قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فوالله ما هو إلّا قد سمعتها ، فأخذتني الرّعدة حتّى ظننت لأسقطنّ على صاحبي ونزلت أقول : ما هذا الخبر فرفع مولاي يده فلكمني (١) ، فقال : ما لك ولهذا ، أقبل على عملك.

فلمّا أمسيت وكان عندي شيء من طعام فحملته وذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله بقبا ، فقلت : إنّك رجل صالح وإن معك أصحاباً ، وكان عندي شيء من الصّدقة فها هو ذا فكل منه فأمسك رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال لأصحابه : كلوا ولم يأكل ، فقلت في نفسي : هذه خصلة ممّا وصف لي صاحبي ، ثمَّ رجعت وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ، فجمعت شيئاً كان عندي ثمَّ جئته به فقلت : إنّي قد رأيتك لا تأكل الصّدقة وهذه هديّةٌ وكرامة ليست بالصّدقة : فأكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأكل أصحابه فقلت هاتان خُلَّتان.

ثمَّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يتبع جنازة وعليه شملتان وهو في أصحابه فاستدبَرتُهُ لأنظر إلى الخاتم في ظهره ، فلمّا رآني رسول الله صلّى الله عليه وآله استدبرته عرف أنّي أستثبت شيئاً قد وصف لي فرفع لي ورداءَه ، عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي ، فأكببت عليه أُقبّله وأبكي فقال : تحوّل يا سلمان هنا ، فتحوّلتُ وجلست بين يديه وأحبّ أن يسمع أصحابه حديثي عنه فحدّثته يا ابن عباس كما حدثتك.

فلمّا فرغت قال رسول الله : كاتب يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة اُحييها له وأربعين أوقيّة ، فأعانني أصحاب رسول الله بالنّخل ثلاثين وديّة (٢) وعشرين وديّة كلّ رجل على قدر ما عنده ، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنا أضعها بيدي ، فحفرت لها حيث توضع ، ثمَّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت : قد فرغت منها ، فخرج معي حتّى جاءَها ، فكُنّا نحمل إليه الوديّ ، فيضعه بيده فيسوّي عليها ، فوالّذي بعثه بالحقّ نبيّاً ما مات منها وديّة واحدة وبقيت عليّ الدّراهم ، فأتاه رجل من بعض المعادن بثمل البيضة من الذّهب ، فقال رسول الله : أين الفارسي المكاتب المسلم ؟

_________________________________

(١) اللّكم : الضّرب بتمام الكفّ.

(٢) الوديّة والوديّ : النّخل الصّغير.

٣٠١

فدعيت له فقال : خذ هذه يا سلمان فأدّها عمّا عليك ، فقلت يا رسول الله : أين تقع هذه ممّا عليّ ؟ فقال : إنّ الله عزّوجلّ سيوفي بها عنك ، فهو الّذي نفس سلمان بيده لو زنت لهم منها أربعين أوقيّة فأدّيتها إليهم وعتق سلمان وكان الرقّ قد حبسني حتّى فاتني مع رسول الله بدرٌ واُحُدٌ ثمَّ عتقت ، فشهدت الخندق ولم يفتني معه مشهد (١).

٣٧٢ ـ وفي رواية : عن سلمان رضي الله عنه إنَّ صاحب عمورية لمّا حضرته الوفاة قال : ائت غيضتين (٢) من أرض الشّام ، فانّ رجلاً يخرج من إحديهما إلى الاُخرى في كلّ سنةٍ ليلةً يعترضه ذووا الأسقام ، فلا يدعو لأحدٍ مَرِضَ إلّا شُفِيَ ، فاسأله عن هذا الدّين الّذي تسألني عنه عن الحنيفيّة دين إبراهيم عليه السلام فخرجت حتّى أقمت بها سنة حتّى خرج تلك اللّيلة من إحدى الغيضتين إلى الأخرى ، وكان فيها حتى ما بقي إلّا منكبيه فأخذت به ، فقلت : رحمك الله الحنيفيّة دين إبراهيم ؟ قال : إنّك تسأل عن شيء ما سأل عنه النّاس اليوم ، قد أظلّك نبيٌّ يخرج عند هذا البيت بهذا الحرم يبعث بذلك الدين ، فقال الراوي : يا سلمان لئن كان كذلك لقد رأيت عيسى بن مريم (٣).

٣٧٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن محمّد بن عليّ بن مهزيار ، عن أبيه ، عمّن ذكره ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام إنَّ سلمان قال : كنت رجلاً من أهل شيراز ، فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا برجل من صومعة ينادي : أشهد أن لا إله الا الله ، وأنّ عيسى روح الله ، وأنّ محمّداً حبيب الله. فوقع ذكر محمّد في لحمي ودمي ، فلم يهنّئني طعام ولا شراب ، فلمّا انصرفت إلى منزلي فاذا أنا بكتاب من السّقف معلّق ، فقلت لاُمّي : ما هذا الكتاب ؟ فقالت يا روزبه : إنّ هذا الكتاب لمّا رجعنا من عيدنا رأيناه معلّقاً ، فلا تقربه يقتلك أبوك.

قال : فجاهدتها حتّى جنّ الّليل ونام أبي وأمّي ، فقمت فأخذت الكتاب وإذا فيه : بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا عهد من الله إلى آدم إنّي خالق من صلبه نبيّاً يقال له : محمّد ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥) ، برقم : (٥).

(٢) الغيضتان تثنية الغيضة وهي الاجمة أي مغيض الماء ومجمعه ينبت فيه النّبات والشّجر والقصب.

(٣) بحار الانوار (٢٢ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦).

٣٠٢

يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن عبادة الأوثان ، يا روزبه : ائت وصيّ وصيّ عيسى وآمن واترك المجوسيّة.

قال : فصعقت صعقة ، فعلمت اُمّي وأبي بذلك ، فجعلوني في بئرٍ عميقة ، فقالوا : إن رجعت وإلّا قتلناك ، قال : ما كنت أعرف العربيّة قبل قراءتي الكتاب ، ولقد فهّمني الله تعالى العربيّة من ذلك اليوم ، قال : فبقيت في البئر ينزلون إليّ قرصاً ، فلمّا طال أمري رفعت يديّ إلى السّماء ، فقلت : يا ربّ إنّك حبّبت محمّداً إليَّ فبحقّ وسيلته عجلّ فرجي.

