قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

قصص الأنبياء

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الباب التّاسع عشر

( في الدّلائل على نبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله من المعجزات وغيرها )

٣٤٥ ـ وبالاسناد الصّحيح عن المخزوم بن هلال المخزومي (١) ، عن أبيه ـ وقد أتى عليه مائة وخمسون سنة ـ قال : لمّا كانت اللّيلة الّتي ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله ارتجس أيوان كسرى ، فسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، غاضت بحيرة ساوة ، ورأى المؤبذان في النّوم إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجله فانتشرت بلادها.

فلمّا أصبح كسرى ، راعه (٢) ذلك وأفزعه ، وتصبّر عليه تشجّعاً ، ثمَّ رأى أن لا يدّخر ذلك عن أوليائه ووزرائه ومرازبه ، فجمعهم وأخبرهم بما هاله ، فبينما هم كذلك إذا أتاهم بخمود نار فارس فقال المؤبذان : وأنا رأيت رؤياً ، وقصّ رؤياه في الإبل ، فقال : أيّ شيءٍ يكون هذا يا مؤبذان ؟ قال : حدث يكون من ناحية العرب.

فكتب عند ذلك كسرى إلى النّعمان بن المنذر ملك العرب : أمّا بعد فوجّه إليّ برجل عالم بما اُريد أن أسأله عنه. فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن نفيلة الغساني (٣) ، فلمّا قدم عليه أخبره ما رآى ، فقال : علم ذلك عند خال (٤) لي يسكن مشارق الشام يقول له : سطيح ، فقال : اذهب إليه ، فاسأله وأتني بتأويل ما عنده ، فنهض عبد المسيح حتّى قدم

_________________________________

(١) في البحار : عن مخزوم بن هاني. وكذا في كمال الدّين الباب (١٧) مع توصيفه بالمخزومي. وهو الصّحيح.

(٢) في ق ٣ : أراعه.

(٣) في البحار : عمرو بن حيّان بن تغلبة الغسّاني وعلى نسخةٍ : نفيلة. وهو على الاصل في كمال الدّين.

(٤) في بعض النسخ : خالي. وفي كمال الدّين : عند خال لي يسكن مشارف الشّام وفي البحار ، على نسخةٍ.

٢٨١

على سطيح وقد أشفى على الموت ، فسلّم عليه فلم يحر جواباً.

ثمَّ قال : عبد المسيح على جمل مشيح (١) أتى إلى سطيح ، وقد أوفى على الضّريح (٢) بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الأيوان وخمود النّيران ورؤيا المؤبذان : رآى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها.

فقال يا عبد المسيح إذا كثرت التّلاوة ، وظهر صاحب الهراوة ، وفاض وادي السّماوة ، وغاضت (٣) بحيرة ساوة ، وخمدت نار (٤) فارس ، فليس الشّام لسطيح شاماً ، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشّرفات ، وكلّما هو آتٍ آتٍ.

ثمَّ قضى سطيح مكانه ، فنهض عبد المسيح ، وقدم على كسرى وأخبره بما قال سطيح ، فقال : إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكاً كانت أمور ، فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى إمارة عثمان (٥).

٣٤٦ ـ وذكر ابن بابويه في كتاب كمال الدّين : أنّ في الانجيل : إنّي أنا الله لا اله الا أنا الدّائم الّذي لا أزول ، صدّقوا النّبيَّ الاُميَّ صاحب الجمل والمدرعة ، الاكحل العينين ، الواضح الخدّين ، في وجهه نور كاللّؤلُؤ وريح المسك ينفخ منه ، لم ير قبله مثله ولا بعده طيّب الرّيح ، نكّاح النّساء ، ذو النّسل القليل ، إنّما نسله من مباركة ، لها بيت في الجنّة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزّمان كما كفّل زكريّا اُمّك ، لها فرخان مستشهدان كلامه القرآن ودينه الاسلام وأنا السّلام ، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيّامه وسَمِعَ كلامه.

فقال عيسى عليه السلام : يا ربّي وما طوبى ؟

قال : شجرة في الجنّة ، أنا غرستها بيدي ، تظلّ الأخيار ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، بردها برد الكافور ، وطعمه طعم الزّنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربة لم يظمأ بعدها أبداً.

_________________________________

(١) أي : طويل.

(٢) في بعض النسخ : بعثه. والضّريح بمعنى القبر.

(٣) في بعض النسخ : غاصت.

(٤) في بعض النسخ : نيران.

(٥) بحار الانوار (١٥ / ٢٦٣ ـ ٢٦٦) ، برقم : (١٤) عن كمال الدّين مفصّلاً (١ / ١٩١ ـ ١٩٦).

٢٨٢

فقال عيسى عليه السلام : اللّهمّ اسقني منها. قال : حرام هي يا عيسى أن يشرب أحدٌ من النّبيّين منها حتّى يشرب النبيّ الاُميّ ، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتّى تشرب أمّة ذلك النبيّ ، أرفعك إليَّ ثمّ أهبطك آخر الزّمان ، فترى من أمّة ذلك النّبيّ العجائب ، ولتعينهم على اللّعين الدّجال ، أهبطك في وقت الصّلاة لتصلّي معهم ، إنّهم اُمّة مرحومة (١).

فصل ـ ١ ـ

٣٤٧ ـ وباسناده عن ابن بابويه ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن داود بن علي اليعقوبي ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله يهودي يقال له : سبحت فقال : يا محمّد أسألك عن ربّك ، فان أجبتني عمّا أسألك عنه اتّبعتك وإلّا رجعت ، فقال صلّى الله عليه وآله : سل عمّا شئت فقال : أين ربّك ؟ قال : هو في كلّ مكان ، وليس هو في شيءٍ من المكان بمحدود ، قال : فكيف هو ؟ قال : فكيف أصف ربّي بالكيف والكيف مخلوق والله لا يوصف بخلقه ، قال : فمن أين يعلم أنّك نبيٌّ ؟ قال : ما بقي حجرٌ ولا مدر ولا غير ذلك الّا قال بلسان عربيّ مبين : يا سبحت إنّه رسول الله ، فقال سبحت : تالله ما رأيت كاليوم ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّك رسول الله (٢).

٣٤٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالحسين محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الفارابي (٣) ، حدّثنا أبوسعيد أحمد بن محمّد بن رميح القسري ، حدّثنا أحمد بن جعفر العسلي بقهستان ، حدّثنا أحمد بن عليّ العلي ، حدّثنا ابوجعفر محمّد بن علي الخزاعي ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه

_________________________________

(١) كمال الدين (١ / ١٥٩ ـ ١٦٠) ، برقم : (١٨) ، الباب (٨). وتقدّم شبهه برقم : (٣١٨).

(٢) بحار الانوار (٣ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣) عن التّوحيد بإسناد صحيح ، وأمّا ما هنا من السند ففيه سقط. والسّاقط : أبي عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى وابن هاشم عن الحسن بن علي عن داوُد بن علي اليعقوبي عن بعض أصحابنا عن عبد الاعلى.

