قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

إنّهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر ، يقال لها شاه درخت ، كان يافث بن نوح عليه السلام غرسها على شفير عين (١) يقال لها : روشاب ، وإنّما سمّوا أصحاب الرّس ، لأنّهم رسّوا نبيّهم في الأرض ، وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطىء نهرٍ يقال له : الرّس من بلاد المشرق ، ولم يكن يومئذٍ نهر أغزر منه ولا قرى أكبر منها ، وقد جعلوا في كلّ شهر من السّنة في كلّ قرية عيداً يجتمع إليه أهلها ، فيضربوا (٢) على الشّجرة الّتي غرسوا من حبّ تلك الصّنوبرة كلَّةً من حريرٍ ، ثمّ يأتون بشاة وبقرٍ فيذبحونهما قرباناً للشّجرة هذا عيد شهر كذا ، فاذا كان عيد قريتهم العظيمة الّتي فيها الصّنوبرة ضربوا سرداق ديباج عليه ، ويجتمع عليه صغيرهم وكبيرهم ويسجدون له (٣) ويقرّبون الذّبائح أضعاف ما قربوا للشّجرة الّتي في قراهم.

فلمّا طال كفرهم بعث الله نبيّاً يدعوهم إلى عبادة الله فلا يتّبعونه (٤) ، فلمّا رآى شدّة تماديهم ، قال : ياربّ إن عبادك أبوا إلّا تكذيبي فأيبس شجرهم ، فأصبح القوم وقد يبس أشجارهم كلّها فهالهم ذلك ، فقالت فرقة : سحر آلهتكم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه رسول ربّ السّماء والأرض ، وقالت فرقة : لا بل غضبت آلهتكم ، فحجبت حسنها لتنتصروا منه ، فاجتمع رأيهم على قتله ، فاتخذوا أنابيب طولاً من نحاس واسعة الافواه ، ثمَّ أرسلوها في قرار البئر واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ (٥) ونزحوا ما فيها من الماء ، ثمَّ حفروا في قعرها بئراً ضيقة المدخل عميقة.

فأرسلوا فيها نبيّهم صلوات الله عليه والقموا فاها صخرةً (٦) عظيمة ، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء ، فبقي عامة قومه (٧) يسمعون أنين نبيّهم عليه السلام ، وهو يقول : سيّدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي ، فارحم ضعف ركني وقلّة حيلتي ، وعجّل بقبض روحي ،

_________________________________

(١) في ق ٢ : على شفر عين.

(٢) في ق ١ : فيضربون.

(٣) في ق ٢ : لها.

(٤) في ق ٢ : فلم يتبعوه.

(٥) البرابخ : ما يعمل من الحرّف للبئر ومجاري الماء.

(٦) في ق ٣ : وألقوا فيها صخرة.

(٧) في ق ١ : فبقي عامة قومهم ، وفي ق ٣ : فبقي عاماً قومه.

١٠١

فمات صلوات الله عليه ، فقال الله عزّ وجلّ : يا جبرئيل لأجعلنّهم عبرةً للعالمين ، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلّا ريح عاصفة شديدة الحمرة ، فتحيّروا وتضامّ بعضهم إلى بعض ، ثمّ صارت الأرض من فوقهم كبريتاً يتوقد ، وأظلّتهم سحابة سوداء ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرّصاص (١).



_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ١٤٨ ـ ١٤٩) ، عن العلل والعيون ، وفي آخره : كما يذوب الرصاص في النار.

١٠٢

الباب الرابع

( في نبوة إبراهيم عليه السلام )

٩٥ ـ أخبرنا ألسّيد ابوالبركات محمّد بن اسماعيل ، عن علي بن عبدالصّمد سعد النيشابوري ، عن السيد أبي البركات الحوري (١) عن أبي جعفر بن بابويه ، حدّثنا بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان آزر عمّ إبراهيم عليه السلام منجّماً لنمرود (٢) وكان لا يصدر إلّا عن رأيه ، فقال : لقد رأيت في ليلتي عجباً ، فقال : ما هو ؟ فقال : إنّ مولوداً يولد في أرضنا هذه يكون هلاكنا على يديه ، فحجبت الرّجال عن النّساء ، كان تارخ وقع على أمّ ابراهيم عليه السلام فحملت ، فأرسل إلى القوابل لتنظر (٣) إلى النّساء ، ولا يكون في البطن شيء إلّا علمن به ، فنظرن إلى اُمّ ابراهيم ، وألزم الله ما في الرّحم الظّهر ، فقلن ما نرى بها شيئاً ، فلمّا وضعت ذهبت به إلى بعض الغيران (٤) فجعلته فيه وأرضعته ، وجعلت على باب الغار صخرةً ، فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصّها فتشخب لبناً ، وجعل يشبّ في اليوم كما يشبّ غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة كما

_________________________________

(١) هو السيد ابوالبركات علي بن الحسين الحسيني الحلي الجوزي ، كما في أمل الآمل ، فالحوري أو الخوري غلط ، كان أنّ الصّحيح في السّند بعد هذا : عن أبي جعفر بن بابويه عن أبيه عن سعد ، اذ الصّدوق لا يروي عن سعد بلا واسطة.

(٢) في ق ٤ وق ٥ : للنمرود.

(٣) في ق ٣ : لينظرن.

(٤) الغيران : جمع الغار.

١٠٣

يشبّ غيره في الشّهر ، فمكث ما شاء الله أن يمكث.

ثمّ أخرج إبراهيم من السّرب (١) ، فرأى الزّهرة وقوماً يعبدونها ، فقال : أهذا ـ على سبيل الانكار ـ ربّي ؟ فلم يلبث أن طلع القمر وعبده قوم أيضاً وقال ( عليه السلام ) أيضاً على سبيل الانكار (٢) ليكون ذلك حجة عليهم في إثبات التّوحيد ونفي التّشبيه ، وذلك قوله تعالى (٣) : « وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ » (٤).