فأتاني آتٍ عليه ثياب بيض ، فقال : يا روزبه قم ، وأخذ بيدي وأتى بي الصّومعة ، فأشرف عليَّ الدّيراني ، فقال : أنت روزبه ؟ فقلت : نعم فأصعدني وخدمته حولين فقال لمّا حضرته الوفاة : إنّي ميّت ولا أعرف أحداً يقول بمقالتي إلّا راهباً بانطاكيّة ، فاذا لقيته فاقرأه منّي السّلام وادفع إليه هذا اللّوح وناولني لوحاً ، فلمّا مات غسّلته وكفّنته ، وأخذت اللّوح ، وأتيت الصّومعة ، وأنشأت أقول : أشهدُ أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ عيسى روح الله وأنّ محمّداً حبيب الله.

فأشرف عليّ الدّيراني فقال : أنت روزبه ؟ قلت : نعم فصعدت إليه ، فخدمته حولين ، فلمّا حضرته الوفاة ، قال : لا أعرف أحداً يقول بمثل مقالتي في الدّنيا ، وأنّ محمّد بن عبد الله حانت ولادته ، فاذا لقيته فاقرأه منّي السّلام ، وادفع إليه هذا الّلوح ، فلمّا دفنته صحبت قوماً ، فقلت لهم : يا قوم أكفيكم الخدمة في الطّريق وخرجت معهم فنزلوا.

فلما أرادوا أن يأكلوا شدّوا على شاة فقتلوها بالضّرب وشووها ، فقالوا : كل فامتنعت ، فضربوني فأتوا بالخمر فشربوه ، فقالوا : اشرب فقلت : إنّي غلام ديراني لا أشرب الخمر ، فأرادوا قتلي ، فقلت : لا تقتلوني أقرّ لكم بالعبوديّة ، فأخرجني واحد وباعني بثلاثمائة درهم من يهوديّ.

قال : فسألني عن قصتي ، فأخبرته وقلت : ليس لي ذنب إلّا أنّني أحببت محمّداً ، فقال اليهودي : وإنّي لأبغضك وأبغض محمّداً ، وكان على بابه رمل كثير فقال : يا روزبه لإن أصبحت ولم تنقل هذا الرّمل من هذا الموضع إلى هذا الموضع لأقتلنّك قال : فجعلت أحمل طول ليلتي ، فلمّا أجهدني التّعب رفعت يدي إلى السّماء وقلت : يا ربّ ، حبّبت إليّ محمّداً ، فبحقّ وسيلته عجّل فرجي ، قال : فبعث الله تعالى ريحاً فقلعت ذلك الرّمل من مكانه

٣٠٣

إلى المكان الّذي قال اليهودي ، فلمّا أصبح قال : يا روزبه أنت ساحر فلأخرجنّك من هذه القرية.

فأخرجني وباعني من امرأة سلميّة ، فأحبتني حبّاً شديداً ، وكان لها حائط ، فقالت : هذا الحائط كل ما شئت وهب وتصدّق ، فبقيت في ذلك ما شاء الله ، فاذا أنا ذات يوم في ذلك البستان إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلّهم غمامة ، فقلت في نفسي : ما هؤلاء كلّهم أنبياء ، فانّ فيهم نبيّاً ، فدخلوا الحائط والغمامة تسير معهم وفيهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليٌّ وأبوذر وعمّار والمقداد وعقيل وحمزة وزيد بن حارثة ، وجعلوا يتناولون من حشف النّخل ورسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لهم : كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئاً.

فدخلت إلى مولاتي ، فقلت هبي لي طبقاً فوهبته فأخذته فوضعته بين يديه ، فقلت : هذه صدقة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلوا وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين وحمزة وعقيل ، وقال لزيد بن حارثة ، مد يدك وكل ، فأكلوا فقلت في نفسي : هذه علامة ، فحملت طبقاً آخر وقلت : هذه هديّة فمدّ يده وقال : بسم الله كلوا ، فقلت في نفسي هذه علامة أيضاً.

فبينا أنا ، أدور خلفه ، فقال : يا روزبه ادخل إلى هذه المرأة وقل لها : يقول لك محمّد بن عبد الله : تبيعيننا هذا الغلام ، فدخلت وقلت لها : ما قال فقالت : لا أبيعكه إلّا بأربعمائة نخلة مائتي ونخلة منها صفراء ومائتي نخلة منها حمراء ، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ما أهون ما سألت ، ثمَّ قال : قم يا عليّ فاجمع هذا النّوى فجمعه وأخذه وغرسه ، ثم قال : اسقه فسقاه أمير المؤمنين وما بلغ آخره حتّى خرج النّخل ولحق بعضه بعضاً ، فخرجت ونظرت إلى النّخل ، فقالت : لا أبيعكه إلّا بأربعمائة نخلة كلّها صفراء ، فمسح جبرئيل جناحه على النّخل فصار كلّه أصفر ، فدفعتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فأعتقني (١).

فصل ـ ١٣ ـ

٣٧٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا جعفر بن محمّد بن مسرور ، حدّثنا الحسين بن محمّد

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٢ / ٣٥٥ ـ ٣٥٩) ، برقم : (٢) عن كمال الدّين ، مع اختلافات. وفي آخره : وسمّاني سلماناً.

٣٠٤

ابن عامر ، عمِّه عبد الله ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن مرازم ، عن أبي بصير ، قال ابو عبد الله عليه السلام لرجل : ألا اُخبرك كيف كان سبب إسلام سلمان وأبي ذر ؟ فقال الرّجل وأحظا (١) : أمّا إسلام سلمان ، فقد علمت فأخبرني بالآخر ، فقال : انّ اباذر كان ببطن مرٍّ يرعى غنماً له إذ جاءَ ذئبٌ عن يمين غنمه فطرده فجاءَ عن يسار غنمه فصرفه ثمَّ قال : ما رأيت ذئباً أخبث منك ، فقال الذئب : شرّ منّي أهل مكّة ، بعث الله إليهم نبيّاً فكذّبوه.