(٣) في مشيخة الصّدوق : الفارسي. وفي البحار : الطّلقانيّ. وهذا اشتباه فانّ الطّالقاني كنيته : ابوالعباس.

٢٨٣

السلام : من الّذي حضر سبحت اليهودي الفارسي ، وهو يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ فقال القوم : ما حضر (١) منا أحدٌ.

فقال علي عليه السلام : لكنّي كنت معه صلى الله عليه وآله وقد جاءه سبحت ، وكان رجلاً من ملوك فارس وكان ذرباً (٢) ، فقال : يا محمّد أين الله ؟ قال : هو في كلّ مكان ، وربّنا لا يوصف بمكان ولا يزول ، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال ، قال : يا محمّد إنّك لتصف ربّاً عليماً عظيماً بلا كيف فكيف لي أن أعلم أنّه أرسلك ؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر إلّا قال مكانه : أشهد أن لا إلهَ إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وقلت له أيضاً : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسوله ، فقال : يا محمّد : من هذا ؟ قال : هو خير أهلي ، وأقرب الخلق منّي ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وروحه من روحي ، وهو الوزير منّي في حياتي ، والخليفة بعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، فاسمع له وأطع ، فانّه على الحقّ ، ثمّ سمّاه عبدالله (٣).

فصل ـ ٢ ـ

٣٤٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن حامد ، حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن يحيى أبوصالح ، حدّثنا اللّيث ، حدّثنا يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة أنّ جابر بن عبد الله قال : كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله بمرّ الظّهران يرعى الكباش (٤) وأنّ رسول الله قال : عليكم بالأسود منه فانّه أطيبه ، قالوا : نرعي الغنم ؟ قال : نعم ، وهل نبيّ إلّا رعاها (٥).

_________________________________

(١) في البحار : ما حضره.

(٢) في البحار : درباً.

(٣) بحار الانوار (٣٨ / ١٣٣) ، برقم : (٨٦) باختلاف مّا. أقول : هذا الخبر يغاير ما تقدمه سنداً ومتناً ـ وإن كان مشتملاً على زاوية من قصّة سَبُحتِ اليهودي ـ ومع ذلك فقد اتفق للعلّامة المجلسي اشتباه كبير هنا إذ ذكر هذا السّند عن القصص في الجزء (٣ / ٣٣٣) برقم : (٣٧) والجزء (١٧ / ٣٧٤) ، برقم : (٢٩) وحمله على المتن السّابق هنا برقم (٣٤٧).

(٤) في البحار : الغنم.

(٥) بحار الانوار (١٦ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤) ، برقم : (٢٤).

٢٨٤

٣٥٠ ـ وعنه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، حدّثنا محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن محمّد ، عن يوسف بن حاتم ، عن رجل من ولد عمّار يقال له : ابولؤلؤة سمّاه عن آبائه قال : قال عمّار رضي الله عنه : كنت أرعى غنيمة أهلي ، وكان محمّد صلّى الله عليه وآله يرعى أيضاً ، فقلت : يا محمّد هل لك في فخ (١) ؟ فانّي تركتها روضة برق (٢) ، قال : نعم فجئتها من الغد وقد سبقني محمّد صلّى الله عليه وآله وهو قائم يذود غنمه عن الرّوضة ، قال : إنّي كنت واعدتك فكرهت أن أرعى قبلك (٣).

فصل ـ ٣ ـ

٣٥١ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا عليّ بن حمّاد البغدادي ، عن بشر بن عباد المريسي ، حدّثنا يوسف (٤) بن يعقوب بن ابراهيم ، عن أبي حنيفة ، عن عبد الرّحمن السّلماني ، عن حبش (٥) بن المعتمر ، عن علي عليه السلام قال : دعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله فوجّهني إلى اليمن لأصلح بينهم ، فقلت : يا رسول الله إنّهم قوم كثير ولهم سنّ وأنا شابّ حدث ، فقال : يا عليّ إذا صرت باعلى عقبة أفيق ، فناد بأعلى صوتك : يا شجر يا مدر يا ثرى محمّد رسول الله يقرئكم السّلام ، قال : فذهبت فلمّا صرت بأعلى العقبة أشرفت على أهل اليمن فاذا هم بأسرهم يقبلون نحوي شاهرون سلاحهم مستوون أسنّتهم متنكّبون قسيّهم فناديت (٦) بأعلى صوتي : يا شجر يا مدر يا ثرى ، محمّدٌ رسولُ الله يقرئكم السّلام قال : فلم يبق شجرٌ ولا مدرٌ ولا ثرى إلّا ارتج بصوتٍ واحد : وعلى محمّدٍ رسول الله السّلام ، فاضطربت قوائم القوم ، وارتعدت ركبهم ، ووقع السّلاح من أيديهم ، وأقبلوا إليَّ مسرعين ،

_________________________________

(١) في البحار : فج. وهو الوادي بين الجبلين.

(٢) البرق محركة : الحمّل ، معرب : برّة.

(٣) بحار الانوار (١٦ / ٢٢٤) ، برقم : (٢٥) و (٧٥ / ٩٦) ، برقم : (١٩).

(٤) في البحار (٤١ / ٢٥٢) : أبويوسف يعقوب.

(٥) في البحار نفسه : حبيش.

(٦) في ق ١ : مسلتون سيوفهم فناديت. وفي البحار : مشرعون رماحهم ، مستوون أسنتهم متنكبون قسيهم شاهرون سلاحهم فناديت.

٢٨٥

فاصلحتُ بينهم وانصرفتُ (١).

٣٥٢ ـ وعنه عن عليّ (٢) بن أحمد بن موسى ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الوفي ، حدّثنا موسى بن عمران النّخعي ، حدّثنا إبراهيم بن الحكم ، عن عمرو بن جبير ، عن أبيه ، عن الباقر عليه السلام قال : بعث النّبيّ صلّى الله عليه وآله عليّاً إلى اليمن ، فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن فنفح رجلاً فقتله ، فأخذه أولياؤه ورفعوه إلى عليّ ، فأقام صاحب الفرس البيّنة أنّ الفرس انفلت من داره فنفح (٣) الرّجل برجله ، فأبطل عليّ عليه السلام دم الرّجل ، فجاءً أولياءُ المقتول من اليمن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله يشكون علياً فيما حكم عليهم فقالوا : إن عليّاً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا فقال : رسول الله صلّى الله عليه وآله إنّ عليّاً عليه السلام ليس بظلّام ولم يُخلق عليٌّ للظّلم ، وإنّ الولاية من بعدي لعليٍّ ، والحكم حكمه ، والقول قوله ، لا يردّ حكمه وقوله وولايته إلّا كافرٌ ، ولا يرضى بحكمه وولايته إلا مؤمن ، فلمّا سمع النّاس قول رسول الله صلّى الله عليه وآله قالوا : يا رسول الله رضينا بقول عليّ عليه السلام وحكمه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : هو توبتكم ممّا قلتم (٤).

