رحلة الكابتن فلوير

المؤلف:

بن دغار


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٥

أحد ضفافه موحلا نتيجة لهذه الأمطار ، وهنأنا أنفسنا على أن سيرنا ليلا قد أنقذنا من البقاء على الجانب الآخر من نهر (جابريج) وبينما كان معسكرنا في (سذيج). انقضى هذا اليوم في تجفيف كل أغراضنا. حينها بدأت البحث من غير جدوى عن خنزير بري قيل أنه يزمجر غضبا ويحوم في منطقة ما حول معسكرنا ، بينما انصرف الرجال لشراء نعجة وطيور وسمن.

أما اليوم التالي فكان جميلا والنهر ـ بلا شك ـ لا يمكن عبوره ، ولكن تجربتي وخبرتي في (جغين) جعلتني لا أبالي بالأمر كثيرا ، وأخذت على عاتقي العبور مهما كان الثمن ؛ لأنه بالنسبة لي لا يمكن أن أكون مثل بعض أولئك الرجال الذين جلسوا على الضفة الأخرى من النهر في انتظار انخفاض المنسوب ، وهكذا أرسلت رجالي حاملين قوائم الأشجار ليتحسسوا بها القاع الرملي لمعرفة الأماكن الضحلة ، ثم بدأنا بالعبور ، وبدا جمل «تاجو» الفقير تعبا جدا نتيجة الحمولة الزائدة عليه من معدات الطبخ ، وكاد أن يأخذه السيل لو لا أن تداركنا الأمر فرفعناه وأنزلنا بعضا من المتاع عنه وحملناها ، حتى وصلنا إلى الضفة الأخرى من النهر.

الوصول إلى سوراك :

إن رحلتنا هذا اليوم إلى (سوراك) (١) كانت لحسن حظنا قصيرة ، حوالي ٥ أميال فقط ، وكان الطريق موحلا وزلقا ، فسلكنا أنا وصالح طريقا

__________________

(١) سوراك أو سورق : تبعد حوالي ٨ كم من سذيج ، وهي مشهورة ومشؤومة كما قالوا لأنها كانت المعركة الأخيرة التي أودت بأغلب عائلة الأمير «مراد بن مصطفى آل دغار» سواء من النساء والأطفال ـ كانت مجزرة إرتكبتها القوات العسكرية البهلوية ، لرضا شاه ولم ينج من أبنائه سوى «عبد الرحمن» و «حسين» ، وأصيب الأمير «مراد» إصابات بالغة ، فقد نظره خلالها ـ وبعدها ظل في (بنت) لفترة ثم حوصر في (يكدار) وأعدم لا حقا بتهمة التصدي للقوات الحكومية لرضا شاه بهلوي.

٤١

مختصرة نحو الجنوب ووجدنا ٢٠٠ فدانا من الأراضي المزروعة بالقمح والقطن ، وكان الرجال الذين يحرثون الأرض من طبقة العبيد.

كانت (سوراك) أجمل منطقة خيّمنا فيها حتى الآن واتخذت لنفسي مجلسا في الخلاء هذا المساء ، وأمامي شجرة كبيرة تحترق. عموما ، خابت آمالي في مقابلة أصدقائي الذين كنت أتوقع أن ألتقي بهم في نهاية هذه المرحلة من رحلتي قبل أن أتوجّه شمالا إلى (بنت).

في اليوم التالي ، كنا في (كاشي) التي تقع على بعد ١٦ ميلا عبر سلسلة جبال صعبة دون وجود طريق سالك فيها ، ووجدنا خلال سيرنا مجرى مائيا جافا ، الذي اتضح أنه يؤدي إلى طريق سالك ، فأخذنا نمشي فيه ونسحب وراءنا الجمال بكل حماس ، آملين أن تجد دوابنا طريقا سالكا أكبر ، ثم انتهت متاعبنا حين عبرنا المنطقة الجبلية تماما بعد ٣ أميال تقريبا.

وفي كل شيئ أيضا لم يسعفنا الحظ في مقابلة أولئك الأصدقاء ، وبما

٤٢

أن الرياح في صبيحة اليوم الثاني كانت باردة مما أجبرنا على حمل أمتعتنا وتوجهنا شمالا نحو منطقة «كروان» التي تغطيها السهوب والسهول المتقاطعة مع جداول المياه المغطاة بالأعشاب والشجيرات الصغيرة ، والتي انتشرت أعشاب الزعتر حولها مما أكسب الجو رائحة طيبة.

التحرك ناحية كروان (١) :

وفي (كاشي) (٢) حصلنا على مرشد مرافق ، ولكنه لسوء الحظ كان رجلا كبيرا في السن ، ذو لحية وهرقلي الأكتاف ، وكان له ثلاثة حمير يمتطيها واحدا يلو الآخر ، وكان شخصا طيبا ولكنه لا يعرف شيئا عن خط سيرنا. عبرنا وادي (كاشي) الصغير وظهرت أمامنا سلسلة من البرك الموحلة ، فسرنا بمحاذاة منطقة كبيرة منخفضة ، فيها حجارة ملحية مغطاة بطبقة من الحجارة الرملية. بعدها تركنا هذه المنطقة على الجهة اليمنى ومررنا على شواطئ حصوية على امتداد (٤ إلى ٥) أميال ، وفي الظهيرة وصلنا إلى (ناليج) حيث توجد بعض المرتفعات تسمى (الشور) وتقع على حافة حزام من أشجار الغابات ، وهنا كنا قد دخلنا إلى منطقة (كروان).

