زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

السيد محمد كاظم القزويني

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

المؤلف:

السيد محمد كاظم القزويني


المحقق: السيد مصطفى القزويني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الغدير
الطبعة: ١
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: ٦٩٤

دلالات وعلامات للموت .. يتبع بعضها بعضاً ».

ثم فتح الباب وخرج.

فجئت إلى أخي الحسن فقلت : يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا ، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس ، فالحقه. (١)

فقام الحسن عليه‌السلام وتبعه ، فلحق به قبل أن يدخل الجامع ، فأمره الإمام بالرجوع ، فرجع.

أيها القارئ الكريم :

هنا ننقل ما ذكره المؤرخون ، ثم نعود إلى حديث السيدة زينب عليها‌السلام:

لقد جاء الإمام علي عليه‌السلام حتى دخل المسجد ، فصعد على المئذنة ووضع سبابتيه في أذنيه وتنحنح ، ثم أذن فلم يبق في الكوفة بيت إلا اخترقه صوته ، ثم نزل عن المئذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره ، ويكثر من الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكان يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم : الصلاة

__________________

١ ـ الغلس ـ بفتح اللام ـ : ظلمة آخر الليل كما في ( القاموس ) للفيروز آبادي. وقيل : ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح. كما في كتاب ( مجمع البحرين ) للطريحي.

٦١

يرحمك الله ، قم إلى لصلاة المكتوبة ، ثم يتلو : « إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ». (١)

... ثم اتجه نحو المحراب وقام يصلي ، وكان عليه‌السلام يطيل الركوع والسجود ، فقام ابن ملجم ( لعنه الله ) لارتكاب أكبر جريمة في تاريخ الكون ، وأقبل مسرعاً حتى وقف بأزاء الاسطوانة التي كان الإمام يصلي عندها ، (٢) فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها ، فتقدم اللعين ورفع السيف وهزه ثم ضرب الإمام على رأسه الشريف ، فوقعت الضربة على مكان الضربة التي ضربه عمرو بن عبدود العامري ، يوم الخندق.

فوقع الإمام عليه‌السلام على وجهه قائلاً : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، فزت ورب الكعبة ، هذا ما و عد الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله.

وسال الدم على وجهه الشريف ، وشيبته المقدسة ، وعلى

__________________

١ ـ سورة العنكبوت ، الآية ٤٥.

٢ ـ الأسطوانة : العمود الذي يعتمد عليه سقف البناء. وكلمة « أسطوانة » معربة من اللغة الفارسية ، وأصلها : « ستون » أو « أستون ».

المحقق

٦٢

صدره وأزياقه (١) ، حتى اختضبت شيبته وتحقق ما أخبر عنه الرسول الكريم.

وفي هذه اللحظة الأليمة هتف جبرئيل ـ بين السماء والأرض ـ ذلك الهتاف السماوي الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الأنبياء والأوصياء.

لقد هتف جبرئيل بشهادة الإمام علي عليه‌السلام كما هتف ـ يوم أحد ـ بفتوته وشهامته يوم قال : « لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذوالفقار ».

فقد اصطفقت أبواب المسجد الجامع (٢) ، وضجت الملائكة في السماء ، وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة ، ونادى جبرئيل بصوت سمعه كل مستيقظ :

« تهدمت ـ والله ـ أركان الهدى ، وانطمست ـ والله ـ نجوم السماء وأعلام التقى ، وانفصمت ـ والله ـ العروة الوثقى ، قتل ابن عم محمد المصطفى ، قتل الوصي المجتبى ، قتل علي المرتضى ، قتل ـ والله ـ سيد الأوصياء ، قتله أشقى

__________________

١ ـ أزياق ـ جمع زيق .. بالكسر ـ : زيق القميص : ما أحاط بالعنق من القميص. كما في كتاب القاموس وتاج العروس. وبتعبير آخر : زيق ، فتحة القميص التي يدخل الإنسان رأسه منها.

المحقق

٢ ـ إصطفقت : ضربت بعضها ببعض ، ضرباً يسمع منه الصوت.

٦٣

الأشقياء ».

فلما سمعت السيدة أم كلثوم نعي جبرئيل لطمت على وجهها وخدها ، وشقت جيبها وصاحت : واأبتاه! واعلياه! وامحمداه! واسيداه!

