تفسير الصّافي - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٧٩

عليكم واشتبهت حتّى لم تعرفوها ولم تفهموها فلم تهدكم وقرى بضم العين وتشديد الميم أَنُلْزِمُكُمُوها أنكرهكم على الاهتداء بها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ لا تختارونها ولا تتأمّلون فيها.

(٢٩) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على التبليغ مالاً جعلاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ فانّه المأمول منه وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا يعني الفقراء وهو جواب لهم حين سألوا طردهم إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ يلاقونه ويفوزون بقربه فيخاصمون طاردهم فكيف أطردهم وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ الحق وأهله أو تتسفّهونَ عليهم بأن تدعوهم أراذل.

(٣٠) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ بدفع انتقامه إِنْ طَرَدْتُهُمْ وهم بتلك المثابة أَفَلا تَذَكَّرُونَ لتعرفوا أنّ التماس طردهم وتوقيف الإيمان عليه ليس بصواب.

(٣١) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ خزائن رزقه حتّى جحدتم فضلي وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ولا أقول أنا أعلم الغيب حتّى تكذّبوني استبعاداً أو حتّى أعلم أنّ هؤلاء اتّبعوني بادي الرّأي من غير بصيرة وعقد قلب وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ حتى تقولوا ما أنت إلّا بشر مثلنا وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم من زرى عليه إذا عابه واسناده إلى الأعين للمبالغة والتّنبيه على أنّهم استرذلتموهم بادي الرؤية من غير روية لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً فانّ ما أعدّ الله لهم في الآخرة خير ممّا آتيكم في الدنيا اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ان قلت شيئاً من ذلك

(٣٢) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا خاصمتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فأطلته فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في الدعوى والوعيد فانّ مناظرتك لا تؤثر فينا.

(٣٣) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ عاجلاً أو آجلاً وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ بدفع العذاب والهرب منه.

(٣٤) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ

٤٤١

يُغْوِيَكُمْ بأن علم منكم الإصرار على الكفر فخلّاكم وشأنكم.

في قرب الإسناد والعيّاشيّ عن الرضا عليه السلام : يعني الأمر إلى الله تعالى يهدي من يشاء وزاد العيّاشيّ : ويضِلّ والعيّاشيّ والقمّيّ عن السّجّاد عليه السلام : نزلت في العباس.

أقول : يعني فيه وفي أمثاله إذا عمّم التّنزيل هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

(٣٥) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ اعتراض قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وباله ، وقرئ بفتح الهمزة على الجمع وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ من اجرامكم في اسناد الافتراءِ إليّ.

(٣٦) وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ فلا تحزن حزن بائس مستكين بِما كانُوا يَفْعَلُونَ اقنطه الله من إيمانهم ونهاهُ أن يغتمّ بما فعلوه من التكذيب والإيذاء.

في الكافي والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنّ نوحاً لبث في قومه ألفَ سَنة الا خمسين عاماً يدعوهم سرّاً وعلانية فلّما أبوا وعتوا قال ربّ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فأوحى الله تعالى إليه أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ فلذلك قال نوح وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

(٣٧) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا متلبّساً بأعيننا عبّر بكثرة آلة الحِسِّ الذي به يحفظ الشيء ويراعى عن الاختلال والزّيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريقة التمثيل وَوَحْيِنا إليك كيف تصنعها وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ولا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ محكوم عليهم بالإغراق فلا سبيل إلى كفّه.

(٣٨) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ حكاية حال ماضيه وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ استهزؤا به لعمله السفينة قيل إنّه كان يعملها في بريّة بعيدة من الماءِ أو ان نجرته وكانوا يضحكون منه ويقولون صرت نجّاراً بعد ما كنت نبيّاً.

٤٤٢

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : أنّ نوحاً لمّا غرس النّوى مرّ عليه قومه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون قد قعد (١) غرّاساً حتّى إذا طال النّخل وكان جبّاراً (٢) طوّالاً (٣) قطعه ثمّ نحته (٤) فقالوا قد قعد نجّاراً ثمّ الّفه فجعله سفينة فمرّوا عليه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون قد قعد ملّاحاً في فلاة من الأرض حتّى فرغ منها قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ إذا اخذكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة.

(٣٩) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ يعني به إيّاهم وبالعذاب الغرق وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ دائم وهو عذاب النار.

(٤٠) حَتَّى (٥) إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ نبع الماء منه وارتفع كالقِدر تفور.

في الكافي والمجمع عن الصادق عليه السلام : كان التَّنُّورُ في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة المسجد يعني مسجد الكوفة فقيل له فان ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم ثمّ سئل وكان بدو خروج الماءِ من ذلك التّنور فقال نعم إنّ الله عزّ وجلّ أحبّ أن يري قوم نوح آية ثمّ إنّ الله تعالى أرسل المطر يفيض فيضاً وفاض الفرات فيضاً والعيون كلّهنّ فيضاً فغرقهم الله وأنجي نوحاً ومن معه في السفينة.

وفيه والعيّاشيّ عنه عليه السلام : جاءت امرأة نوح إليه وهو يعمل السفينة فقالت له إن التَّنُّورُ قد خرج منه ماء فقام إليه مسرعاً حتّى جعل الطّبق عليه فختمه بخاتمه فقام الماء فلّما فرغ من السفينة جاءَ إلى خاتمه ففضه وكشف الطّبق ففار الماء.

وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّ نوحاً لمّا فرغ من السفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربّه في إهلاك قومه أن يفور التَّنُّورُ ففار فقالت امرأته إنّ التّنور قد

__________________

(١) وحدّد شفرته حتّى قعدت كأنّها حربة أي صارت ق.

(٢) العظيم القويّ الطّويل ق.

(٣) كرمّان المفرط الطّول ق.

(٤) نحته ينحته كيضربه وينصره ويعلمه براه ق.

(٥) والمعنى فذلك حاله وحالهم حتّى إذا جاء قضاؤنا بنزول العذاب م ن.

٤٤٣

فار فقام إليه فختمه فقام الماء وادخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج ثمّ جاء إلى خاتمه ونزعه يقول الله فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وكان نجرها في وسط مسجدكم قُلْنَا احْمِلْ فِيها في السّفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ أي من كلّ صنف ذكر وصنف أنثى وقرئ بتنوين كل أي من كلّ نوع من الحيوانات المنتفع بها زوجين اثْنَيْنِ ذكراً وانثى وَأَهْلَكَ أريد امرأته وبنوه ونساؤهم إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بأنّه من المغرقين أريد ابنه كَنعان وامرأته واهلة فانّهما كانا كافرين وَمَنْ آمَنَ والمؤمنين من غيرهم وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : آمَنَ مع نوح من قومه ثمانية نفر.

وفي المعاني عن الباقر عليه السلام : مثله والقمّيّ عن الصادق عليه السلام في حديث : فلمّا فرغ نوح من اتخاذ السفينة أمره الله أن ينادي بالسّريانيّة لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلّا حضر فأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين (١) رجلاً فقال الله احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ الآية وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة فلّما كان في اليوم الذي أراد الله عزّ وجلّ إهلاكهم كانت امرأة نوح تخبر في الموضع الذي يعرف بفار التّنور في مسجد الكوفة وكان نوح عليه السلام قد اتّخذ لكل ضرب من أجناسِ الحيوان موضعاً في السفينة وجمع لهم فيها ما يحتاجون إليه من الغذاء فصاحت امرأته لمّا فار التّنور فجاء نوح إلى التّنور فوضع عليها طيناً وختمه حتّى ادخل جميع الحيوان السفينة ثمّ جاء إلى التّنور ففضّ الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس وجاء من السماء ماء منهمر صبّ بلا قطر وتفجّرت الأرض عيوناً وهو قوله سبحانه فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وعن الباقر عليه السلام : ليس كلّ من في الأرض من بني آدم من ولد نوح عليه السلام قال الله تعالى في كتابه احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ إلى قوله

__________________

(١) أقول لا تنافي بين ما سبق من أنّه أمن معه من قومه ثمانية نفر وبين هذا الحديث من كون الذين آمنوا معه من جميع الدّنيا ثمانين رجلاً لجواز أن يكون المراد بالثمانية الّذين كانوا في قومه بنوه الثلاثة سام وحام ويافث ونساؤهم وزوجته المسلمة وبنته ويكون الباقي من الثمانين من غير اهله «منه رحمه الله».

٤٤٤

وَمَنْ آمَنَ وقال ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ عليه السلام.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : حمل نوح في السفينة الأزواج الثمانية التي قال الله ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ فكان مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ زوج داجنة (١) يربيّها الناس والزّوج الآخر الضّأن التي تكون في الجبال الوحشيّة أحلّ لهم صيدها الحديث.

وقد سبق تمامه في سورة الأنعام وفي المجمع ، والقمّيّ عنه عليه السلام : لمّا أراد الله هلاك قوم نوح عليه السلام عقّم أرحام النّساءِ أربعين سنة فلم يلد لهم مولود ولمّا فرغ نوح من اتخاذ السفينة أمره الله أن ينادي بالسّريانّية أن يجتمع جميع الحيوانات فلم يبق حيوان إلّا حضر فأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين ما خلا الفأر والسّنّور وأنّهم لمّا شكوا من سرقين الدّوابّ والقذر دعا بالخنزير فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج فتناسل فلّما كثروا شكوا إليه منها فدعا بالأسد فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج سنّور وفي حديث آخر : أنّهم شكوا العذرة فأمر الله تعالى الفيل فعطس فسقط الخنزير.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : أنّ نوحاً حمل الكلب في السفينة ولم يحمل ولد الزّنا وعنه عليه السلام : ينبغي لولد الزّنا أن لا تجوز له شهادة ولا يؤمّ بالناس لم يحمله نوح في السفينة وقد حمل فيهَا الكلب والخنزير.

وفي العلل عن الرضا عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام : أنّه سئل ما بال الماعز معرقبة الذّنب بادية الحياءِ والعورة فقال لأنّ الماعز عصت نوحاً لمّا أدخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها والنعجة مستورة الحياءِ والعورة لأنّ النعجة بادرت بالدّخول إلى السّفينة فمسح نوح يده على حيائها وذنبها فاستوت الألية.

وفي الخصال عن الرضا عليه السلام : اتخّذ نوح في الفلك تسعين بيتاً للبهائم.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنّ الله أمر نوحاً أن يحمل في السفينة مِنْ

__________________

(١) دجن الحمام والشّاة الفت وهي داجنة.

٤٤٥

كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ فحمل الفحل والعجوة فكانا زوجاً.