سوف أذكر في حديثي في مرات لا حقة هذه التلال المتكونة من الطمي والطين وسأقوم بوصفها بإيجاز. يسميها السكان المحليون (شور) وهي

__________________

(١) هي مجموعة من البلدان أو تجمع من المناطق الزراعية تبعد حوالي ١٥ كم من البحر على ضفة نهر أو وادي «ريج» ، وأهم هذه البلدان كنجاك ، تماو ، هيان ، كاركندر ، تمبلان .. وهي تتبع لإدارة (الشيرانيين) في (بنت) ، ولهم قصة مشهورة مع القوات البريطانية في حادثة مقتل جريفز الذي قتل على أيدي قبائل هذه المنطقة ـ مما أدى إلى تحرك القوات الإنجليزية ومعها (بيرسوبوليس) البارجة الفارسية لهذه المنطقة وذلك سنة ١٨٨٩.

(٢) كاشي : هي بلدة تقع في بداية الطريق إلى (بنت) ولكن لا يستخدمها الأهالي وإنما يذهبون إلى (كروان) ثم ينطلقون منها إلى (بنت).

٤٣

تلال عالية ذات حواف حادة متساوية ، ولها سطح عال دائري ، ذات تقاطعات من قوائم وعروق جبسية بسماكة (٥ أو ٦) بوصات ، موجودة في أسفل الجبال بالمنطقة ، ولا ينمو أي شيء عليها.

لقد استغل الرجل المسن «جلال» ضيافة وكرم السكان المحليّين ، فأخذ يزيد ويثقل في الطلبات منهم ، وأتى بي إليهم عند ما توقفت لإنزال أمتعتنا وفي طريقنا لاحظ بعضا من الماعز المشاكسة تسلك طريقا خاطئة فركض «جلال» خلفها لسحبها وقام بحلبها ، ثم قام بشراء خروف صغير لنا من الأهالي ، وهذا الشيء شائع هنا.

تركنا (ناليج) متجهين غربا بعد أن عبرنا نهر (كروان) من أربع أماكن مختلفة ووصلنا إلى تلال (جودار) المكان الذي يوجد فيه الآن مجموعات كبيرة من الأشجار وأعشاب القش التي تستخدم لأغراض مختلفة مثل عمل الأحذية ، وتدخل ضمن مواد البناء وتستعمل كوقود للنار ولها استخدامات أخرى تماما مثل استخدام البلّوط في انجلترا.

إن شجر القش واسمه العلمي «جاماروبس ريتشيانا» ذو أوراق كبيرة ، وتنمو مجموعات هذه الأشجار في قاع النهر الذي يجري في الأرض المالحة ، وجذور هذه الأشجار سميكة سوداء تتكون من ألياف وجذور تمتد إلى (١٢ أو ١٥) قدما تحت الأرض ، تتعرج منها فروع ترتفع حوالي ٩ أقدام ، وطول فروعها يصل إلى ٤ أقدام في بعض الأحيان ، وأشجار القش تموت عند ما تكبر ولكنها تثمر ، والثمرة تسمى (كونار) وهي بيضاء وتؤكل كالتمر. وبعض أشجار القش تنتج مادة كالوبر تنقع مع محلول آخر وتجفف وتلف بعد ذلك وتصنع منها الحصائر ، وهي متينة وطويلة الأمد ، وتسقف بها الأكواخ فتكون مانعا ضد المياه. وتحمل أوراق القش عادة من أعالي الجبال إلى السهول. ويوجد في قاع نهر (كروان) غابة من أشجار القش ، هذه الغابة تزيد من جمال النهر. كان الليل رائعا ، فخيّمنا في

٤٤

(بوجندي) وهذا الاسم يعني (قلب شجر القش).

في صباح اليوم التالي عارض «مهراب» مرشدنا الحمولة التي على جمله ، ولحسن حظنا مرّ بنا في تلك الأثناء شخص يمتطي جملا متجها إلى (بنت). فصحبناه ومشينا معه لمدة ساعتين لنصل إلى هضبة صخرية قاحلة ؛ حيث وجدنا فيها ثلاث غزلان قريبة ، وقد عكّرنا على هذه الغزلان صفوها لتواجدها على طريق رحلتنا. وبعد مسافة ميل واحد تحت هذه الجبال اتبعنا طريقا آخرا واتجهنا نحو الغرب قليلا ، إلا أن بلغنا نهر (تنك) وهي تعني الممّر. وهناك أيضا ٣ أنهار تحمل نفس الاسم وتبعد حوالي ٢٠ ميلا عن بعضها البعض. نهر (تنك) صخري الجوانب والقاع ، والمكان الذي نحن فيه الآن يقع على الجبال وأمامنا ١٠٠ ميلا من الأراضي والسهول التي تمتد شمالا لتصل إلى مقاطعة (لاشار).

