الإصابة في تمييز الصحابة - ج ٢

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

الإصابة في تمييز الصحابة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

هكذا أورده من طريق سيف صاحب «الفتوح» ، عن محمد بن عبيد الله ، عن الحكم.

وقد وهّاه الخطيب في الموضح ، وقال : أجمع علماء السير أنّ ذا الشهادتين قتل بصفّين مع علي ، وليس سيف بحجة إذا خالف.

قلت : لا ذنب لسيف ، بل الآفة من شيخه وهو العرزميّ ، نعم ، أخرج سيف أيضا في قصة الجمل عن محمد بن طلحة أنّ عليا خطب بالمدينة لما أراد الخروج إلى العراق ... فذكر الخطبة ـ قال ، فأجابه رجلان من أعلام الأنصار : أبو الهيثم بن التّيّهان وهو بدري ، وخزيمة بن ثابت ، وليس بذي الشّهادتين ، ومات ذو الشهادتين في زمن عثمان.

وجزم الخطيب بأنه ليس في الصحابة من يسمّى خزيمة ، واسم أبيه ثابت سوى ذي الشهادتين. كذا قال] (١).

٢٢٥٨ ـ خزيمة بن ثابت السلميّ : يأتي في خزيمة بن حكيم.

٢٢٥٩ ز ـ خزيمة بن جزي (٢) : بفتح الجيم وكسر الزاي بعدها ياء ـ السلميّ.

له حديث في أكل الضّب والضّبع وغير ذلك أخرجه الترمذي ، وابن ماجة ، والباوردي ، وابن السّكن ، وقال : لم يثبت حديثه ، ورويناه في «الغيلانيات» مطوّلا ، ومداره على أبي أمية بن أبي المخارق ، أحد الضّعفاء.

٢٢٦٠ ـ خزيمة : بن جزيّ بن شهاب العبديّ (٣) :

ذكره أبو عمر ، فقال : يعدّ في أهل البصرة ، قال : وله حديث في الضّب. انتهى.

وإنما روى حديث الضبّ الّذي قبله.

٢٢٦١ ـ خزيمة : بن جهم بن عبد بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ العبدريّ (٤).

ذكر الزّبير بن بكّار أنه هاجر إلى الحبشة مع أبيه وأخيه عمرو. وأخرجه أبو عمر.

__________________

(١) سقط من أ.

(٢) الثقات ٣ / ١٠٨ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٩ ، الكاشف ١ / ٢٧٩ تقريب التهذيب ١ / ٢٢٣ ، الجرح والتعديل ٣ / ٧٤٥ ، تهذيب التهذيب ٣ / ١٤١ ، تهذيب الكمال ، خلاصة تذهيب ١ / ٢٨٩ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ٣٨٠ ، الطبقات ١٢٤ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢٠٦ التمهيد ١ / ١٦١ ، المشتبه ١٥٣ ، دائرة الأعلمي ١٧ / ١٦٩ ، بقي بن مخلد ٦٩٠ ، أسد الغابة ت (١٤٤٨) ، الاستيعاب ت (٦٦٧).

(٣) الاستيعاب ت (١٦٧) ، أسد الغابة ت (١٤٤٩).

(٤) أسد الغابة ت (١٤٥٠) ، الاستيعاب ت (٦٦٨).

الإصابة/ج٢/م١٦

٢٤١

ووقع في كتاب ابن أبي حاتم ، خزيمة بن جهم بن عبد قيس بن عبد شمس. قال :

وكان ممن بعثه النجاشيّ مع عمرو بن أمية.

كذا قال : والنفس إلى ما قاله الزبير أميل.

[ورأيت في كتاب الفردوس حديث. «النّفث في القلب متعلّق بالنّياط ، والنّياط عرق ...» الحديث ، ورواه خزيمة بن جهم ، ولم يخرج ولده سنده ، بل بيّض له.] (١)

٢٢٦٢ ـ خزيمة بن الحارث (٢) : مصري له صحبة ، حديثه عند ابن لهيعة ، عن يزيد. يعني ابن أبي حبيب ، هكذا ذكره أبو عمر مختصرا. وأظنه وهما نشأ عن تصحيف ، فقد تقدم خرشة بن الحارث ، ولو أن أبا عمر (٣) ذكر حديثه لبان لنا الصّواب.

٢٢٦٣ ـ خزيمة بن حكيم السلميّ (٤) : البهزي. ويقال ابن ثابت.

ذكره ابن شاهين وغيره ، وذكر ابن مندة أنه كان صهر خديجة أم المؤمنين.

وروى ابن مردويه في «التفسير» من طريق أبي عمران الجوني. عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر ، أنّ خزيمة بن ثابت ـ وليس بالأنصاريّ ـ سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البلد الأمين ، فقال : «مكّة».

ورواه الطّبرانيّ في «الأوسط» من هذا الوجه مطوّلا جدا ، وأوله أنه كان في عير لخديجة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : يا محمد ، إنّي أرى فيك خصالا ، وأشهد أنك النبي الّذي يخرج بتهامة ، وقد آمنت بك ، فإذا سمعت بخروجك أتيتك ، فأبطأ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى يوم الفتح فأتاه. فلما رآه قال : «مرحبا بالمهاجر الأوّل ..». الحديث. وقال : لم يروه عن ابن جريج إلا أبو عمران.

قال أبو موسى : رواه أبو معشر ، وعبيد بن حكيم ، عن ابن جريج ، عن الزهري مرسلا ، لكن قال خزيمة بن حكيم السلمي.

وكذا سماه ابن شاهين من طريق يزيد بن عياض ، عن الزهري ، قال : كان خزيمة بن حكم يأتي خديجة في كل عام ، وكانت بينهما قرابة ، فأتاها فبعثته مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فذكره مطوّلا في ورقتين. وفيه غريب كثير ، وإسناده ضعيف جدا مع انقطاعه.

ورويناه في «تاريخ» ابن عساكر من طريق عبيد بن حكيم ، عن ابن خريج مطوّلا

__________________

(١) سقط من أ.

(٢) أسد الغابة ت (١٤٥١) ، الاستيعاب ت (٦٦٩).

(٣) في أ : ولبان أبا عمر.

(٤) أسد الغابة ت (١٤٥٢).

٢٤٢

كذلك. وروى عن منصور بن المعتمر ، عن قبيصة عن خزيمة بن حكيم أيضا.

٢٢٦٤ ـ خزيمة : بن خزمة ـ بمعجمتين مفتوحتين ـ ابن عديّ بن أبي عثمان بن قوقل بن عوف الأنصاريّ الخزرجي (١) من القواقلة.

ذكر ابن سعد أنه شهد أحدا وما بعدها.

٢٢٦٥ ـ خزيمة : بن عاصم بن قطن ـ بفتح القاف والمهملة ـ ابن عبد الله بن عبادة بن سعد بن عوف العكليّ (٢) ـ بضم المهملة وسكون الكاف.

نسبه ابن الكلبيّ.

وذكره ابن قانع وغيره. وأخرج ابن شاهين من طريق سيف بن عمر عن البختريّ بن حكيم العكلي أنه قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم فمسح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجهه ، فما زال جديدا حتى مات ، وكتب له كتابا.