في الكافي والعيّاشيّ عنه عليه السلام : كان طول سفينة نوح عليه السلام الف ومأتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء ثمانين ذراعاً.

والقمّيّ عنه عليه السلام : مثله كما يأتي وفي العيون في الخبر الشّامي : ذكر الطّول ثمانمائة والعرض خمسمائة.

وفي الكافي عنه عليه السلام : في فضل مسجد الكوفة قال ومنه فارَ التَّنُّورُ وفيه بخرت السفينة.

ومثله في المجمع عن الباقر عليه السلام وفي رواية في الكافي : ومنه سارت.

والعيّاشيّ عن سلمان عن أمير المؤمنين عليه السلام : في فضله فيه نجر نوح سفينته وفيه فارَ التَّنُّورُ وبه كان بيت نوح ومسجده.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : وكان منزل نوح عليه السلام وقومه في قرية على منزل من الفرات ممّا يلي غربيّ الكوفة وكان نوح عليه السلام رجلاً نجّاراً فجعَله الله نبيّاً وانتجبه ونوح عليه السلام أوّل من عمل سفينة تجري على ظهر الماءِ قال ولبث نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً يدعوهم إلى الهدى فيمرّون به ويسخرون منه فلمّا رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال يا رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً فأوحى الله إليه يا نوح اصْنَعِ الْفُلْكَ وأوسعها وعجّل عملها بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده يأتي بالخشب من بُعد حتّى فرغ منها سئل في كم عمل نوح عليه السلام سفينته حتّى فرغ منها قال في دورين قيل وكم الدّورين قال ثمانون سنة قيل فانّ العامّة يقولون عملها في خمسمائة عام فقال كلّا والله كيف والله يقول وَوَحْيِنا.

أقول : آخر الحديث يحتمل معنيين أحدهما إنّ ما يكون بأمر الله وتعليمه كيف يطول زمانه إلى هذه المدّة والثاني أن يكون قد فسّر الوحي هنا بالسّرعة والعجلة فانّه

٤٤٦

جاء بهذا المعنى يقال الوحا الوحا ممدوداً ومقصوراً يعني البدار البدار والمعنى الثاني اتمّ في الاستشهاد.

(٤١) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها صيروا فيها راكبين كما يركب الدّوابّ في البرّ بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها مسمّين الله قائلين ذلك ومعناه بالله اجراؤها وارساؤها.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : أي مسيرها وموقفها وقرء مجريها بفتح الميم إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أي لو لا مغفرته لفرطاتكم ورحمته إيّاكم لما نجّاكم.

(٤٢) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ من الطوفان كَالْجِبالِ كل موجة منها كجبل في تراكمها وارتفاعها.

في الخصال عن الكاظم عليه السلام وفي العيون عن الرضا عليه السلام : أنّ نوحاً عليه السلام لمّا ركب السفينة أوحى الله إليه يا نوح إن خفت الغرق فهَلِّلني الفاً ثمّ سلني النّجاة أنجك من الغرق ومن آمن معك قال فلّما استوى نوح ومن معه في السّفينة ورفع القلس القلص خ ل عصفت الريح عليهم فلم يأمن نوح عليه السلام وأعجلته الريح فلم يدرك أن يهلّل ألف مرة فقال بالسّريانّية هيلولياً ألفاً ألفاً يا ماريا اتقن قال فاستوى القلص واستمرّت السفينة فقال نوح عليه السلام إنّ كلاماً نجّاني الله به من الغرق لحقيق أن لا يفارقني قال فنقش في خاتمه لا إله إلّا اللهُ ألف مرّة يا ربّ أصلح.

وفي الإِحتجاج عن الصادق عليه السلام عن النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم : إن نوحاً لمّا ركب السفينة وخاف الغرق قال اللهمّ إنّي أسألك بمحمّد وآل محمّد لمّا انجيتني من الغرق فنّجاه الله عزّ وجلّ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان.

القمّيّ والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : ليس بابنه إنّما هو ابن امرأته وهو لغة طيّ يقولون لابن الامرأة ابنه يعني بفتح الهاء.

في المجمع عن عليّ والباقر والصادق عليهم السلام : أنّهم قرأوا كذلك.

٤٤٧

وروي أيضاً : ابنها والضمير لامرأته وَكانَ فِي مَعْزِلٍ أي مكان عزل فيه نفسه عن المركب يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا في السفينة وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : نظر نوح عليه السلام إلى ابنه يقع ويقوم فقال له يا بُنَيَّ ارْكَبْ الآية.

(٤٣) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ في الفقيه عن الصادق عليه السلام : أنّه قال حين أشرف على النجف هو الجبل الذي اعتصم به ابن جدي نوح عليه السلام ف قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ فأوحى الله إليه يا جبل أيعتصِم بك منّي أحد فغار في الأرض وتقطّع إلى الشّام وفي العلل : ما يقرب منه قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ الّا الراحم وهو الله تعالى وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ بين نوح وابنه فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ.

