تنقيح المقال - ج ٢

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-383-6
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٦٠

وفيه (١) : عن جابر ؛ عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال : «لا تمس النار مسلما رآني ، أو رأى من رآني .. (٢) ، ثمّ الذين يلونكم ، ثمّ يظهر الكذب ، حتى أنّ الرجل ليحلف ولا يستحلف ، ويشهد ولا يستشهد» .. الخبر (٣).

وفيه (٤) : عن عبد اللّه بن مفضّل ؛ قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «اللّه اللّه في أصحابي ، اللّه اللّه في أصحابي .. ثمّ الذين يلونهم (٥) ،

__________________

كتاب الجامع لمعمر بن راشد ١١/٢٤١ ، وفي بعضها : أكرموا أصحابي ثمّ الذين .. كما في الأحاديث المختارة ١/٣٦٨ ، ومسند الحميدي ١/١٩ ، ومسند الشافعي ١/٢٤٤ ، والسنن الكبرى ٥/٢٨٧ و ٢٨٨ ، والمعجم الأوسط ٣/٣٠٤ ، والمعجم الصغير ١/١٥٨ .. وغيرها ، وقريب منه في مسند الطيالسي ١/٧ ، ومسند الشهاب ١/٢٤٩ ، وكذا الأحكام لابن حزم ٤/٥٧٧ ، وطبقات المحدّثين بإصفهان ٣/٥٣٤ ، والفردوس بمأثور الخطاب ١/٧٥ .. وغيرها.

(١) مشكاة المصابيح ٥/١٢٤٤ (كتاب المناقب) حديث ٦٠١٢.

(٢) إلى هنا الحديث وما بعده تابع للحديث الذي قبله المروي في المشكاة ٥/١٢٤٤ حديث ٦٠١٢ ، حيث هو ذيل ما سبقه ، بعد قوله : فإنّهم خياركم .. فلاحظ.

(٣) وجاء في تحفة الأحوذي ١٠/٢٤٣ .. وغيره.

(٤) مشكاة المصابيح (كتاب المناقب)٥/١٢٤٤ حديث ٦٠١٤ ، وقد جعل في ذيله : فمن أحبّهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه فيوشك أن يأخذه!! وقد رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب. والصحيح أن يقال فيه : هذا حديث موضوع ، وكل ما قاله (ص) في أهل بيته أجروه على أصحابه ..

(٥) كذا ، ولا وجود لقوله : ثمّ الذين يلونهم في الحديث .. ولا معنى له ، وقد اقحم فيه.

٣٤١

لا تتخذّوهم غضّا (١) من بعدي» (٢).

وفيه (٣) : عن ابن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «إذا رأيتم الذين يسبّون أصحابي ، فقولوا : لعنة اللّه على شرّكم!» (٤).

وفيه (٥) : عن عمر بن الخطاب ، قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ، يقول : «سألت ربي عن اختلاف أصحابي بعدي ، فأوحى إليّ : يا محمّد! إنّ أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء ، بعضها أقوى من بعض ، ولكلّ نور ..! فمن أخذ بشيء ممّا هم عليه من اختلافهم

__________________

(١) كذا ، والصحيح : عرضا ، كما في المصدر.

(٢) جاء الحديث بألفاظ مقاربة في مصادر عديدة ، مثل : الفردوس بمأثور الخطاب ١/١٤٦ ، وكتاب السنة للخلال ٣/٥١٤ .. وغيرهما ، كما جاء في كتب الرجال ؛ مثل تهذيب الكمال ١٧/١١٠ ، ولسان الميزان ٣/٣٠٦ ، وميزان الاعتدال ٤/١٣٥ .. وغيرها.

(٣) مشكاة المصابيح (كتاب المناقب)٥/١٢٤٤ حديث ٦٠١٧ ، وقال : رواه الترمذي ..

(٤) جاء في المجاميع الحديثية والموسوعات التفسيرية والرجالية والتاريخية ، نظير : سنن الترمذي ٥/٦٩٧ ، والمعجم الأوسط ٨/١٩١ ، والفردوس بمأثور الخطاب ١/٢٦٣ ، وكذا في تفسير القرطبي ١٨/٣٢ ، ومثله في تهذيب الكمال ٦/٤٩٩ و ١٢/٣٢٦ ، وميزان الاعتدال ٣/٣٥٤ ، وتاريخ بغداد ٨/١٤٣ ، و ١٣/١٩٥ ، وفضائل الصحابة لابن حنبل ١/٣٩٧ .. وغيرها.

