زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

السيد محمد كاظم القزويني

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

المؤلف:

السيد محمد كاظم القزويني


المحقق: السيد مصطفى القزويني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الغدير
الطبعة: ١
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: ٦٩٤
٦٢١

بعض ما قيل فيها من الشعر

هناك أسباب وعوامل متعدّدة كان لها الدور الكبير في إثارة مشاعر وعواطف الشعراء ، وتَفَتُّح قرائحهم ، لكي ينظموا القصائد الرائعة في مدح ورثاء السيدة زينب عليها‌السلام.

فمِن جملة تلك الأسباب :

١ ـ الشعور بالمسؤولية تجاه نصرة آل الرسول الكريم.

٢ ـ إزدحام الفضائل ، وتجمّع موجبات العظمة والجلالة في شخصيّة السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام.

٣ ـ الشعور الإنساني بالإندفاع لنصرة المظلوم.

إنّ هذه الأسباب ـ وغيرها ـ جعلت الشعراء يحومون حول هذه الشخصية العظيمة ، لكي تجول أفكارهم على مسرح الخيال والتصوّر ، تمهيداً للوصف ولصياغة المعاني في

٦٢٢

قوالب الكلمات ، وصَبغها بطابع الشعر والأدب.

إنّ العواصف والأعاصر العاتية التي عصفت بحياة السيدة زينب عليها‌السلام حفّزت في الشعراء شعور القيام بنصرة المظلوم ، ليقوموا بواجبهم الإنساني والإسلامي تجاه ثاني أعظم سيدة من سيدات نساء التاريخ ، وليُلَبّوا نداء ضمائرهم في نصرة أخيها سيد المظلومين الإمام الحسين عليه‌السلام.

إنّ هؤلاء الشعراء الشرفاء سجّلوا أسماءهم في قائمة الذين نصروا أهل البيت النبوي ، ونالوا شرف خدمة آل الرسول الطاهرين ، فمدحوا مَن مدحهم الله تعالى في قرآنه المجيد ، ورَثَوا مَن بكت عليه الأرض والسماء ، والملائكة والأنبياء ، وحيتان البحار وطيور الفضاء!

وإليك بعض ما قيل من الشعر في السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام :

٦٢٣

قصيدة في ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى ( سلام الله عليها ) للشاعر الأديب السيد محمد رضا القزويني (١) :

وُلدتِ كما يُشرقُ الكوكب

فأُمٌّ تُبـاهـي ويَزهـو أبُ

علـيٌ وفاطمـةٌ انجَبـاكِ

عَيناً من الخيـر لا يَنضبُ

وجاءا بكِ جَدّكِ المصطفى

ليختـار لاسمكِ ما يُعجِبُ

__________________

١ ـ السيد محمد رضا بن العالم الجليل المجاهد السيد محمد صادق القزويني ، ابن عمّ مؤلّف هذا الكتاب. شاعر لامع ، وأديبٌ بارع ، يجري في دمه حبّ أهل البيت الطاهرين عليهم‌السلام.

وُلِدَ في تاريخ ٢٠/٨/١٩٤٠ م ، بدأ نظم الشعر مع بداية مرحلة المراهقة ، يتميّز شعره بمميّزات منها : قوّة المعنى وروعة الإبداع ، وجمال الإبتكار ، ونكهة الإخلاص.

له ديوان شعر مخطوط ، جمَعَ فيه ما نظمه حول النبي الكريم وآله المعصومين ( سلام الله عليهم أجمعين ).

وقد نظم هذه القصيدة في سوريا بمناسبة ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام عام ١٤١١ هـ الموافق لسنة ١٩٩٠ م.

