الخامسة : يقال : إنّها لم تغسّل بعد الموت ، وإنّها غسّلت نفسها
لما رواه الإمام أحمد في مسنده وابن سعد في طبقاته عن أم سلمى (١) ، قالت :
اشتكت فاطمة شكواها الّتي قبضت فيها ، فكنت أمرضها ، فأصبحت يوما ، وخرج علي لبعض حاجته ، فقالت : يا أمّه ، اسكبي لي غسلا ، فسكبت لها غسلا ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ، ثمّ قالت : أعطيني ثيابي الجدد ، فلبستها ، ثمّ قالت : قرّبي فراشي وسط البيت ، فاضطجعت واستقبلت القبلة ، وجعلت يدها تحت خدّها وقالت : يا أمّه ، إنّي مقبوضة وقد تطهّرت ، فلا يكشفني أحد ، فقبضت مكانها ، فجاء علي فأخبرته ، فقال : لا والله ، لا يكشفها أحد ، فدفنها بغسلها ذلك (٢).
حديث غريب ، وإسناده جيد ، ولكنّ فيه : ابن إسحاق ، وقد تعقّبه. وله شاهد مرسل ، وهو : ما رواه عبد الله بن محمّد بن عقيل :
أنّ فاطمة لمّا حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا ، فاغتسلت وتطهّرت ، ودعت بثياب أكفانها ، فأتيت بثياب غلاظ خشنة ، فلبستها ، ومسّت من حنوط ، ثمّ أمرت ألّا يكشفها أحد إذا قبضت ، وأن تدرج كما هي في ثيابها ، فقلت له : هل علمت
__________________
(١) في نصب الراية للزيلعي : الصواب «سلمى» ، وهي زوجة أبي رافع. وفي حاشية مجمع الزوائد : «قال الدرويش :
هذا خطأ قديم في المسند ، وصوابه : أبي رافع عن أبيه عن أمه سلمى» ، (مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٨ رقم ١٥٢٢٠).
(٢) مسند أحمد ٦ : ٤٦١ ، ورواه في نصب الراية ٢ : ٢٥٧ باب الجنائز ، مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٨ رقم ١٥٢٢٠ ، سبل الهدى ١١ : ٤٩ ، الإصابة ٤ : ٣٧٩ ، القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد : ٤٣ ، أسد الغابة ٧ : ٢٢١ وقال : «إنّها اغتسلت لمّا حضرها الموت ، وتكفّنت ، وأمرت عليا أن لا يكشفها إذا توفّيت ، وأن يدرجها في ثيابها كما هي ، ويدفنها ليلا» ، تاريخ المدينة ١ : ١٠٩ وفي آخره : «فحملها بغسلها ذلك ودفنها» ، ينابيع المودّة ٢ : ١٤١ ، فيض القدير ٤ : ٤٢٢.
والعجيب أنّه مع كثرة نقل هذا الحديث ، لم يتعرّض أحد لبحث فقه الحديث ، فإنّ المتّفق عليه عند الفقهاء أنّهم لا يجيزون الدفن إلّا بعد الغسل الحادث بعد الوفاة ، إلّا في موارد مذكورة في الفقه ، وليس هذا منها ، فلا بد وأن يكون ذلك من مختصّات الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.