٩٦ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا الحسين بن علي ، عن عمر ، عن أبان ، عن حجر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خالف إبراهيم عليه السلام وعادى آلهتهم حتّى أدخل (٥) على نمرود فخاصمه ، فقال إبراهيم عليه السلام : « رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ » الآية ، وكان في عيد لهم دخل على آلهتهم قالوا : ما اجترأ عليها إلّا الفتى الّذي يعيّبها ويبرأ منها ، فلم يجدوا له مُثلةً أعظم من النّار ، فأخبروا نمرود ، فجمع له الحطب وأوقد عليه ، ثمّ وضعه (٦) في المنجنيق ليرمى به في النّار ، وأنّ إبليس دلّ على عمل المنجنيق لإِبراهيم عليه السّلام (٧).

٩٧ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أخبرني أبي عن جدّي عن النّبي صلوات الله عليه وآله عن جبرئيل عليه الصلاة والسلام قال : لمّا أخذ نمرود إبراهيم عليه السلام ليلقيه في النّار ، قلت : ياربّ عبدك وخليلك ليس في أرضك أحد يعبدك غيره ، قال الله تعالى : هو عبدي آخذه اذا شئت ، ولمّا ألقي إبراهيم عليه السلام في النّار ، تلقّاه جبرئيل عليه السلام في الهوآء وهو يهوي إلى النّار ، فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟

_________________________________

(١) السرب : الحفير تحت الارض.

(٢) كذا في النّسخ ، ولعل الصّحيح : أن طلع القمر ورأى أيضاً قوماً عنده يعبدونه ، فقال أيضاً على سبيل الانكار قوله الأول ، وهو : أهذا ربي.

(٣) سورة الانعام : (٨٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٤٢) ، برقم : (٣١) ، الى قوله « فحملت ».

(٥) في ق ٢ : دخل.

(٦) في ق ٢ : وضع ، وفي ق ٣ : وضعه على.

(٧) بحار الانوار (١٢ / ٣٨ ـ ٣٩) ، برقم : (٢٣).

١٠٤

فقال : أمّا اليك فلا وقال : يا الله يا واحد يا أحد يا صمد (١) ، ويا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، نجّني من النّار برحمتك. فأوحى الله إلى النّار : كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (٢).

٩٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مروان ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : كان دعاء إبراهيم عليه السلام يومئذ : « يا أحد يا صمد يا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحدٌ » ثمَّ توكّلت على الله ، فقال : كفيت.

وقال : لمّا قال الله تعالى للنّار : « كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ » لم تعمل يومئذٍ نارٌ على وجه الأرض ، ولا انتفع بها أحد ثلاثة أيّام ، قال : ونزل جبرئيل يحدّثه وسط النّار ، قال نمرود : من اتّخذ إلهاً فليتخذ مثل إله إبراهيم ، فقال عظيم من عظمائهم : إنّي عزمت على النّيران أن لا تحرقه ، قال : فخرجت عنق من النّار فأحرقته ، وكان نمرود ينظر بشرفة على النّار.

فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام قال نمرود لآزر : اصعد بنا حتّى ننظر فصعدا ، فاذا إبراهيم في روضة خضراء ومعه شيخ يحدثه ، قال : فالتفت نمرود إلى آزر ، فقال : ما أكرم ابنك على الله. والعرب تسمّي العمّ « أباً » قال تعالى : في قصة يعقوب : « قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ » (٣) وإسماعيل كان عمّ يعقوب عليهم السّلام وقد سمّاه أباً في هذه الآية (٤).

فصل ـ ١ ـ

٩٩ ـ أخبرنا الاستاد ابوالقاسم بن كمح ، عن الشّيخ جعفر الدّوريستي ، عن الشيخ

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٤ : ياالله ياصمد يامن لم يلد ، وفي ق ٣ وق ٥ والبحار : ياالله ياأحد ياصمد.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٩) ، برقم : (٢٤).

(٣) سورة البقرة : (١٣٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٣٩ ـ ٤٠) ، برقم : (٢٦) و (٩٥ / ١٨٩) الى قوله « كفيت ».

١٠٥

المفيد ، عن أبي جعفر بن بابويه ، حدثنا محمد بن بكران النّقاش ، حدّثنا أحمد بن محمد بن سعد الكوفي ، حدثنا علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن الرّضا صلوات الله عليه قال : لمّا أشرف نوح صلوات الله عليه على الغرق دعا الله بحقّنا ، فدفع الله عنه الغرق ، ولمّا رُمِيَ إبراهيم في النّار دعا الله بحقّنا ، فجعل النّار عليه برداً وسلاماً ، وأنّ موسى عليه السلام لمّا ضرب طريقاً في البحر دعا الله بحقّنا ، فجعله يبساً ، وأنّ عيسى عليه السلام لمّا أراد اليهود قتله دعا الله بحقّنا ، نجى من القتل فرفعه إليه (١).

١٠٠ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، حدّثنا أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي رباب الكرخي (٢) ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إنّ إبراهيم عليه السلام كان مولده بكوثا ، وكان من أهلها وكانت أمّ ابراهيم وأمّ لوط عليهما السلام اختين ، وأنّه تزوّج سارة بنت لاحج ، وهي بنت خالته ، وكانت صاحبة ماشية كثيرة وحال حسنة ، فملّكت إبراهيم جميع ما كانت تملكه ، فقام فيه وأصلحه ، فكثرت الماشية والزّرع ، حتّى لم يكن بأرض كوثا رجل أحسن حالاً منه (٣).