... ثم حملوا الإمام ـ والناس حوله يبكون وينتحبون ـ وجاؤوا به إلى الدار. فاقبلت بنات رسول الله وسائر بنات الإمام ، وجلسن حول فراشه ينظرن إلى أسد الله وهو بتلك الحالة ، فصاحت السيدة زينب وأختها : أبتاه من للصغير حتى يكبر؟! ومن للكبير بين الملأ؟!

يا ابتاه! حزننا عليك طويل ، وعبرتنا لا ترقأ. (١)

فضج الناس ـ من وراء الحجرة ـ بالبكاء والنحيب ، وشاركهم الإمام عليه‌السلام وفاضت عيناه بالدموع.

وفي ليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان ، في الساعة الأخير من حياة الإمام عليه‌السلام كانت السيدة زينب عليها‌السلام جالسة عنده تنظر في وجهه ، إذ عرق جبين الإمام ، فجعل يمسح العرق بيده ، فقالت زينب : يا أبه أراك تمسح جبينك؟

قال : يا بنية سمعت جدك رسول الله ( صلى الله عليه وآله

__________________

١ ـ لا ترقأ : لا تنقطع ، أو لا تجف.

٦٤

وسلم ) يقول : « إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلو الرطب ، وسكن انينه ».

فعند ذلك ألقت زينب بنفسها على صدر أبيها وقالت : يا ابه حدثتني أم أيمن بحديث كربلاء ، وقد أحببت أن أسمعه منك. (١)

فقال عليه‌السلام : « يا بنية! الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأني بك وبنساء أهلك لسبايا بهذا البلد ، خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس ، فصبراً صبراً ».

ثم التفت الإمام إلى ولديه الحسن والحسين عليهما‌السلام وقال : « يا أبا محمد ويا أبا عبد الله ، كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ها هنا وها هنا ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.

يا ابا عبد الله! أنت شهيد هذه الأمة ، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه.

ثم أغمي عليه وأفاق ، وقال : هذا رسول الله وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله ، وكلهم يقولون : عجل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون.

__________________

١ ـ سوف نذكر لمحة سريعة عن أم أيمن ، في فصل ( بعض ما روي عن السيدة زينب عليها‌السلام ).

٦٥

ثم أدار عينيه في وجوه أهل بيته وقال لهم : « استودعكم الله » ، وتلا قوله تعالى « لمثل هذا فليعمل العاملون » (١) وقوله سبحانه « إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون » (٢).

ثم تشهد الشهادتين وفارق الحياة.

فعند ذلك صرخت زينب وأم كلثوم وجميع نسائه وبناته ، وشققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، وارتفعت الصيحة في الدار.

... ولما فرغ أولاد الإمام عليه‌السلام من تغسيله ، نادى الإمام الحسن أخته زينب وقال : يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله ـ وكان قد نزل به جبرئيل من الجنة ـ.

فبادرت السيدة زينب مسرعة حتى أتته به ، فلما فتحته فاحت الدار لشدة رائحة ذلك الطيب.

أيها القارئ الكريم : هذا بعض ما يرتبط بالسيدة زينب في حياة أبيها العظيم الإمام علي أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد اقتطفنا ما يرتبط بمقتل أبيها من كتابنا : الإمام علي من المهد إلى اللحد.

__________________

١ ـ سورة الصافات ، الآية ٦١.

٢ ـ سورة النحل ، الآية ١٢٨.

٦٦

السيدة زينب

مع أخيها الإمام الحسن المجتبى

إن الاحترام اللائق ، والتقدير الرفيع كان متبادلاً بين السيدة زينب الكبرى وبين أخيها الأكبر ، وهو السبط الأول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإمام الزكي ، الحسن المجتبى عليه‌السلام.

إن السيدة زينب كانت تنظر إلى أخيها الامام الحسن من مناظرين :

١ ـ منظار الأخوة.

٢ ـ منظار الإمامة.

فمن ناحية : يعتبر الإمام الحسن الأخ الأكبر للسيدة زينب عليها‌السلام ومن المعلوم أن الأخ الأكر له مكانة خاصة عند الإخوة والأخوات ، وقد ورد في الحديث الشريف : « الأخ الأكبر

٦٧

بمنزلة الأب » (١)

ومن ناحية أخرى : يعتبر الإمام الحسن عليه‌السلام إمام زمان السيدة زينب بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ولهذا فإن احترامها لاخيها كان ينبعث من هذين المنطلقين.

وتجدر الإشارة إلى أن كل ما سنذكره ـ من الروابط القلبية بين السيدة زينب والإمام الحسين ـ فهي ثابتةً بينها وبين أخيها الإمام الحسن أيضاً.

