مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٢

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

للمجموع شرط للأجزاء ، فلا بدّ من الاستدامة الحكميّة للأجزاء ومعناها أن لا يقصد خلاف ما قصد أوّلاً. ولا يخفى ما في ذلك من العناية والخروج عن مقتضى الأدلّة لما مرَّ ويأتي. ثمّ بعد اعتبار المقارنة لأوّل جزء وقع الخلاف بينهم في الوضوء والغسل في بيان مقام المقارنة. فالمشهور بينهم جواز تقديم النيّة في الوضوء عند غسل اليدين المستحبّ كما تقدّم بيان ذلك كلّه.

وأنت بعد ما عرفت أنّ اشتراط المقارنة واعتبار الاستدامة الحكمية والنزاع في جواز التقديم عند غسل اليدين مبنيّ على جعل النيّة المشترطة هي المخطرة بالبال يظهر لك أنّ النيّة عندهم أيضاً ليست إلّا الداعي وأنّ هذه الامور مبنيّة على كون النيّة هي العلة الغائيّة والقصد الباعث لكنّهم اعتقدوا انحصار ذلك في المخطرة بالبال وأظنّ أنّ الباعث لهم على ذلك ما عهد من حصر القوى الباطنة في الخمسة المشهورة وهي الحسّ المشترك والخيال الّذي هو خزانة الحسّ المشترك والوهم والقوّة الحافظة الّتي هي خزانة الوهم والمتخّيلة وهي الّتي تركّب بعض الصّور مع بعض وتركّب بعض المعاني مع بعض وتركّب بعض الصور مع بعض المعاني ، فلمّا حصروا القوّة المدركة الباطنة المؤثّرة في حدوث الأشياء والعلّة الغائيّة الموجدة لها في المخطر بالبال ، إذ لو لم تكن عندهم حاضرة في البال لا يصدر منها شي‌ء لعدم حضورها في الذهن والمعدوم لا يؤثّر قطعاً. وكذا إذا كانت موجودة في الذهن إلّا أنّها في الحافظة لا في البال ، لأنّ الساهي والناسي لتلك الصورة والغافل عن تلك العلّة الغائيّة كيف يصدر عنه معلولها المتوقّف عليها ، فلا بدّ أن تكون ملحوظة حتّى تؤثّر. هذا ، وليس الأمر كما ذكروا ، لأنّه كثيراً ما لا تكون العلّة الغائية والداعي إلى صدور شي‌ء منّا حاضراً ببالنا ، بل يكون في أوائل الحافظة أو الخيال. ومع ذلك نوجد أثراً بيّناً ظاهراً سديداً محكماً مثل الصادر عن المخطر بالبال من دون تفاوت أصلاً بل قلّما يصدر عن المخطر ذلك لما عرفت من قوله تعالى (١) : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) وإنّا لنشاهد بالوجدان بل

__________________

(١) سورة الأحزاب : آية ٤.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالعيان أنّ الأمر الكثير الأجزاء لا يتحقّق من المخطر إلّا الجزء الأوّل وباقي الأجزاء تحدث من الموجود في أوائل الحافظة ، بل كثيراً ما لا يصدر ذو الأجزاء بأجمعه عن المخطر ، بل يصدر عن الداعي. ألا ترى أنّا بعد الخروج من الصلاة نشتغل بالتعقيبات مثل تسبيح الزهراء عليها‌السلام وغيره من الأدعية من دون أن يخطر ببالنا ما يخطر في أوّل الصلاة من صورة الصلاة وأجزائها إجمالاً وكون فعلها امتثالاً لله تعالى وقربة إليه. ولسنا في كلّ دعاء وذكر نتوجّه قبل الشروع إلى إخطار صورته وكون ذلك لاستحبابه قربة إلى الله تعالى أو لأجل الثواب وغفران الذنب والنجاة من النار ، وكذلك الحال في سفرنا إلى الحجّ والزيارة لا يخطر ببالنا في كلّ حركة منّا أو من الدابّة أنّه لأجل الزيارة أو الحجّ الواجب أو المستحبّ وأنّه طاعة ، وكذلك الباني يشتغل من أوّل النهار إلى آخره بالحركة وتنضيد اللبن والطين والجصّ وغير ذلك من دون أن يخطر بباله في كلّ لبنة وحركة أنّه لأجل بناء المسجد أو الدار أو لأجل أخذ كذا وكذا من الاجرة.

فقد ظهر ممّا ذكرنا ظهوراً تامّاً أنّ كلّ جزء جزء من حركات الصلاة وسكناتها لا يمكن خلوّه عن قصد التعيين وقصد الغاية الّتي هي القربة أو الإطاعة أو ما زاد عليها مثل الوجوب أو الاستباحة لا خصوص الجزء الأوّل أو أوّل جزء في أيّ عبادة ، لكن الأحوط في الصلاة إحضار النيّة بالبال في أوّلها مقارنة بالمقارنة العرفيّة لا الحقيقيّة المحالة الموجبة لإيقاع العوام والصلحاء بل غالب العلماء في الوسواس ، وإنّما كان ذلك في الصلاة أحوط لما يظهر من بعض الأخبار ، بل الأحوط المقارنة في الوضوء والغسل والتيمم ، بل كلّ عبادة خروجاً عن الخلاف ، لكن لا بحيث يورث الوسواس أو الضيق أو التعب ، بل ينبغي صرف العناية بكلّ الجهد في إخلاص العمل عن الشوائب وعمّا يراد منه سوى الله تعالى. نسأل الله سبحانه وتعالى بمحمّد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله صدق النيّة وإخلاص العمل أنّه أرحم الراحمين. وهذا التحقيق ليس مختصّاً بالوضوء ، بل جميع ما اعتبرت فيه النيّة.

هذا ، ويرد عليهم أيضاً : أنّه إن كان المانع من اعتبار الاستدامة الفعليّة حصول الحرج فالحقّ ما قاله الشهيد من اعتبار استدامة الإحضار والإخطار بعنوان

٣٠٢

ويجب في النية القصد إلى رفع الحدث أو استباحة فعل مشروط بالطهارة

______________________________________________________

الإجمال متى لحظ ولم يكن ذاهلاً إلّا في جميع الأحوال ، لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها ، لكنّه خلاف الاحتياط وخلاف ما عليه المعظم.

