قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فقال : إنّ القوم استكرهوني وإنّي كنت مسلماً ، فقال صلّى الله عليه وآله : الله أعلم بإسلامك إن يكن حقاً ، فانّ الله يجزيك به وأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا ، قال : ليس لي مال ، قال صلّى الله عليه وآله : فأين المال الّذي وضعته عند أمّ الفضل بمكة وليس معكما أحد ؟ فقلت لها : إن اُصبتُ في سفري هذا فهذا المال لبنيَّ الفضل وعبد الله وقثم ، فقال : والله يا رسول الله إنّي لأعلم أنك لرسول الله إنّ هذا شيء ما علمه غيري وغير اُمّ الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم منّي من مال كان معي عشرون أوقية ، فقال رسول الله : لا ، ذلك شيء أعطانا الله منك ففدى نفسه بمائة أوقية ، وذلك قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ » (١) الآية وعامة من قتل من الكفّار قتلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً (٢).

٤١٨ ـ ثمّ كانت غزاة اُحد على رأس سنة ، ورئيس المشركين يومئذ أبوسفيان بن حرب ، وكان أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله سبعمائة والمشركون ألفين ، وخرج رسول الله بعد أن استشار أصحابه ، وكان رأيه أن يقاتل الرّجال على أفواه السّكك ، ويرمي الضّعفاء من فوق البيوت ، فأبوا إلّا الخروج إليهم ، فلّما صار على الطّريق ، قالوا : نرجع ، فقال : ما كان لنبيّ إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم ، وكانوا ألف رجل ، فلمّا كانوا في بعض الطّريق انخذل عنهم عبد الله بن اُبيّ بثلث النّاس ، وقال : والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا والقوم قومه ، فهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرّجوع فعصمهم الله ، وهو قوله تعالى جلّ ذكره : « إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا » (٣).

وأصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله متهيّئاً للقتال ، وجعل على راية المهاجرين عليّاً عليه السلام وعلى راية الأنصار سعد بن معاذ (٤) ، وقعد رسول الله صلّى الله عليه وآله في راية الأنصار ، ثمّ مرّ على الرّماة وكانوا خمسين رجلاً وعليهم عبد الله بن جبير ، فوعظهم وذكّرهم وقال : اتّقوا الله واصبروا وإن رأيتمونا يخطفنا الطّير ، فلا تبرحوا مكانكم حتّى أرسل إليكم ،

_________________________________

(١) سورة الانفال : (٧٠).

(٢) بحار الانوار (١٩ / ٢٤٠) ، وراجع أعلام الورى ص (٧٥ ـ ٧٦).

(٣) سورة آل عمران : (١٢٢).

(٤) كذا في النّسخ ، وفي البحار : عبادة.

٣٤١

فأقامهم عبد الله بن جبير على الشّعب ، وكانت الهزيمة على المشركين ، فاشتغل بالغنيمة المقاتلة ، فقال الرّماة : نخرج للغنيمة قال عبد الله : أمّا أنا فلا أبرح ، فخرجوا وخرج كمين المشركين عليهم خالد بن الوليد ، فقتل عبد الله ثمّ أتى النّاس من أدبارهم ووضع في المسلمين السّلاح فانهزموا وصاح إبليس : قتل محمّد. ورسول الله يدعوهم في اُخراهم : أيّها النّاس إنّي رسول الله إنّ الله قد وعدني النّصر فإلى أين الفرار ؟.

قال الصّادق عليه السلام : انهزم النّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فغضب غضباً شديداً ، وكان إذا غضب انحدر من وجهه وجبهته مثل اللّؤلؤ من العرق ، فنظر فاذا عليّ إلى جنبه ، فقال : ما لك لم تلحق ببني أبيك ؟ فقال عليّ عليه السلام : يا رسول الله أكفر بعد إيمان ؟ إنّ لي بك أُسوة فقال : أما فاكفني (١) هؤلاء ، فحمل عليّ فضرب اوّل من لقي منهم ، فقال جبرئيل عليه السلام : إنّ هذه لهي المواساة يا محمّد ، فقال : إنّه منّي وأنا منه ، قال جبرئيل عليه السلام : وأنا منكما.

وثاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله جماعة من أصحابه ، وأُصيب من المسلمين رجال (٢) منهم حمزة وثلاث آخر من المهاجرين ، وقام أبوسفيان ونادى أحيّ ابن أبي كبشة ، فامّا ابن أبي طالب فقد رأيناه مكانه ، فقال عليّ عليه السلام : أي والّذي بعثه ، وأنه ليسمع كلامك فقال أبوسفيان لعليّ : إنّ ابن قميئة أخبرني أنّه قتل محمداً وأنت أصدق ، ثمّ ولّى إلى أصحابه وقال : اتّخذوا اللّيل جملاً وانصَرِفُوْا.

ثمّ عاد رسول الله صلّى الله عليه وآله ونادى عليّاً عليه السلام فقال : اتبعهم فانظر أين يريدون ؟ فإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الأبل ، فانّهم يريدون المدينة ، وإن كانوا ركبوا الأبل وساقوا الخيل ، فهم متوجّهون إلى مكّة ، وقال : رأيت خيلهم تضرب بأذنابها مجنوبة مدبرة ، فطابت أنفس المسلمين بذهاب العدوّ.

وقال : أبان بن عثمان فلمّا كان من الغد من يوم أحد نادى رسول الله صلّى الله عليه وآله في المسلمين ، فأجابوه فخرجوا على ما أصابهم من الفزع ، وقدّم عليّاً عليه السلام بين

_________________________________

(١) في البحار : أمّا لا فاكفني.

(٢) في البحار : سبعون رجلاً ... إلى غير ذلك من اختلافات جمّة في نهايات الحكاية.

٣٤٢

يديه براية المهاجرين حتّى انتهى إلى حمراء الأسد ، وكان أبوسفيان أقام بالرّوحاء وهمّ بالرّجعة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال : قد قتلنا صناديد القوم ، فلو رجعنا استأصلناهم ، فلقى معبد الخزاعي ، فقال : ما وراك قال : والله تركت محمّداً وأصحابه وهم يحرقون عليكم ، وهذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد أقبل على مقدمته في النّاس فثنى (١) ذلك أبا سفيان ومن معه ، ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله الى المدينة (٢).

٤١٩ ـ ثمّ كانت غزاة (٣) بني النّضير ، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله مشى إلى كعب بن الأشرف يستقرضه ، فقال : مرحباً بك يا أبا القاسم ، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه ، فقام كعب كأنّه يصنع لهم طعاماً وحدّث نفسه أن يقتل رسول الله ، فنزل جبرئيل فأخبر (٤) بما همّ به القوم من الغدر ، فقام صلّى الله عليه وآله كأنّه يقضي حاجته وعرف أصحابه وهو حيّ (٥) ، فاخذ الطّريق نحو المدينة ، فاستقبله بعض أصحاب كعب الّذين أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأخبر كعباً بذلك فسار المسلمون راجعين.

