الإصابة في تمييز الصحابة - ج ١

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

الإصابة في تمييز الصحابة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٠

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول أهل الأدب : أعذب الشعر أكذبه ، كقول المتنبي في مدح سيف الدولة (الوافر:

فأن تفق الأنام وأنت منهم

 فأن المسك بعض دم الغزال

فقد رفع سيف الدولة إلى درجة الأنبياء والمرسلين دون سواهم ، وهو كذب طريف مأجور في الدنيا وكقول الآخر (البسط) :

 عقود مدح فما أرضى لكم كلمي

فأن المسك بعض دم الغزال

فقد خرج به شيطان الشعر كما يقولون عن حدود العلم والعقل معا ولا حجر عليه ما دام لشيطان الشعر عنده ميدانه الذي لا يتعداه إلى المساس بأعراض الناس وشرفهم أو الكذب على الله ورسوله أو الفجر في الخضومة بالتفحش والهجاء المسيء كالمنافقين والزنادقة وأهل السوء.

وإن من أفحش الذنوب في الإسلام أن تحدث انسانا بحديث هو لك مصدق وأنت عليه كاذب ولا يعرف الكذب سبيله إلى المؤمنين يقول سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وقد تغلبت أبرز المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على اسمه فعرف في قومه قبل الإسلام بالصادق الأمين.

ولورثه الهدى النبوي الشريف من حملة السنة المطهرة وقمم أهل الفضل والأمانة والدين من أئمة الجرح والتعديل ولا نزكي على الله احدا لهم في هذا المقام مقاييس غاية في الدقة والحساسية يرفضون الكذب ولو على الدابة ولو مزاحاً ، تهتز الثقة في صاحبه وبعد ساقط المروءة ولا يقبل عن مثله حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومن سخرية القدر بأعداء النور أن يعمي الله أبصارهم عن شعاعه ، لهم عيون لا يبصرون بها فلا يدرون عن قيم الإسلام الشامخات شيئاً واجترؤوا عليه بكل نقيصه تنضح بها أوعيتهم وأحقادهم القديمة (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ).

٣

وشاءت حكمة الحكيم الأعلى سبحانه أن يقيض لهذا العلم الشريف من كل خلف عدوله ينفون عنه زيف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين سخرهم الله عزوجل لحفظ السنة الشريفة فيحفظها يحفظ القرآن ويضياعها يضيع، لأنها مفتاح كوزه واستجلا أنواره.

(إنّا نحنُ نَزّلنا الذِّکرَ وانّا له لَحافِظون).

وها نحن الآن بن دي سفر نفيس ونتاج جهاد خالد لخدمة السنة الشريفة ورجالها الأبرار ألا وهو «الأصابة في تمييز الصحابة» لشيخ الإسلام الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني المولد في عسقلان قربة بالأرض المقدسة (على مقربة من غزة مسقط رأس إمامه الشافعي رضي الله عنه) احتلها اليهود عام ١٩٤٨ وسموها أشكلون نسأل الله أن يرد ألأمة لدينها ردا جميلا ويجعلهم أهلا لنصره وتأييده لتطهير ديارالإسلام الطاهرة المقدسة من كل مغتصب فاجرأثيم.

وقد سخرالله سبحانه وتعالى لخدمة هذا السفرالخالد النفيس وتحقيقه العالمين الفاضلين الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض ،اللذين حباهما الله سبحانه بهمة الشباب وحكمة الشيوخ يستعذبان رشفة الجهاد لخدمة العلم الشريف من مختلف منافذه وساحاته ، ومن خلال متابعتي لهذه الجهود المشكورة لاحظت من طرائف ذلك ضبط أبيات الشعر على تفعيلاتهها ونسبتها إلى بحرها تيسيرا على ذوي التخصص والتذوق الشعري.

أسال الله سبحانه أن يتقبله بقبول حسن ويجعله خالصا لوجهه الكريم.

وأن يجزيهم والقائمين على النشر والجنود المجهوليت والقارئين وإيانا ووالدينا ومشايخنا وأحبابنا في الله تعالى خير ما يجزي به عباده الصالحين. وآخردعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

كتبه

دکتور / محمد عبد المنعم البري

الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة

جامعة الأزهر الشريف

٤

تقديم

الإصابة في تمييز الصحابة

لابن حجر العسقلاني (٧٧٣ ـ ٨٥٢ هـ)

كتاب الإصابة من خير الكتب التي ألفت في تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم؟ فهم أفهم الناس لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث شاهدوا التنزيل ، وجلسوا بين يدي نبيهم واللغة لغتهم ، واللسان لسانهم ، فلا عجب أن ترى الأقلام تتسابق في تقريظهم ، والألسنة تلهج بذكرهم ، فقد كانوا لبنات المجتمع الإسلامي الأولى ، وارتفع هذا الصرح الشامخ على أكتافهم ، وتدعمت أركانه عليهم وبهم ، وعلى ظهورهم قام ، وانتشربين الأنام ، فجزاهم الله خيرا عن المسلمين والإسلام.