هذا حاصل ما أفاده الاستاذ أدام الله إفاداته. وقد وافقه على ذلك جماعة من المتأخّرين كالمقدّس الأردبيلي (١) وأتباعه (٢) والكاشاني (٣) وغيرهم (٤). وقد اقتضى المقام الإطناب وبالله تعالى الاستعانة وهو الهادي إلى الصواب.

[قصد رفع الحدث أو الاستباحة]

قوله قدّس الله روحه : (ويجب في النيّة القصد إلى رفع الحدث أو استباحة فعل مشروط بالطهارة) كما في «المبسوط (٥) والسرائر (٦) والمعتبر (٧) والمنتهى (٨) والمختلف (٩) والتذكرة (١٠)» إلّا أنّه جعل في «التذكرة (١١)» الجمع أولى «والرسالة الفخريّة (١٢) والدروس (١٣) والألفيّة (١٤)

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٩٨.

(٢) منهم العاملي في المدارك : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٨٥ ١٩٠.

(٣) مفاتيح الشرائع : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٤٧.

(٤) الرّياض : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٢٢٢.

(٥) المبسوط : كتاب الطهارة في وجوب النيّة عند كلّ طهارة ج ١ ص ١٩.

(٦) السرائر : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٩٨.

(٧) المعتبر : كتاب الطهارة في نيّه الوضوء ج ١ ص ١٣٨.

(٨) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٥٦ س ٢١.

(٩) مختلف الشيعة : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٧٤.

(١٠) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٤١.

(١١) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٤٤.

(١٢) الرسالة الفخريّة (كلمات المحقّقين) : ص ٤٢٤.

(١٣) الدروس الشرعيّة : كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج ١ ص ٩٠.

(١٤) الألفيّة : كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ص ٤٣.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والذكرى (١) وغاية المرام (٢) وغاية المراد (٣)» في حق المختار و «جامع المقاصد (٤)» فيما عدا المتيمّم ودائم الحدث و «حاشية الشرائع (٥) وحاشية المدارك (٦) وشرح المفاتيح (٧)».

ونقله الفاضل (٨) عن «الجامع والوسيلة» والّذي وجدته في «الوسيلة (٩)» : وكيفيّة النيّة أن يقرّر في نفسه أنّه يتوضّأ رفعاً للحدث واستباحة الصلاة قربة إلى الله تعالى. ونسبه الصيمري (١٠) ونجيب الدين (١١) إلى المرتضى. وقال الشيخ نجيب الدين في «شرح رسالة (١٢) شيخه» : إنّ القدماء لم يتعرّضوا لشي‌ء من ذلك.

وفي «السرائر (١٣)» إجماعنا منعقد على أنّه لا تستباح الصلاة إلّا بنيّة رفع الحدث أو نيّة استباحة الصلاة بالطهارة.

احتجّوا (١٤) بالآية الشريفة (١٥) ، لأنّ المفهوم منها كون وجوب الغسل والمسح

__________________

(١) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨١ س ٦.

(٢) غاية المرام (مخطوط مكتبة الرّضويّة الرقم ٦٥١٨) : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٤ س ١٢.

(٣) غاية المراد : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٥.

(٤) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠١.

(٥) فوائد الشرائع (مخطوط مكتبة آية الله المرعشي الرقم ١١٥٥) : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٩ س ١٤.

(٦) لا يخفى أنّ استفادة الوجوب الشرعي من حاشية المدارك مشكلة جدّاً ، فراجع حاشية المدارك : ص ٣٤ س ٨ (مخطوط مكتبة الرّضويّة الرقم ١٤٧٩٩).

(٧) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ص ٢٩٠ (مخطوط مكتبة الگلپايگاني).

(٨) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٦.

(٩) الوسيلة : في بيان ما يقارن الوضوء ص ٥١.

(١٠) غاية المرام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٤ س ٨ (مخطوط مكتبة جامع گوهرشاد الرقم ٥٨).

(١١) لا يوجد لدينا كتابه.

(١٢) لا يوجد لدينا كتابه.

(١٣) السرائر : الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٠٥.

(١٤) منهم السيد في : الناصريات (الجوامع الفقهيّة) : المسألة ٢٤ في نيّة الوضوء ص ٢١٩ س ٢٠ والعاملي في المدارك : في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٨٩ والسبزواري في الذخيرة : الطهارة في نيّة الوضوء ص ٢٤ س ٢٩.

(١٥) (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)» سورة المائدة الآية ٦.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لأجل الصلاة ولا معنى لهذا إلّا أنّه لأجل أن يبيح له فعل الصلاة.

وأورد (١) عليه : أنّ كون هذه الأفعال لأجل الصلاة لا يقتضي إحضار النيّة عند فعلها كما في قولك اعط الحاجب درهماً ليأذن لك فإنّه يكفي الاعطاء للتوسّل إلى الإذن ولا يشترط إحضاره عند العطيّة قطعاً. وأورد عليه أيضاً : أنّه إنّما يدلّ على وجوب قصد الاستباحة خاصّة والمدّعى وجوب أحدهما لا على التعيين.

وأورد (٢) عليه أيضاً : بأنه إن كانت نيّة الرفع تستلزم نيّة الاستباحة كانت صحّة النيّة باعتبار اشتمالها على نيّة الاستباحة وضمّ الرفع لغو لا عبرة به.

وأورد (٣) أيضاً : بأنّ المستفاد من الآية الشريفة وجوب نيّة الاستباحة فإن كان ذلك ظاهراً في الوجوب العيني ثبت مذهب المرتضى وإلّا فلا خفاء في أنّ القول بكون شي‌ء قائماً مقامه يحتاج إلى دليل ، فمع انتفائه فالقول بتعيّن الاستباحة متعيّن ، فكيف يقال بأن رفع الحدث يقوم مقامها.

وأورد (٤) عليه أيضاً : بأنّ غاية ما يلزم من الدليل كون الوجوب لأجل الصلاة على أن يكون الظرف قيداً للوجوب لا وجوب الوضوء لأجل الصلاة على أن يكون قيداً للوضوء.

والجواب عن الأوّل : أنّ مقتضى الآية الكريمة أنّه لا بدّ من الوضوء للصلاة لا أنّه لا بدّ من الوضوء حين الصلاة ، فإذا توضّأ فلا بدّ أن يكون لغرض منه ، فلو جعل الغرض أنّ الله تعالى أمرني بذلك ثبت المطلوب ولو جعله أمراً آخر كان غير مطيع. فإن قلت : قوله (٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا صلاة إلّا بطهور» ونحوه يكشف عن أنّ المراد من الآية الشريفة أنّ الصلاة لا بدّ أن تكون مع وضوء لا أنّه لها. قلنا : هذا الوضوء لا بدّ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) مصابيح الظلام (مخطوط مكتبة الگلپايگاني) : مفتاح ٥٤ في اشتراط النيّة في الوضوء ج ١ ص ٢٨٩ ٢٩٠ فإنه ذكر جميع ما نقل في طي البحث عن نيّة الوضوء.

