السيد محمد كاظم القزويني
المحقق: السيد مصطفى القزويني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الغدير
الطبعة: ١
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: ٦٩٤
وعظمة مقام السيدة زينب ، وَضَعت أمامه حدوداً آلى على نفسه أن لا يتخطّاها ، ومنها التصريح باسم السيدة زينب عند ذكر مصائبها ، إذ من الصعب عليه ـ وهو الإبن البارّ لأهل البيت الطاهرين الغيور عليهم ـ أن يُصرّح بتفاصيل المأساة ، فشخصيّة السيدة زينب عظيمة فوق كلّ ما يتصوّر ، والمصائب التي انصَبّت عليها هي في شدّة الفظاعة ، فهو لا يذكر اسمها بل يُشير ويُلمّح ، ويرى أنّ التلميح خيرٌ من التصريح ، « والكناية أبلَغ مِن التصريح » ، ولعلّ الرعشة كانت تستولي على فكره وقريحته وقلمه ، فتمنعه من التصريح ، وانهمار الدموع لم يكن يسمح له أن يُبصِر ما يكتُب! فاكتفى أن يحومَ حول الحِمى والحدود فقط.
ففي إحدى قصائده الخالدة يقول :
خُذي يا قلـوب الطالبيّين قُرحَةً |
|
تزول الليالي وهي دامية القِرفِ (١) |
فإنّ التي لم تبرح الخِدر أُبرزَت |
|
عَشِيّةَ لا كهفٌ فتأوي إلى كَهفِ |
__________________
١ ـ القِرف ـ بكسر القاف ، وقيل : بفتح القاف ـ : القِشر ، يُقال : تقرّفت القُرحَة : أي تَقشّرت بعد يُبسها. دامية القِرف : أي دائمة التَقشّر بسبب عدم بُرئها ، واستمرار نَضح الدم والقَيح منها.
لقد رَفعَـت عنهـا يد القوم سَجفها |
|
وكان صفيـح الهنـد حاشيـ السَجف (١) |
وقد كان من فـرط الخفارة صوتها |
|
يُغَضُّ فغُضّ اليوم مِـن شـدّة
الضَعفِ |
وهاتفةٍ نـاحت علـى فقـد إلفِهـا |
|
كمـا هتفـت بالـدَوح فاقـِدةُ الإلـف |
لقد فَزِعت من هجمـة القوم وُلَّهـاً |
|
إلى ابن أبيها وهو فوق الثـرى مُغفـي |
فنـادت عليه حيـن ألفَتـه عـارياً على |
|
جسمه تسفي صبـا الريح ما تَسفي |
حَملتُ الرزايا ـ قبل يومك ـ كلّها |
|
فما أنقَضَت ظهـري ولا أوهَنـَت كَتفي
(٢) |
__________________
١ ـ الصَفيح : السيف العريض ، وقيل : الصفيح الجَنب. الهِند : السيف. السَجف ـ بفتح السين وكسرها ـ : السِتر المُرخى ، وقيل : هو الستر المؤلّف من قماشين مقرونَين ، أو قماش وبِطانة للقماش.
٢ ـ ديوان السيد حيدر الحلّي ، طبع لبنان ، عام ١٤٠٤ هـ ، ج ١ ص ٩٦.
ويقول ( رحمة الله تعالى عليه ) ـ في قصيدة أخرى ، يَصِفُ فيها ساعة الهجوم على مُخيّمات الامام الحسين عليهالسلام بَعدَ مقتل الإمام ـ :
وحائرات أطـارَ القـوم أعينَهـا |
|
رُعباً غداة عليهـا خِدرَها هجموا |
كانت بحيثُ عليهـا قومُها ضربت |
|
سُرادقاً أرضـه مِن عِزّهم |
يكاد من هيبـةٍ أن لا يطـوف به |
|
حَرَمُ حتـى الملائك لـولا أنّهم |
فغودِرَت بين أيـدي القوم حاسرةً |
|
خَدَمُ تُسبى وليس ترى مَن فيه
تَعتَصِمُ |
نَعـم لَـوَت جيـدها بالعَتبِ هاتفةً |
|
بقومهـا وحشاهـا مِلـؤُهُ ضَرَمُ |
عَجّت بهم مُذ على أبرادِها اختَلَفت |
|
أيدي العَـدوّ ، ولكن مَن لها بِهِمُ (١) |
__________________
١ ـ ديوان السيد حيدر الحلي ، ج ١ ص ١٠٥.