فقال عبد الله بن صوريا (وكان أعلم اليهود) : والله إنّ ربّه اطّلعه على ما أردتموه من الغدر ، ولا يأتيكم أوّل ما يأتيكم والله إلّا رسول محمّد (٦) يأمركم عنه بالجلاء ، فأطيعوني في خصلتين لا خير في الثّالث : أن تُسلموا فتأمنوا على دياركم وأموالكم وإلّا إنّه يأتيكم من يقول لكم : اخرجوا من دياركم ، فقالوا : هذه أحبّ إلينا قال : أما إنّ الأولى خير لكم ، ولولا أن أفضحكم لأسلمت ، ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله محمّد بن مسلمة إليهم يأمرهم بالرّحيل ، وأمره أن يؤجّلهم في الجلاء ثلاث ليال (٧).

_________________________________

(١) أي كفّه وصرفه عن قصده.

(٢) بحار الانوار (٢٠ / ٩٣) عن اعلام الورى ص (٨٠) مع اختلاف كثير في الالفاظ والمعاني.

(٣) في البحار : غزوة.

(٤) في ق ٥ : فأخبرهم ، وفي البحار : فأخبره.

(٥) كذا في جميع النّسخ إلّا نسخة ق ٢ فانها خالية عن قوله « وهو حيّ » وفي البحار : وعرف أنّهم لا يقتلون أصحابه وهو حيّ.

(٦) كذا في ق ٣ وق ٤ والاعلام والبحار ، وفي ق ١ وق ٢ وق ٥ : إلّا رسول الله محمّد.

(٧) بحار الانوار (٢٠ / ١٦٣ ـ ١٦٤) عن أعلام الورى.

٣٤٣

٤٢٠ ـ ثمّ كانت غزوة الخندق وهي الأحزاب ، في شوّال سنة أربع (١) من الهجرة. أقبل حُييّ بن أخطب ، وكنانة بن الرّبيع ، وسلامة (٢) بن أبي الحقيق ، وجماعة من اليهود يقدمون مكّة ، فصاروا إلى أبي سفيان وقريش ، فدعوهم إلى حرب رسول الله ، وقالوا : أيدينا مع أيديكم ونحن معكم حتّى نستأصله ، ثمّ خرجوا إلى غطفان يدعوهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأخبروهم باتّباع قريش إيّاهم فاجتمعوا معهم ، وخرجت قريش.

وسمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وآله فخرج إليهم ، وبعد أن أشار سلمان الفارسي أن يصنع خندقاً ، قال : ضربت في ناحية من الخندق ، فعطف عليَّ رسول الله وهو قريب منّي ، فلمّا رآى شدّة المكان نزل ، فأخذ المعول من يدي ، فضرب ضربةً (٣) ، فلمعت تحت المعول لمعة برق ، ثمّ ضرب ضربة اخرى ، فلمعت تحت المعول برقة أخرى ، ثمّ ضرب به الثّالثة فلمعت برقة أخرى.

فقلت يا رسول الله : ما هذا ؟ فقال : أمّا الأولى ـ فانّ الله فتح بها عليّ اليمن ، وأمّا الثّانية ـ فانّ الله فتح عليّ بها الشّام والمغرب ، وأمّا الثالثة فانّ الله فتح عليّ بها المشرق.

وأقبلت الأحزاب إلى النّبي صلّى الله عليه وآله فهال المسلمون أمرهم ، فنزلوا ناحية من الخندق ، وأقاموا بمكانهم بضعاً وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلّا الرّمي بالنّبل والحصا ، ثمّ انتدب فوارس قريش للبراز منهم : عمرو بن عبدود ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطّاب ، وتلبّبوا للقتال (٤) وأقبلوا على خيولهم حتّى وقفوا على الخندق ، وقالوا : هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثمّ تيمّموا مكاناً من الخندق فيه ضيق ، فضربوا خيولهم فاقتحمت وجاءت بهم إلى السّبخة بين الخندق وسلع ، وخرج عليّ ابن أبي طالب عليه السلام في نفر معه حتّى أخذوا عليهم الثّغرة الّتي اقتحموها فتقدّم عمرو بن عبدود وطلب البراز وقتله (٥) عليّ عليه السلام على ما نذكره.

_________________________________

(١) كذا في الاعلام وفي البحار : خمس.

(٢) في الاعلام والبحار : سلّام.

(٣) في الاعلام : فضرب به ضربة.

(٤) في ق ٣ : وتلبوا القتال ، وفي البحار : قد تلبسوا للقتال وفي مورد آخر : فلبسوا للقتال ، وفي الاعلام : وتهيّؤا للقتال.

(٥) في الاعلام : وطلب البراز فبرز اليه علي عليه السلام فقتله.

٣٤٤

ولمّا رآى هبيرة وعكرمة عمرواً مقتولاً انهزموا ، ورمى ابن الغرقة (١) بسهم ، فأصاب أكحل سعد (٢) بن معاذ ، فقال : خذها وأنا ابن غرقة قال : غرق الله وجهك في النّار ، اللّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقنى لحربهم ، فإنّه لا قوم أحبّ إليَّ قتالاً من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه من حرمك فأنامه رسول الله صلّى الله عليه وآله على فراشه وبات على الأرض ونادى رسول الله صلّى الله عليه وآله بأشجى صوت : « يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرّين ، اكشف همّي وكربي ، فقد ترى حالي وحال من معي ».

فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : يا محمّد إنّ الله عزّوجلّ استجاب دعوتك ، فجثا رسول الله صلّى الله عليه وآله على ركبتيه وبسط يديه وأرسل بالدّموع عينيه ، ثمّ نادى : شكراً شكراً كما آويتني وآويت من معي ثمّ قال جبرئيل : يا رسول الله إنّ الله قد نصرك وبعث عليهم ريحاً من السّماء فيها الحصا وريحاً من السّماء الرّابعة فيها الجنادل.

قال : حذيفة : فبعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى آتيه بخبرهم ، فخرجت فاذا أنا بنيران القوم قد طفئت وخمدت ، وأقبل جند الله الأوّل وبريح شديدة فيها الحصا ، فما تركت ناراً لهم إلّا أخمدتها ولا خباء إلّا طرحتها ، حتّى جعلوا يتترّسون من الحصا ، وكنت أسمع وقع الحصا في التّرسة ، وأقبل جند الله الأعظم ، فقام أبوسفيان إلى راحلته ، ثمّ صاح في قريش : النّجا النّجا ، ثمّ فعل عيينة بن حصين رأس بني فزارة مثل ذلك ، وفعل الحارث بن عوف سيّد بني مرّة مثلها وذهب الأحزاب.

ورجع حذيفة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى جلّت عظمته على رسوله : « اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا » (٣) وأصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله بالمسلمين حتّى دخل المدينة فقرّبت له ابنته فاطمة عليها السلام غسولاً فهي تغسل رأسه ، إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجراً بعمامة بيضاء عليه قطيفة من استبرق معلّق عليها الدّر والياقوت عليه الغبار ، فقام رسول الله صلّى

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وق ٤ ، وفي ق ٥ والبحار والاعلام : ابن عرقة ، وفي ق ٢ وق ٣ : ابن المعرقة والارجح بقرينة الدعاء على هذا الشخص : غرق الله وجهك في النّار ، ما في المتن.

(٢) في الاعلام فأصاب الاكحل من سعد. والاكحل : عرق في الذراع يفصد. وقيل : هو عرق الحياة ويدعي نهر البدن.                                                                          (٣) سورة الاحزاب : ٩.

٣٤٥

الله عليه وآله فمسح الغبار من وجهه ، فقال له جبرئيل : رحمك ربّك وضعت السّلاح ولم تضعه أهل السّماء ، وما زلت أتبعهم حتّى بلغت الرّوحاء.