٦٢٤

فقال : ولَستُ ـ كما تَعلَمـا

نِ ـ أسبـقُ ربّي بما يَنسِبُ

وهـذا أخي جبرئيـل أتـى

بـأمـرٍ مـن الله يُستَعـذبُ

يقـول إلهك ربّ الجـلال :

تـقبّلتهـا و اسمهـا زينـب

وكفّـلتهـا بأخيها الحسيـن

ويـومٍ يَعُـزّ بـه المَشـرَبُ

لِتَحمـلَ أعبـاءَه كالليـوث

فيَسـري بأطفاله المَـركَـبُ ءَ

أُسارى إلى الشام من كربلا

وسوطٌ على ظهرهم يلهَبُ

* * * *

أقائـدةَ الركـب يـا زينب

تَغَنّى بكِ الشـرق والمغربُ

خَطبـتِ فدوّى بسمع الزما

ن صوتٌ إلى الآن يُسترهَبُ

أخاف الطغاة على عرشهم

فظنّوا عليّـاً بـدا يخطـبُ

وأسقطتِ قبل فناه يزيد (١)

وضـاق على رأيه المَذهبُ

ووَلّـت أميّـة مدحـورة

ومـا ظل ذكـر لهم طيّبُ

وأنـتِ التي كُنتِ مأسورةً

وما لكِ في الشام مَن يُنسَبُ

لكِ اليوم هذا الندى والجلا

ل مثالاً لأهل النُهى يُضرَبُ

وقبـرٌ يطـوف به اللائذو

نَ رَمـزاً و ما عنده يُطلَبُ

منـاراً يَشِـعُّ بأفق السماء

فيُعـلِنُهـا : هـذه زينـب

__________________

١ ـ فناه : أي قبل فنائه وهلاكه.

٦٢٥

وللسيد محمد رضا القزويني قصيدة أخرى يقول فيها :

تتـراءى لـه الأُسـارى فتَبـدو

زينـب أمسَكـت بطفـلٍ يتيـم

وهي تَرعى الرؤوس فوق رماحٍ

طابَ منها النجوى لأختٍ رَؤومِ (١)

حَمَلَتهـا مـن كربلاء و قالت :

يـا سماء اهتدي بهذي النجـومِ

إنّـهـا مـن محمـدِ وعـلـيّ

قَدّمتهـا البتـول فـي تكـريـمِ

وسياطُ الأعداء لم تَمنَـعِ الأختَ

وداع الـحسيـن بيـنَ الجسـومِ

هُرعَـت و الخيـام مُشتعـلاتٌ

تتحَـرّى الأطفـال بين الرميـم

رَفَعـت رأسهـا إلـى الله تشكو

فأتـاها الجـواب عبـر النسيـم

جـدّكـم أسَّسَ القواعـد للبيـتِ

وإسمـاعيـل ذبـحُ الحُـلـومِ

__________________

١ ـ رَؤوم : مُشتقّ مِن المحبّة والعَطف ، قال الفيروز آبادي ـ في القاموس ـ : رَئمت الناقة وَلَدها : عطَفت عليه ، فهي رائمة ورؤوم.

٦٢٦

وانتَهـت فيكم النبـوّة والبيتُ

ومـا في السِتـار والمعلومِ

ورأى الله في الحسينِ عظيماً

فـافتدى دينَه بذبـحٍ عظيمِ

٦٢٧

وللشاعر الحسيني اللامع ، المرحوم الحاج محمد علي آل كمّونة ( رضوان الله عليه ) (١) قصيدة نَقتَطفُ منها الأبيات التالية :

لـم أنسَ زينبَ بعد الخِدر حاسرةً

تُبـدي النيـاحة ألحاناً فألحانـا

مَسجـورة القلـب إلا أنّ أعينَهـا

كالمُعصرات تصُبّ الدمع عقيانا (٢)

__________________

١ ـ الحاج محمد علي آل كمّونة الأسدي الكربلائي ، شاعرٌ بليغ ، وأديب فصيح ، كان من الشعراء المتألّقين في عصره ، والأدباء اللامعين بين أقرانه وزملائه ، إستعمل قريحته الشعريّة ـ بنسبة كبيرة ـ في خدمة النبي وآله الطاهرين ، وله قصائد كثيرة في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين عليه‌السلام ، مِن مميّزات شعره : طابع الشِجاوة ، ونكهة الإخلاص ، وسلاسة التعبير.

عند التأمّل في ديوان شعره نجد أنّ أشعاره تهزّ المشاعر والعواطف مِن الأعماق ، وتَنقل ذهن القارئ إلى أجواء الحرب والقتال.

وللمُميّزات المتوفّرة في شعره ـ ونخصّ منها : كونه شجيّاً ـ تَهافَتَ خطباء المنبر الحسيني على قراءة أشعاره في بداية ونهاية مجالسهم ومحاضراتهم الحسينيّة.