وإذا كان التاريخ قد سكت عن التفاصيل فإن أصل الموضوع ثابت.

ونكتفي ـ هنا ـ بما ذكر في بعض الكتب من موقف السيدة زينب حينما حضرت عند أخيها الإمام الحسن ساعة الوفاة :

« ... وصاحت زينب : وا أخاه! وا حسناه! وا قلة ناصراه! يا أخي من الوذ به بعدك؟!

وحزني عليك لا ينقطع طول عمري! ثم إنها بكت على أخيها وهي تلثم خديه وتتمرغ عليه ، وتبكي طويلاً ». (٢)

__________________

١ ـ الحديث مروي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام. ذكر في كتاب « بحار الأنوار » ج ٧٥ ، ٣٣٥ ، طبع لبنان عام ١٤٠٣ هـ.

٢ ـ معالي السبطين ، للمازندراني ، ج ١ ، المجلس التاسع.

٦٨

العلاقات الودّية

بين السيدة زينب وأخيها الإمام الحسين

إن روابط المحبة ، والعلاقات الودية بين الإخوة والأخوات كانت من قديم الزمان ، حتى صارت يضرب بها المثل في المحبة والمودة بين اثنين ، فيقال : كأنهما أخوان ، أو كأنهما أخ وأخت.

ولكن العلاقات الودية وروابط المحبة بين الإمام الحسين وبين أخته السيدة زينب عليهما‌السلام كانت في القمة وكانت تمتاز بمزايا ، ولا أبالغ إذا قلت : لا يوجد ولم يوجد في العالم أخ وأخت تربطهما روابط المحبة والوداد مثل الإمام الحسين وأخته السيدة زينب. فإن كلاً منهما كان قد ضرب الرقم القياسي في مجال المحبة الخالصة ، والعلاقات القلبية.

وكيف لا يكونان كذلك وقد تربيا في حجر واحد وتفرعا

٦٩

من شجرة واحدة؟!

ولم تكن تلك العلاقات منبعثة عن عاطفة القرابة فحسب ، بل عرف كل واحد منهما ما للآخر من الكرامة ، وجلالة القدر وعظم الشأن.

فالسيدة زينب تعرف أخاها بأنه :

سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعلم بأن الله تعالى قد أثنى على أخيها في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، كآية المباهلة ، وآية المودة ، وآية التطهير ، وسورة « هل أتى » ، وغيرها من الآيات والسور.

بالاضافة إلى أنها عاشت سنوات مع اخيها في بيت واحد ، وشاهدت ما كان يتمتع به اخوها من مكارم الأخلاق والعبادة والروحانية ، وعرفت ما لأخيها من علو المنزلة وسمو الدرجة عند الله عزوجل.

وتعلم انه إمام منصوب من عند الله تعالى ، منصوص عليه بالإمامة العظمى والولاية الكبرى من الرسول الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

مع توفر شروط الإمامة ولوازمها فيه ، كالعصمة ، والعلم بجميع أنواع العلوم ، وغير ذلك.

وهكذا يعرف الإمام الحسين عليه‌السلام أخته السيدة زينب

٧٠

حق المعرفة ، ويعلم فصائلها وفواضلها وخصائصها.

ومن هنا يمكن لنا أن نطلع على شيء من مدى الروابط القوية بين هذا الأخ العظيم وأخته العظيمة.

وقد جاء في التاريخ : أن الإمام الحسين ( عليه اسلام ) كان يقرأ القرآن الكريم ـ ذات يوم ـ فدخلت عليه السيدة زينب ، فقام من مكانه وهو يحمل القرآن بيده ، كل ذلك احتراماً لها. (١)

__________________

١ ـ كتاب ( ذخيرة المعاد ) للشيخ زين العابدين المازندراني.

٧١
٧٢

الفصل الثالث

زواج السيدة زينب عليها‌السلام

عبد الله بن جعفر

٧٣
٧٤

زواج السيدة زينب عليها السلام

لمّا بَلَغت السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام مَبلَغ النساء ، خطَبَها ـ فيمَن خطَبَها ـ ابنُ عمّها : عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وكان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يَرغَبُ أن يتزوّج بناته من أبناء عُمومتهنّ : أولاد عقيل وأولاد جعفر ، ولعلّ السبب في ذلك هو كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ حينَ نظر الى أولاد الإمام علي وأولاد جعفر بن أبي طالب ـ فقال : ـ « بَناتُنا لبَنينا ، وبَنونا لبَناتنا ». (١)

وحصلت الموافقة على الزواج ، وتمّ العقد المبارك في جوّ عائلي يَغمره الودّ والمحبّة ، وزُفّت السيدة زينب ( عليها

__________________

١ ـ كتاب ( مناقب آل أبي طالب ) لابن شهرآشوب المتوفى عام ٥٨٨ للهجرة ، ج ٣ ص ٣٠٥ ، فصل : في أزواجه وأولاده ، وذكره الشيخ المجلسي في ( بحار الأنوار ) ج ٤٢ ص ٩٢ ، باب ١٢٠.