فوقع كلام الذّئب في أذن أبي ذر ، فقال لاُخته هلمّي مزودي وإداوتي (٢) ثمَّ خرج يركض حتّى دخل مكّة ، فاذا هو بحلقة مجتمعين وإذا هم يشتمون النبيّ صلّى الله عليه وآله كما قال الذئب ، إذ أقبل ابوطالب ، فقال بعضهم : كفّوا فقد جاءَ عمّه ، فلمّا دنا منهم عظّموه ثمَّ خرج فتبعته ، فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النّبيّ المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه قلت : أُؤمن به وأصدّقه فرفعني إلى بيت فيه : جعفر بن أبي طالب ، فلمّا دخلت سلّمت ، فردّ علي السّلام وقال : ما حاجتك ؟ قلت هذا النّبي المبعوث أؤمن به وأصدقه ، فرفعني إلى بيت حمزة ، فرفعني إلى بيت فيه عليّ بن ابي طالب ، فرفعني إلى بيتٍ فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله فدخلت إليه ، فاذا هو نور في نور ، قال : أنا رسول الله يا اباذر انطلق إلى بلادك ، فانّك تجد ابن عم لك قد مات ، فخذ ماله وكن بها حتّى يظهر أمري ، فانصرفت واحتويت على مالِهِ وبقيت حتّى ظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله فأتيته.

فلمّا انصرفت إلى قومي أخبرتهم بذلك ، فأسلم بعضهم ، وقال بعضهم : إذا دخل

_________________________________

(١) في البحار : وأخطأ. ولكنّه خطأ والصّحيح ما أثبتناه في المتن عن أمالي الصّدوق ، المجلس الثّالث والسّبعون الحديث الاوّل. وعليه عدّة من النّسخ الخطّيّة أعني ق ٢ و ٣ و ٥ وهو : أحظأ أي أسعد وبلّغ المرام ومن كلام الكليني أو الرّاوي في آخر الخبر (روضة الكافي برقم ٤٥٧ ص ٢٩٩) : ولم يحدّثه لسوء أدبه ، يظهر أنّه دراه : أخطأ (بالخاء المعجمة) ولكن الخبر بلفظه المذكور في الامالي « للصّدوق » المتّحد مع الموجود في الرّوضة غير مذيّل بالذّيل المذكور في رواية الرّوضة. وسنده في الامالي معتبر.

(٢) في روضة الكافي : فقال لامرأته : هلمّي مزودي وأدواتي وعصاي. والخبر في الامالي والكافي واحد مضموناً حاوٍ لقصّتة إسلام أبي ذُر وما هنا مختصره مع فرق في آخره.

٣٠٥

رسول الله صلّى الله عليه وآله أسلمنا ، فلمّا قدم أسلم بقيّتهم وجاءَت أسماء مع رجال فقالوا : نسلم على الّذي أسلم له إخواننا فقال رسول الله : غفاراً غفر الله لها وأسلم سلّمها الله (١).

٣٧٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : « وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ » (٢) دخل أبوذر عليلاً متوكياً على عصاه على عثمان وعنده مائة ألف درهم حملت إليه من بعض النّواحي ، فقال : انّي أريد أن أضم إليها مثلها ، ثمّ أرى فيها رأيي ، فقال أبوذر : أتذكر إذ رأينا رسول الله صلّى الله عليه وآله حزيناً عشاءً ؟ فقال : بقي عندي من فيء المسلمين أربعة دراهم لم أكن قسّمتها ثمَّ قسّمها ، فقال : الآن استرحت.

فقال عثمان لكعب الاحبار (٣) : ما تقول في رجل أدّى زكاة ماله هل يجب عليه بعد ذلك شيء ؟ قال : لا لو اتّخذ لبنة من ذهبٍ ولبنة من فضة ، فقال أبوذر رضي الله عنه : يا ابن اليهوديّة ما أنت والنّظر في أحكام المسلمين ، فقال عثمان : لولا صحبتك لقتلتك ، ثمَّ سيّره إلى الرّبذة (٤).

٣٧٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد الحسين بن محمّد بن القاسم المفسّر ، حدّثنا يوسف بن محمد بن زياد ، عن أبيه ، عن الحسن العسكري ، عن آبائه صلوات الله عليهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لأبي ذر : ما فعلت غنيماتك ، قال : إنَّ لها قصةً عجيبةً ، قال : بينا أنا في صلواتي إذ عدا الذّئب على غنمي ، فقلت : لا أقطع الصلاة ، فأخذ حَمَلاً

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٢ / ٤٢١ ـ ٤٢٣) ، برقم : (٣٢) عن أمالي الصدوق وروضة الكافي مع اختلاف في بعض الالفاظ ووحدة المحتوى.

(٢) سورة البقرة : (٨٤).

(٣) في بعض النّسخ : كعب الاخبار. وكذا على لسان بعضٍ ولكنّ الصّحيح : الاحبار ، جمع الحبر وهو عالم اليهود والمعروف عند الخاصّة في رجالهم ذمّة وأنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام كذّبه وأنّه كان يعادي عليّاً عليه السلام وتجانبه.

(٤) بحار الانوار (٢٢ / ٤٣٢) ، برقم : (٤٢).

٣٠٦

وذهب به وأنا أحس به ، إذ أقبل على الذّئب أسدٌ فاستنقذ الحمل وردّه في القطيع ، ثمّ ناداني : يا أبا ذر ، أقبل على صلاتك ، فانّ الله قد وكلني بغنمك ، فلمّا فرغت قال لي الأسد : امض الى محمّد صلّى الله عليه وآله فأخبره أنّ الله أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك وكلّ أسداً بغنمه ، فعجب من كان حول رسول الله صلّى الله عليه وآله (١).

الفصل ـ ١٤ ـ

٣٧٧ ـ وعن ابن عبّاس رضي الله عنه بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله بفناء بيته بمكة جالس ، إذ مرّ به عثمان بن مظعون ، فجلس ورسول الله صلّى الله عليه وآله يحدّثه ، إذ شخص بصره صلّى الله عليه وآله إلى السماء ، فنظر ساعة ثمّ انحرف ، فقال عثمان : تركتني وأخذت تنفض رأسك كأنّك تشفه شيئاً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أو فطنت إلى ذلك ؟ قال : نعم ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : قال عثمان : فما قال ؟ قال : « إنّ الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي » (٢) قال عثمان : فأحببت محمّداً واستقرّ الايمان في قلبي (٣).

٣٧٨ ـ وعنه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله بأسارى : فأمر بقتلهم ما خلا رجلاً من بينهم ، فقال الرّجل : كيف أطلقت عنّي من بينهم ؟ فقال : أخبرني جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى جلّ ذكره أنّ فيك خمس خصال يحبّها الله ورسوله : الغيرة الشّديدة على حرمك ، والسّخاء ، وحسن الخلق ، وصدق اللّسان ، والشّجاعة ، فأسلم الرّجل وحسن إسلامه (٤).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٢ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤) عن التفسير المنسوب الى الامام العسكري عليه السلام اقتباساً واختصاراً.

