الكشف والبيان - ج ٨

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ٨

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

سورة المؤمن

قال الثمالي : إنما سميت بذلك من أجل حزقيل مؤمن آل فرعون مكية ، وهي خمس وثمانون آية ، وألف ومائة وتسع وتسعون كلمة ، وأربعة ألف وتسع مائة وستون حرفا في فضل الحواميم : أخبرنا الأستاذ أبو الحسين علي بن محمّد بن الحسن الجنازي قراءة عليه حدثنا أبو الشيخ الأصبهاني حدثنا محمّد بن أبي عصام حدثنا إبراهيم بن سليمان الحرّاني حدثنا عثمان المزني حدثنا عبد القدوس بن حبيب عن الحسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحواميم ديباج القرآن» [١٤٨] (١).

أخبرنا أبو محمّد ابن الرومي أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن الجراح بن أبي الجراح حدثه عن ابن عبّاس قال : لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم.

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن يعقوب القصري بها أخبرنا أبو علي الصفار ببغداد حدثنا سعدان بن نصر وأخبرنا أبو الحسين الخبازي أخبرنا الشدائي وهو أبو بكر أحمد بن نصر حدثنا ابن المنادي عن سعدان بن نصر : أن المعتمر بن سليمان الرقي حدثهم عن الخليل بن مرة مرسلا قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الحواميم سبع وأبواب جهنّم سبع : جهنم ، والحطمة ، ولظى ، والسعير ، وسقر ، والهاوية ، والجحيم ، فتجيء كل حاء ميم منهن يوم القيامة على باب من هذه الأبواب فيقول : لا يدخل الباب من كان يؤمن بي ويقرأني» [١٤٩] (٢).

أخبرنا علي بن محمّد بن الحسن حدثنا أبو جعفر محمّد بن عبد الله بن بذرة حدثنا أبو علي أحمد ابن بشر المرثدي حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعيد بن إبراهيم قال : كنّ الحواميم يسمون العرائس.

__________________

(١) الجامع الصغير : ١ / ٥٩٤ ح ٣٨٥١.

(٢) الجامع الصغير : ١ / ٥٩٤ ح ٣٨٥٣.

٢٦١

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لكل شيء ثمرة ، وأن ثمرة القرآن ذوات حسم هن روضات حسان مخصبات متجاورات ، فمن أحب أن يرتع في رياض الجنّة فليقرأ الحواميم» [١٥٠] (١).

وقال ابن مسعود : إذا وقعت في أل حم وقعت في روضات أتأنق فيهن.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب» [١٥١] (٢).

وقال ابن سيرين : رأى رجل في المنام سبع جوار حسان في مكان واحد لم ير أحسن منهن فقال لهن : لمن أنتن؟

قلن : لمن قرأ أل حم.

فأما فضائل هذه السورة خاصة.

فأخبرنا أبو عبد الله حدثنا ظفران حدثنا أبو محمّد بن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمّد ابن الصباح وأخبرنا أبو الحسين الخبازي حدثنا ظفران حدثنا ابن أبي داود حدثنا محمّد بن عاصم وأخبرنا الخبازي حدثنا ابن حبش المقرئ حدثني أبو العبّاس محمّد بن موسى الدقاق حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا نشابة بن سوار حدثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد وعن عطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ (حم) المؤمن لم تبق روح نبيّ ولا صدّيق ولا شهيد ولا مؤمن إلّا صلّوا عليه واستغفروا له» [١٥٢].

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٥ / ٢٨٨.

(٢) تفسير القرطبي : ١٥ / ٢٨٨.

٢٦٢

(١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢))

(حم) أنبأنا أبو عبد الله بن فنجويه حدثنا أبو علي بن حبش المقرئ حدثنا أبو القاسم ابن الفضل حدثنا علي بن الحسن حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا يحيى بن حسان حدثنا رشد عن الحسن بن ثوبان عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «(حم) اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربّك تعالى» [١٥٣] (١).

أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان أخبرنا مكي بن عبدان حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي حدثنا شعبة قال : سألت السدي عن (حم)؟

فقال : قال ابن عبّاس : هو اسم الله الأعظم.

وروى عكرمة عن ابن عبّاس قال : (الر) و (حم) و (ن) حروف (الرَّحْمنُ) مقطوعة.

الوالبي عنه : (٢) قسم أقسم الله تعالى به ، وهو اسم من أسماء الله تعالى.

وقال قتادة : (حم) اسم من أسماء القرآن.

مجاهد : فواتح السور.

القرظي : أقسم الله تعالى بحلمه وملكه أن لا يعذب أحدا عاد إليه يقول لا إله إلّا الله مخلصا من قلبه.