(٥) مشكاة المصابيح (كتاب المناقب)٥/١٢٤٤ حديث ٦٠١٨ ، ثمّ قال : قال رسول اللّه (ص) : أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم!! رواه رزين.

٣٤٢

فهو عندي على هدى» (١).

والجواب عن هذه الأخبار :

أوّلا : أنّها أخبار مجعولة ، اختصّوا بروايتها ، جعلوها لإثبات ما تعاقدوا عليه من غصب الحق وإبطاله ، كما أثبتوا حديثا نفاه اللّه في محكم الصحف ، من أنّ : معاشر الأنبياء لا يورّثون درهما ولا دينارا ، ولا دارا ولا عقارا!! حيث نفوا بذلك إرث سيدة النساء عليها السلام فدك ، وتناسوا ذلك في قضية دفن الشيخين ، فورّثوا عائشة وحفصة ، ودفنوا أبويهما في سهمهما ، مع أنّ الزوجة لا ترث من الأرض شيئا ، لا عينا ولا قيمة!!.

مضافا إلى أنّ التسع من الثمن من دار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لا تفي بقدر يتضمّن جسد كلّ منهما ، ولو وفى ؛ لكان [من] المال المشترك الذي لا يجوز لأحد من الشركاء ـ عقلا ونقلا ، كتابا وسنّة وإجماعا ـ إلاّ بإذن الباقين. وقد كان دفنهما بغير إذن ورثة سيدة النساء صلوات اللّه عليها ، بل مع كراهتهم.

وليت شعري ، كيف جوّز ملك التسع من الثمن دفنهما ولم يجوّز ملك سبعة أثمان دفن الحسن عليه السلام ..؟!

إن هذا إلاّ اختلافا! : (تَكٰادُ السَّمٰاوٰاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ

__________________

(١) وقد جاء بطريق فارد ومصادر جمّة ، منها : الفردوس بمأثور الخطاب ٣/٣١٠ ، وفيض القدير ٤/٧٦ ، والرياض النضرة ١/١٨٠ ، والمدخل إلى السنن الكبرى ١/١٦٣ .. وغيرها ، وكذا في ميزان الاعتدال ٣/١٥٣ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٣/٣٠٠ ، والكفاية للخطيب ١/٤٨ .. وغيرها.

٣٤٣

اَلْجِبٰالُ هَدًّا) (١) ، إن عصوا الرحمن جهرا ..

ولو كان للأخبار المزبورة أصل وأثر لوردت روايتها على لسان أهل البيت عليهم السلام ـ الذين هم أدرى بما في البيت ـ وليس لها في رواياتهم عليهم السلام عن أبيهم ، عن جدهم ـ على كثرتها ـ عين ولا أثر. وكم للجمهور أخبار مجعولة بها روّجوا باطلهم ، وأبطلوا حقنا : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢).

ولقد أجاد من قال (٣) :

حديثهم عن صحاح عن مسيلمة (٤)

عن ابن ريّان (٥) والأوسيّ * يمليه

وكلّهم ينتهي إسناد باطله

إلى غرازيل محصيه وممليه (٦)

__________________

(١) سورة مريم (١٩) : ٩٠.

(٢) سورة الشعراء (٢٦) : ٢٢٧.

(٣) الأبيات من قصيدة مفصّلة للشريف ابن فلاح الكاظمي ، أورد منها قطعة الشيخ الأميني في غديره ٩/٥١.

(٤) هنا تصحيف غريب ، والصحيح : صحاحهم عن سجاح عن مسيلمة .. إلى آخره.

(٥) في الاصل : ابن حيان.

(*) الظاهر أنّه الدوسي. [منه (قدّس سرّه)].

وهو الذي جاء في المصدر ، ويراد منه : أبو هريرة.

(٦) كذا ، والعجز في المصدر هو : إلى عزازيل منشيه ومنهيه .. وهو الظاهر.