(٥) المستدرك : باب ١ من أبواب الوضوء ح ٢ ج ١ ص ٢٨٧ وعوالي اللآلي : باب الطهارة ح ١ ج ٣ ص ٨.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أن يكون لغرض وغاية ، والوضوء ليس مطلوبا للشارع مطلقاً ، بل لُامور وغايات معروفة ، فلا بدّ من قصد غاية من تلك الغايات حتّى يتحقّق الامتثال إلّا أن يقول المستدلّ أنّ المراد من الرفع أو الاستباحة ما يشمل ما ذكر من الغايات ، فمدّعاه حقّ ودليله تامّ كما قال في المبسوط وغيره يشترط نيّة الرفع أو استباحة مشروط بالطهارة ، انتهى. وكذا إن كان مراده أنّ الوضوء الّذي يتوضّأ للصلاة لا بدّ فيه من قصد أحد الأمرين لا مطلق الوضوء. وهذه عبارة الاستاذ في شرحه. وما ضربوه مثالاً ففيه : أنّه لا شكّ في أنّ من أعطى الحاجب درهماً للتوسّل إلى الإذن إنّما أعطاه بقصد ذلك قطعاً ولو أعطاه لا لأجل أن يأذن له ، بل لغرض آخر لم يكن ممتثلاً إذا لم يجوز تحصيل إذنه بغير الدرهم حتّى يكون شرطاً شرعيّاً. وأمّا إذا كان مراده تحصيل الإذن كيف كان والدرهم مقدّمة عقليّة كما هو الظاهر من القرينة فلا دخل له فيما نحن فيه وإن كان أعطاه لتحصيل الإذن قطعا ، بل لو رضي الحاجب بغير درهم يكون العبد ممتثلاً إن لم يعط درهماً ، بل يكون عاصياً إن أعطى حينئذ. ثمّ إنّه من المسلّمات أنّ غير العبادة لا يتوقّف على النيّة وقد دلّت الآية على طلب العبادة والصلاة والوضوء عبادتان فلا بدّ من النيّة للامتثال ولذا لم يجوز بعضهم الدخول في الصلاة بغير الوضوء الّذي وقع لاستباحة الصلاة.

والجواب عن الثاني : أنّ ما استدلّ به إنّما نهض في الموضع الّذي يظهر كون الوضوء شرطاً لفعله ، فما لم يكن الشرط لم يكن المشروط. وحال عدم الشرط يعبّر عنه تارة بالحالة المانعة واخرى بالحدث ويعبّر عن رفع الحدث بالاستباحة ، فقصد رفع الحدث وقصد استباحة الصلاة مآلهما واحد وإن كانا مفهومين متغايرين ينفكّ أحدهما عن الآخر بالمفهوم لكنّهما متّحدان في الثمرة في المقام. والمستدلّ في مقام استدلاله وإن قال لا معنى لفعل الوضوء لأجل الصلاة إلّا نيّة استباحتها إلّا أنّه ليس مراده ما هو مقابل لرفع الحدث ، بل هو شامل له ، لما عرفت من أنّ المآل واحد ، فهو أراد وحدة المآل ، ودليله ما اقتضى إلّا هذا الأعمّ بلا شبهة ، فلا يرد عليه

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

شي‌ء. هذا ما أفاد في «شرح المفاتيح (١)».

وفي «المعتبر (٢)» أنّ معنى رفع الحدث واستباحة الصلاة واحد وهو إزالة المانع أو استباحة فعل لا يصحّ إلّا بالطهارة كالطواف. وكذا في «المدارك (٣)» قال : إنّ معناهما واحد. وفي «غاية المراد (٤)» أنّ ذلك مسلّم في حقّ المختار بمعنى اللزوم أمّا نحو المستحاضة فلا إلّا أن يقصد رفع حكم الحدث. وفي «شرح الفاضل (٥)» أنّه لا افتراق بينهما في الوجود. وفي «جامع المقاصد (٦)» أنّ المراد برفع الحدث زوال المانع وبالاستباحة زوال المنع. قال في «المدارك (٧)» وهو غير جيّد ويأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وبما ذكر يندفع الإيراد الثالث والرابع. وأمّا الخامس فأجاب عنه أيضاً في «شرح المفاتيح (٨)» بأنّه إن أراد الوجوب الشرطي ففيه : أنّه معنى مجازي للأمر وإن أراد الشرعي فعلى تقدير خلوّ الظرف عن الوضوء الّذي هو غسل الوجه إلى آخره يتمّ دليل المستدلّ أيضاً ، فتأمّل جيّداً.

وفي «الكافي (٩) والغنية (١٠) والوسيلة (١١)» على ما في نسختي وجوب القصد إليهما. ونقله في «جامع المقاصد (١٢)» عن جماعة وفي «غاية المراد (١٣)» عن

__________________

(١) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ص ٢٨٩ (مخطوط مكتبة الگلپايگاني).

(٢) المعتبر : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٣٩.

(٣) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٠.

(٤) غاية المراد : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٥.

(٥) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّه الوضوء ج ١ ص ٥٠٧.

(٦) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠١.

(٧) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٠.

(٨) مصابيح الظلام (مخطوط مكتبة الگلپايگاني) : مفتاح ٥٤ في النيّة ج ١ ص ٢٩٠ ٢٩١.

(٩) الكافي في الفقه : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ص ١٣٢.

(١٠) غينة النزوع (الجوامع الفقهيّة) : في فرائض الوضوء ص ٤٩١.

(١١) الوسيلة : في بيان ما يقارن الوضوء ص ٥١.

(١٢) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠١.

(١٣) غاية المراد : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٧.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الراوندي والمصري وفي «المدارك (١)» عن القاضي وابن حمزة. وهذا يؤيّد نسخة «الوسيلة» الّتي عندي. ونقله الفاضل (٢) عن «المهذّب والإصباح والإشارة» استناداً إلى أنّ كلّا منهما منفكّ عن الآخر معنى ووجوداً في دائم الحدث والمتيمّم لاستباحتهما خاصّة والحائض لرفع غسلها الأكبر من غير استباحة وقد عرفت أنّ الدليل ما اقتضى أزيد من مآلهما لا خصوص أحدهما.

