زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

السيد محمد كاظم القزويني

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

المؤلف:

السيد محمد كاظم القزويني


المحقق: السيد مصطفى القزويني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الغدير
الطبعة: ١
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: ٦٩٤

وآله وسلم ) الذي تأدّب بأدب الله ( عز وجل ) ـ ويقول : « أدَّبَني رَبّي فأحسن تأديبي » ـ يقول : « الحلالُ : ما أحلّه الله ( عز وجل ) في القرآن الكريم وبيّنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل : البيع والشراء ، وإقام الصلاة في أوقاتها ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت لمن استطاع سبيلا ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وترك الكذب والنفاق والخيانة.

والحرام : ما حرّمه الله ( عز وجل ) وذكره في القرآن الكريم وبيّنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحرام نقيضُ الحلال.

وأمّا الشبهات : فهي أمور لا يُعلَمُ حلالها وحرامها ، والمؤمن إذا لم يَعلم الشيء أنّه حلال أو حرام ، وكان يرجو سعادة الدنيا والآخرة ، فعليه أن لا يَتبَع الشُبُهات فالشبهات تَجُرّه إلى المُحرّمات ».

فقال لها الإمام الحسن عليه‌السلام : « زادَكِ الله كمالاً ، نعم .. إنّه كما تقولين ، إنّكِ حَقّاً من شجرة النبوة ومِن معدن الرسالة ».

٤ ـ وروى أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي ، قال : كانت زينب بنت علي عليهما‌السلام تقول : « مَن أراد أن لا يكون الخَلقُ شُفعاءه إلى الله فليحمده ، ألم تسمع إلى قولهم :

٥٨١

« سمع الله لِمَن حمده » فَخِف الله .. لقُدرته عليك ، واستحِ منه لقُربه منك ». (١)

٥ ـ ورُويَ عن السيدة زينب عليها‌السلام أنّها قالت : « إنّ جدّي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شَرَّع لنا حُقوقاً لأزواجنا كما شَرّع على الرجال حقوقاً مفروضة ». (٢)

٦ ـ ورُوي عنها عليها‌السلام ـ أيضاً ـ : يقول جدّي الرسول الكريم : « إذا صلّت المرأةُ خَمسَها ، وصامَت شَهرها ، وحَفَظت فرجَها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها : أُدخُلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئتِ ». (٣)

٧ ـ روَت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين عليهما‌السلام عن عمّتها زينب الكبرى عليها‌السلام أنّها قالت : رأيتُ أمّي فاطمة عليها‌السلام قامَت في محرابها ليلة جُمُعَتِها ، فلم تزل راكعة ساجدة ، حتى اتّضح عمود الصبح ، وسَمِعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ،

__________________

١ ـ كتاب « زينب الكبرى » للشيخ النقدي ص ٣٤ ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « بلاغات النساء » لإبن طيفور.

٢ ـ كتاب « عقيلة الطُهر والكَرم السيدة زينب » لموسى محمد علي ، وهو ينقل ذلك عن إبن الأنباري.

٣ ـ نفس المصدر.

٥٨٢

وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها شيء.

فقال لها أخي الحسين ـ ذات يوم ـ يا أُمّاه! لِمَ لا تَدعين لنفسكِ كما تَدعين لغيركِ؟!

قالت : بُنَي! الجارُ ثمّ الدار. (١)

٨ ـ ورُويَ عن السيدة زينب عليها‌السلام ـ أيضاً ـ أنّها قالت : كان آخرُ عهد أبي إلى أخَوَي عليهما‌السلام أنّه قال لهما : يا بنيّ إذا أنا متّ فغسّلاني ثمّ نشّفاني بالبُردة التي نُشِّف بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة ، وحَنّطاني وسَجّياني على سريري ، ثم انظرا حتى إذا ارتفعَ لكما مقدّم السرير ، فاحمِلا مُؤخّره.

قالت : فخَرجتُ أُشيّع جنازة أبي ، حتّى إذا كُنّا بظَهر الكوفة وقَدِمنا بظهر الغَري رُكزَ المُقدّم ، فوضعنا المُؤخّر ، ثمّ برزَ الحسن مرتدياً بالبُردة التي نُشِّفَ بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة وأمير المؤمنين عليهم‌السلام ثمّ أخذ المِعوَل فَضَرَب ضربَةً فانشقّ القبر عن ضريح (٢) ، فإذا هو بساجَةٍ (٣) مكتـوب عليهـا سطـران

__________________

١ ـ كتاب « رياحين الشريعة » للمحلاتي ، ج ٣ ، ص ٧٣.