له ديوان مطبوع ، جُمعَ فيه بعض أشعاره.

ولد سنة ١٢٠٢ هـ ، وتوفّي سنة ١٢٨٢ هـ ، ودُفنَ في حرم الإمام الحسين عليه‌السلام.

٢ ـ عِقياناً. العِقيان : الذهب الخالص. شَبّه الشاعر قطرات دموعهنّ الصافية الغالية بحَبّات الذهب الخالص من الشوائب.

٦٢٨

تـدعـو أبـاها أميـر المؤمنين ألا

يـا والدي حَكمَـت فينـا رَعايانا (١)

وغـابَ عنّـا المُحامي والكفيلُ فمَن

يَحمي حِمانـا و مَن يُؤوي يَتامانا

إن عَسعَسَ الليل وارى بَـذلَ أوجُهنا

وإن تَنفّـس وجه الصبـح أبدانا

نـدعـوا فلا أحدٌ يَصبوا لِدَعوتِنا (٢)

وإن شكَونـا فلا يُصغى لِشَكوانا

قُـم يا عليّ فما هـذا القعود ومـا

عهدي تَغُضّ علـى الأقذاء أجفانا

عَجّـل لعلّك مِـن أسـرٍ أضَرّ بنـا

تَفُكّنـا أو تَوَلّـى دفـن قتـلانـا

وتَنثَني تـارةً تـدعـو عشيرتهـا

مِن شيبة الحمـد أشيـاخـاً وشُبّانا (٣)

__________________

١ ـ رعايانا. رعايا ـ جمع رعيّة ـ : عامّة الناس الذين عليهم راع وحاكم ، يُدبّر أمورهم ويَرعى مصالحهم.

٢ ـ يَصبو : يميل ويَحِنّ. وفي نسخة : « نَدعوا فلا أحد يَرنو لَدَعوتنا ».

٣ ـ شَيبَة الحَمد : هو عبد المطلب بن هاشم ، جدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٦٢٩

قوموا غِضاباً مِن الأجداث وانتَدبوا

واستَنقِـذوا مِن يَد البَلوى بٌقايانا (١)

وله قصيدة أخرى يقول فيها :

ولَئن نسيتُ فلَسـتُ أنسى زينبـاً

ودوام مِحنتهـا وطـول عنـائهـا

حَمَلت مِن الأرزاء ما أ عيا الورى

حَمـلَ اليسير النَزر مِـن أعبائهـا

عن كَربها و بَلائها سَـل كربـلا

سَـل كربلا عـن كربها و بلائهـا

طَـوراً على القتلى تنوح وتـارةً

تحنـو محافظـة علـى أبـنائهـا

وتطوف حـول حمىً أباد حُماته

صَرفُ الرَدى وأبـاحَ هَتكَ نسائها

مَـن مُبلغٌ عنّـي سرايـا هاشـم

خَبَـراً يَـدُكّ الشمّ مـن بَطحائهـا

سُبيَت ، و أعظم ما شَجاني غَيرةً

ـ يا غيرة الإسلام ـ سَلبُ رِدائها

و وقوفهـا فـي مجلـسٍ جُلاسُه

أهوى بهـا الشيطـان في أهوائها (٢)

__________________

١ ـ المصدر : ديوان ابن كمّونة ، طبع قم ـ ايران ، عام ١٤١١ هـ ص ٩٥. ورياض المدح والرثاء ، للشيخ حسين البحراني ، طبع ايران ، عام ١٤٢٠ هـ ص ٦٤٨.

٢ ـ ديوان ابن كمونة ، ص ٣.

٦٣٠

وله ( رضوان الله عليه ) شعرٌ آخَر يُخاطب فيه الإمام الحسين عليه‌السلام بقوله :

وأمسَيـتَ رَهنَ الحادثات و أصبَحت

نساؤك بعد الصَون بينَ الأجـانب

حَيـارى يُـردِّدنَ النُـواح سَواغبـاً

عُطاشى فلهفي للعُطاشى النـوادب

ومِن بينها مأوى البَليّات رَبّة الرزيّـ

ـات حَلفُ الحُـزن أمّ المصـائب

فَـريسـة أفـواه الحـوادث زينـبٌ

ومَنهـبُ أنيـاب الرَدى والمَخالبِ

تُنـادي وقـد حَـفّ العـدوّ برحلها

وتَهتـِف لكن لم تَجد مِن مُجاوبِ

فمَن مُبلغٌ عنّي الرسـول و حيـدراً

وفاطمة الزهراء بنـت الأطـائبِ

بأنـّا سُبينـا ، والحسيـنُ عمـادُنا

غدا موطئـاً للعـاديات الشَوازِب (١)