والكتاب الذي بين يديد ألفه ابن حجر العسقلاني وهو مؤرخ ثقة ، ودائرة معارف إسلامية ، ونابغة في علوم الحديث ورجاله ، لا تعجزه ، ولا يقصر باعه عن إقامة الدليل والبرهان وقد اطلعت على كثير من النسخ المحققة لكتاب الإصابة ، ولكني ـ والحق يقال ـ لم استمتع بتحقيقات نادرة ، وتعليقات زاخرة كما استمتعت بما أضافت إليه يد الشيخين : علي معوض وعادل عبد الموجود من لمحات ذكية ، وعبارات سنية ، وروافد تاريخية ، ولوان شتى من البلاغة العربية ، فأيقنت بأن على الساحة الإسلامية فتية آمنوا بربهم ف سن الشباب وحکمة الشيوخ ، فدعوت الله أن تظل أيدي أمثالهم عالية على تحقيق التراث ورجاله ، وأن يسدد خطاهم ، ويكلل بالنجاح مسعاهم أنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.

د/عبدالفتاح أبو سنة

٥

تقديم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحاب وأتباعه وأحبابه وبعد : فقد اطلعت على كتاب الإصابة في تمييز الصحابة من مصنفات الحافظ ابن حجر العسقلاني من أعلام الثامن والتاسع الهجريين بتحقيق الشيخين عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض فوجدته من أجل الكتب المصنفة في فنه وهدفه ومنهجه وتحقيقه : ـ إن معرفة الصحابة أصل لا يستغني عنه في دراسة الحديث النبوي.

ـ وان كتاب الإصابة بما يحتوي عليه من تمييز الصحابة يعد أجمع الكتب المصنفة في هذا المجال فقد احتوى أكثر من عشرة الآف ترجمة مع تنسيق جيد يسهل معه حصول الطالب على مبتغاة دون معاناة.

وقد بذل المحققان جهدا عظيما في توثيق التراجم وتخريج الأحادي والأشعار ونسبتها مع كتابة مقدمة ضافية ، تشهد بطول باعها في هذا الميدان ونصحهما في هذا المجال وإخلاصها للعمل وابتغائهما صحيح العلم. فجزاهما الله خير الجزاء ووفقهما لصالح الأعمال.

د / جمعة طاهر النجار

٦

من هو الصّحابيّ؟

الصّحابيّ لغة : مشتقّ من الصّحبة ، وليس مشتقّا من قدر خاصّ منها ، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلا أو كثيرا.

كما أنّ قولك : مكلّم ، ومخاطب ، وضارب ، مشتق من المكالمة ، والمخاطبة ، والضّرب.

وجار على كلّ من وقع منه ذلك ، قليلا أو كثيرا. يقال : صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة وهذا يوجب في حكم اللّغة اجراءها على من صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساعة من نهار.

قال السّخاويّ : «الصّحابيّ لغة : يقع على من صحب أقلّ ما يطلق عليه اسم صحبة ، فضلا عمّن طالت صحبته وكثرت مجالسته» (١).

الصّحابيّ عند علماء الأصول

قال أبو الحسين في «المعتمد» : هو من طالت مجالسته له على طريق التّبع له والأخذ عنه ، أما من طالت بدون قصد الاتباع أو لم تطل كالوافدين فلا.

وقال الكيا الطّبريّ : هو من ظهرت صحبته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صحبة القرين قرينه حتى يعد من أحزابه وخدمه المتصلين به.

قال صاحب «الواضح» : وهذا قول شيوخ المعتزلة. وقال ابن فورك : هو من أكثر مجالسته واختص به.

الصّحابيّ عند علماء الحديث

قال ابن الصّلاح حكاية عن أبي المظفّر السّمعانيّ أنه قال : أصحاب الحديث يطلقون اسم الصّحابة على كل من روى عنه حديثا أو كلمة ، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من

__________________

(١) فتح المغيث للسّخاوي ٣ / ٨٦.

٧

الصّحابة ، وهذا لشرف منزلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطوا كل من رآه حكم الصّحابة (١).

وقال سيّد التّابعين سعيد بن المسيّب : الصّحابي من أقام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين (٢).

ووجهه أن لصحبته صلى‌الله‌عليه‌وسلم شرفا عظيما فلا تنال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السّفر الّذي هو قطعة من العذاب ، والسّنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف فيها المزاج.

وقال بدر الدّين بن جماعة (٣) : وهذا ضعيف ، لأنه يقتضي أنه لا يعد جرير بن عبد الله البجليّ ، ووائل بن حجر وأضرابهما من الصحابة ، ولا خلاف أنهم صحابة.

وقال العراقيّ : ولا يصح هذا عن ابن المسيّب ، ففي الإسناد إليه محمّد بن عمر الواقديّ شيخ ابن سعد ضعيف في الحديث (٤).

وقال الواقديّ : ورأيت أهل العلم يقولون : كل من رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدّين ورضيه فهو عندنا ممّن صحب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو ساعة من نهار(٥).

وهذا التعريف غير جامع ، لأنه يخرج بعض الصحابة ممّن هم دون الحلم ورووا عنه كعبد الله بن عبّاس ، وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين ، وابن الزبير.

قال العراقيّ : والتّقييد بالبلوغ شاذّ (٦).

وقال السّيوطيّ في «تدريب الرّاوي» : ولا يشترط البلوغ على الصّحيح ، وإلا لخرج من أجمع على عدّه في الصّحابة.