(٤٤) وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ أنشفي.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : نزلت بلغة الهند اشربي وفي رواية : حبشيّة وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أمسكي نداء الأرض والسماء بما ينادي به العقلاء ممّا يدلّ على كمال القدرة والاقتدار وانّ هذه الأجرام العظيمة منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة عليه عارفون جلالته وعظمته يتمثلون أمره على الفور من غير ريث وَغِيضَ الْماءُ ونقص وَقُضِيَ الْأَمْرُ وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ واستقرّت عليه وهو جبل بالموصِل وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أصله بَعُدَ بُعْداً بعيداً لا يرجى عوده ثمّ استعير للهلاك وخصّ بدعاءِ السّوءِ قيل الآية في غاية الفصاحة لفخامة لفظها وحسن نظمها والدلالة على كنه الحال مع الإيجاز الخالي عن الإخلال وإيراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل وانّه متعيّن في نفسه مستغنى عن ذكره إذ لا يذهب الوهم إلى غيره للعلم بأن مثل هذه الأفعال لا يقدر عليه سوى الواحد القهّار.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام في حديث : فدارت السفينة وضربتها الأمواج

٤٤٨

حتى وافت مكّة وطافت بالبيت وغرق جميع الدّنيا الا موضع البيت وانّما سمِّي البيت العتيق لأنّه أعتق من الغرق فبقي الماء ينصبّ من السماء أربعين صباحاً ومن الأرض العيون حتّى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال فرفع نوح عليه السلام يده فقال يا رهمان اتقن وتفسيرها يا ربّ أحسن فأمر الله عزّ وجلّ الأرض أن تبلع ماءها وهو قوله عزّ وجلّ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أي أمسكي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ فبلعت الأرض ماءها فأراد ماء السماء أن يدخل في الأرض فامتنعت الأرض من قبولها وقالت إنّما أمرني الله أن أبلع مائي فبقى ماء السماء على وجه الأرض واستوت السفينة على جبل الجوديّ وهو بالموصل جبل عظيم فبعث الله عزّ وجلّ جبرئيل فساق الماء إلى البحار حول الدّنيا.

والعيّاشيّ ما يقرب من بعض ما تضمّن هذا الحديث وهو دعاء نوح عليه السلام وقصّة امتناع الأرض.

وفي التهذيب عنه عليه السلام : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نوح عليه السلام وهو في السفينة أن يطوف بالبيت أسبوعاً فطاف بالبيت كما أوحى إليه ثمّ نزل في الماءِ إلى ركبتيه فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم فحمله في جوف السفينة حتّى طاف ما شاء الله أن يطوف ثمّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال الله للأرض ابْلَعِي ماءَكِ فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء منه وتفرق الجمع الذي كان مع نوح عليه السلام في السّفينة.

وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام : أنّ نوحاً كان في السفينة وكان فيها ما شاء الله وكانت السفينة مأمورة فطاف بالبيت وهو طواف للنساء وخلىّ سبيلها نوح عليه السلام فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الجبال إنّي واضع سفينة نوح عليه السلام عبدي على جبل منكنّ فتطاولت وشمخت وتواضع الْجُودِيِ وهو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل قال فقال نوح عند ذلك يا ماري اتقن وهو بالسّريانية ربّ اصلح.

وفي المجمع والعيّاشيّ : ما يقرب منه قال : وهو جبل بالموصل.

٤٤٩

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : سمع نوح عليه السلام صرير السفينة على الْجُودِيِ فخاف عليها فأخرج رأسه من كوّة كانت فيها فرفع يده وأشار بإصبعه وهو يقول يا رهمان اتقن تأويلها ربّ أحسن.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل كم لبث نوح عليه السلام ومن معه في السفينة حتّى نضب الماء وخرجوا منها فقال لبثوا فيها سبعة أيّام ولياليها فطاف بالبيت أسبوعاً ثمّ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ وهو فرات الكوفة وفي رواية : وسعت بين الصّفا والمروة.

وفي الكافي عنه عليه السلام : ارتفع الماء على كلّ جبل وعلى كلّ سهل خمسة عشر ذراعاً.

أقول : لعلّ ارتفاعه هذا المقدار بعد مَا استوى على الجميع وخفي فيه كلّ سهل وجبل.

وفي الخصال عنه عليه السلام : أنّ نوحاً عليه السلام لمّا كان أيّام الطّوفان دعا مياه الأرض فأجابته الّا الماء المرّ والكبريت.

(٤٥) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ وقد وعدت أن تنجيَ أهلي وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ أعدلهم وأعلمهم.

(٤٦) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الذين وعدتك بنجاتهم لأنّه ليس على دينك.

في المجمع والعيّاشيّ والعيون عن الرّضا عليه السلام : إن الله قال لنوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لأنّه كان مخالفاً له وجعل من اتّبعه من أهلِهِ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لنفي كونه من أهله وجعلت ذاته عملاً غير صالح مبالغة في ذمّة وقرئ عمل بصيغة الماضي وغير بالفتح أي عمل عملاً غير صالح.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام : كيف يقرؤن هذه الآية قيل من النّاس

٤٥٠

من يقرأ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ومنهم من يقرأ إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صالِحٍ فمن قرأ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ نفاه عن أبيه فقال كلّا لقد كان ابنه ولكن لمّا عصى الله نفاه عن أبيه كذا من كان منّا لم يطع الله فليس منّا وفي رواية أخرى نفاه عنه حين خالفه في دينِه.

والعيّاشيّ : ما في معنى الرواية الثانية فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ما لا تعلم أصواب هو أم لا حتّى تعرف كنهه وقريء تسألنّ بفتح الّلام وتشديد النّون المفتوحة وبكسر النّون المشدّدة واثبات الياءِ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ.