ثمّ قال جبرئيل : انهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب ، فوالله لادقنّهم دقّ البيضة على الصّخرة ، فحاصرهم رسول الله خمساً وعشرين ليلة ، حتّى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم بقتل الرّجال وسبي الذّراريّ والنّساء وقسمة الاموال ، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار ، فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : لقد حكمت فيهم بحكم الله ، فلمّا جيء بالاُسارى حبسوا في دارهم (١) وأمر بعشرة فأخرجوا ، فضرب علي عليه السلام أعناقهم ، ثمّ انفجرت رمية سعد والدّم ينفجر حتّى قضي (٢).

٤٢١ ـ ثمّ كانت غزوة الحديبيّة في ذي القعدة خرج في اُناس كثير من أصحابه يريد العمرة وساق معه سبعين بدنة ، وبلغ ذلك المشركين ، فبعثوا خيلاً ليصدوه عن المسجد الحرام ، وكان صلّى الله عليه وآله يرى أنّهم لا يقاتلونه (٣) ، لأنّه خرج في الشّهر الحرام وأتى : بديل بن ورقا إلى قريش ، وقال : خفّضوا عليكم ، فإنّه لم يأت يريد قتالكم ، وإنّما يريد زيارة هذا البيت ، فقالوا : والله لا نسمع منك ولا تحدّث العرب أنّه دخلها عنوة ولا يقبل منه إلّا أن يرجع عنّا ، ثمّ بعثوا اليه مكرز بن حفص وخالد بن الوليد وصدّوا الهدى.

ثمّ انّهم بعثوا سهيل (٤) بن عمرو ، فقال : يا أبا القاسم إنّ مكة حرمنا وقد تسامعت العرب أنّك غزوتنا ، ومتى تدخل علينا مكة عنوة يطمع فينا فنتخطف ، وإنّا نذكّرك الرّحم (٥) ، فإنّ مكّة بيضتك الّتي تفلّقت عن رأسك ، قال : فما تريد ؟ قال : أريد أن تكتب بيني وبينك هدنة على أن أخليها لك في قابل ولا تدخلها بحرب وسلاح إلّا سلاح الرّاكب السّيف في القراب والقوس.

_________________________________

(١) حبسهم في داره.

(٢) أعلام الورى ص (٩٠ ـ ٩٤) مع اختلاف في آخر الخبر : وراجع البحار (٢٠ / ٢٠٢ و ٢٥٣ و ٢٧١) ومناقب ابن شهر آشوب (١ / ١٩٧).

(٣) في ق ٣ : أنهم يقاتلونه.

(٤) كذا في مواضع من البحار : وفي ق ٣ : سهل.

(٥) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ وق ٥ : الرّحمن.

٣٤٦

فكتب رسول الله صلّى الله عليه وآله ذلك ، ورجع إلى المدينة ، فأنزل الله تعالى في الطّريق : « إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً » فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الاسلام يستولي على أهل مكّة (١).

٤٢٢ ـ ثمّ كانت غزوة خيبر في ذي الحجّة سنة ستّ ، وحاصرهم رسول الله بضعاً وعشرين ليلة ، وبخيبر أربعة عشر ألف يهوديّ في حصونهم ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله يفتحها حصناً حصناً ، وكان من أشدّها القموص ، فأخذ أبوبكر رآية المهاجرين ، فقاتلهم بها فرجع منهزماً ، ثمّ أخذها عمر فرجع منهزماً.

فساء رسول الله ذلك ، فقال : لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّار ، فقال عليّ عليه السلام لمّا سمع (٢) : « اللّهمّ لا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت » فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : ادعوا لي عليّاً ، فقالوا : إنّه أرمد ، فقال : أرسلوا إليه وادعوه فاُتي به يقاد ، فتفل في عينيه فقام وكأنّ عينيه جزعتان ، وأعطاه الرّاية ودعا له فأقبل حتّى ركّزها قريباً من الحصن ، فخرج إليه مرحب ، فبارزه فضرب رجله فقطعها ، وحمل عليّ والجماعة على اليهود فانهزموا (٣).

٤٢٣ ـ قال الباقر عليه السلام : انتهى إلى باب الحصن وقد أُغلق ، فاجتذبه اجتذاباً شديداً وتترّس به ، ثمّ حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاماً ، ثمّ رمي الباب بعدما اقتحم المسلمون ، وخرج البشير إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ عليّاً دخل الحصن وأتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة وأصحابه إلى المدينة ، فقال : ما أدري بأيّهما أنا أسرّ بفتح خيبر أو بقدوم جعفر. وتلقّاه رسول الله فلمّا نظر جعفر النبيّ (٤) صلّى الله عليه وآله مشى على رجل واحدة إعظاماً لرسول الله ، وأخذ علي عليه السلام فيمن أخذ صفيّة بنت حُييّ (٥) بن أخطب ، فدعا بلالاً فدفعها إليه ، وقال : لا تضعها إلّا في يدي رسول الله ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٠ / ٣٦١ ـ ٣٦٣) عن اعلام الورى ص (٩٧).

(٢) في ق ١ والبحار والاعلام : لما سمع مقالة رسول الله.

(٣) بحار الانوار (٢١ / ٢٢) عن أعلام الورى ص (٩٩ / ١٠٠).

(٤) في البحار : جعفر الى النبي.

(٥) في ق ٣ : حيّ.

٣٤٧

فاصطفاها رسول الله واعتقها وتزوّجها.

ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ : قم إلى حوائط فدك ، فخرج يصالحهم على أن يحقن دماءهم وحوائط فدك لرسول الله خاصاً خالصاً ، فنزل جبرئيل فقال : إنّ الله يأمرك أن تُؤتي ذا القربى حقّه قال : يا جبرئيل ومن قرباي وما حقها ؟ قال : أعط فاطمة حوائط فدك واكتب لها كتاباً (١).

٤٢٤ ـ ثمّ كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان ، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا صالح قريشاً عام الحديبيّة ، دخلت خزاعة في حلف النبيّ ودخلت كنانة في حلف قريش ، ولمّا مضت سنتان قعد كنانيّ يروي هجاء رسول الله ، فقال خزاعي : لا تذكر هذا ، قال : ما أنت وذاك ؟ قال : إن عدت لأكسرنّ فاك ، فأعادها فضربه الخزاعيّ ، فاقتتلا ثمّ قبيلتاهما ، وأعان قريش كنانة ، فكرب عمرو (٢) بن سالم إلى رسول الله فأخبره الخبر ، فقال عليه السلام : لا نُصِرت إن لم أنصر بني كعب.

ثمّ أجمع رسول الله على المسير إلى مكّة ، فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب لعنه الله إلى قريش أنّ رسول الله خارج إليكم فخرجت ، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبره ، فدعا عليّاً عليه السلام والزّبير ، فقال : أدركاها وخذا منها الكتاب (٣) ، فخرجا وأخذا الكتاب ورجعا إلى رسول الله ، فقال حاطب : يا رسول الله ما شككت ولكن أهلي بمكة ، فأردت أن تحفظني قريش فيهم ، ثمّ أخرجه عن المسجد فجعل النّاس يدفعون في ظهره وهو يلتفت إلى رسول الله ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بردّه وقال : عفوت عنك ، فاستغفر ربّك ولا تعد لمثله ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ » (٤).