٧٥

السلام ) إلى دار زوجها عبد الله بن جعفر .. بكلّ إجلال واحترام. وأنجَبَت منه أولاداً كانوا ثمرات تلك الشجرة الطيّبة ، وفروع أغصانها ، فلقد وَرِثوا المجد والشرف من الجانبين. (١)

____________

١ ـ هناك نظريّة تقول : « إنّ الزواج من الأقارب شيء مذموم ، وينبغي الإبتعاد عنه لكي يكون النسل الناتج من الزوجين نَسلاً سليما من ناحية الصحّة البدنية والنفسيّة ».

ولهذه النظرية مؤيّدون ومخالفون. ونحن نذكر تعليقنا عليها من خلال عدّة نقاط :

النقطة الأولى : إنّ مجرّد الزواج من الأقارب ليس شيئا مذموما ، بل المذموم هو الزواج منهم في بعض الحالات ، وهي :

الحالة الأولى : فيما لو كان الرجل أو المرأة مُصاباً بمرض ينتقل الى النسل عن طريق الوراثة ، وكان ذلك المرض منتشراً بين سائر أفراد العشيرة ، فحينئذ يُفضّل عدم الزواج من الأقارب .. في حالة العِلم أو الظن بوجود المرض في الطرف الآخر ـ الذي هو من الأقارب ـ.

الحالة الثانية : فيما لو عُلم عدم وجود الإنسجام بين فَصيلة دم هذا وفصيلة دم تلك ، وأنّ الزواج بين هذين سوف يُسبّب إشكالات مهمّة في النسل والذريّة.

وإليك هذا المثال للحالة الأولى من هاتين الحالتين :

٧٦

__________________

هناك مرض يُعبر عنه بـ ( التكسّر في الدم ) وهو منتشر في بعض العوائل والعشائر ـ ونسأل الله تعالى الشفاء العاجل لكلّ مؤمن ومؤمنة ـ ، فلو كان الرجل مُصاباً بهذا المرض وتزوّج امرأة سليمة ، تكون نسبة إحتمال إنتقال المرض إلى نسله ١٠% ـ مثلاً ـ ، لكنّه لو تزوّج بامرأة من أقربائه وهي مُصابة بنفس المرض ، ترتفع نسبة إحتمال إنتقال المرض إلى ٨٠% أو أكثر ، حسب اختلاف الحالات.

وحينما نُلاحظ هذا المثال ـ بدقّة ـ يتّضح لنا أنّه ليس مجرّد الزواج من الأقارب أمراً مذموماً ، بل المذموم : هو اختيار زوج غير سليم أو زوجة غير سليمة ، حيث يعني ذلك : عدم إتّخاذ إجراءات وقائيّة كافية لضمان مستقبل صحّي جيّد للنسل والذريّة.

وهذا لا يختصّ بالأقارب ، بل هو عام .. يشمل الأباعد أيضاً. فلا ينبغي فتح باب جديد ـ في علم الطب ـ تحت عنوان : « كراهة أو مخاطر الزواج من الأقارب » ، فإنّ ذلك يعني : التفكير حول القضايا تفكيراً سطحياً ، والغفلة عن المضاعفات المؤسفة الناتجة عن التطبيق ـ بشكل عام ـ لهذه النظريّة غير الناضجة.

النقطة الثانية : لقد ذكرت في التعاليم الاسلاميّة ـ الواردة في موضوع الزواج والعلاقات الزوجية ـ أسباب كثيرة للتعوّق والتشوّه في

٧٧

__________________

الخِلقة ، والإصابة بالأمراض البدنيّة والنفسيّة ، وغير ذلك من انواع الإعوجاج في النسل والذريّة ، وهي عامّة للجميع .. ولا تختصّ بالأقارب. وهي جديرة بالدراسة والإهتمام ، فيَلزم معرفتها والتطبيق الحرفي لها ، والإعتماد عليها .. لا على النظريّات التي تَشكو من عدم النُضج.