(٤٧) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ فيما يستقبل ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ما لا عِلم لي بصحّته تأدّباً بأدبك واتعاظاً بموعظتك وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ما فرط منّي من السّؤال وَتَرْحَمْنِي بالتوبة والتفضل عليّ أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ أعمالاً قاله على سبيل الخضوع لله والتذلّل والاستكانة.

(٤٨) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا انزل من السفينَةِ مسلّماً من المكاره محفوظاً من جهتِنا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ ومباركاً عليك والبركات الخيرات النّامية وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ يعني في السفينة لأنّهم كانوا جماعات أو لتشعب الأمم منهم وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ أي وممن معك أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ في الدنيا ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ أراد بهم الكفّار من ذرية من معه.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : فنزل نوح بالموصل من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين وكانت لنوح عليه السلام ابنة ركبت معه السفينة فتناسل الناس منها ومن ذلك قول النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم نوح أحد الأبوين.

(٤٩) تِلْكَ إشارة إلى قصّة نوح عليه السلام مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ أي بعضها نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ على مشاقّ الرسالة وإيذاء القوم كما صَبَر نوح عليه السلام إِنَّ الْعاقِبَةَ في الدنيا بالظّفر وفي الآخِرة بالفوز لِلْمُتَّقِينَ عن الشرك والمعاصي.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : بقي نوح عليه السلام في قومه ثلاث مائة

٤٥١

سنة يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ فلم يجيبوه فهمّ أن يدعو عليهم فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الدّنيا وهم العظماء من الملائكة فقال لهم نوح عليه السلام من أنتم فقالوا نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الدنيا وانّ غلظ مسيرة السماء الدنيا خمسمائة عام ومن السماء الدنيا إلى الدنيا خمسمائة عام وخرجنا عند طلوع الصبح ووافيناك في هذا الوقت فنسألك ان لا تدعو على قومك فقال نوح قد أجلتهم ثلاثمائة سنة فلّما أتى عليهم ستمائة سنة ولم يؤمنوا همّ أن يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماءِ الثانية فقال نوح عليه السلام من أنتم قالوا نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية وغلظ السماءِ الثانية مسيرة خمسمائة عام ومن السماءِ الثانية إلى السماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وغلظ السماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام ومن السماءِ الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام خرجنا عند طلوع الشمس ووافينا ضحوة نسألك أن لا تدعو على قومك فقال نوح عليه السلام قد اجلتهم ثلاثمائة سنة فلما أتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا همّ أن يدعو عليهم فأنزل عزّ وجلّ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً فأمره الله عزّ وجلّ أن يغرس النخل فأقبل يغرس النخل فكان قومه يمرّون به ويسخرون منه ويستهزؤن به ويقولون شيخ قد أتى له تسعمائة سنة يغرس النخل وكانوا يرمونه بالحجارة فلّما أتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر بقطعه فسخروا منه وقالوا بلغ النخل مبلغه وهو قوله عزّ وجلّ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ فأمره الله أن يتخذ السفينة وأمر جبرئيل أن ينزل عليه ويعلمه كيف يتخذها فقدر طولها في الأرض ألفاً ومأتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء ثمانون ذراعاً فقال يا ربّ من يعينني على اتخاذها فأوحى الله عزّ وجلّ إليه ناد في قومك من أعانني عليها ونجر منها شيئاً صار ما ينجره ذهباً وفضّة فنادى نوح عليه السلام فيهم بذلك فأعانوه

٤٥٢

عليه وكانوا يسخرون منه ويقولون سفينة يتخذ في البّر.

وفي الإكمال عنه : وامّا إبطاء نوح عليه السلام فانّه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث الله تعالى جبرئيل الرّوح الأمين معه سبع نوايات فقال يا نبيّ الله إنّ الله تعالى يقول لك إنّ هؤلاءِ خلائقي وعبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي الّا بعد تأكيد الدّعوة والزام الحجّة فعاود اجتهادَك في الدعوة لقومك فانّي مثيبك عليه واغرس هذا النّوى فانّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرَجَ والخلاص فبشّر بذلك من اتّبعك من المؤمنين فلما نبتت الأشجار وتأزّرت وتسوّقت واغتصنت وزهى التمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله العِدّة فأمره الله تعالى أن يغرس نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ويؤكد الحجة على قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل وقالوا لو كان ما يدّعيه نوح عليه السلام حقّاً لما وقع في وعد ربّه خلف ثمّ إنّ الله تعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرّات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدّ منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلاً فأوحى الله إليه عند ذلك وقال يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لنعينك حين صرّح الحقّ عن محضه وصفا من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كان صدق وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك واعتصمُوا بحبل نبوّتك بأنّي استخلفهم في الأرض وأمكّن لهم دينهم وأبدّلهم خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشرك من قلوبهم وكيفَ يكون الاستخلاف والتّمكين وبذل الأمن منّي لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا وخبث طينتهِم وسوءِ سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوخ الضلالة فلو أنّهم تنسّموا من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداؤهم لنشقوا روايح صفاته ولاستحكمت مراير نفاقهم وثارت خبال ضلالة قلوبهم ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة وحاربوهم على طلب الرّياسة والتفرّد بالأمر والنهي وكيف يكون التّمكين في

٤٥٣

الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع اثارة الفتن وإيقاع الحروب كلَّا ف اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام : انّه قيل له يا ابن رسول الله لِأىّ علّة أغرق الله الدنيا كلّها في زمن نوح وفيهم الأطفال وفيهم من لا ذنب له فقال ما كان فيهم الأطفال لأنّ الله أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاماً فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم وما كان الله ليهلك بعذابه من لا ذنب له وامّا الباقون من قوم نوح فاغرقوا بتكذيبهم لنبيِّ الله نوح وسائرهم اغرقوا برضاهم بتكذيب المكذِّبين ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهد.

