ، كانت هناك راحة مدتها أسبوع ، لو تمكنت خلاله من تعاطى دواء اللحاء لتغلبت على اضطراباتى بلا أدنى شك ، لكن الحمى انحسرت لتعاودنى على نحو أشد مما كانت عليه ، وتحولت إلى نوع جديد من الحمى مع استمرار القىء ، وأصبح القىء مصحوبا بالإغماء فى بعض الأحيان وانتهى الأمر بأن خارت قواى تماما. وهنا أصبحت غير قادر على الحركة أو النهوض من فوق السجادة ، دون أن يساعدنى عبدى (خادمى) ، الذى تعود بحكم طبيعته على الاهتمام بالإبل والأشياء التى من هذا القبيل ، بدلا من الاهتمام بإنسان أو سيده المريض.

كنت فى ذلك الوقت قد فقدت كل أمل فى العودة إلى مصر ، ولذلك بدأت أعد نفسى للوفاة هنا فى الحجاز. سيطر علىّ الاكتئاب من خوف مفاده ، أنه لو قدر لنبأ وفاتى الوصول إلى إنجلترا ، فقد يؤدى ذلك إلى إدانة رحلتى بكاملها إلى الحجاز ، باعتبارها عملا غير مسئول قام به رجل غير حصيف ، أو بالأحرى مبشر شديد الحماسة ، يزاد على ذلك أنى لم يكن لدىّ كتب أو حتى جمعية يمكن أن تحول بينى وهذه الأفكار ، لم يكن بحوزتى سوى كتاب واحد ، مجرد نسخة من نسخ كتب الجيب ، لقصيدة جون ملتون ، ذلك الكتاب الذى سمح لى القبطان بوج ، عند ما كنت فى جدة ، أن آخذه من مكتبته فى الكبينة التى يقيم فيها ، وأنا هنا لا بد أن أعترف أن هذا الكتاب فى هذا الظرف بالذات كان يساوى رفا بكامله من الكتب الأخرى. كانت صاحبة المسكن الذى كنت أنزل فيه ، وهى امرأة عجوز ، وربما كانت مصرية الأصل ، كانت قد دأبت طوال مقامى فى ذلك السكن ، على الكلام معى مدة نصف ساعة كل مساء ، دون أن يراها أحد من شرفة الطابق العلوى ، وكان مزوّرى يزورنى بين الحين

٩٥

والآخر ، على حد ظنى من أجل ، الاستيلاء على شىء من أمتعتى بعد أن أموت. غادر يحيى أفندى ـ طبيب طوسون باشا ـ المدينة المنورة فى شهر مارس ، بصحبة جيش طوسون باشا ، الذى تألّب على الوهابيين.

فى أوائل شهر إبريل ، وضع الدفء حدا لمرضى ، لكنى لم أستطع مغادرة المكان قبل أسبوعين ، وكانت كل نسمة تهددنى بعودة الحمى من جديد. يضاف إلى ذلك أن مناخ البلد السيئ ، وماءه كريه المذاق ، وكذلك العدد الكبير من الأمراض المنتشرة فى المدينة (المنورة) ، كل ذلك زاد من رغبتى فى مغادرة المدينة. كان هدفى الرئيسى البقاء هنا فى المدينة المنورة ، على أكثر تقدير ، مدة شهر ثم أصطحب بعض المرشدين من البدو وأعبر معهم الصحراء إلى مدينة العقبة عند نهاية البحر الأحمر ، على شكل خط أو مسار مباشر ، أصل عن طريقه بسهولة ويسر إلى القاهرة. كنت أود من هذا المسار زيارة بلدة الحجر ، على طريق الحج السورى ، حيث كنت أتوقع العثور على بقايا أثرية عتيقة ، لم يتطرق إلى وصفها أى رحال من الرحالة الذين سبقونى ، فى حين كان الجزء الداخلى من البلاد مثارا لكثير من الفضول والموضوعات البحثية الأخرى. ومع ذلك ، كان يستحيل علىّ تماما القيام بهذه الرحلة الداخلية وأنا فى ظل ظروفى الصحية الحالية ؛ يضاف إلى ذلك ، أنى لم أكن أتوقع أن تتحسن صحتى على نحو يمكننى من القيام برحلة من هذا القبيل. هذا يعنى أيضا أن استمرار تعرضى لذلك المناخ ، يعد أمرا غير مطلوب ، وأنا بطبعى كنت أتوق إلى تغيير الهواء ، اقتناعا منى ، بأنى إذا لم أفعل هذا الشىء فسوف يؤدى ذلك إلى معاودة الحمى لى. من هنا وجدتنى أتخلى عن الرحلة التى عقدت العزم على القيام بها ، وعليه قررت الذهاب إلى ينبع ، على ساحل البحر ، ومنها السفر بالبحر إلى مصر ، وهذا القرار جاء بناء على الحال الذى كانت عليه حافظة نقودى ، التى أتى وجودى الطويل فى المدينة (المنورة) على القسم الأكبر منها. وعند ما أحسست بقدرتى على ركوب جمل من الجمال ، رحت أبحث عن توصيلة إلى ينبع ، وأبرمت عقدا مع بدوى ، شكل مع بعض رفاق له قافلة صغيرة بدأت تحركها من ذلك المكان فى اليوم الحادى والعشرين من شهر إبريل ، كان ذلك فى غضون ستة أيام من الأشهر الثلاثة التى انقضت على وصولى إلى المدينة المنورة ، أمضيت من هذه الأشهر الثلاثة ثمانية أسابيع ملتزما وسادتى.