ثمّ خرج رسول الله ، فاستخلف أبا لبابة على المدينة ، وصام النّاس حتّى نزل على كراع الغميم ، فأمر بالإِفطار فأفطر النّاس ، وصام قوم فسمّوا العصاة ، ثمّ سار حتّى نزل بمرّ

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢١ / ٢١ ـ ٢٣) عن أعلام الورى ص (٩٩ ـ ١٠٠).

(٢) في ق ١ : عمرة.

(٣) في البحار والاعلام : فادركاها فأخذ علي عليه السلام منها الكتاب.

(٤) سورة الممتحنة : (١).

٣٤٨

الظّهران ومعه نحو عشرة آلاف رجل ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فخرج أبوسفيان في تلك اللّيلة وحكيم بن حزام وبديل بن ورقا هل يسمعون خبراً ؟

وقد كان العباس خرج يلتقي رسول الله وقد تلقّاه بثنيّة العقاب ، وقال العباس في نفسه هذا هلاك قريش إن دخلها رسول الله عنوةً ، قال : فركبتُ بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله البيضاء وخرجتُ أطلب الحطّابة أو صاحب لبن لعليّ آمره أن يأتي قريشاً ، فيركبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ليستأمنوا اليه ، إذ لقيت أبا سفيان [ وبديل بن ورقا وحكيم بن حزام. وأبو سفيان ] يقول [ لبديل : ما ] (١) هذه النّيران ؟ قال : هذه خزاعة قال : خزاعة أقل من هذا ، ولكن لعلّ هذا تميم أو ربيعة ، قال العبّاس : فعرفت صوت أبي سفيان ، فقلت : أبا حنظلة. قال : لبّيك فمن أنت ؟ قلت : أنا العباس. قال : فما هذه النّيران ؟ قلت : هذه رسول الله في عشرة آلاف من المسلمين ، قال : فما الحيلة ؟ قلت : تركب في عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول الله.

فأردفته خلفي ثمّ جئت به ، فقام بين يدي رسول الله ، فقال : ويحك ما آن لك أن تشهد أن لا اله الّا الله ، وأنّي رسول الله ؟ فقال أبوسفيان : ما أكرمك وأوصلك وأجلّك ، أما والله لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم اُحد ، وأمّا أنّك رسول الله فإنّ في نفسي منها شيئاً ، قال العباس : يضرب والله عنقك السّاعة أو تشهد أنّه رسول الله ، فقال : فإنّي أشهد إن لا إله إلّا الله ، وأنّك لرسول الله ، فلجلج بها فوه.

ثمّ قال رسول الله : يا أبا الفضل أبِتْهُ عندك اللّيلة واغد به عليّ ، ثمّ غدا به إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله إنّي اُحبّ أن تأذن لي وآتي قومك فأُنذرهم وأدعوهم إلى الله وإلى رسول الله ، ثمّ قال للعباس : كيف أقول لهم ؟ قال : تقول لهم : من قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وكفّ يده فهو آمن.

قال العباس : يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر ، فان خصّصته بمعروف. فقال صلّى الله عليه وآله : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قال أبوسفيان : داري ؟ قال : دارك ، ثمّ قال : ومن أغلق بابه فهو آمن.

_________________________________

(١) هنا عبارات النّسخ المخطوطة كلّها فيها نحو ارتباك وركاك فلأجل خروجها عن ذلك أكملتها عن البحار والإِعلام جاعلاً للمكمّل بين المعقوفتين.

٣٤٩

وأتى رسول الله صلّى الله عليه وآله البيت ، وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال : « لا إله إلّا الله ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده ». ثمّ قال : ما تظُنّون ؟ وما أنتم قائلون ؟ قال سهل : نقول خيراً ونظنّ خيراً ، أخ كريم وابن عمّ ، قال : فإِنّي أقول كما قال أخي يوسف : « لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » (١).

٤٢٥ ـ ثمّ كانت غزوة حنين ، وهو : أنّ هوازن جمعت له جمعاً كثيراً ، فذكر لرسول الله أنّ صفوان بن أميّة عنده مائة درع فسأله ذلك ، فقال : أغصباً يا محمّد ؟ قال : لا ولكن عارية مضمونة ، قال : لا بأس بهذا ، فأعطاه فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله في ألفين من مكّة (٢) ، فأنزل الله : « وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ » (٣).

قال جابر : فسرنا حتّى إذا استقبلنا وادي حنين ، وكان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه ، فما راعنا إلّا كتائب الرّجال بأيديهم السّيوف والقنا ، فشدّوا علينا شدّه رجل واحد ، فانهزم النّاس كلّهم لا يلوي أحد على أحد ، وأخذ رسول الله ذات اليمين ، وأحدق ببغلته تسعة من بني عبد المطّلب ، فأقبل مالك بن عوف يقول : أروني محمّداً ، فأروه فحمل على رسول الله فأبى فرسه أن يقدم نحو رسول الله ، ونادى رسول الله أصحابه وذمّرهم (٤) ، فاقبل أصحابه سريعاً وقال : « الآن حمي الوطيس » (٥).

أنـا النّبـيّ لا كـذب

أنا ابن عبد المطّلب

ونزل وقبض قبضة من تراب ثمّ إستقبل به وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه ، فولّوا مدبرين وأتبعهم المسملون ، فقتلوهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم ، وفرّ مالك بن عوف ودخل حصن الطّائف مع أشراف قومه ، وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكّة حين رأوا

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢١ / ١٢٤ ـ ١٢٩) عن أعلام الورى ص (١٠٦ ـ ١٠٩) اختصاراً ، والآية في سورة يوسف : (٩٢).

(٢) في البحار : في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه ، قال أحد أصحابه : لن نغلب اليوم من قلة.

(٣) سورة التوبة : (٢٥).

(٤) أي : حثهم وشجعهم.

(٥) الوطيس : التّنور كما في نهاية ابن الاثير عند الكلام في : حما ، (١ / ٤٤٧) وقال : هو كناية عن شدّة الامر واضطرام الحرب. ويقال : إنّ هذه الكلمة أول من قالها : النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا اشتد البأس يومئذٍ « يوم حنين » ولم تسمع قبله وهو من أحسن الاستعارات. وقال في حرف الطاء (٥ / ٢٠٤) : الوطيس شبه التّنور .. ولم تسمع هذا الكلام من أحد قبل النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو من فصيح الكلام عبّر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق.

٣٥٠

نصر الله (١).

٤٢٦ ـ قال الصّادق عليه السلام : سبي رسول الله صلّى الله عليه وآله أربعة آلاف رأس واثنتي عشرة (٢) ألف ناقة سوى ما لا يُعلم من الغنايم ، وخلّف رسول الله الأنفال في الجعرانة ، وافترق المشركون فرقتين فأخذت الأعراب أوطاس وثقيف الطّائف ، وبعث إلى أوطاس من فتح عليه ، وسار إلى الطّائف فحاصرهم بضعة عشر يوماً ، ثمّ انصرف عنهم ، ثمّ جاءه وفدهم في شهر رمضان فأسلموا.

ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الجعرانة وقسّم الغنائم ، وكان فيمن سبي أُخته بنت حليمة فلمّا قامت على رأسه ، قال : يا محمّد أُختك شيما بنت حليمة ، فنزع رسول الله صلّى الله عليه وآله بُردته وبسطها لها فأجلسها عليها ، ثمّ أكبّ عليها يسألها.

