تفسير الصّافي - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٧٩

في المجمع عن الباقر عليه السلام : انما كرر الأمر بالحكم بينهم لأنهما حكمان أمر بهما جميعاً لأنّهم احتكموا إليه في قتل كان بينهم وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ أن يضلّوك ويصرفوك عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الحكم المنزل وأرادوا غيره فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ فيه تنبيه على أنّ لهم ذنوباً كثيرة والتولي عن حكم الله مع عظمته واحد منها معدودة من جملتها وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ هذا تسلية للنّبي صلىّ الله عليه وآله وسلم عن امتناع القوم من الإِقرار بنبوّته والاسراع إلى اجابته بأنّ أهل الإِيمان قليل وانّ أهل الفسق كثير فلا ينبغي أن يعظم ذلك عليك.

(٥٠) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ إنكار على توليّهم عن حُكْمِ الله وقرء بالتّاءِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي هذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم هم الّذين يتدبرون الأمور ويتحقّقون الأشياء بأنظارهم فيعلمون أن لا أحسن حكماً من الله.

في الكافي عن الصادق عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما : الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية فمن اخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية وقد قال الله عزّ وجلّ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية.

(٥١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ لا تعتمدُوا على الإِنتصار بهم متودّدين إليهم ولا تعاشر وهم معاشرة الأحباب بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في العون والنصرة ويدهم واحدة عليكم وهم المتفقون في مضادتكم وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ من استنصر بهم فهو كافر مثلهم.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : من تولىَّ آل محمّد صلوات الله عليهم وقدّمهم على جميع الناس بما قدّمهم من قرابة رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فهو من آل محمّد صلوات الله عليهم بمنزلة آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين لا انّه من القوم بأعيانهم وانما هو منهم بتوليه إليهم واتباعه إيّاهم وكذلك حكم الله في كتابه وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وقول إبراهيم فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

٤١

الذين ظلموا أنفسهم والمؤمنين بموالاة الكفّار.

(٥٢) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كابن أُبيّ وأضرابه يُسارِعُونَ فِيهِمْ بموالاتهم ومعاونتهم يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم دائرة من الدّوائر بأن ينقلب الأمر ويكون الدولة للكفار رويَ أن عبادة بن الصامت قال لرسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم : أنّ لي موالي من اليهود كثيراً عددهم وأنّي أبرء إلى الله والى رسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله فقال ابن أبيّ إنِّي رجل أخاف الدواير لا أبرئ من ولاية مواليّ فنزلت فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ لرسوله أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فيه إعزاز المؤمنين وإذلال المشركين وظهور الإِسلام فَيُصْبِحُوا أي هؤلاءِ المنافقين عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ من النفاق والشك في أمر الرسول نادِمِينَ.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : في تأويل هذه الآية اذن (١) في هلاك بني أميّة بعد إحراق زيد سبعة أيام.

(٥٣) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا بعضهم لبعض أو لليهود وقرء بدون واو العطف وبالنّصب عطفاً على يأتي أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ تعجباً من حال المنافقين وتبجحاً (٢) بما من الله عليهم مِن الإِخلاص وجهد الأيمان أغلظها حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ أمّا من جهة المقول أو من قول الله شهادةً لهم.

وفيه معنى التعجّب كأنّه قيل ما أحبط أعمالهم ما أخسرهم.

(٥٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ وقرء يرتدد بدالين جوابه محذوف يعني فلن يضرّ دين الله شيئاً فانّ الله لا يخلّى دينه من أنصار يحمونه.

القمّيّ قال هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الّذِينَ غصبوا آل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم وارتدوا عن دين الله فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ يحبهم الله ويحبون اللهَ وقد سبق معنى المحبّة من الله ومن العباد أَذِلَّةٍ عَلَى

__________________

(١) أي كما أذن الله في هلاكهم انّما ذكر بمناسبة قوله فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ.

(٢) البَجَحْ محرّكة الفَرَح.

٤٢

الْمُؤْمِنِينَ (١) رحماء عليهم من الذِّلِّ بالكسر الّذي هو اللينّ لا من الذُّل بالضّمِ الّذي هو الهوان أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ غلاظ شداد عليهم من عَزَّه إذا غلبه يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بالقتال لإِعلاء كلمة الله وإعزاز دينه وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ فيما يأتون من الجهاد والطاعة.

في المجمع عن الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام : هم أمير المؤمنين وأصحابه حتى قاتل من قاتله من النَّاكثين والقاسطين والمارقين.

قال ويؤيّد هذا : أن النّبي صلىّ الله عليه وآله وسلم وصفه بهذه الصّفات حين ندبه لفتح خيبر بعد أن ردّ عنها صاحب الرَّاية إليه مرة بعد أخرى وهو يجبّن الناس يجبّنونه لأُعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّاراً غير فرّار لا يرجع حتّىّ يفتح الله على يديه ثمّ أعطاها إيّاها فأمّا الوصف بِاللين على أهل الإِيمان والشدة على الكفّار والجهاد في سبيل الله مع أنّه لا يخاف لومة لائم فما لا يمكن دفع عليّ عن استحقاق ذلك لما ظهر من شدّته على أهل الشرك والكفر ونكايته فيهم ومقاماته المشهورة في تشييد الملّة ونصرة الدين والرأفة بالمؤمنين وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : يوم البصرة والله ما قوتل أهل هذه الآية حتّى اليوم وتلا هذه الآية وعن النبيّ صلىّ الله عليه وآله وسلم : يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلّئون (٢) عن الحوض فأقول يا ربّ أصحابي أصحابي فيقال لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.

والقمّيّ انّها نزلت في مهدي الأمة وأصحابه عليهم السلام وأوّلها خطاب لمن ظلم آل محمّد صلوات الله عليهم وقتلهم وغصبهم حقهم.

وفي المجمع ويمكن أن ينصر هذا بأن قوله سبحانه فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يوجب أن يكون ذلك القوم غير موجودين في وقت نزول الخطاب فهو يتناول من يكون بعدهم بهذه

__________________

(١) قال ابن عبّاس تراهم للمؤمنين كالولد لوالده وكالعبد لسيّده وهم في الغلظة على الكافرين كالسّبع على فريسته.

(٢) حلأت الإِبل بالتّشديد تحلئةً وتحلاً طردتها عنه ومنعتها ان تراه وكذلك غير الإِبل.

٤٣

الصفة الى قيام السَّاعة.