٩٦

وصف المدينة المنورة

ملاحظاتى عن المدينة المنورة ليست كثيرة ؛ لو أنى كنت بصحة جيدة لكنت قد زدت على هذه المعلومات والملاحظات ، لكن نظرا لأن المدينة (المنورة) غير معروفة تماما للأوروبيين ، فقد تنطوى تلك الملاحظات على بعض المعلومات المقبولة. يضاف إلى ذلك أن مخطط المدينة رسمته بنفسى خلال الأيام الأولى من وصولى إليها ، وأنا على يقين من صدق تلك الرسومات وصحتها ، لكن لم تتهيأ لى فرصة تتبع تفاصيل هذا المخطط ، مثلما فعلت فى مخطط مكة (المكرمة). (انظر مخطط المدينة المنورة) (*).

__________________

(*) شرح مخطط المدينة المنورة :

١ ـ المسجد الكبير المسمى الحرم. ٢ ـ قبر النبى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم). ٣ ـ منزل شيخ الحرم.

٤ ـ شارع السوق الرئيسى. ٥ ـ الشارع المسمى بالبلاط. ٦ ـ مدرسة عامة اسمها مدرسة المحمدية.

٧ ـ الشارع المسمى زقاق الطوال. ٨ ـ بيت القاضى. ٩ ـ أحياء مهدمة.

١٠ ـ القلعة. ١١ ـ حمام عمومى. ١٢ ـ مخزن قمح.

١٣ ـ حى بنى حسين. ١٤ ـ حى الأجوات.

١٥ ـ سلم مؤدى إلى أجزاء مختلفة من القناة فى أجزاء مختلفة من المدينة.

١٦ ـ أبيار ، تنساب مياه القناه فى قيعانها. ١٧ ـ مدفن ، يسمى البقاع.

١٨ ـ بوابة : تسمى الباب الشامى. ١٩ ـ بوابة : تسمى الباب المصرى

٢٠ ـ دكاكين وأكواخ. ٢١ ـ الميدان المسمى المناخ : مكان توقف البدو والجنود.

٢٢ ـ حى من الضواحى يسمى الوجهه فيه حقول وبيوت مهدّمة. ٢٣ ـ منزل الحاكم التركى.

٢٤ ـ وعاء مملوء من ماء القناة. ٢٥ ـ أفضل المنازل الخاصة فى المدينة ، والتى تقيم فيها نساء الباشا.

٢٦ ـ المسجد المسمى مسجد عمر. ٢٧ ـ مسجد آخر.

٢٨ ـ جسر على مجرى السيل. ٢٩ ـ منزل الباشا ببستانه الكبير.

٣٠ ـ الشارع والحى المسمى العنبرية. ٣١ ـ البوابة المسماه باب العنبرية.

٣٢ ـ برج صغير مبنى من جماجم الوهابيين الذين قتلوا عند ما استولى الأتراك على المدينة.

٣٣ ـ حى الضواحى المسماه الساحة. ٣٤ ـ فناء كبير تتوقف فيه القوافل القادمة من مكة.

٣٥ ـ بوابة صغيرة تسمى باب القبة. ٣٦ ـ مجرى السيل.

٣٧ ـ أحياء فيها منازل وبساتين (أ) حى يدعى الشهرية. (ب) حى يدعى الحمدية.

٣٨ ـ مستودع مياه للحجاج السوريين. ٣٩ ـ أبيار مختلفة مالحة الماء.

٤٠ ـ مخيم قافلة الحج السورية. ٤١ ـ ضريح صغير يسم القريات.

٤٢ ـ بيارات نخيل وحقول على جوانب المدينة الثلاثة.