لقد تابعنا مجرى نهر (تنك) لمسافة ميل واحد ، وكان عرضه حوالي ٤٠٠ ياردة ، وارتفاع الجبال على كل جانب تتراوح ما بين ٥٠ إلى ٣٠٠ قدم. في هذا المكان التقينا برجلين يمتطيان جملين محملين بالقش ، لقد أخذ رجالي التحدث معهما لأكثر من ربع ساعة ، فأمرتهم أن يجلسوا ويتحدثوا بشرط أن يكون هناك شخص مسئول عن الجمال ويبقى معها. كانت الأخبار تفيد أن الأمير «حاجي» (١) حاكم (بنت) قد قتل شقيق «همّام شاه» وهو أكثر رجل معروف في (سوراك) ، وأن ركبا مكونا من ثلاثين رجلا قد سبقونا متوجهين إلى (قصر قند) لرفع شكوى ، ضد الأمير

__________________

(١) هو الأمير «حاجي بن أحمد بن الرئيس سليمان» ، وكان حاكما لإمارة بنت واستلمها بعده أبناؤه والمعروف منهم الأمير «إسلام» ، ولكن حصلت مقتلة كبيرة بينهم انتهت بقتله ، وتحول حكم الإمارة إلى أبنائه ، وحصل تقاتل شديد بين الأخوه قتل منهم «أيوب» وتحول الحكم بعدها إلى «نجدي» وبعدها لابنه «علي» وأبنائه.

٤٥

«حاجي» أمام «حسين خان» ـ حاكم قصر قند ـ والمطالبة بالديّة. وتدّخلت هنا قائلا بأن ما رأيته في الطريق الذي سلكناه آثار جملين وحمار واحد ، وتساءلت عن العدد الحقيقي للمجموعة التي سبقتنا ، وصاح الشخص مباشرة أنهم كانوا ٣٥ شخصا ـ وسكت قبل أن أعيد طرح السؤال حتى لا يصل العدد إلى مجموع جيش كامل ، ويبدو أن الأمر يتعلق بقضية أرملة ثرية.

نحن الآن نقصد (شهران كوه) أو الجبال القرمزية الناعمة ، بألوانها الحادة. الآن تركنا (تنك) واتجهنا إلى اليمين نحو جدول ماء (شهراني) ، وسرنا حوالي ميلا واحدا أعلى المنحدر ، واجتزنا منحدرا شاهقا شديد الإنحدار إلى الجانب الآخر من نهر (غاري). وتابعنا ذلك لفترة قصيرة نحو جدول (ديرائي) ولمرة ثانية اجتزنا منحدرا آخرا حتى وصلنا إلى نهر (سرتابي) أو (النهر البارد) فخيّمنا هنا عند غروب الشمس.

٤٦

الجزء الثاني

هنا في (بنت) وفي (بمبور) هما المكانين الوحيدين الذين كنت أسأل فيهما عن أي شيء عن ديانتي المسيحية ، كان هناك رجلا مسنا قويا قد أحضر ابنه معه ، إستهل حديثه معي باللّكز بعصاه الغليظة ، فسألني أن أقرأ وبينما كنت أقرأ بعض القصائد لحافظ الشيرازي بين جمع من الناس غيّر الموضوع وطلب مني أن أقرأ له القرآن كنوع من الامتحان ولاعتقادي في ذلك الوقت بأن الناس كانوا يدعون أنفسهم بالمحافظين من أهل السنة ...

٤٧
٤٨

أعتقد أن وصف أحوال المسافرين على الجمال سيكون مفيدا لغير المطلعين على هذه الأمور ، ففي هذه الليلة كانت الشمس قد بدأت تغرب ونحن كنا لا نزال نتابع مسيرنا ؛ لأننا لم نجد مكانا نستطيع أن نخيّم فيه وكانت هذه الأماكن المناسبة للتخييم تصادفنا لمرة واحدة تقريبا كل ستة أميال في طريقنا. كان «حبيب» (١) وهو المرشد الذي أعطيناه أجره كاملا ومقدما أصبح يقسم بالله أننا لن نجد مكانا مناسبا للتخييم ، وكلما عبرنا مسافة تقارب عشرة أميال كان يزداد قلقه ويؤكد لنا أننا لن نصادف مكانا آخرا حتى منتصف الليل. وكان الرجال يؤيدونه بشدة مع أنهم لا يعرفون عن الطريق شيئا ، وهكذا تدخلت في الموضوع مضطرا وقرّرت أن أرفض التوقف من الآن في أي مكان حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. أما في هذه الليلة فكانت الجمال مجهدة جدا وهي تمشي بين الجبال القاحلة في ظلام حالك ، وكنت أضحك على الرجال لأنهم تقبلوا أسلوبي تجاههم مع أنهم يعرفون طبيعة المنطقة أفضل مني ولكنهم امتنعوا عن التعليق على

__________________

(١) كان واحدا من المرشدين المحليين الذين كان يستعين بهم «فلوير» عند ما يمر من منطقة إلى الأخرى.