المحقق

٢ ـ ضريح : لَحد : أي قبر جاهز.

٣ ـ ساجَة : قطعة من خشب مُعيّن. الساج : نوع من الشجر ،

٥٨٣

بالسريانية : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا قبرٌ حَفَره نوح النبي لعلي وصيّ محمد قبلَ الطوفان بِسَبعمائة عام. (١)

٩ ـ ورَوَت السيدة زينب عليها‌السلام ـ أيضاً ـ عن أُمّها السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها قالت : قال رسول الله ـ لعليّ عليه‌السلام ـ « أما إنّك يا علي وشيعَتُك في الجنّة ». (٢)

١٠ ـ ورَوى الإمام زين العابدين عن عمّته زينب عليهما‌السلام عن السيدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام أنّها قالت : « دَخَلَ عليَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ولادة إبني الحسين ، فناولتُه إيّاه ، ... ثم قال : خُذيه يا فاطمة! فإنّه إمـام إبنُ إمـام .. أبو الأئمّة التِسعـة ، مـِن صُلبه أئمّة أبرار ، والتاسع قائمهم ». (٣)

__________________

لا تَنبُتُ إلا ببلاد الهِند ، لا تُبليه الأرض .. حتى لو بَقِيَ تحت التُراب مدةً طويلة. كما يُستفاد من كتاب « مجمع البحرين » للطريحي.

المحقق

١ ـ كتاب « زينب الكبرى » للشيخ جعفر النَقدي ، ص ٣٧.

٢ ـ كتاب « الخصائص الزينبيّة » للسيد الجزائري ، ص ٩٢ ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « دلائل الإمامة » للطبري.

٣ ـ كتاب « كفاية الأثر » ، ص ١٩٣ ـ ١٩٤.

المحقق

٥٨٤

١١ ـ وقد نُسِبَ إلى السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام هذه الأبيات الشعرية :

تَمَسَّـك بالكتـابِ و مَـن تلاهُ

فأهل البيتِ هـم أهل الكتـاب

بهـم نَزَلَ الكتـابُ وهـم تَلَوهُ

وهم أهـل الهداية للصـوابِ

إمامي وَحّـدَ الرحمـن طفـلاً

وآمنَ قبـلَ تشديـد الخطـاب

عليٌ كـان صِدّيـق البـرايـا

علـيٌّ كـان فاروق العـذاب

شَفيعي فـي القيامة عند ربّـي

نَبيّـي و الوَصيّ أبـو تـرابِ

وفـاطمةُ البَتـول وسيّـدا مَن

يُخلَّدُ فـي الجنـان من الشباب

علـى الطـف السلام وساكنيه

ورَوح الله فـي تلـك القُبـاب

نُفوس قُدّسَت في الأرض قِدماً

وقد خَلُصت من النطف العذاب (١)

__________________

١ ـ وفي نسخة : وقد خُلِقَت من النطف العذاب.

٥٨٥

مَضاجـع فِتيـةٍ عبدوا فناموا

هجوداً في الفَدافِد والشِعـاب

عَلَتهُـم في مضاجعهم كعابٌ

بـأوراقٍ مُنَعّمـة رِضـاب

وصُيّرتِ القبور لهم قُصوراً

مَنـاخـاً ذات أفنيةٍ رِحـاب

لَئـن وارتهُم أطبـاق أرضٍ

كمـا أغمَدتَ سيفاً في قِراب

كأنمـارٍ إذا جاسـوا رَواضٍ

وآسـادٍ إذا ركبوا عصـاب

لقـد كـانوا البحار لِمَن أتاهم

مـن العافين والهَلكى العطاب

فقد نُقلـوا إلى جَنّات عـدنٍ

وقد عيضوا النَعيم من العقاب

بَناتُ محمـدٍ أضحَت سبـايا

يُسَقنَ مع الأُسـارى و النهاب

٥٨٦

مُغبّـرة الذُيـول مُكشّفـاتٍ

كسَبـي الروم دامية الكِعاب

لَئن أُبرزن كُرها مِن حجاب

فَهُنّ مِن التعَفّف في حجاب

أيُبخَـلُ بالفُرات على حسينٍ

وقد أضحى مُباحـاً للكلابِ

فَلي قلبٌ عليـه ذو التِهـابٍ

ولي جَفنٌ عليه ذو انسكاب (١)