وانّ ابراهيم عليه السلام لمّا كسّر أصنام نمرود أمر به فأوثق وعمل له حَيْراً فيه الحطب ، وألهب فيه النّار ، ثمَّ قذف بابراهيم عليه السلام لتحرقه ، ثمّ أعتزلوها ثلاثاً حتّى خمدت ، ثمّ أشرفوا على الحَيْر فاذا هم بابراهيم صلوات الله عليه سليماً مطلقاً من وثاقه ، فأخبروا نمرود ، فأمرهم أن ينفّروا ابراهيم من بلاده ، فانّه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضرّ (٤) بآلهتكم ، فأخرجوا ابراهيم ولوطاً عليهما السلام الى الشّامات.

فخرج إبراهيم ومعه لوط وسارة « وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ » (٥) يعني إلى

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٦٩) ، برقم : (٢٧) و (١٢ / ٤٠) ، برقم : (٢٧) و (٢٦ / ٣٢٥) ، برقم : (٧) وفي ق ١ : فنجيّ ، و هو الصحيح.

(٢) في البحار : أبي زياد الكرخي.

(٣) أورد صدره الى قوله : حالا منه ، في البحار ، الجزء (١٢ / ١١٠) ، برقم : (٣٤) ومرة أخرى هذا الصّدر عن الكافي في نفس الجزء (٤٤ ـ ٤٥) بنحو أحسن وأوسع.

(٤) في ق ١ وق ٢ : وأخرجني.

(٥) سورة الصافات : (٩٩).

١٠٦

بيت المقدس ، فتحمل إبراهيم بماشيته وماله وعمل تابوتاً وحمل سارة فيه ، فمضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط ، فمرَّ بعاشر (١) له ، فاعترضه فقال له : افتح هذا التّابوت حتّى تعطيني عشره وأبى إلّا فتحه ، ففتحه إبراهيم صلوات الله عليه ، فلمّا بدت سارة وكانت موصوفة بالحسن ، قال : فما هي ؟ قال إبراهيم : حرمتي وابنة خالتي ، قال : فما دعاك إلى أن حبستها (٢) في هذا التّابوت ، فقال إبراهيم صلوات الله عليه : الغيرة عليها أن لا يراها أحدٌ.

قال : فبعث الرّسل إلى الملك فأخبره بخبر إبراهيم ، فأرسل الملك أن احملوه والتّابوت معه ، فلمّا دخل عليه قال الملك لإِبراهيم : افتح التّابوت وأرني من فيه ، قال : إنّ فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتدٍ فتحه بجميع ما معي ، فأبى الملك إلّا فتحه ، قال : ففتحه فلمّا رأى سارةً الملك ، فلم يملك حلمه سفهه أنّ مدَّ يده إليها ، فقال إبراهيم : أللّهمّ احبس يده عن حرمتي ، فلم يصل إليها يده ولم ترجع إليه ، فقال الملك : إنّ إلهك هو الّذي فعل بي هذا ؟ قال : نعم إنَّ إلهي غيور يكره الحرام ، وهو الّذي حال بينك وبينها ، فقال الملك : ادع ربّك يردّ عليَّ يدي ، فان أجابك لم أعترض لها ، فقال إبراهيم صلوات الله عليه : أللّهمَّ ردّ عليه يده ليكفّ عن حرمتي ، فردّ الله تعالى عليه يده.

فأقبل الملك نحوها ببصره ، ثم عاد بيده نحوها ، فقال إبراهيم عليه السلام اللّهمّ احبس يده عنها ، فيبست يده ولم تصل إليها ، فقال الملك لابراهيم : إنّ إلهك لغيور فادع إلهك يردّ عليّ يدي ، فانّه إن فعل بي لم اُعد ، فقال له إبراهيم عليه السلام : أسأل ذلك على أنّك إن عدت لم تسألني أن أسأله ، فقال الملك : نعم ، فقال إبراهيم : اللّهمّ إن كان صادقاً فردّ عليه يده ، فرجعت عليه يده.

فلمّا رآى الملك ذلك عظّم إبراهيم عليه السلام وأكرمه ، وقال : فانطلق حيث شئت ، ولكن لي إليك حاجة ، قال ابراهيم عليه السلام وما هي ؟ قال : أحبّ أن تأذن لي أن أخدمها قبطيّة عندي جميلة عاقلة تكون لها خادمة ، فأذن له ابراهيم عليه السلام فدعا بها فوهبها لسارة ، وهي هاجر اُمّ اسماعيل عليه السلام ، فسار إبراهيم بجميع ما معه ، وخرج

_________________________________

(١) في ق ٣ : بعشّار.

(٢) في ق ٢ : الى حبسها.

١٠٧

الملك معه يتّبعه ويمشي خلف إبراهيم عليه السلام إعظاماً له ، فأوحى الله تعالى إلى ابراهيم عليه السلام : أن قف ولا تمش قدّام الجبّار ، فوقف إبراهيم صلوات الله عليه وقال للملك إنّ إلهي أوحى إليّ السّاعة أن أُعظّمك وأُقدّمك وأمشي خلفك ، فقال : أشهد أنّ إلهك رفيق حليم كريم.

قال : وودّعه الملك ، وسار إبراهيم حتّى نزل بأعلى الشّامات ، وخلّف لوطاً بأدنى الشّامات ، ثمَّ إنَّ إبراهيم أبطأ عن الولد ، فقال لسارة : أن لو شئت لمتّعتني من هاجر لعلّ الله يرزقني منها ولداً فيكون خلفاً ، فابتاع ابراهيم عليه السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت إسماعيل عليه السلام (١).