فصل ـ ٤ ـ

٣٥٣ ـ وعنه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن عبد الجبار ، حدّثنا جعفر بن محمّد الكوفي ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لمّا انتهى رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الرّكن الغربي فجازه فقال له الرّكن : يا رسول الله ألست قعيداً من قواعد بيت ربّك فما بالي لا اُستلم ؟ فدنا منه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال له : اسكن عليك السّلام غير مهجور ودخل حائطاً ، فنادته العراجين من كلّ جانب :

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣) ، برقم : (١١) عن مختصر البصائر و (٢١ / ٣٦٢) ، برقم : (٦) عن البصائر وراجع البصائر ، الجزء العاشر ص (٥٢١).

(٢) في النّسخ : حدّثنا عبد الرّحمن عن علي ... وهو مخدوش والصّحيح ما صحّحنا به السّند عن البحار والامالي المجلس (٥٥) ، برقم : (٧).

(٣) نفح رجلاً أي ضربه الفرس برجله.

(٤) بحار الانوار (٢١ / ٣٦٢) ، برقم : (٥) ، و (١٠٤ / ٤٠٠) ، برقم : (١) وراجع أمالي الصدوق المجلس (٥٥) ، برقم : (٧).

٢٨٦

السّلام عليك يا رسول الله ، وكلّ واحد منها يقول : خذ منّي فأكل ودنا من العجوة فسجدت ، فقال : اللّهمّ بارك عليها وانفع بها ، فمن ثَمَّ روي أنّ العجوة من الجنّة.

وقال صلّى الله عليه وآله : إنّي لأعرف حجراً بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أُبعث ، إنّي لأعرفه الآن ، ولم يكن صلّى الله عليه وآله [ يمر ] (١) في طريق يتبعه أحد إلّا عرف أنّه سلكه من طيب عرقه (٢) ، ولم يكن يمرّ بحجر ولا شجر إلّا سجد له (٣).

٣٥٤ ـ وقال سعد (٤) : حدّثنا الحسن بن الخشاب ، عن عليّ بن حسان بن عمّه عبد الرّحمن بن كثير الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم قاعداً إذ مرّ به بعير فبرك بين يديه ورغا ، فقال عمر : يا رسول الله أيسجد لك هذا الجمل ؟ فان سجد لك فنحن أحقّ أن نفعل فقال : لا بل اسجدوا لله والله أنّ هذا الجمل يشكو أربابه ويزعم أنّهم أنتجوه صغيراً واعتملوه فلمّا كبر وصار أعون (٥) كبيراً ضعيفاً أرادوا نحره ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.

ثمَّ قال ابوعبد الله عليه السلام : ثلاثة من البهائم أنطقهنّ الله تعالى على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وآله : الجمل وكلامه الّذي سمعت.

والذّئب فجاءَ إلى النّبيّ فشكا إليه الجوع فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله أصحاب الغنم فقال : افرضوا للذّئب شيئاً ، فشحّوا فذهب ثمّ عاد إليه الثّانية ، فشكا الجوع فدعاهم ، فشحّوا ثمَّ جاء الثّالثة فشكا الجوع فدعاهم ، فشحّوا فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اختلس ولو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله فرض للذّئب شيئاً ما زاد الذّئب عليه شيئاً حتّى تقوم السّاعة.

وأمّا البقرة فانّها آذنت بالنّبي صلّى الله عليه وآله ودلّت عليه ، وكانت في نخل لبني

_________________________________

(١) الزيادة من البحار.

(٢) في البحار : عرفه.

(٣) بحار الانوار (١٧ / ٣٦٧) ، برقم : (١٦) و (١٦ / ١٧٢) ، برقم : (٦) من قوله : لم يمض ....

(٤) في البحار : الصّدوق عن أبيه عن سعد عن الخشّاب عن علي بن حسان بن عمّه عبد الرحمن ... فما في النّسخ الخطيّة : عن عبد الرحمن ، غلط.

(٥) أعون بمعنى انتصف عمره ، كناية من الطّعن والكبر في السّن. وفي ق ١ : أعور.

٢٨٧

سالم من الأنصار ، فقالت : يا آل ذريح عمل نجيح صائح يصيح بلسان عربيّ ، فصيح ، بأن لا إله إلّا الله ربّ العالمين ، ومحمّد رسول الله سيّد النّبيّين ، وعليٌّ وصيّه سيّد الوصيّين (١).

٣٥٥ ـ وقال الصّادق عليه السلام : إنّ الذّئاب جاءت إلى النّبيّ تطلب أرزاقها ، فقال لأصحاب الغنم : إن شئتم صالحتها على شيءٍ تخرجوه إليها ، ولا ترزأ (٢) من اموالكم شيئاً ، وإن شئتم تركتموها تعدو وعليكم حفظ أموالكم ، قالوا : بل نتركها كما هي تصيب منّا ما أصابت ونمنعها ما استطعنا (٣).

٣٥٦ ـ وقال سعد : حدّثنا عليّ بن محمّد الحجّال ، حدّثنا الحسن بن الحسين اللّؤلؤي ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن ثابت ، عن جابر (٤) قال : كُنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وآله إذ اقبل بعيرٌ حتّى برك بين يديه ورغا وسالت دموعه ، فقال : لمن هذا البعير ؟ قالوا : لفلان ، قال : هاتوه ، فجاءَ فقال له : إنّ بعيركم هذا زعم أنّه ربّا صغيركم وكدّ على كبيرهم ، ثمَّ أردتم أن تنحروه فقالوا : يا رسول الله لنا وليمة فأردنا أن ننحره ، قال : فدعوه لي فتركوه فأعتقه رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان يأتي دور الأنصار مثل السّائل يشرف على الحجر ، وكان العواتق يجبينّ له العلف حتّى يجيء فيقلن عتيق رسول الله صلّى الله عليه وآله فسمن حتّى تضايق فامتلأ جلده (٥).

فصل ـ ٥ ـ

٣٥٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن القاسم الاسترآبادي ، حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، عن أبيه ، عن الحسن بن عليّ عليهما السلام في قوله تعالى جلّت عظمته : « ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً » (٦) قال : يقول الله يبست من

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٧ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩) ، برقم : (١١). وأورد قوله : ولو أمرت أحداً ... إلى قوله : لزوجها. في الجزء (١٠٣ / ٢٤٧) ، برقم : (٢٩).          (٢) أي : لا تصيب.

(٣) بحار الانوار (١٧ / ٣٩٩) ، برقم : (١٢) عن الاختصاص والبصائر.

(٤) في البحار : عن عدي بن ثابت عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

(٥) بحار الانوار (١٧ / ٤٠١) ، برقم : (١٥) عن الاختصاص والبصائر.

(٦) سورة البقرة : ٧٤.