الشعبي : شعار السورة.

وقال عطاء بن أبي مسلم الخراساني : الحاء افتتاح أسماء الله تعالى : حليم ، وحميد ، وحيّ ، وحنّان ، وحكيم ، والميم افتتاح أسمائه : ملك ، ومجيد ، ومنّان. يدل عليه ما روى عن أنس بن مالك أنه قال : سأل أعرابي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما (حم) ، فإنا لا نعرفها في لغتنا؟

فقال : «بدء أسماء وفواتح سور» [١٥٤].

وقال الضحاك والكسائي : معناه قضى ما هو كائن ، كأنه أراد الإشارة إلى حمّ بضم الحاء وتشديد الميم.

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) واختلف القراء في قوله : (حم) فكسر الحاء حيث كان ، عيسى وحمزة والكسائي وخلف ، ومثله روى يحيى وحماد عن أبي بكر عن عاصم.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٥ / ٢٨٩.

(٢) تفسير القرطبي : ١٥ / ٢٨٩.

٢٦٣

وقرأ أبو جعفر وأبو عبيد وأبو حاتم وابن ذكوان بين الفتح والكسر.

ومثله روى بكر بن سهل الدمياطي وإسماعيل النخاس عن ورش عن نافع.

وقرأ الباقون : بالفتح.

(غافِرِ الذَّنْبِ) قال ابن عبّاس : لمن قال : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ...

(وَقابِلِ التَّوْبِ) ممّن قال : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ ... شَدِيدِ الْعِقابِ) لمن لا يقول : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ...

(ذِي الطَّوْلِ) ذي الغنى عمّن لا يقول : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ).

وقال الضحاك : ذي المنن.

قتادة : ذي النعم.

السدي : ذي السعة.

الحسن : ذي الفضل.

ابن زيد : ذي القدرة ، وأصل الطول : الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه ، يقال : اللهم طلّ علينا ، أي أنعم علينا وتفضل ، ومنه قيل للمنفع : طائل ، ويقال في الكلام : ما خليت من فلان بطائل وما حظيت منه بنائل ، أي لم أجد منه منفعة.

حدثنا الحسن بن محمّد بن فنجويه حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا يوسف بن عبد الله ابن ماهان حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت قال : كنت إلى جانب سرادق مصعب بن الزبير في مكان لا يمر فيه الدواب ، وقد استفتحت (حم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) إذ مرّ رجل على دابة فلما قلت : (غافِرِ الذَّنْبِ). قال : قل : يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي.

قلت : (وَقابِلِ التَّوْبِ).

قال : قل : يا قابل التوب اقبل توبتي. قلت : (شَدِيدِ الْعِقابِ).

قال : قل : يا شديد العقاب اعف عني عقابي.

قلت : (ذِي الطَّوْلِ).

قال : قل يا ذي الطول طلّ عليّ بخير.

قال : ثم التفت يمينا وشمالا فلم أر شيئا.

وقال أهل الإشارة : (غافِرِ الذَّنْبِ) فضلا (وَقابِلِ التَّوْبِ) وعدا (شَدِيدِ الْعِقابِ) عدلا.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فردا. و (التَّوْبِ) يجوز أن يكون مصدرا ، ويحتمل أن يكون جمع التوبة ، مثل دومة ودوّم وعومة وعوّم.

٢٦٤

أخبرنا عبد الله بن حامد قرأه عليه حدثنا محمّد بن خالد بن الحسن أخبرنا داود بن سليمان حدثنا عبد بن حميد حدثنا كثير بن هشام أخبرنا جعفر بن مرقان حدثنا يزيد بن الأصم : أن رجلا كان ذا بأس ، وكان يوفد إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه لبأسه ، وكان من أهل الشام ، وأن عمر فقده فسأل عنه فقيل له : يتابع في هذا الشراب فدعا عمر كاتبه فقال : اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان سلام عليكم ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ). وختم على الكتاب ثم دفعه إلى رسوله وقال : لا تدفعن الكتاب إليه حتّى تجده صحوان.

ثم أمر من عنده فدعوا له أن يقبل الله تعالى عليه بقلبه ، وأن يتوب عليه ، فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول قد وعدني الله تعالى أن يغفر لي وحذّرني عقابه ، فلم يزل يرددها على نفسه حتّى بكى ثم نزع ، فأحسن النزع وحسنت توبته وحاله ، فلما بلغ عمر أمره قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زل زلة فسدّدوه ووفقوه وادعوا الله تعالى له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه (١).