وأدرك وفد هوازن رسول الله صلّى الله عليه وآله بالجعرانة وقد أسلموا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من أمسك منكم بحقّه ، فله بكلّ إنسان ستّ فرائض من أوّل فيء نصيبه ، فردّوا إلى النّاس نساءهم وأولادهم ، وكلمته أُخته في مالك بن عوف ، فقال : إن جاءني فهو آمن ، فاتاه فردّ عليه ما له وأعطاه مائة من الابل (٣).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢١ / ١٦٤ ـ ١٦٧) عن إعلام الورى ص (١١٣ ـ ١١٦) ملخّصاً.

(٢) في ق ٣ : رأس غنم.

(٣) بحار الانوار (٢١ / ١٦٨ ـ ١٧٣) ما جاء هنا من ذكر الفتح والاغتنام وإطلاق الاسارى والاشارة الى تقسيم الغنائم في غزوة الطّائف بايجاز واختصار تجده وتقرأ في ضمن ستّ صحائف من البحار بقطع الوزيري بصورة مشروحة واضحة وكذا في إعلام الورى ص (١١٦ ـ ١٢١). ولا ينقضي عجبي من الشيخ القطب الرّاوندي حيث نقل هذه الغزوات مرسلا وأوجزها غاية الايجاز في عناوين بعض فصولها ورواياتها على نحو الايجاز المخلّ (كما أشرنا الى ذلك في بعض تعاليقنا السّالفة) وهي مذكورة في إعلام الورى كتاب شيخه الفضل بن الحسن الطّبرسي وهو نقلها عن كتاب : ابان بن عثمان (بصورة يصحّ السكوت عليها) فقد صرّح في مواضع من الاعلام بذلك منها ـ في غزوة احد. ومنها ـ في غزوة خيبر. ومنها ـ في غزوة تبوك. فيستفاد من هذا أنّ كتاب المغازي الّذي هو جزءٌ من الكتاب الجامع الكبير لابان بن عثمان (على ما تعرّض له النّجاشي والشيخ في فهرستيهما طرّقاه عنه إليهما باسانيد عديدة الّتي بعضها معتبر) كان لدى الشيخ الطّبرسي عند تأليف كتابه (الاعلام) كما كانت لديه جملة من كتب معتبرة عنده من الخاصة والعامة كدلائل النبوّة للبيهقي وكتاب المعرفة لابن مندة وشرف المصطفى للخركوشي والكافي للكليني وعيون أخبار الرّضا واكمال الدين للصّدوق وارشاد المفيد وغير ذلك فيا ليت لم ينقلها الشّيخ القطب هنا مرسلة وكان ينقلها كما نقلها شيخه عن تلك المصادر.

٣٥١

٤٢٧ ـ ثمّ كانت غزوة تبوك ، فتهيّأ في رجب لغزوة الرّوم ، وكتب إلى قبائل العرب ممّن دخل في الاسلام ، فرغّبهم في الجهاد وضرب عسكره فوق ثنيّة الوداع ، واستعمل عليّاً عليه السلام على المدينة ، وقال : لا بدّ للمدينة منّي أو منك ، فلمّا نزل الجرف لحقه عليٌّ ، وقال : يا رسول الله زعمت قريش إنّما خلّفتني استثقالاً لي ، فقال : طالما آذت الاُمم الأنبياء ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام قال : قد رضيت.

ثمّ رجع إلى المدينة وأتاه وهو بتبوك يُحنة بن روبة صاحب إيلة فأعطاه الجزية ، وبعث خالداً إلى الأكيدر صاحب دومة الجندل ، قال : لعلّ الله يكفيكه بصيد البقر فتأخذه ، فبينا خالد في ليلة إضحيانة (١) مع أصحابه إذ أقبلت البقرة تنطح على باب حصن أكيدر وهو مع امرأتين له ، فقام فركب في ناس من أهله ، فطلبوه فكمن خالد وأصحابه فأخذوه وقتلوا أخاه وأفلت أصحابه ، فأغلقوا الباب فأقبل خالد بأكيدر فسألهم أن يفتحوا فأبوا ، فقال : أرسلني فإنّي أفتح الباب ، فأخذ عليه موثّقاً وأرسله فدخل وفتح الباب حتّي دخل خالد وأصحابه ، فأعطاه ثمانمائة رأس (٢) وألفي بعير وأربعمائة درع وخمسائة سيف وصالح (٣) على الجزية (٤).

وكانت تبوك آخر غزوات رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكانت غزوات كثيرة في خلال ما ذكرناه (٥).

_________________________________

(١) كذا في ق ٢ وق ٤ وق ٥ ، وفي ق ١ والبحار : اضحيان. وليلة اضحيانة أي مضيئة لا غيم فيها.

(٢) الظاهر سقوط كلمة « غنم » عن جميع النسخ حتى عن البحار والاعلام.

(٣) في البحار والاعلام : وأربعمائة درع وأربعمائة رمح وخمسمائة سيف وصالحه.

(٤) بحار الانوار (٢١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٧) عن أعلام الورى ص (١٢٢ ـ ١٢٣) مبسوطاً.

(٥) غزوات رسول الله صلّى الله عليه وآله على ما قاله المسعودي في مروج الذّهب ، (٢ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨) : ستّ وعشرون ومنهم ما رآى أنّها : سبع وعشرون. ثمّ وجّه هذا الرّأي بقوله : والّذين جعلوها سبعاً وعشرين جعلوا غزوة خيبر مفردة ووادي القرى منصرفة إليها غزوة اخرى غير خيبر انتهى. وهذا يعني وقوع الاختلاف لأجل أن غزوة خيبر عند بعضهم غير غزوة وادي القرى وهما واحد عند بعض آخر بلحاظ أنّ الله لمّا فتح خيبر بيد رسوله فانصرف صلوات الله عليه منها إلى وادي القرى من غير أن يأتي المدينة حتّى منها يتجهّز للحرب إلى وادي القرى. هذا ومن العجيب أنّ المسعودي في المروج عدّدها بسبع وعشرين مع حذفه غزوة وادي القرى من الحساب وهو ممّن ذهب الى الرّأي الاوّل وأنا أنقل عبارته استبصاراً للنّاظرين واستدراكاً لما فات ذكره عن الشّيخ العلامة الرّاوندي وإخراجاً لما أجمله إلى بعض التّفصيل.

قال : وكان أوّل غزواته صلّى الله عليه وآله وسلّم من المدينة بنفسه إلى ودّان هي المعروفة بغزوة الأبواء. ثمّ غزوة

٣٥٢

فصل ـ ١١ ـ

٤٢٨ ـ ثمّ نزلت سورة براءة في سنة تسع ، فدفعها إلى أبي بكر ، فسار بها ، فنزل

_________________________________

بواط إلى ناحية رضوى. ثمّ غزوة العشيرة من بطن ينبع. ثمّ غزوة بدر الاولى وكان خروجه طلباً لكرز بن جابر. ثمّ غزوة بدر الكبرى وهي بدر الثّانية الّتي قتل فيها صناديد قريش وأشرافها وأسر من أسر من زعمائهم. ثمّ غزوة بني سليم حتّى بلغ الموضع المعروف بالكدر (بالكديد) ماء لبني سليم. ثمّ غزوة السّويق طلباً لأبي سفيان بن حرب فبلغ فيها الموضع المعروف بقرقرة الكدر. ثمّ غزوة غطفان إلى نجد وتعرف هذه الغزوة بغزوة ذي أمّر. ثّم غزوة بحران وهو موضع بالحجاز من فوق الفرع. ثمّ غزوة احد. ثمّ غزوة حمراء الأسد. ثمّ غزوة بني النّضير. ثمّ غزوة ذات الرّقاع من نجد. ثمّ غزوة بدر الأخيرة. ثمّ غزوة دومة الجندل [ ثمّ غزوة المريسيع ]. ثمّ غزوة الخندق. ثمّ غزوة بني قريظة. ثمّ غزوة بني لحيان بن هذيل بن مدركة. ثمّ غزوة ذي قرد. ثمّ غزوة بني المصطلق من خزاعة. ثمّ غزوة الحديبيّة لا يريد قتالاً فصدّه المشركون. ثمّ غزوة خيبر. ثمّ اعتمر عليه السلام عمرة القضاء. ثمّ فتح مكّة. ثمّ غزوة حنين. ثمّ غزوة الطّائف. ثمّ غزوة تبوك.