وله قصيدة أخرى يقوله فيها :
وأمضُّ ما جرعت من الغصص التي |
|
قدحت بجانحة الهدى ايراءها |
هتك الطغاة على بنات محمدٍ |
|
حُجب النبوة خِدرها وخباءها |
فتنازعت احشاءها حرق الجوى |
|
وتجاذبت أيدي العدوِّ رِداءَها |
عجباً لحلم الله ، وهي بعينه |
|
برزت تطيل عويلها وبكاءها (١) |
__________________
١ ـ ديوان السيّد حيدر الحلّي ، ج ١ ص ٥٤.
إنّ الإنسان المُنصِف إذا وقف موقف الحياد ، ونظر نظرة فاحصة إلى ملف رجالات الشيعة ، وتتبع أحوالهم في أي مجالٍ من مجالات العلوم والفنون ، يجد أمامه الكفاءات العظيمة ، والقابليات الفريدة الّتي تناطح السحاب علواً وسمواً ، في كلّ مجالٍ من المجالات ، وفي مختلف العلوم والفنون.
أجل ..
إنّ الكفاءات عند المسلمين الشيعة كثيرة جداً وجداً وجداً ، ولكن ينقصها شيئان:
١ ـ التشجيع الكافي من القيادات الشيعية العُليا!!
٢ ـ الحريّات الكافية والمناخ المناسب ، الذي يُساعد على نموّ الطاقات ، وبروز المواهب ، وظهور القابليات ، وتبلور العبقريات.
بعد هذا التمهيد .. أقول :
لا نجدُ في تاريخ العرب والإسلام شاعراً نظم ملحمة شعرية والتزم فيها بقافية واحدة ، وكان طويل النفس إلى أقصى حد .. سوى العلامة الأديب الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ( رحمة الله تعالى عليه ) فإنّ ملحمته الشعرية ـ رغم بساطتها وسلاسة التعبير فيها ـ فريدة .. ولا مثيل لها في التأريخ ، حيث إنّ أبياتها تُناهزُ الخمسين
ألف بيتاً (١)!!
وقد اخترنا من ملحمته الفريدة بعض الأبيات حول سيدتنا زينب الكبرى ( سلام الله عليها ) :
هي أزكى صديقةٍ قد تربّت |
|
بين حجر الصديقة الزهراء |
وتغذت من فيض علم علي |
|
وعلوم النبيّ خير غذاء |
وارتوت بالمعين نهلاً وعلاً |
|
من علوم السبطين خير ارتواء |
وتبنت نهج البلاغة نهجاً |
|
وهو فيض من سيد البلغاء |
__________________
١ ـ هو الشيخ عبد المنعم بن الشيخ حسين الفرطوسي.
شاعرٌ مجيد ، واديب شهير ، وخدم آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقريحته الشعرية المميزة. ولد في مدينة النجف الأشرف عام ١٣٣٥ هـ. كان من أبرز صفاته : التواضع ونُكران الذات .. رغم علمه الوافر ومواهبه الكثيرة.
فارق الحياة سنة ١٤٠٤ هـ رضوان الله عليه.