وروى ابن قانع من طريق سيف بن عمر أيضا ، عن المستنير بن عبد الله بن عدس ، أن عدسا وخزيمة وفدا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فولى خزيمة على الأحلاف ، وكتب له : «بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد رسول الله لخزيمة بن عاصم ، إنّي بعثتك ساعيا على قومك فلا يضاموا ولا يظلموا».

ذكره الرّشاطيّ في العكليّ ، وقال : أهمله أبو عمر.

٢٢٦٦ ـ خزيمة بن عبد (٣) عمرو العصريّ (٤) : بفتح المهملتين ـ العبديّ. ذكره ابن شاهين أنه أحد الوفد من عبد القيس. وسيأتي ذكره في ترجمة صحار بن العباس ، وأنه وفد مع الأشجّ فأسلم.

[٢٢٦٧ ـ خزيمة بن عمرو العصري : ذكره الرشاطيّ عن أبي عبيدة. وقد تقدم في جديمة ـ بالجيم] (٥).

٢٢٦٨ ـ خزيمة بن معمر الخطميّ (٦) :

__________________

(١) أسد الغابة ت (١٤٥٣) ، الاستيعاب ت (٦٦٥).

(٢) أسد الغابة ت (١٤٥٤).

(٣) من أ : خزيمة بن عمرو العصري.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٦ / ٨٥.

(٥) سقط من أ.

(٦) الثقات ٣ / ١٠٨ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٦٠ ، التحفة اللطيفة ٢ / ١٧ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ٣٨٠ ،

٢٤٣

ذكره البخاريّ وغيره في الصّحابة ، وقال البغويّ : لا أدري له صحبة أم لا.

وقال ابن السّكن : في حديثه نظر.

وروى هو وابن شاهين وغيرهما من طريق المنكدر بن محمد المنكدر ، عن أبيه ، عن خزيمة بن معمر الأنصاريّ ، قال. رجمت امرأة في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو كفّارة لذنوبها». قال ابن السّكن : تفرد به المنكدر ، وهو ضعيف.

قلت : وقد خالفه أسامة بن زيد. فرواه عن ابن المنكدر ، عن ابن خزيمة بن ثابت عن أبيه. وهذا أشبه وفيه اختلاف آخر.

٢٢٦٩ ـ خزيمة ، أو أبو خزيمة : في حديث زيد بن ثابت في الصحيح ، وسيأتي بسط ذلك في أبي خزيمة.

الخاء بعدها الشين

٢٢٧٠ ـ الخشخاش (١) : بمعجمات : ابن الحارث ـ وقيل ابن مالك بن الحارث بن أحنف ـ بمهملة ونون ، وقيل بمعجمة وتحتانية ـ وقيل خلف بن كعب بن العنبر بن عمرو بن تميم. وقيل : هو الخشخاش بن جناب ـ بجيم ونون ، وقيل بمهملة مضمومة ومثناتين. له صحبة ، وهو جدّ معاذ بن معاذ قاضي البصرة.

روى حديثه أحمد وابن ماجة بإسناد لا بأس به : قال : أتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعي ابن لي. فقال : «ابنك هذا»؟ قلت : نعم ، قال : «لا يجني عليك ولا تجني عليه». ويقال : إن اسم ولده مالك.

٢٢٧١ ـ الخشاش : بضم أوله وتخفيف المعجمة وآخره معجمة ـ ابن المفضل (٢) بن عائذ الحنظليّ.

__________________

بقي بن مخلد ٩٥٩ التاريخ الكبير ٣ / ٢٠٦ ، التاريخ الصغير ١ / ١٧٠ ، أسد الغابة ت (١٤٥٥) ، الاستيعاب ت (٦٦٤).

(١) أسد الغابة ت (١٤٥٦) ، الاستيعاب ت (٦٨٥).

الثقات ٣ / ١١٢ الكاشف ١ / ٢٧٩ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٦٠ ، تهذيب التهذيب ١ / ٢٢٣ ، الجرح والتعديل ٣ / ٨٤٠ ، تهذيب الكمال ١ / ٣٧١ ، خلاصة التذهيب ١ / ٢٩٨ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ٣٧٦ ، الأنساب ٥ / ١٣٥ الثقات ٤٢ / ١٧٨ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢٢٥ ، تاريخ ابن معين ٢ / ٤٧ ، الإكمال ٣ / ١٤٦ ، دائرة الأعلمي ١٧ / ١٧٣.

(٢) في أ : ابن الفضيل.

٢٤٤

روى حديثه خالد بن هياج ، عن حسان بن قتيبة بن الخشخاش بن عيسى بن المفضل (١) بن عائذ الحنظليّ ، وهو خاله حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه عيسى ، عن أبيه الخشخاش ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس أحد منكم إلّا وله منزلان أحدهما في الجنّة ، والآخر في النّار ..» الحديث.

نقلته من خط المنذري عمن نقله من خط السلفيّ بإسناده إلى خالد بن هيّاج أحد الضّعفاء.

٢٢٧٢ ـ خشرم (٢) : بمعجمتين [وزن أحمد] (٣) ابن الحباب ـ بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة ـ ابن المنذر بن الجموح بن زيد بن الحارث بن حرام بن كعب الأنصاريّ السلمي.

ذكر ابن الكلبيّ أنه بايع تحت الشّجرة ، وقال ابن دريد : شهد المشاهد بعد بدر. وقال الطّبريّ : كان حارس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الخاء بعدها الصاد

٢٢٧٣ ـ خصفة (٤) : بفتح المعجمة ثم المهملة ـ ذكره ابن مندة في الصحابة ، وروى هو والبيهقي والخطيب في المتفق من طريق شعبة عن يزيد بن خصفة ، عن المغيرة بن عبد الله الجعفي ، قال : كنت جالسا إلى رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له خصفة أو ابن خصفة ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنّ الشّديد كلّ الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب (٥)» الحديث.

وفيه ذكر الرّقوب والصّعلوك ، [أورده الخطيب من طريقين : في إحداهما خصفة ، وفي الأخرى خصيفة ـ بالتصغير] (٦).

٢٢٧٤ ـ خصفة التيمي : ذكره الطبري فيمن أمره العلاء بن الحضرميّ في زمن الردة ، وقد ذكرنا غير مرّة أنهم كانوا لا يؤمّرون في ذلك إلا الصحابة.

__________________

(١) في أ : عيسى بن الفضل.

(٢) أسد الغابة ت (١٤٥٨).

(٣) سقط من أ.

(٤) أسد الغابة ت (١٤٥٩).

(٥) أورده السيوطي في الدر المنثور ١ / ٣٥٦ والمنذري في الترغيب والترهيب ٢ / ٢٩.

(٦) بدل ما بداخل القوس من أ : وأخرجه ابن مندة.