أقول : لا منافاة بين الرّوايتين على ما حقّقناه في المقدمات من جواز التعميم ذلِكَ فَضْلُ اللهِ أي محبّتهم لله سبحانه ولين جانبهم للمؤمنين وشدّتهم على الكافرين تفِضّل من الله وتوفيق ولطف منه ومنّة من جهته يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ يعطيه من يعلم أنّه محلّ له وَاللهُ واسِعٌ جواد لا يخاف نفاد ما عنده عَلِيمٌ بموضع جوده وعطائه

(٥٥) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : في تفسير هذه الآية يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني عليّاً وأولاده الأئمّة إلى يوم القيامة ثمّ وصفهم الله فقال الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر وقد صلّى ركعتين وهو راكع وعليه حلّة قيمتها ألف دينار وكان النّبي صلىّ الله عليه وآله وسلم أعطاه إيَّاها وكان النّجاشي أهداها له فجاء سائل فقال السلام عليك يا وليّ الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم تصدّق على مسكين فطَرَحَ الحلّة إليه وأومى بيده إليه أن أحملها فأنزل الله عزّ وجلّ فيه هذه الآية وصيّر نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النّعمة مثله فيتصدّقون وهم راكعون والسَّائل الذي سئل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة والّذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة.

وعنه عن أبيه عن جدّه عليهم السَّلام : في قوله عزّ وجلّ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها قال لمّا نزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ الآية اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم في مسجد المدينة فقال بعضهم إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها وإن آمنّا فانّ هذا ذلّ حين يسلّط علينا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقالوا قد علمنا أنّ محمّداً صلىّ الله عليه وآله وسلم صادق فيما يقول ولكنّا نتولّاه ولا نطيع عليّاً فيما أمرنا قال فنزلت هذه الآية يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها يعني ولاية عليّ وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ بالولاية.

٤٤

وعنه عليه السلام : أنّه سئل الأوصياء طاعتهم مفروضة فقال نعم هم الّذين قال الله أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وهم الّذين قال الله إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية.

وفي الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث : فقال المنافقون فهل بقي لربّك علينا بعد الّذي فرض علينا شيء آخر يفترض فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنّه لم يبق غيره فأنزل الله في ذلك قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ يعني الولاية فأنزل الله إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ الآية وليس بين الأمّة خلاف إنّه لم يؤتِ الزّكوة يومئذ أحد منهم وهو راكع غير رجل واحد ولو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما أسقط.

وعن الباقر عليه السلام عن رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم في حديث : في قوله سبحانه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قال وأنا مبينّ لكم سبب نزول هذه الآية إنّ جبرئيل هبط إليّ مراراً يأمرني عن السّلام ربّي وهو السّلام أن أقوم في هذا المشهد فَأُعْلِمَ كُلّ أبيض وأسود أنّ عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه أخي ووصييّ وخليفتي والإِمام من بعدي وهو وليّكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليّ بذلك آية من كتابه إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ الآية وعليّ بن أبي طالب عليه السلام أقام الصّلوة وآتى الزّكوة وهو راكع يريد الله عزّ وجلّ في كل حال.

وفي الخصال في احتجاج علي صلوات الله عليه على أبي بكر قال : فأنشدك بالله أَلِيَ الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكوة الخاتم أم لك قال بل لك وفيه في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وتعدادها قال : وأمّا الخامسة والستّون فانّي كنت أصليّ في المسجد فجاء سائل وأنا راكع فناولته خاتمي من أصبعي فأنزل الله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ الآية.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : بينما رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم جالس وعنده قوم من اليهود وفيهم عبد الله بن سلام إذ نزلت عليه هذه الآية فخرج رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم إلى المسجد فاستقبله سائل فقال هل أعطاك أحد شيئاً قال نعم ذاك المصليّ فجاءَ رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام.

٤٥

والأخبار ممّا روته العامّة والخاصّة في أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام كثيرة جدّاً ونقل في المجمع عن جمهور المفسّرين أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام حين تصدق بخاتمه في ركوعه وذكر قصته عن ابن عبّاس وغيره ويمكن التوفيق بين ما رواه في الكافي أنّ المصدّق به كان حلة وبين ما رواه غيره واشتهر بين الخاصّة والعامّة أنه كان خاتماً بأنّه لعلّه تصدّق في ركوعه مرّة بالحلّة واخرى بالخاتم والآية نزلت بعد الثانية وفي قوله تعالى وَيُؤْتُونَ اشعار بذلك لتضمنه التكرار والتجدّد كما أنّ فيه اشعار بفعل أولاده أيضاً.

(٥٦) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ فانّ هُمُ الْغالِبُونَ وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على البرهان عليه وكأنّه قيل فانّهم حزب الله وفَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (١) وتنويهاً بذكرهم وتعظيماً لشأنهم وتشريفاً لهم بهذا الاسم وتعريضاً بمن يوالي غير هؤلاءِ بأنّه حزب الشيطان وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حزبهم ، في المجالس عن الباقر عليه السلام : في قوله إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ الآية قال إنّ رهطاً من اليهود أسلموا منهم عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن أمين وابن صوريا فأتوا النّبي صلىّ الله عليه وآله وسلم فقالوا يا نبيّ الله إنّ موسى أوصى الى يوشع بن نون فمن وصيّك يا رسول الله ومن وليّنا بعدك فنزلت هذه الآية إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ الآية قال رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم قوموا فقاموا فأتوا المسجد فإذا سائل خارج فقال يا سائل ما أعطاك أحد شيئاً قال نعم هذا الخاتم قال من أعطاكه قال أعطانيه ذلك الرّجل الّذي يصليّ قال قال على أي حال أعطاك قال كان راكعاً فكبّر النّبي صلىّ الله عليه وآله وكبّر أهل المسجد فقال النبيّ صلىّ الله عليه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب عليه السلام وليّكم بعدي قالوا رضينا بالله ربّاً وبالإِسلام ديناً وبمحمّد صلىّ الله عليه واله وسلم نبيّاً وبعليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وليّاً فأنزل الله وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ.

__________________

(١) يقال نوّهت باسمه بالتّشديد إذا رفعت ذكره ونوّهته تنويهاً إذا رفعته وناه الشيء ينوه إذا ارتفع فهو نأيه قاله الجزري.

٤٦

وروي عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : والله لقد تصدقت بأربعين خاتماً وأنا راكع لينزل فيَّ ما نزل في عليّ بن أبي طالب فما نزل.

وفي الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام : وَالَّذِينَ آمَنُوا في هذا الموضع هم المؤتمنون على الخلائق من الحجَج والأَوصياء في عصر بعد عصر.

وفي التّوحيد عن الصّادق عليه السّلام : يجيء رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم القيمة آخذاً بحجزة (١) ربّه ونحن آخذون بحجزة نبيّنا صلّى الله عليه وآله وشيعتنا آخذون بحجزتنا فنحن وشيعتنا حزب الله وحزب الله صلّى الله عليه وآله آخذاً بدين الله ونحن نجيء آخذين بدين نبيّنا صلّى الله عليه وآله وتجيء شيعتنا آخذين بديننا.