١٠١ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرّقّي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أيّهما كان أكبر إسماعيل أم اسحاق ؟ وأيّهما كان الذبيح ؟ قال : كان إسماعيل أكبر بخمس سنين ، وكان الذبيح اسماعيل عليه السلام ، وكانت مكة منزل اسماعيل عليه السلام ، ولمّا أراد إبراهيم أن يذبح اسماعيل أيّام الموسم بمنى قال الله تعالى : « فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ » (٢) ثمَّ قال : « وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ » (٣) فمن زعم أن إسحاق أكبر من اسماعيل وأنّه كان الذّبيح ، فقد كذّب بما أنزل الله تعالى في القرآن من نبأهما صلوات الله عليهما (٤).

١٠٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هاشم بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ، قال : كان لابراهيم ابنان ، فكان أفضلهما ابن الأمة (٥).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٤٥ ـ ٤٧) ، برقم : (٣٨) عن الكافي.

(٢) سورة الصّافات : (١٠٢).

(٣) سورة الصّافات : (١١٢).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٣٠) ، برقم (١١).

(٥) بحار الانوار (١٢ / ١١٠) ، برقم : (٣٥).

١٠٨

١٠٣ ـ وعن ابن أبي عمير ، عن عبد الرّحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله تعالى : « وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ » (١) يعني : حاضت ، وهي يومئذٍ ابنة تسعين سنة ، وابراهيم ابن مائة وعشرين سنةً ، قال : وإنَّ قوم إبراهيم عليه السلام نظروا إلى إسحاق عليه السلام قالوا : ما أعجب هذا وهذه يعنون إبراهيم عليه السلام وسارة أخذا صبيّاً وقالا : هذا ابننا يعنون إسحاق ، فلمّا كبر لم يعرف هذا وهذا لتشابههم حتّى صار إبراهيم يعرف بالشّيب قال : فثنى إبراهيم عليه السلام لحيته ، فرآى فيها طاقةً بيضاء فقال إبراهيم : اللّهمّ ما هذا ؟ فقال : وقار فقال : اللّهمَّ زدني وقاراً (٢).

١٠٤ ـ وباسناده عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مروان (٣) ، عن زرارة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : كان إبراهيم عليه السلام رجلاً غيوراً ، كان إذا خرج أغلق بابه ، فرجع يوماً فرأى رجلاً في داره عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماءً ودهناً ، فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا ملك الموت ، ففزع إبراهيم عليه السلام وقال : جئتني لتسلبني روحي ؟ فقال : لا ولكن الله اتّخذ عبداً خليلاً فجئته ببشارة ، فقال : ومن هو ؟ قال : وما تريد منه ؟ قال ابراهيم عليه السلام : أخدمه حتى أموت فقال : أنت هو (٤).

١٠٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عبد الله بن داود ، عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا جاء المرسلون إلى إبراهيم صلوات الله عليه جاءهم بالعجل ، فقال كلوا ، قالوا : لا نأكل حتّى تخبرنا ما ثمنه ؟ فقال : إذا أكلتم فقولوا : بسم الله وإذا فرغتم فقولوا : ألحمد لله ، فقال : فالتفت جبرئيل عليه السلام إلى أصحابه وكانوا أربعة وجبرئيل رئيسهم ، فقال : حق (٥) أن يتّخذ هذا خليلاً (٦).

_________________________________

(١) سورة هود : (٧١).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ١١٠ ـ ١١١) ، برقم : (٣٦).

(٣) في ق ٣ : محمد بن حمران.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٤ ـ ٥) عن علل الشّرايع ، برقم : (١١) مع اختلاف في السّند والمتن.

(٥) في البحار : حق لله ...

(٦) بحار الانوار (١٢ / ٥) ، برقم : (١٢) عن العلل والسّند هنا معلول وصحيحه على ما في البحار : ابن الوليد عن محمّد العطّار عن ابن أبان عن ابن أورمة عن عبد الله بن محمّد عن داود بن أبي يزيد عن عبد الله بن هلال.

١٠٩

١٠٦ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا عمرو بن عثمان (١) ، عن العبقري ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرّب ، عن عليّ عليه السلام قال : شب إسماعيل وإسحاق فتسابقا فسبق إسماعيل فأخذه إبراهيم عليه السلام فأجلسه في حجره وأجلس إسحاق إلى جنبه ، فغضبت سارة وقالت : أما انّك قد جعلت أن لا تسوي بينهما فاعزلها عنّي ، فانطلق ابراهيم عليه السلام باسماعيل صلوات الله عليهما وبأُمّه هاجر حتى أنزلهما مكّة ، فنفد طعامهم ، فأراد إبراهيم أن ينطلق فيلتمس لهم طعاماً ، فقالت هاجر إلى من تكلنا ، فقال : أكلكم إلى الله تعالى ، وأصابهما جوع شديد ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال لهاجر : إلى من وكلكما ؟ قالت : وكلنا إلى الله قال : ولقد وكلكما إلى كاف ، ووضع جبرئيل يده في زمزم ثمَّ طواها ، فاذا الماء قد نبع ، فأخذت هاجر قربة مخافة أن يذهب ، فقال جبرئيل : إنها تبقى فادعي ابنك فأقبل فشربوا وعاشوا حتّى أتاهم إبراهيم عليه السلام فأخبرته الخبر فقال : هو جبرئيل عليه السلام (٢).