٢٤٥

الخاء بعدها الضاد

٢٢٧٥ ـ الخضر صاحب موسى عليه‌السلام : اختلف في نسبه وفي كونه نبيا ، وفي طول عمره وبقاء حياته ، وعلى تقدير بقائه إلى زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحياته بعده. فهو داخل في تعريف الصّحابي على أحد الأقوال ، ولم أر من ذكره فيهم من القدماء ، مع ذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره في تعميره وبقائه ، وقد جمعت من أخباره ما انتهى إليّ علمه مع بيان ما يصحّ من ذلك وما لا يصح :

باب نسبه

قيل : هو ابن آدم لصلبه ، وهذا قول رواه الدارقطنيّ في الأفراد ، من طريق روّاد بن الجراح ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، وروّاد ضعيف ، ومقاتل متروك ، والضحاك لم يسمع من ابن عباس.

القول الثاني : أنه ابن قابيل بن آدم ، وذكره أبو حاتم السّجستاني في كتاب «المعمّرين» ، قال : حدثنا مشيختنا منهم أبو عبيدة فذكروه وقالوا : هو أطول الناس عمرا ، وهذا معضل.

وحكى صاحب هذه المقالة أن اسمه خضرون وهو الخضر ، [وقيل اسمه عامر ، وذكره أبو الخطاب بن دحية ، عن ابن حبيب البغداديّ] (١).

القول الثالث : جاء عن وهب بن منبه أنه بليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن عامر بن أرفخشد (٢) بن نوح ، وبهذا قال ابن قتيبة.

وحكاه النووي ، وزاد : وقيل كلمان بدل ملكان.

القول الرّابع : جاء عن إسماعيل ابن أبي أويس أنه المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد.

القول الخامس : هو ابن عمائيل بن النوار بن العيص بن إسحاق ، حكاه ابن قتيبة أيضا. وكذا سمى أباه عمائيل مقاتل.

القول السّادس : إنه من سبط هارون أخي موسى روى عن الكلبيّ عن أبي صالح عن أبي هريرة عن ابن عباس ، وهو بعيد.

__________________

(١) سقط من أ.

(٢) في أ : أرفخشذ بن سام بن فوح.

٢٤٦

وأعجب منه قول ابن إسحاق أنه أرميا بن خلفيا ، وقد رد ذلك أبو جعفر بن جرير.

القول السابع : أنه ابن بنت فرعون ، حكاه محمد بن أيوب عن ابن لهيعة. وقيل ابن فرعون لصلبه ، حكاه النقاش.

القول الثامن : أنه اليسع ، حكى عن مقاتل أيضا ، وهو بعيد أيضا.

القول التاسع : أنه من ولد فارس ، جاء ذلك عن ابن شوذب ، أخرجه الطّبري بسند جيّد من رواية ضمرة بن ربيعة. عن ابن شوذب.

القول العاشر : أنه من ولد بعض من كان [آمن بإبراهيم] (١) ، وهاجر معه من أرض بابل ، حكاه ابن جرير الطبري في تاريخه.

وقيل كان أبوه فارسيا وأمّه روميّة.

وقيل كان أبوه روميا وأمه فارسيّة.

وثبت في الصّحيحين أنّ سبب تسميته الخضر أنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تهتزّ تحته خضراء ، هذا لفظ أحمد من رواية ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة. والفروة الأرض اليابسة.

وقال أحمد : حدّثنا عبد الرّزّاق ، أخبرنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ـ رفعه ـ «إنّما سمّي الخضر خضرا لأنّه جلس على فروة فاهتزّت تحته خضراء». والفروة : الحشيش الأبيض.

قال عبد الله بن أحمد : أظنه تفسير عبد الرزاق. وفي الباب عن ابن عباس ، من طريق قتادة ، عن عبد الله بن الحارث ، ومن طريق منصور عن مجاهد ، قال النوويّ : كنيته أبو العباس. وهذا متفق عليه.

باب ما ورد في كونه نبيا

قال الله تعالى في خبره مع موسى حكاية عنه : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) [الكهف :٨٢] ، وهذا ظاهره أنه فعله بأمر الله ، والأصل عدم الواسطة.

ويحتمل أن يكون بواسطة نبيّ آخر لم يذكر ، وهو بعيد ، ولا سبيل إلى القول بأنه إلهام ، لأن ذلك لا يكون من غير النبيّ وحيا يعمل به من قتل النفس وتعريض الأنفس للغرق.

__________________

(١) في أبياض.

٢٤٧

فإن قلنا إنه نبيّ فلا إنكار في ذلك وأيضا فكيف يكون غير النبيّ أعلم من النبي؟ وقد أخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث الصحيح أن الله قال لموسى : «بلى ، عبدنا خضر». وأيضا فكيف يكون النبي تابعا لغير نبيّ؟

وقد قال الثّعلبيّ : هو نبي في سائر الأقوال ، وكان بعض أكابر العلماء يقول : أول عقد يحلّ من الزندقة اعتقاد كون الخضر نبيا ، لأن الزنادقة يتذرعون بكونه غير نبيّ إلى أن الوليّ أفضل من النبي ، كما قال قائلهم :

مقام النّبوّة في برزخ

فويق الرّسول ودون الوليّ

[المتقارب]

ثم اختلف من قال إنه كان نبيا ، هل كان مرسلا؟ فجاء عن ابن عباس ووهب بن منبه أنه كان نبيا غير مرسل.

وجاء عن إسماعيل بن أبي زياد ، ومحمد بن إسحاق ، وبعض أهل الكتاب أنه أرسل إلى قومه فاستجابوا له.

ونصر هذا القول أبو الحسن الرّماني ، ثم ابن الجوزيّ.

وقال الثّعلبيّ : هو نبيّ على جميع الأقوال معمّر محجوب عن الأبصار.

وقال أبو حيّان في تفسيره : والجمهور على أنه نبيّ ، وكان علمه معرفة بواطن أوحيت إليه ، وعلم موسى الحكم بالظاهر ، وذهب إلى أنه كان وليا جماعة من الصوفيّة ، وقال به أبو علي بن أبي موسى من الحنابلة ، وأبو بكر بن الأنباري في كتابه الزّاهر ، بعد أن حكى عن العلماء قولين هل كان نبيا أو وليا.

وقال أبو القاسم القشيريّ في رسالته : لم يكن الخضر نبيّا وإنما كان وليّا.

وحكى الماورديّ قولا ثالثا : إنه مالك من الملائكة يتصوّر في صورة الآدميين.

وقال أبو الخطّاب بن دحية : لا ندري هل هو ملك أو نبي أو عبد صالح.

وجاء من طريق أبي صالح كاتب اللّيث ، عن يحيى بن أيوب ، عن خالد بن يزيد أن كعب الأحبار ، قال : إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الهند ، وهو بحر الصين (١) ، فقال : يا أصحابي ، دلّوني ، فدلّوه في البحر أياما وليالي ، ثم صعد ،

__________________

(١) الصّين : بالكسر وآخره نون ، بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب وشماليها الترك وهي مشهورة.

انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٨٦١.

٢٤٨

فقالوا له : يا خضر ، ما رأيت ، فلقد أكرمك الله ، وحفظ لك نفسك في لجّة هذا البحر؟ فقال : استقبلني ملك من الملائكة فقال لي : أيها الآدمي الخطّاء ، إلى أين؟ ومن أين؟ فقلت أردت أن انظر عمق هذا البحر ، فقال لي : كيف وقد هوى رجل من زمان داود النبيّ عليه‌السلام ولم يبلغ ثلث قعره حتى السّاعة ، وذلك منذ ثلاثمائة سنة؟

أخرجه أبو نعيم في ترجمة كعب من الحلية.