وهي كانت تُفضي بعهد عليّ |
|
بعلوم الأحكام بين النساء |
ورآها الوصي تروي ظماءً |
|
من علوم القرآن خير رواء |
قال : هذي الحروف رمز خفيّ |
|
لمصاب الحسين في كربلاء |
وبعهد السجاد للناس تفتي |
|
بدلاً عنه وهو رهن البلاء |
وعليّ السجاد أثنى عليها |
|
وعليّ من أفضل الأمناء |
كان يروي ( الثبت ابن عباس ) عنها |
|
وهو حَبرٌ من أفضل العلماء |
حيث كانت في الفقه مرجع صدقٍ |
|
لرواة الحديث والفقهاء |
* * * *
هي قُدسٌ به العفاف تزكّى |
|
وهي أزكى قدساً من العذراء |
هي قلبُ الحسين صبراً وبأساً |
|
عند دَفع الخطوب والأرزاء |
وهي أختُ الحسين عيناً وقلباً |
|
ويداً في تحمل الأعباء |
شاركته بنهضة الحقّ بِدءاً |
|
وختاماً وفي عظيم البلاء |
وجهاد الحسين اصبح حيّاً |
|
بجهاد الحوراء للأعداء |
وعظيم الإيمان منها تجلّى |
|
حين قالت والسبطُ رَهنَ العراء : |
ربّ هذا قرباننا لك يهدى |
|
فتقبل منا عظيم الفداء |
وعباداتُها وناهيك فيها |
|
وهي أسمى عبادة ودعاء |
حين تأتي بوردها من جلوسٍ |
|
وهي نضوٌ من شدة الإعياء (١) |
__________________
١ ـ كتاب « ملحمة أهل البيت » للشيخ الفرطوسي ، ج ٣ ص ٣٧٢ و ٣٧٣
وللشاعر البارع العلامة الجليل السيّد رضا الموسوي الهِندي (١) هذه القصيدة الشَهيرة :
إنْ كانَ عندكَ عبرة تجريها |
|
فانزل بأرض الطفّ كي نسقيها |
فعسى نبُلّ بها مضاجع صفوةٍ |
|
ما بلّت الأكباد من جاريها |
ولقد مررت على منازل عصمةٍ |
|
ثِقلُ النوة كان ألقي فيها |
فبكيت حتى خِلتُها سستجيبُني |
|
ببُكائها حزناً على أهليها |
وذكرتُ إذ وقفت عقيلة حيدرٍ |
|
مذهولة تصغي لصوت أخيها |
بأبي التي وَرِثَتْ مصائب أمّها |
|
فغدت تقابلها بصبر أبيها |
لم تله عن جمع العيال وحفظهم |
|
بفراق إخوتها وفقد بنيها |
_________________
١ ـ هو السيّد رضا بن السيّد محمّد بن السيّد هاشم المُوسَوي المعروف بالهندي ، لهجرة أحد آبائه إلى الهند.
وُلِدَ عام ١٢٩٠ هـ في مدينة النجف الأشرف.
درسَ علومَ العربيّة وعلمَ الفقه والكلام والمنطق حتّى بَلَغَ درجةً عالية ، فكان عالماً جليلاً ، وشاعراً قديراً ، وأديباً متفوقاً. وله مؤلفات مخطوطة.
من أشهر أشعاره : « القَصيدة الكَوْثَريّة » الّتي أشتهِرَت شهرةً عالمية.
فارق الحياة سنة ١٣٦٢ هـ في مدينة النجف الأشرف ، وشُيّع جثمانه تشييعاً عظيماً ، رحمة الله تعالى عليه.
لم أنسَ إذ هتكوا حِماها فانثَنَتْ |
|
تَشكو لَواعجها إلى حاميها (١) |
تدعو فتحترق القلوب كأنَّها |
|
يرمي حشاها جمره من فيها |
هذي نساؤك مَن يكونُ إذا سَرَتْ |
|
في الأسر سائقها ومن حاديها |
أيسوقها « زجر » بضرب متونها |
|
و« الشمر » يحدوها بسبّ أبيها |
عجباً لها بالأمس أنتَ تصونُها |
|
واليومَ آلُ أميةٍ تُبديها |
وسَروا برأسِِك في القَنا وقلوبها |
|
تسمو إليه ، ووجدها يضنيها |
إن أخّروه شجاه رويةُ حالها |
|
أو قدموه فحاله يشجيها (٢) |
__________________
١ ـ لواعجها. لواعج ـ جمع لعج ـ : آلامَها وأحزانها. قال ابن دريد ـ في كتابه : جمهرة اللغة ـ : « اللعج : ما وجده الإنسان في قلبه من ألم أو حزن ». وقال إبن منظور ـ في كتابه : لسان العرب ـ : « لَعَجَه الضرب : آلمَه وأحرق جلده ، واللعج : ألم الضرب وكل محرق ».