(٥٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وقرء الكفّار بالجَرِّ الى رتّب النّهي عن موالاتهم على اتّخاذهم دينهم هزواً ولعباً إيماء على العلّة وتنبيهاً على انّ من هذا شأنه بعيد عن الموالاة جدير بالمعاداة قيل نزلت في رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث أظهرا الإِسلام ثمّ نافقا وكان رجال من المسلمين يوادّونهما خصّ المنافقين باسم الكفّار وان عم اهل الكتاب لتضاعف كفرهم وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

(٥٨) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً اتّخذوا الصّلوة والمناداة مضحكة روى : انّ نصرانيّاً بالمدينة كانَ إذا سمع المؤذّن يقول اشهد انّ محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله قال أحرق الله الكاذب فدخل خادمه ذات ليلة بنار واهله نيام فتطاير شرارة في البيت فأحرقه واهله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ فانّ السّفه يؤدي الى الجهل بالحقّ والهزء (٢) به والعقل يمنع منه.

__________________

(١) في حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله خذوا بحجزة هذا الأنزع يعني عليّاً عليه السلام فانّه الصِّدّيق الأكبر والفاروق الأعظم يفرق بين الحق والباطل الحجزة بضمّ الحاء المهملة وإسكان الجيم والزاي معقد الإزار ثمّ قيل للإزار حجزة للمجاورة والجمع حجز مثل غرفة غرف وقد استعير الأخذ بالحجزة للتمسّك والاعتصام يعني تمسّكوا واعتصموا به.

(٢) الهزو والهزء السّخرية والاستخفاف يعدّى بالباء فيقال هزأت به واستهزأت به سخرت به ويقال هزأت منه أيضاً.

٤٧

(٥٩) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا هل تنكرون منا وتعيبون إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ بالكتب المنزلة كلّها وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ وبأن أكثركم خارجون عن أمر الله طلباً للرّياسة وحَسَداً على منزلة النّبوة.

(٦٠) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ المنقوم يعني ان كان ذلك شرّاً عندكم فأنا اخبركم بشرّ منه مَثُوبَةً جزاءً ثابتاً عِنْدَ اللهِ والمثوبة مختصّة بالخير كالعقوبة بالشّر وضعت هاهنا موضعها على طريقة قوله سبحانه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* مَنْ لَعَنَهُ اللهُ ابعد من رحمته وَغَضِبَ عَلَيْهِ وسخط عليه بكفره وانهماكه في المعاصي بعد وضوح الآيات وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ مسخهم وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ وقرء (١) بضم الباء وجرّ التّاء ومن عَبَدَ الطَّاغُوتَ وهو الشّيطان وكلّ من عبد من دون الله قيل من جعل الْقِرَدَةَ هم أصحاب السّبت وَالْخَنازِيرَ كفّار أهل مائدة عيسى على نبيّنا وعليه السّلام وقيل انّهما معاً اصحاب السّبت مسخ شبّانهم قردة وشيوخهم خنازير ومن عَبَدَ الطَّاغُوتَ اصحاب العجل ويأتي ما ورد في ذلك في هذه السّورة أُولئِكَ الملعونون شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ عن قصد الطّريق المتوسّط بين غلوّ النّصارى وغلوّ اليهود والمراد بصيغتي التّفضيل الزّيادة مطلقا لا بالإِضافة الى المؤمنين.

(٦١) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا القمّيّ نزلت في عبد الله بن ابيّ وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ يخرجون من عندك كما دخلوا لا يؤثر فيهم ما سمعوا منك وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ من الكفر فيه وعيد لهم.

(٦٢) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ المعصية وَالْعُدْوانِ تعدّي حدود الله وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ الحرام كالرشوة لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

__________________

(١) أي وقرأ حمزة وحده قال أبو علي حجّته في قراءته أنّه يحمله على ما عمل فيه جعل كأنّه وجعل فيهم عبد الطاغوت ومعنى جعل خلق كقوله وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ وجَعَلَ مِنْها زَوْجَها* وليس عبد جمع لفظ لأنّه ليس من ابنية الجموع شي على هذا البناء ولكنّه واحد يراد به الكثرة ألا ترى انّ في الأسماء المفردة المضافة الى المعارف ما لفظه لفظ الأفراد ومعناه الجمع كما في قوله وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ولأنّ بناء فَعُل يراد به المبالغة والكثرة نحو يقظ وندس فكان تقديره أنّه قد ذهب في عبادة الطّاغوت كلّ مذهب وتكرّر ذلك له ومن فتح فقال وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ فانّه عطف على بناء الماضي الّذي في الصلة وهو قوله لَعَنَهُ اللهُ وأفرد الضمير في عبد وإن كان المعنى فيه الكثرة لأنّ الكلام محمول على لفظه دون معناه وفاعله ضمير من كما انّ فاعل الأمثلة للمعطوف عليه ضمير من فأفرد لحمل ذلك جميعاً على اللفظ ولو حمل الكلّ على المعنى أو البعض على المعنى أو البعض على اللفظ والبعض على المعنى لكان مستقيماً.

٤٨

(٦٣) لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ علماؤهم عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ كالكذب وكلمة الشّرك مثل عزيز بن الله وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ قيل لو لا إذا دخل على الماضي أفاد التّوبيخ وإذا دخل على المستقبل أفاد التّخْصيص لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ ذمَّهم بأبلغ من ذمّ مرتكبي الكبائر لأنّ كل عامل لا يسمّي صانعاً حتّى يتمكّن من عمله ويتمهّر والوجه فيه انّ ترك الحسنة أقبح من مواقعة المعصية لأنّ النفس تلتذّ بالمعصية وتميل اليها ولا كذلك ترك الإِنكار عليها عن ابن عبّاس هي أشدّ آية في القرآن.

وفي الكافي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خطبة له : انّما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم الرّبانيّون والأحبار عن ذلك وانّهم لمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربّانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر الحديث.

وفي كلام آخر له في حديث رواه ابن شعبة في تحف العقول قال : اعتبروا أيّها النّاس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار يقول لو لا ينهاهم الربّانيّون والأحبار عن قولهم الإِثم وقال لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ وقد مضى اخبار اخر في ذلك في سورة آل عمران عند قوله تعالى وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ.

(٦٤) وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ قيل غلّ (١) اليد كناية عن البخل وبسطها عن الجود.

والقمّيّ قال قالوا قد فرغ الله من الأمر لا يحدث الله غير ما قدّره في التّقدير الأوّل فردّ الله عليهم فقال بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ أي يقدّم ويؤخّر ويزيد وينقص وله البداء والمشيّة.

وفي التّوحيد عن الصّادق عليه السلام : في هذه الآية لم يعنوا انّه هكذا ولكنّهم قالوا قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص قال الله جلّ جلاله تكذيباً لقولهم غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ا لم تسمع الله تعالى يقول يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

__________________

(١) غلّ فلاناً من باب منع ادخل عليه الغلّ وهو معروف والمصدر غلّ بفتح الفاء أو غلول كقعود.

٤٩

وفي العيون عن الرّضا عليه السّلام في كلام له : في اثبات البداء مع سليمان المروزيّ وقد كان ينكره فقال احسبُك ضاهيت اليهود في هذا الباب قال أعوذ بالله من ذلك وما قالت اليهود قال قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ يعنون انّ الله قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئاً الحديث.