والأصح ما قيل في تعريف الصّحابيّ أنه «من لقي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حياته مسلما ومات على إسلامه.

__________________

(١) المقدمة ص ١١٨ ، وفتح المغيث للعراقي ٤ / ٣ ، ٣١.

(٢) الكفاية ٦٩ ، وعلوم الحديث ٢٩٣ ، المنهل الرّويّ ١١٧ ، تدريب الرّاوي ٢ / ٢١١.

(٣) المنهل ١١٧ بتصرف ، وتدريب الرّاوي ٢ / ٢١١.

(٤) تدريب الرّاوي ٢ / ٢١٢.

(٥) فتح المغيث ٤ / ٣٢ والكفاية ٥.

(٦) فتح المغيث ٤ / ٣٢.

٨

شرح التّعريف :

(من لقي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : جنس في التّعريف يشمل كل من لقيه في حياته ، وأمّا من رآه بعد موته قبل دفنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا يكون صحابيّا كأبي ذؤيب الهذليّ الشّاعر فإنه رآه قبل دفنه.

(مسلما) : خرج به من لقيه كافرا وأسلم بعد وفاته كرسول قيصر فلا صحبة له.

(ومات على إسلامه) : خرج به من كفر بعد إسلامه ومات كافرا.

أما من ارتدّ بعده ثم أسلم ومات مسلما فقال العراقيّ : فيهم نظر ، لأن الشّافعيّ وأبا حنيفة نصّا على أن الردّة محبطة للصّحبة السابقة كقرّة بن ميسرة والأشعث بن قيس.

وجزم الحافظ ابن حجر شيخ الإسلام ببقاء اسم الصّحبة له كمن رجع إلى الإسلام في حياته كعبد الله بن أبي سرح.

وهل يشترط لقيه في حال النّبوة أو أعم من ذلك حتى يدخل من رآه قبلها ومات على الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل ، وكذا من رآه قبلها وأسلم بعد البعثة ولم يره؟.

قال العراقيّ : ولم أر من تعرّض لذلك ، وقد عد ابن مندة زيد بن عمرو في الصّحابة.

هل من الملائكة صحابة؟

الملائكة أجسام نورانيّة قادرة على التّشكيل والظهور بأشكال مختلفة ، وهي تتشكل بأشكال حسنة ، شأنها الطاعة وأحوال جبريل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين تبليغه الوحي وظهوره في صورة دحية الكلبي تؤيد رجحان هذا التعريف للملائكة على غيره.

والملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة ولا يتوالدون ، فمن وصفهم بذكورة فسق ومن وصفهم بأنوثة أو خنوثة كفر ، لقوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) (١) الآية ، ومسكنهم السموات ومنهم من يسكن الأرض.

وقد دل على وجودهم الكتاب والسنّة والإجماع فالمنكر كافر ، وإذا فيجب الإيمان إجمالا فيمن علم منهم إجمالا ، وتفصيلا فيمن علم بالشخص كجبريل وميكائيل أو بالنوع كحملة العرش والحافين من حوله والكتبة والحفظة وقد خلق الله الملائكة جندا له منفذين لأوامره في خلقه فمنهم ساكن السّماوات وأفضلهم حملة العرش والحافّين من حوله وهم الكروبيون ، ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية مع مالك ومنهم الموكلون بالجنة لإعداد النعيم مع رضوان ، ومنهم سفير الله إلى أنبيائه وهو جبريل ، والموكل بالمطر والسحاب

__________________

(١) الزخرف : ١٩.

٩

والرزق وهو ميكائيل ، وصاحب النفخ وهو إسرافيل ، والموكلون بحفظ بني آدم والكاتبون لأعمالهم ، ومنهم منكر ونكير فتانا القبر ، ومنهم ملك الموت وأعوانه وهو عزرائيل (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).

عصمة الملائكة

والقول الحق أنهم معصومون يستحيل صدور الذنوب منهم كبيرة كانت أو صغيرة بدليل قوله تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١).

وقوله : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢). وقوله : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٣). وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٤). أي أن شأنهم وحياتهم التي فطروا عليهما هي الخضوع والعبادة والله أعلم وهل هم صحابة أم لا؟. أجاب الحافظ ابن حجر رحمه‌الله فقال : وهل تدخل الملائكة محل نظر؟ ، وقد قال بعضهم إن ذلك ينبئ على أنه هل كان مبعوثا إليهم أو لا. وقد نقل الإمام فخر الدّين في «أسرار التّنزيل» الإجماع على أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن مرسلا إلى الملائكة ونوزع في هذا النقل بل رجح الشيخ تقيّ الدّين السّبكيّ أنه كان مرسلا إليهم.

هل من الجن صحابة؟!

اختلف علماء التّوحيد في بيان حقيقة الجن ، فقال بعضهم بتغاير حقيقته ، فعرّفوا الجن بأنها أجسام هوائية لطيفة تتشكل بأشكال مختلفة وتظهر منها أفعال عجيبة ، منهم المؤمن ومنهم الكافر.

أما الشّياطين : فهي أجسام نارية شأنها إقامة النفس في الغواية والفساد.