١٠٧ ـ وباسناده عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه الصّلاة والسلام عن السّعي ، فقال : إنّ إبراهيم عليه السلام لمّا خلّف هاجر أُمّ إسماعيل عطش الصبيّ ولم يكن بمكة ماء ، فأتت هاجر إلى الصّفا ، فصعدت فوقها ، ثمّ نادت هل بالوادي من أنيس ؟ فلم يجبها أحدٌ ، فرجعت إلى المروة حتّى فعلت ذلك سبعاً ، فأجرى بذلك سنّة (٣) ، قال : فأتاها جبرئيل وهي على المروة ، فقال لها : من أنت ؟ فقالت : أُمّ ولد إبراهيم ، فقال : إلى مَنْ ترككما ؟ قالت : إلى الله تعالى فقال : وكّلكما الى كافٍ ، قال : فحص الصّبيّ برجله فنبعت زمزم ، ورجعت هاجر إلى الصّبيّ ، فلمّا رأت الماء قد نبع جمعت التّراب حوله ولو تركته لكان سيحاً ، قال : ومرّ ركب من اليمن يريد سفراً لهم فرأوا الطّير قد حلقت قالوا : وما حلقت إلا على ماء ، وقد كانوا يتجنبون منه ، لانّه لم يكن بها ماء ، فأتوهم فأطعموهم وسقوهم ، وكان النّاس يمرّون بمكة ، فيطعمونهم

_________________________________

(١) في النّسخ : عمرة بن عثمان ، وهو تصحيف ، والصّحيح ما أثبتناه عن البحار.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ١١١) ، برقم : (٣٧).

(٣) في البحار : فمضت حتى انتهت إلى المروة ، فقال : هل بالوادي من أنيس ؟ فلم يجبها أحد ، ثم رجعت إلى الصفا ، فقالت كذلك حتى صنعت ذلك سبعاً ، فأجرى الله ذلك سنة.

١١٠

من الطّعام وهم يسقونهم من الماء(١).

١٠٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا سعد (٢) بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن عليّ بن النّعمان ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال : قال ابوعبد الله صلوات الله عليه : إنّ اسماعيل دفن اُمّه في الحجر وجعله عليها لئلّا (٣) يوطأ قبرها (٤).

فصل ـ ٢ ـ

١٠٩ ـ وباسناده عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن عقبة ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ إسماعيل لمّا تزوّج امرأةً من العمالقة يقال لها : سماة وأنّ إبراهيم اشتاق إليه ، فركب حماراً ، فأخذت عليه سارة ألّا ينزل حتّى يرجع قال : فأتاه وقد هلكت أُمّه ولم يوافقه ووافق امرأته ، فقال لها : أين زوجك ، فقال : خرج يتصيّد ، فقال : كيف حالكم ؟ فقالت : حالنا وعيشنا شديد ، قال : ولم تعرض عليه المنزل ، فقال : إذا جاء زوجك فقولي له جاء ها هنا شيخ وهو يأمرك أن تغيّر عتبة بابك.

فلمّا أقبل إسماعيل صلوات الله عليه وصعد الثّنية وجد ريح أبيه ، فأقبل إليها وقال : أتاك أحدٌ ؟ قالت : نعم شيخ قد سألني عنك ، فقال لها : هل أمرك بشيء ؟ قالت : نعم ، قال لي : إذا دخل زوجك فقولي له جاء شيخ وهو يأمرك أن تغيّر عتبة بابك ، قال : فخلّى سبيلها.

ثمَّ إنَّ إبراهيم عليه السلام ركب إليه الثانية ، فأخذت عليه سارة أن لا ينزل حتى يرجع ، فلم يوافقه ووافق امرأته ، فقال : أين زوجك قالت : خرج : عافاك الله للصيد ، فقال : كيف أنتم ؟ فقالت : صالحون قال : وكيف حالكم ؟ قالت : حسنة ونحن بخيرٍ ، انزل يرحمك الله حتّى يأتي ، فأبى ولم تزل به تريده على النزول (٥) فأبى ، قالت : أعطني

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١٠٦) ، برقم : (١٩) ، عن العلل مع اختلاف في الالفاظ.

(٢) في البحار : الصّدوق عن أبيه عن سعد ، وهو الصّحيح وتقدّم نظيره برقم : (٩٥).

(٣) في البحار : وجعل عليها حائطاً لئلّا.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٠٤) ، برقم : (١٣).

(٥) في ق ١ وق ٥ والبحار : قال فأبى ولم تزل به ، وفي ق ١ :تزيده على النزول ، وفي ق ٣ : وهي تريده على النزول.

١١١

رأسك حتّى أغسله ، فإِنّي أراه شعثاً ، فجعلت له غسولاً ، ثمَّ أدنت منه الحجر ، فوضع قدمه عليه ، فغسلت جانب رأسه ، ثمّ قلبت قدمه الاخرى فغسلت الشق الآخر ثمَّ سلّم عليها وقال : إذا جاء زَوجك فقولي جاءَ ها هنا شيخ فهو يوصيك بعتبة بابك خيراً.

ثمَّ إنّ إسماعيل صلوات الله عليه أقبل فلمّا انتهى الثنيّة وجد ريح أبيه ، فقال لها : هل أتاك أحدٌ ؟ قالت : نعم شيخ وهذا أثر قدميه ، فاكبَّ على المقام وقبّله ، وقال : شكى إبراهيم إلى الله ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى الله إليه : أنّ مثل المرأة مثل الضّلع الاعوج إن تركته استمتعت به وان أقمته كسرته ، وقال : إنَّ إبراهيم عليه السلام تزوّج سارة وكانت من أولاد الأنبياء على أن لا يخالفها ولا يعصي لها أمراً ولا تعصي له أمراً فيما وافق الحق ، وأنّ إبراهيم كان يأتي مكة من الحيرة في كلّ يوم (١).

١١٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سمعت أبا عبد الله صلوات الله عليه يقول : إنّ إبراهيم عليه السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل بمكة ، فأذنت له على أن لا يبيت عنها (٢) ولا ينزل عن حماره ، قلت : كيف كان ذلك ؟ قال : طويت له الأرض (٣).

١١١ ـ عن ابن بابويه ، حدثنا محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن يحيى اللّحام ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : إنّ إبراهيم ناجى ربَّه فقال : ياربِّ كيف ذا العيال من قبل أن يجعل له من ولده خلفاً يقوم بعده في عياله ؟ فأوحى الله تعالى إليه : يا ابراهيم أو تريد لها خلفاً منك يقوم مقامك من بعد خيراً منّي ؟ قال ابراهيم : اللّهمّ لا ، الآن طابت نفسي (٤).