١٢ ـ ونَختِمُ هذا الفَصل بهذه المقطوعة التاريخيّة المُهمّة : لقد رُويَ عن السيدة حكيمة بنت الإمام محد الجواد عليهما‌السلام أنّها قالت : إنّ الحسين بن علي عليه‌السلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي عليهما‌السلام في الظاهر ، وكانَ ما يَخرجُ من علي بن الحسين من عِلمٍ يُنسَبُ إلى زينب سِتراً على علي بن الحسين عليهما‌السلام. (٢)

__________________

١ ـ كتاب « المُنتخب » للطريحي ، ج ٢ ، ص ٤٥٤ ، المجلس العاشر. وكتاب « أدب الحسين وحماسته » للصابري الهمداني ، ص ١٨١ ، نَقلاً عن التحفة الناصريّة.

المحقق

٢ ـ كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ، ص ١٣٨.

المحقق

٥٨٧
٥٨٨

الفصل العشرون

تاريخ وفاة السيدة زينب عليها‌السلام

السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام

٥٨٩
٥٩٠

تاريخ وفاة السيدة زينب عليها السلام

إنّ المشهور أنّ وفاة السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام كان في يوم الأحد مساء الخامس عشر من شهر رجب (١) ، مِن سنة ٦٢ للهجرة. (٢)

وهناك أقوال أخرى ـ غير مشهورة ـ في تحديد يوم وسنة وفاتها.

ولقد أهمل التاريخ ذكر سبب وفاتها!

أم أنّها قُتِلَت بسبب السُمّ الذي قد يكون دُسّ

__________________

١ ـ وهناك قول : بأنّها توفّيت مساء يوم الرابع عشر من رجب.

المحقق

٢ ـ كتاب « أخبار الزينبات » للعُبيدلي ، ص ١٢٢.

٥٩١

إليها من قِبَل الطاغية يزيد ، حيث لا يَبعُد أن يكون قد تمّ ذلك ، بسرّيةٍ تامّة ، خَفيَت عن الناس وعن التاريخ.

وعلى كل حال ، فقد لَحِقَت هذه السيدة العظيمة بالرفيق الأعلى ، وارتاحت من توالي مصائب ونوائب الدهر الخؤون.

لقد فارقت هذه الحياة بعد أن سجّلت إسمها ـ بأحرف من نور ـ في سجل سيدات النساء الخالدات ، فصارت ثانية أعظم سيدة من سيدات البشر ، حيث إنّ أمّها السيدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام هي : أولى أعظم سيّدة من النساء ، كما صرّح بذلك أبوها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : « وأمّا ابنتي فاطمة .. فهي سيدة نساء العالمين ، من الأوّلين والآخرين ». (١)

__________________

١ ـ كتاب « أمالي الصدوق » طبع بيروت ـ لبنان ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ص ٣٩٤ ، المجلس الثالث والسبعون ، حديث ١٨ ، ورُويَ ذلك أيضاً في كتاب « معاني الأخبار » للصدوق ، ص ١٠٧ ، وكتاب « عِلَل الشرائع » للشيخ الصدوق ـ أيضاً ـ وكتاب « الإختصاص » للشيخ المفيد ، طبع ايران ، ص ٣٧ وص ٩١.

كتاب « المستدرك على الصحيحَين » للحافظ الحاكم النيسابوري ، طبع بيروت ـ لبنان ، منشورات دار المعرفة ، ج ٣ ص ١٥٦.

٥٩٢

ويُقيم المسلمون الشيعة وغيرهم مجالس العزاء والمآتم ، في كلّ سنة ، حينما تمرّ عليهم هذه الذكرى الأليمة ، ويتحدّث الخطباء والشعراء في تلك المجالس والمآتم على الجوانب المختلفة لحياة هذه السيدة العظيمة ، وعن فصول حياتها المزدحمة بالفضائل والمكرُمات ، والمقرونة بالمصائب والنوائب.