وقال آخرون إن حقيقتها واحدة وهي أجسام نارية عاقلة قابلة للتشكل بأشكال حسنة أو قبيحة ، وهم كبني آدم يأكلون ويشربون ويتناسلون ويكلفون ، منهم المؤمن ومنهم العاصي ، أما الشّيطان فاسم للعاصي ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٥). كما يدل على تكليفهم ووجودهم قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).الآيات ، وقوله : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) (٦). وحيث ثبت وجودهم بكلام الله وكلام أنبيائه

__________________

(١) التحريم : ٦.

(٢) الأنبياء : ٢٠.

(٣) النحل : ٥٠.

(٤) الأعراف : ٢٠٦.

(٥) الحجر : ٢٧.

(٦) الأحقاف : ٢٩.

١٠

وانعقد عليه الإجماع كان الإيمان بما ثبت واجبا ومنكره كافر .. والسؤال بعد ذلك هل هم داخلون في الصحابة الحق؟.

نعم. يدخل في الصّحابة رضوان الله تعالى عليهم من رآه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لقيه مؤمنا به من الجنّ ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إليهم قطعا وهم مكلّفون ، وفيهم العصاة والطّائعون.

قال الحافظ ابن حجر ، الرّاجح دخولهم ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إليهم قطعا.

قال السّبكيّ في فتاويه : كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مبعوثا إلى الإنس والجن كافّة وأن رسالته شاملة للثقلين فلا أعلم فيه خلافا ، ونقل جماعة الإجماع عليه.

قال السّبكيّ : والدّليل عليه قبل الإجماع الكتاب والسّنة ، أما الكتاب فآيات منها قوله تعالى : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً). (١)

وقد أجمع المفسّرون على دخول الجنّ في ذلك في هذه الآية. ومع ذلك هو مدلول لفظها ، فلا يخرج عنه إلّا بدليل.

ومنها قوله تعالى في سورة الأحقاف : (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (٢).

والمنذرون هم المخوفون مما يلحق بمخالفته لوم ، فلو لم يكن مبعوثا إليهم لما كان القرآن الّذي أتى به لازما لهم ولا خوفوا به.

ومنها قولهم فيها ، (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) فأمر بعضهم بعضا بإجابته دليل على أنه داع لهم ، وهو معنى بعثه إليهم.

ومنها قولهم : (وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ ...) الآية ، وذلك يقتضي ترتيب المغفرة على الإيمان به ، وأن الإيمان به شرط فيها ، وإنّما يكون كذلك إذا تعلّق حكم رسالته بهم ، وهو معنى كونه مبعوثا إليهم.

ومنها قولهم : (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ) الآية ، فعدم إعجازهم وأوليائهم ، وكونهم في ضلال مرتّب على عدم إجابته ، وذلك أدلّ دليل على بعثته إليهم.

ومنها قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٣). فهذا تهديد ووعيد شامل لهم وارد على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الله ، وهو يقتضي كونه مرسلا إليهم ، وأيّ معنى للرسالة غير ذلك وكذلك مخاطبتهم في بقيّة السورة بقوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) ، (٤) وغير ذلك من الآيات التي تضمّنتها هذه السورة.

__________________

(١) الفرقان : ١.

(٢) الأحقاف : ٢٩.

(٣) الرحمن : ٣١.

(٤) الرحمن : ٤٦.

١١

ومنها قوله تعالى في سورة الجنّ : (فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) (١) ، فإن قوة هذا الكلام تقتضي أنهم انقادوا له وآمنوا بعد شركهم ، وذلك يقتضي أنّهم فهموا أنّهم مكلّفون به ، وكذلك كثير من الآيات التي في هذه السّورة التي خاطبوا بها قومهم.

ومنها قولهم فيها : (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) (٢) ، وكذا قولهم : (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) (٣) الآيات.

ومنها قوله تعالى : (قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٤).

فهذه الآية تقتضي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منذر بالقرآن كله من بلغه القرآن جنيّا كان أو إنسيّا ، وهي في الدّلالة كآية الفرقان أو أصرح ، فإن احتمال عود الضّمير على الفرقان غير وارد هنا ، فهذه مواضع في الفرقان تدل على ذلك دلالة قوية ، أقواها آية الأنعام هذه ، وتليها آية الفرقان ، وتليها آيات الأحقاف ، وتليها آيات الرحمن ، وخطابها في عدّة آيات : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، وتليها سورة الجنّ ، فقد جاء ترتيبها في الدلالة والقوة كترتيبها في المصحف ، وفي القرآن أيضا ما يدلّ لذلك ، ولكن دلالة الإطلاق اعتمدها كثير من العلماء في مباحث ، وهو اعتماد جيد وهو هنا أجود ، لأن الأمر بالإنذار ، والمطلق إذا لم يتقيّد بقيد يدل على تمكن المأمور في الإتيان به في أي فرد شاء من أفراده وفي كلها ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم كامل الشفقة على خلق الله ، والنصيحة لهم والدعاء إلى الله تعالى ، فمع تمكنه من ذلك لا يتركه في شخص من الأشخاص ، ولا في زمن من الأزمان ، ولا في مكان من الأمكنة ، وهكذا كانت حالته ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويعلم أيضا من الشريعة أن الله تعالى لم يرده قوله : (قُمْ فَأَنْذِرْ) (٥) مطلق الإنذار حتى يكتفي بإنذار واحد لشخص واحد ، بل أراد التّشمير والاجتهاد في ذلك ، فهذه القرائن تفيد الأمر بالإنذار لكل من يفيد فيه الإنذار ، والجن بهذه الصّفة ، لأنه كان فيهم سفهاء وقاسطون وهم مكلفون فإذا أنذروا رجعوا عن ضلالهم فلا يترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعاءهم ، والآية بالقرائن المذكورة مفيدة للأمر بذلك فثبتت البعثة إليهم بذلك ، ومنها كل آية فيها لفظ المؤمنين ولفظ الكافرين مما فيه أمر أو نهي ونحو ذلك فإنّ المؤمنين والكافرين صفتان لمحذوف ، والموصوف المحذوف يتعيّن أن يكون النّاس بل المكلّفون أعمّ من أن يكونوا إنسا أو جنّا ، وإذا ثبت ذلك أمكن الاستدلال بما لا يعدّ ولا يحصى من الآيات كقوله تعالى :