قاتل منها في تسع غزوات : بدر. واحد. والخندق. وقريظة. وخيبر. والفتح. وحنين. والطّائف. وتبوك.

ثمّ أشار إلى عمل الواقدي حيث أنّه رآى أنّه صلّى الله عليه وآله قاتل في إحدى عشرة غزوة باضافة غزوتي وادي القرى والغابة الى التّسع الّتي منها غزوة المريسيع بزعم الواقدي وبدّلها المسعودي (على ما رأيت) بغزوة تبوك. وعوّض عنهما الشّيخ الراوندي بغزوة بني المصطلق تبعاً لشيخه الطّبرسي في إعلام الورى ص (٧٢). إلّا أنّ غزوة بني المصطلق والمريسيع واحدة كما في الاعلام ص (٩٤).

ثمّ أشار المسعودي (مروج الذّهب ٢ / ٢٨٩) إلى الاختلاف في عدد السّرايا والبعوث بين : خمس وثلاثين وثمان وأربعين ناقلاً للأخير عن تاريخ الطّبري بسنده إلى الواقدي : وقيل : إنّ سراياه صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعوثه كانت ستّة وستّين.

ثمّ إذا ننظر إلى كتاب الواقدي (المغازي ، ١ / ٢ ـ ٧) نرى ارتفاع الغزوات إلى أربعين والسّرايا إلى ثمان وثلاثين. وقال مجملاً بعد التّفصيل : فكانت مغازي النّبي صلّى الله عليه وسلّم الّتي غزا بنفسه سبعاً وعشرين غزوة وكان ما قاتل فيها تسعاً ... وكانت السّرايا سبعاً وأربعين سرية. انتهى. فيا ترى هل هناك انسجام بين التّفاصيل هذه ومجملاتها.

وفي أعيان الشّيعة للسيّد محسن الأمين (١ / ٢٤٢ ـ ٢٨٨ من طبعة دار التّعارف في بيروت ١٤٠٣ هـ ق) تفصيل في ذلك لا بأس به وإن شئت فراجعه.

وكان من المناسب جدّاً أن يذكر الشّيخ الرّاوندي بعد واقعة تبوك قصّة العقبة كما فعل الطبرسي في إعلام الورى ص (١٢٣ ـ ١٢٤) أو يشير إليها حسبما ورد في الخبر المتقدّم برقم (٣٨١) وبه ينفي احتمال وقوعها من قبل المنافقين بعد مراجعته صلّى الله عليه وآله عن حجّة الوداع كما في منتهى الآمال ص (٦٨) بخط الطّاهر.

٣٥٣

جبرئيل عليه السلام فقال : إنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فبعث عليّاً عليه السلام على ناقته العضباء ، فلحقه وأخذ منه الكتاب ، فقال له أبوبكر : أنزل فيّ شيء ؟ فقال : لا ولكن لا يؤدّي عن رسول الله إلّا هو أو أنا ، فسار بها عليّ عليه السلام حتّى أدّى بمكّة يوم النّحر.

وكان في عهده : أن ينبذ إلى المشركين عهدهم ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل المسجد مشرك ، ومن كان له عهد فإِلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر ، فان أخذناه بعد أربعة أشهر قتلناه ، وذلك قوله تعالى : « فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ » الآية ولمّا دخل مكّة قال : والله لا يطوف بالبيت عريان إلّا ضربته بالسّيف ، فطافوا وعليهم الثّياب (١).

٤٢٩ ـ ثمّ قدم على رسول الله عروة بن مسعود الثّقفي مسلماً ، واستأذن في الخروج إلى قومه ، فقال : أخاف أن يقتلوك قال : إن وجدوني نائماً ما أيقظوني (٢) ، فأذن له رسول الله ، فرجع إلى الطّائف ودعاهم إلى الاسلام فعصوه ، ثمّ أذّن في داره فرماه رجل بسهم فقتله ، وأقبل بعد قتله من ثقيف بضعة عشر رجلاً من أشراف ثقيف فأسلموا ، فأكرمهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمّر عليهم عثمان بن العاص بن بشير ، وقال يا رسول الله : إنّ الشّيطان قد حال بين صلاتي وقراءتي قال : تعوّذ بالله منه وَاتْفُل عن يسارك ، قال : ففعلت فأذهب الله عنّي ، فلمّا أسلمت ثقيف ضربت إلى رسول الله وفود العرب ، فدخلوا في دين الله تعالى أفواجاً (٣).

٤٣٠ ـ ثمّ قدم وفد نجران بضعة عشر رجلاً ، العاقب أميرهم واسمه عبد المسيح ، وأبو حارثة علقمة الأسقف وهو حبرهم وإمامهم ، فقال الأسقف : ما تقول يا محمّد في السيّد المسيح ؟ قال : هو عبد الله ورسوله [ قال : بل هو كذا وكذا فقال صلّى الله عليه وآله : بل هو كذا وكذا ] فترادّا فنزل : « إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ » فقالوا : نباهلك غداً فلمّا كان من الغد ، قال أبوحارثة لأصحابه : إن كان غدا بولده فاحذروا مباهلته ، وإن غدا

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢١ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥) ، برقم : (٩) عن أعلام الورى ص (١٢٥).

(٢) في ق ٣ : نائماً أيقظوني.

(٣) بحار الانوار (٢١ / ٣٦٤) عن أعلام الورى ص (١٢٥ ـ ١٢٦).

٣٥٤

بأصحابه فباهلوه ، فغذا رسول الله صلّى الله عليه وآله آخذاً بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وبين يديه عليّ عليهم السلام ، فجثا رسول الله صلّى الله عليه وآله على ركبتيه ، فقال أبوحارثة : جثا كما جثا الأنبياء للمباهلة ، فكعّ ولم يقدم للمباهلة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك (١).

ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً إلى اليمن ليدعوهم إلى الإِسلام.

فصل ـ ١٢ ـ

٤٣١ ـ وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من المدينة متوجهاً إلى الحجّ في السّنة العاشرة ، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر ، فأقام تلك اللّيلة من أجلها ، وأحرم من ذي الحليفة وأحرم النّاس معه ، وكان قارناً للحجّ بسياق الهدى ، وقد ساق معه ستّاً وستين بدنة ، وحجّ عليٌّ عليه السلام من اليمن وساق معه أربعاً وثلاثين بدنة ، خرج من معه من العسكر.