(٢) سورة النّحل : (٩٠).

(٣) بحار الانوار (٢٢ / ١١٢ ـ ١١٣) ، برقم : (٧٨).

(٤) بحار الانوار (١٨ / ١٠٨) ، برقم : (٨) وفيه : عن الله تعالى ذكره وراجع الخصال ص (٢٨٢) ففيه وزيادة متناً وتفاوت سنداً.

٣٠٧

٣٧٩ ـ وعنه ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن أحمد بن هارون الشّحام ، حدّثنا ابومحمّد عبد الرّحمن بن أبي حاتم ، حدّثنا عمر الأودي ، حدّثنا ورفع عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : قال عمّار (رض) يوم صفين : ائتوني بشربة لبن فأُتي فشرب ، ثمّ قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : إنّ آخر شربة تشربها من الدّنيا شربة لبن ، ثمّ تقدّم فقتل ، فلمّا قتل أخذ خزيمة بن ثابت بسيفه ، فقاتل وقال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : تقتل عماراً الفئة الباغية وقاتله في النّار ، فقال معاوية : ما نحن قتلناه إنّما قتله من جاء به.

ويلزم معاوية على هذا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله هو قاتل حمزة (رض) (١).

فصل ـ ١٥ ـ

٣٨٠ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، علي ، عن الحسن بن سعيد ، عن النّضر بن سويد ، عن موسى بن بكير (٢) ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ضلّت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزوة تبوك ، فقال المنافقون : يحدّثنا عن الغيب ولا يعلم مكان ناقته ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فأخبره بما قالوا وقال : إنّ ناقتك في شعب كذا متعلق زمامها بشجرة بحر (٣) ، فنادى رسول الله صلّى الله عليه وآله : الصلاة جامعة ، قال : فاجتمع النّاس ، فقال : أيّها النّاس إنّ ناقتي بشعب كذا ، فبادروا إليها حتّى أتوها (٤).

٣٨١ ـ وبهذا الأسناد قال بعض أصحابنا لأبي عبد الله عليه السلام : علم رسول الله صلّى الله عليه وآله أسماء المنافقين ؟ فقال : لا ، ولكن رسول الله لمّا كان في غزوة تبوك كان يسير على ناقته والنّاس أمامه ، فلمّا انتهى إلى العقبة وقد جلس عليها أربعة عشر

_________________________________

(١) بحار الانوار (٨ / ٥٢٢ ط ح).والظّاهر أنّ قوله « ويلزم » إلى آخره من كلام الشّيخ الرّاوندي ولذا لم يذكره العلّامة المجلسي.

(٢) في البحار : موسى بن بكر. وهو الأصحّ.

(٣) في البحار : بشجرة كذا.

(٤) بحار الانوار (١٨ / ١٠٩) ، برقم : (٩) و (٢١ / ٢٣٤) ، برقم : (١٢) مختصراً عن الخرائج.

٣٠٨

رجلاً : ستة من قريش ، وثمانية من أفناء النّاس ، أو على عكس هذا ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال : إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً وفلاناً قد قعدوا لك على العقبة لينفروا ناقتك ، فناداهم رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا فلان ويا فلان ويا فلان أنتم القعود لتنفروا ناقتي ، وكان حذيفة خلفه فلحق بهم (١) ، فقال : يا حذيفة سمعت ، قال : نعم ، قال : اكتم (٢).

٣٨٢ ـ وعنه حدّثنا محمّد بن أحمد الشّيباني ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن عبد الله بن يحيى المدائني ، حدّثنا الاعمش ، عن عبادة (٣) ، عن ابن عبّاس (رض) قال : دخلت فاطمة عليها السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله في مرضه الّذي توفي فيه ، فقال : نعيت إليّ نفسي ، فبكت فاطمة عليها السلام ، فقال لها : لا تبكين فانك لا تمكثين بعدي إلّا اثنين وسبعين ونصف يوم حتّى تلحقي بي ، ولا تلحقي بي حتّى تنحفي بثمار الجنّة ، فضحكت فاطمة عليها السلام (٤).

٣٨٣ ـ وعن ابن عباس قال : جاء أعرابيّ من بني سليم ومعه ضبّ اصطاده في البريّة في كمّه ، فقال : لا اُؤمن بك يا محمّد حتّى ينطق هذا الضّبّ ، فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : يا ضبّ من أنا ؟ فقال : إنت محمّد بن عبدالله اصطفاك الله حبيباً ، فأسلم السّلمي (٥).

فصل ـ ١٦ ـ

٣٨٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا الحسن بن حمزة العلوي ، حدّثنا محمّد بن داود ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن محمّد الكوفي ، حدّثنا ابوسعيد سهل بن صالح العباسي ، حدّثنا ابراهيم بن عبد الاعلى (٦) ، حدّثنا موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم السلام قال : إنّ أصحاب

_________________________________

(١) في البحار : فلحق به ، على نسخة.

(٢) بحار الانوار (٢١ / ٢٣٣) ، برقم : (١٠).

(٣) في البحار : عن عباية.

(٤) بحار الانوار (٤٣ / ١٥٦) ، برقم : (٣).

(٥) بحار الانوار (١٧ / ٤٠١) ، برقم : (١٧) وليس فيه : يا محمّد.

(٦) هكذا في المورد الثّاني من البحار وفي المورد الاوّل : إبراهيم بن عبد الرّحمن وفي النّسخ الخطّية : إبراهيم بن عبد الرّحمن الاعلى. والظّاهر أنّه : إبراهيم بن أبي المثنى عبد الاعلى ، كما يدل عليه ما في رجال الشّيخ حيث عده من أصحاب الصّادق ص (١٤٥) ، برقم : (٥٤).

٣٠٩

رسول الله صلّى الله عليه وآله كانوا جلوساً يتذاكرون وفيهم أمير المؤمنين عليه السلام إذ أتاهم يهوديّ ، فقال : يا اُمّة محمّد ما تركتم للأنبياء درجة إلّا نحلتموها لنبيّكم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن كنتم تزعمون أنّ موسى عليه السلام كلّمه ربّه على طور سيناء ، فانّ الله تعالى كلّم محمّداً صلّى الله عليه وآله في السّماء السّابعة.