__________________

(١) الجن : ٢.

(٢) الجن : ١٣.

(٣) الجن : ١٤.

(٤) الأنعام : ١٩.

(٥) المدثر : ٢.

١٢

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١) فالجن الذين لم يتبعوه ليسوا مفلحين ، وإنما يكون كذلك ، وإذا ثبتت رسالته في حقهم.

وكقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) (٢) ، وكقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٣) ، ونحو ذلك من الآيات أيضا قوله تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) (٤) ، ومن الجن كذلك ، ولو تتبّعنا الآيات التي من هذا الجنس لوجدناها جاءت كثيرة.

واعلم أن المقصود بتكثير الأدلة أن الآية الواحدة والآيتين قد يمكن تأويلها ، ويتطرّق إليها الاحتمال فإذا كثرت قد تترقى إلى حدّ يقطع بإرادة ظاهرها ، وبقي الاحتمال والتأويل عنها.

وأمّا السّنّةففي صحيح مسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (فضّلت على الأنبياء بستّ : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرّعب ، وأحلّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافّة ، وخيم بي التّيسيّون) (٥).

ومحل الاستدلال قوله : (وأرسلت إلى الخلق كافّة) ، فإنه يشمل الجن والإنس ، وحمله على الإنس خاصّة تخصيص بغير دليل فلا يجوز ، والكلام فيه كالكلام في قوله تعالى : (لِلْعالَمِينَ).

فإن قال قائل : على أن المراد بالخلق الناس رواية البخاري من حديث جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد من الأنبياء قبلي) (٦) ، فذكر من جملتها :

__________________

(١) الأعراف : ١٥٧.

(٢) الأحقاف : ١٢.

(٣) البقرة : ٢.

(٤) يس : ١١.

(٥) أخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥) حديث رقم (٥ / ٥٢٣) والترمذي في السنن ٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥ كتاب السير (٢٢) باب ما جاء في الغنيمة (٥) حديث رقم ١٥٥٣ وقال حسن صحيح وأحمد في المسند ٢ / ٤١٢ ـ والبيهقي في السنن ٢ / ٤٣٢ ، ٩ / ٥ والبيهقي في دلائل النبوة ٥ / ٤٧٢ ـ وذكره الهيثمي في الزوائد ٨ / ٢٦٩ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣١٩٣٢.

(٦) متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنه أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ كتاب القيم (٧) باب (١) حديث رقم (٣٣٥) ـ واللفظ له ـ ومسلم في الصحيح ١ / ٣٧٠ كتاب المساجد (٥) حديث رقم (٣ / ٥٢١) وأحمد في المسند ٣ / ٣٠٤ ، ٥ / ١٤٨ ـ والدارميّ في السنن ٢ / ٢٢٤ والبيهقي في السنن ١ / ٢١٢ ، ٢ / ٣٢٩ ، ٤٣٣ ، ٦ / ٢٩١ ، ٩ / ٤٠ وأبو نعيم في الحلية ٨ / ٣١٦ ـ وابن أبي شيبة ـ

١٣

«وأرسلت إلى النّاس كافّة» ، قلنا : لو كان هذا حديثا واحدا كنا نقول : لعلّ هذا اختلاف من الرّواة ، ولكن الّذي ينبغي أن يقال : إنهما حديثان ، لأن حديث مسلم من رواية أبي هريرة ، وفيه ست خصال ، وحديث البخاريّ من رواية جابر وفيه خمس خصال.

والظّاهر أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالهما في وقتين ، وفي حديث مسلم زيادة في عدة الخصال ، وفي سنن المرسل إليهم فيجب إثباتها زيادة على حديث جابر ، وليس بنا ضرورة إلى حمل أحد الحديثين على الآخر إذ لا منافاة بينهما ، بل هما حديثان مختلفا المخرج والمعنى ، وإن كان بينهما اشتراك في أكثر الأشياء ، وخرج كل من صاحبي الصّحيحين واحدا منها ولم يذكر الآخر.

فهذا الحديث الّذي ذكرناه عن مسلم واستدللنا به أصرح الأحاديث الصحيحة الدالة على شمول الرّسالة للجنّ والإنس.