والعيّاشي عن الصادق عليه السّلام : يعنون انّه قد فرغ ممّا هو كان غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا دعاء عليهم بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ تثنية (١) اليد إشارة إلى تقابل أسمائه سبحانه وكناية عن غاية الجود فانّ الجواد في الغاية انّما يعطي بيديه جميعاً يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ على ما يقتضيه الحكمة والصّلاح وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً على طغيانهم وكفرهم كما يزداد المريض مرضاً من تناوُل غذاء الأصحّاء

وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فكلماتهم مختلفة وقلوبهم شتّى فلا يقع بينهم موافقة (٢) كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ كلّما أرادوا محاربة غلبوا قيل كانوا في أشدّ بأس وامنع دار حتّى انّ قريشاً كانت تعتضد بهم وكان الأوس والخزرج تتكثّر بمظاهرتهم فذلّوا وقهروا وقتل النبيّ بني قريظة واجلى بني النّضير وغلب على خيبر وفدك واستأصل الله شأفتهم (٣) حتّى انّ اليوم تجد اليهود في كلّ بلدة اذلّ النّاس وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً للفساد بمخالفة أمر الله والاجتهاد في محو ذكر الرّسول من كتبهم قيل لمّا خالفوا حكم التّورية سلّط الله عليهم بخت نصّر ثمّ أفسدوا فسلّط عليهم فطرس الرّومي ثمّ أفسدوا فسلّط عليهم المجوس ثمّ أفسدوا فسلّط عليهم

__________________

(١) ويمكن أن يكون المراد نعمة ويكون الوجه في تثنية النّعمة انه أراد نعم الدّنيا ونعم الآخرة لأنّ الكلّ وان كانت نعم الله فمن حيث أخصّ كلّ منهما بصفة تخالف صفة الآخر كأنهما جنسان ويمكن أن يكون تثنية النعمة انّه أريد بهما النعم الظاهرة والباطنة كما قال الله وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وقيل انّ المراد باليد القوّة والقدرة عن الحسن ومعناه قوتاه بالثواب والعقاب مبسوطتان بخلاف قول اليهود ان يده مقبوضة عن عذابنا.

(٢) وفي هذا دلالة معجزة لأنّ الله أخبرهم فوافق خبره المخبر فقد كانت اليهود أشدّ أهل الحجاز بأساً وامنعهم داراً الى آخر ما ذكره في مجمع البيان وأورد خلاصته في هذا الكتاب

(٣) الشأفة قرحة تخرج في أصل القدم فيكوى فتذهب وإذا قطعت مات صاحبها والأصل واستأصل الله شأفته أذهبه كما تذهب تلك القرحة أو معناه ازاله من أصله.

٥٠

المسلمين وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ فلا يجازيهم الّا شرّاً

(٦٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا بمحمّد صلّى الله عليه وآله وبما جاء به وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ التي فعلوها ولم يؤاخذهم بها وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ فانّ الإِسلام يجبّ ما قبله وان جلّ.

(٦٦) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ باذاعة ما فيهما والقيام بأحكامهما وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ.

في الكافي والعيّاشي عن الباقر عليه السلام : يعني الولاية لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ لوسّع عليهم أرزاقهم وأفيض عليهم بركات من السماء والأرض القمّيّ قال مِنْ فَوْقِهِمْ المطر وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ النّبات مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ قد دخلوا في الإِسلام.

القمّيّ قوم من اليهود دخلوا في الإِسلام فسمّاهم الله مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ وفيه معنى التعجّب اي ما أسوء عملهم وهم الذين أقاموا على الجحود والكفر.

(٦٧) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني في عليّ صلوات الله عليه فعنهم عليهم السّلام كذا نزلت وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (١) ان تركت تبليغ ما انزل إليك في ولاية عليّ عليه السلام وكتمته كنت كأنّك لم تبلّغ شيئاً من رسالات في استحقاق العقوبة وقرء رسالته على التَّوحيد وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ يمنعك من أن ينالوك بسوءٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ في الجوامع عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله رضي الله عنه : انّ الله تعالى أمر نبيّه صلّى الله عليه وآله ان ينصب عليّاً عليه الصّلاة والسلام للناس ويخبرهم بولايته فتخوّف ان يقولوا حامى ابن عمّه وان يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه فنزلت هذه الآية فأخذ بيده يوم غدير خم وقال صلّى الله عليه وآله من كنت مولاه فعليّ مولاه.

وقرء العيّاشي عنهما رضي الله عنهما : ما في معناه.

__________________

(١) يعني ان لم تنصّ بولاية عليّ فيضيع امر التّوحيد ولا يخلص ايمان الله وفي بعض القراءات الشّاذة فما بلغت رسالاته بصيغة الجمع.

٥١

ورواه في المجمع عن الثّعلبيّ والحسكاني وغيرهما من العامّة وفي الكافي عن الباقر عليه السّلام في حديث : ثمّ نزلت الولاية وانّما أتاه ذلك يوم الجمعة بعرفة أنزل الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وكان كمال الدّين بولاية عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه فقال عند ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله أمّتي حديثو عهد بالجاهليّة ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل ويقول قائل فقلت في نفسي من غير أنّ ينطق به لساني فأتتني عزيمة من الله بتلة (١) اوعدني ان لم ابلّغ أن يعذّبني فنزلت يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ الآية.

فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله بيد عليّ عليه السّلام فقال :

أيّها النّاس انّه ان لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلّا وقد كان عمّره الله ثمّ دعاه فأجابه فاوشك ان ادعى فأجيب وانا مسؤول وأنتم مسؤولون فما ذا أنتم قائلون؟

فقالوا نشهد انّك قد بلّغت ونصحت وادّيت ما عليك فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين.

فقال اللهم اشهد ثلاث مرّات ثمّ قال :

يا معشر المسلمين هذا وليّكم من بعدي فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب قال ابو جعفر عليه السّلام كان والله أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الّذي ارتضاه لنفسه.

وعنه عليه السلام : أمر الله عزّ وجلّ رسوله بولاية عليّ عليهما السّلام وانزل عليكم إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ الآية وفرض ولاية اولي الأمر فلم يدرُوا ما هي فأمر الله محمّداً صلّى الله عليه وآله ان يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ فلمّا أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلّى الله عليه وآله وتخوّف ان يرتدوا عن دينهم وان يكذّبوه فضاق صدره وراجع ربّه عزّ وجلّ فأوحى الله تعالى إليه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ الآيةو صدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية عليّ عليه السلام يوم غدير

__________________

(١) يقال بتلت الشّيء أبتله بالكسر إذا قطعته وأبنته من غيره ومنه قوله طلّقها بتة بتلة ومنه حديث رسول الله صلىّ الله عليه وآله في خبر النّص : فاتتني عزيمة من الله تعالى بتلة أوعدني ان لم أبلّغ ان يعذّبني.

(٢) قال الفيروزآباديّ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أي شقّ جماعاتهم بالتّوحيد أو أجبر بالقرآن أو أظهر أو احكم بالحقّ وافصِل بالأمر أو اقصد بما تؤمر أو أفرق به بين الحق والباطل وصدعه كمنعه شقّه أو شقّه نصفين أو شقّه ولم يفترق وفلاناً قصده لكرمه وبالحقّ تكلّم به جهاراً وبالأمر اصاب به موضعه وجاهر به انتهى.