ولمّا قدم النّبي صلّى الله عليه وآله مكّة وطاف وسعى نزل جبرئيل وهو على المروة بقوله : « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ » فخطب النّاس ، وقال : دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة ، وشبّك بين أصابعه ، ثمّ قال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت (٢) ما سقت الهدى ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى من لم يَسُق منكم هدياً ، فليحمل وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هدياً فليقم على إحرامه ».

ولمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله نسكه وقفل إلى المدينة وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم ، نزل عليه جبرئيل بقوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن

_________________________________

(١) تجد قضيّة المباهلة هذه بهذه الصّورة المختصرة اقتباساً عن إعلام الورى ص (١٢٨ ـ ١٢٩) في البحار (٢١ / ٣٣٦ ـ ٣٣٨) قوله في الذّيل : ثم بعث .. أجنبيّ عمّا قبله ووجه ذكر الشّيخ الرّاوندي إيّاه هنا المتابعة لعبارة إعلام الورى ولمّا تنبه الشّيخ أنّ قصّة بعث رسول الله عليّاً عليهما السلام إلى اليمن تعرّض لها بسنده عن الصّدوق فيما سبق برقم (٢٥١ و ٣٥٢) في الفصل الثّالث من الباب (١٩) مكث عن إدامتها فدخل في فصل آخر ونسي أن يضرب القلم على الزّيادة. وكان المستنسخون الجاهلون أيضاً غافلين (وما بين المعقوفتين في المتن مأخوذ من البحار أخذاً من الإِعلام لاكمال المتن) والآية في سورة آل عمران : (٥٩).

(٢) في البحار والاعلام : ما استدبرته والآية : ١٩٦ ـ سورة البقرة.

٣٥٥

رَّبِّكَ » (١) وكان يوماً شديد الحرّ ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرّحال في ذلك المكان ، ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى في النّاس بالصّلاة ، فاجتمعوا إليه ، وأنّ أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدّة الرّمضاء ، فصعد على تلك الرّحال حتّى صار في ذروتها ، ودعا عليّاً عليه السلام فرقى معه حتّى قام عن يمينه.

ثمّ خطب فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ، ونعى إلى الامّة نفسه ، فقال : « إنّي دعيت ويوشك أن اُجيب ، فقد حان (٢) منّي خفوق من بين أظهركم ، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».

ثمّ نادى بأعلى صوته : « ألست أولى بكم منكم بأنفسكم ؟ قالوا : بلى ، فقال لهم ـ على النّسق وقد أخذ بضبعي عليٍّ حتّى رُئي بياض أبطيهما ـ : « من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».

ثمّ نزل وأمر عليّاً عليه السلام أن يجلس في خيمة ، ثمّ أمر النّاس أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويهنّئوه بالامامة ، ويسلّموا عليه بإِمرة المؤمنين.

وأنشأ حسّان يقول :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وَأسمع بالرّسول منادياً

الابيات (٣).

_________________________________

(١) سورة المائدة : (٦٧).

(٢) في بعض النسخ : آن.

(٣) :

وقال : ومن مولاكم ووليّكم ؟

فقالوا ولم يبدوا هنـاك التّعاديا

: إلهـك مولانا وأنـت وليّـنا

ولـن تجدن منّا لك اليوم عاصيا

فقال لـه : قـم يا عليّ فانّـ‍ني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنـت مولاه فهذا وليّه

وكـن للّذي عادى عليّاً معاديا

وفي إعلام الورى ص (١٣٣) :

فمن كنت مولاه فهـذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللّهم وال وليـّه

وكن للّذي عـادى عليّاً معاديا

٣٥٦

ولم يبرح رسول الله صلّى الله عليه وآله من المكان حتّى نزل : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا » (١) فقال : الحمد لله على كمال الدّين وتمام النّعمة ورضا الرّب برسالتي والولاية لعليّ عليه السلام من بعدي (٢).

٤٣٢ ـ ولمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة من حجّة الوداع بعث اُسامة بن زيد ، وأمره أن يقصد إلى حيث قتل أبوه ، وأمّره على وجوه المهاجرين والأنصار وفيهم أبوبكر وعمر وابو عبيدة وعسكر اُسامة بالجرف ، واشتكى رسول الله صلّى الله عليه وآله شكايته الّتي توفّي فيها ، وكان صلّى الله عليه وآله يقول : نفّذوا جيش أُسامة ويكرّر ذلك ، وإنّما فعل صلّى الله عليه وآله لئلّا يبقى بالمدينة عند وفاته من يختلف في الامامة ويطمع في الامارة ، ويستوثق الأمر لأهل بيته لعليٍّ ومن بعده (٣).

فصل ـ١٣ ـ

٤٣٣ ـ ولمّا أحسّ النبيّ صلّى الله عليه وآله بالمرض الّذي اعتراه (٤) أخذ بيد عليّ عليه السلام وقال : أقبلت الفتن كقطع اللّ‍يل المظلم ، وأنّ جبرئيل كان يعرض القرآن عَلَيَّ كلّ سنة مرّة ، وقد عرض عليَّ العام مرّتين ، ولا أراه إلّا لحضور أجلي.

ثمّ قال : إنّي خُيّرت يا عليّ بين خزائن الدّنيا والخلود فيها أو الجنّة ، فاخترت لقاء ربّي والجنّة ، فاذا أنا متّ فاغسلني ، واستر عورتي فإنّه لا يراها أحد إلّا أكمه ، فمكث ثلاثة أيّام موعوكاً (٥) ، ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرّأس متكئاً على عليّ عليه السلام بيمينه وعلى الفضل بن العباس باليد الاُخرى ، فجلس على المنبر وخطب.

ثمّ قال : أيها النّاس إنّه ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيراً ويصرف عنه شرّاً إلّا العمل (الصّاح) (٦) أيّها الناس لا يدّع مدّع ولا يتمنّ (٧) متمنّ ، والّذي بعثني بالحق نبيّاً

_________________________________

(١) سورة المائدة : (٣).

(٢) بحار الانوار (٢١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠) ، برقم : (١٢) عن أعلام الورى.

(٣) إعلام الورى ص (١٣٣) واثبات الهداة (١ / ٦١٥) ، برقم : (٦٣٦).

(٤) في البحار والارشاد : عراه ، وفي جميع النّسخ الخطيّة : اعتاره.

(٥) أي المحموم الذي اشتدت عليه الحمى وآذته.

(٦) الزّيادة من أعلام الورى.

(٧) في البحار والارشاد : لا يدّعى مدّع ولا يتمنّى.

٣٥٧

لا ينجي إلّا عمل مع وجه الله (١) ولو عصيت لهويت.

ثمّ نزل ودخل بيته ، وكان في بيت أمّ سلمة ، فجاءت عائشة تسأله أن ينتقل إليها لتتولى تعليله ، فأذن لها وانتقل إلى البيت الّذي أسكنه عائشة ، فاستمرّ المرض به أيّاماً وثقل ، فجاء بلال عند الصلاة الصّبح ، فنادى : الصّلاة ، فقال : يصلّي بالنّاس بعضهم ، فقالت عائشة : مروا أبا بكر ، وقالت حفصة : مروا عمر ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اُكففن فانّكنّ كصويحبات يوسف ، ثمّ قال : وهو لا يستقل على الأرض من الضّعف ، وقد كان عنده أنّهما خرجا إلى اُسامة ، فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام والفضل فاعتمدهما (٢) ورجلاه يخطّان الأرض من الضّعف ، فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومى بيده إليه ، فتأخّر أبوبكر وقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وكبّر وابتدأ بالصّلاة.