وقال أبو جعفر بن جرير في تاريخه : كان الخضر ممن كان في أيام أفريدون الملك في قول عامّة أهل الكتاب الأول ، وقيل : إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الّذي كان أيام إبراهيم الخليل ، وإنه بلغ مع ذي القرنين الّذي ذكر أنّ الخضر كان في مقدمته نهر الحياة ، فشرب من مائه ، وهو لا يعلم ولا يعلم ذو القرنين ومن معه فخلد ، وهو عندهم حيّ إلى الآن ، قال ابن جرير : وذكر ابن إسحاق أن الله استخلف على بني إسرائيل رجلا منهم ، وبعث الخضر معه نبيا ، قال ابن جرير : بين هذا الوقت وبين أفريدون أزيد من ألف عام. قال : وقول من قال إنه كان في أيام أفريدون أشبه ، إلا أن يحمل على أنه لم يبعث نبيّا إلا في زمان ذلك الملك.

قلت : بل يحتمل أن يكون قوله : «وبعث معه الخضر نبيّا» : أي أيّده به ، إلا أن يكون ذلك الوقت وقت إنشاء نبوته ، فلا يمتنع أن يكون نبيا قبل ذلك ، ثم أرسل مع ذلك الملك. وإنما قلت ذلك لأن غالب أخباره مع موسى هي الدالة على تصحيح قول من قال إنه كان نبيا.

وقصته مع ذي القرنين ذكرها جماعة منهم خيثمة بن سليمان ، من طريق جعفر الصّادق ، عن أبيه أن ذا القرنين كان له صديق من الملائكة ، فطلب منه أن يدله على شيء يطول به عمره ، فدلّه على عين الحياة ، وهي داخل الظلمات ، فسار إليها والخضر على مقدمته ، فظفر بها الخضر دونه.

ومما يستدلّ به على نبوّته ما أخرجه عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس ، قال : قال موسى لما لقي الخضر : «السّلام عليك يا خضر». فقال : «وعليك السّلام يا موسى» ، قال : «وما يدريك أنّي موسى»؟ قال : «أدراني بك الّذي أدراك بي».

وقال وهب بن منبّه في المبتدإ : قال الله تعالى للخضر : لقد أحببتك قبل أن أخلقك ، ولقد قدّستك حين خلقتك ، ولقد أحببتك بعد ما خلقتك.

وكان نبيّا مبعوثا إلى بني إسرائيل بتجديد عهد موسى ، فلما عظمت الأحداث في بني

٢٤٩

إسرائيل ، وسلّط عليهم بخت نصّر ساح الخضر في الأرض مع الوحش ، وأخّر الله عمره إلى ما شاء ، فهو الّذي يراه الناس.

باب ما ورد في تعميره والسبب في ذلك

روى الدّارقطنيّ بالإسناد الماضي ، عن ابن عباس ، قال : «نسيء للخضر في أجله حتّى يكذّب الدّجال».

وذكر ابن إسحاق في المبتدإ قال : حدثنا أصحابنا أن آدم لما حضره الموت جمع بنيه وقال : إن الله تعالى منزّل على أهل الأرض عذابا فليكن جسدي معكم في المغارة حتى تدفنون بأرض الشام. فلما وقع الطّوفان قال نوح لبنيه : إن آدم دعا الله أن يطيل عمر الّذي يدفنه إلى يوم القيامة ، فلم يزل جسد آدم حتّى كان الخضر هو الّذي تولّى دفنه ، وأنجز الله له ما وعده ، فهو يحيا إلى ما شاء الله أن يحيا.

وقال أبو مخنف لوط بن يحيى في أول كتاب المعمّرين له : أجمع أهل العلم بالأحاديث والجمع لها أنّ الخضر أطول آدمي عمرا وأنه خضرون بن قابيل بن آدم.

وروى ابن عساكر في ترجمة ذي القرنين من طريق خيثمة بن سليمان : حدثنا أبو عبيدة ابن أخي هنّاد ، حدّثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا أبي ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ـ أنه سئل عن ذي القرنين ، فقال : كان عبدا من عباد الله صالحا ، وكان من الله بمنزل ضخم ، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب ، وكان له خليل من الملائكة يقال له رفائيل ، وكان يزوره ، فبينما هما يتحدثان إذ قال له : حدثني كيف عبادتكم في السّماء؟ فبكى ، وقال : وما عبادتكم عند عبادتنا؟ إن في السّماء لملائكة قياما لا يجلسون أبدا ، وسجودا لا يرفعون أبدا ، وركّعا لا يقومون أبدا. يقولون ربّنا ما عبدناك حقّ عبادتك» ، فبكى ذو القرنين ثم قال : يا رفائيل ، إني أحب أن أعمّر حتى أبلغ عبادة ربي حقّ طاعته ، قال : وتحبّ ذلك؟ قال : نعم ، قال : فإنّ لله عينا تسمّى عين الحياة ، من شرب منها شربة لم يمت أبدا ، حتّى يكون هو الّذي يسأل ربه الموت.

قال ذو القرنين : فهل تعلم موضعها؟ قال : لا ، غير أنّا نتحدّث في السّماء أنّ لله ظلمة في الأرض لم يطأها إنس ولا جانّ ، فنحن نظنّ أن تلك العين في تلك الظلمة.

فجمع ذو القرنين علماء الأرض ، فسألهم عن عين الحياة ، فقالوا : لا نعرفها ، قال :

فهل وجدتم في علمكم أنّ لله ظلمة؟ فقال عالم منهم : لم تسأل عن هذا؟ فأخبره ، فقال : إني قرأت في وصية آدم ذكر هذه الظّلمة ، وأنها عند قرن الشمس.

٢٥٠

فتجهّز ذو القرنين ، وسار اثنتي عشرة سنة ، إلى أن بلغ طرف الظلمة ، فإذا هي ليست بليل. وهي تفور مثل الدّخان ، فجمع العساكر ، وقال : إني أريد أن أسلكها ، فمنعوه ، فسأله العلماء الذين معه أن يكفّ عن ذلك لئلا يسخط الله عليهم ، فأبي ، فانتخب من عسكره ستة آلاف رجل على ستة آلاف فرس أنثى بكر ، وعقد للخضر على مقدمته في ألفي رجل ، فسار الخضر بين يديه ، وقد عرف ما يطلب ، وكان ذو القرنين يكتمه ذلك ، فبينما هو يسير إذا عارضه واد ، فظنّ أن العين في ذلك الوادي ، فلما أتى شفير الوادي استوقف أصحابه ، وتوجّه فإذا هو على حافة عين من ماء ، فنزع ثيابه ، فإذا ماء أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من الشّهد ، فشرب منه ، وتوضّأ واغتسل ، ثم خرج فلبس ثيابه ، وتوجّه ، ومرّ ذو القرنين فأخطأ الظّلمة ، وذكر بقية الحديث.