٥٢

خم فنادى الصلاة جامعةً وأمر الناس ان يبلّغ الشّاهد الغائب (١).

قال عليه السلام وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عزّ وجلّ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي قال يقول الله تعالى عزّ وجلّ لا انزل عليكم بعدها فريضة قد أكملت لكم الفرائض.

وفي الاحتجاج عنه عليه السلام أنّه قال : قد حج رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحجّ والولاية فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له «يا محمّد إنّ الله عزّ وجلّ يقرؤك السّلام ويقول لَكَ إنّي لم أقبض نبيّاً من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلّا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي وقد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلغهما قومك : فريضة الحجّ ، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك ، فإني لم أخل أرضي من حجة ولن أُخليها أبداً فإنّ الله يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ تحجّ ويحجّ معك كلّ من استطاع إليه سبيلاً من أهل الحضر والأطراف والأعراب وتعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلواتهم وزكوتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرايع».

فنادى مناد من رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم في النّاس ألا إنّ رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم يريد الحجّ وأن يعلّمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرايع دينكم ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره ، فخرج رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم وخرج معه النّاس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله ، فحجّ بهم وبلغ من حجّ مع رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى سبعين ألفاً الذين أخذ عليهم ببيعة هرون فنكثوا واتّبعوا العجل والسّامريّ وكذلك رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم أخذ البيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة على عدد

__________________

(١) قال الفيروزآباديّ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أي شقّ جماعاتهم بالتّوحيد أو أجبر بالقرآن أو أظهر أو احكم بالحقّ وافصِل بالأمر أو اقصد بما تؤمر أو أفرق به بين الحق والباطل وصدعه كمنعه شقّه أو شقّه نصفين أو شقّه ولم يفترق وفلاناً قصده لكرمه وبالحقّ تكلّم به جهاراً وبالأمر اصاب به موضعه وجاهر به انتهى.

٥٣

أصحاب موسى فنكثوا البيعَة وَاتّبعُوا العجل سنّة بسنّة ومثلاً بمثل واتّصلت التّلبية ما بين مكّة والمدينة.

فلمّا وقف بالموقوفِ أتاه جبرئيل عن الله تعالى فقال : يا محمّد صلىّ الله عليه وآله وسلم إنّ الله تعالى يقرؤك السلام ويقول لك انّه قد دنا أجل ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بدّ منه ولا عنه محيص فاعهد عهدك (١) وقدّم وصيتك واعمد الى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياءِ من قبلك والسّلاح والتّابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياءِ فسلّمها الى وصيّك وخَليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأقمه للنّاس علماً وجدّد عهده وميثاقه وبيعته وذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به وعهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليّ ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليّ بن أبي طالب عليه السلام فانّي لم أقبض نبيّاً من الأنبياء إلّا من بعد إكمال ديني وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي وطاعته وذلك أنّي لا أترك أرضي بلا قيّم ليكون حجّة لي على خلقي ف الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية بولاية وليي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة عليّ عبدي ووصي نبيّ والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد صلىّ الله عليه وآله وسلم نبيّي ومقرون طاعته مع طاعة محمّد صلىّ الله عليه وآله وسلم بطاعتي من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني جعلته علماً بيني وبين خلقي من عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن أشرك بيعته كان مشركاً ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار فأقم يا محمّد عليّاً صلوات الله عليهما عليماً وخذ عليهم البيعة وجدّد عليهم عهدي وميثاقي لهم الّذي واثقتهم عليه فانّي قابضك إليّ ومستقدمك علي.

فخشي رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم قومه وأهل النِّفاق والشّقاق أن يتفرقوا ويرجعُوا جاهليّةً لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه السلام من

__________________

(١) فاعهد عهدك أي أوص وصيَّتك واستعمال العهد في الوصيّة والعكس فوق حدّ الإحصاء في الآيات والأخبار وغيرهما كقوله تعالى وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وغير ذلك.

٥٤

البغضة (١) وسأل جبرئيل أن يسأل ربّه العصمة من النّاس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من النّاس من الله جلّ اسمه فأخّر ذلك الى أن بلغ مسجد الخَيْف (٢) فأتاه جبرئيل في مسجد الخَيْف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليّاً صلوات الله عليه للنّاس ولم يأته بالعصمة من الله جلّ جلاله الذي أراد حتّى أتى كُراعَ الغميم بين مكّة والمدينة فأتاه جبرئيل عليه السلام وأمره بالذي أتاه به من قبل الله ولم يأته بالعصمة من الله جلّ جلاله الذي أراد فقال يا جبرئيل إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني ولا يقبلوا قولي في عليّ عليه السلام فرَحَل فلما بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار (٣) والعصمة من الناس فقال يا محمّد إنَّ الله تعالى يقرءوك السّلام ويقول لك يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في عليّ صلوات الله وسلامه عليه وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وكان أوايلهم قربت من الجحفة (٤) فأمره بأن يُرَّدَ من تقدم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليّاً عليه السلام للنّاس ويبلّغهم ما أَنزل الله تعالى في عليّ عليه السلام وأخبره بأنّ الله عزّ وجلّ قد عصمه من النّاس.

فأمر رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم عند ما جاءته العصمة منادياً ينادي في النّاس بالصّلوة جامعةً ويردّ من تقدم منهم ويحبس من تأخّر فتنحّى عن يمينَ الطّريق الى جنب مسجد الغدير وأمره بذلك جبرئيل عن الله عزّ وجلّ وفي الموضع سلمات (٥) فأمر رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم أن يقم (٦) ما تحتهنّ وينصب له أحجار كهيئة المنبر

__________________

(١) البغض بالضمّ ضد الحبّ والبغضة بالكسر والبغضاء شدّته.

(٢) الخيف ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه سمّى مسجد الخيف بمنى لأنّه بني في خيف الجبل والأصل مسجد خيف منى فخفّف بالحذف.

(٣) نهره وانتهره أي زبره وزجره.

(٤) الجحفة بضم الجيم هي مكان بين مكّة والمدينة محاذية لذي الحليفة من الجانب الشّامي قريب من رابغ بين بدر وخليص.

(٥) السّلمة كفرحة الحجارة ج ككتاب.