(ما يُجادِلُ) ما يخاصم ويمادي (فِي آياتِ اللهِ) بالإنكار لها (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا).

أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمّد بن يعقوب حدثنا محمّد بن إسحاق حدثنا خالد بن الوليد حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : آيتان ما أشدّهما على الذين يجادلون في القرآن (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) و (إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٢).

أخبرنا عبد الله بن حامد حدثنا محمّد بن خالد حدثنا داود بن سليمان أخبرنا عبد بن حميد حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائد عن ليث عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن جدالا في القرآن كفر» [١٥٥] (٣).

(فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ) تصرفهم (فِي الْبِلادِ) للتجارات وبقائهم فيها مع كفرهم ، فإن الله تعالى يمهلهم ولا يهملهم ، نظيره : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ) (٤) ، ثم قال : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ) والكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالمخالفة والعداوة (مِنْ بَعْدِهِمْ) ، أي من بعد قوم نوح (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) ويقتلوه.

__________________

(١) الدر المنثور : ٥ / ٣٤٥.

(٢) سورة البقرة : ١٧٦.

(٣) مسند أحمد : ٢ / ٢٥٨ ، والمستدرك : ٢ / ٢٢٣.

(٤) سورة آل عمران : ١٩٦ ـ ١٩٧.

٢٦٥

قال الفراء : كان حقه أن يقول برسولها وكذلك هي في قراءة عبد الله ، ولكنه أراد بالأمة الرجال فكذلك قال : (بِرَسُولِهِمْ)) ...

(وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا) ليبطلوا ويزيلوا (بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ * وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) من الملائكة.

قال ابن عبّاس : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمس مائة عام.

وقال : مسيرة أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة ، وأهل السماء السابعة أشد خوفا من أهل السماء التي تليها ، والتي تليها أشد خوفا من التي تليها.

قال مجاهد : بين الملائكة وبين العرش سبعون حجابا من نور.

أخبرنا ابن فنجويه الدينوري حدثنا مخلد بن جعفر حدثنا الحسن بن علوية حدثنا إسماعيل ابن عيسى حدثنا إسحاق أخبرني مقاتل عن الضحاك عن ابن عبّاس قال : لمّا خلق الله حملة العرش قال لهم : احملوا عرشي. فلم يطيقوا ، فخلق مع كل ملك منهم من أعوانهم مثل جنود من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الخلق ، فقال : احملوا عرشي. فلم يطيقوا ، فخلق مع كل واحد منهم جنود سبع سماوات وسبع أرضين وما في الأرض من عدد الحصى والثرى فقال : احملوا عرشي. فلم يطيقوا ، فقال : قولوا لا حول ولا قوة إلّا بالله.

فقالوا : لا حول ولا قوة إلّا بالله استقلينا عرش ربّنا.

قال : فنفذت أقدامهم في الأرض السابعة على متن الثرى فلم تستقر ، فكتب على قدم كل ملك اسم من أسمائه تعالى ، فاستقرت أقدامهم.

وروى شهر بن حوشب عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تتفكروا في عظمته ولكن تفكروا فيما خلق الله تعالى من الملائكة ، فإن خلقا من الملائكة يقال له : إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى ، وقد مرق رأسه من سبع سماوات وأنه ليتضاءل من عظمة الله تعالى حتّى يصير كأنه الوضيع» [١٥٦] (١).

وروى موسى بن عقبة عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أذن لي أن أحدّث عن ملك من ملائكة الله من حملة عرشه ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مائة عام» [١٥٧] (٢).

__________________

(١) كشف الخفاء للعجلوني : ١ / ٣١١ ، والدر المنثور : ٥ / ٣٤٧ بتفاوت يسير.

(٢) المعجم الأوسط : ٣ / ٤١ ، ومجمع الزوائد : ١ / ٨٠ وفيه : سبعين عاما ، والمعجم الأوسط : ٢ / ١٩٩ وفيه : أربع مائة عام.

٢٦٦

وفي الخبر : أن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة عرشه ، تفضيلا لهم على سائر الملائكة ، فهذه صفة حملة العرش.

وأما صفة العرش : فروى لقمان بن عامر عن أبيه قال : ان الله تعالى خلق العرش من جوهرة خضراء ، للعرش ألف ألف رأس زاجون ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلّا وهو يسبح بتحميده لا يسبحه الآخر ، ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام ، وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربع مائة عام ، واحتجب الله تعالى بينه وبين الملائكة الذين هم حول العرش بسبعين حجابا من نار ، وسبعين حجابا من ظلمة ، وسبعين حجابا من نور ، وسبعين حجابا من در أبيض ، وسبعين حجابا من ياقوت أحمر ، وسبعين حجابا من زبر جد أخضر ، وسبعين حجابا من ثلج ، وسبعين حجابا من ماء ، وسبعين حجابا من برد وما لا يعلمه إلّا الله تعالى.