٤٩

تعليماتي. وعلى أية حال لم يحدث شيء خطير في هذه الليلة نتيجة تأخرنا عن التخييم وكنت أعرف هذا ، وهكذا حملت المسؤولية على عاتقي ورفضت التوقف تحت تلال (سيهراني) وكان الرجال قد تأخروا بسبب جدالهم الشديد حول إنزال الأمتعة ، وتقدمت الركب ومعي «صالح» محاولين إيجاد أرضا منبسطة على وادي (سرتابي) وظهر لنا هذا المكان بوضوح في الظلام الدامس ، وبعد ذلك وجدنا الماء ووجدنا كومة من الأخشاب ملقية هناك أيضا. وبعدها ترجلنا وجلسنا بالقرب من أشجار (السمر) (١) وبدأ «صالح» بعمل الشاي ، وقام «غلام» بربط الأرجل الخلفية للجمال ، وانتزع اللجام منها ، وبعد قليل رأينا «جلالا» قادما من على بعد جارا حماره من خلفه بقوة وهو يشتم دليلنا في هذه الرحلة على المصاعب التي كبّدها لنا وابتهجت أساريره فجأة عند ما علم أننا نود أن نخيّم هنا ، وقال بلهجة متسارعة : «نعم يا صاحب ، إنه مكان ممتاز ، به الماء ، وخشب للنار ، وعلف للحيوانات». وفي خلال دقيقتين قام بربط حماره في شجرة صغيرة وقدّم له بعض الحشائش والتمر ، ثم قال : «خيمتك هنا يا صاحب وهنا تكون خيمة الطباخين». وظل يلّح على «صالح» حتى أخذ منه النرجيلة من حقيبة السرج ، مع قليل من التبغ ، والبلوش يموتون في سبيل التدخين خاصة إذا كانوا مجهدين ، فما بالك ب «جلال» الذي أصبح كبيرا في السن ويظهر عليه التعب بسرعة.

بعدها سمعنا هرجا ومرجا من الرجال وهم يسوقون الجمال أمامهم خاصة الجمل العجوز «إبليس» الذي كان يتقدّم بخطوات سريعة من صناديق الطباخين الثقيلة معلنا عن وصوله بزمجرة عالية ليؤكد لنا أنه برغم كل هذه

__________________

(١) أشجار (السمر) : هي أشجار منتشرة بكثرة في منطقتنا بعمان والإمارات وهي ذات أشواك كثيرة وهي مختلفة عن شجر «الغاف».

٥٠

الأحداث فهو غير متعب.

«الحمد لله» كانت تسمع من الكل بعد أن وصلوا المخيّم ثم بدأوا بعد لحظات يسألون عن خيمة الطباخ .. «أين الخيمة؟ هل هناك علف للحيوانات؟» .. ثم يردون على أنفسهم قائلين : «لا بد أن يكون العلف موجودا .. إننا نثق بقدرة «الصاحب» على توفير ذلك» ، وفي خلال ٦ إلى ٧ دقائق كانت جميع الجمال مفرّغة من حمولتها وربطت أرجلها ثم جلس الرجال لأكل التمر ومشاركة «صالح» في تدخين النرجيلة ، وأثناء ذلك ناقشوا مع «حبيب» احتمالات وجود شجيرات سامة حول المنطقة. وفجأة نهض «عبد الله» ليتسائل : ما إذا كانت خيمة «الصاحب قد نصبت أم لا»؟ وعند ما سمع بجوابي «لا» هبّ الرجال للعمل فورا. اثنان أخذا العصا ليرفعا عليها قرب الماء وذهبا إلى النهر لجلب الماء ، كذلك كان على اثنين آخرين أن يشعلا النار. وأخذ «عبد الله» في تجهيز قدر من الأرز ، أما الطباخ الذي بدا بلا عمل فقد بدأ يتشاجر معهما ، خاصة مع «جلال» الذي رفض اعطاءه الكميات الكافية من الأكل للطبخ ، وقام الرجال الأربعة بعد ذلك بأخذ أكياس من ملاءاتهم لجمع الأعشاب والقش. كانت ليلة سعيدة وجميلة بحق ، وبدأت بالتجول والتنزه حول خيمتي. وفي وقت انتهاء تجهيز طعام العشاء ، حضر جميع الرجال وبدأوا في أخذ وجبتهم من الأرز مع نوع من السمك ذو رائحة الغير طيبة. ثم جلست على كرسي صغير بجانب النار ، وقام «غلام شاه» بتجهيز الأسّرة وغطاها بالملاءات ؛ لأن الرطوبة كانت مرتفعة. بعد ذلك أحضر الرجال جمالهم وحلوا عقالها وجاءوا لمساعدة صالح في جمع الأعشاب للجمال وكانوا سعداء ؛ لأنه لم تكن أية أعشاب سامة منتشرة في المنطقة ، وعند ما عادوا إلى المخيم بدا «حبيب» وكأنه منهمك مع جماله وهو يقول لهم «ألم أقل لكم لا توجد أعشاب سامة .. ألم أقل لكم ذلك».

٥١

بركت جميع الجمال على الأرض موجهة رأسها نحو النار ، إنه لمنظر جميل ويروق للعين. كانت النار متوهجة ووجوه الرجال مفعمة بالحيوية ، وهم يتحدثون عن الجمال والكران (أي قيمتها) وهي المواضيع الوحيدة التي يستمتع البلوش في التحدث عنها ، وكان كل رجل يمسك بحبل جمله بيده وباليد الأخرى يرفع رأس الجمل لمساعدته في تناول الطعام ومضغه.

ولكي نتمكن من النهوض في الصباح الباكر ، قررنا عدم نصب الخيمة والنوم بجانب النهر ، وما كدنا نبدأ حتى بدأ رذاذ المطر بالنزول في حوالي التاسعة ليلا. فورا غيّرنا أماكننا إلى أسفل الجبل ولففت نفسي بمعطفي الواقي من المطر وغفوت تماما. ولكن إذا تساقط علينا المطر مرة أخرى وجب تغيير هذا المكان أيضا ؛ لأنه مع سقوط الأمطار الكثيرة فإن احتمال سيران الوادي كبير وقد يجرفنا فجأة معه أثناء نومنا (١).