٣٤٤

والعجب كلّ العجب من جمعهم بين روايتهم عن خليفتهم ، ضرب أبي هريرة بالدّرة ، وقوله له : قد أكثرت من الرواية ، ولا أحسبك إلاّ كذّابا (١) ، وبين عملهم بأخبار أبي هريرة ، والاحتجاج بها لأصول الدين وفروعه ، فيحق حينئذ قول النصراني المستسلم ـ في مجلس يزيد عند رؤية رأس الحسين عليه السلام ليزيد ـ : أفّ لك ولدينك ؛ فإنّ لي دينا أحسن من دينك (٢).

وثانيا : إنّ صدور الكبائر من كثير من الصحابة في زمان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبعد رحلته دراية نطقت به آيات كثيرة ، وأخبار متواترة قطعية أشرنا إلى شطر منها ، وما احتجوا به هنا رواية ، والرواية لا تعارض الدراية.

وبعبارة اخرى ؛ صدور الكبائر منهم قطعي ، وهذه الأخبار ظنية ، ولا يصحّ

__________________

(١) مرت قريبا مصادره ، فلاحظ.

(٢) الملهوف : ١٧٠ ـ ١٧١.

وفيه : .. فقال له [أي النصراني] : يزيد! هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب؟! فقال الرومي : ومن أمّه؟ فقال : فاطمة بنت رسول اللّه ..! فقال النصراني : أفّ لك ولدينك! .. إلى آخره ، وحكاه في بحار الأنوار ٤٥/١٤٢ عنه.

ونقله مرسلا ـ أيضا ـ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ٤٥/١٩١ ذيل حديث ٣٦ ، عن بعض مؤلفات الأصحاب.

وقريب منه ما قاله كامل لابن سعد : أفّ لك يا عمر بن سعد! تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول اللّه؟! أف لك ولدينك يا عمر! .. إلى آخره ، كما جاء في بحار الأنوار ٤٤/٣٠٦.

٣٤٥

رفع اليد عن القطعي بالظني.

وثالثا : أنّ الخيرية التي حاولوا بها إثبات عدالة جميع الصحابة شاملة لمن كان في قرنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من المسلمين غير الصحابة ، فيلزمهم القول بعدالتهم كما قالوا بعدالة الصحابة ، وحينئذ فكلّ فرد من أهل القرن الأوّل يكون أعدل وأفضل من عمر بن عبد العزيز .. وأمثاله من أهل القرن الثاني ، واللازم بيّن البطلان ، فالملزوم مثله.

وأيضا ، يلزمهم تفضيل يزيد ، والحجاج ، وأغيلمة قريش (١) ، وابن زياد .. وأمثالهم من خبثاء القرن الثاني على أكابر القرن الثالث كالشافعي ، ومالك ، وسفيان .. وأمثالهم. وهو أيضا بيّن البطلان (٢) .. فتعيّن أن يكون المراد بالحديث ـ على فرض وروده ـ خيرية المجموع من حيث المجموع ، وعليه ؛ فلا تثبت به عدالة كلّ الصحابة ، بل يكونون كغيرهم.

ورابعا : إنّ كون القرن الذي يلي قرن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خير

__________________

(١) أطلق اغيلمة من دون إضافة وبإضافة (قريش) و (من قريش) على بني أمية وبني مروان ، كما يقال لهم : غلمة من قريش ، وأعلمة .. وعن حكومتهم ب‌ : إمارة الصبيان. لاحظ : كتاب الأسرار ١/٣٠٨ ـ ٣٠٩ [الطبعة الاولى] مع ما خرّج له من مصادر جمّة ، منها : مسند أحمد بن حنبل ٢/٢٩٩ و ٣٠٤ و ٤٨٥ و ٥٢٠ ، والعمدة لابن بطريق : ٤٥٢ و ٤٥٦ ، ومستدرك الحاكم ٤/٤٧٩ .. وغيرها.

(٢) هذا على مبناهم ، ومن باب : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ..

٣٤٦

القرون بعده .. ممّا يضحك الثكلى ، فإنّ في قرنه أو (*) القرن الذي يلي قرنه سن السب على من لم يكفر باللّه طرفة عين ..

وفيه : أمّر على المسلمين المعلن بالفجور يزيد بن معاوية ..

وفيه : استشهد ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وسبي عياله ..