٢ ـ المصدر : ديوان السيّد رضا الموسوي الهندي ، الطبعة الأولى ، بيروت ـ لبنان ، عام ١٤٠٩ هـ ، ص ٤٧.
وللسيّد رضا الموسوي الهندي قصيدة رائعة أخرى ، في رثاء الإمام الحسين عليهالسلام ، وفيها يصف حال السيدة زينب حينما حضرت عند جسد أخيها العزيز ، وإليك هذه الأبيات المختارة :
حرّ قلبي لزينب إذ رأته |
|
ترب الجسم مثخناً بالجراح |
أخرس الخطب نطقها فدعته |
|
بدموع بما تُجن فصاح (١) |
يا منار الضلال والليل داجٍ |
|
وظلال الرميض واليوم ضاحي (٢) |
كنتَ لي ـ يومَ كُنت ـ كهفاً منيعاً |
|
سجسج الظل خافق الأرواحِ (٣) |
__________________
١ ـ بما تجن : أي بما تخفي ، بمعنى : أنّ الدموع تفصح وتخبر عما تخفيه ـ في قلبها ـ من الهموم والأحزان. ويقرأ البعض : بما تُكِنُّ.
٢ ـ الرميض : اليوم الشديد الحرّ ، والشمس الشديدة الحرارة. واليوم ضاحي : أي : عديم السحاب. قال ابن زكريا ـ في كتاب معجم اللغة ـ : « الرمض : حرُّ الحجارة من شدة حرّ الشمس ».
٣ ـ سجسج الظل : لا حرّ فيه ولا برد ، بل هواءٌ معتدل طيب. المعجم الوسيط.
أترى القوم إذ عليك مررنا |
|
منعونا من البكا والنياح |
إن يكن هيناً عليك هواني (١) |
|
واعترابي مع العدى وانتزاحي |
ومسيري أسيرة للأعادي |
|
وركوبي على النياق الطلاح (٢) |
فبرغمي أنّي أراك مقيماً |
|
بين سُمر القنا وبيض الصفاح |
لكَ جسم على الرمال ، ورأسٌ |
|
رفعوه على رؤوس الرماح (٣) |
__________________
١ ـ لعلّ الأولى قراءته هكذا : لم يكُن هيّناً علك هواني. رغم كونِ هذا الكلام لسان الحال ، وهو لُغَة عاطفيّة .. تُستعمل حين التكلم عند جثمان أو قبر الميّت.
٢ ـ الطلاح : الإبل الهزيلة المتعبة.
٣ ـ ديوان السيّد رضا الموسوي الهندي ، ص ٥٤.
وله قصيدة أخرى يقول فيها :
هذا ابن هندٍ ـ وهو شرّ أمية ـ |
|
من آل أحمد يستذل رقابا |
ويصون نسوته ويبدي زينباً |
|
من خدرها وسكينة وربابا |
لهفي عليها حين تاسرها العدى |
|
ذُلّاً (١) وتركبها النياق صعابا |
وتبيح نهب رحالها وتنيبها |
|
عنها رحال النيب والأقتابا |
سلبت مقانعها وما أبقت لها |
|
حاشا المهابة والجلال حجابا (٢) |
وهناك قصيدة أخرى منسوبة إلى السيّد رضا الموسوي ، قد عُثر على خمسة أبيات منها ، فأعجب بها الخطيب الجليل الشيخ محمد سعيد المنصوري ، فانشَدَ أبياتاً شعرية على نفس الوزن والقافية وأضافها إليها ، وإليك الأبيات الخمسة ثم الأبيات المضافة إليها :
« سلامٌ على الحوراء ما بقي الدهر |
|
وما سطعت شمسٌ وما أشرق البدر |
سلام على القلب الكبير وصبره |
|
بيومٍ جرت حزناً له الأدمعُ الحُمرُ |
__________________
١ ـ لعلّ الأولى قراءته : ظُلْماً .. بدلاً عن : ذُلاً.
٢ ـ ديوان السيّد رضا الموسوي الهندي ، ص ٤٣.