وفي «شرح الفاضل (٣)» إذا كان رفع الحدث بمعنى رفع المانعيّة وعمّم الاستباحة التامّة والناقصة زال الافتراق وجوداً ، انتهى.

واقتصر في «اللمعة (٤)» على الاستباحة. وكذا السيّد على ما نقل الشهيد في «غاية المراد (٥)» والفاضل (٦) والاستاذ (٧) وغيرهم ، لكن الصيمري (٨) ونجيب الدين (٩) نقلا عنه القول الأوّل ولم أجده في «الانتصار» لكنّه في «اللمعة (١٠)» ذكر مع الاستباحة قصد الوجوب والسيّد لم يذكره. والاقتصار عليها * هو المنقول عن ظاهر «الاقتصاد» في «غاية المراد (١١)» وظاهر الفاضل (١٢) نسبته إلى صريحه.

__________________

(*) أي على الاستباحة (منه).

__________________

(١) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٦.

(٢) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٧.

(٣) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٧.

(٤) اللمعة الدمشقيّة : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٣.

(٥) غاية المراد : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٣.

(٦) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٧.

(٧) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ١٩ س ٣.

(٨) غاية المرام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٤ س ٨ (مخطوط مكتبة جامع گوهرشاد الرقم ٥٨).

(٩) لا يوجد لدينا كتابه.

(١٠) اللمعة الدمشقيّة : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٣.

(١١) غاية المراد : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٢.

(١٢) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٧.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي «كتاب عمل يوم وليلة (١)» اقتصر على الرفع كما في «شرح الفاضل (٢)».

وعن «البشرى (٣)» أنّه لم يعرف في ذلك نقلاً متواتراً ولا آحاداً. وظاهره عدم الوجوب كما استظهر ذلك في «الشرائع (٤)» وقوّاه الفاضل (٥) واستحسنه في «المدارك (٦)» وقرّبه في «المفاتيح (٧)». ونظر في الوجوب في «الروضة (٨)» وفي «الأنوار القمريّة (٩)» لم يقم دليل على شي‌ء من ذلك. ولم يرجّح شيئاً في «الإرشاد (١٠) والإيضاح (١١) والتنقيح (١٢)» ولم يتعرّض له في «الخلاف والمراسم والنافع والتبصرة والمسالك».

وفي «شرح الفاضل (١٣)» أنّ وجوب قصد ما شرع لأجله لا دليل عليه ، نعم اعتقاده من توابع الإيمان ولا مدخل له في النيّة والتمييز حاصل بقصد نفس الفعل فإنّه ممّا لم يشرع إلّا لغاية ولعلّ من أوجب التعرّض لأحدهما أو لهما أراد نفي ضدّ ذلك بمعنى أنّ الناوي لا يجوز له أن ينوي الوجوب أو الندب لنفسه ، فلا شبهة في بطلان الوضوء حينئذ. أمّا إن نواه مع الغفلة عن جميع ذلك فلا دليل

__________________

(١) عمل اليوم والليلة (الرسائل العشر للشيخ الطوسي) : في بيان الطهارة ص ١٤٢.

(٢) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٧.

(٣) نقله عنه في ذكرى الشيعة : كتاب الطهارة في النيّة ص ٨٠ س ٢٩.

(٤) شرائع الإسلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٠.

(٥) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٧.

(٦) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٤.

(٧) لم نجد في المفاتيح بحث قصد الاستباحة في الوضوء فضلا عن حكمه فيها بتعينها أو إثباتها فراجع. مفاتيح الشرائع : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء مفتاح ٥٤ ج ١ ص ٤٨. نعم ذكرها في التيمم ج ١ ص ٦٥ ولكنه اختار الرفع فراجع.

(٨) الروضة البهيّة : كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج ١ ص ٧٢.

(٩) الأنوار القمريّة : كيفيّة الوضوء (مخطوط مكتبة المرعشي الرقم ٤٩٧٨).

(١٠) إرشاد الأذهان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٢٢.

(١١) إيضاح الفوائد : كتاب الطهارة في الوضوء ج ١ ص ٣٤.

(١٢) التنقيح الرائع : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ٧٤.

(١٣) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٧.

٣٠٩

والتقرّب إلى الله تعالى

______________________________________________________

على بطلانه انتهى. وفي «المشكاة (١)» ولا يجب في الطهارة قصد الغاية على الأقوى وفي «جامع المقاصد (٢)» قال : واعلم إنّ قوله : أو استباحة مشروط بالطهارة ، لا يتمشّى على ظاهره بل لا بدّ أن يكون المنوي استباحة مشروط بالوضوء. وتنكيره يشعر بأن المراد الاجتزاء بنيّة استباحة أيّ مشروط اتفق ، فلو نوى استباحة الطواف وهو بالعراق مثلا صحّ كما يحكى عن ولد المصنّف. ثمّ قال في «جامع المقاصد» وهو مشكل ، لأنّه نوى ممتنعاً فكيف يحصل له؟

قلت : هذا الّذي نقله عن ولد المصنّف وجدته في «حاشية الإيضاح (٣)» عندي وهي نسخة عتيقة معربة محشاة عن (من خ ل) خطّه ذكر ذلك ، ثمّ كتب في آخر الحاشية محمد بن المطهر.

وصرّح به الشهيد في «البيان (٤)» لأنّ المطلوب في الطهارة كذلك كونه بحيث يباح لو أراده. وفي «الإيضاح (٥) والتنقيح (٦)» تظهر الفائدة في المجدّد إذا تيقّن ترك عضو من الأوّل فإنّه لا يجزي عند المرتضى والتقي والعلّامة ، انتهى ما في «التنقيح». ولم أجد للعامّة في هذه المسألة نصّاً.

[معنى التقرّب إلى الله تعالى]

قوله قدّس الله روحه : (والتقرّب إلى الله تعالى) إجماعاً نقله

__________________

(١) لا يوجد لدينا كتابه.

(٢) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠٢.

(٣) لا يوجد لدينا كتابه.

(٤) البيان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٨.

(٥) إيضاح الفوائد : كتاب الطهارة في الوضوء ج ١ ص ٣٥.