١١٢ ـ عن ابن بابويه ، عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي البرقي ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١١١ ـ ١١٢) ، برقم : (٣٨).

(٢) في ق ٤ : عندها.

(٣) بحار الانوار (١٢ / ١١٢) ، برقم : (٣٩).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٨٢) ، برقم : (١١).

١١٢

عبد الله عليه السلام قال : إنّ اسماعيل صلوات الله عليه توفّي ، وهو ابن مائة وثلاثين سنة ، ودفن بالحجر مع اُمّه ، فلم يزل بنو اسماعيل ولاة الأمر يقيمون للنّاس حجّهم وأمر دينهم يتوارثونها كابراً عن كابرٍ حتّى كان زمن عدنان بن أدد (١).

١١٣ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان ، عمّن ذكره ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : كانت الخيل العرابة (٢) وحوشاً بأرض العرب ، فلمّا رفع إبراهيم واسماعيل صلوات الله عليهما القواعد من البيت ، قال : إنّي أعطيتك (٣) كنزاً لم أعطه أحداً كان قبلك ، فخرج إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما حتّى صعدا (٤) ، فقالا : ألا هلا ألا هلمّ ، فلم يبق في أرض العرب فرس إلّا أتاه وذلّل له فأعطته (٥) بنواصيها (٦).

فصل ـ ٣ ـ

( في وفاة إبراهيم عليه السلام )

١١٤ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان (٧) ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما ، قال : كان سبب وفاة إبراهيم عليه السلام أنّه أتاه ملك الموت ليقبضه فكره إبراهيم ، فرجع ملك الموت إلى ربّه ، فقال : إنَّ إبراهيم كره الموت ، فقال : دع إبراهيم فانّه يحبّ أن يعبدني حتّى رآى إبراهيم شيخاً يأكل ويخرج منه ما يأكل ، فكره الحياة وأحبَّ الموت ، فأتى داره فاذا فيها أحسن صورة ما رآها قطّ ، قال : من أنت ؟ قال : إنا ملك الموت فقال : يا سبحان

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١١٣) ، برقم : (٤١).

(٢) في البحار : العراب.

(٣) في البحار : قال الله اني قد أعطيتك.

(٤) في البحار : صعدا جياداً ، والجياد كما في الصّحاح اسم جبل بمكة وعن بعض نسخ العلل : صعدا جيلاً.

(٥) في البحار : وأعطت.

(٦) بحار الانوار (١٢ / ١٠٤) ، برقم : (١٦) عن العلل وراجع العلل (١ / ٣٧).

(٧) في العلل : عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي عن أبان بن عثمان الخ مع اختلاف يسير.

١١٣

الله من هذا الّذي يكره قربك ورؤيتك ؟ وأنت بهذه الصّورة ، قال : يا خليل الله إنّ الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً بعثني إليه في هذه الصّورة ، وإذا أرادَ بعبد شرّاً بعثني إليه في صورة غيرها وقبض إبراهيم عليه السلام بالشّام (١).

١١٥ ـ عن ابن بابويه ، قال : حدّثنا أحمد بن موسى ، حدّثنا محمّد بن هارون الصّولي (٢) ، عن عبد الله بن موسى الجمال الطّبري ، حدَّثنا محمد بن الحسين الخشاب (٣) ، حدّثنا محمّد بن محسن ، عن يونس بن ظبيان (٤) ، قال : قال لي الصّادق عليه السلام : يا يونس قال أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسلام : لمّا أراد الله قبض روح إبراهيم عليه السلام هَبَطَ إليه ملك الموت عليه السلام فقال : السلام عليك يا ابراهيم قال : وعليك السلام يا ملك الموت أداع أنت أم ناع ؟ قال : بل داع فأجبه ، فقال ابراهيم : هل رأيت خليلاً يميت خليله ، قال : فرجع ملك الموت حتّى وقف بين يدي الله تعالى فقال : إلهي قد سمعت ما قال خليلك إبراهيم عليه السلام ، فقال الله جلّ جلاله : يا ملك الموت اذهب إليه وقل له : هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه ؟ إنَّ الحبيب يحبّ لقاء حبيبه.

وتُوُفّيَ إبراهيم بالشّام ، ولم يعلم إسماعيل صلوات الله عليهما بموته ، فتهيّأ لقصده (٥) ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فعزّاه بابراهيم ، وقال : يا اسماعيل لا تقل في موت أبيك ما يسخط الرّب وانّما كان عبداً دعاه الله تعالى فأجابه.

ولمّا ترعرع اسماعيل وكبر أعطوه سبعة أعنز ، وكان ذلك أصل ماله ، فنشأ وتكلّم بالعربيّة وتعلّم الرّمي ، وكان اسماعيل صلوات الله عليه بعد موت أمّه تزّوج امرأة من جرهم اسمها زعلة (٦) ، وطلّقها ولم تلد له شيئاً ، ثمَّ تزوّج السّيدة بنت الحرث بن مضاض فولدت له ، وكان عمر إسماعيل مائة وسبعاً وثلاثين ، ومٰات صلوات الله عليه ودفن في الحجر وفيه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٧٩) ، برقم : (٨) عن العلل ، وراجع العلل (١ / ٣٨).

(٢) في ق ٤ : الصوفي.

(٣) في ق ٢ : محمد بن الحسن الخشاب.

(٤) في ق ٢ : محمد بن الحسن عن يونس ، وفي موضع من البحار : محمد بن محصن عن يونس بن ظبيان.