قال : ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه : وجه ثور ، ووجه أسد ، ووجه نسر ، ووجه إنسان ، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة : أما جناحان فعلى وجه من أن ينظر إلى العرش فيصعق ، وأما جناحان فيتبوأ فيقوى بهما ، ليس لهم كلام إلّا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.

وقال يزيد الرقاشي : ان لله تعالى ملائكة حول العرش يسمّون المخلصين ، تجري أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة يميدون كأنما ينفضهم من خشية الله ، فيقول لهم الربّ جلّ جلاله : يا ملائكتي مخافة تخيفكم؟

فيقولون : يا ربّنا لو أن أهل الأرض أطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا عليه ، ما أساغوا طعاما ولا شرابا ولا انبسطوا في فرشهم ، ولخرجوا إلى الصحارى يخورون كما يخور البقر (١).

(يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) وهذا تفسير لقوله (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) (٢) (... رَبَّنا) أي ويقولون : ربّنا (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) نصبا على التفسير ، وقيل : نصبا على النقل ، أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) دينك (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ).

روى الأعمش عن إبراهيم قال : كان أصحاب عبد الله يقولون الملائكة خير من ابن

__________________

(١) لم نجده إلّا في شرح اصول الكافي للمازندراني : ١١ / ٣٤٩ عن بعض المفسرين.

(٢) سورة الشورى : ٥.

٢٦٧

الكواء ، (يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر ، وابن الكواء رجل من الخوارج قال : وكانوا لا يحبون الاستغفار على أحد من أهل هذه القبلة.

وقال : وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ، ووجدنا أغش عباد الله للعباد الشيطان.

وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبي يقول : سمعت محمّد بن علي بن محمّد الوراق يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول لأصحابه إذ قرأ هذه الآية : افهموا فما في العالم خيرا أرجى منه.

(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ) في محل نصب عطفا على الهاء والميم (صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

قال سعيد بن جبير : يدخل الرجل الجنّة فيقول : أين أبي أين أمي أين ولدي أين زوجي؟

فيقال : لم يعملوا مثل عملك.

فيقول : كنت أعمل لي ولهم.

فيقال : أدخلوهم الجنّة.

(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أنواع العذاب (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ) يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عاينوا العذاب فيقال لهم : (لَمَقْتُ اللهِ) إياكم في الدّنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون (أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ) اليوم (أَنْفُسَكُمْ) عند حلول العذاب بكم (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ * قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ).

قال ابن عبّاس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ، فأحياهم الله تعالى في الدّنيا ثم أماتهم الموتة التي لا بدّ منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة ، فهما حياتان وموتتان ، وهذا مثل قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (١) الآية.

وقال السدي : أميتوا في الدّنيا ثم أحيوا في قبورهم ، فسئلوا ثم أميتوا في قبورهم ، ثم أحيوا في الآخرة.

(فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) فنصلح أعمالنا ، نظيرها قوله : (هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (٢) (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) في الكلام متروك استغنى بدلالة الظاهر عليه ، مجازه : فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك وهو العذاب والخلود في النار ، بأنه (إِذا دُعِيَ اللهُ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨.

(٢) سورة الشورى : ٤٤.

٢٦٨

وَحْدَهُ) في الدّنيا (كَفَرْتُمْ) به وأنكرتم أن لا تكون الإلهية له خالصة ، وقلتم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ) غيره.

(تُؤْمِنُوا) تصدقوا ذلك المشرك. وسمعت بعض العلماء يقول : وإن يشرك به بعد الرد إلى الدّنيا لو كان تؤمنوا تصدقوا المشرك ذكره بلفظ الاستفهام. نظيره قوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (١) (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ).

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨))

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) بإدرار الغيث (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) العبادة والطاعة (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ * رَفِيعُ) أيّ هو رفيع (الدَّرَجاتِ) يعني رافع طبقات الثواب للأنبياء والمؤمنين في الجنّة.

قال ابن عبّاس : رافع السماوات وهو فوق كل شيء وليس فوقه شيء.

__________________

(١) سورة الأنعام : ٢٨.

٢٦٩

(ذُو الْعَرْشِ) خالقه ومالكه (يُلْقِي الرُّوحَ) ينزل الوحي ، سمّاه وحيا ، لأنه يحيى به القلوب كما يحيي بالأرواح الأبدان (مِنْ أَمْرِهِ) من قوله وقيل بأمره (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ).