وإن زعمت النّصارى أنّ عيسى عليه السلام أبرأ الأكمه وأحيى الموتى ، فانّ محمّداً صلّى الله عليه وآله سألته قريش إحياء ميّتٍ ، فدعاني وبعثني معهم إلى المقابر ، فدعوت الله عزّوجلّ فقاموا من قبورهم ينفضون التّراب عن رؤوسهم باذن الله عزّوجلّ ، وأنّ أبا قتادة بن ربعي الانصاري شهد وقعة ، فأصابته طعنة في عينه فبدت حدقته ، فأخذها بيده ثمّ أتى بها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : امرأتي الآن تبغضني ، فأخذها رسول الله صلّى الله عليه وآله من يده ثمّ وضعها مكانها ، فلم يك يعرف إلّا بفضل حسنها (١) وضوئها على العين الاخرى ، ولقد بادر عبد الله بن عتيك فأبين يده ، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ليلاً ومعه اليد المقطوعة ، فمسح عليها فاستوت يده (٢).

فصل ـ ١٧ ـ

٣٨٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن حامد ، حدّثنا إسماعيل (٣) بن سعيد ، حدّثنا ابوالعباس أحمد بن عبد الله بن نصر القاضي ، حدّثنا إبراهيم بن سهل ، حدّثنا حسان بن أغلب بن تميم ، عن أبيه ، عن هشام بن حسّان ، عن الحسن بن ظبية بن محصن ، عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت : كان النّبي صلّى الله عليه وآله يمشي في الصّحراء فناداه منادٍ يا رسول الله مرّتين ، فالتفت فلم ير أحداً ، ثمّ ناداه فالتفت فاذا هو بظبية موثّقة ، فقالت : إنّ هذا الأعرابي صادني ولي خشفان في ذلك الجبل ، أطلقني حتّى أذهب وأرضعهما وأرجع ، فقال : وتفعلين ؟ قالت : نعم إن لم أفعل عذّبني الله عذاب العشّار ،

_________________________________

(١) في البحار (٢٠) : حسنها على العين الاخرى.

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠) ، برقم : (٣) و (٢٠ / ١١٣) ، برقم : (٤٢).

(٣) هذا ما في البحار وفي الخطّيّة : ابوإسماعيل.

٣١٠

فأطلقها فذهب فأرضعت خشفيها ثمّ رجعت فأوثقها ، فجاء الاعرابي (١) فقال يا رسول الله أطلقها فأطلقها فخرجت تعدو ، وتقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله (٢).

فصل ـ ١٨ ـ

٣٨٦ ـ وعن ابن حامد ، عن ابن سعدان الشّيرازي (٣) ، حدّثنا ابوالخير بن بندار بن يعقوب المالكي ، حدّثنا جعفر بن درستويه ، حدّثنا اليمان بن سعيد المصيصي ، حدثنا يحيى بن عبد الله البصري ، حدّثنا عبد الرزّاق ، حدّثنا معمر ، عن الزّهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر قال : كنّا جلوساً عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ دخل أعرابيٌ على ناقة حمراء ، فسلّم ثمّ قعد ، فقال بعضهم : أنّ النّاقة الّتي تحت الأعرابيّ سرقها ، قال : أقم (٤) بيّنة ، فقالت النّاقة الّتي تحت الأعرابي : والّذي بعثك بالكرامة يا رسول الله إنّ هذا ما سرقني ولا ملكني أحد سواه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا اعرابي ما الّذي قلت حتّى أنطقها الله بعذرك.

قال : قلت : « اللّهمّ إنّك لست بإِله (٥) استحدثناك ، ولا معك إله أعانك على خلقنا ، ولا معك ربّ فيشركك في ربوبيّتك ، أنت ربّنا كما تقول وفوق ما يقول القائلون ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تبرئني ببرآءتي. فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : والّذي بعثني بالكرامة [ يا أعرابي ] (٦) لقد رأيت الملائكة يكتبون مقالتك ، ألا ومن نزل به مثل ما نزل بك فليقل مثل مقالتك وليكثر الصلاة عليَّ (٧).

_________________________________

(١) في البحار : فأتاه الاعرابي.

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣) ، برقم : (١٩) ومرسلاً في : (٧٥ / ٣٤٨) ، برقم : (٥٠) إلى قوله : العشّار. فاطلقها.

(٣) في ق ٢ وق ٣ : عن سعدان الشّيرازي.

(٤) في ق ١ وق ٥ : أقيم.

(٥) في البحار : بربّ.

(٦) الزّيادة من البحار.

(٧) بحار الانوار (١٧ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤) ، برقم : (٢٠) و (٩٥ / ١٩٠) ، برقم : (١٨).

٣١١

فصل ـ ١٩ ـ

٣٨٧ ـ وعن ابن حامد ، حدّثنا ابوالحسن أحمد بن حمدان الشّجري ، حدّثنا عمرو بن محمّد ، حدّثنا ابوجعفر محمّد بن مؤيّد ، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عقبة بن أبي الصّهباء ، حدّثنا ابوحذيفة ، عن عبد الله بن حبيب الهذلي ، عن أبي عبد الرّحمن السّلمي ، عن أبي منصور ، قال : لمّا فتح الله على نبيّه خيبر أصابه حمار أسود ، فكلّم النبيّ الحمار فكلّمه.

وقال : أخرج الله من نسل جدّي ستّين حماراً لم يركبها إلّا نبيّ ، ولم يبق من نسل جدّي غيري ولا من الأنبياء غيرك وقد كنت أتوقّعك ، كنت قبلك ليهوديّ أعثر به عمداً ، فكان يضرب بطني ويضرب ظهري.

فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : سمّيتك يعفوراً ، ثمّ قال : تشتهي الاناث يا يعفور ؟ قال : لا وكلّما قيل أجب رسول الله خرج إليه ، فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله جاء إلى بئر فتردّى فيها ، فصارت قبره جزعاً (١).