٢٨٨

الخير قلوبكم معاشر اليهود في زمان موسى صلوات الله عليه ، ومن الآيات والمعجزات الّتي شاهدتموها من محمّد صلّى الله عليه وآله فهي كالحجارة اليابسة لا ترشح برطوبة ، أي : انّكم لا حقّ لله تؤدّون ولا مكروباً تغيثون ولا بشيء من الإِنسانيّة تعاشرون وتعاملون أو أشدّ قسوة أبهم على السّامعين ولم يبيّن لهم ، كما يقول القائل : أكلت خبزاً أو لحماً ، وهو لا يريد به أنّي لا أدري ما أكلت بل يريد به أن يبهم على السّامعين حتّى لا يعلم ماذا أكل وان كان يعلم أنّه قد أكل أيّهما « وإنّ من الحجار لما يتفجّر منه الأنهار » فيجيء بالخير والغياث لبني آدم ، وأنّ منها أي : من الحجارة ما يشقّق فيقطر منه الماء دون الأنهار ، وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل ، ومن الحجارة إن أقسم عليها باسم الله تهبط ، وليس في قلوبكم شيء منه.

فقالوا : يا محمّد : زعمت أنّ الحجارة ألين من قلوبنا وهذه الجبال بحضرتنا ، فاستشهدها على تصديقك فان نطقت بتصديقك فأنت المحق ، فخرجوا إلى أوعر جبل ، فقالوا : استشهده. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أسألك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من ملائكته بعد أن لم يقدروا على تحريكه ، فتحرّك الجبل وفاض الماء ، ونادى أشهد أنّك رسول ربّ العالمين ، وأنّ هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة.

فقالت اليهود : أعلينا تلبّس ؟ أجلست أصحابك خلف هذا الجبل ينطقون بمثل هذا ، فإن كنت صادقاً فتنحّ من موضعك هذا إلى ذلك القرار ، ومر هذا الجبل يسير إليك ، ومره أن يتقطع نصفين ترتفع السّفلى وتنخفض العليا ، فأشار صلّى الله عليه وآله إلى حجر فتدحرج ، ثمّ قال لمخاطبه : خذه وقرّبه ، فسيعيد عليك ما سمعت ، فانّ هذا من ذلك الجبل ، فأخذه الرّجل فأدناه إلى اُذنه فنطق الحجر مثل مانطق به الجبل قال : فأتني بما اقترحت.

فتباعد رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى فضاءٍ واسعٍ. ثمَّ نادى أيّها الجبل بحقّ محمّد وآله الطّيّبين لمّا اقتلعت من مكانك باذن الله تعالى وجئت إلى حضرتي ، فنزل الجبل وصار كالفرس الهملاج (١) ونادى ها أنا سامع ومطيع مرني ، فقال : هؤلاء اقترحوا عليَّ أن آمرك أن تتقطع من أصلك فتصير نصفين ، ثمَّ ينحط أعلاك ويرتفع أسفلك. فتقطع نصفين وارتفع

_________________________________

(١) دابة هملاج : حسنة السّير في سرعة وبخترة ، في المذكّر والمؤنّث سواء.

٢٨٩

أسفله وصار فرعه أصله.

ثمَّ نادى الجبل معاشر اليهود أهذا الّذي ترون دون معجزات موسى عليه السلام ؟ الّذي تزعمون أنّكم به تؤمنون ، فقال رجل منهم : هذا رجل مبخوت تتأتي له العجائب ، فنادى الجبل يا أعداء الله أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى ، هلّا قلتم لموسى : إنّ وقوف الجبل فوقهم كالظلّة ؟ لأنّ جدّك يأتيك بالعجائب. ولزمتهم الحجّة وما أسلموا (١).

فصل ـ ٦ ـ

٣٥٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبوسعيد محمّد بن الفضل ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن سفيان ، حدّثنا عليّ بن سلمة اللّيفي ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل يعني ابن فديك ، حدّثنا محمّد بن موسى بن أبي عبد الله ، عن عون بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب ، عن أُمّه أُمّ جعفر ، عن جدّتها أسماء بنت عميس قالت : كُنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزوة حنين ، فبعث عليّاً عليه السلام في حاجة ، فرجع وقد صلّى رسول الله العصر ولم يصلّ عليّ ، فوضع رأسه في حجر عليّ حتّى غربت الشّمس ، فلمّا استيقظ قال عليّ : إنّي لم أكن صلّيت العصر ، فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : اللّهمّ إنّ عبدك عليٌّ حبس نفسه على نبيّك فردّ له الشّمس ، فطلعت الشّمس حتّى ارتفعت على الحيطان والأرض حتّى صلّى أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمَّ غربت الشّمس ، فقالت أسماء : وذلك بالصّهباء في غزوة حنين ، وأنّ عليّاً لعلّه صلّى إيماءاً قبل ذلك أيضاً (٢).

فقال حسان بن ثابت :

إنّ علي بن أبـي طـالب

ردّت عليه الشّمس في المغرب

ردّت عليه الشّمس في ضوئها

عصراً كأنّ الشّمس لم تغرب (٣)

٣٥٩ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا موسى بن جعفر البغدادي ، عن عمرو

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٧ / ٣٣٥ ـ ٣٣٩) ، برقم : (١٦) عن التّفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليه السلام مع اختلافات.

(٢) بحار الانوار (٤١ / ١٦٧). والصهباء أو الصنهياء موضع بقرب خيبر.

(٣) لو كان هذان البيتان لحسّان لجاء ذكرها في البحار وفي كتب المناقب منها مناقب ابن شهر آشوب عند تعرّضه لتقاريض الشّعر عن الشّعراء المعروفين في حديث ردّ الشّمس ولذكرهما العلّامة الاميني (أمين تراث الكرامات للعترة

٢٩٠

بن سعيد ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار السّاباطي ، قال : دخلت أنا وأبو عبد الله الصّادق مسجد الفضيح ، فقال لي : يا عمّار ترى هذه الوهدة ؟ قلت : نعم ، قال : كانت امرأة جعفر بن أبي طالب الّتي خلّف عليها أمير المؤمنين عليه السلام قاعدة في هذا الموضع ومعها ابنتها من جعفر ، فبكت فقالت لها ابنتها : ما يبكيك يا اُمّاه ؟ قالت : بكيت لأمير المؤمنين إذ وضع رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال في هذا المسجد رأسه في حجره حتّى خفق فغُطّ ، فانتبه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال يا عليّ : ما صليت صلاة العصر ، فقال : كرهت أن أُؤذيك فأُحرّك رأسك عن فخذي ، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وآله يديه وقال : اللّهمّ ردّ الشّمس إلى وقتها حتّى يصلّي عليٌّ ، فرجعت الشّمس حتّى صلّى العصر ، ثمَّ انقضت انقضاض الكواكب (١).

٣٦٠ ـ وعن اسماء بنت عميس قالت : لمّا ردّت الشّمس على عليٍّ بالصّهباء ، قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : أما أنّها ستُردُّ لك بعدي حجةً على أهل خلافك (٢).