وقد جاء في التاريخ : أنّه بعد مرور عام على وفاتها ، وفي نفس اليوم الذي تُوفّيت فيه السيدة زينب عليها‌السلام إجتمع أهل مصر .. جميعاً ، وفيهم الفقهاء وقرّاء القرآن وغيرهم ، وأقاموا لها مجلساً تأبينيّاً عظيماً بإسم ذكرى وفاتها ، على ما جرت به العادة ـ مِن إقامَةِ مَجلِس العَزاء والتَأبين بَعْدَ مُرور عام على وفاةِ الميّت ـ ومن ذلك الحين لم ينقطع إحياء هذه الذكرى إلى عصرنا هذا ، وإلى ما شاء الله ، ويُعبّر عن موسم إحياء هذه الذكرى ـ في مصر ـ بـ « المولد الزينبي » وهو يبتدأ من أول شهر رجب .. من كلّ سنة ، وينتهي ليلة النصف منه ، وتُحيى هذه الليالي بتلاوة آيات القرآن الحكيم ، وقراءة مدائح أهل البيت النبوي ، والتي يُعبّرون عنها بـ « التواشيح ».

٥٩٣

ويكون المجلس عظيماً جداً حيث يشترك فيه أهل مدينة القاهرة ، والمُدن المصريّة الأخرى .. حتى البعيدة منها ، ثم يدخلون إلى مرقدها الشريف ، للسلام عليها ، وقراءة سورة الفاتحة على روحها الزكية الطاهرة. (١)

__________________

١ ـ كتاب زينب الكبرى ، للشيخ جعفر النقدي ، وقد نقلنا ذلك بتصرّف منّا في بعض الكلمات.

المحقق

٥٩٤

مرقد السيدة زينب الكبرى

إختلفت الأقوال في مدفن السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام ومحلّ قبرها ، إختلافاً عجيباً. ونحن نستعرض تلك الأقوال ، ثم نقوم بتسليط الأضواء عليها ، كمحاولة لمعرفة القول الصحيح :

القول الأول : أنّها توفّيت في المدينة المنوّرة ، ودُفنت هناك.

القول الثاني : أنّها دُفنت في ضواحي مدينة دمشق في الشام.

القول الثالث : أنّها هاجرت إلى بلاد مصر ، وعاشت هناك حوالي سنة واحدة ، ثم توفّيت ودُفنت في مدينة القاهرة.

وقبل أن نَضَع هذه الأقوال الثلاثة على طاولة التشريح والمُناقشة نقول :

٥٩٥

أليس من أعجب الأعاجيب أن يختلف المؤرّخون في تاريخ وفاة السيدة زينب الكبرى ومكان دفنها ، مع الإنتباه إلى أنّها ثانية سيدة في أهل البيت النبوي المكرّم؟!

ففي ضاحية دمشق .. يوجد مشهد مُشيّد ، يقصده الناس من شتّى البلاد ، ويُنسب إلى السيدة زينب عليها‌السلام.

وفي القاهرة ـ أيضاً ـ مشهد عظيم يرتاده المِصريّون وغيرهم ، وهو يُنسَب إلى السيدة الزينب.

أجل ..

ولكن .. قد يزول هذا التعجّب ، بعد ما علمنا بالظلم الشامل والمستمرّ الذي ظلمه التاريخ لآل رسول الله الطاهرين .. رجالاً ونساءً! حيث إنّ أكثر الكُتُب التاريخيّة ـ الموجودة حالياً ـ مكتوبة بأقلام معادية لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويزول التعجّب ـ أيضاً ـ عندما نعلم بمحاربة أكثر الحكومات للكُتُب والمؤلّفات التي كانت تتحدّث عن أهل البيت عليهم‌السلام.

محاربتها للكتب عن طريق الإحراق والإتلاف والإبادة ، ثم محاربتها عن طريق عدم السماح بطبعها أو نشرها أو دخولها في البلاد الإسلاميّة!!

٥٩٦

دراسة القول الأول

لقد كان القول الأوّل : أنّها توفّيت في المدينة المنوّرة فدُفنت هناك.

ودليل هذا القول : هو أنّه ثَبَتَ ـ تارخيّاً ـ أن السيدة زينب وصلت إلى المدينة ودخلت إليها ، ولم يثبت خورجها من المدينة.

ونحن ـ في مجال توضيح هذا القول الأول ـ نذكُرُ كلام المرحوم السيد محسن الأمين ثم نعلّق عليه بعد ذلك.