وفيه : كانت وقعة الحرّة بالمدينة ـ التي أظهرت بنو أمية فيها ضغائنهم وكفر سرائرهم ـ واستباحوا المدينة المشرّفة ، وهتكوا حرم ساكنيها ، وقتلوا أكابر الصحابة فيها ، وقد ذكر أهل السّير أنّهم قتلوا سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ، وعشرة آلاف من سائر الناس من حر وعبد ، واستباحوا فروج جم غفير من المسلمات ، وهتكوا حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومسجده بإتيان الفضائح والشنائع فيها ..

وفيه : هتكت حرمة مكة المشرّفة بالحصار ، ورميت الكعبة بالمنجنيق ..

وفيه : شرب خلفاء الإسلام الخمور ، وارتكبوا الفجور ، وفي هذا القرن مرق من الدين اثنا عشر ألف من أمته .. إلى غير ذلك ممّا رواه الفريقان.

وخامسا : إنّ الأخبار المزبورة معارضة بأخبار اخر روتها الجماعة أيضا ؛ مثل قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «مثل أمتي كالمطر لا يدرى أوّله خير

__________________

(*) الترديد للإشارة إلى الخلاف في المراد بالقرن ومقداره ، وأنّه هل هو المائة ، أو الست وثلاثون ، أو الثلاثون. [منه (قدّس سرّه)].

٣٤٧

أو آخره». أخرجه الترمذي (١) ، وابن حيّان (٢) وصحّحه (٣).

وحديث ابن أبي شيبة ، من حديث عبد الرحمن بن جبير ـ بإسناد حسن ـ قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «ليدركن المسيح أقواما إنّهم لمثلكم أو خيرا [منكم]»ثلاثا (٤).

وروى أحمد (٥) ، والطبراني (٦) مسندا ، عن أبي جمعة الأنصاري ، قال : قال

__________________

(١) سنن الترمذي ٥/١٥٢.

(٢) كذا ، والصحيح : ابن حبان ، انظر : صحيح ابن حبّان ١٦/٢٠٩ حديث ٧٢٢٦ ، وفيه : مثل امتي مثل المطر .. لا يدري أوله خير أو آخره.

(٣) وقد جاء بألفاظ مختلفة متقاربة (مثل امتي كالمطر)(امتي مثل المطر) .. وغيرهما ، وذلك في أكثر من مصدر حديثي وتفسيري ورجالي ، كالقرطبي في تفسير ٤/١٧٣ ، والتمهيد لابن عبد البر ٢٠/٢٥٢ ، و ٢٥٣ و ٢٥٤ ، وجاء في مسند البزاز ٩/٢٣ ، ومسند أحمد ٣/١٣٠ ، ١٤٣ ، ٣١٩ ، ومسند الطيالسي ١/٩٠ ، وجاء ـ أيضا ـ في مسند الشهاب ٢/٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، ومجمع الزوائد ١٠/٦٨ ، والمعجم الأوسط ٤/٧٨ ، ومسند الروياني ٢/٢٦٧ ، وفردوس الأخبار ٤/١٢٩ ، ونيل الأوطار ٩/٢٣٠ ، وكشف الخفاء ٢/٢٥٨ ، وكذا في ميزان الاعتدال ٢/٣٧٣ ، وفتح الباري ٧/٦ .. وغيرها.

(٤) أسنده في كتاب المصنف ٧/٤١٤ ، باختلاف غير مهم ، وفيه : ثلاث مرات ، وجاء في ذيله : «ولن يخزي اللّه امة أنا أولها والمسيح آخرها ..!».

وجاء الحديث بمقدمة وذيل في فتح الباري ٧/٦ ، ونوادر الاصول في أحاديث الرسول (ص)٢/٩٣. ولاحظ : فيض القدير ٥/٣٥٣ باختلاف غير مهم.

(٥) مسند أحمد بن حنبل ٤/١٠٦ حديث ١٧٠١٧.

(٦) المعجم الكبير ٤/٢٢ و ٢٣ حديث ٣٥٣٧ و ٣٥٤٠.

٣٤٨

أبو عبيدة : يا رسول اللّه (ص)! أحد خير منّا أسلمنا معك ، وجاهدنا معك؟! قال : «[نعم ؛ ] قوم يكونون من بعدكم ، يؤمنون بي ولم يروني» (١). صحّحه الحاكم (٢).