__________________

(١) هذا صحيح تماما ـ فهذه الوديان مختلفة عن ودياننا في الإمارات وعمان بأنها أسرع ومفاجأة أكثر ، ولها منطقة عريضة في مجرى مياهها نظرا لأن الأرض طينية وليست صخرية.

٥٢

في صباح اليوم الثاني وبعد أن تناولنا الإفطار ، بدأ الرجال بتحميل الجمال ، وفجأة ظهر أحد البلوش يمتطي حصانه يتبعه من خلفه عبده الذي كان ممتطيا حصانا أيضا. نزل هذا الشخص من فوق حصانه وتقدم إلينا للسلام والتحية ، ولكن لم تكن لديه أسنان أمامية ، مما جعل كلامه غير واضحا ، وبدا ممن لهم علاقة بالقضية التي ذكرناها سابقا ، وكان متوجها إلى (بنت) حيث المكان الذي التقينا فيه فيما بعد مع «كريم داد» ، وهذا اسم له شهرة واسعة في معرفة جميع الطرق الجبلية ، ثم سألنا عن بهارات تسمى (مساله). وقد كان منظرا مسليا أن أرى وجه الطبّاخ الذي تجاهل طلب «كريم داد» واعتبره هجوما على ممتلكاته الخاصة. إن بهارات (الكاري) وهذه تصنع في (بنجغور) و (ميناب) ومناطق أخرى صغيرة ، أما التي تصنع في (بندر عباس) فإنها ليست طيبة ، وقد تكون على الأرجح مستوردة من (بومباي). ويقوم البلوش أيضا بعمل بهارات (الكاري) ذات الرائحة القوية مستخدمين أنواعا من الأعشاب والأشجار المتوفرة لديهم مثل شجرة (الترات).

في صباح اليوم التالي (الذي كان يوافق الثامن عشر من يناير) تبعنا مجرى نهر (سرتابي) لمدة نصف ساعة بين الجبال نعلو ونهبط على الهضاب الحصوية بارتفاع ٨٠٠ قدما حتى ظهرت أمامنا (جوركوه) كما كانت مبيّنة في الرسم التخطيطي الذي رسمه الملازم «ستيفي» على ارتفاع ٤٠٠ ، ٦ قدما. ومن هنا ينبع نهر (غاوريق) وإلى يميننا تقريبا تقع جبال (ليجاندي) و (شاريكي) وهي حدود طبيعية تفصلنا عن مسارنا السابق. بعد حوالي ٥ ، ٢ ميل حوّلنا مسارنا لنهاية جبال (ليجاندي) ، وشاهدنا سد (شاريكي). كانت هذه السلسلة الجبلية المرتفعة إلى ٦٠٠ ، ١ قدم تثير الانتباه ؛ لأنها صعبة الاجتياز باستثناء أماكن معينة وقليلة ، ونهر (شاريكي) الذي يفصل السلسلتين يحتوي على قليل من الماء وهو غير عذب ،

٥٣

وشاهدنا هناك قطعان من الأغنام ترعى على التلال التي يكثر بها نبات (الترات).

بعد ٨ أميال من (ليجاندي) مررنا بين نهاية جبال (شاريكي) وهضبة ذات نتوءات حادة ، وعلى بعد من ناحية الشمال كانت تظهر القمم الزرقاء لجبال (هاشينجان). وفي نهاية سلسلة جبال (شاريكي) ظهرت لنا تلة صغيرة كان شكلها مثل القلعة القديمة. على طول رحلتنا هذه كنا نصعد تدريجيا عبر سهل مرتفع وعند ما عبرنا الممر العريض في الجبل ، كنا أمام منظر بديع هو الوحيد الذي تمتعنا به منذ وصولنا لهذه السلسلة من الجبال. كان منظر الجبال والسماء حولنا في كل مكان على مدّ البصر بجميع ألوانها البني والأزرق والسماوي ، هنا سأذكر قصة كلبي «توبي» الذي تسبب في مشكلة كبيرة لنا تستحق السرد.

كان من عادة «توبي» أن يمتطي الجمل مع الطباخ ، أما في هذا اليوم فقد سمحنا له أن يركض على أرجله الصغيرة ، وبينما كنت أسير مجهدا في مقدمة القافلة سمعت الرجال ينادونني ويبلغونني أن «توبي» قد أخاف جمل أحد الرجال والتي على أثرها وقع راكبها على الأرض بشكل قاس. وقد تضايقت لدى سماعي بذلك ؛ لأنه دون شك من الخطأ السفر مع كلب أليف في بلد إسلامي كهذا ، وانطلقت راجعا نصف ميل إلى الخلف لأتحرى الأمر.