جحافل جاءت كربلاء بأثرها |
|
جحافل لا يقوى على عدها حصر |
جرى ما جرى في كربلاء وعينها |
|
ترى ما جرى ممّا يذوب له الصخر |
لقد أبصرت جسم الحسين مبضّعاً |
|
فجاءت بصبرٍ دون مفهومه الصبر » |
رأته ونادت يابن أمي ووالدي |
|
لك القتل مكتوبٌ ولي كتب الأسرُ |
أخي إنّ في قلبي أسىً لا أطيقُه |
|
وقد ضاق ذرعاً عن تحمله الصدر |
أيدري حسامٌ حزّ نحرك حده |
|
به حزّ من خير الورى المصطفى نحر |
عليّ عزيزٌ أن أسير مع العدى |
|
وتبقى بوادي الطفّ يصهرك الحرُّ |
أخي إن سرى جسمي فقلبي بكربلا |
|
مقيمٌ إلى أن ينتهي منّي العُمرُ |
أخي كلُّ رُزءٍ غير رزئك هيّنٌ |
|
وما بسواه اشتدّ واعصوصب الأمرُ |
أ اُنعم في جسمٍ سليمٍ من الأذى |
|
وجسمك منه تنهلُ البيض والسُمرُ |
أخي بعدك الأيّامُ عادت ليالياً |
|
عليّ فلا صبح هناك ولا عصر |
لقد حاربت عيني الرقاد فلم تنم |
|
ولي يا أخي إن لم تنم عيني العذر |
أخي أنت تدري ما لأختك راحةٌ |
|
وذلك من يومٍ به راعها الشمر |
فلا سلوةٌ تُرجى لها بعد ما جرى |
|
وحتّى الزلال العذب في فمها مُرُّ |
ايمنعك القوم الفرات وورده |
|
وذاك إلى الزهراء من ربّها مَهْرُ |
أخي أنت عن جدّي وأمّي وعن أبي |
|
وعن حسنٍ لي سلوةٌ وبك اليسر |
متى شاهدت عيناي وجهك شاهدت |
|
وجوههم الغراء وانكشف الضر |
ومذ غبت عنّي غاب عني جميعهم |
|
ففقدك كسر ليس يرجى له جبر (١) |
__________________
١ ـ كتاب ( ميراث المنبر ) للخطيب الأديب الشيخ المنصوري ، ص ٢٧٤.
وللشاعر الأديب ، الموالي المخلص الحاج هاشم الكعبي (١) قصيدة غراء تعتبر من أقوى وأشهر ما قيل من الشعر في رثاء سيّد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليهالسلام وهي تتجاوز ١٣٦ بيتاً ، وفيها يصف حال حفيدات الرسالة وبنات الإمامة بعد مقتل سيّد الشهداء ، وخاصّة سيّدتنا الحوراء العقيلة زينب الكبري عليهاالسلام فيقول :
وثواكلٌ في النوح تسعد مثلها |
|
أرأيتَ ذا ثكلٍ يكونُ سعيدا |
حنت فلم تر مثلهن نوائحاً |
|
إذ ليس مثلُ فقيدهن فقيدا |
عبراتها تحيي الثرى لو لَم تكن |
|
زفراتها تدع الرياض همودا |
_________________
١ ـ الحاج هاشم بن حردان الكعبي ، وُلد في « الدورق » في ضواحي مدينة الأهواز ـ جنوب إيران ـ ثمّ هاجَرَ إلى مدينة كربلاء المقدّسة ، فدرس في الحوزة العلمية هناك ، حتّى صار من أهل العلم والفضل ، وبرع في الشعر والأدب ، ولَمعَ نجمه حتّى حلَّق في عداد أبرز الشعراء المتألقين .. ليس في عصره فحسب ، بل في تاريخ الشعر والأدب .. وفي مختلف العصور!
توفّي سنة ١٢٣١ هـ ، رحمة الله تعالى عليه.