وأخرجه البخاري في باب خلق أفعال العباد (٣) ، من حديث أبي جمعة ، ولفظه : كنّا مع رسول اللّه ومعنا معاذ بن جبل ، عاشر عشرة ، فقلنا : يا رسول اللّه (ص)! : هل من أحد أعظم منّا أجرا ، آمنّا بك واتبعناك ، قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «وما يمنعكم من ذلك ورسول اللّه بين أظهركم ، يأتيكم بالوحي من السماء؟ بل قوم يأتون من بعدكم ، يأتيهم كتاب بين لوحين فيؤمنون به ، ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم أجرا» (٤).

وأخرج الترمذي (٥) حديث أبي ثعلبة ، رفعه ، قال صلّى اللّه عليه وآله

__________________

(١) ولاحظ : سنن الدارمي ٣/٣٩٨ ، مسند أبي يعلى ١/١٨٤ و ٢/١٢٨ ، فتح الباري ٧/٦ ، نيل الأوطار ٩/٢٢٩ و ٢٣١ ، وباختلاف يسير ، وكأنّه في واقعة اخرى في مجمع الزوائد ١٠/٦٦.

(٢) قال الحاكم النيسابوري في كتابه المستدرك على الصحيحين ٤/١٩٥ ذيل حديث ٦٩٩٢ : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(٣) صحيح البخاري (كتاب خلق أفعال العباد)١/٨٨.

(٤) وجاء بألفاظ مقاربة في مجمع الزوائد ١٠/٦٦ ، والمعجم الكبير ٤/٢٣ ، وكتاب الآحاد والمثاني ٤/١٥٣ ، وكذا في تفسير ابن كثير ١/٤٣ ، وتهذيب الكمال ١٣/٢٥ ، وتدريب الراوي ٢/٦٤ .. وغيرها.

(٥) سنن الترمذي ٥/٢٥٧ [٤/٣٢٣ حديث ٥٠٥١].

٣٤٩

وسلّم : «تأتي أيام للعامل فيهنّ أجر خمسين» ، قيل : منهم أو منّا يا رسول اللّه!؟ قال : «بل منكم» (١).

وحديث عمر ، مرفوعا قال : كنت جالسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقال : «أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا»؟ قلنا : الملائكة ، قال : «وحق لهم ، بل غيرهم» ، قلنا : الأنبياء ، قال : «وحقّ لهم ، بل غيرهم». ثمّ قال صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم : «أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال ، يؤمنون بي ولم يروني ..». الحديث أخرجه الطيالسي (٢) .. وغيره (٣).

__________________

(١) وجاء بنصه أو ألفاظ مقاربة له في فتح الباري ٧/٦ ، ونيل الأوطار ٩/٢٢٩ ، وفيض القدير ٥/٣٥٣ ، وسبل السلام ٤/١٢٧ .. وغيرها.

(٢) مسند أبي داود الطيالسي ١/١٤٧.

وحكاه عن الطيالسي ابن عبد البر في التمهيد ٢٠/٢٤٧ مسندا عن أبي امامة ، وكرره في صفحة : ٢٤٨ عن أبي هريرة ، ثمّ أورد نصّ الطيالسي ، وفيه : بعد الأنبياء ، وقوله (ص) : «حق لهم ، بل غيرهم» ، قلنا : الشهداء ، قال : «هم كذلك ، وحقّ لهم بل غيرهم ..»وفيه ذيل ، فراجعه.

(٣) جاء بألفاظ اخرى بأسانيد متضافرة في مجاميع العامة أعرضنا عن درجها. ولاحظ : كنز العمال حديث ٣ ـ ٣٤٥٨٢ ، ومسند أحمد بن حنبل ٣/١٥٥ و ٤/١٠٦ ، ومستدرك الحاكم ٤/٨٥ ـ ٨٦ .. وغيرها ، بل جاء في غالب التفاسير مكررا ؛ كما في تفسير القرطبي ١/٢٤٩ و ٩/٤٣ و ١٢/٢٨ و ١٧/١١٠ ـ كما رأيته في الحاسوب ـ وكذا في تفسير الطبري ٧/٢٨٧ و ٢٨٩ و ٢٩٠ و ٢٩١ .. وموارد اخر ، وتفسير ابن كثير ٣/٣٠٤ ، وأيضا في المستدرك على الصحيحين ٢/٣٤٩ ، و ٤/٩٦ ، ومجمع الزوائد ٨/٣٠٠ ، ١٠/٦٥ ،

٣٥٠

وعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال : «أمتي أمة مباركة ، لا يدرى أولها خيرا أو آخرها» (١). أخرجه ابن عساكر (٢) عن عمرو بن عثمان مرسلا بسند حسن (٣).