وما أن وصلت إلى هناك حتى سمعت حوارا غاضبا من قبل شخصين بلوشيين ملتحيين ومعهما جمليهما اللذين كانا رائعي الشكل. وكان لكل من الرجلين أنف شامخ طويل وهو ما يتميز به وجه البلوشي دائما. وكانا قد سمعا من «جنكي» أنني «سيد القافلة» ، فتوجها إليّ بالحديث بصوت عال وهما يشتكيان الكلب «توبي» وقال أحدهما إنه كاد أن يقطّعه بسيفه لو لا أن تنبه أن للكلب صاحبا فتوقف عن ذلك ليرفع الأمر إليّ وقال :

٥٤

«ماذا لك أن تقول في أمر كهذا» ، كان صوته مرتفعا وكان عليّ أن أعالج الأمر بطريقة مختلفة ؛ لأن هذين الشخصين من السادة الأشراف وهما من سلالة دينية ولهما احترامهما في هذه المنطقة أكثر من أية منطقة أخرى حتى في فارس مثل (يزد) مثلا ، حتى أنهم يعيشون هناك بكثرة (١) ـ تشجعت وقلت له : «إنني أعتبر أي شخص لا يستطيع ركوب جمله أن يكون بلوشيا أصيلا أو رجلا متمكنا فما بالك أن يسقط من على الجمل بسبب كلب .. وأرى اختياري الجيد لهذه الجملة وضربي على الوتر الحساس الذي يتفاخر به الرجال سواء بأصولهم أو بهويتهم أو بطريقة ركوبهم جمالهم ، فشجعني الرجال الذين معي لتحكمي بالموقف مع هذين السيدين. وأكملت قائلا : «من خبرتي الطويلة مع البلوش فإنهم منذ الصغر إن لم يكونوا قد نشأوا على الأصول الصحيحة السليمة فإنهم عند ما يكبرون يصبحون عاجزين تماما .. وإن كانوا يريدون السفر مرة أخرى ولا يستطيعون ركوب الجمال فعليهم استخدام الحمير».

__________________

(١) أغلب العائلات الدينية من البلوش هم من السادة أو الشيه ، والسادة هم من الأشراف من السلالة الهاشمية وينقسمون إلى مجموعة قديمة استقرت مع الفتح الإسلامي وأخرى هاجرت في فترة الشاه «عباس الصفوي الذي قام بتحويل (فارس) إلى المذهب الشيعي فهاجرت عائلات كثيرة منهم إلى ساحل «مكران» وأخرى أتت لا حقا في القرن التاسع عشر في الفترة القاجارية. والشيه أو عائلة «الشيخ» أو «الشيخ زاده» و «الشيه زادة» وتخفف الخاء لدى أبناء القبائل هناك ، فإن أغلبهم «قرشيين» أو عائلات عربية متدينة استقرت في (مكران) وبنت مدارسا للقرآن وأصبحوا يمتهنون مهنة القضاء والتعليم ، وتحولت أضرحة كثير من هؤلاء إلى مزارات في فترة من الفترات ذكرها «لوريمرLoimer» مثل «الشيه عيسى» حوالي «غابريغ» ، والمشهور منهم أبناء «الشيه جمال الدين» وهم كبار عائلة الشيه ، وهم أخوال كل «الدغارانيين» ـ لأن والدة الأمير دغار هي إبنه الشيخ جمال الدين ـ وكذلك المشهور منهم هو «محمد بن جنكي الشيهاني» وهو جد فرع آل محمد من الدغارانيين ، وجد الأمير «محمد» والد الأمير «عبد النبي» وأخوته الآخرين.

لمزيد من التفاصيل عن «الشيه زادة» وأصولهم راجع كتاب الكولونيل

C. M. Mac Gregor ـ Baluchistan, central Asia, Part III, p. ٧٥٢.

المطبوعات الرسمية للحكومة البريطانية ، عام ١٨٧٥.

٥٥

لقد أفحمت الرجل وأسكته ، ومن ثم تقدم إليّ وطلب مالا لشراء دواء له ، ولكنني رفضت ذلك بشدة ، ولكنه تراجع إلى الوراء وطلب قليلا من البودرة للعلاج ، ونظرت إلى «غلام شاه» وأمرته أن يعطيه قارورة بأكملها وكان سعيدا بذلك. ثم قام هذين السيدين بدعوتي لزيارتهما في قريتهما وقضاء يوم أو يومين عندهما ثم افترقنا ونحن أصدقاء.

بعد (جامكي) بدأ خط سيرنا بالإنحدار البسيط ، وكانت الأرض بيضاء وملحية وبها أشجار القش ومجموعة من الشجيرات الصغيرة ، وبعد ٥ ، ٢ ميل من (جامكي) ظهرت أودية جميلة تمتد حوالي ٥ إلى ٦ أميال منها واد يسمى (غديج) ، وكان في قاع الوادي طبقة من الطمي ، كان عرض الوادي ميلا واحدا ، والجبال من الجانبين منزلقة وذات حواف مغطاة بالنباتات وأشجار (السمر) ، وكان يجري بينها نهر أزرق قاتم هادئ بعرض ٦٠ ياردة وعمق قدمين ، وكان معدل سرعته حوالي ٥ أميال في الساعة. ومن الجانب الأيمن من خط سيرنا كان هناك سد رملي بارز مغطى بطبقة من القشرة الأرضية وطمي أزرق يشبه الصخور. كل ذلك يجعل المكان جميلا لنخيّم فيه حيث الماء ، وعلف الحيوان ، وخشب للوقود. هنا كانت الساعة قد تجاوزت الثانية ، وحسب خبرتي السابقة مع مرشدنا «حبيب» الذي أكد لنا أننا لن نجد مكانا أفضل من هذا المكان حتى منتصف الليل ، فقد قررت متابعة السير مع محاولات «حبيب» المتكررة بعرقلة الأمر. وهكذا تابع الطريق الذي أرشدته إليه وتبيّن أن اتجاهي هو الصحيح.