قراءة العامة : بالياء أي ينذر الله تعالى.

وقرأ الحسن : بالتاء ، يعني لتنذر أنت يا محمّد (يَوْمَ التَّلاقِ).

أخبرنا أبو الحسين بن الفضل الفقيه حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا محمّد بن عبيد الله حدثنا أبو أسامة حدثنا المبرك بن فضالة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) قال : يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض.

وقال قتادة ومقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق.

ابن زيد : يتلاقى العباد.

ميمون بن مهران : يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم. وقيل : يلتقي العابدون والمعبودون.

وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) خارجون من قبورهم ، ظاهرون لا يسترهم شيء (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ) من أعمالهم وأحوالهم (شَيْءٌ) ومحل (هُمْ) رفع على الابتداء و (بارِزُونَ) خبره (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) وذلك عند فناء الخلق ، وقد ذكرنا الأخبار فيه.

قال الحسن : هو السائل وهو المجيب ، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه فيقول : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) الذي قهر الخلق بالموت.

أخبرنا شعيب أخبرنا مكي حدثنا أبو الأزهر حدثنا روح حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد ، بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضّة لم يعص الله تعالى فيها قط ، فأول ما تتكلم به أن ينادي مناد (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).

(الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فأول ما يبدءون به من الخصومات الدماء (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) أي بيوم القيامة ، سمّيت بذلك لأنها قريبة ، إذ كل ما هو آت قريب.

قال النابغة :

أزف الترحل غير أن ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قد (١)

__________________

(١) شرح الرضي على الكافية : ٣ / ٢٤١.

٢٧٠

أي : قرب ، ونظيرها هذه الآية قوله تعالى : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) (١) أيّ قربت القيامة.

(إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) من الخوف قد زالت وشخصت من صدورهم ، فتعلقت بحلوقهم فلا هي تعود إلى أماكنها ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا فليسوا سواء (٢) نظيره قوله : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (٣) (... كاظِمِينَ) مكروبين ممتلئين خوفا وحزنا ، والكاظم الممسك للشيء على ما فيه ، ومنه كظم قربته إذا شد رأسها ، فهم قد أطبقوا أفواههم على ما في قلوبهم من شدة الخوف ، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حين يضيق به.

يقول العرب للبئر الضيقة وللسقاية المملوءة : ماء كظامة وكاظمة ، ومنه الحديث : كيف بكم [إذا] بعجت مكة كظائم.

قال الشاعر :

يخرجن من كاظمة الح صن الخرب

يحملن عبّاس بن عبد المطلب (٤)

ونصب (كاظِمِينَ) على الحال والقطع.

(ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) قريب وصديق ، ومنه قيل للأقرباء والخاصة حامّة (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) فيشفع فيهم (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ).

وقال المؤرخ : فيه تقديم وتأخير مجازه أي الأعين الخائنة قال ابن عبّاس : هو الرجل يكون جالسا مع القوم ، فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.

وقال مجاهد : هي نظر الأعين إلى ما نهى الله تعالى عنه.

قتادة : هي همزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى ولا يرضاه.

(وَما تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) يعني الأوثان (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) لأنها لا تعلم شيء ولا تقدر على شي.

وقرأ أهل المدينة وأيوب : تدعون بالتاء ، ومثله روى هشام عن أهل الشام والباقون : بالياء.

(إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً).

__________________

(١) سورة النجم : ٥٧.

(٢) تفسير الطبري : ٢٤ / ٦٧ بتفاوت.

(٣) سورة إبراهيم : ٤٣.

(٤) لسان العرب : ١٥ / ٣٩٥ ، وفيه : (صبحن) بدل (يخرجن)

٢٧١

قرأه العامة : بالهاء.

وقرأ ابن عامر : منكم بالكاف. وكذلك هو في مصاحفهم.

(وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) فلم ينفعهم ذلك حين أخذهم الله (بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) يعني من عذاب الله من واق ينفعهم ويدفع عنهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ * إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا) يعني فرعون وقومه (اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ).

قال قتادة : هذا قتل غير القتل الأول ، لأن فرعون كان أمسك عن قتل الولدان ، فلما بعث إليه موسى أعاد القتل عليهم.

(وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) ليصدوهم بقتل الأبناء واستحياء النساء عن متابعة موسى ومظاهرته (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ) وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم (إِلَّا فِي ضَلالٍ * وَقالَ فِرْعَوْنُ) لملائه (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منّا (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ) يغير (دِينَكُمْ) الذي أنتم عليه بسحر (أَوْ أَنْ).