ويروى عن سليمان الأشجّ صاحب كعب الأحبار ، عن كعب الأحبار ، أنّ الخضر كان وزير ذي القرنين ، وأنه وقف معه على جبل الهند ، فرأى ورقة فيها : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، من آدم أبي البشر إلى ذرّيته : أوصيكم بتقوى الله ، وأحذّركم كيد عدوّي وعدوّكم إبليس ، فإنّه أنزلني هنا» ، قال : فنزل ذو القرنين ، فمسح جلوس آدم ، فكان مائة وثلاثين ميلا.

ويروى عن الحسن البصريّ ، قال : وكل إلياس بالفيافي ، ووكل الخضر بالبحور ، وقد أعطيا الخلد في الدّنيا إلى الصيحة الأولى ، وأنهما يجتمعان في موسم كل عام.

قال الحارث بن أبي أسامة في «مسندة» : حدّثنا عبد الرحيم بن واقد ، حدثني محمد بن بهرام ، حدثنا أبان عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الخضر في البحر : واليسع في البرّ ، يجتمعان كلّ ليلة عند الرّدم الّذي بناه ذو القرنين بين النّاس وبين يأجوج ومأجوج ويحجّان ويعتمران كلّ عام ، ويشربان من زمزمكم شربة تكفيهما إلى قابل» (١).

قلت : وعبد الرحيم وأبان متروكان.

وقال عبد الله بن المغيرة ، عن ثور ، عن خالد بن معدان ، عن كعب ، قال : الخضر على منبر من نور بين البحر الأعلى والبحر الأسفل. وقد أمرت دوابّ البحر أن تسمح له وتطيع ، وتعرض عليه الأرواح غدوة وعشية ، ذكره العقيلي.

وقال : عبد الله بن المغيرة يحدّث بما لا أصل له.

__________________

(١) أورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٤٠٥١ والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ٢٤٠ ـ وابن حجر في المطالب حديث رقم ٣٤٧٤.

٢٥١

وقال ابن يونس : إنه منكر الحديث.

وروى ابن شاهين بسند ضعيف إلى خصيف ، قال : أربعة من الأنبياء أحياء : اثنان في السماء عيسى وإدريس ، واثنان في الأرض : الخضر وإلياس ، فأما الخضر فإنه في البحر ، وأما صاحبه فإنه في البرّ ، وسيأتي في الباب الأخير أشياء من هذا الجنس كثيرة.

وقال الثعلبيّ : يقال إن الخضر لا يموت إلا في آخر الزمان عند رفع القرآن.

وقال النّوويّ في «تهذيبه» : قال الأكثرون من العلماء : هو حيّ موجود بين أظهرنا ، وذلك متفق عليه عند الصّوفية وأهل الصلاح والمعرفة ، وحكايتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصى ، وأشهر من أن تذكر.

وقال أبو عمرو بن الصّلاح في فتاويه : هو حيّ عند جماهير العلماء الصّالحين والعامة منهم ، قال : وإنما شدّ بإنكاره بعض المحدثين.

قلت : اعتنى بعض المتأخرين بجمع الحكايات المأثورة عن الصّالحين وغيرهم ممن بعد الثلاثمائة وبعد العشرين مع ما في أسانيد بعضها ممن يضعف ، لكثرة أغلاظه أو اتهامه بالكذب ، كأبي عبد الرحمن السلمي ، وأبي الحسن بن جهضم ، ولا يقال يستفاد من هذه الأخبار التواتر المعنويّ ، لأن التواتر لا يشترط ثقة رجاله ولا عدالتهم ، وإنما العمدة على ورود الخبر بعدد يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب ، فإن اتفقت ألفاظه فذاك وإن اختلفت فمهما اجتمعت فيه فهو التواتر المعنوي.

وهذه الحكاية تجتمع في أنّ الخضر حيّ ، لكن بطرق حكاية القطع بحياته قول بعضهم : إنّ لكل زمان خضرا ، وإنه نقيب الأولياء ، وكلمات مات نقيب أقيم نقيب بعده مكانه ، ويسمى الخضر.

وهذا قول تداولته جماعة من الصّوفية من غير نكير بينهم ، ولا يقطع مع هذا بأن الّذي ينقل عنه أنه الخضر هو صاحب موسى ، بل هو خضر ذلك الزمان.

ويؤيده اختلافهم في صفته ، فمنهم من يراه شيخا أو كهلا أو شابا ، وهو محمول على تغاير المرئي وزمانه. والله أعلم.

وقال السّهيليّ في كتاب «التعريف والأعلام» : اسم الخضر مختلف فيه ، فذكر بعض ما تقدم ، وذكر في قول من قال : إنه ابن عاميل بن سماطين بن أرما (١) بن حلفا (٢) بن

__________________

(١) في ت أربا.

(٢) في ت علقا.

٢٥٢

عيصو بن إسحاق ، وأنّ أباه كان ملكا وأمّه كانت فارسية اسمها إلها ، وأنها ولدته في مغارة ، وأنه وجد هناك شاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية ، فأخذه الرجل وربّاه ، فلما شبّ طلب الملك كاتبا يكتب له الصّحف التي أنزلت على إبراهيم ، فجمع أهل المعرفة والنبالة ، فكان فيمن أقدم عليه ابنه الخضر وهو لا يعرفه ، فلما استحسن خطّه ومعرفته بحث عن جليّة أمره حتى عرف أنه ابنه فضمّه إلى نفسه وولاه أمر الناس.

ثم إنّ الخضر فرّ من الملك لأسباب يطول ذكرها إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها فهو حيّ إلى أن يخرج الدجّال ، فإنه الرّجل الّذي يقتله الدجال ثم يحييه ، قال : وقيل إنه لم يدرك زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا لا يصح ، قال : وقال البخاريّ وطائفة من أهل الحديث : مات الخضر قبل انقضاء مائة سنة من الهجرة. وقال : ونصر شيخنا أبو بكر بن العربيّ هذا

لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «على رأس مائة سنة لا يبقى على الأرض ممّن هو عليها أحد»

(١) يريد ممّن كان حيا حين هذه المقالة. قال : وأما اجتماعه مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتعزيته لأهل البيت وهم مجتمعون لغسله عليه الصلاة والسلام فروي من طرق صحاح ، منها : ما ذكره ابن عبد البر في التمهيد ، وكان إمام أهل الحديث في وقته ، فذكر الحديث في تعزية الصحابة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمعون القول ولا يرون القائل ، فقال لهم علي : هو الخضر ، قال : وقد ذكر ابن أبي الدنيا من طريق مكحول ، عن أنس ، اجتماع إلياس النبي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإذا جاز بقاء إلياس إلى العهد النبوي جاز بقاء الخضر انتهى ملخصا.

وتعقّبه أبو الخطّاب بن دحية بأن الطرق التي أشار إليها لم يصح منها شيء ، ولا يثبت اجتماع الخضر مع أحد من الأنبياء إلّا مع موسى كما قصّه الله من خبره.