بعد أن عبرنا النهر اتجهنا إلى الشرق حوالي ٢ ميل عبر جداول منخفضة من الماء المالح ، ومنها اتجهنا إلى الشمال على سهل صخري منبسط مكسو بطبقة زرقاء سمكها ٦ بوصات من الجبس ، وكان يمكننا أن نرى من على بعد جبال (بندي نيلج) وبها الممر الذي يؤدي إلى «نانوج» ومنها كان يمكننا أن نذهب إلى (بشكرد) ، بعد ذلك مررنا بجدول ماء

٥٦

اسمه (شيرين كنداج) قيل إنه يصب في البحر بالقرب من (سوراك). وعند ما تركنا (الأميروي كوه) على يسارنا وقطعنا سيرا مسافة ٣ أميال أخرى على أرض وعرة داخل وادي (هوردين) الأبيض اللون بسبب الملح وكانت النباتات البرية تنمو بكثرة ، وسعف النخيل تصل أطوالها إلى ٧ أقدام.

في هذه المرحلة من رحلتنا وصلنا أرضا وعرة وعبرنا جداول مليئة بمياه سوداء ، ثم شققنا طريقنا إلى وادي (Pasgah) وكانت أمامنا صخورا ملفتة للنظر أمكننا مشاهدتها من أعلى منحدر اسمه (كوناركانو) و (الPasgah) له مجرى أعرض من (غديج) والتلال حوله أكثر انخفاضا والنهر هنا يتشعب إلى ٣ قنوات كلها تمر خلال حشائش غزيرة وشجيرات قش صغيرة.

هنا في (Pasgah) تخيّم جميع القوافل التي تمر بين منطقة (بنت) وشاطئ البحر على خليج عمان ، وقد وجدنا قافلة في ذلك اليوم تمر من (بنت) تحمل حوالي ٩٠ صندوقا من التمر لبيعها في (Sadeij) وفي القرى المتفرقة على الطريق التي ربما يجدون فيها مشترين لهذه الصناديق.

وهنا في (Pasgah) أيضا أشجار (الجيش) والتي هي كالسّم للجمال. أما نباتات أو شجيرات الدلفى فهي مناسبة لجميع الحيوانات إلا الحمير. فالجمال ، والماعز ، والخراف ليس مصّرحا لها بأكل الأعشاب ، ولكن تقدم لها أوراق العلف. وبعض الحيوانات الأخرى تأكل العشب الأخضر في أي مكان تراه.

صباح اليوم العشرين كان غائما وقد قال لنا «حبيب» أن النهر قد امتلأ ، وإذا هطلت الأمطار سنكون غير قادرين على اجتياز الوادي الذي كان عرضه عند ما تركنا الخيمة حوالي نصف ميل وهناك تلال عريضة وحشائش كثيرة على الجانبين. بعد ميل ونصف دخلنا أرضا فيها طبقة من القشرة الأرضية والطمي بسماكة حوالي ٦ بوصات بلون بني و ٤ بوصات حجارة رملية.

٥٧

بعد فترة وجيزة عبرنا مقاطعة (كالكيا) ونحن نتابع مجرى جدولها لمسافة حوالي ميل واحد ، إن سطح هذه الجبال التي كانت تحتوي على الجبس والطمي ورمال بنية اللون ، دائما تغطيها قشور بارزة من الحصى الرملي ، وهذه القشرة تتكون عند ما تزيل مياه المطر الطميّ ويبقى الحصى على سطح الجبال.

في هذا المكان تمكّنا من رؤية أول حيوان حيّ منذ دخولنا هذه الجبال ، فقد كانت هناك أسرابا من العصافير الملونة تشبه عصفور (الدوري) ، ولكن جسمها مستطيل ولونها بلون سلك معدني غطاه الصدأ. وعند ما واصلنا سيرنا كان على يميننا جبالا عالية ، وعلى شمالنا كانت هناك أرض موحلة تغطيها طبقة من الطين سماكتها ٣ أقدام ، وتمتد لمسافة قدرها إثنى عشر قدما ، وبعد ميل واحد وربع الميل وصلنا إلى وادي (Pasgah) وكان هناك جبلين ضخمين ، واحدا على يميننا ، والآخر على يسارنا. وقد بدا منظرهما بديعا وهما مغطيان بصخور قرمزية اللون متداخلة فيها اللون الأخضر القاتم الذي تخترقه شبكة من الخطوط المتموّجة البيضاء.

لقد عبرنا نهر (Pasgah) الذي كان حجمه هنا أكبر بثلاث مرات مما هو عليه في مكان مخيّمنا ، كذلك مررنا على طريق (بيرتاري) كانت فيه كومة كبيرة من الحصى التي كان يساهم فيها كل عابر بهذا الطريق ، فبعض الرجال الذين يمتطون الجمال يحملون عصاهم فيحركون الحصى بها ، والذين يمشون كانوا يأخذون الحصى ويقذفون بها ثانية على الأرض.