وعنه (٤) صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال : «طوبى لمن رآني وآمن بي .. مرّة ، وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات ..» (٥).

وروي (٦) أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا ولي الخلافة ، كتب إلى سالم بن عبد اللّه بن عمران : اكتب لي سيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها ..! فكتب إليه سالم : إن عملت بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر ؛ لأنّ زمانك ليس كزمان عمر ،

__________________

والمصنف لعبد الرزاق ١٠/١٥٠ ، ومسند أبي يعلى ١/١٤٧ ، وفتح الباري ٣/٤٠٩ ، و ٦/٤٠٦ ، وحلية الأولياء ٥/٢٤٩ ، وتاريخ الطبري ١/١٥٧ .. ومصادر جمّة اخرى.

(١) وفي بعض ألفاظ الحديث : «لا يدري أولها خير من آخرها أو آخرها خير من أولها ..» ، كما في فيض القدير ٣/١٨٤ ، وفيه ذيل فليراجع.

(٢) وحكاه عنه في جمع الجوامع ٣/٤١٣ ، وكشف الخفاء ١/١٩٨ ، وكنز العمال ١٢/١٥٤ حديث ٣٤٤٥١ ، عن تاريخ ابن عساكر ، وكذا في فيض القدير ٢/٢٣٣ ، وتاريخ دمشق ٤/١٠٣ .. وغيرها.

(٣) وذكره ـ أيضا ـ في كشف الخفاء ١/٢٢٨ ، وكذا فيه ٢/٢٥٨.

(٤) كما في المعجم الكبير ٨/٢٥٩ ، ولا توجد فيه كلمة (مرة).

(٥) وروي أيضا في مسند أبي يعلى ٦/١١٩ ، والمعجم الكبير ٨/٢٥٩ ، وفيض القدير ٤/٢٧٩ ، وأيضا في ميزان الاعتدال ٦/٢٩ ، ولسان الميزان ٥/١٨ ، وكشف الخفاء ٢/٦٢ .. وغيرها.

(٦) كما في تفسير القرطبي ٤/١٧٢ باختلاف يسير.

٣٥١

ولا رجالك كرجال عمر .. وكتب [إلى] فقهاء زمانه ، فكلّهم كتب [إليه] بمثل قول سالم ..!

.. إلى غير ذلك من الأحاديث.

وقد شهد ابن عبد البرّ (١) بتواتر طرقها وحسنها ، واعترف بإفادتها التسوية بين أوّل هذه الأمة وآخرها في فضل العمل إلاّ أهل بدر والحديبية (٢).

وروي عن ابن سيرين (٣) ـ بسند صحيح ـ أنّ الإمام المهدي عليه السلام يكون أفضل من أبي بكر وعمر (٤).

__________________

(١) قال في التمهيد ٢٠/٢٥٥ : وهذه الأحاديث تقتضي ـ مع تواتر طرقها وحسنها ـ التسوية بين أوّل هذه الأمة وآخرها .. إلى أن قال : فيستوي حينئذ أوّل هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلاّ أهل بدر والحديبية ، واللّه أعلم.

وحكاه عنه القرطبي في تفسيره ٤/١٧٣.

(٢) وقد أدرج غالب الروايات السالفة بأسانيدها ابن عبد البر في كتابه التمهيد ٢٠/٢٤٣ .. وما بعدها وناقشها ، فراجع.

(٣) وقد حكي عنه بألفاظ مختلفة ومؤدى واحد ، منها ما جاء عن نعيم بن حمّاد المروزي (المتوفّى سنة ٢٨٨ ه‌) في كتابه الفتن ١/٣٥٦ حديث ١٠٢٧ من قوله : عن ابن سيرين : قيل له : المهدي خير أو أبو بكر وعمر .. قال : هو خير منهما ، ويعدل نبي .. وعنه روى الشيخ البياضي في الصراط المستقيم ٢/٢٢٠.