٣٨٨ ـ وعن ابن حامد ، حدّثنا ابوبكر محمّد بن الحسين ، حدّثنا أحمد بن منصور ، حدّثنا عمرو بن يونس بن القاسم اليماني ، عن عكرمة بن عمّار ، حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدّثنا أنس ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقوم فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يوم الجمعة فيخطب بالنّاس ، فجاءه رومي فقال : يا رسول الله أصنع لك شيئاً تقعد عليه ، فصنع له منبراً له درجتان ويقعد على الثّالثة ، فلمّا صعد رسول الله صلّى الله عليه وآله خار الجذع كخور الثّور ، فنزل إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله فسكت ، فقال : والّذي نفسي بيده لو لم التزمه لما زال كذا إلى يوم القيامة ، ثمّ أمر بها فاقتلعت ، فدفنت تحت منبره (٢).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٦ / ١٠٠ ـ ١٠١) ، برقم : (٣٨) و (١٧ / ٤٠٤) ، برقم : (٢١). قوله : « فتردى » أشرب فيه معنى أردى : أي جاء إلى البئر فأسقط نفسه فيها جزعاً حزناً على النّبي ووفاته صلّى الله عليه وآله.

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٣٧٠) ، برقم : (١٩).

٣١٢

فصل ـ ٢٠ ـ

٣٨٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن الحسن بن ظريف ، عن معمّر ، عن الرّضا ، عن أبيه عليهما السلام قال : كنت عند أبي عليه السلام يوماً وأنا طفل خماسي ، إذ دخل عليه نفر من اليهود ، فسألوه عن دلائل رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال لهم : سلوا هذا.

فقال أحدهم : ما أعطي نبيكم من الآيات نفت الشّك ، قلت : آيات كثيرة اسمعوا وعوا أنتم تدرون أنّ الجن كانت تسترق السّمع قبل مبعث نبيّ الله ، ثمّ بعث في أوّل رسالته بالرجوم وبطلان الكهنة والسحرة ، فانّ أبا جهل أتاه وهو نائم خلف جدار ومعه حجر يريد أن يرميه فالتصق بكفّه.

ومن ذلك كلام الذئب ، وكلام البعير ، وأنّ امرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مسمومة ومع النّبي بشر من البراء بن عازب ، فتناول النّبي صلّى الله عليه وآله الذراع وتناول بشر الكراع ، فأمّا النبيّ فلاكها ولفظها ، وقال إنّها لتخبرني أنّها مسمومة ، وأما بشر فلاكها وابتلعها ، فمات فأرسل إليها فأقرّت قال : فما حملك على ما فعلت ، قالت : قتلت زوجي واشراف قومي قلت : إن كان ملكاً قتلته ، وإن كان نبيّاً ، فسيطلعه الله على ذلك ، وأشياء كثيرة عددها على اليهود ، فأسلم اليهودي ومن معه من اليهود ، فكساهم ابوعبد الله عليه السلام ووهب لهم (١).

٣٩٠ ـ وعنه ، عن أبيه ، حدّثنا حبيب بن الحسن الكوفي ، عن محمّد بن عبد الحميد العطّار ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن الصّادق ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم السّلام قال : خرجنا مع النبيّ صلّى الله عليه وآله في غزاة ، فعطش النّاس ولم يكن في المنزل ماء ، وكان في إناءٍ قليلُ ماءٍ ، فوضع أصابعه فيه ، فتحلب منها الماء حتّى روّي النّاس والابل والخيل وتزوّد النّاس ، وكان في العسكر اثنا عشر ألف بعير ومن الخيل اثنا عشر ألف فرس ، ومن النّاس ثلاثون ألفاً (٢).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٧ / ٢٢٥ ـ ٢٣٥) مُخرّجاً عن قرب الاسناد ص (١٣٢ ـ ١٤٠) اقتباساً واختصارا.

(٢) بحار الانوار (١٨ / ٢٥) ، برقم : (٣).

٣١٣

٣٩١ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالحسين محمّد بن هارون الزّنجاني ، حدّثنا موسى بن هارون بن عبد الله ، حدّثنا لوين ، حدّثنا حمّاد (١) بن زيد(٢) ، حدّثنا هشام ، عن محمّد ، عن أنس قال : أرسلتني أمّ سليم ، يعني : أمّه على شيءٍ صنعته ، وهو مدّ من شعير طحنته وعصرت عليه من عكّة كان فيها سمن ، فقام النبيّ صلّى الله عليه وآله ومن معه فدخل عليها ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ادخل عليَّ عشرة عشرة ، فدخلوا فأكلوا وشبعوا ، حتّى أتى عليهم ، قال : فقلت لأنس : كم كانوا ؟ قال : أربعين (٣).

فصل ـ ٢١ ـ

٣٩٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسين ، حدّثنا ابوعبد الله جعفر بن شاذان ، حدّثنا جعفر بن علي بن نجيح ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمون ، حدّثنا مصعب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أراد الحاجة أبعد في المشي ، فأتى يوماً وادياً لحاجة ، فنزع خفّه وقضى حاجته ، ثمّ توضّأ وأراد لبس خفّه ، فجاء طائر أخضر ، فحمل الخف وارتفع به ثمّ طرحه ، فخرج منه أسود ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : هذه كرامة أكرمني الله بها : « الّلهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ من يمشي على بطنه ، ومن شرّ من يمشي على رجلين ، ومن شرّ من يمشي على أربع ، ومن شرّ كلّ ذي شرّ ، ومن شرّ كلّ دابةٍ أنت آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراطٍ مستقيم » (٤).

واعلم أنّ لكلّ عضو من أعضاء محمّد صلّى الله عليه وآله معجزة واحدة :

فمعجزة الرأس ، هو أنّ الغمامة ظلّت على رأسه.

ومعجزة عينيه ، هو أنّه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه.

ومعجزة أذنيه أنّه كان يسمع الأصوات في النّوم ، كما يسمع في اليقظة.

ومعجزة لسانه هي أنّه قال للضّب : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله.

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وق ٤ وق ٥ ، وفي البحار : موسى بن هارون عن حماد.

(٢) في ق ٢ وق ٤ : يزيد.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ٢٦) ، برقم : (٤).

(٤) بحار الانوار (١٧ / ٤٠٥) ، برقم : (٢٤) و (٩٥ / ١٤١ ـ ١٤٢) ، برقم : (٤).

٣١٤

ومعجزة يديه أنّه خرج من بين أصابعه الماء.

ومعجزة رجليه أنّه كان لجابر بئر [ ماؤها ] (١) زعاق ، فشكا إلى النّبي صلّى الله عليه وآله العطش ، فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وآله بطشت وغسل رجليه وأمر باهراق مائه فيها ، فصار ماؤها عذباً.

ومعجزة عورته أنّه ولد مختوناً.

ومعجزة بدنه هي أنّه لم يقع ظلّه على الأرض ، لأنّه كان نوراً ، ولا يكون من النّور ظلّ كالسّراج.