النقطة الثالثة : إن نظرية « كراهة الزواج من الأقارب » وصلت إلينا مِن بلاد الغرب ، وهي تعتمد ـ أولاً وأخيراً ـ على التجارب التي أجريَت في المجتمعات الغربيّة فقط. فلعلّ هناك أسباباً أخرى تورث التعوّق إجتمعت ـ عندهم ـ مع عامل الزواج من الأقارب ، فسبّبت ـ معاً أو لوحدها ـ التشوّه والإعاقة.

والأسباب الأخرى هي مثل :

الممارسة الجنسية بعد شُرب الخمر وفي حالة السكر.

أو تكوّن النطفة من لحم الخنزير ، أو بعض الحيوانات أو الأسماك التي حرّم الله تعالى أكل لحومها.

أو إنعقاد النطفة بعد الإسراف في عدد الممارسات الجنسية.

أو الإهمال الكامل لجميع الإرشادات الدينيّة المرتبطة باللحظات الأولى لتكوّن الجنين. وما أشبه ذلك من الأسباب الأخرى.

٧٨

__________________

فهنا ينبغي عدم مُقايسة المجتمع الغربي مع المجتمعات الإسلاميّة النظيفة ـ بالكامل أو بنسبةٍ ما ـ عن الخمر والخنزير ، والأجواء المُثيرة لغريزة الجنس ، والغفلة عن تعاليم السماء.

وينبغي ـ أيضاً ـ البحث لإكتشاف السبب الرئيسي للتعوّق ، والقيام بتجارب علميّة .. مع الأخذ بعين الإعتبار لتعاليم السماء. وتجنّب الخلط بين المفاهيم والأمور ، والأسباب والمسبّبات.

قل للذي يَدّعي في العلم فلسفةً

حفِظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ

النقطة الرابعة : يؤسفُنا أنّ بعض المثقّفين من المسلمين ـ الذين يتقبّلون نظريّات الغرب تقبّلاً غير واع ـ يُشجّعون على ترك الزواج من الأقارب بشكل عام ، وهم في جهل أو غفلة عن الأضرار الناتجة من ذلك ، ففي الزواج من غير الأقارب توجد ـ غالباً ـ الفروق والإختلاف في العادات والتقاليد والأجواء والأخلاق ، والجهل بنفسيّة الطرف الآخر وحقيقته ، وهذه الفروق تكون ـ غالباً ـ سبباً رئيسيّاً لِخَلق ارضيّة النزاعات ، وإيجاد جُذور الإختلافات ، وبُروز طبقة من البرود المؤسف الذي يخيّم على العلاقات الزوجيّة والعائليّة. وتكون ـ في النهاية ـ بمنزلة المِعوَل الهدّام لإضعاف أسس الأسرة السعيدة ، ومَنع تكوّن الإنسجام المطلوب بين الزوجين.

٧٩

__________________

النقطة الخامسة : هناك بعض العشائر والعوائل التي تعيش في حالة مؤسفة مٍن التنافر والتفكّك الأُسَري ، بسبب ابتعادها عن أخلاقيّات الدين ، وعدم رُضوخها لتعاليم الاسلام المُرتبطة بتركيبة حياة البشر. وفيها يَشِبّ الأطفال على الأحقاد ، وعلى بُغض الأعمام والعَمّات والأخوال والخالات ، وغيرهم مِن أفراد العشيرة ، وتعيش هذه الأُسَر ـ أحياناً ـ مُنغَلقة على نفسها ، فلا تَزاور ولا تعاون ولا صلة أرحام ، ولا وُدّ ولا صفاء.

فإن كانت بعض العوائل تُعاني من هذه الظاهرة المؤسفة ، فلا يعني ذلك أنّها تتصوّر وجود نفس التفكّك في العشائر الأخرى ، وتَقيس بنفسها جميع العوائل ، وبذلك تَضُمّ صوتها إلى مَن يرفع لوحة ( كراهة الزواج من الأقارب .. بصورة عامّة ).

النقطة السادسة : حينما نُلقي نظرة فاحصة على المجتمعات الإسلامية المعاصرة نجد عشرات الملايين من الأفراد الذين تزوّجوا من أقاربهم ـ كابن العَم وبنت العَم ـ ولم يحصل في نَسلهم تَعوّق أو هُزال أو غَباء ، أو مرض يكون قد انتقل إليهم بسبب زواج والديهم من الأقارب.

النقطة السابعة : إنّنا حينما نُلاحظ تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام نَجد أنّ الزواج من الأقارب كانت ظاهرة منتشرة جدّاً في حياتهم

٨٠