_________________________________

الطّاهرة) عند تفرّسه وإعمال باعه لتعرّض هذه الكرامة الباهرة في موسوعته « كتاب الغدير » حيث دافع عن صحّة الواقعة وأثبت وقوعها بكلام جامع مانع قامع في الجزء (٣ / ١٢٦) ـ (١٤١ و ٢٩ و ٧٥) وأورد عند تعرّضه لغديريّة حسّان بن ثابت أبياتاً عن ديوانه الّذي رآه وصفحه في الجزء (٢ / ٣٤ ـ ٦٥) وادّعى تغييره ونقصانه بلعب بعض الايادي اللاعبة فالحدس القوّي يقتضي الذهاب إلى إمكان انّ الشّيخ الراوندي اشتبه عليه النّسبة فكانا للحميري أو ابن حمّاد أو أمثالهما فنسبهما إلى حسّان والّذي يؤكّد ما ذكرناه أنّهما لو كانا له لورد في ديوانه المطبوع اللّهمّ إلا أن يدّعي أنّهما حذفا منه بلعب بعض اللاعبين.

نعم الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي المتوفي (١٣٩٤) بعد ذكر الواقعة في ينابيع المودّة الباب (٤٧) ص (١٣٨) من طبعة (١٣٨٥) نسب إلى حسّان بيتين آخرين في نفس المعنى فانه قال : فأنشأ حسّان بن ثابت :

ياقوم من مثل عليّ وقد

ردّت عليه الشمس من غائب

أخو رسول الله وصهره

والأخ لا يعدل بالصّاحب

ولكن نسب ابن شهر آشوب المتوفيّ (٥٨٨) البيتين مع فرق ما باضافة بيت آخر إلى صاحب بن عبّاد فذكر في مناقبه الجزء (٢ / ٣١٧) بعد ذكر القضيّة : وسئل الصّاحب أن ينشد في ذلك فانشد :

لا تقبل التّوبة من تائب

إلا بحبّ ابن ابي طالب

اخي رسول الله بل صهره

والصّهر لا يعدل بالصاحب

يا قوم من مثل عليّ وقد

ردّت عليه الشّمس من غائب

(١) بحار الانوار (٤١ / ١٨٣) ، برقم : (٢٠).

(٢) لم يذكر في البحار ولاغيره من المجامع للآثار.

٢٩١

٣٦١ ـ وقال سعد بن عبد الله : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن عبد الله القزويني ، عن الحسين بن المختار القلانسي ، عن أبي بصير ، عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري ، عن أمّ المقدام الثّقفيّة قالت : قال لي جويريّة بن مسهر : قطعنا مع أمير المؤمنين عليه السلام جسر الفرات في وقت العصر ، فقال : هذه أرض لا ينبغي لنبيّ ولا وصيّ نبيٍّ أن يصلّي فيها ، فمن أرادَ منكم أن يصلّي فليصلّ ، فتقرّق النّاس يُمنةً ويسرةً يصلّون ، وقلت : أنا لا اُصلّي حتّى اُصلّي معه ، فسرنا وجعلت الشّمس تسفل ، وجعل يدخلني من ذلك أمرٌ عظيم حتّى وجبت الشمس وقطعنا الأرض ، فقال : يا جويريّة أذّن ، فقلت : يقول : أذّن وقد غابت الشّمس ، قال : أذّن فأذّنت ، ثمّ قال لي : أقم فأقمت ، فلمّا قلت : قد قامت الصّلاة ، رأيت شفتيه يتحركان وسمعت كلاماً كأنّه كلام العبرانيّة ، فارتفعت الشّمس حتّى صارت في مثل وقتها في العصر فصلّى ، فلمّا انصرفنا هوت إلى مكانها ، قلت : أشهد أنّك وصيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله (١).

٣٦٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن علي بن موسى الدّقاق ، حدّثنا أحمد بن جعفر ابن نصر الجمّال ، حدّثنا عمر بن خلّاد ، عن الحسين بن علي ، عن أبي قتادة (٢) الحرّاني ، حدّثنا جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، عن زاذان ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وآله مكة رفع الهجرة وقال : لا هجرة بعد الفتح ، وقال لعليّ عليه السلام : إذا كان غداً فكلّم الشّمس في مطلعها حتى تعرف كرامتك على الله تعالى ، فلمّا أصبحنا قمنا فجاءَ عليٌّ إلى الشّمس حين طلعت ، فقال : السّلام عليك أيّها العبد المطيع لربّه ، قالت الشمس : وعليك السّلام يا أخا رسول الله وصيّه إبشر فانّ ربّ العزّة يقرؤك السّلام ويقول : إبشر فانّ لك ولمحبّيك وشيعتك ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فخرّ عليّ عليه السلام ساجداً لله ، فقال رسول الله صلّى الله عليه

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤١ / ١٦٧ ـ ١٦٨) ، برقم : (٣) عن علل الشّرايع مع زيادة ، ورواه بأسانيد أُخر عن جويرية (٤١ / ١٧٤ و ١٧٨).

(٢) كذا في النسخ ، وسقط قبله قوله « عن الحسين بن علي » في البحار. وأبو قتادة الحرّاني هو عبد الله بن واقد كما عن التّهذيب والتّقريب لابن حجر قائلاً : مات (٢١٠). وجعفر بن برقان هو الكلابي ابوعبد الله الرّقي كما عن التّقريب ، وفي البحار وفقاً لبعض النّسخ : نوقان يأتي برقم : (٣٦٥) كما أنّه يأتي فيه : والحسن بن علي.

٢٩٢

وآله : ارفع رأسك ، فقد باهى الله عزّ وجلّ بك الملائكة (١).

فصل ـ ٧ ـ

٣٦٣ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن حامد ، حدّثنا ابومحمّد الحسن بن محمّد بن إسحاق بن الأزهر ، حدّثنا الحسين بن إسحاق الدّقاق العسري ، حدّثنا عمر بن خالد ، حدّثنا عمر بن راشد ، عن عبد الرّحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله يوماً جالساً فاطّلع عليه عليّ عليه السلام مع جماعة ، فلمّا رآهم تبسّم ، قال : جئتموني تسألوني عن شيءٍ إن شئتم أعلمتكم بما جئتم وإن شئتم فاسألوني ، فقالوا : بل تخبرنا يا رسول الله قال : جئتم تسألونني عن الصّنايع (٢) لمن تحقَّ ، فلا ينبغي أن يصنع إلّا لذي حسبٍ أو دينٍ ، وجئتم تسألونني عن جهاد المرأة فانّ جهاد المرأة حسن التّبعل لزوجها وجئتم تسألونني عن الأرزاق من أين ، أبى الله أن يرزق عبده إلّا من حيث لا يعلم فانّ العبد اذا لم يعلم وجه رزقه كثر دعاؤه (٣).