(٦) التنقيح الرائع : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ٧٦.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

جماعة (١) حتّى صاحب «المدارك (٢)» بل هو حقيقة النيّة الواجبة كما في «شرح الفاضل (٣)» لكن نقل الاستاذ (٤) أنّه نسب إلى المرتضى أنّ النيّة هي الاستباحة. وقد اكتفى بها المفيد في «المقنعة (٥)» والشيخ في «النهاية (٦)» * مع قصد الفعل المعيّن. ونقله في «الذكرى (٧)» عن البصروي. ونسبه في «المدارك (٨) وشرح المفاتيح (٩)» إلى المحقّق في بعض مسائله. وفي الأخير (١٠) نسبته إلى علمائنا المتأخّرين عن المتأخرين. وفي «المبسوط» لم يذكر القربة. قال الشهيد (١١) : لظهورها.

__________________

(*) احتجّ الشيخ بأنّ الزائد إن كان إخلاصاً كان تقريراً وتأكيداً وإن لم يكن إخلاصاً كان مبايناً فيكون نسخاً ، فتأمّل فيه. (منه).

__________________

(١) ذكره العلامة في المختلف ج ١ ص ٢٧٤ ونقله عنه أيضاً جمع ممن أتى بعده كالشهيد في الذكرى : ص ٨٠ س ٥ والخوانساري في المشارق وغيرهما إلّا أنّ المذكور في المختلف دعوى الاتفاق على وجوبها وهو كما في الرياض : ج ١ ص ٢٢٠ حيث قال : لا خلاف فيه فتوى ودليلاً انتهى. ونظيرهما ما في الذخيرة : ص ٢٤ عند قول المصنّف : متقرّباً ، حيث قال : والمراد به موافقة إرادة الله وامتثال أمره أو نيل الثواب عنده ، تشبيهاً لرفعة الشأن بقرب المكان ولا ريب في إجزاء الأوّل ، انتهى. وهذه العبارات غير دعوى الإجماع حسب الاصطلاح المعمول بين الفقهاء كما لا يخفى.

(٢) المذكور في المدارك هو دعوى الاتفاق والوفاق وهو غير دعوى الإجماع حسب الاصطلاح المعمول بين الفقهاء فتأمّل. فراجع المدارك : ج ١ ص ١٨٦.

(٣) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٨.

(٤) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٢٨٧ س ١٧ (مخطوط مكتبة الگلپايگاني).

(٥) المقنعة : كتاب الطهارة في صفة الوضوء ص ٤٦.

(٦) النهاية : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٢٢٠.

(٧) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ١٧.

(٨) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٦.

(٩ و ١٠) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٢٨٧ س ١٤ (مخطوط مكتبة الگلپايگاني).

(١١) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ١٨.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ذكروا لهذه القربة معاني منها : قصد امتثال أمر الله تعالى وموافقة إرادته. ومنها : القرب منه أي رفع الدرجة عنده ونيل الثواب لإطاعته. وقد قطع ابن زهرة (١) والمحقّق الثاني (٢) وصاحب «المدارك (٣)» والفاضل (٤) وغيرهم وهم جماعة من متأخّري المتأخّرين بحصول الامتثال بهما واستظهره الشهيد في «الذكرى (٥)» وقال فيها : وقد توهّم قوم أنّ قصد الثواب يخرج عنه ، لكنّه نقل في «قواعده (٦)» عن الأصحاب بطلان العبادة بالمعنى الثاني. وهو خيرة المصنّف في «نهاية الإحكام (٧)» حيث قال في نيّة الصلاة : ويجب أن يقصد إيقاع الواجب لوجوبه والمندوب لندبه أو لوجههما لا للرياء وطلب الثواب وغيرهما ، انتهى. وبه قطع السيّد رضي الدين ابن طاووس (٨) على ما نقل عنه وتبعه على ذلك صاحب «الأنوار القمريّة (٩)» قال : ويدلّ عليه قوله (١٠) صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكل امرئ ما نوى» وهذا المعنى أعني نيل الثواب نسبه في «الذكرى (١١)» إلى ظاهر المتكلّمين ونقله عن أبي علي الطبرسي (١٢) في تفسيره. وفي «الغنية (١٣)» أنّ مرادنا بالقربة طلب المنزلة الرفيعة عنده بنيل ثوابه. وجعله

__________________

(١) غنيّة النزوع (الجوامع الفقهيّة) : كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص ٤٩١ س ٥ ٦.

(٢) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠١.

(٣) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٧.

(٤) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٨.

(٥) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٧٩ س ٣٧.

(٦) القواعد والفوائد : الفائدة الثانية ج ١ ص ٧٧.

(٧) نهاية الإحكام : كتاب الصلاة في النيّة ج ١ ص ٤٤٧.

(٨) نقله عنه في روض الجنان : كتاب الطهارة في النيّة ص ٢٧ س ١٩.

(٩) الأنوار القمريّة : كيفيّة الوضوء (مخطوط مكتبة المرعشي الرقم ٤٩٧٨).

(١٠) وسائل الشيعة : باب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ح ١٠ ج ١ ص ٣٤.

(١١) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في كيفيّة الوضوء وأحكامه ص ٧٩ س ٣٠.

(١٢) لم نظفر على ذلك من الطبرسي في تفسيره ، نعم نقل عن الحسن في تفسير قوله تعالى : «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا ..» في سورة النساء آية ١٤٦ ما يدل بظاهره على ذلك فراجع المجمع : ج ٣ ص ١٢٦.

(١٣) غنية النزوع (الجوامع الفقهيّة) : في فرائض الوضوء ص ٤٩١ س ٦.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الفاضل (١) هو معنى القربة حيث اقتصر في تفسيرها عليه. واستدلّ عليه في «الذكرى (٢) والمدارك (٣)» بالآيات والأخبار. ومنها : كونه تعالى أهلاً للعبادة ومستحقّاً لها من غير قصد الامتثال وقد جعله الشهيد في «قواعده (٤)» من أعلى مراتب الإخلاص. وقال الاستاذ الشريف في «مشكاته (٥)» وهي عبادة الأحرار ، قال : وقصد نيل الثواب عبادة الاجراء والعبيد وبينهما وسائط والكلّ مجز وإن تفاوتت في الكمال ، انتهى. ومنها : قصد تعظيمه. ومنها : المحبّة له ، ذكر ذلك الشهيد في «قواعده (٦)» أيضاً وقال بكفايتها.