لقد أدهشني هذا التصرف في بداية الأمر ، ولكن عند ما سافرنا عبر المناطق المقدسة باتجاه (كربلاء) في العراق ، وجدت أن ذلك كان بهدف الزيارات. وقد أخذت هذه التفسيرات على أنها صحيحة ، وقد عرفت فيما بعد ، أنه في الجزء الوعر على طريق (كربلاء) كانت أكوام الحصى كثيرة ، وفورا أدركت أن ذلك الحصى يجعل الطريق واضحا. ولكن السكان ذكروا

٥٨

لي أن الحاكم ألزم كل مؤمن بهذه الأماكن المقدسة أن يرمي حجرا واحدا على الأقل على كل كوم من الحصى ؛ حتى يمكن الوصول بسهولة إلى الأماكن المقدسة.

إن هذه العادة قد امتدت إلى (بلوشستان) كما كان يؤكد ذلك البلوش الذين يمّرون عبر الجبال. إن كل كومة من الحصى تعني مكانا أو قبرا لبعض الأولياء (١).

وعند ما اتجهت قافلتنا إلى (بلوشستان) قمت بعمل كومة من الحجارة على جانب من المنطقة ، وعند ما اقترب الرجال منها كانوا يتباهون برمي الحجارة عليها ، وبذلك يعتبر هذا الرمي هدفا متبعا بلا تردد.

كانت جبال (كاليكا) تقع في الجانب الأيمن من المنطقة التي نحن فيها ، وقد عبرنا (الPasgah) ثانية ومررنا بصخرتين لونهما أبيض كالثلج مستديرتين في وسط النهر الذي يبلغ عرضه ٢٠ قدما ولعمق متوسط ٥ ، ١ قدما من حولنا التقت الجبال بألوانها الفائقة التصور ، وكان علينا أن نمر بمضيق من أصعب الطرق ، اسمه «ريدا جون دارج» ، بعد ذلك بلغنا بحرا من التلال المختلفة الألوان التي لا يمكن تصديقها لو لا رؤيتها.

بعد سير ٥ ، ١ ميل عبر تلك التلال كان هناك نهر (هاليرت) على ضفافه بعض المستعمرات ، ثم مررنا بين جبلين أو أربعة جبال مخروطية الشكل اسمها (كاتال جانين). نحن الآن متجهين إلى جبال (سيجا بوشت) ، والتي تبعد حوالي نصف ميل. كل شيء حولنا يدعو للتعجب ، ففي أسفل جبل

__________________

(١) هذا غير صحيح ، ومن السذاجة الظن بذلك ، والهدف كان هو تثبيت الطرق للقوافل والمسافرين وهذا معروف ، وكان الحكام يشجعون القوافل على ذلك حرصا على سلامتهم وتوضيح الطرق. وتطورت هذه العادة إلى أنهم كانوا يقومون بعمل إشارات وعمل أشكال معينة عند التقاطعات كدليل للناس للمناطق واتجاهاتها.

٥٩

(سيجا بوشت) ضريح يدعي (بيرتاري) وحوله زرعت البطاطا الحلوة ولم تكن بأوراقها خطوط بيضاء ، ولكنها تلتف حول بعضها كالثعبان الصغير. في ذلك المكان أيضا غابة والطريق التي تقطعها غير واضحة ، في الجبال التي نحن فيها الآن بدت القشرة الأرضية أسمدة من الحجر الرملي وبعبورنا جبال (سيجابوشت) وصلنا إلى واد فسيح به أشجار وشجيرات كثيرة. في ذلك المكان دخلنا ثانية نهر (Pasgah) والذي كان يجري فيه جدول نهر (سيجا بوشت) وكان في قاع النهر سياج من القمح بعرض ربع ميل ونبات آخر بارتفاع ١٣ قدما.

عند ما بلغنا جدول نهر (كوشت) وتابعناه حوالي ثلاث أرباع ميل ، وصلنا إلى نهر (جاري) ثانية وكان القاع أبيض ومالح حوالي ٤٠٠ ياردة عرض. ثم عبرنا مستوطنة جديدة تحتوي على غابات صغيرة وبساتين وأشجار نخيل طويلة تحيطها حدائق من التبغ وأشجار الفاصوليا والفول. وكانت هناك مساحات محجوزة لزراعة الأرز في موسمه بعد شهرين من الآن. وكانت المياه الراكدة هنا منذ فترة تحتوي على أعشاب ضارة ، بينما تقام في نفس المكان الأكواخ التي كانت تميزها أسراب البعوض المنتشرة في أعالي الجبال المجاورة.

كانت هذه البقعة المزدهرة في الصحراء المكان الممتع الذي رأيناه خلال رحلتنا عبر بحر من التلال القاحلة التي يبدو أن استصلاحها كان بدافع علمي ، بالإضافة إلى تلك الجسور الصغيرة المتعددة المبنية بطريقة حسنة. كذلك شكل أسوار الحدائق يدلّ على أنها مبنية من الطوب الإنكليزي المربّع والمنسق. كانت طبقات الجبال هنا من الرمال البنية اللون وتربتها صالحة وليست مالحة. على يسارنا كانت هناك جبال كثيرة ذات ألوان ظهرت وكأنها إضاءة. وقد شقت فيها قناة لتمر المياه عبرها مباشرة من أعالى الجبال إلى النهر وكان طولها حوالي ميل واحد ، ويخترقها

٦٠