(٦) قمّ البيت قمّاً من باب قتل كنسه قوله تعالى وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً أى لم نبق منهم أحداً ومنه سمّى الغدير لأنّه ماء يغادره السّيول أي تخلّفه فعيل بمعنى مفعول أو فعيل بمعنى فاعل لأنّه يغدر بأهله أي ينقطع عند شدّة الحاجة اليه ومنع الدّعاء اللهم من نعمك وهي أجلّ من أن تغادر أي تنقطع وغدير خم موضع بالجُحفة شديد الوباء قال الأصمعي لم يولد بغدير خم أحد فعاش الى أن يحتلم الّا أن ينجو منه ويوم الغدير هو يوم الثّامن عشر من ذي الحجّة وهو اليوم الذي نصب رسول الله (ص) عليّاً (ع) خليفة بحضرة الجمع الكثير من النّاس حيث قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه قال الغزالي

٥٥

ليشرف على الناس فتراجع النّاس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون فقام رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فوق تلك الأحجار ثُمَّ حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال صلىّ الله عليه وآله وسلم.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا فيِ تَوَحُّدِهِ وَدَنَا فيِ تَفَرُّدِهِ وَجَلَّ فيِ سَلْطَنَتِهِ وَعَظُمَ فيِ أَرْكَانِهِ وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلْماً وَهُوَ فيِ مَكَانِهِ وَقَهَرَ جَمِيعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهَانِهِ مَجِيداً لَمْ يَزَلْ مَحْمُوداً لَا يَزَالُ بَارِئُ المَسْمُوكاتِ وَدَاحِي الْمَدْخوَّاتِ وَجَبَّارُ اْلأَرْضِيِنَ وَالسَّموَاتِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ مُتَفَضِّلٌ عَلَى جَمِيعِ مَنْ بَرَاهُ مُتَطَوِّلٌ عَلَى جَمِيعِ مَنْ أَنْشَأَهُ يَلْحَظُ كُلَّ عَيْنٍ وَالْعُيُونُ لَا تَرَاهُ كَرِيمٌ حَلِيمٌ ذُو أَنَاةٍ قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيْءِ بِرَحْمَتِهِ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ لَا يَعْجَلُ بِانْتِقَامِهِ وَلَا يُبَادِرُ إِلَيْهِمْ بِمَا اسْتَحَقُّوا مِنْ عَذَابِهِ قَدْ فَهِمَ السَرَّائِرَ وَعَلِمَ الضَّمَآئِرَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَكْنُونَاتُ وَلَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْخَفِيَّاتُ لَهُ الإِحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَالْغَلَبَةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْقُوَّةُ فيِ كُلِّ شَيْءٍ وَالْقُدْرَةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ مُنْشِئُ الشّيْءِ حِينَ لَا شَيْءَ دَآئِمٌ قَآئِمٌ بِالْقِسْطِ لَا الهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ اْلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكَ اْلأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبِيرُ لَا يَلْحَقُ أَحَدٌ وَصْفَهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ وَلَا يَجِدُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ مِنْ سِرِّ وَعَلَانِيَةٍ إلَّا بِمَا دَلَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَفْسِهِ وَاشْهَدُ بِأَنَّهُ اللهُ الَّذِي مَلَأَ الدَّهْرَ قُدْسُهُ وَالَّذِي يُغْشِي اْلأَبَدَ نُورُهُ وَالَّذِي يَنْفُذُ أمْرُهُ بِلَا مُشَاوَرَةِ مُشِيرٍ وَلَا مَعَهُ شَرِيكٌ فيِ تَقْدِيرٍ وَلَا تَفَاوُتٌ فيِ تَدْبِيرٍ صَوَّرَ مَا أَبْدَعَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ وَخَلَقَ مَا خَلَقَ بِلَا مَعُونَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَلَا تَكَلّفٍ وَلَا احْتِيَالٍ أنْشَاهَا فَكَانَتْ وَبَرأَهَا فَبَانَتْ وَهُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمُتْقِنُ الصَّنْعَةِ

__________________

وهو من أكابر علماء القوم في كتابه المسمّى بسرّ العالمين ما هذا لفظه : قال رسول الله (ص) لعلي يوم الغدير من كنت مولاه فعليّ مولاه فقال عمر بن الخطّاب بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ثمّ قال وهذا رضىً وتسليم وولاية وتحكيم ثمّ بعد ذلك غلب الهوى وحبّ الرياسة وعقود البنود وخفقان الرايات وازدحام الخيول وفتح الأمصار والأمر والنهي فحملتهم على الخلاف فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ إلى أن قال ثمّ أنّ أبا بكر قال على منبر رسول الله (ص) اقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم أفقال ذلك هزواً وجداً أو امتحاناً فان كان هزواً فالخلفاء لا يليق بهم الهزل ثمّ قال والعجب من منازعة معاوية بن أبي سفيان عليّاً في الخلافة وأين ومن أين أليس رسول الله (ص) قطع طمع من طمع فيها بقوله : إذا ولّى الخليفتان فاقتلوا الأخير منهما والعجب من حقّ واحد كيف ينقسم بين اثنين والخلافة ليست بجسم ولا عرض فتتجزّى انتهى كلامه وفيه دلالة على انحرافه عمّا كان عليه والله أعلم.

٥٦

الْحَسَنُ الصَّنيعَةِ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ وَاْلأَكْرَمُ الَّذِي تُرْجَعُ إِلَيْهِ اْلأُمُورُ وَاشْهَدُ أَنَّهُ الَّذِي تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِهِ وَخَضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لَهِيْبَتِهِ مَالِكُ اْلأَمْلَاكِ وَمُفَلِّكُ اْلأَفْلَاكِ وَمُسَخِّرُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ كُّلٌ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً قَاصِمُ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَمُهْلِكُ كُلِّ شَيْطَانٍ مَريد لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ضِدٌّ وَلَا نِدٌّ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلْدِ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ إلَهٌ وَاحِدٌ وَرَبٌّ مَاجِدٌ يَشَآءُ فَيَمْضِي وَيُرِيدُ فَيَقْضِي وَيَعْلَمُ وَيُحْصِي وَيُمِيتُ وَيُحْيي وَيُفْقِرُ وَيُغْني وَيُضْحِكُ وَيُبْكِي وَيُدْني وَيُقْصِي وَيَمْنَعُ وَيُعْطي لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُولِجُ اللَّيْلَ فيِ النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فيِ اللَّيْلِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ مُسْتَجِيبُ الدُّعَآءِ وَمُجْزلُ الْعَطآءِ محْصِي اْلأَنْفَاسِ وَرَبُّ الْجَنَّةِ وَالنَّاسِ لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا يُضْجِرُهُ صرُاخُ الْمُسْتَصْرِخِينَ وَلَا يُبْرِمُهُ الْحَاحُ الْمُلِحِّينَ العَاصِمُ لِلصَّالِحِينَ وَالْمُوَفِّقُ لِلْمُفْلِحِينَ وَمَوْلَى الْعَالَمِينَ الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ خَلَقَ أَنْ يَشْكُرَهُ وَيَحْمِدَهُ عَلَى السرَّاءِ وَالضَرَّآءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَآءِ وَأُومِنْ بِهِ وَبَمِلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ أَسْمَعُ أَمْرَهُ وَأُطِيعُ وَأُبَادَرُ إلى كُلِّ مَا يَرْضَاهُ وَاسْتَسلِمُ لِقَضَائِهِ رَغْبَةً فيِ طَاعَتِهِ وَخَوْفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ لِأنَّهُ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَلَا يُخَافَ جَوْرُهُ أُقرُّ عَلَى نَفْسِي بِالْعُبُودِيَّةِ وَأشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأُؤَدِّي مَا أَوْحَى إِليَّ حَذَراً مِنْ أَنْ لَا أَفْعَلَ فَيَحِلَّ بِي مِنْهُ قَارِعَةٌ لَا يَدْفَعُهَا عَنِّي أَحَدٌ وَإنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لِإنَّهُ قَدْ أعْلَمَنِي أَنّي إنْ لَمْ أُبَلِّغْ مَا أنْزَلَ إلَيَّ فَمَا بَلّغَتُ رِسَالَتَهُ فَقَدْ ضَمِنَ ليِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعِصْمَةَ وَهُوَ اللهُ الْكَافيِ الكَرِيمُ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فيِ عَليِ صَلَواتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ مَعَاشِرَ النَّاسِ مَا قَصَّرْتُ فيِ تَبْلِيغِ مَا أنْزَلَهُ وَأَنَا مُبَيِّنٌ لَكُمْ سَبَبَ هذِهِ الآيَةِ إنَّ جَبْرِئِيلَ هَبَطَ الَيَّ مِرَاراً يَاْمُرُني عَنِ السَّلَامِ رَبِّي وَهُوَ السَّلامَ انْ أَقُومَ فيِ هذَا الْمَشْهَدِ فَاعْلِمَ كُلَّ ابْيضَ وَأسْوَدَ أَنَّ عَليَّ بِنْ أبي طالِبٍ عليه السلام أخِي وَوَصِيّي وَخَلِيفَتي وَالإمَامُ مِنْ بَعْدِي الَّذِي مَحَلَّهُ مِنّي مَحَلُّ هرُونَ مِنْ مُوسَى إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْ

٥٧

أنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى عَلَيَّ بِذلِكَ آيَةً مِنْ كِتَابِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ وَعَليُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلام أقَامَ الصَّلوةَ وَآتَى الزَّكْوَة وَهُوَ رَاكِعٌ يُرِيدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فيِ كُلِّ حَالٍ وَسَألتُ جَبْرَئيلَ عليه السلام أَنْ يَسْتَعفِي ليِ عَنْ تَبْلِيغِ ذلِكَ إلَيْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ لِعِلْمي بِقِلَّةِ الْمُتَّقِينَ وَكِثْرَةِ المُنَافِقِينَ وَأدغَالِ (١) اْلآثِمينَ وَخَتَل (٢) المُسْتَهزِئِينَ بِالإسْلامِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالى في كِتَابِهِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ وَكَثْرَةِ إذا هُمْ ليِ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتّى سَمُّوني أُذُناً وَزَعَمُوا أنّي كَذلِكَ لِكَثْرَةِ مَلَازِمَتِهِ إيَّايَ وَإقبالي عَلَيْهِ حَتّى أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فيِ ذلِكَ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ

هُوَ أُذُنٌ قُلْ اذُنٌ عَلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ الآية وَلَوْ شِئْتَ أنْ أُسمِيَّ بِأَسْمائِهِمْ لَسَمَّيْتُ وَأنْ أُومِيَ إلَيْهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ لأَوْمَأتُ وَأنْ أدُلَّ عَلَيْهِمْ لَدَلَلَتُ وَلكِنّي وَاللهِ فيِ أُمُورِهِمْ قَدْ تَكَرَّمْتُ وَكُلُّ ذلِكَ لَا يَرضى اللهُ مِنّي إلّا أنْ أُبَلِّغَ مَا أنْزلَ إلىَّ ثُمَّ تَلَا يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فيِ عَلي وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فاعْلَمُوا مَعَاشِرَ النَّاسِ أَنَّ اللهَ قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَإمَاماً مُفْتَرَضاً طَاعَتُهُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَاْلأنْصَارِ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وَعَلَى البَادِي وَالحَاضِرِ وَعَلَى الأَعْجَمِيّ وَالْعَرَبِيّ والْحُرِّ وَالمَمْلُوكِ والصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَعَلَى اْلأَبْيَضِ وَاْلأَسْوَدِ وَعَلَى كلِّ مُوَحِّدٍ مَاضٍ حُكْمُهُ جَايِزٌ قَوْلُهُ نَافِذٌ أَمْرُهُ مَلْعُونٌ مَنْ خَالَفَهُ مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ وَمَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأطَاعَ لَهُ مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّهُ آخِرُ مَقامٍ أقُومُهُ فيِ هذا الْمَشْهَدِ فَاسْمَعُوا وَأطِيعُوا وَانْقادُوا لِأَمْرِ رَبِّكُمْ فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ رَبُّكُمْ وَوَلِيُّكُمْ وَإلهكُمْ ثُمَّ مِنْ دُونِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَيّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم وَلِيُّكُمْ الْقَآئِمُ الْمُخَاطِبُ لَكُمْ ثُمَّ مِنْ بَعْدي عَليُّ صَلَواتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ

__________________

(١) الدّغل محرّكة دخل في الأمر مفسد والشجرُ الكبير الملتفّ واشتباك النّبت وكثرته والموضع يخاف فيه الاغتيال ج أدغال ودِغال ومكان دغِل ككتِف.

(٢) يقال ختله يختله إذا خدعه وراوغه والمخاتلة المخادعة.