(٤) وجاء في شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ٣/٥٦ حديث ١٢٢١ ، وكتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر : ١٤٨ ، وتاريخ الخميس ٢/٢٨٩ .. وغيرها ، عدا ما أدرجه السيّد المرعشي رحمه اللّه من مصادر جمّة وبألفاظ مختلفة ـ

٣٥٢

ولقد أنصف بعض علماء الجمهور (١) ، حيث قال : إنّنا أهل السنة قد أنكرنا على الشيعة دعواهم العصمة للأئمة الاثني عشر وجاهرنا [هم] بصيحات النكير ، وسفّهنا بذلك أحلامهم ، ورددنا أدلتهم بما رددنا ، أفبعد ذلك يجمل بنا أن ندّعي إمامة مائة وعشرين ألفا ـ حاضرهم وباديهم ، وعالمهم وجاهلهم ، وذكرهم وأنثاهم .. ـ كلّهم معصومون ..؟! أو كما نقول : محفوظون من الكذب والفسق ، ونجزم بعدالتهم أجمعين ..؟! فنأخذ رواية كلّ فرد منهم قضية مسلّمة ، نضلّل من نازع في صحّتها ونفسّقه ، ونتصامم عن كلّ ما ثبت وصحّ عندنا ، بل وما تواتر من ارتكاب بعضهم ما يخرم العدالة وينافيها من البغي والكذب والقتل بغير حقّ وشرب الخمر .. وغير ذلك مع الإصرار عليه ، لا أدري كيف تحلّ هذه المعضلة؟! ولا أعرف تفسير هذه المشكلة؟!

إليك فإنّي لست ممّن إذا اتّقى

عضاض الأفاعي نام فوق العقارب

__________________

للحديث في موسوعته إحقاق الحق ٢٩/٣٦٨ تحت عنوان : المهدي خير من أبي بكر وعمر!! فراجع.

(١) وهو : السيّد محمّد بن عقيل اليماني (١٢٧٩ ـ ١٣٥٠ ه‌) له جملة كتب منها : النصائح الكافية ، وثمرات المطالعة .. وغيرهما ، كما له ترجمة ضافية في مقدمة كتاب : العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل (المطبوع سنة ١٣٩١ ه‌ ؛ من منشورات هيئة البحوث الإسلامية في أندونسيا). ولقد جهدت جدا لمعرفة قائل هذا الكلام ، ولا أحسبه من علماء الجمهور باطنا ، بل هم لا يرتضونه منهم واقعا.

٣٥٣

انتهى (١).

فتلخّص ممّا ذكرنا كلّه أنّ ما عليه أصحابنا ـ من كون حال الصحابي كحال غيره في توقّف قبول خبره على ثبوت عدالته ، أو حسن حاله بالإيمان ، والمدح ـ هو الحقّ المتين ، والصواب المبين ، وإنّ ما بنى عليه الجمهور من عدالة كلّ صحابي وقبول خبره في غاية الضعف والوهن والقصور.

* * *

__________________

(١) النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : ١٧٥ [طبعة بغداد : ١٤٢ ـ ١٤٣] ، ونقل عنه في كتاب نماذج من الأحاديث الموضوعة والمشكوكة : ١٩٥ ، وكذا في كتاب الأشرار من أصحاب الأنبياء عليهم السلام : ١٩٣ .. وغيرهما.

٣٥٤

تنبيهات

الأوّل :

أنّه لا يخفى عليك أنّ من استشهد من الصحابة في إحدى غزوات النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وسراياه ولم يبق إلى زمان ارتداد ـ من عدا الأربعة أو الثلاثة ـ نبني على إيمانه وحسن حاله ؛ لكشف شهادته بأمره صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن صحّة إيمانه ، وحسن عقيدته وحاله.

ولذا لزمنا تعداد الغزوات إجمالا ، حتى نبني على حسن من ذكر في ترجمته شهادته في إحداها ، فنقول :

غزواته صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سبع وعشرون غزوة (١).

__________________

(١) قال ابن الاثير في تاريخه (الكامل)٢/٣٠٢ : إنّ جميع غزواته صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم التي غزاها بنفسه تسع عشرة غزوة ، ثمّ قال : ويروى أنّها ستّ وعشرين ، وقيل : سبع وعشرين.