وفي الكافي والإكمال عن الصادق عليه السلام : لمّا حسر (١) الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح عليه السلام جزع جزعاً شديداً واغتم لذلك فأوحى الله عزّ وجلّ هذا عملك أنت دعوت عليهم فقال يا ربّ إنّي استغفرك وأتوب إليك فأوحى الله إليه أنْ كل العنب الأسود ليذهب غمّك.

وعنه عليه السلام : كانت أعمار قوم نوح ثلاثمائة سنة.

وفي الكافي عنه عليه السلام : عاش نوح ألفي سنة وثلاث مائة سنة منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث وألف سنة إلّا خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء فمصّر الأمصار وأسكن ولده البلدان ثمّ أنّ ملك الموت جاءه وهو في الشمس فقال السلام عليك فردّ عليه نوح عليه السلام فقال ما جاء بك يا ملك الموت فقال جئتك لأقبض روحك قال دعني ادخل من الشمس الى الظل فقال له نعم فتحول ثمّ قال يا ملك الموت كلّ ما مرّ بي من الدنيا مثل تحويلي من الشّمس إلى الظِّلّ فامضِ لما أمرت به فقبض روحه.

وعنه عليه السلام : عاش نوح عليه السلام بعد الطّوفان خمسمائة سنة ثمّ أتاه جبرئيل فقال يا نوح انه قد انقضت نوبتك واستكملت أيامك فانظر إلى الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة التي معك فادفعها إلى ابنك سام فانّي لا اترك الأرض إلّا وفيها عالم تعرف به طاعتي ويعرف به هداي وتكون النجاة فيما بين مقبض النّبيّ ومبعث النّبيّ

__________________

(١) حسَرَه يحسره كشفه والشّيء حسوراً انكشف ق.

٤٥٤

الآخر ولم أكن أترك الناس بغير حجّة لي وداع إليّ وهادٍ إلى سبيلي وعارفٍ بأمري فانّي قد قضيت أن أجعل لكل قوم هادياً أهدي به السعداءَ ويكون حجة لي على الأشقياءِ قال فدفع نوح الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبّوة إلى سام وأمّا حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفِعان به قال وبشّرهم نوح يهود وأمرهم باتباعه وأمرهم أن يفتحوا الوَصيّة في كل عام وينظروا فيها ويكون عيداً لهم.

(٥٠) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً أَخاهُمْ يعني أحدهم كما سَبَق بيانه في سورة الأعراف قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وقرء بالجرِّ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ على الله باتخاذ الأوثان شركاءَ وجعلها شفعاءَ.

(٥١) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي خاطب كلّ رسول به قومه إزاحةً للتهمة وتمحيصاً للنصيحة فانّها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع أَفَلا تَعْقِلُونَ أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحقّ من المبطل والصّواب من الخَطَأ.

(٥٢) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ اطلبوا مغفرة الله بالإيمان ثمّ توسّلوا إليها بالتّوبة يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً كثير الدّرّ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ ويضاعف قوّتكم قيل رغّبهم في الإيمان بكثرة المطر وزيادة القوّة لأنّهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وكانوا يدلّون بالقوّة والبطش وَلا تَتَوَلَّوْا ولا تعرضوا عني وعمّا أدعوكم إليه مُجْرِمِينَ مصرّين على اجرامكم.

(٥٣) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ بحجّة تدلّ على صحّة دعواك وهو كذب وجحود لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزاتِ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا بتاركي عبادتهم عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ اقناط له من الإجابة والتصديق.

(٥٤) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ أصابك بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ بجنون لسبّك إِيّاها وصدك عنها فمن ثمة تتكلّم بكلام المجانين قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.

(٥٥) مِنْ دُونِهِ من اشراككم آلهةً من دونه فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ واجههم بهذا الكلام مع قوّتهم وشدّتهم وكثرتهم وتعطّشهم إلى اراقة دمِه ثقةً بالله واعتماداً

٤٥٥

على عصمته إيّاه واستهانة بهم وبكيدهم وان اجتمعوا عليه وتواطئوا على إهلاكه.

(٥٦) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ تقرير له والمعنى وان بَذَلتم غاية وسعكم لم تضرّوني فانّي متوكّل على الله واثق بكلامه وهو مالكي ومالككم ولا يحيق بي ما لم يرده ولا تقدرون على ما لم يقدّره ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها أي الا وهو مالك لها قاهر عليها يصرفها على ما يريد بها والأخذ بالناصية تمثيل لذلك إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إنّه على الحقّ والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم.

العيّاشيّ عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : يعني أنّه على حقّ يجزي بالإحسان إحساناً وبالسّيء سيّئاً ويعفو عمن يشاء ويغفر سبحانه وتعالى.