٥٨

وَلِيُّكُمْ وَإمَامُكُمْ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّكُمْ ثُمَّ اْلإِمَامَةُ فيِ ذُرِّيَتِي مِنْ وُلْدِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَوْمَ يَلْقَوْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَا حَلَالَ إلَا مَا أَحَلَّهُ اللهُ وَلَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللهُ عَرَّفَنِي الحَلَالَ والحَرَامَ وَأنَا أفْضَيْتُ (١) بِمَا عَلَّمَنِيِ رَبّي مِنْ كِتَابِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ إلَيْهِ مَعَاشِرَ النَّاسِ مَا مِنْ عِلْمٍ إلَّا وَقَدْ أحْصَاهُ اللهُ فيِ كُلّ عِلْمٍ عَلِمْتُهُ فَقَدْ أحْصَيْتُهُ فيِ عَليِّ إمَامِ الْمُتَّقِينَ وَمَا مِنْ عِلْمٍ إلَّا وَقَدْ عَلَّمْتُهُ عَلِيَّاً وَهُوَ الإمَامُ الْمُبِينَ مَعَاشِرَ النَّاسِ لَا تَضِلُّوا عَنْهُ وَلَا تَنْفِرُوا مِنْهُ وَلَا تَسْتنْكفُوا مِنْ وِلَايَتِهِ فَهُوَ الَّذِي يَهْدِي إلىَ الْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيزْهَقُ الْبَاطِلَ وَيَنْهَى عَنْهُ وَلَا تَأَخُذُهُ في اللهِ لَوْمَةُ لآئِمٍ ثُمَّ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالَّذِي فَدَى رَسُولَ اللهِ صَلَىّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمْ بِنَفْسِهِ وَالَّذِي كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَىّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمْ وَلَا أحَدَ يَعْبُدُ اللهَ مَعَ رَسُولِهِ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرُهُ مَعَاشِرَ النَّاسِ فَضِّلُوهُ فَقَدْ فَضَّلَهُ اللهُ وَاقْبَلُوهُ فَقَدْ نَصَبَهُ الله مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّهُ إمَامٌ مِنَ اللهِ وَلَنْ يَتُوبَ اللهُ عَلَى أَحَدٍ أنْكَرَ وَلايَتَهُ وَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ حَتْماً علَى اللهِ أَنْ يَفْعَلَ ذلِكَ ممَّنْ خَالَفَ أمْرَهُ فِيهِ وَأنْ يُعَذِّبَهُ عَذَاباً نُكْراً أبَدَ الآبَادِ وَدَهْرَ الدُّهُورِ فَاحْذَرُوا أنْ تُخَالِفُوهُ فَتُصْلَوْا ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ أَيُّهَا النَّاسِ بِي وَاللهِ بُشِّرَ الأَوَّلُونَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَأنَا خَاتِمُ الأنْبياء وَالْمُرْسَلِينَ وَالْحُجّةُ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَواتِ وَاْلأَرضِينَ فَمَنْ شَكَّ فيِ ذلِكَ فَهُوَ كَافِر كُفْرَ الْجَاهِلِيَّةَ اْلأُولى وَمَنْ شَكَّ فيِ شَيْءٍ مِنْ قَوْليِ هذَا فَقَدْ شَكَّ فيِ الْكُلِّ مِنْهُ وَالشَّاكُّ فيِ الْكُلِّ فَلَهُ النَّارُ مَعَاشرَ النَّاس حَبانِيَ (٢) اللهُ بِهذِهِ الْفَضِيلَةِ مَنّاً مِنْهُ عَلَيَّ وَإحْسَاناً مِنْهُ إلَيَّ وَلَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ مِنّي أبَدَ اْلآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، مَعَاشرَ النَّاس فَضِّلُوا عَلِيّاً فَإنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدِي مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى بِنَا أَنْزَلَ اللهُ الرِّزْقَ وَبَقِي الْخَلْقُ مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَغْضُوبٌ مَغْضُوبٌ مَنْ رَدَّ قَوْليِ هذَا وَإنْ لَمْ يُوَافِقْهُ إلَّا إنَّ جَبْرِئِيلَ خَبَّرَنِي عَنْ اللهِ تَعَالَى بِذلِكَ وَيَقُولُ مَنْ عَادَى عَلِيّاً وَلَمْ يَتَوَلَّهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَتي وَغَضَبِي وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فَتَزِلَّ قَدَمٌ

__________________

(١) يقال أفضيت بكذا إلى فلان أي أوصلته إليه ومسته به.

(٢) يقال حبوت الرّجل حباءً بالكسر والمدّ أعطيته الشيء بغير عوض والاسم منه الحبوة بالضمّ ومنه بيع المحاباة.

٥٩

بَعْدَ ثُبُوتِهَا إنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ مَعَاشرَ النَّاسِ إِنَّهُ جَنْبُ اللهِ نَزَلَ فيِ كِتَابِهِ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ مَعَاشرَ النَّاسِ تَدَبَّرُوا الْقُرْانَ وَافْهَمُوا آيَاتِهِ وَانْظرُوا إلَى مُحْكَمَاتِهِ وَلَا تَتَّبِعُوا مُتَشابِهَهُ فَوَ اللهِ لَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ زَوَاجِرَهُ وَلَا يُوضِحُ لَكُمْ تَفْسِيرَهُ إلَّا الَّذِي أَنَا آخِذٌ بِيَدِهِ وَمُصْعَدُهُ إلَيَّ وَشَائِلٌ (١) بِعَضُدِهِ وَمُعَلِّمُكُمْ أَنَّ مَنْ كُنْتَ مَوْلَاهُ فَهذَا عَلَيٌّ مَوْلَاهُ وَهُوَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ عَلَيْهِ السَّلَامْ أَخِي وَوَصيي وَمُوَالاتُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهَا عَلَيَّ مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّ عَلِيّاً وَالطَّيِّبِينَ مِنْ وُلْدِي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ هُوَ الثِّقْلُ اْلأَصْغَرُ وَالْقُرْآنُ هُوَ الثِّقْلُ اْلأَكْبَرُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مُنْبئٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَمُوَافِقٌ لَهُ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ أُمَنآءُ اللهِ فيِ خَلْقِهِ وَحُكَّامُهُ فيِ أَرْضِهِ أَلَّا وَقَدْ بَلَّغْتُ ألَا وَقَدْ أَدَّيْتُ ألَا وَقَدْ أَسْمَعْتُ ألَّا وَقَدْ أوْضَحْتُ ألَا وَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأنَا قُلْتُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ألَا إنَّهُ لَيْسَ أمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ غَيْرَ أخي هذَا وَلَا تَحِلُّ إمْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ لأَحَدٍ غَيْرِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إلَى عَضُدِهِ فَرَفَعَهُ وَكَانَ مُنْذُ أوَّلِ مَا صَعَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمْ شَالَ عَلِيّاً حَتّى صَارَتْ رِجْلُهُ مَعَ رُكْبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمْ ثُمَّ قَالَ مَعَاشرَ النَّاسِ هذَا عَليٌّ أخي وَوَصِيّي وَوَاعي عِلْمي وَخَلِيفَتي عَلَى أُمَّتِي وَعَلى تَفْسِيِر كتَابِ اللهِ وَالدَّاعِي إِلَيْهِ وَالْعَامِلُ بِمَا يَرْضَاهُ وَالْمُحَارِبُ لأَعْدَائِهِ وَالْمُوَاليِ عَلى طَاعَتِهِ وَالنَّاهِي عَنْ مَعْصِيَتِهِ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلْيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمْ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالإِمَامُ الهَادِي وَقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمارِقِينَ بِأَمْرِ اللهِ أَقُولُ مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لدَيَّ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّي أَقُولُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَالْعَنْ مَنْ أنْكَرَهُ وَاغْضَب عَلَى مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ اللهُمَّ إنَّكَ أَنْزَلْتَ عَلَيَّ أَنَّ اْلإِمَامَةَ لِعَليِّ وَلِيِّكَ عِنْدَ تِبْياني ذلِكَ وَنَصبْي إيَّاهُ عَلَماً بِمَا أَكْمَلْتَ لِعِبَادِكَ مِنْ دِينِهِمْ وَأَتْمَمْتَ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَكَ وَرَضِيتَ لَهُمُ اْلإِسْلَامَ دِيناً فَقُلْتَ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ اللهُمَّ إنِّي أُشْهِدُكَ أنّي قَدْ بَلّغْتُ مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّمَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أكْمَلَ دِينَكُمْ بِإمَامَتِهِ فَمَنْ لَمْ يَأتَمَّ بِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ إلى يَوْمِ

__________________

(١) شلت بالجرّة أشول بها شولاً رفعتها ولا تقل شِلتُ ويقال أيضاً اشلت الجرّة فانشالت هي.

٦٠