قال : وجميع ما ورد في حياته لا يصح منه شيء باتفاق أهل النّقل ، وإنما يذكر ذلك من يروي الخبر ، ولا يذكر علّته ، إما لكونه لا يعرفها ، وإما لوضوحها عند أهل الحديث ، قال : وأما ما جاء عن المشايخ فهو مما ينقم منه كيف يجوز لعاقل أن يلقى شخصا لا يعرفه ، فيقول له : أنا فلان فيصدّقه؟

قال : وأما حديث التّعزية الّذي ذكره أبو عمر فهو موضوع.

رواه عبد الله بن المحرر ، عن يزيد بن الأصم ، عن عليّ. وابن محرر متروك ، وهو الّذي قال ابن المبارك في حقه كما أخرجه مسلم في مقدّمة صحيحه : فلما رأيته كانت بعرة أحبّ إليّ منه ، ففضل رؤية النجاسة على رؤيته.

__________________

(١) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ٢ / ١٠١ وابن حجر في الفتح ٧ / ٥.

٢٥٣

قلت : قد جاء ذكر التعزية المذكورة من غير رواية عبد الله بن محرر ، كما سأذكره بعد ، وأما حديث مكحول عن أنس فموضوع ، ثم نقل تكذيبه عن أحمد ويحيى وإسحاق وأبي زرعة ، قال : وسياق المتن ظاهر النكارة ، وأنه من الخرافات. انتهى كلامه ملخصا.

وسأذكر حديث أنس بطوله ، وأنّ له طريقا غير التي أشار إليها السّهيلي. وتمسّك من قال بتعميره بقصة عين الحياة ، واستندوا إلى ما وقع من ذكرها في صحيح البخاري وجامع الترمذي ، لكن لم يثبت ذلك مرفوعا ، فليحرر ذكر شيء من أخبار الخضر قبل بعثة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

قد قص الله تعالى في كتابه ما جرى لموسى عليه‌السلام ، وأخرجه الشيخان من طرق ، عن أبيّ بن كعب ، وفي سياق القصّة زيادات في غير الصّحيح ، قد أتيت عليها في فتح الباري.

وثبت في الصّحيحين أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «وددت أنّ موسى صبر حتى يقصّ علينا من أمرهما» وهذا مما استدل به من زعم أنه لم يكن حالة هذه المقالة موجودا ، إذ لو كان موجودا لأمكن أن يصحبه بعض أكابر الصحابة فيرى منه نحوا مما رأى موسى.

وقد أجاب عن هذا من ادّعى بقاءه بأن التمني إنما كان لما يقع بينه وبين موسى عليه‌السلام ، وغير موسى لا يقوم مقامه.

ومن أخباره مع غير موسى ما أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» من وجهين. عن بقية بن الوليد ، عن محمد بن زياد الالهاني ، عن أبي أمامة الباهليّ ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : «ألا أحدّثكم عن الخضر؟» قالوا : بلى يا رسول الله قال : «بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب ، فقال : تصدّق عليّ بارك الله فيك. قال الخضر : آمنت بالله ، ما شاء الله من أمر يكن ، ما عندي من شيء أعطيكه فقال المسكين : أسألك بوجه الله لما تصدّقت عليّ ، فإنّي نظرت السماحة في وجهك. ورجوت البركة عندك. فقال الخضر : آمنت بالله ، ما عندي شيء أعطيكه إلّا أن تأخذ بي فتبيعني. فقال المسكين : وهل يستقيم هذا؟ فقال : نعم. الحقّ أقول ، لقد سألتني بأمر عظيم ، أما إنّي لا أخيّبك بوجه ربّي ، بعني ، قال : فقدّمه إلى السّوق فباعه بأربعمائة درهم ، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء ، فقال له : إنّك إنما اشتريتني التماس خير عندي ، فأوصني بعمل. قال : أكره أن أشقّ عليك ، إنّك شيخ كبير ضعيف. قال : ليس يشقّ عليّ. قال : فقم فانقل هذه الحجارة ، وكان لا ينقلها دون ستّة نفر في يوم ، فخرج الرّجل لبعض حاجته ، ثمّ انصرف ، وقد نقل الحجارة في ساعة : فقال : أحسنت وأجملت ، وأطقت ما لم أرك تطيقه قال : ثمّ عرض للرّجل سفر ، فقال :

٢٥٤

إنّي أحسبك أمينا ، فاخلفني في أهلي خلافة حسنة. قال : نعم ، وأوصني بعمل ، قال : أنّي أكره أن أشقّ عليك. قال : ليس يشقّ عليّ. قال : فاضرب من اللّبن لبيتي حتّى أقدم عليك. قال : ومرّ الرّجل لسفره ، ثمّ رجع وقد شيّد بناءه فقال : أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ قال : سألتني بوجه الله ، ووجه الله أوقعني في العبوديّة. فقال الخضر : أخبرك من أنا؟ أنا الخضر الّذي سمعت به ، سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي شيء أعطيه فسألني بوجه الله ، فمكّنته من رقبتي فباعني ، وأخبرك أنّه من سئل بوجه الله فردّ سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة وليس على وجهه جلد ولا لحم ولا عظم يتقعقع».

فقال الرّجل : آمنت بالله ، شققت عليك يا نبيّ الله ولم أعلم قال : لا بأس ، أحسنت وأبقيت. فقال الرّجل : بأبي وأمّي يا نبيّ الله ، احكم في أهلي ومالي بما شئت ، أو اختر فأخلّي سبيلك قال : أحبّ أن تخلّي سبيلي ، فأعبد ربّي. قال : فخلّى سبيله ، فقال الخضر : الحمد لله الّذي أوثقني في العبوديّة ثمّ نجّاني منها».

قلت : وسند هذا الحديث حسن لو لا عنعنة بقية ، ولو ثبت لكان نصّا أن الخضر نبي لحكاية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقول الرجل : يا نبيّ الله ، وتقريره على ذلك.

ذكر من ذهب إلى أن الخضر مات

نقل أبو بكر النقاش في تفسيره عن علي بن موسى الرضا وعن محمد بن إسماعيل البخاريّ ، أن الخضر مات وأن البخاري سئل عن حياة الخضر ، فأنكر ذلك واستدلّ بالحديث : أن على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد ، وهذا أخرجه هو في الصّحيح عن ابن عمر ، وهو عمدة من تمسّك بأنه مات ، وأنكر أن يكون باقيا.

أبو حيّان في تفسيره : الجمهور على أنه مات. ونقل عن ابن أبي الفضل المرسيّ أنّ الخضر صاحب موسى مات ، لأنه لو كان حيا لزمه المجيء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والإيمان به واتباعه.

وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو كان موسى حيّا ما وسعه إلّا اتّباعي» وأشار إلى أن الخضر هو غير صاحب موسى.

وقال غيره لكل زمان خضر ، وهي دعوى لا دليل عليها ونقل أبو الحسين بن المنادي في كتابه الّذي جمعه في ترجمة الخضر عن إبراهيم الحربي أنّ الخضر مات. وبذلك جزم ابن المنادي المذكور.

ونقل أيضا عن علي بن موسى الرضا ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه قال :

٢٥٥

صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلّم قال : «أرأيتكم ليلتكم هذه فإنّ على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض أحد».