ومن الأدلّة أيضا أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاتم النبيين وشريعته آخر الشرائع وناسخة لكل شريعة قبلها ، ولا شريعة باقية الآن غير شريعته ، ولذلك إذا نزل عيسى ابن مريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّما يحكم بشريعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلو لم يكن الجن مكلفين بها لكانوا إمّا مكلفين بشريعة غيرها ، وهو خلاف ما تقرّر ، وإمّا ألّا يكونوا مكلّفين أصلا ، ولم يقل أحد بذلك ، ولا يمكن القول به ، لأن القرآن كله مليء بتكليفهم ، قال تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وقال (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) إلى غير ذلك من الآيات ، ودخولهم النار دليل على تكليفهم ، وهذا أوضح من أن يقام عليه دليل ، فإن تكليفهم معلوم من الشرع بالضرورة ، وتكليفهم بغير هذه الشّريعة يستلزم بقاء شريعة معها ، فثبت أنّهم مكلّفون بهذه الشريعة كالإنس(١).

وقال ابن حزم الظّاهريّ : قد أعلمنا الله أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ففيهم صحابة فضلاء. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

ـ (١١) / ٤٣٢ والبخاري في التاريخ الكبير ٤ / ١١٤ ، ٥ / ٤٥٥ وذكره المنذري في الترغيب ٤ / ٤٣٣ ـ والهيثمي في الزوائد ٨ / ٦١ ، ٦٢ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣١٩٣٠ ، ٣٢٠٥٩ ، ٣٢٠٦٠ ، ٣٢٠٦١ ، ٣٢٠٦٢.

(١) انظر فتاوى السبكي ٢ / ٥٩٤ وما بعدها بتصرف.

١٤

بم يعرف الصّحابيّ؟

يعرف الصّحابيّ بأحد الأدلّة التّالية : أولا : التّواتر ، وهو رواية جمع عن جمع يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب ، وذلك كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وبقيّة العشرة المبشّرين بالجنّة ـ رضي‌الله‌عنهم.

ثانيا : الشّهرة أو الاستفاضة القاصرة عن حد التواتر كما في أمر ضمام بن ثعلبة ، وعكاشة بن محصن.

ثالثا : أن يروى عن آحاد الصّحابة أنه صحابي كما في حممة بن أبي أحممة الدّوسيّ الّذي مات ب «أصبهان» مبطونا فشهد له أبو موسى الأشعريّ أنه سمع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكم له بالشهادة ، هكذا ذكره أبو نعيم في «تاريخ أصبهان».

رابعا : أن يخبر أحد التّابعين بأنه صحابي بناء على قبول التّزكية من واحد عدل وهو الرّاجح.

خامسا : أن يخبر هو عن نفسه بأنه صحابيّ بعد ثبوت عدالته ومعاصرته ، فإنه بعد ذلك لا يقبل ادّعاؤه بأنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو سمعه ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث الصحيح :«أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنّه على رأس مائة سنة منه لا يبقى أحد ممّن على ظهر الأرض ...» (١).

يريد بهذا انخرام ذلك القرن ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك في سنة وفاته ، ومن هذا المأخذ لم يقبل الأئمّة قول من ادّعى الصّحبة بعد الغاية المذكورة.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في «الإصابة» ـ هنا ـ ضابطا يستفاد منه معرفة جمع كثير من الصّحابة يكتفى فيهم بوصف يتضمّن أنهم صحابة ، وهو مأخوذ من ثلاثة آثار : أحدها : أنهم كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصّحابة ، فمن تتبّع الأخبار الواردة من الرّدة والفتوح وجد من ذلك الكثير.

__________________

(١) أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٢٣٥ كتاب مواقيت الصلاة باب ذكر العشاء والعتمة حديث رقم ٥٦٤ ومسلم في الصحيح ٤ / ١٩٦٥ كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم (٥٣) حديث رقم (٢١٧ / ٢٥٣٧) والترمذي في السنن ٤ / ٤٥١ كتاب الفتن (٣٤) باب (٦٤) حديث رقم ٢٢٥١ ـ وأحمد في المسند ٢ / ٢٢١ والبيهقي في السنن ١ / ٤٥٣ ، ٩ / ٧ والبيهقي في دلائل النبوة ٦ / ٥٠٠ والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٧ وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٨٣٤٤.

١٥

ثانيها : أن عبد الرّحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا له ، وهذا أيضا يوجد منه الكثير.

ثالثها : أنه لم يبق بالمدينة ولا بمكّة ولا الطّائف ولا من بينها من الأعراف إلا من أسلم وشهد حجّة الوداع ، فمن كان في ذلك الوقت موجودا اندرج فيهم ، لحصول رؤيتهم للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن لم يرهم هو.

قال الذّهبيّ في «الميزان» في ترجمة «رتن» ٢ / ٤٥ «وما أدراك ما رتن؟! شيخ دجّال بلا ريب ، ظهر بعد السّتمائة فادّعى الصّحبة ، والصّحابة لا يكذبون وهذا جريء على الله ورسوله ، وقد ألّفت في أمره جزءا».