(٥٧) فَإِنْ تَوَلَّوْا فان تتولّوا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ فقد أدّيت ما عليّ من الإبلاغ والزام الحجّة وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وعيد لهم بالإهلاك والاستبدال وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً بتوليّكم إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ رقيبٌ فلا يخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم.

(٥٨) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ تكرير لبيان ما نجّيهم عنه أو المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة أيضاً والتعريض بأن المهلكين كما عذّبوا بالدنيا فهم معذّبون في الآخرة بالعذاب الغليظ.

(٥٩) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ كفروا بها وَعَصَوْا رُسُلَهُ لأنّهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يعني رؤساؤهم الدّعاة إلى تكذيب الرّسل.

(٦٠) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أي جعلت اللعنة تابعةً لهم في الدارين تكبهم (١) في العذاب أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ دعاء عليهم بالهلاك ودلالة بأنّهم كانوا مستوجبين لما نزل بهم وفي تكرير أَلا وإعادة ذكر عاد

__________________

(١) قوله تعَالى فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا آه أي ملقى على وجهه يقال ذلك لكلّ ساير أي ماش كان على أربع قوائم أو لم يكن يقال كببت فلاناً كبّاً ألقيته على وجهه فاكبّ هو بالألف وهي من النّوادر التي يعدّى ثلاثيّها دون رباعيّها م.

٤٥٦

تفظيع لأمرهم وحثّهم على الإعتبار بحالهم والحذر من مثل أفعالهم وانّما قيل قَوْمِ هُودٍ ليتميّزوا عن عاد إرِمَ.

القمّيّ : إنّ عاداً كانت بلادهم في البادية من المشرق إلى الأجفر (١) أربعة منازل وكان لهم زرع ونخل كثير ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة فعبَدُوا الأصنام وبعث الله إليهم هوداً يدعوهم إلى الإسلام وخلع الأنداد فأبوا ولم يؤمنوا يهود وآذوه فكفّت السماء عنهم سبع سنين حتّى قحطوا وكان هود زرّاعاً وكان يسقي الزّرع فجاء قوم إلى بابه يريدونه فخرجت عليهم امرأة شمطاء (٢) عوراء (٣) فقالت من أنتم فقالوا نحن من بلاد كذا وكذا أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو الله حتّى يمطر ويخصب بلادنا فقالت لو استجيب لهود لدعا لنفسه فقد احترق زرعه لقلة الماءِ قالوا فأين هو قالت هو في موضع كذا وكذا فجاءوا إليه فقالوا يا نبيّ الله قد أجدبت بلادنا ولم يمطر فسل الله أن يخصب بلادنا ويمطر فتهيّأ للصّلوة وصلَّى ودعا لهم فقال لهم ارجعُوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم فقالوا يا نبيّ الله إنّا رأينا عجباً قال وما رأيتم قالوا رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء قالت لنا من أنتم ومن تريدون فقلنا جئنا إلى هود ليدعو الله لنا فنمطر فقالت لو كان هود داعياً لدعا لنفسه فانّ زرعه قد احترق فقال هود ذاك أهلي وأنا أدعو الله لها بطول البقاء فقالوا وكيف ذلك قال لأنّه ما خلق الله مؤمناً إلّا وله عدّو يؤذيه وهي عدّوي فَلَانَ يكون عدّوي ممّن أملكه خير من أن يكون عدويّ وممّن يملكني فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن عبادة الأصنام حتّى أخصبت بلادهم وأنزل الله عليهم المطر وهو قوله عزّ وجلّ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ الآيات فلّما لم يؤمنوا أرسل اللهُ عليهم الريح الصرصر (٤) يعني الباردة وهو قوله تعالى في سورة القمر كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ

__________________

(١) الأجفر موضع بين الخريميّة وفيد ق والمراد بلادهم في جانب شرق الأجفر ببعد أربعة منازل منه.

(٢) في الحديث : لا بأس بجزّ الشمط ونتفه وجزّه أحبّ إليّ من نتفه وهو بالتّحريك بياض شعر الرأس يخالط سواده والرّجل اشمط والمرأة شمطاء.

(٣) عورت العين عوراً من باب تعب نقصت أو غارت والرّجل اعور والأنثى عوراء م.

(٤) والصِّرة بالكسر شدّة البرد أو البرد كالصرّ فيهما وأشدّ الصياح وبالفتح الشدّة من الكرب والحرب والحرّ وريح صرّ وصرصر شديد الصّوت أو البرد وصُرّ النّبات بالضّم اصابه الصّرّ.

٤٥٧

مُسْتَمِرٍّ وحكي في سورة الحاقة فقال وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً قال كان القمر منحوساً بزجل سبع ليال وثمانية أيّامٍ.

أقول : وقد سبق تمام بيان استيصالهم في سورة الأعراف.

(٦١) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ هو كونّكم منها لا غيره فانّه خلق آدم وموادّ النطف التي خلق نسله منها من التّراب وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها استبقاكم من العمر أو أمركم بعمارتها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ منكم مُجِيبٌ لمن دعاه.

(٦٢) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا نرجو منك الخير لما كانت يلوح منك من مخايلة (١) فكنّا نسترشدكَ في تدابيرنا ونشاورك في أمورنا فالآن انقطع رجاؤنا عنك وعلمنا أن لا خير فيك أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التّوحيد والتَّبري عن الأوثان مُرِيبٍ موقع في الرّيبة أو ذي ريبة.