(٥) في ق ١ وق ٤ وق ٥ : تهيأ لقصيده ، وفي البحار : تهيأ اسماعيل لابيه.

(٦) في ق ١ وق ٤ وق ٥ : زعلة أو عمادة ، وفي ق ٣ : وعلة أو عمارة ، وفي ق ٢ : زعلة أو عمارة.

١١٤

قبور الأنبياء عليهم السلام ، ومن أراد أن يصلي فيه فلتكن صلاته على ذراعين من طرفه (١) ممّا يلي باب البيت ، فانّه موضع شبير وشبر ابني هارون عليه السلام (٢).

١١٦ ـ وكان على عهد ابراهيم عليه السلام رجل يقال له : ماريا بن أوس ، قد أتت عليه ستمائة سنة وستون سنة ، وكان يكون في غيضة له بينه وبين النّاس خليج من ماء غمر ، وكان يخرج الى الناس في كلّ ثلاث سنين ، فيقيم في الصّحراء في محراب له يصلي فيه ، فخرج ذات يوم فيما كان يخرج ، فاذا هو بغنم كان عليها الدّهن ، فأُعجب بها وفيها شاب كأنّ وجهه شقة قمرٍ ، فقال : يا فتى لمن هذا الغنم ، قال : لإِبراهيم خليل الرّحمن قال : فمن أنت ؟ قال : أنا ابنه إسحاق ، فقال ماريا في نفسه : اللّهمّ أرني عبدك وخليلك حتّى أراه قبل الموت.

ثمَّ رجع إلى مكانه ورفع إسحاق ابنه خبره إلى أبيه فأخبره بخبره ، وكان إبراهيم يتعاهد ذلك المكان الّذي هو فيه ويصلّي فيه ، فسأله إبراهيم عن اسمه وما أتى عليه من السّنين فخبّره ، فقال : أين تسكن ؟ فقال : في غيضة ، فقال ابراهيم عليه السلام إنّي أحبّ أن آتي موضعك فأنظر إليه وكيف عيشك فيها ؟ قال : إنّي أيبّس من الثّمار الرّطب ما يكفيني الى قابل ، لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فانه خليج وماء غمرٍ ، فقال له ابراهيم : فما لك فيه معبر ؟ قال : لا : قال : فكيف تعبر ؟ قال أمشي على الماء ، قال ابراهيم : لعل الله الّذي سخّر لك الماء يسخّره لي.

قال : فنطلق وبدأ ماريا فوضع رجله في الماء وقال : بسم الله قال ابراهيم عليه السلام : بسم الله ، فالتفت ماريا وإذا إبراهيم يمشي كما يمشي هو ، فتعجّب من ذلك ، فدخل الغيضة ، فأقام معه إبراهيم صلوات الله عليه ثلاثة أيّام لا يعلمه من هو ، ثمَّ قال له : يا ماريا ما أحسن موضعك هل لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع ؟ فقال : ما كنت لأفعل ، قال : ولِمَ قال لأنّي دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين فلم يجبني فيها ، قال :

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٢ : من طوفه.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٧٨) ، برقم : (٧) الى قوله : يحبّ لقاء حبيبه. ومن قوله : ولمّا ترعرع. إلى آخره في نفس الجزء ص (١١٢ ـ ١١٣) برقم (٤٠) والباقي مذكور ص (٩٦) عن العلل.

١١٥

وما الّذي دعوته به (١) ؟ فقصّ عليه خبر الغنم واسحاق ، فقال ابراهيم عليه السلام : فانّ الله قد استجاب منك أنا إبراهيم ، فقام : وعانقه فكانت أوّل معانقة (٢).



_________________________________

(١) الزّيادة من ق ٤ فقط وهو أحسن.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٩ ـ ١٠) ، برقم : (٢٣).

١١٦

الباب الخامس

( في ذكر لوط وذي القرنين عليهما السلام )

١١٧ ـ أخبرنا الاستاد ابوجعفر محمّد بن المرزبان ، عن الشّيخ أبي عبدالله جعفر الدّوريستي ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله : سأل جبرئيل كيف كان مهلك قوم لوط ؟ فقال : إنَّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون عن الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطّعام ، وأنّ لوطاً لبث فيهم ثلاثين سنة ، وانّما كان نازلاً فيهم ولم يكن منهم ، ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وأنّه دعاهم الى الله تعالى وإلى الايمان به واتّباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثّهم على طاعة الله فلم يجيبوه ولم يطيعوه.

وأنَّ الله لمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلاً عذراً أو نذراً ، فلمّا عتوا عن أمره بعث الله إليهم ملائكة ليخرجوا من كان فيها من المؤمنين ، وقالوا : اسرِ يا لوط باهلك ، فلمّا انتصف اللّيل سار لوط عليه السلام ببناته وتولّت امرأته مدبرة ، فانطلقت الى قومها تسعى بلوط وتخبرهم أنّ لوطاً سار ببناته ، وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر يا جبرئيل حق القول من الله بحتم عذاب قوم لوط اليوم ، فأهبط الى قرية لوط وما حوت ، فأقبلها من تحت سبع أرضين ، ثمَّ أعرج بها إلى

١١٧

السّماء وأوقفها حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ودع منها آيةً بينةً منزل لوط عبرةً للسيّارة ، فهبطت على أهل القرية فقلعت ذلك حتّى سمع أهل السّماء بريا ديوكها (١) ، فلمّا طلعت الشّمس نوديت : أقلب القرية فقلبتها عليهم حتّى صار أسفلها أعلاها.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا جبرئيل وأين كانت قريتهم ؟ قال : في موضع بحيرة طبريّة اليوم ، وهي في نواحي الشّام ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حين قلبتها في أيّ موضع وقعت ؟ قال : وقعت فيما بين بحر الشّام الى مصر ، فصارت تلولاً في البحر (٢).