٣٦٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن حامد (٤) ، حدّثنا ابوبكر محمّد بن جعفر ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم العبدي ، حدّثنا عمر بن حصين الباهلي ، حدّثنا عمر بن مسلم العبدي ، حدّثنا عبد الرّحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار قال : قال ابو عقبة الأنصاري : كنت في خدمة رسول الله صلّى الله عليه وآله فجاءَ نفر من اليهود ، فقالوا لي : استأذن لنا على محمّد ، فأخبرته فدخلوا عليه ، فقالوا : أخبرنا عمّا جئنا نسألك عنه ، قال : جئتموني تسألوني عن ذي القرنين ، قالوا : نعم ، فقال : كان غلاماً من أهل الرّوم ناصحاً لله عزّوجلّ فأحبّه الله ، وملك الأرض فسار حتّى أتى مغرب الشّمس ، ثمَّ سار إلى مطلعها ، ثمَّ سار إلى جبل (٥) يأجوج ومأجوج ، فبنى فيها السّد ، قالوا : نشهد أنّ هذا

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤١ / ١٧٧) ، برقم : (١٢).

(٢) أي العطايا.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ١٠٦ ـ ١٠٧) ، برقم : (٤) ، واثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤١) إلى قوله : عن الصّنايع. وأورد قوله : أبى الله ... إلى آخره في البحار (١٠٣ / ٣٠) ، برقم : (٥٥).

(٤) في جميع النّسخ : ابوعبد الله محمّد بن حامد ، وفي البحار : عبد الله بن حامد.

(٥) في البحار : خيل. وفي ق ٣ : جيل.

٢٩٣

شأنه ، وأنّه لفي التّوراة (١).

٣٦٥ ـ وباسناده عن ابن عباس رضي الله عنه قال : دخل أبوسفيان على النّبيّ صلّى الله عليه وآله يوماً ، فقال : يا رسول الله أريد أن أسألك عن شيء فقال صلّى الله عليه وآله : إن شئت أخبرتك قبل أن تسألني ؟ قال : افعل ، قال : أردت أن تسأل عن مبلغ عمري فقال : نعم يا رسول الله فقال : إنّي أعيش ثلاثاً وستّين سنَة ، فقال : أشهد أنّك صادق ، فقال صلّى الله عليه وآله : بلسانك دون قلبك (٢).

قال : ابن عبّاس والله ما كان إلّا منافقاً ، قال : ولقد كُنّا في محفل فيه أبوسفيان وقد كفّ بصره وفينا عليّ عليه السلام فأذّن المؤذن ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله قال ابوسفيان : ها هنا من يحتشم ؟ قال واحد من القوم : لا فقال : لله درّ أخي بني هاشم انظروا أين وضع اسمه ، فقال عليّ عليه السلام : أسخن (٣) الله عينيك يا أبا سفيان ، الله فعل ذلك بقوله عزّ من قائل : « وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ » (٤) فقال ابوسفيان : أسخن الله عين من قال لي : ليس ها هنا من يحتشم (٥).

فصل ـ ٨ ـ

٣٦٦ ـ وباسناده عن ابن عباس رضي الله عنه أنّه سئل عن قوله تعالى : « اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ » قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى صار

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١٩٦) ، برقم : (٢٣) و (١٨ / ١٠٧) ، برقم : (٥). وإثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤٢).

(٢) بحار الانوار (٢٢ / ٥٠٤) ، برقم : (٢) مسنداً قائلاً : بإسناده عن أحمد بن موسى الدّقاق عن أحمد بن جعفر بن نصر الجمّال عن عمر بن خلّاد والحسين بن علي عن أبي قتادة الحرّاني عن جعفر بن نوقان عن ميمون بن مهران عن زاذان عن إبن عباس هذا والخبر نفسه مذكور مرسلاً بزيادة في آخره في إثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤٣) وهي : قال إبن عباس : والله ما كان إلّا منافقاً.

(٣) سخّن ـ خ ل.

(٤) سورة الانشراح : (٤).

(٥) بحار الانوار (١٨ / ١٠٧ ـ ١٠٨) ، برقم : (٦) وكتاب الفتن والمحن والمطاعن منه الطّبع القديم الجزء (٨ / ٣٠٨).

٢٩٤

بنصفين ونظر إليه النّاس وأعرض أكثرهم ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره : « وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ » (١) فقال المشركون : سحر القمر ، سحر القمر (٢).

٣٦٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد بن حامد (٣) ، حدّثنا ابوبكر محمّد بن جعفر الطّبراني ، حدّثنا علي بن حرب الموصلي ، حدّثنا محمّد بن حجر ، عن عمّه سعيد ، عن أبيه ، عن اُمّه ، عن وائل بن حجر ، قال : جاءَنا ظهور النبيّ صلّى الله عليه وآله وأنا في ملك عظيم وطاعة من قومي ، فرفضت ذلك وآثرت الله ورسوله ، وقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأخبرني أصحابه أنّه بشرهم قبل قدومي بثلاث ، فقال : هذا وائل بن حجر قد أتاكم من أرض بعيدة من حضرموت راغباً في الاسلام طائعاً بقيّة أبناء الملوك ، فقلت : يا رسول الله أتانا ظهورك وأنا في ملك ، فمنَّ الله عليَّ أن رفضت ذلك وآثرت الله ورسوله ودينه راغباً فيه ، فقال صلّى الله عليه وآله : صدقت اللّهم بارك في وائل وفي ولده وولد ولده (٤).

فصل ـ ٩ ـ

٣٦٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن سعيد الأحمسي ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن قطرب بن عليف (٥) ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الرّحمن بن سابط (٦) ، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كنت ذات يوم عند النّبي صلّى الله عليه وآله إذ أقبل أعرابي على ناقة له فسلّم ، ثمّ قال : أيّكم محمّد ؟ فأومي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : يا محمد أخبرني عمّا في بطن ناقتي حتّى أعلم أنّ الّذي جئت به حق وأُؤمن بإِلهك وأتّبعك ، فالتفت النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقال : حبيبي عليٌّ يدلّك.

_________________________________

(١) سورة القمر : (١ ـ ٢).

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٣٥٤) ، برقم : (٥) وإثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤٤).

(٣) هو عبد الله بن حامد كما في البحار وغيره.

(٤) بحار الانوار (١٨ / ١٠٨) ، برقم : (٧) و (٢٢ / ١١٢) ، برقم : (٧٧) واثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤٥).

(٥) في البحار : عطيف ـ خ ل.

(٦) في ق ١ : سليط.