(٦٣) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي بيان وبصيرة وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً نبوة فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ فمن يمنعني من عذابه إِنْ عَصَيْتُهُ في تبليغ رسالته والنهي عن الإشراك به فَما تَزِيدُونَنِي اذاً باستتباعكم إيّاي غَيْرَ تَخْسِيرٍ غير أن أنسبكم الى الخسران أو غير أن تخسروني بابطال ما منحني الله به.

(٦٤) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ ترع نباتها وتشرب ماءها وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ عاجلٌ.

(٦٥) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ عيشوا في منازلكم أو بلدكم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثم تهلكون ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.

(٦٦) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ أي ونجّيناهم من خزي ذلك اليوم وذلّه وفضيحته ولا خزي أعظم من خزي من كان

__________________

(١) والمخايل جمع المخيلة وهي ما يوقع في الخيال يعني به الإمارات وخلت الشّيء خيلاً ومخيلاً ظننته.

٤٥٨

هلاكه بغضب الله وبأسه أو أريد بيومئذ يوم القيامة وقرئ يومئذ بفتح الميم بناءً على بنائه حين اضيف إلى إذ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ القادر على كل شيء والغالب عليه.

(٦٧) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ميّتين وأصل الجثوم اللّزوم في المكان وقد سبق تفسيره في سورة الأعراف مع تمام القصة.

(٦٨) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها كأن لم يقيموا فيها أحياءً أَلا إِنَّ ثَمُودَ وقرئ منّوناً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ.

(٦٩) وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ يعني الملائكة بِالْبُشْرى ببشارة الولد.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : كانوا أربعة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل (١).

وفيه والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : إِنّ هذه البشارة كانت باسمعيل من هاجر.

ويأتي من العلل والعيّاشيّ انّها باسحق قالُوا سَلاماً سلّمنا عليك سَلاماً أي سلامة قالَ سَلامٌ أي أمركم سَلامٌ وقرئ سلم بالكسر والسكون فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ مشوّي نضيج (٢)

العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : يعني زكيّاً مشويّاً نضيجاً وعن الصادق عليه السلام : يعني مشويّاً نضيجاً.

وعنه عليه السلام أنّه قال : كلوا فقالوا لا نأكل حتّى تخبرنا ما ثمنه فقال إذا أكلتم فقولوا بسم الله وإذا فرغتم فقولوا الحمد لله قال فالتفت جبرئيل إلى أصحابه وكانوا أربعة رئيسهم جبرئيل فقال حقّ لله أن يتخذ هذا خليلاً.

(٧٠) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ لا يمدّون إليه أيديهم نَكِرَهُمْ أنكرهم وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً أضمر منهم خوفاً أن يريدوا به مكروهاً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ إنّا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب وانّما لم نمدّ إليه أيدينا لأنّا لا نأكل.

(٧١) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ تسمع محاورتهم وهي سارة ابنة لا حج وهي ابنة خالته.

__________________

(١) بفتح الكاف وتخفيف الرّاء المضمومة.

(٢) نضج اللّحم والفاكهة نضجاً أي استوى وطاب أكله والاسم النضج بضم النون فهو نضيج.

٤٥٩

العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : إنّما عني سارة فَضَحِكَتْ سروراً وحاضت من الفزع.

في العلل والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : يعني تعجبت من قولهم.

وفي المعاني والمجمع والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : حاضت.

والقمّيّ : فَضَحِكَتْ أي حاضت وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل.

أقول : ومنه قول الشاعر وعهدي بسلمى ضاحكاً في لبابة ولم تَعْدُ حُقا ثديها أن تحلبا ومنه ضحكت [الثمرة الشجرة خ ل] إذا سال صمغها فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ أي ومن بعده وقيل الوراء ولد الولد وقرئ يعقوب بالرّفع.

(٧٢) قالَتْ يا وَيْلَتى يا عجبا وأصله في الشّرّ فأطلق في كلّ أمر فظيع أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي زوجي شَيْخاً في العلل عن أحدهما عليهما السلام : وهي يومئذ ابنة تسعين سنة وإبراهيم يومئذ ابن عشرين ومائة سنة إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ يعني الولد من الهرمين وهو استعجاب بحسب العادة دون القدرة.

(٧٣) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ يعني هذه وأمثالها ممّا يكرمكم الله به يا أهل بيت النّبوة فليس هذا مكان تعجّب إِنَّهُ حَمِيدٌ فاعل ما يستوجب به الحمد مَجِيدٌ كثير الخير والإحسان.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام قال : أوحى الله إلى إبراهيم أنّه سيولد لك فقال لسارة فقالت أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ فأوحى الله إليه أنّها ستلد ويعذّب أولادها أربعمائة سنة بردّها الكلام عليّ قال فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً فأوحى الله إلى موسى وهرون نخلّصهم من فرعون فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة قال وقال أبو عبد الله هكذا أنتم لو فعلتم لفرّج الله عنّا فأمّا إذا لم تكونوا فانّ الأمر ينتهي إلى منتهاه.

(٧٤) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ أي ما أوجس من الخيفة يعني لمّا اطمأنّ قلبه بعد الخوف وَجاءَتْهُ الْبُشْرى بدل الرّوع يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ يجادل رسلنا في شأنهم ومعناهم وكان لوط بن خالته كما سبق ذكره في سورة الأعراف ومجادلته إيّاهم أنّه

٤٦٠