__________________

١ ـ الشوازب ـ جمع شازِب ـ : الخَيل الغَضبان ، الذي يُسرع في ركضه للغارة والهجوم. كما يُستفاد من كتاب « العَين » للخليل بن أحمد.

٦٣١

ويُسرى بنـا نحو الشام فـلا سَقَت

معـاهد أرض الشام جونُ السحائب

ونُهدى إلى الطاغي يزيد نتيجة الـ

ـدَعـيّ ابـن سفيان لَئيم المَناسِب

ويَنكُتُ ظلماً بالقضيـب مَراشفـاً

تَرشّفهـا المختار بيـن المُصاحبٍ (١)

وله قصيدة أخرى يَصفُ ـ فيها ـ مصيبة الهجوم على مُخيّمات الامام الحسين عليه‌السلام ومنها قوله :

حُمـاةٌ حَمَـوا خـِدراً أبى الله هَتكهُ

فعَـظّمـه شـأنـاً وشَـرّفه قَـدرا

فأصبـح نَهبـاً للمغـاويـر بعدهم

ومنه بنات المصطفى أُبرزت حَسرى

يُقنّعها بالسوط « شمرٌ » فـإن شكَت

يؤنّبهـا « زَجـرٌ » ويوسِعُهـا زَجرا

نـوائـح إلا أنّـهـنّ ثـواكــلٌ

عـواطـش إلا أنّ أعينهـا عَبـرى

____________

١ ـ ديوان ابن كمّونة ، ص ١٢ ـ ١٣.

٦٣٢

يَصـون بيُمنـاها الحَيا ماء وَجهها

ويَستُرهـا إن أعوزَ السِتـر باليُسرى

وقُل لسـرايـا شيبة الحمد ما لكم

قعدتم وقـد سـاروا بِنسـوتكم أسرى

وأعظمُ ما يُشجـي الغَيور دخولها

إلـى مجلس مـا بارح اللهو والخَمرا

يُقـارعهـا فيـه يـزيـد مَسَبّـةً

ويَصـرفُ عنها وجهه مُعرِضاً كِبرا

ويَقـرَعُ ثَغـرَ السبـط شُلّت يمينه

فأعظـم به قَرعـاً وأعظِـم به ثَغراً

أينكُـتُ ثَغراً طَيّـبَ الدهـر ذِكرَه

وما بـارَح التسبيـح والحمد والشُكرا(١)

__________________

١ ـ ديوان ابن كمّونة ، ص ٥٨ ـ ٦٠.

٦٣٣

وللعالم الجليل الشيخ جعفر النقدي (١) قصيدة نختار منها هذه الأبيات

يا دهرُ كُفّ سِهام خطبك عن حشىً

لـم يَبـقَ فيهـا موضعٌ للأسهم

في كـلّ يـوم للنوائـب صـارمٌ

يَسطو على قلبي ويَقطر مِن دمي

وأبيتُ والأرزاء تَنهـشُ مُهجَتـي

نَهشاً يهونُ لديـه نَهـشٌ الأرقم (٢)

__________________

١ ـ الشيخ جعفر بن الحاج محمد بن عبد الله التقي الربعي ، المعروف بـ « النقدي » ، : عالم خبير مُتبحّر ، وأديب واسع الإطّلاع ، له مؤلّفات كثيرة تَشهَد له بغَزارة العلم والأدب ، وُلِد في مدينة العمارة بالعراق سنة ١٣٠٣ هـ ، هاجر إلى مدينة النجف الأشرف ، ودَرسَ فيها حتّى بلغ مرتبة عالية من العلم والثقافة.

شَغَل منصِبَ القضاء في مسقط رأسه ( العمارة ) حوالي عشر سنوات.

أمّا شعره : فهو مِن الطبقة الممتازة ، وأكثر شعره في مدح أهل البيت عليهم‌السلام.