وقد قطع الفاضل (٧) وصاحب المدارك (٨) بأنّه لو نوى إطاعته تعالى شأنه وموافقة أمره مع الغفلة عن رفع الدرجة والتقرّب كان كافياً. قالا : وربما كان أولى بالجواز. وقال في «المدارك (٩)» وإنّما آثر الأصحاب هذه الصيغة مع غموض معناها لتكرّرها في الكتاب والسنّة ، انتهى.

والظاهر اتّفاقهم على كفاية الجميع ما عدا الثاني ، لأنّي لم أجد خلافاً في غيره. وفي «شرح المفاتيح (١٠)» في توجيه الثاني يمكن أن يقال إنّ أصل العبادة لله تعالى خالصة ، لأنّ الداعي على هذا الخلوص نيل الثواب كما في قوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً. إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً. فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) (١١) وقال : بل نقول إنّه يمكن أن

__________________

(١) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٨.

(٢) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في كيفيّة الوضوء وأحكامه ص ٨٠ س ٣.

(٣) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٧.

(٤) القواعد والفوائد : الفائدة الثانية ج ١ ص ٧٧.

(٥) لا يوجد لدينا كتابه.

(٦) القواعد والفوائد : الفائدة الثانية ج ١ ص ٧٦.

(٧) كشف اللثام : كتاب الصلاة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٨.

(٨ و ٩) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٧.

(١٠) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٢٨٨ س ٣٠.

(١١) سورة الإنسان : الآية ٩ ١١.

٣١٣

وأن يوقعه لوجوبه أو ندبه

______________________________________________________

تكون عبادة المقرّبين خوفاً ، لأنّهم كلّما ازدادوا قرباً ازدادوا دهشة فربما عبدوا حينئذ خوفاً وخشية.

فرع :

قال الاستاذ الشريف (١) دام ظلّه : وأمّا ما يتوصّل به من العبادات إلى المطالب الدنيويّة كصلاة الاستسقاء والاستطعام والتزويج والسفر والطهارة لها فينبغي أن يقصد فيها امتثال الأمر بالموصل دون الفعل للتوصل ، والأجير إنّما يقصد الإطاعة بفعل ما وجب عليه بالاجرة دون العمل.

[في اشتراط نيّة الوجوب أو الندب]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (وأن يوقعه لوجوبه أو ندبه) القائلون باشتراط الوجوب والندب جماعة كثيرون كأبي الحسين سعيد الراوندي والشيخ سالم بن بدران معين الدين المصري صاحب «التحرير» على ما نقل عنهما في «غاية المراد (٢)» وأبي القاسم عبد العزيز بن البراج (٣) على ما نقل عنه الفاضل (٤) والشهيد في «الذكرى (٥)» وأبي الصلاح (٦) وأبي جعفر بن حمزة (٧) وأبي المكارم حمزة (٨) وأبي عبد الله محمّد (٩) وأبي القاسم جعفر في «الشرائع (١٠)»

__________________

(١) لم نجد كلامه في كتابه المصابيح ، وسائر كتبه غير موجودة لدينا.

(٢) غاية المراد : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٧.

(٣) المهذب : باب كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٤٣.

(٤) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٦٤ س ٥.

(٥) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ٢٠.

(٦) الكافي في الفقه : كتاب الصلاة الفصل الثالث في أحكام الوضوء ص ١٣٢.

(٧) الوسيلة : في بيان ما يقارن الوضوء ص ٥١.

(٨) غنية النزوع (الجوامع الفقهيّة) : في فرائض الوضوء ص ٤٩١ س ١٣.

(٩) السرائر : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٩٨.

(١٠) شرائع الإسلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٠.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأبي طالب محمّد في «الفخريّة (١)» والشهيدين (٢) والمحقّق الثاني (٣) والصيمري (٤) والمصنّف (٥) وجمع من الأصحاب كما في «جامع المقاصد (٦)» وجماعة من المتأخّرين كما في «شرح المفاتيح (٧)» وظاهر «التذكرة (٨)» في نيّة الصلاة دعوى الإجماع على اعتبار الوجوب والندب حيث قال : وأمّا الفرضيّة والندبيّة فلا بدّ من التعرّض لهما عندنا وهو أحد وجهي الشافعية.

لكن هؤلاء اختلفوا على أنحاء شتى : فالمصري (٩) والراوندي (١٠) والقاضي (١١) والتقي (١٢) والطوسي (١٣) جمعوا مع الوجوب القربة والرفع والاستباحة إلّا أنّ الطوسي في «الوسيلة» أخذ الوجوب وصفاً لا غاية ، كما هو ظاهر «المنتهى (١٤)» ويناسبه اعتبار الشيخ له كذلك في الصلاة ، وعبارة «الشرائع (١٥)» محتملة للوصف والغاية وقد اقتصر فيها على الوجوب والقربة. وفي «الدروس (١٦)» في نيّة الصلاة جمع بين

__________________

(١) الفخريّة (كلمات المحقّقين) : كتاب الطهارة ص ٤٢٤.

(٢) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ٢٠ ، وروض الجنان : كتاب الطهارة في بيان أحكام الوضوء ص ٢٧ س ١١.

(٣) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠١.

(٤) غاية المرام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٤ س ٩.

(٥) مختلف الشيعة : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٧٥.

(٦) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠١.

(٧) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٢٨٧ س ١٦.

(٨) تذكرة الفقهاء : كتاب الصلاة في كيفيّة النيّة ج ٣ ص ١٠١.

(٩ و ١٠) نقله عنه في غاية المراد : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٧.

(١١) المهذّب : كتاب الصلاة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٤٣.

(١٢) الكافي في الفقه : كتاب الصلاة الفصل الثالث في أحكام الوضوء ص ١٣٢.

(١٣) الوسيلة : في بيان ما يقارن الوضوء ص ٥١.

(١٤) منتهى المطلب : كتاب الصلاة في النيّة ج ١ ص ٢٦٦ س ٢٨.

(١٥) شرائع الإسلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٠.