٩٧

٩٨

تقع المدينة (المنورة) على حافة الصحراء العربية الكبرى ، بالقرب من سلسلة الجبال التى تعبر هذه البلاد من الشمال إلى الجنوب ، وتعد استمرارا للبنان. سبق أن قلت فى مقالى عن الجزيرة العربية أن سلسلة الجبال الموجودة شرقى البحر الميت تمتد فى اتجاه العقبة ، ومن العقبة تمتد هذه السلسلة أيضا بطول ساحل البحر الأحمر إلى أن تصل إلى اليمن ، وقد تقترب من البحر فى بعض الأحيان ، وفى بعض الأحيان الأخرى قد يفصلها عن البحر سهل يطلق العرب عليه اسم تهامة ، وهذا الاسم نفسه يطلقه أهل اليمن على جزء منه. ذكرت أيضا فى المقال ، أن انحدار تلك الجبال من ناحية الشرق ، بطول نهر الأردن ، والبحر الميت ، والوادى الذى يطلقون عليه اسم وادى خرابة ، إلى أن يصل إلى العقبة يكون أقل من انحدار هذه السلسلة نفسها من الناحية الغربية ، ومن هنا يرتفع سهل الجزيرة العربية الكبير إلى ما فوق مستوى سطح البحر. وقد أبديت الملاحظة نفسها عند ما ذهبت إلى الطائف ، بعد أن عبرت الجبل الذى يسمونه جبل قورة ، الذى هو جزء من تلك السلسلة ، وهذا الشىء نفسه يمكن ملاحظته فى المدينة (المنورة) ، أما الجبل الذى صعدناه أثناء مجيئنا من مكة ، عند ما رأيناه أو شاهدناه من الساحل ، يشكل قمما شديدة الارتفاع ، وعند ما وصلنا السهل العلوى ، المجاور للمدينة المنورة ، ظهرت لنا تلك القمم عن يسارنا كما لو كانت تتلألأ ، هذا يعنى أن ارتفاع تلك الجبال فوق السهل الشرقى لا يتعدى ثلث ارتفاعها من ناحية شاطئ البحر الغربى.

الكثبان الأخيرة من تلك الجبال هى التى تلامس المدينة المنورة من الجانب الشمالى ، على الجانب الآخر ، أو بالأحرى الجانب الجنوبى ، نجد أن الأرض منبسطة ، على الرغم من أنها ليست سهلا منبسطا واحدا فى كل الأحوال. هناك فرع من هذه السلسلة يدعى جبل أحد يبرز بعض الشىء من بين هذه السلسلة فى السهل ، ويستمر لمدة مسير ساعة واحدة من المدينة (المنورة) ، فى الاتجاه شمال شمال شرق ثم شمال شرق (*). بعد مسير ثمانى ساعات أو عشر ساعات (شرق ٦ شمال ـ شرق ٦ جنوب)

__________________

(*) فى هذه التباينات الزاويّة لا يؤخذ انحراف إبرة البوصلة بعين الاعتبار.

٩٩

نجد سلسلة من التلال المنخفضة ترتفع ناحية الشرق ، ويمتد عبرها الطريق المؤدى إلى نجد. هناك تلال أخرى مماثلة ، فى هذه المسافة نفسها ، موجودة فى الاتجاه الجنوبى الشرقى. والأرض على الناحية الجنوبية مستوية على مدد الشوف. وبعد مسير ساعة فى اتجاه الجنوب الغربى نجد أن المنازل مكونة بصفة عامة من طابقين ، ولها أسطح مستوية. ونظرا لعدم طلاء المنازل باللون الأبيض ، ونظرا أيضا لأن الأحجار المستعملة فى البناء من لون غامق ، فإن الشوارع تصطبغ بصبغة الحزن والوجوم ، والشوارع فى معظمها ضيقة جدا ، وعرضها لا يزيد بأى حال من الأحوال عن ثلاث خطوات أو أربع خطوات ، وقلة قليلة من الشوارع الرئيسية هى الممهدة باستعمال كتل حجرية كبيرة ، وهذا شىء يندر أن ينتظره أحد من الرحالة فى الجزيرة العربية. على العموم ، تعد المدينة المنورة واحدة من أجمل المدن التى شاهدتها فى الشرق ، هذا يعنى أن المدينة المنورة تجىء فى المرتبة الثانية بعد حلب. مظهر المدينة المنورة فى الوقت الحالى يوحى بأنها مهجورة أو مقفرة ، هذا يعنى أن بيوت المدينة المنورة أو شكت أو كادت تتحلل ؛ أصحاب هذه المنازل والبنايات الذين جنوا أرباحا كبيرة من جموع الزوار الذين وصلوا إلى المدينة المنورة فى الأزمان السابقة على امتداد أيام العام الواحد ، هؤلاء الملاك يجدون الآن أن دخلهم قد نقص ، ويرفضون إصلاح أو ترميمات بناياتهم ، نظرا لأنهم يدركون أن نفقات إصلاح هذه المبانى وترميمها وتحسين حالها لا يمكن بأى حال من الأحوال تعويضه عن طريق القيمة الإيجارية لهذه المبانى. هذا يعنى أن زائر المدينة المنورة يشاهد هنا وهناك منازل وأسوارا بحاجة إلى الترميم والإصلاح ، وبالتالى يصبح مظهر المدينة المنورة غير مشجع شأنها فى ذلك شأن السواد الأعظم من مدن الشرق التى لا توحى فى الوقت الحالى إلا بصور خافتة عن ماضيها العظيم.

الشارع الرئيسى فى المدينة المنورة هو أوسع شوارعها ، وهو يصل بين بوابة القاهرة والحرم المدنى ، والسواد الأعظم من دكاكين المدينة المنورة فى هذا الشارع. هناك شارع مهم أيضا يسمونه البلات ، وهو يمتد من المسجد النبوى إلى البوابة السورية ، لكن عددا كبيرا من منازل هذا الشارع خربة أو مدمرة : هذا الشارع فيه

١٠٠