توفّي ( رضوان الله عليه ) بتاريخ ٩/محرم/١٣٧٠ هـ ، إقتطفنا ترجمة حياته من كتاب ( أدب الطف ) للخطيب السيد جواد شبّر ، ج ١٠ ص ٨.

٢ ـ الأرقَم : أخبَثُ أنواع الحَيّات ، وأطلَبُها للناس ، أو : ما في لونه سَواد وبَياض ، أو : ذكرُ الحيات .. والأنثى رَقشاء. كما في كتاب القاموس المحيط للفيروز آبادي.

٦٣٤

أوَ كـان ذَنبـي أنّنـي مُتمسـّكٌ

بالعـروة الوثقـى التي لم تُفصَمِ

آل النبي المصطفـى مَـن مَدحُهُم

وردي وفيهـم لا يـزالُ تـَرنّمي

وإلى العقيلة زينب الكبرى ابنة الـ

ـكرّار حيـدر بالـولايـة أنتَمي

هي رَبّة القَدر الرفيـع رَبيبـة الـ

ـخِدر المنيع وعِصمةُ المستَعصِم

مَن فـي أبيهـا الله شَـرّفَ بيتـَه

وبجَدّها شَرَفُ الحطـيمِ وزَمـزَمِ

مَن بيتُ نشأتها بـه نـشأ الهـدى

وبـه الهـدايـة للصـراط الأقوم

ضُربَت مَضاربُ عِزّها فوق السُها

وسَمَت فضائلهـا سُمـوّ المـرزمِ (١)

فَضلٌ كشمس الأفق ضاء فلو يشأ

أعـداؤها كتمـانَـه لـم يُكـتَـمِ

كانت مَهابتُـها مَهـابة جـدّهـا

خيرِ البـريّة والرسـول الأعـظم

__________________

١ ـ المِرزَم : السحاب الذي لا ينقطع رَعده. كما في « لسان العرب ».

٦٣٥

كانـت بلاغتُها بلاغة حيدر الـ

ـكـرّار إن تَخطب وإن تتكلّمِ

قد شابَهَت خيـر النسـاء بهَديها

ووقارها وتُقىً وحُسـنِ تـكرّمِ

ومُقيمةَ الأسحار فـي مِحـرابها

تَدعو وفي الليل البَهيم المُظلـم

شَهِدِت لها سُوَر الكتـاب بأنّهـا

مِن خير أنصار الكتاب المُحكمِ

زَهِدَت بدُنياها وطيـب نَعيمهـا

طلَباً لمرضات الكريـم المُنعـم

وتَجرّعت رَنقَ الحيـاة وكابَدَت (١)

مِن دَهرها عيشاً مريـرَ المطعمِ

فأثابهـا ربّ السمـاء كـرامةً

فيها سوى أمثالهـا لـم يُـكرمِ

فلَها ـ كما للشافعين ـ شفاعة

يوم الجزاء بها نجـاة المجـرم

بَلغت من المجد الموثّل موضعاً

ما كـان حتى للبتـولة مريـم

__________________

١ ـ رَنقَ الحياة : كدَرّ الحياة ، يُقال : رَنَقَ عَيشُه : أي كَدِرَ.