١١٨ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه الصلاة والسلام : أخبرني عن عاقبة البخل ، فقال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يتعوّذ من البخل إلى الله تعالى ، والله تعالى يقول : « وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (٣) وسأخبرك عن عاقبة البخل : إنّ قوم لوط كانوا أهل قريةٍ أشحّاء على الطّعام ، وأعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم ، قلت : ما أعقبهم قال : إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشّام ومصر ، فكانت السيّارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلمّا كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذراعاً ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضّيف فضحوه من غير شهوة بهم الى ذلك ، حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال ويعطون عليه النِّحَل (٤).

وأنّ لوطاً عليه السلام لبث مع قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله تعالى ويحذّرهم عقابه ،

_________________________________

(١) في البحار : زقاء ديوكها ، ولعلّه الصّحيح بمعنى الصّياح والصّراخ ، وفي نسختين : ريا ، وفي أخرى : رتا.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ١٥٢) ، برقم : (٧) عن العلل مع اختلاف يسير.

(٣) سورة الحشر : (٩) وسورة التغابن : (١٦).

(٤) في البحار : ويعطونهم عليه الجعل.

١١٨

وكانت امرأة إبراهيم عليه السلام سارة اُخت لوط ، وكان لوط رجلاً شيخاً كريماً يقري الضّيف اذا نزل به ويحذّره قوم ، فقال قومه : أنا ننهاك عن الضّيف وقرائه ، فان لم تفعل أخزيناك فيه ، فكان لوط اذا نزل به الضّيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط وابراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط.

وكان لابراهيم ولوط منزلة عند الله شريفة ، وأنّ الله تعالى لمّا أراد عذاب قوم لوط أدركه خلّة ابراهيم ومحبّة لوط ، فبرأفتهم يؤخّر عذابهم ، أراد الله أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رُسُلاً إلى إبراهيم يبشّرونه باسماعيل ، فدخلو عليه ليلاً ففزع وخاف أن يكونوا سرّاقاً فلمّا رأوه فزعاً قالوا : « إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ » (١) ثمَّ قالوا : « إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ » (٢) قوم لوط ، فلمّا كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله رسلاً إلى إبراهيم يبشّرونه باسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط (٣).

فصل ـ ١ ـ

١١٩ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمر الجرجاني ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما في قوله تعالى : « أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ » (٤) فقال : إنَّ إبليس أتاهم في صورة شاب حسن فيه تأنيث وعليه ثياب حسنة ، فلجأ الى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به ففعلوا ، ولو أمرهم أن يفعل بهم لأبوا عليه فالتذوا ذلك ، ثمَّ ذَهَبَ وتركهم فأحال بعضهم على بعض (٥).

_________________________________

(١) سورة الحجر : (٥٣).

(٢) سورة الحجر : (٥٨).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ١٤٧ ـ ١٤٩) ، عن العلل مع اختلاف يسير وزيادة في ذيله.

(٤) سورة الاعراف : (٨٠) وسورة النّمل : (٥٤).

(٥) بحار الانوار (١٢ / ١٦٢) ، برقم : (١٣).

١١٩

١٢٠ ـ وبهذا الاسناد عن الحسن بن علي ، عن داود بن يزيد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا جاءت الملائكة عليهم السلام في هلاك قوم لوط مضوا حتّى أتَوا لوطاً ، وهو في زراعة له قرب المدينة فسلموا عليه ، فلما رآهم رآى هيئة حسنة وعليهم ثياب بيض وعمايم بيض ، فقال لهم : المنزل ، قالوا : نعم ، فتقدّمهم ومشوا خلفه ، فندم على عرضه عليهم المنزل ، فالتفت اليهم فقال : انّكم تأتون شراراً من خلق الله ، وكان جبرئيل قال الله له : لا تعذّبهم حتّى تشهد عليهم ثلاث شهادات ، فقال جبرئيل : هذه واحدة ثمَّ مشى سٰاعة فقال : إنكم تأتون شراراً من خلق الله ، فقال : هذه ثنتان ، ثمَّ مشى ، فلمّا بلغ المدينة التفت اليهم فقال : انكم تأتون شراراً من خلق الله ، فقال جبرئيل : هذه ثلاث.

ثمَّ دخل ودخلوا معه منزله فلمّا أبصرت (١) بهم امرأته أبصرت هيئةً حسنةً ، فصعدت فوق السّطح ، فصفقت فلم يسمعوا ، فدخنت لمّا رأوا الدّخان أقبلوا يهرعون إليه حتى وقفوا بالباب ، فقال لوط : « فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي » (٢) ثمَّ كابروه حتّى دخلوا عليه قال : فصاح جبرئيل يا لوط دعهم يدخلوا قال : فدخلوا فأهوى جبرئيل اصبعيه (٣) وهو قوله تعالى : « فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ » (٤) ثمَّ قال جبرئيل : « إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك » (٥).

فصل ـ ٢ ـ

( في حديث ذي القرنين عليه السلام )

١٢١ ـ أخبرنا الأديب ابوعبد الله الحسين المؤدب القمي ، حدّثنا جعفر الدوريستي ، حدّثنا أبي ، عن الشّيخ أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن عليّ بن النّعمان ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن

_________________________________

(١) في ق ٥ والبحار : بصر ، وفي ق ١ : بصرت امرأته ، وفي ق ٣ : بصرتهم.

(٢) سورة هود : (٧٨).

(٣) في ق ٢ : باصبعيه ، وفي ق ٣ : بجناحه فأعمى أعينهم.

(٤) سورة القمر : (٣٧).

(٥) بحار الانوار (١٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤) ، برقم : (١٦) ، والآية الاخيرة في سورة هود : (٨١).

١٢٠