وأخرجه مسلم من حديث جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل موته بشهر : «تسألوني السّاعة ، وإنّما علمها عند الله أقسم ما على الأرض نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة» (١) هذه رواية أبي الزبير عنه.

وفي رواية أبي نضرة عنه ، قال قبل موته بقليل أو بشهر : «ما من نفس ... وزاد في آخره : «وهي يومئذ حيّة».

وأخرجه التّرمذيّ من طريق أبي سفيان ، عن جابر نحو رواية أبي الزبير.

وذكر ابن الجوزيّ في جزئه الّذي جمعه في ذلك ، عن أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ، قال : سئل بعض أصحابنا عن الخضر هل مات؟ فقال : نعم. قال : وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن العبادي ، وكان يحتج بأنه لو كان حيّا لجاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قلت : ومنهم أبو الفضل بن ناصر ، والقاضي أبو بكر بن العربيّ ، وأبو بكر بن محمد بن الحسين النقاش ، واستدل ابن الجوزيّ بأنه كان حيّا مع ما ثبت أنه كان في زمن موسى وقبل ذلك. لكان قدر جسده مناسبا لأجساد أولئك. ثم ساق بسند له إلى أبي عمران الجوني ، قال : كان أنف دانيال ذراعا ، ولما كشف عنه في زمن أبي موسى قام رجل إلى جنبه فكانت ركبة دانيال محاذية لرأسه ، قال : والذين يدّعون رؤية الخضر ليس في سائر أخبارهم ما يدلّ على أنّ جسده نظير أجسادهم ، ثم استدلّ بما أخرجه أحمد من طريق مجاهد عن الشعبي عن جابر ـ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «والّذي نفسي بيده لو أنّ موسى كان حيّا ما وسعه إلا أن يتّبعني» (٢).

قال : فإذا كان هذا في حقّ موسى فكيف لم يتبعه الخضر : إذ لو كان حيّا فيصلّي معه الجمعة والجماعة ويجاهد تحت رايته ، كما ثبت أن عيسى يصلي خلف إمام هذه الأمة (٣) واستدلّ أيضا بقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ...) [آل عمران : ٨١] الآية.

__________________

(١) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ١٩٦٦ كتاب فضائل الصحابة حديث رقم ٢١٨ / ٢٥٣٨ وأحمد في المسند ١ / ٢٩٣ ، ٣ / ٣٢٦ ، والبيهقي في دلائل النبوة ٦ / ٥٠١.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٣٨٧ عن جابر بن عبد الله وابن عساكر في التاريخ ٥ / ١٦٢ وأورده الهيثمي في الزوائد ١ / ١٧٨ ـ ١٧٩ عن جابر بن عبد الله بزيادة في أوله قال الهيثمي رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه مجالد بن سعيد ضعف أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما.

(٣) أورده الهيثمي في الزوائد ١ / ١٧٩ عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وقال رواه أحمد وأبو يعلى والبزار

٢٥٦

وقال ابن عبّاس : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق إن بعث محمد وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرنه ، فلو كان الخضر موجودا في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لجاء إليه ونصره بيده ولسانه ، وقاتل تحت رايته ، وكان من أعظم الأسباب في إيمان معظم أهل الكتاب الّذي يعرفون قصته مع موسى.

وقال أبو الحسين بن المنادي : بحثت عن تعمير الخضر ، وهل هو باق أم لا؟ فإذا أكثر المغفّلين مغترّون بأنه باق من أجل ما روى في ذلك ، قال : والأحاديث المرفوعة في ذلك واهية ، والسّند إلى أهل الكتاب ساقط لعدم ثقتهم ، وخبر مسلمة بن مصقلة كالخرافة وخبر رياح كالريح ، قل : وما عدا ذلك كلّه من الأخبار كلها واهية الصدور والأعجاز. حالها من أحد أمرين ، إما أن تكون أدخلت على الثقات استغفالا ، أو يكون بعضهم تعمّد ذلك ، وقد قال الله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) [الأنبياء : ٣٤]. قال : وأهل الحديث يقولون : إن حديث أنس منكر السند ، سقيم المتن ، وإن الخضر لم يراسل نبيّا ولم يلقه ، قال : ولو كان الخضر حيّا لما وسعه التخلّف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والهجرة إليه. قال : وقد أخبرني بعض أصحابنا أنّ إبراهيم الحربي سئل عن تعمير الخضر فأنكر ذلك ، وقال : هو متقادم الموت ، قال : وروجع غيره في تعميره ، فقال : من أحال على غائب حيّ أو مفقود ميّت لم ينتصف منه ، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشّيطان. انتهى.

وقد ذكرت الأخبار التي أشار إليها ، وأضفت إليها أشياء كثيرة من جنسها ، وغالبها لا يخلو طريقه من علّة ، والله المستعان.

وفي تفسير الأصبهاني روى عن الحسن أنه كان يذهب إلى أن الخضر مات.

وروى عن البخاريّ أنه سئل عن الخضر وإلياس هل هما في الأحياء؟ فقال : كيف يكون ذلك ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر عمره : «أرأيتكم ليلتكم هذه فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممّن هو اليوم عليها أحد» (١).

واحتج ابن الجوزيّ أيضا بما ثبت في صحيح البخاريّ أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر :

__________________

وفيه مجالد بن سعيد ضعفه أحمد وأورده السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٤٨ ، ٥ / ١٤٧ وعزاه لأحمد عن عبد الله بن ثابت وأبي يعلى عن جابر.

(١) أخرجه البخاري في صحيح ١ / ١٤٨ ، ١٥٦ ومسلم ٤ / ١٩٦٥ كتاب فضائل الصحابة باب ٥٣ قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم حديث رقم ٢١٧ ـ ٢٥٣٧ والترمذي ٤ / ٤٥١ كتاب الفتن باب ٦٤ حديث رقم ٢٢٥١ والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٧ والبيهقي في السنن الكبرى ١ / ٤٥٣ ، ٩ / ٧ وأحمد في المسند ٢ / ٢٢١.

الإصابة/ج٢/م١٧

٢٥٧

«اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» (١) ولم يكن الخضر فيهم ، ولو كان يومئذ حيّا لورد على هذا العموم ، فإنه كان ممن يعبد الله قطعا.

واستدل غيره بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نبيّ بعدي» ، ونسب إلى ابن دحية القول في ذلك ، وهو معترض بعيسى ابن مريم ، فإنه نبيّ قطعا ، وثبت أنه ينزل إلى الأرض. في آخر الزمان ، ويحكم بشريعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوجب حمل النفي على إنشاء النبوّة لأحد من الناس لا على نفي وجود نبي كان قد نبئ قبل ذلك.

ذكر الأخبار التي وردت

أن الخضر كان في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم بعده إلى الآن

روى ابن عديّ في «الكامل» ، من طريق عبد الله بن نافع ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في المسجد ، فسمع كلاماً من ورائه ، فإذا هو بقائل يقول : اللهمّ أعنّي على ما ينجّيني ممّا خوّفتني؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين سمع ذلك : «ألّا تضمّ إليها أختها؟» فقال الرجل : اللهمّ ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوّقتهم إليه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنس بن مالك : «اذهب إليه فقل له : يقول لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تستغفر لي» فجاءه أنس فبلّغه ، فقال الرجل : يا أنس ، أنت رسول رسول الله إليّ ، فارجع فاستثبته. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قل له نعم». فقال له : اذهب فقل له : إن الله فضّلك على الأنبياء مثل ما فضل به رمضان على الشّهور ، وفضّل أمتك على الأمم مثل ما فضّل يوم الجمعة على سائر الأيام ، فذهب ينظر إليه فإذا هو الخضر.