ومعجزة ظهره ختم النّبوة ، وهي : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله مكتوب عليها ، وغير ذلك (٢).

_________________________________

(١) الزّيادة من البحار. وزعاق أي مرّ.

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٢٩٩) ، برقم : (١٠) مخرّجاً عن الخرائج. وإثبات الهداة ، الجزء (١ / ٣٧٥) عنه أيضاً. أقول : والعمدة في معجزة عورته صلّى الله عليه وآله أنّه اُعطي لها أربعون قوّة وأنّه خرج منها اللؤلؤ والمرجان فقد تحيّر من كوثره الإِنس والجان. وكلّ الاصقاع متزيّن ومتبرك بوجود نسله الشّريف ومفتخر بذوات ذريته المباركة.

٣١٥

الباب العشرون

( في أحوال محمّد صلّى الله عليه وآله )

٣٩٣ ـ روي أنّه صلّى الله عليه وآله ولد في السّابع عشر من شهر ربيع الاوّل عام الفيل يوم الإِثنين ، وقيل : يوم الجمعة ، وقال صلّى الله عليه وآله : ولدت في زمن الملك العادل يعني أنوشيروان بن قباد قاتل مزدك والزّنادقة ، وهو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم (١).

٣٩٤ ـ وروي عنه صلّى الله عليه وآله : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فامسكوا ، ثمّ قرأ : « وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا » (٢) لا يعلمهم إلّا الله تعالى جلّ ذكره.

وإنّ أباه توفّي وأمّه حبلى ، وقدمت أمّه آمنة بنت وهب على أخواله من بني عديّ من النّجار بالمدينة ، ثمّ رجعت به حتّى إذا كانت بالأبوآء ماتت ، وأرضعته صلّى الله عليه وآله حتّى شبّ : حليمة بنت عبد الله السّعدية ، وتزوّج بخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٥ / ٢٥٤) ، برقم : (٦) وص (١٠٤) ، برقم : (٤٩) عن مناقب ابن شهر آشوب. وص (١٠٧) ، برقم : (٥٠) عن كتاب العدد القويّة للشيخ علي بن يوسف بن المطهّر أخي العلّامة الحلّي رحمه الله.

أقول : قوله « الملك العادل » لم يقصد صلّى الله عليه وآله به مفهومه العرفي الاسلامي الذي صدع به في لغة مكتبه ، وإنّما أراد به ما عرف من مسلك بن قباد حيث أباد الزّنادقة الّتي منهم مزدك فمفهوم العادل هنا اضافي وانتسابي الى مصطلح الملوك الساسانيين الكياسرة الذين أجروا اصلاحات داخليّة من قبيل مسح الاراضي وإصلاح نظام الضّرائب ونحوها. فما صدر عن بعض الاعلام والأعيان من الشّجب والشّحن على تلك الجملة بمعناها الشّرعي صحيح وفي مورده.

(٢) سورة الفرقان : (٣٨).

٣١٦

وتوفّي عنه ابوطالب وله ستّ واربعون سنّة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوماً.

والصحيح أنّ أبا طالب رضي الله عنه توفّي عنه في آخر السنّة العاشرة من مبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثمّ توفّيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيّام ، فسمّي رسول الله صلّى الله عليه وآله ذلك العام عام الحزن ، فقال : ما زالت قريش قاعدة عنّي حتّى مات ابوطالب.

وأقام بعد البعثة بمكّة ثلاث عشرة سنة ، ثمّ هاجر منها إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيّام ، ودخل المدينة يوم الإِثنين الحادي عشر من شهر ربيع الاول ، وبقي بها عشر سنين ، ثمّ قبض (ص) يوم الإِثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة (١).

فصل ـ ١ ـ

٣٩٥ ـ ذكر عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، وهو من أجلّ رواة أصحابنا : أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأنّ آتياً أتاه فيقول : يا رسول الله ـ وكان بين الجبال يرعي غنماً ـ فنظر إلى شخص يقول له : يا رسول الله ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا جبرئيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولاً ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يكتم ذلك.

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٥ / ١٠٥) ، إلى قوله تعالى : كثيراً ، مقدّماً ومؤخراً بعين ما في مناقب ابن شهر آشوب (١ / ١٥١ ـ ١٥٢) وليس فيه : لايعلمهم إلّا الله تعالى جلّ ذكره ، نعم يفهم من طيّ الكلام ومفاده.

ومن قوله : وأنّ أباه توفّي إلى قوله : السّعديّة ، أورده في نفس الجزء ص (١١١) برقم : (٥٦) عن القصص. وعند هذا المقدار أيضاً في مرآة العقول (٥ / ١٧٨).

ومن قوله : وتزوّج إلى قوله : وعشرين سنة. ومن قوله : وتوفّيت خديجة ، إلى قوله : بثلاثة أيّام ، مذكورٌ في البحار (١٦ / ٣) ، برقم : (٧) عن القصص أيضاً.

ومن قوله : وتوفّي عنه ابوطالب ، إلى قوله : عام الحزن ، مذكور في البحار (٣٥ / ٨٢) ، برقم : (٢٤) عنه أيضاً.

وقوله : إنّ أبا طالب رضي الله عنه ، إلى قوله : عام الحزن كرّر في (١٩ / ٢٥) عن نفس المصدر ، برقم (١٤). مع ما بعده إلى قوله : حتّى مات ابوطالب ، كما أنّ ما بعد هذا إلى قوله : عشر سنين ، جاء في نفس الجزء ص (٦٩) ، برقم : (١٩) عن نفس المصدر وما بعده إلى قوله : من الهجرة ذكر في البحار (٢٢ / ٥١٤) ، برقم : (١٦) عن المصدر نفسه.

٣١٧

فأنزل جبرئيل بماءٍ من السّماء ، فقال : يا محمّد صلّى الله عليه وآله قم فتوضّ ، فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفق ومسح الرّأس والرّجلين إلى الكعبين ، وعلّمه الرّكوع والسّجود ، فدخل عليّ عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يصلّي ـ هذا لمّا تمّ له صلّى الله عليه وآله أربعون سنة ـ فلمّا نظر إليه يصلّي قال : يا أبا القاسم ما هذا ؟ قال : هذه الصّلاة الّتي أمرني الله بها ، فدعاه إلى الاسلام ، فأسلم وصلّى معه ، وأسلمت خديجة ، فكان لا يصلي إلّا رسول الله وعليّ صلوات الله عليهما وخديجة خلفه.