قرأ أبو عمر وأهل المدينة وأهل الشام وأهل مكة : وأن بغير ألف ، وكذلك هي في مصاحف أهل الحرمين والشام.

وقرأ الكوفيون وبعض البصريين : (أَوْ أَنْ) بالألف ، وكذلك هي في مصاحف أهل العراق.

وقال أبو عبيد : وبها يقرأ للزيادة التي فيها ، ولأن (أو) ربما كانت في تأويل الواو ، ولا تكون الواو في معنى أو.

(يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ).

قرأ أهل المدينة والبصرة : (يُظْهِرَ) بضم الياء وكسر الهاء ، و (الْفَسادَ) بنصب الدال على التعدية.

ومثله روى حفص عن عاصم وهي اختيار أبي عبيد قال لقومه : (يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) ، فكذلك (يُظْهِرَ) ليكون الفعلان على نسق واحد.

وقرأ الآخرون : بفتح الياء والهاء ورفع الدال على اللزوم ، وهي اختيار أبي حاتم. والفساد انتقاص الأمر ، وأراد فرعون به تبديل الدين وعبادة غيره.

(وَقالَ مُوسى) لما توّعده فرعون بالقتل : (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ * وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) اختلفوا في هذا المؤمن.

٢٧٢

فقال بعضهم : كان من آل فرعون ، غير أنه كان آمن بموسى ، وكان يكتم إيمانه من فرعون وقومه خوفا على نفسه.

قال السدّي ومقاتل : كان ابن عم فرعون وهو الذي أخبر الله تعالى عنه فقال : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) (١).

وقال آخرون : كان إسرائيليا ، ومجاز الآية : وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون.

واختلفوا أيضا في اسمه.

فقال ابن عبّاس وأكثر العلماء : اسمه حزبيل.

وهب بن منبه : اسمه حزيقال.

ابن إسحاق : خبرل.

أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمّد بن خالد أخبرنا داود بن سليمان أخبرنا عبد الواحد أخبرنا أحمد بن يونس حدثنا خديج بن معاوية عن أبي إسحاق قال : كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون (حبيب).

(أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ) أي لأن (يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) من العذاب.

وقال بعض أهل المعاني : أراد يصبكم كل الذي يعدكم.

والعرب تذكر البعض وتريد الكل ، كقول لبيد :

تراك أمكنة إذا لم أرضها

أو يرتبط بعض النفوس حمامها (٢)

أي كل النفوس.

(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) مشرك.

وقال السدي : قتّال.

(كَذَّابٌ) على الله.

أخبرنا الامام أبو منصور محمّد بن عبد الله الجمشاذي حدثنا أبو العبّاس الأصم حدثنا العبّاس بن محمّد الثوري حدثنا خالد بن مخلد القطواني حدثنا سليمان بن بلال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص قال : ما تؤول من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيء كان أشد من أن طاف

__________________

(١) سورة القصص : ٢٠.

(٢) تفسير الطبري : ٢٥ / ١١٨ ، تفسير القرطبي : ١٥ / ٣٠٧.

٢٧٣

بالبيت فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه فقالوا : أنت الذي تنهانا عمّا كان يعبد آباؤنا؟

فقال : «أنا ذاك».

فقام أبو بكر رضي‌الله‌عنه فالتزمه من ورائه وقال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) إلى آخر الآية رافع صوته بذلك ، وعيناه تسفحان حتّى أرسلوه (١).

(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧))

(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ) غالبين مستعلين على بني إسرائيل (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) عذاب الله (إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ) من الرأي والنصيحة (إِلَّا ما أَرى) لنفسي.

وقال الضحاك : ما أعلمكم إلّا ما أعلم نظيره (بِما أَراكَ اللهُ) (٢). (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ * وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) مثل ما أصابهم من العذاب (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ * وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ).

قرأه العامة : بتخفيف الدال ، بمعنى يوم ينادي المناد بالشقاوة والسعادة ، إلّا أن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، إلّا أن فلان بن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا ، وينادي الناس بعضهم بعضا ، وينادي أصحاب الأعراف ، وأهل الجنّة أهل النار ، وأهل النار أهل الجنّة ، وينادي حين يذبح الموت : يا أهل الجنّة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، وينادي كل قوم بأعمالهم. وقرأ الحسن : (التنادي) بتخفيف الدال واثبات الياء على الأصل.

__________________

(١) السنن الكبرى : ٦ / ٤٥٠.

(٢) سورة النساء : ١٠٥.