حكمة الله في اختيار الصّحابة

الواقع أنّ العقل المجرّد من الهوى والتعصّب ، يحيل على الله في حكمته ورحمته ، أن يختار لحمل شريعته الختاميّة أمة مغموزة أو طائفة ملموزة تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، ومن هنا كان توثيق هذه الطّبقة الكريمة طبقة الصّحابة ، يعتبر دفاعا عن الكتاب والسّنّة وأصول الإسلام من ناحية ، ويعتبر إنصافا أدبيّا لمن يستحقونه من ناحية ثانية ، ويعتبر تقديرا لحكمة الله البالغة في اختيارهم لهذه المهمّة العظمى من ناحية ثالثة ، كما أن توهينهم والنيل منهم يعدّ غمزا في هذا الاختيار الحكيم ، ولمزا في ذلك الاصطفاء والتّكريم فوق ما فيه من هدم الكتاب والسنّة والدّين.

على أن المتصفّح لتاريخ الأمّة العربية وطبائعها ومميزاتها يرى من سلامة عنصرها وصفاء جوهرها ، وسمو مميزاتها ، ما يجعله يحكم مطمئنّا بأنّها صارت خير أمّة أخرجت للنّاس بعد أن صهرها الإسلام ، وطهرها القرآن ونفى خبثها سيّد الأنام ، عليه الصّلاة والسّلام.

ولكن الإسلام قد ابتلي حديثا بمثل أو بأشدّ ممّا ابتلي به قديما ، فانطلقت ألسنة في هذا العصر ترجف في كتاب الله بغير علم ، وتخوض في السّنة بغير دليل ، وتطعن في الصّحابة دون استحياء ، وتنال من حفظة الشريعة بلا حجّة ، وتتهمهم تارة بسوء الحفظ ، وأخرى بالتزيد وعدم التثبت ، وقد زوّدناك ، وسلّحناك ، فانزل في الميدان ولا تخش عداك.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ).

نصرنا الله بنصرة الإسلام ، وثبت منا الأقدام والحمد لله في البدء والختام.

١٦

مرتبة الصّحابة

للصّحابة ـ رضي‌الله‌عنهم أجمعين ـ خصيصة ، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم ، وذلك أمر مسلّم به عند كافّة العلماء ، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الشرع من الكتاب والسّنة ، وإجماع من يعتدّ به في الإجماع من الأمّة.

فأمّا الكتاب :

قال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ، تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ، فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ، وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (١).

وقال تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢).

وقال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٣).

وقال تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (٤).

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٥).

وقال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦).

وقال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (٧).

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) الحشر : ٨ ـ ٩.

(٣) الأنفال : ٧٤.

(٤) الفتح : ١٨.

(٥) التوبة : ١١٨.

(٦) التوبة : ١٠٠.

(٧) البقرة : ١٤٣.

١٧

والوسط : الخيار والعدول ، فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونيّاتهم ، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرّسل على أممهم يوم القيامة ، والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم فهم شهداؤه ، ولهذا نوّه بهم ورفع ذكرهم وأثنى عليهم ، لأنه تعالى لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء ، وأمر ملائكته أن تصلّي عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم ، والشّاهد المقبول عند الله هو الّذي يشهد بعلم وصدق فيخبر بالحق مستندا إلى علمه به ، كما قال تعالى : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١) (٢).

وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (٣).

ويدخل في الخطاب الصَّحابيّ من باب أولى ، فلقد شهد بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر.

وقال تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ ، وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (٤).

فأخبر تعالى أنه اجتباهم ، والاجتباء كالاصطفاء ، وهو افتعال من «اجتبى الشّيء يجتبيه» ، إذا ضمّه إليه وحازه إلى نفسه ، فهم المجتبون الّذين اجتباهم الله إليه وجعلهم أهله وخاصّته وصفوته من خلقه بعد النّبيين والمرسلين ، ولهذا أمرهم تعالى أن يجاهدوا فيه حقّ جهاده ويبذلوا له أنفسهم ويفردوه بالمحبّة والعبوديّة ، ويختاروه وحده إلها معبودا محبوبا على كل ما سواه ، كما اختارهم على من سواهم ، فيتخذونه وحده إلههم ومعبودهم الّذي يتقربون إليه بألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم ، فيؤثرونه في كل حال على من سواه كما اتخذهم عبيده وأولياءه وأحبّاءه ، وآثرهم بذلك على من سواهم ، ثم أخبرهم تعالى أنّه يسّر عليهم دينه غاية التّيسير ، ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتّة لكمال محبَّته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم ، ثم أمرهم بلزوم ملّة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم ، وهي إفراده تعالى وحده بالعبودية والتعظيم والحبّ والخوف والرّجاء والتوكّل والإنابة والتفويض والاستسلام ، فيكون تعلّق ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره ، ثم أخبر تعالى أنه فعل ذلك

__________________

(١) الزخرف : ٨٦.

(٢) أعلام الموقعين ٤ / ١٠٢.

(٣) آل عمران : ١١٠.

(٤) الحج : ٧٨.

١٨

ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على النّاس ، فيكون مشهودا لهم بشهادة الرّسول ، شاهدين على الأمم بقيام حجّة الله عليهم (١).

وقال تعالى : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) (٢).

قال ابن عبّاس : أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم اصطفاهم الله لنبيه عليه‌السلام (٣).

تلك آيات عظيمة نزلت من عند المولى عزوجل تشهد بفضل وعدالة جميع أصحاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الّذين كانوا معه في المواقف الحاسمة في تاريخ الدّعوة الإسلامية ابتداء من دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وانتهاء بفتح المدائن.