كلام السيد الأمين

قال السيد محسن الأمين العاملي ما يَلي :

يَجبُ أن يكون قبرها في المدينة المنوّرة ، فإنّه لم يثبت أنها ـ بعد رجوعها للمدينة ـ خَرجت منها ، وإن كان (١) تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالبقيع ( مجهولاً ) ، وكم من أهل البيت أمثالها من جُهِلَ محلّ قبره وتاريخ وفاته ، خصوصاً النساء. (٢)

__________________

١ ـ وإن كان : أي حتّى لو كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها مجهولاً.

٢ ـ موسوعة أعيان الشيعة ، للسيد محسن الأمين ، الطبعة الحديثة عام ١٤٠٣ هـ ، ج ٧ ص ١٤٠.

٥٩٧

تعليق على كلام السيد الأمين

رغم أنّنا نُقدّر للسيد الأمين مكانته العلميّة ومؤلّفاته القيّمة ، ولكنّنا نقول :

إنّ التحقيق في القضايا التاريخيّة عام للجميع ، وليس وقفاً على إنسان معيّن ، فإذا كان السيد الأمين يقول بحُجّيّة الظن حتى في المسائل التاريخية ، فليست هذه المزية خاصّة به ، بل يجوز لغيره ـ أيضاً ـ أن يُبدي رأيه ، وخاصّة بعد الإنتباه إلى « حريّة الرأي » المسموح بها في هذه الأمور والمواضيع!

وعلى هذا الأساس .. فنحن نُناقشه في رأيه ونظريّته ، ونقول :

أولاً :

إنّه لا يوجد في المدينة المنوّرة ـ وفي مقبرة البقيع بصورة خاصّة ـ قبرٌ للسيدة زينب عليها‌السلام.

فكيف يُمكن أن يكون قبرها هناك ، ولم يعلم بذلك أحد؟!

مع الإنتباه إلى الشخصية المرموقة التي كانت للسيدة زينب في أسرتها ، وعند الناس جميعاً؟!

فهل ماتت في المدينة ولم يحضر تشييع جنازتها أحد؟!

ولم يشهد دفنها أحد؟!

٥٩٨

ولم يعلم بموضع قبرها أحد؟

ولم يتحدّث أحد من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عن هذا الموضوع المهم؟! وخاصّة الإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الصادق عليهم‌السلام.

ثمّ .. كيف ولماذا لم يُشاهد أحد من الأئمّة الطاهرين أو من شخصيّات بني هاشم .. عند قبرها؟!

وكيف لم يتحدّث واحد منهم عن زيارة قبرها ، أو عن تعيين موضع قبرها في المدينة؟! مع ما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول الثواب العظيم لزيارة قبرها. (١)

وما هي الدواعي لهذا الغموض والتعتيم عن سبب وتاريخ وفاتها ومكان دفنها .. حتى من رجالات أهل البيت؟!

فهل كانت هناك أسباب وحِكَم تَفرض إخفاء قبرها ، كما كانت ذلك بالنسبة إلى قبر والدتها السيدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام؟

أم أنّ هناك حقائق وأخباراً خَفيَت عنّا؟!

هذه أسئلة حائرة .. تجعلنا لا نوافق على القول الأوّل!

__________________

١ ـ وقد ذكرنا ذلك في ص ٣٥ مِن هذا الكتاب.

٥٩٩

ثانياً :

هناك أقوال تقول : إنّها خرجت من المدينة .. إلى الشام أو إلى مصر ، وهي تمنع من موافقتنا على القول الأوّل ، لأنّه معارض بقولين آخَرين .. لكلّ واحد منهما وثائقهما وأدلّتهما.

ثالثاً :

لَيتَ شعري هل يأذن لي السيد الأمين رحمه‌الله أن أسأله :

إن كانت السيدة زينب دُفنت في المدينة المنوّرة ، وكان المرقد الموجود في قرية الراوية في ضاحية دمشق قبر امرأة مجهولة النسب ، كما ادّعى ذلك السيد الأمين ، فلماذا دُفنَ السيد بعد وفاته عند مدخل مقام السيدة زينب بضاحية دمشق؟!

فهل كان ذلك بوصيّةٍ منه؟!

أم أنّ أولاده إختاروا لقبره ذلك المكان .. وهم يعلمون نظريّة والدهم حول ذلك المقام؟!

٦٠٠