٢٩٥

فأخذ عليٌّ بخطام النّاقة ، ثمَّ مسح يده على نحرها ، ثمّ رفع طرفه إلى السماء وقال اللهمَّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وأهل بيت محمّد ، وبأسمائك الحسنى ، وبكلماتك التّامات لمّا أنطقت هذه النّاقة حتّى تخبرنا بما في بطنها ، فاذا النّاقة قد التفت إلى عليّ عليه السلام وهي تقول : يا أمير المؤمنين انّه ركبني يوماً وهو يريد زيارة ابن عم له ، وواقعني فانا حامل منه ، فقال الاعرابي : ويحكم النّبيّ هذا أم هذا ؟ فقيل : هذا النبيّ وهذا أخوه وابن عمّه فقال الاعرابي : أشهد أن لا إلهَ إلّا الله وأنّك رسول الله وسأل النبيّ صلّى الله عليه وآله أن يسأل الله عزّ وجلّ أن يكفيه ما في بطن ناقته فكفاه ، وحسن إسلامه.

وقال : وليس (١) في العادة أن تحمل النّاقة من الانسان ، ولكن الله جلّ ثناؤه قلب العادة في ذلك دلالةً لنبيّه صلّى الله عليه وآله على أنّه يجوز أن يكون نطفة الرّجل على هيئتها في بطن النّاقة حينئذٍ ولم تصر علقة بعدُ ، وانّما أنطقها الله تعالى ليعلم به صدق رسول الله صلّى الله عليه وآله (٢).

فصل ـ ١٠ ـ

٣٦٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبومحمد عبد الله بن حامد ، حدثنا ابونصر محمّد بن حمدوية المطرعي ، حدثنا محمد بن عبد الكريم ، حدّثنا وهب بن جرير ، حدّثنا أبي ، حدّثنا محمّد بن إسحاق ، حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي الحسين ، عن شهر بن حوشب قال : لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة أتاه رهط من اليهود ، فقالوا : إنّا سائلوك عن أربع خصال ، فان أخبرتنا عنها صدقناك وآمنّا بك ، فقال : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ؟ قالوا : نعم ، قال : سلوا عمّا بدا لكم.

قالوا : عن الشّبه كيف يكون من المرأة وانّما النّطفة للرّجل ؟ فقال : أنشدكم بالله أتعلمون أنّ نطفة الرّجل بيضاء غليظة ، وأنّ نطفة المرأة حمراء رقيقة ؟ فأيّتهما غلبت صاحبتها كانت لها الشّبه قالوا : اللّهمّ نعم.

_________________________________

(١) في البحار (٤١) : وقال الرّاوندي : وليس ... ومثله إثبات الهداة.

(٢) بحار الانوار (٤١ / ٢٣٠ ـ ٢٣١) ، برقم : (١). وإلى قوله : وأنّك رسول الله ، في (٩٤ / ٥) ، برقم : (٥) وإثبات الهداة (٢ / ٤٦٤ ـ ٤٦٥) ، برقم : (٢١٦). وفيه : صدقُ رسول الله صلّى الله عليه وآله.

٢٩٦

قالوا : فأخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة ، قال : أُنشدكم بالله هل تعلمون أنّ أحبّ الطّعام والشّراب إليه لحوم الابل وألبانها ؟ فاشتكى شكوى ، فلمّا عافاه الله منها حرّمها على نفسه ليشكر الله به ، قالوا : اللّهم نعم.

قالوا : أخبرنا عن نومك كيف هو ؟ قال : أُنشدكم بالله هل تعلمون من صفة هذا الرّجل الّذي تزعمون أنّي لست به تنام عينه وقلبه يقظان ؟ قالوا : اللّهمَّ نعم ، قال : وكذا نومي.

قالوا : فأخبرنا عن الرّوح ، قال : أُنشدكم بالله هل تعلمون أنّه جبرئيل عليه السلام ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، وهو الّذي يأتيك وهو لنا عدوّ ، وهو ملك إنّما يأتي بالغلظة وشدة الأمر ، ولولا ذلك لأتبعناك فأنزل الله تعالى : « قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ (١) إلى قوله أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم » (٢).

فصل ـ ١١ ـ

٣٧٠ ـ وعن ابن حامد ، حدّثنا ابوعلي حامد بن محمّد بن عبد الله ، حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، حدّثنا محمد بن سعيد الإِصفهاني ، حدّثنا شريك ، عن سماك ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : جاء أعرابيٌ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقال : بم أعرف أنّك رسول الله ؟ قال : أرأيت أن دعوت هذا العذق من هذه النّخلة فأتاني أتشهد أنّي رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : فدعا العذق ينزل من النّخلة حتّى سقط على الأرض ، فجعل يبقر حتّى أتى النّبيّ صلّى الله عليه وآله ، ثمَّ قال : ارجع فرجع حتّى عادَ إلى مكانه ، فقال : أشهد أنّك لرسول الله وآمن فخرج العامري يقول : يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء أبداً.

وكان رجل من بني هاشم يقال له : ركانة ، وكان كافراً من أفتك النّاس يرعى غنماً له بوادٍ يقال له : وادي إضم (٣) : فخرج النّبي صلّى الله عليه وآله إلى ذلك الوادي فلقيه

_________________________________

(١) سورة البقرة : (٩٧ ـ ١٠٠).

(٢) بحار الانوار (٩ / ٣٠٧) ، برقم : (٩) وإلى قوله : كان لها الشّبه ؟ قالوا : اللهمّ نعم ، في (٦٠ / ٣٦٦) ، برقم : (٦٤).

(٣) اضم كحلب ـ أو ـ كعنب : اسم ماء ، أو واد في الحجاز ـ أو ـ جبل في المدينة.

٢٩٧

ركانة ، فقال : لولا رحم بيني وبينك ما كلّمتك حتّى قتلتك أنت الّذي تشتم آلهتنا ادع إلهك ينجيك منّي ، ثمَّ قال : صارعني فان أنت صرعتني فلك عشرة من غنمي ، فأخذه النّبي صلّى الله عليه وآله وصرعه وجلس على صدره ، فقال ركانة : فلست بي فعلت هذا إنّما فعله إلهك ، ثمَّ قال ركانة : عُد فان أنت صرعتني فلك عشرة اُخرى تختارها ، فصرعه النّبيّ صلّى الله عليه وآله الثّانية فقال : إنّما فعله إلهك عُد ، فإن أنت صرعتني فلك عشرة اُخرى ، فصرعه النّبيّ صلّى الله عليه وآله الثّالثة.

فقال ركانة : خذلت اللّات والعزّى فدونك ثلاثين شاة فاخترها ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : ما اُريد ذلك ، ولكني أدعوك إلى الاسلام يا ركانة وانفس ركانة تصير الى النّار إن تُسلِم تَسلَم ، فقال ركانة : لا إلّا أن تُريني آيةً ، فقال نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله : الله شهيد عليك الآن إن دعوت ربِّي فأريتك آية لتجيبني إلى ما أدعوك ؟ قال : نعم وقريب منه شجرةٌ مثمرةٌ قال : أقبلي بإِذن الله فانشقت باثنين وأقبلت على نصف ساقها حتى كانت بين يدي نبيّ الله ، فقال ركانة : أريتني شيئاً عظيماً ، فمرها فلترجع ، فقال له النبيُّ صلّى الله عليه وآله : الله شهيد إن أنا دعوت ربّي يأمرها فرجعت لتجيبني إلى ما أدعوك إليه ؟ قال : نعم فأمرها فرجعت حتّى التأمت بشقّها فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : تسلم ؟ فقال ركانة : أكره تتحدّث نساء مدينةٍ أنّي إنّما أجبتك لرعب دخل في قلبي منك ، ولكن فاختر غنمك ، فقال صلّى الله عليه وآله : ليس لي حاجة إلى غنمك إذا أبيت أن تسلم (١).