فمن الأمور القطعيّة الثبوت والدّلالة أن عدالة أصحاب سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءت من فوق سبعة أرقعة ، فلا يتصور لإنسان مهما أوتي من علم ومعرفة أن يطعن في صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد شهادة الله عزوجل لهم!!

وهذا سنفرد له كلمة عن الحديث عن سيدنا «أبي هريرة» رضي الله تعالى عنه.

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ ، وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٤).

وأمّا السّنّة :

وفي نصوص السّنّة النبويّة المشرّفة الشّاهدة بذلك كثرة منها : عن أبي سعيد عن النّبي ـ عليه‌السلام ـ قال : «لا تسبّوا أصحابي ، فو الّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» (٥).

__________________

(١) أعلام الموقعين ٤ / ١٠٢.

(٢) النحل : ٥٩.

(٣) شرح السنن بتحقيقنا ٧ / ٧١ والدّليل عليه قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) فاطر : ٣٢ وحقيقة الاصطفاء : افتعال من التّصفية فيكون قد صفّاهم من الأكدار والخطأ من الأكدار فيكونون مصفّين منه ، ولا ينتقض هذا بما إذا اختلفوا ، لأن الحق لم يعدهم ، فلا يكون قول بعضهم كدرا ، لأن مخالفته أكدر ، وبيانه يزيل كونه كدرا بخلاف ما إذا قال بعضهم قولا ولا يخالف فيه فلو كان قولا باطلا ولم يرده راد لكان حقيقة الكدر ، وهذا لأن خلاف بعضهم لبعض بمنزلة متابعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض أموره ، فإنّها لا تخرجه عن حقيقة الاصطفاء : أعلام الموقعين ٤ / ١٠٠.

(٤) التوبة : ٣٢.

(٥) أخرجه البخاريّ ٧ / ١٢ كتاب «فضائل الصّحابة» باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو كنت متّخذا خليلا» (٣٦٧٣) ومسلم ٤ / ١٩٦٧ ـ ١٩٦٨ كتاب «فضائل الصّحابة» : باب تحريم سبّ الصحابة (٢٢٢ ـ ٢٥٤١) وأبو

١٩

وهذا خطاب منه لخالد بن الوليد ولأقرانه من مسلمة الحديبيّة والفتح ، فإذا كان مدّ أحد أصحابه أو نصيفه أفضل عند الله من مثل أحد ذهبا من مثل خالد وأضرابه من أصحابه ، فكيف يجوز أن يحرمهم الله الصّواب في الفتاوى ويظفر به من بعدهم؟ هذا من أبين المحال (١) وعن عبد الله بن مغفّل المزنيّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله الله في أصحابي ، الله الله في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه (٢).

وعن أبي موسى قال : صلّينا مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المغرب ، ثم قلنا : لو انتظرنا حتى نصلّي معه العشاء ، فانتظرناه فخرج علينا ، فقال : «ما زلتم ها هنا» ، قال : قلنا : نعم يا رسول الله ، قلنا : نصلّي معك العشاء ، قال : «أحسنتم وأصبتم» ، ثم رفع رأسه إلى السّماء ، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السّماء ، قال : «النّجوم أمنة لأهل السّماء ، فإذا ذهبت النّجوم أتى أهل السّماء ما يوعدون وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمّتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمّتي ما يوعدون» (٣).

ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه ، وكنسبة النّجوم إلى السماء ، ومن المعلوم أنّ هذا التّشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونظير اهتداء أهل الأرض بالنّجوم ، وأيضا فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم ، وحرزا من الشّرّ وأسبابه (٤).

وعن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير أمّتي القرن الّذي بعثت فيهم ، ثمّ الَّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم» (٥).

__________________

ـ داود ٤ / ٢١٤ كتاب السنن : باب النّهي عن سب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤٦٥٨) والترمذي ٥ / ٦٥٣ كتاب «المناقب» : باب فضل من بايع تحت الشجرة (٣٨٦١).

(١) أعلام الموقعين لابن القيم ٤ / ١٠٥.

(٢) أخرجه التّرمذيّ ٥ / ٦٥٣ في المصدر السابق (٣٩٦٢) وصححه ابن حبان ذكره الهيثمي في «موارد الظّمآن» (٥٦٩) باب فضل أصحاب رسول الله (٢٢٨٤) وأحمد في المسند ٤ / ٨٧.

(٣) أخرجه مسلم ٤ / ١٩٦١ كتاب «فضائل الصّحابة» : باب بيان أن بقاء النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمان لأصحابه (٢٠٧ ـ ٢٥٣١) وأحمد في المسند ٤ / ٣٩٩.

(٤) أعلام الموقعين ٤ / ١٠٤ ، ١٠٥.

(٥) أخرجه مسلم في المصدر السابق ٢١٥١ ـ ٢٥٣٥) والترمذي ٤ / ٤٣٤ كتاب الفتن : باب ما جاء في القرن الثالث (٢٢٢٢) وأبو داود ٤ / ٢١٤ كتاب السنة : باب في فضل أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤٦٥٧) وأحمد في المسند ٢ / ٢٢٢٨ والبيهقي في السنة ١٠ / ١٦٠ والطبراني في الكبير ١٨ / ٢١٣.

٢٠