كثير بن عبد الله ضعّفه الأئمة ، لكن جاء من غير روايته ، قال أبو الحسين بن المنادي : أخبرني أبو جعفر أحمد بن النضر العسكريّ أن محمد بن سلام المنبجي حدّثهم ، وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن جابر عن محمد بن سلام المنبجي ، حدثنا وضاح بن عباد الكوفي ، حدثنا عاصم بن سليمان الأحوال ، حدّثني أنس بن مالك ، قال : خرجت ليلة أحمل مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطهور ، فسمع مناديا ينادي ، فقال لي : يا أنس «صه» قال فسكت فاستمع فإذا هو يقول : اللهمّ أعنّي على ما ينجيني مما خوفتني منه ، قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو قال أختها معها». فكأن الرجل لقن ما أراد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : وارزقني شوق الصّالحين إلى ما شوّقتهم إليه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أنس ، ضع الطّهور وائت هذا المنادي فقل له : ادع لرسول

__________________

(١) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد (٥٨) وأحمد في المسند ١ / ٣٠.

٢٥٨

الله أن يعينه الله على ما ابتعثه به ، وادع لأمّته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيّهم بالحقّ» قال : فأتيته ، فقلت : رحمك الله ، ادع الله لرسول الله أن يعينه على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق ، فقال لي : ومن أرسلك؟ فكرهت أن أخبره ، ولم استأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت له : رحمك الله ، ما يضرك من أرسلني ، ادع بما نقلت لك. فقال : لا ، أو تخبرني بمن أرسلك. قال : فرجعت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت له : يا رسول الله ، أبى أن يدعو لك بما قلت له حتى أخبره بمن أرسلني. فقال : «ارجع إليه فقل له : أنا رسول رسول الله».

فرجعت إليه فقلت له ، فقال لي : مرحبا برسول الله رسول الله ، أنا كنت أحقّ أن آتيه ، اقرأ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مني السلام ، وقل له يا رسول الله ، الخضر يقرأ عليك السلام ورحمة الله ، ويقول لك : يا رسول الله ، إنّ الله فضّلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشّهور ، وفضّل أمتك على الأمم كما فضّل يوم الجمعة على سائر الأيام.

قال : فلما وليت سمعته يقول : اللهمّ اجعلني من هذه الأمة المرشدة المرحومة.

وأخرجه الطبرانيّ في «الأوسط» ، عن بشر بن علي بن بشر العمّي عن محمد بن سلام ، وقال : لم يروه عن أنس إلا عاصم ، ولا عنه إلا وضاح ، تفرد به محمد بن سلام.

قلت : وقد جاء من وجهين آخرين عن أنس.

وقال أبو الحسين بن المنادي : هذا حديث واه بالوضاح وغيره ، وهو منكر الإسناد ، سقيم المتن ، ولم يراسل الخضر نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يلقه.

واستبعد ابن الجوزيّ إمكان لقيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم واجتماعه معه ، ثم لا يجيء إليه.

وأخرج ابن عساكر من طريق خالد مؤذّن مسجد مسيلمة : حدثنا أبو داود ، عن أنس ، فذكر نحوه.

وقال ابن شاهين : حدثنا موسى بن أنس بن خالد بن عبد الله بن أبي طلحة بن موسى بن أنس بن مالك ، حدّثنا أبي ، حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاريّ ، حدّثنا حاتم بن أبي روّاد ، عن معاذ بن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ، عن أنس ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة لحاجة ، فخرجت خلفه ، فسمعنا قائلا يقول : اللهمّ إني أسألك شوق الصادقين إلى ما شوّقتهم إليه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا لها دعوة لو أضاف إليها أختها» ، فسمعنا القائل وهو يقول : للهمّ إني أسألك أن تعينني بما ينجيني مما خوفتني منه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وجبت وربّ الكعبة ، يا أنس ، ائت الرّجل فاسأله أن يدعو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرزقه الله

٢٥٩

القبول من أمّته ، والمعونة على ما جاء به من الحقّ والتّصديق».

قال أنس : فأتيت الرجل ، فقلت : يا عبد الله ، ادع لرسول الله فقال لي : ومن أنت؟ فكرهت أن أخبره ولم أستأذن ، وأبى أن يدعو حتى أخبره ، فرجعت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته فقال لي : أخبره. فرجعت فقلت له : أنا رسول رسول الله إليك. فقال : مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله ، فدعا له ، وقال : أقرئه منّي السلام وقل له : أنا أخوك الخضر ، وأنا كنت أحق أن آتيك ، قال : فلما وليت سمعته يقول : اللهمّ اجعلني من هذه الأمة المرحومة المتاب عليها.

وقال الدّارقطنيّ في «الأفراد» : حدثنا أحمد بن العباس البغوي ، حدثنا أنس بن خالد ، حدثني محمد بن عبد الله به نحوه ، ومحمد بن عبد الله هذا هو أبو سلمة الأنصاريّ ، وهو واهي الحديث جدّا ، وليس هو شيخ البخاريّ قاضي البصرة ، ذلك ثقة ، وهو أقدم من أبي سلمة.

وروينا في فوائد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي تخريج الدارقطنيّ ، قال : حدّثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدّثنا محمد بن أحمد بن زيد ، حدّثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا الحسن بن رزين ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ـ لا أعلمه مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «يلتقي الخضر وإلياس في كلّ عام في الموسم فيحلق كلّ واحد منهما رأس صاحبه ويتفرّقان عن الكلمات : بسم الله. ما شاء الله الله. لا يسوق الخير إلّا الله ، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السّوء إلّا الله ، بسم الله ما شاء الله ، ما كان من نعمة فمن الله ، بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلّا بالله».

قال الدارقطنيّ في «الأفراد» : لم يحدث به عن ابن جريج غير الحسن بن رزين.

وقال أبو جعفر العقيلي : لم يتابع عليه ، وهو مجهول ، وحديثه غير محفوظ.

وقال أبو الحسين بن المنادي : هو حديث واه بالحسن المذكور. انتهى.

وقد جاء من غير طريقه ، لكن من وجه واه جدا ، أخرجه ابن الجوزي من طريق أحمد بن عمار : حدثنا محمد بن مهدي ، حدثنا محمد مهدي بن هلال ، حدثني ابن جريج ، فذكره بلفظ : يجتمع البري والبحري إلياس والخضر كلّ عام بمكة.

قال ابن عبّاس : بلغنا أنه يحلق أحدهما رأس صاحبه ، ويقول أحدهما للآخر : قل بسم الله .. إلخ.

وزاد : قال ابن عبّاس : قال رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من عبد قالها في كلّ يوم إلّا أمن من

٢٦٠