فصل ـ ١٢ ـ

٣٧١ ـ وعنه عن ابن حامد ، حدّثنا محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدّثنا يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثنا عاصم بن عمرو بن قتادة ، عن محمود بن أسد ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : حدّثني سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كنت رجلاً من أهل إصفهان من قريةٍ يقال لها : جي وكان أبي دهقان أرضه ، وكان يحبّني حبّاً شديداً

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٧ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩) ، برقم : (١٧) وإثبات الهداة (١ / ٣٨٠) ، برقم : (٥٤٦ و ٥٤٧) اختصاراً.

٢٩٨

يحبسني في البيت كما تحبس الجارية ، وكنت صبيّاً لا أعلم من أمر النّاس إلا ما أرى من المجوسيّة حتّى أنَّ أبي بنى بنياناً وكان له ضيعة ، فقال : يا بنيّ شغلني من اطّلاع الضّيعة ما ترى ، فانطلق إليها ومرهم بكذا وكذا ولا تحبس (١) عنّى ، فخرجت أريد الضّيعة ، فمررت بكنيسة النّصارى فسمعت أصواتهم ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : هؤلاء النّصارى يصلّون ، فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم ، فوالله ما زلت جالساً عندهم حتّى غربت الشّمس ، وبعث أبي في طلبي في كلّ وجه حتّى جئته حين أمسيت ولم أذهب إلى ضيعته ، فقال : أبي أين كنت ؟ قلت : مررت بالنّصارى فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم ، فقال : أي بنيَّ إنّ دين آبائك خيرٌ من دينهم ، فقلت : لا والله ما هذا بخير من دينهم هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلّون له وأنت إنّما تعبد ناراً أوقدتها بيدك إذا تركتها ماتت ، فجعل في رجلي حديداً وحبسني في بيت عنده.

فبعثت إلى النّصارى فقلت : أين أصل هذا الدّين ؟ قالوا : بالشّام ، قلت : إذا قوم عليكم من هناك ناس فأذنوني ، قالوا : نفعل فبعثوا بعدُ أنّه قدم تجّار(٢) فبعثت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فأذنوني به ، قالوا : نفعل ، ثمّ بعثوا اليّ بذلك ، فطرحت الحديد من رجلي وانطلقت معهم ، فلمّا قدمت الشّام قلت : من أفضل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف صاحب الكنيسة ، فجئت فقلت : إنّي أحببت أن اكون معك وأتعلّم منك ، قال : فكن معي فكنت معه.

وكان رجل سوء يأمرهم بالصّدقة ، فاذا جمعوها اكتنزها ولم يعطها المساكين منها ولا بعضها ، فلم يلبث أن مات ، فلمّا جاؤا أن يدفنوه ، قلت : هذا رجل سوءٍ ونبّهتهم على كنزه ، فأخرجوا سبع قِلال (٣) مملوة ذَهَباً ، فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة ، وجاؤا برجل آخر فجعلوه مكانه.

فلا والله يا ابن عباس ما رأيت رجلاً قطّ أفضل منه وأزهد في الدّنيا وأشد اجتهاداً منه ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة وكنت أحبّه ، فقلت : يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله

_________________________________

(١) في ق ١ : ولا تحتبس.

(٢) في ق ٣ : علينا تجّار.

(٣) قلال ، كرجال : جمع القلّة بمعنى الإِناء من أواني العرب شبه الحب.

٢٩٩

فالى من توصي بي قال : أي بُنيّ ما أعلم إلّا رجلاً بالموصل فأتِه فانّك ستجده على مثل حالي ، فلمّا مات وغيّب لحقت بالموصل ، فأتيته فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزّهادة ، فقلت له : إنّ فلاناً أوصى بي إليك ، فقال : يا بنيّ كن معي.

فأقمت عنده حتّى حضرته الوفاة قلت : إلى من توصي بي ، قال : الآن يا بنيّ لا أعلم إلّا رجلاً بنصيبين فالحق به ، فلما دفنّاه لحقت به ، فقلت له : إنّ فلاناً أوصى بي إليك ، فقال : يا بنيّ أقم معي ، فأقمت عنده فوجدته على مثل حالهم حتّى حضرته الوفاة ، فقلت : إلى من توصي بي قال : ما أعلم إلّا رجلاً بعمورية من أرض الرّوم ، فأته فانّك ستجده على مثل ما كنّا عليه ، فلمّا واريته خرجت إلى العمورية ، فأقمت عنده فوجدته على مثل حالهم ، واكتسبت غنيمة وبقرات إلى أن حضرته الوفاة ، فقلت إلى من توصي بي.

قال : لا أعلم أحداً على مثل ما كُنّا عليه ولكن قد أظلّك زمان نبيّ يُبعث من الحرام مهاجره بين حرّتين (١) إلى أرض ذات سبخة ذات نخل ، وأنّ فيه علامات لا تخفي بين كتفيه خاتم النبوّة ، يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة ، فان استطعت أن تمضي الى تلك البلاد فافعل.

قال : فلمّا واريناه أقمت حتّى مرّ رجال من تجّار العرب من كلب ، فقلت لهم : تحملوني معكم حتّى تقدموني أرض العرب وأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي ؟ قالوا : نعم فأعطيتهم إيّاها وحملوني حتّى إذا جاءوُا بي وادي القرى ظلموني ، فباعوني عبداً من رجل يهودي ، فوالله لقد رأيت النّخل وطمعت أن يكون البلد الّذي نعت لي فيه صاحبي حتّى قدم رجلٌ من بني قريظة من يهود وادي القرى ، فابتاعني من صاحبي الّذي كنت عنده ، فخرج حتّى قدم بي المدينة ، فوالله ما هو إلّا أن رأيتها وعرفت نعتها ، فأقمت مع صاحبي. وبعث الله رسوله بمكّة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرّق حتّى قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله قبا وأنا أعمل لصاحبي في نخل له ، فوالله إنّي [ لكذلك اذ ] قد جاءَ ابن عمّ له فقال : قاتل الله بني قيلة (٢) ، والله إنّهم لفي قبا يجمعون على رجل جاءَ من مكّة يزعمون أنّه نبيٌّ ،

_________________________________

(١) الحرّتان : حرّة ليلى وحرّة واقم بقرب المدينة.

(٢) بنو قيلة : الأوس والخزرج ومابين المعقوفين اثبتناه من ق : (٢).

٣٠٠