٢٧٤

وقرأ ابن عبّاس والضحاك : بتشديد الدال ، على معنى يوم التنافر ، وذلك إذا ندّوا في الأرض كما تند الإبل إذا شردت على أربابها.

قال الضحاك : وذلك إذا سمعوا زفير النار ندّوا هرابا ، فلا يأتون قطرا من الأقطار إلّا وجدوا ملائكة صفوفا ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله : (يَوْمَ التَّنادِ) وقوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) (١) (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) (٢).

(يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) أيّ منصرفين عن موقف الحساب إلى النار.

وقال مجاهد : يعني فارّين غير معجزين.

(ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) ناصر يمنعكم من عذابه (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ * وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) بن يعقوب عليه‌السلام (مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ) أي من قبل موسى بالبينات.

قال وهب : إن فرعون موسى هو فرعون يوسف ، عمّر إلى زمن موسى. وقال الباقون : هو غيره.

(فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) مشرك (مُرْتابٌ) شاك (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً) أي كبر ذلك الجدال مقتا كقوله : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا) (٣) و (كَبُرَتْ كَلِمَةً) (٤) (عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ) يختم الله بالكفر (عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).

وقرأ أبو عمرو وابن عامر : (قَلْبٍ) منوّنا.

وقرأ الآخرون : بالإضافة (٥).

[واختاره أبو حاتم وأبو عبيد] (٦) ، وفي قراءة ابن مسعود : (على قلب كل متكبر جبار).

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) قصرا. والصرح البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد ، وأصله من التصريح وهو الإظهار.

__________________

(١) سورة الرحمن : ٣٣.

(٢) سورة الحاقة : ١٧.

(٣) سورة الصف : ٣.

(٤) سورة الكهف : ٥.

(٥) أي إضافة قلب إلى المتكبر ويكون في الكلام حذف تقديره : «كذلك يطبع الله على كل قلب ، على كل متكبر جبار» فحذف «كل».

(٦) عن تفسير القرطبي : ١٥ / ٣١٣.

٢٧٥

(لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ * أَسْبابَ السَّماواتِ) أي طرقها وأبوابها (فَأَطَّلِعَ).

قرأه العامة : برفع العين نسقا على قوله : (أَبْلُغُ).

وقرأ حميد الأعرج : بنصب العين.

ومثله روى حفص عن عاصم على جواب (لَعَلِّي) بالفاء.

وأنشد الفراء عن بعض العرب :

على صروف الدهر أو دولاتها

يدلننا اللمّة من لماتها

فتستريح النفس من زفراتها (١)

بنصب الحاء على جواب حرف التمني.

(إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) يعني موسى (كاذِباً) فيما يقول : إن له ربّا غيري أرسله إلينا (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) خسار وضلال.

نظيره : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (٢).

(اسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْ‌عَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْ‌عَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (٣٧) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ

__________________

(١) تفسير الطبري : ٢٤ / ٨٣ و ٣٠ / ٦٧.

(٢) سورة المسد : ١.

٢٧٦

آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧))

(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) طريق الصواب (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) متعة وبلاغ ، تنتفعون بها مدة ثم تزول عنكم (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) ينتفع بها.

وقال السديّ : يعني لا يستجيب لأحد في الدّنيا ولا في الآخرة ، فكان معنى الكلام : ليست له استجابة دعوة.

وقال قتادة : ليست له دعوة مستجابة. وقيل : ليس له دعوة في الدّنيا ولا في الآخرة إلّا عبدوها ، لأن الأوثان لم تأمر بعبادتها في الدّنيا ، ولم تدع الربوبية وفي الآخرة تتبرأ من عابديها (وَأَنَّ مَرَدَّنا) مرجعنا (إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ).

قال ابن عبّاس وقتادة : يعني المشركين.

وقال مجاهد : هم السفّاكون الدماء بغير حقها.

وقال عكرمة : الجبارين المتكبرين.

(فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) إذا عاينتم العذاب حين لا ينفعكم الذكر (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) وذلك انهم توعدوه لمخالفة دينهم (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) عالم بأمورهم من المحق منهم ومن المبطل (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا).

قال قتادة : نجا مع موسى وكان قبطيا.

(وَحاقَ) نزل (بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) في الدّنيا الغرق وفي الآخرة النار وذلك قوله : (النَّارُ) وهي رفع على البدل من السوء (يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) وأصل العرض اظهار الشيء.

٢٧٧

قال قتادة : يعرضون عليها صباحا ومساء ، يقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغارا لهم.

وقال السدي وهذيل بن شرحبيل : هو أنهم لما هلكوا جعلت أرواحهم في أجواف طير سود ، فهي تعرض على النار كل يوم مرتين تغدوا وتروح إلى النار حتى تقوم الساعة.