فلمّا سلّم وانصرف إلى بيته استدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممّن حضر المسجد ، قال : ألم آمركم أن تنفّذوا جيش اُسامة ؟ فقال أبوبكر : إنّي كنت خرجت ، ثمّ عدت لاحدث (٣) بك عهداً ، وقال عمر : إنّي لم أخرج لانّي لم اُحبّ أن أسأل عنك الرّكب ، فقال صلّى الله عليه وآله : نفّذوا جيش أُسامة يكرّرها ثلاث مرّات ، ثمّ أغمي عليه من التّعب الذي لحقه.

ثمّ أفاق وقال : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر ، لمن قام يلتمس الدّواة والكتف : ارجع فإِنّه يهجر. فلمّا أفاق ، قال بعضهم : ألا نأتيك يا رسول الله بدواة وكتف ؟ قال : « بعد الّذي قلتم ؟ لا. ولكن احفظوني في أهل بيتي (٤) ، وأطعموا المساكين ، وحافظوا على الصّلاة ، وما ملكت أيمانكم » فلم يزل يردّد ذلك ، ثمّ أعرض بوجهه عن القوم ، فنهضوا وبقي عنده عليٌّ والعباس والفضل وأهل بيته فقال العباس : يا رسول الله إن يكن هذا الأمر مستمرّاً فينا من بعدك (٥) فبشّرنا وإن كنت

_________________________________

(١) في البحار والارشاد : مع رحمة.

(٢) في البحار والارشاد : فاعتمد عليهما.

(٣) في البحار والارشاد : لاجدد.

(٤) في البحار والارشاد : ولكنّي أوصيكم بأهل بيتي خيراً.

(٥) في البحار والاعلام والارشاد : الامر فينا مستقراً من بعدك.

٣٥٨

تعلم أنّا نغلب عليه فأوص بنا فقال صلّى الله عليه وآله : أنتم المستضعفون من بعدي وأصمت (١) ونهض القوم وهم يبكون.

فلمّا خرجوا من عنده ، قال : ردّوا عليَّ أخي عليّ بن أبي طالب وعمّي ، فلمّا استقرّ بهما المجلس ، قال : يا عمّ تقبل وصيّتي وتنجز وعدي وتقضي ديني ؟ فقال : يا رسول الله عمّك شيخ كبير ذو عيال وأنت تباري الرّيح سخاءً ، ثمّ قال لعليّ عليه السلام : يا عليُّ تقبل وصيّتي وتنجز عدتي وتقضي ديني ؟ فقال : نعم يا رسول الله فقال : ادن منّي ، فدنا منه ، فضمّه إليه ونزع خاتمه من يده ، وقال له : خذ هذا فضعه في يدك ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته ، فدفع ذلك إليه ، والتمس عصابةً كان يشدّها على بطنه إذا لبس درعه نزل بها جبرئيل ، فجيء بها فدفعها إليه ، وقال : اقبض هذا في حياتي ، ودفع إليه بغلته وسرجها ، وقال : امض على خيرة الله تعالى إلى منزلك.

فلمّا كان من الغد حجب النّاس عنه وثقل في مرضه ، وكان عليٌّ عليه السلام لا يفارقه إلّا لضرورة ، فلمّا قرب خروج نفسه صلّى الله عليه وآله قال : ضع رأسي يا عليّ في حجرك ، فقد جاء أمر الله ، فاذا فاضت روحي فتناولها بيدك وأمسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة وتولّ أمري ، وصلّ عليَّ أوّل النّاس ، ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي (٢).

٤٣٤ ـ وتوفّى صلّى الله عليه وآله لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر (٣) من الهجرة ولمّا أراد عليّ عليه السلام غسله استدعى بالفضل بن عباس ، فأمره أن يناوله الماء بعد أن عصب عينيه ، فشقّ قميصه من قبل جيبه حتّى بلغ إلى سرته ، وتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يناوله الماء.

_________________________________

(١) في الاعلام : وصمت.

(٢) بحار الانوار (٢٢ / ٤٦٦ ـ ٤٧٠) وأعلام الورى ص (١٣٣ ـ ١٣٦) ، والارشاد ص (٩٧) في عنوان : إخبار النّبيّ بموته.

(٣) في البحار (٢٢ / ٤١٥) : قبض النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة ، ثم قال بيان : هذا هو الموافق لما ذكره أكثر الامامية ، ثم نقل عن التّهذيب وبفصل (١٤) صفحة عن إعلام الورى أنه قبض سنة عشر من الهجرة ، ثم قال بعد فصل قليل : بيان : لعلّ قوله « سنة عشر » مبنيّ على اعتبار سنة الهجرة من أول ربيع الاول حيث وقع الهجرة فيه ، والّذين قالوا : سنة احدى عشرة بنوه على المحرم وهو أشهر وفي مرآة العقول (٥ / ١٧٤) نصّ على ذلك أيضاً.

٣٥٩

فلمّا فرغ تقدّم فصلّى عليه. ثمّ قال النّاس : كيف الصلاة عليه ؟ فقال عليّ عليه السلام : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إمامنا حيّاً وميّتاً ، فدخل عشرة عشرة فصلّوا عليه ، ثمّ خاضوا في موضع دفنه (١) ، فقال عليّ عليه السلام : إن الله تعالى لم يقبض نبيّه في مكان إلّا ورضيه لمضجعه ، فرضى النّاس أن يدفن في الحجرة الّتي توفّي فيها ، وحفر أبوطلحة وكان عليٌّ والعباس والفضل وأُسامة يتولّون دفنه ، وأدخل عليٌّ من الأنصار أوس بن خولي من بني عوف ابن الخزرج وكان بدريّاً ، فقال له عليٌّ عليه السلام : انزل القبر ، فنزل ووضع عليّ عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وآله على يديه ، ثمّ دلّاه في حفرته ، ثمّ قال له : اخرج فخرج ونزل عليّ عليه السلام فكشف عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ووضع خدّه على الأرض موجّهاً إلى القبلة على يمينه ، ثمّ وضع عليه اللّبن وهال عليه التّراب وانتهزت الجماعة الفرصة لاشتغال بني هاشم برسول الله صلّى الله عليه وآله وجلوس عليّ عليه السلام للمصيبة (٢).

فصل ـ ١٤ ـ

٤٣٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، حدّثنا ابن أبي عمير ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصّادق عن آبائه عليهم السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّي مخلّف فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي. من العترة ؟ فقال : أنا والحسن والحسين والائمّة التّسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديّهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله حوضه (٣).

٤٣٦ ـ قال : وحدّثنا غير واحد من أصحابنا ، عن محمّد بن همّام ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن أحمد بن الحارث ، عن المفضل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : سمعت جابر بن

_________________________________

(١) في ق ٣ : في موضع قبره ودفنه.

(٢) بحار الانوار (٢٢ / ٥١٤) و (٢٢ / ٥٢٩ ـ ٥٣٠) عن أعلام الورى ص (١٣٧ ـ ١٣٨).

(٣) بحار الانوار (٢٣ / ١٤٧) عن كمال الدين وعيون أخبار الرضا عليه السلام ومعاني الاخبار.

٣٦٠