٦٣٦

كـلا ولا لِلطُـهـر حـَوّا أو لآ

سيـةٍ وليس لأختِ موسى كلثَمِ

هذي النساء الفُضلَيات وفي العُلا

كـلٌ أقامـت فـي مقامٍ قَيّـمِ

فاقَـت بـه كـلّ النسـاء ، ورَبّها

في الخُلد أكرَمَهـا عظيم المَغنَمِ

لكنّ زينـب في عُـلاها قد سَمَت

شَـرَفاً تأخّـر عنـه كلّ مقدّمِ

في عِلمِهـا وجمـالهـا وكمـالها

والفضل والنَسَبِ الرفيع الأفخمِ

مَن أرضَعَتهـا فاطـمٌ دَرّ العـُلى

مِن ثديها فَعَنِ العلـى لم تُفطِمِ

عن أمّها أخـذت علوم المصطفى

وعلوم والدهـا الوصيّ الأكرم

حتى بهـا بلغـت مقامـاً فيه لَم

تَحتَـج لِتَعـليـمٍ ولا لمعـلّـمِ

شَهِـد الإمـام لها بـذاك وأنّهـا

بعد الإمام لهـا مقـام الأعلـم

ولهـا بيوم الغاضـريّـة موقفٌ

أنسى الزمان ثَبات كلّ غَشَمشَمِ

٦٣٧

حَمَلَـت خطـوباً لو تَحَمّل بعضَها

لانهـارَ كـاهـل يذبلٍ ويَلَملَـمِ

ورأت مُصابـاً لـو يُلاقي شَجوَها

العَذبُ الفرات كسـاه طعم العَلقمِ

في الرُزء شاركـت الحسين وبعده

بَقِيـت تـُكافـح كلّ خطبٍ مؤلم

كانـت لنسوتـه الثـواكل سلـوةً

عُظمـى وللأيتـام أرفـَقَ قـَيّمِ

ومُصابها فـي الأسـر جَدّد كلّما

كانت تُقاسيـه بعـشـر محـرّمِ

ودخـول كـوفـانٍ أبـاد فؤادها

لكن دخول الشـام جـاء بأشـأمِ

لم أنسَ خُطبتهـا التـي قَلَمُ القَضا

في اللوح مثل بيانهـا لم يُـرقـمِ

نَزلت بها كالنار شـبّ ضـرامها

في السامعين ، من الفؤاد المُضرَمِ

جاءت بهـا عَلَويّـةً وقعـت على

قلب ابن ميسـونٍ كوقـعِ المِخذَم

٦٣٨

أوداجه انتَفَخت بها فكأنّما

فيها السيوف أصبنّه في الغلصمِ (١)

* * * *

أشقيقـة السبطيـن دونـك مدحةً

قِسّ الفَصاحة مِثلَهـا لم يَنـظمِ

تمتـاز بالحـق الصـريح لو أنّها

قيسَت بشعر البُحتـري ومسلـمِ

يَسلو المحبّ بها وتطعـن في حَشا

أعداء أهل البيـت طعـن اللهذم (٢)

بيَميـن إخلاصـي إليك رَفعتُهـا

أرجو خلاصي من عذاب جهنّمِ

وعليكِ صلـى الله ما رُفعـَت له

أيدي مُحِـلٍّ بالدعـاء ومحـرِمِ

__________________

١ ـ الغَلصَم : رأس الحُلقوم. كما في « لسان العرب ».

٢ ـ اللّهذم : سيفٌ لَهذم : أي حادّ ، وقيل : كل شيء قاطع .. مِن سيف أو سنان. « لسان العرب »

٦٣٩

رغم كثرة ما قيل من الشعر في مدح ورثاء آل رسول الله الطاهرين .. فإنّ قصائد السيد حيدر الحلّي لا زالت متألّقة ومتفوّقة في سماء الشعر والأدب ، فقوّة التعبير ، وجمال الوَصف ومميّزات أخرى تجعل الإنسان حائراً أمام هذا المستوى الرفيع من الشعر ، والبيان الساحر ، والصياغة الرائعة الفريدة!

ولا عَجَبَ من ذلك ، فقد كتبوا عن هذا الشاعر العظيم أنّه ـ رغم مواهبه وثقته بنفسه وشعره ـ كان يُجري على بعض قصائده لَمَسات فاحِصة ، يقوم خلالها بالتغيير والتعديل والتجميل ، ويَستمرّ على هذا المنوال مدة سنة كاملة ، ولذلك جاء التعبير عن بعض قصائده بـ « الحَوليّات »!! (١)

أمّا شعره عن السيدة زينب الكبرى :

فالجدير بالذكر أني قرأت ( ديوان السيد حيدر الحلي ) ولم أجِد فيه التصريح باسم السيدة زينب عليها‌السلام رغم أنّه يتحدّث عنها وعن مصائبها الأليمة في كثير من قصائده الحسينيّة الرائعة!

فكأنّ التَهيّب والحياء ورعاية الأدب في السيد ، وجلالة

__________________

١ ـ السيد حيدر بن السيد سليمان الحلّي ، وُلدَ في مدينة الحلة بالعراق سنة ١٢٤٦ هـ ، وتوفّي سنة ١٣٠٤ ، كان عالماً جليلاً ، وشاعراً مُجيداً ، وكان سيّد الأدباء في عصره.

٦٤٠