(١٦) الدروس الشرعيّة : كتاب الصلاة في النيّة ج ١ ص ١٦٦.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الوصف والغاية والسيد حمزة بن زهرة (١) جمع بين الأربعة وبين الطاعة ، قال : واعتبرنا رفع الحدث لأنّه مانع ، والاستباحة لأنّه الوجه الذي لأجله أمر برفع الحدث فما لم ينوه لم يكن ممتثلا ، والطاعة لأنّه بذلك يكون الفعل عبادة ، والقربة ومرادنا بها نيل الثواب لأنّه الغرض المطلوب بطاعته ، والوجوب للامتياز عن الندب ولوقوعه على الوجه الذي كلّف بإيقاعه. وابن إدريس (٢) على ما يحصل من مجموع كلامه والمصنّف (٣) والشهيد (٤) والكركي (٥) والصيمري (٦) وجماعة (٧) اعتبروا الوجوب أو الندب والقربة وأحد الأمرين من الاستباحة أو رفع الحدث ، لكنّه في «السرائر» لم يذكر القربة كالشيخ في «المبسوط» فإنّه لم يذكرها ولم يذكر الوجه. وترك ذكر القربة لظهورها لا لما قاله العامّة (٨) من أنّ العبادة لا تكون إلّا قربة لأنّه مدخول ، إذ صيرورتها قربة بغير قصد ترجيح بلا مرجح. وقد عرفت مذهب الشهيد في «اللمعة (٩)» وأنّه اقتصر على الوجوب والقربة والاستباحة والشهيد الثاني في «الروضة (١٠)» وأنّه قال بالقربة والوجوب فقط إلى آخر ما تقدّم نقله فهذه مذاهب القائلين باعتبار الوجوب والندب. واستيفاء الكلام بحذافيره في كتاب الصلاة.

__________________

(١) غنية النزوع (الجوامع الفقهيّة) : في فرائض الوضوء ص ٤٩١ س ٤.

(٢) السرائر : كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج ١ ص ٩٨.

(٣) مختلف الشيعة : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٧٤.

(٤) الدروس الشرعيّة : كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج ١ الدرس ٣ ص ٩٠.

(٥) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠١.

(٦) غاية المرام : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ص ٥ س ١٨ (مخطوط المكتبة الرّضويّة الرقم ٢٧٩٠).

(٧) منهم الشيخ في المبسوط : ج ١ ص ١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ص ٤٠ ، والمحقّق في المعتبر : ج ١ ص ١٣٩.

(٨) المجموع : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٣١٢.

(٩) اللمعة الدمشقيّة : كتاب الطهارة في الوضوء ص ٣.

(١٠) الروضة البهية : كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج ١ ص ٧٢.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي «المعتبر (١) وغاية المراد (٢) والمجمع (٣) والمدارك (٤) ورسالة الشيخ حسن (٥) وشرحيها (٦)» وغيرها (٧) لا يشترط الوجوب ولا الندب لكن خصّه في «المعتبر (٨)» بما إذا قصد الاستباحة ، قال : وفي اشتراط نيّة الوجوب أو الندب تردّد أشبهه عدم الاشتراط إذا قصد الاستباحة ، وفي نسخة اخرى : إذا قصد الاستباحة والتقرّب ، فتأمّل. وقد سلف أنّ الشيخ في «النهاية والمبسوط» والمفيد في «المقنعة» والمرتضى والبصروي وابن طاووس لم يذكروا الوجه ، وأنّ أبا يعلى (٩) والمحقّق في «النافع (١٠)» والمصنّف في «التبصرة (١١)» أطلقوا النيّة كما نقله في «الذكرى (١٢)» عن الجعفي ، إلى آخر ما تقدّم نقله أو الإشارة إليه.

«احتج» المعتبرون للوجه بوجهين : الأوّل : وجوب تمييز المنوي وقطع الإبهام عنه ولا يتمّ بدونه. الثاني : انّ الوجوب والندب صفتان للمنوي وجهتان مختلفتان ولا بدّ من نيّة الفعل على الجهة المشروعة.

__________________

(١) المعتبر : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٣٩.

(٢) غاية المراد : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٢ ٣٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٩٨.

(٤) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٨.

(٥) ما في الرسالة قابل الانطباق على لزوم قصد الوجه وعدم لزومه فإنّه قال : ويقصد بقلبه أنّه يمتثل أمر الله سبحانه بالوضوء للصلاة انتهى اللهمّ إلّا أنّه استفاد من العبارة أنّ قصد الأمر غير قصد الوجه فتدبّر وراجع الاثنا عشرية : ص ٥٨ (مخطوط مكتبة المرعشي الرقم ٥١١٢).

(٦) الأنوار القمريّة : كيفيّة الوضوء (مخطوط مكتبة المرعشي الرقم ٤٩٧٨).

(٧) كفاية الأحكام : كتاب الطهارة ص ٢ س ١٣.

(٨) المعتبر : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٣٩.

(٩) المراسم : كتاب الطهارة في كيفيّة الطهارة ص ٣٧.

(١٠) المختصر النافع : كتاب الصلاة في أفعال الصلاة ص ٥.

(١١) تبصرة المتعلّمين : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٦.

(١٢) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ٢٦.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وردّ الثاني في «الروضة (١) والمدارك (٢)» بأنّه لا اشتراك في الوضوء حتّى في الوجوب والندب ، لأنّه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلّا واجباً وبدونه ينتفي. قال في «المدارك (٣)» : كذا ذكره المتأخّرون. ثمّ قال : ولم يقم دليل عندنا على ذلك ، سلّمنا الاجتماع لكن امتثال الأوامر الواردة بالوضوء يحصل بمجرّد إيجاد الفعل طاعة لله تعالى. وفي «شرح الفاضل (٤)» أنّ هذا الدليل محلّ نظر ، نعم يتّجه في نحو صلاة الظهر فإنّها نوعان فريضة ونافلة ، انتهى.

وهذا الإيراد قال المحقّق سلطان (٥) : إنّه في نفسه غير تامّ ، لأنّا نمنع من عدم وقوع الوضوء في وقت العبادة الواجبة إلّا واجباً ، بل قد يقع مستحبّاً ، لأنّ الوضوء في كلّ وقت مستحبّ. انتهى. فتأمّل فيه وسيأتي نقل الأقوال في المسألة.

وقال الاستاذ أدام الله حراسته في «شرحه (٦) وحاشيته (٧)» إنّ هذا الإيراد غير وارد على المستدلّ. وظاهره أنّه في نفسه تامّ متلقى بالقبول عند المتأخّرين وقد بيّن عدم توجّهه على المستدلّ بأنّه قد يكون المكلّف ممّن يعتقد أنّ الوضوء يقع تارة واجباً واخرى ندباً وإن كان في وقت عبادة واجبة كأن يكون جاهلا أو متوقّفاً في دليله مجوزاً للاجتماع وإن كان الواقع خلاف ذلك فلا بدّ له حينئذ من التمييز.