فلما أتي كذلك أيّام دخل ابوطالب إلى منزل رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه جعفر ، فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام بجنبه يصلّيان فقال لجعفر : يا جعفر صِل جناح ابن عمّك ، فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر ، ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى بعض أسواق العرب فرآى زيداً ، فاشتراه لخديجة ووجده غلاماً كيّساً ، فلمّا تزوّجها وهبته له ، فلمّا نُبِئ رسول الله صلّى الله عليه وآله أسلم زيد أيضاً ، فكان يصلّي خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّ وجعفر وزيد وخديجة (١).

فصل ـ ٢ ـ

٣٩٦ ـ قال عليّ بن إبراهيم : ولمّا أتى على رسول الله صلّى الله عليه وآله زمان عند ذلك أنزل الله عليه : « فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » (٢) فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وقام على الحجر وقال : يا معشر قريش يا معشر العرب ، أدعوكم إلى عبادة الله وخلع الانداد والأصنام ، وأدعوكم إلى شهادة إن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، فأجيبوني تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونون ملوكاً ، فاستهزوا منه وضحكوا وقالوا : جُنّ محمّد بن عبد الله وآذوه بألسنتهم.

وكان من يسمع من خبره ما سمع من أهل الكتب يُسلمون ، فلمّا رأت قريش من يدخل في الاسلام جزعوا من ذلك ، ومشوا إلى أبي طالب وقالوا : كفّ عنّا ابن أخيك ، فانّه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٨ / ١٨٤) ، برقم : (١٤).

(٢) سورة الحجر : (٩٤).

٣١٨

قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا ، وقالوا : يا محمّد إلى ما تدعو ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وخلع الانداد كلّها ، قالوا : ندع ثلاث مائة وستين إلهاً ونعبد إلهاً واحداً وحكى الله تعالى قولهم : « وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ » إلى قوله : « بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ » (١).

ثمّ قالوا لأبي طالب : إن كان ابن أخيك يحمله على هذا : العدم جمعنا له مالاً ، فيكون أكثر قريش مالاً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما لي حاجة في المال ، فأجيبوني تكونوا ملوكاً في الدّنيا وملوكاً في الآخرة ، فتفرقوا ثمّ جاؤوا إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت سيّد من ساداتنا وابن أخيك قد فرّق جماعتنا ، فهلمّ ندفع إليك أبهى فتى من قريش وأجملهم وأشرفهم : عمارة بن الوليد يكون لك ابناً وتدفع إلينا محمّداً لنقتله ، فقال ابوطالب : ما أنصفتموني تسألوني أن أدفع إليكم ابني لتقتلوه ، وتدفعون إليّ ابنكم لأربّيه لكم ، فلمّا آيسوا منه كفّوا (٢).

فصل ـ ٣ ـ

٣٩٧ ـ وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله لا يكفّ عن عيب آلهة المشركين ، ويقرأ عليهم القرآن ، وكان الوليد بن المغيرة من حكّام العرب يتحاكمون إليه في الامور ، وكان له عبيد عشرة عند كلّ عبد ألف دينار يتّجر بها وملك القنطار وكان عمّ أبي جهل ، فقالوا له : يا عبد شمس ما هذا الّذي يقول محمّداً أسحر أم كهانة أم خطب ؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو جالس في الحجر ، فقال : يا محمّد أنشدني شعرك ، فقال : ما هو بشعر ولكنّه كلام الله الّذي بعث أنبياءه ورسله ، فقال : اتل ، فقرأ : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فلمّا سمع الرّحمن استهزأ منه ، وقال : تدعوا إلى رجل باليمامة بسم (٣) الرّحمن ؟ قال : لا ولكنّي أدعوا إلى الله وهو الرّحمن الرّحيم.

_________________________________

(١) سورة ص : (٤ ـ ٨).

(٢) بحار الانوار (١٨ / ١٨٥) ، برقم : (١٥).

(٣) في ق ١ : يسمّى : الرّحمن.

٣١٩

ثمّ افتتح حم السّجدة ، فلمّا بلغ إلى قوله : « فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ » (١) وسمعه اقشعرّ جلده ، وقامت كلّ شعرة في بدنه ، وقام ومشي إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش ، فقالوا : صبا ابوعبد الشّمس إلى دين محمّد.

فاغتمّت قريش وغدا عليه ابوجهل ، فقال : فضحتنا يا عمّ ، قال : يا ابن أخي ما ذاك وإنّي على دين قومي ، ولكنّي سمعت كلاماً صعباً تقشعر منه الجلود ، قال : أفشعر هو ؟ قال : ما هو بشعر ، قال : فخطب ؟ قال : لا إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضاً له طلاوة ، قال : فكهانة هو ؟ قال : لا قال : فما هو ؟ قال : دعني أفكر فيه ، فلمّا كان من الغد ، قالوا : يا عبد شمس ما تقول ؟ قال : قولوا : هو سحر ، فانّه آخذٌ بقول النّاس ، فأنزل الله تعالى فيه : « ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا » إلى قوله : « تِسْعَةَ عَشَرَ » (٢).

٣٩٨ ـ وفي حديث حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن عكرمة قال : جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : اقرأ عليّ ، فقال : « إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (٣) فقال : أعد فأعاد ، فقال : والله إنّ له لحلاوةً وطلاوةً ، وإنّ أعلاه لمثمرٌ ، وإنّ أسفله لمغدق (٤) ، وما هذا بقول بشر (٥).

فصل ـ ٤ ـ

٣٩٩ ـ وكان قريش يُجدّون في أذى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكان أشدّ النّاس عليه عمّه ابولهب ، وكان صلّى الله عليه وآله ذات يوم جالساً في الحجر ، فبعثوا إلى سلي (٦)

_________________________________

(١) سورة فصلت : (١٣).

(٢) بحار الانوار (١٨ / ١٨٦) ، برقم : (١٦). الآيات في سورة المدثر : (١١ ـ ٣٠).

(٣) سورة النّحل : (٩٠).

(٤) أي : خصب وعذب ومتسع ، وفي البحار : لمعذق.

(٥) بحار الانوار (١٨ / ١٨٦ ـ ١٨٧).

(٦) السّلي أي المشيمة جلدة فيها الولد في بطن أمّه.

٣٢٠