أخبرني عقيل بن محمّد بن أحمد الجرجاني : أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمّد بن جرير حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير حدثنا حماد بن محمّد الفزاري قال : سمعت الأوزاعي وسأله رجل فقال : يرحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا فوجا ، لا يعلم عددها إلّا الله تعالى ، فإذا كان العشي رجع مثلها سودا.

قال : وفطنتم لذلك؟

قال : نعم.

قال : إن تلك الطيور في حواصلها أزواج آل فرعون يعرضون على النار (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ، فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سودا ، فنبت عليها أرياش من الليل بيض وتناثر السود ، ثم تغدوا فيعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها ، فذلك دأبهم في الدّنيا ، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ).

قال : وكانوا يقولون : إنهم ستمائة ألف مقاتل (١).

قال عكرمة ومحمّد بن كعب : هذه الآية تدل على عذاب القبر ، لأن الله تعالى ميّز عذاب الآخرة فقال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٢) ادخلوا.

قرأ أهل المدينة والكوفة إلّا أبا بكر ويعقوب : بقطع الألف وكسر الخاء من الإدخال.

وقرأ الباقون : بوصل الألف وضم الخاء من الدخول (٣).

(وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) في الدّنيا (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) والتبع يكون واحدا وجمعا.

وقال نحويو البصرة : وواحده تابع.

وقال أهل الكوفة : هو جمع لا واحد له ، لأنه كالمصدر وجمعه أتباع.

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها).

__________________

(١) جامع البيان للطبري : ٢٤ / ٩٠.

(٢) سورة غافر : ٤٦.

(٣) والتقدير : ادخلوا يا آل فرعون ، راجع تفسير القرطبي : ١٥ / ٣٢٠.

٢٧٨

وقرأ ابن السميقع : (إنا كلا فيها) بالنصب ، جعلها نعتا وتأكيدا لـ (إِنَّا).

(إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ * وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ) إذا اشتد.

الشعبي قال : كنية الدجال أبو يوسف (١).

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤))

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) بالتاء أهل الكوفة وغيرهم : بالياء.

واختاره أبو عبيد قال : لأن أول الآيات وآخرها خبر عن قوم.

(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) لجائية (لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بها (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أي وحدوني واعبدوني دون غيري أجبكم وآجركم واثيبكم واغفر لكم ، هذا قول أكثر المفسرين. يدل عليه سياق الآية.

__________________

(١) انظر : تاريخ بغداد : ١٠ / ٢٣٨.

٢٧٩

وقال بعضهم : هو الذكر والدعاء والسؤال.

أخبرنا ابن فنجويه حدثنا محمّد بن الحسن حدثنا أبو بكر بن أبي الخصيب حدثني عثمان ابن خرداد حدثنا قطر بن بشير حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليسأل أحدكم ربّه حاجته كلها حتّى شسع نعله إذا انقطع» [١٥٨] (١).

(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) توحيدي وطاعتي ، عن أكثر المفسرين.

وقال السديّ : عن دعائي.

أخبرنا عقيل بن محمّد أبو المعافا بن زكريا أخبرنا محمّد بن جرير حدثنا محمّد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن منصور والأعمش عن ذر عن سبع الحضرمي عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الدعاء هو العبادة ـ ثم تلا هذه الآية ـ : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي)» [١٥٩] (٢) عن دعائي.

وباسناده عن ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشام بن القاسم عن الأشجع قال : قيل لسفيان : ادع الله. قال : إن ترك الذنوب هو الدعاء (سَيَدْخُلُونَ).

قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأبو حاتم : بضم الياء وفتح الخاء.

واختلف فيه.

عن أبي عمرو وعاصم غير هم ضده.

(جَهَنَّمَ داخِرِينَ) صاغرين (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذلِكَ) كما أفكتم عن الحق مع قيام الدلائل ، كذلك (يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ * اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ).

قرأ العامة : بضم الصاد. وقرأ أبو رزين العقيلي : وَأَحْسَنَ صِوَرَكُمْ بكسر الصاد ، وهي لغة.

قرأه العامة : بضم الصاد.

(وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) وذلك حين دعي إلى الكفر [فأمر أن يقول هذا].

__________________

(١) سنن الترمذي : ٥ / ٢٤٢ ح ٣٦٨٢ ، والجامع الصغير : ٢ / ٤٩٩ ح ٧٥٦٢.

(٢) مسند أحمد : ٤ / ٢٦٧ ، وسنن أبي داود : ١ / ٣٣٢ ح ١٤٧٩.

٢٨٠