وأجاب الاستاذ أيضاً عمّا أورده في «المدارك» من حصول الامتثال بمجرّد إيجاد الفعل ، قال : لا يخفى أنّ الإطاعة لا تتحقّق عرفاً إلّا بقصد يعيّن المطلوب فيما

__________________

(١) الروضة البهيّة : كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج ١ ص ٧٢.

(٢ و ٣) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٨.

(٤) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٨ ولكنه ذكره ردّاً على الدليل الأول.

(٥) هامش الروضة البهيّة : (الرحلي) الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٢٦.

(٦) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٢٨٩ س ١٤ (مخطوط مكتبة الگلپايگاني).

(٧) حاشية مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ص ٥٣ س ٢٠ (مخطوط مكتبة الرضويّة الرقم ١٤٣٧٥).

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا كان أمرين متغايرين متميّزين ، فإذا أتى بأحدهما فلا بدّ من تعيينه بملاحظة ما به الامتياز كركعتي الفجر والصبح ، نعم إذا تميّزت الفريضة عن النافلة بالماهيّة أو بلازم آخر سوى الوجوب أمكن الاكتفاء بقصد الماهيّة أو اللازم الآخر ، لكن ما نحن فيه ليس كذلك ، ثمّ إنّ ما دلّ الخبر عليه من الحكم بوجوب الطهور إذا دخل الوقت لا بدّ له من ثمرة بالنسبة إلى المكلّف ، إذ بمجرّد دخول الوقت لا يترتّب عقاب على تركه ، والصحّة والمشروعيّة كانت حاصلة قبل الوقت ، واشتراطها للصلاة لا يفهم من هذا الخبر ، بل لا بدّ أن يكون مفهوماً من الخارج. وكونها واجبة بالأصالة بعد دخول الوقت باطل قطعاً. وقد مرَّ أنّ ثمرة النزاع في الوجوب الغيري والنفسي تظهر في نيّة الوجوب والاستحباب ويؤيّده ما ذكره العدليّة في كتبهم الكلاميّة من أنّه يشترط في استحقاق الثواب على فعل الواجب أن يوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه وكذا المندوب ، انتهى كلامه ، أيّده الله تعالى.

وردّ الأوّل في «المدارك (١)» بأنّه إمّا مصادرة أو لا يستلزم المدّعى. وفي «شرح الفاضل (٢)» هو مسلّم بمعنى أنّه لا يصحّ إن نوى الواجب ندباً أو العكس أمّا مع الغفلة فلا. قال : ويمكن تنزيل كلام من اعتبر الوجوب عليه كما قد تشعر به عبارة «نهاية الإحكام» هنا وفي الصلاة. قلت : وقد تقدّم نقلها. وقال الاستاذ أدام الله حراسته في «شرح المفاتيح (٣) وحاشية المدارك (٤)» أنّه ليس من المصادرة ، لأنّ قوله لا يتمّ إلّا به ، إشارة إلى أنّ نيّة الوجه مقدّمة للفعل المطلوب على الوجه المطلوب ، فلا يتمّ إلّا به ، إذ بدون ذلك لا يعلم حصول المطلوب ، لأنّ العبادة توقيفيّة ولم يبيّن لنا تمام الماهيّة بنحو يعلم عدم مدخليّة نيّة الوجوب والندب ، مع

__________________

(١) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٨.

(٢) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٩.

(٣) مصابيح الظلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٢٨٨ س ١٩ (مخطوط مكتبة الگلپايگاني).

(٤) حاشية المدارك : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ص ٥٣ س ٢٠ (مخطوط مكتبة الرّضويّة الرقم ١٤٣٧٥).

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ القول بالمدخليّة مشهور معروف ، بل في الكتب الكلاميّة أنّ مذهب العدليّة أنّه يشترط في استحقاق الثواب على واجب أن يوقع لوجوبه أو وجه وجوبه وكذا المندوب. ووجه الوجوب غير ظاهر في العبادات فيتعيّن الوجوب وكذا الندب. والعبادة الّتي لا يستحقّ بها الثواب لا تكون صحيحة ، على أنّه على فرض عدم الثبوت لم تثبت عدم المدخليّة فيجب قصد الوجه من باب المقدّمة لتحصيل العلم بالإتيان بالمأمور به على وجهه. ولو لا القصد لم يتحقّق العلم ، لاحتمال المدخليّة ، بل لا شبهة في أنّ كون الوجوب من باب المقدّمة ، فهذا مراد المستدلّ. والحاصل أنّ الحكم بصحّة عبادة لا بدّ أن يكون من نصّ أو إجماع والأوّل منتف فتعيّن الثاني ولا إجماع فيما خلا من ذلك القصد. ويؤيّده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما لكلّ امرئ ما نوى» (١) فتأمّل.

فإن قلت : النيّة خارجة عن ماهيّة العبادة لكونها شرطاً على الأصحّ والأصل عدم اشتراط ذلك القصد.

قلت : على قول من يقول إنّها جزء أو أنّ العبادة أسماء للصحيحة أو التوقّف في كونها أسماء للأعمّ لا يتمشّى هذا الأصل كما هو مسلّم ومحقّق. ومع ذلك نقول النيّة واجبة قطعاً كما عرفت ، ونيّة الواجب من مقولة العبادة ماهيّتها توقيفيّة ، والنيّة المشتملة على قصد الوجه نيّة قطعاً بخلاف الخالية ، إذ نيّة الواجب لا نصّ ولا إجماع على كونها هي النيّة المعتبرة. هذا حاصل كلامه.

ثمّ قال أدام الله تعالى حراسته : ويمكن الجواب عن ذلك كلّه بأنّ قصد الوجوب أو الندب لو كان معتبراً لأكثر الشارع من الأمر بالعمل والتعليم والتعلّم وكثر العمل والتعليم والتعلم وشاع واشتهر وذاع ، لأنّ ذلك من الامور الّتي تعمّ بها البلوى وتكثر إليها الحاجة وتشتدّ ، لأنّ أقسام العبادات من المستحبّات بالأصالة أو بالعرض في غاية الكثرة ، بل في اليوم مرّات كثيرة بالنسبة إلى أدعية الخلاء والوضوء والصلاة من الأذان إلى آخرها والتعقيبات وأدعية الساعات

__________________

(١) عوالي اللآلي : ج ١ ص ٨١ ح ٣.

٣٢٠