وغدت اسيرة خدرها أبنة فاطمٍ |
|
لم تلق غير أسيرها المصفودا |
تدعو بلهفة ثاكلٍ لعب الأسى |
|
بفؤاده حتّى انطوى مفؤدا |
تخفي الشجا جلداً فإن غلب الأسى |
|
ضعفت فأبدت شجوها المكمودا |
نادت فقطّعت القلوب بصوتها |
|
لكنّما انتظم البيان فريدا |
إنسان عيني يا حسين أخي يا |
|
أملي وعقد جماني المنضودا |
ما لي دعوت فلا تجيب ولم تكن |
|
عودتني من قبل ذاك صدودا |
ألمحنةٍ شغلتك عنّي أم قلىً |
|
حاشاك إنّك ما برحت ودودا (١) |
__________________
١ ـ رياض المدح والرثاء ، ص ٤٨١.
وللعالم الجليل الأديب النبيل الشيخ علي بن الحسين الحلّي الشفهيني (١) قصيدة رائعة نختار منها هذه الأبيات :
وعليك خزيٌ يا أميةُ دائماً |
|
يبقى ، كما في النار دامَ بقاكِ |
هلا صفحتِ عن الحسين ورهطه |
|
صفح الوصيّ أبيه عن آباك |
وعففت يوم الطفّ عفة جدّه الـ |
|
ـمبعوث يوم الفتح عن طلقاكِ |
أفهل يدٌ سَلَبت إماءك مثلما |
|
سَلَبَتْ كريماتِ الحسين يداكِ |
أم هل برزن بفتح مكة حُسّراً |
|
ـ كنسائه يوم الطفوف ـ نساك |
__________________
١ ـ هو الشيخ علي بن الحسين الحلّي الشَفَهيني ( رحمة الله تعالى عليه ).
لم يعرف ـ بالضبط ـ تاريخ ولادته أو وفاته ، إلا أنّه يعد من شعراء القرن الثامن الهجري ، كانَ عالماً جليلاً ، وشاعراً أديباً ، مَدَحَ أهل البيت عليهمالسلام بقريحته الشعرية بنسبة كبيرة ، حتّى سجّل إسمه في سجل شعرائهم المتألقين في رتبة شعره.
بئسَ الجزاء لأحمدٍ في آله |
|
وبنيه يوم الطفّ كان جزاكِ |
لهفي لآلك يا رسول الله في |
|
أيدي الطغاة نوائحاً وبواكي |
ما بين نادبةٍ وبين مروعةٍ |
|
في أسرِ كلِّ معاندٍ أفّاكِ |
تالله لا أنساكِ زينب ، والعدى |
|
قسراً تجاذب عنك فضل رداكِ |
لم أنس ـ لا والله ـ وجهك إذ هوت |
|
بالردن ساترةً له يمناك (١) |
حتّى إذا همُّوا بسلبك صحت باسـ |
|
ـم أبيك ، واستصرخت ثم أخاكِ |
تستصرخيه أسىً وعزّ عليه أن |
|
تستصرخيه ولا يجيب نداك (٢) |
__________________
١ ـ الرُدْن : الكُمّ.
٢ ـ رياض المدح والرثاء ، ص ٢٢ و ٢٣.
وللسيّد محمّد بن السيّد مال الله القَطيفي (١) قصيدة غرّاء ، جاءَ فيها :
قتل الحسين فيما سما ابكي دماً |
|
حزناً عليه ويا جبالُ تصدعي |
منعوه شرب الماء ، لا شربوا غداً |
|
من كفّ والده البطين الأنزع |
ولزينب ندب لفقد شقيقها |
|
تدعوه يابن الزاكيات الرُكّعِ |
اليوم أصبغُ في عزاك ملابسي |
|
سوداً وأسكُبُ هاطلات الأدمع |
اليوم شبُّوا نارهم في منزلي |
|
وتناهبوا ما فيه حتّى برقعي |
اليوم ساقوني بظلم يا أخي |
|
والضرب ألَّمَني وأطفالي معي |
__________________
١ ـ السيّد محمّد بن السيّد مال الله ، المشهور بلقب ( أبو الفلفل ) من أهل مدينة القطيف ، هاجَرَ إلى العراق ، وسَكَنَ في مدينة كربلاء المقدسة ، إلى أنْ وافاه الأجل عام ١٢٦١ هـ. كان شاعراً حسينياً مجيداً ، رحمة الله عليه.