وانظر : المحبر لأبي جعفر البغدادي : ١١٠ بعنوان : غزاة النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم وسراياه ، وكذا صفحة : ١١٦.

وأسند الفسوي في المعرفة والتاريخ ٣/٢٨٨ عن مكحول : إنّ رسول اللّه (ص) غزا ثمانية عشر غزوة ؛ قاتل في ثمان غزوات ؛ أولهن : بدر ، ثمّ احد ، ثمّ الأحزاب ،

٣٥٥

__________________

ثمّ قريظة ، ثمّ بئر معونة ، ثمّ غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ثمّ غزوة خيبر ، ثمّ غزوة مكة ، ثمّ حنين والطائف .. وروى عن سعيد بن المسيب إنّه كان يقول : غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ثماني عشرة غزوة ، وسمعته مرة اخرى يقول : أربعا وعشرين .. فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعه بعد ذلك؟!

وانظر : البداية والنهاية ٤/١٧٨ ، وقال ابن كثير فيه [٤/١٧٧] : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم غزا تسع عشرة غزوة ، وقيل : غزا خمسة عشر غزوة .. ثمّ قيل : ست عشرة غزوة.

ولاحظ : الطبري في تاريخه ٢/٤٠٨ ـ ٤٠٩ حيث حكى عن زيد بن أرقم أنّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم غزا تسع عشرة غزوة ، وعن زيد بن أرقم أنّها سبع عشرة غزوة .. ثمّ ذكر أقوالا آخر ، وقال في آخره : فهذان الحديثان (حديث زيد بن الأرقم وحديث مكحول) جميعا غلط.

قال المسعودي في مروج الذهب ٢/٢٨٠ ـ ٢٨١ : وكانت غزواته (ص) بنفسه ستا وعشرين غزوة ، ومنهم من رأى أنّها سبع وعشرون ، الأولون جعلوا منصرف النبي (ص) من خيبر إلى وادي القرى غزوة واحدة ، والذين جعلوها سبعا وعشرين جعلوا غزوة خيبر مفردة ، ووادي القرن منصرفة إليها غزوة اخرى غير خيبر ، فوقع التنازع في عداد الغزوات من هذا الوجه.

أقول : اختلف المؤرخون في أوّل غزوة غزاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، وقد روى المحدثون والمؤرخون فيها أحاديث كثيرة في صحاح العامة ومسانيدهم ، كما في صحيح البخاري ٨/١١٦ ، وصحيح مسلم ٢/٩١٦ برقم ١٢٥٤ ، وسنن الترمذي برقم ١٦٧٦ ، وفتح الباري لابن حجر ٧/٢٧٩ ـ ٢٨٠ .. وغيرها.

٣٥٦

غزوة وران (١) ..

__________________

ومنها : ما روي عن زيد بن أرقم أنّ أوّل غزوة غزاها : ذات العسير أو العشير ..

وانظر : جامع الاصول ٨/١٧٧ ، وفي أوائل أبي عاصم (تحقيق زغلول) : ٣٢ برقم ٧٥ ، [وفي طبعة اخرى : ٤٨ برقم ٧٦] ، بسنده : .. عن خالد بن عبد اللّه أنّه كان يقول : أول غزاة غزاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم عسفان ، وفي صفحة : ٦٦ (تحقيق زغلول ، أو صفحة : ٨٢ برقم ١٨٩) ، بسنده : .. قال : سمعت جابر بن عبد اللّه يقول : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أول ما غزا عسفان ، ثمّ رجع.

قال السيوطي في الوسائل في معرفة الأوائل : ٨١ ـ ٨٢ : أول غزوة غزاها رسول اللّه (ص) بنفسه غزوة ودان ، في صفر من السنة الثانية قبل بدر ، ولم يحصل فيها تلاق ، وصرّح بذلك المسعودي في مروج الذهب ٢/٢٨١ أيضا ، وفي كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري : ٨٢ ـ ٨٣ [الطبعة المحقّقة ١/١٧١ ، وفي طبعة ١/١٨٢] : إنّ أول غزوة غزاها بنفسه (ص) [غزوة] الأبواء ، وهي غزوة ودان ، ثمّ قال : خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم النصف من صفر يوم الاثنين من السنة الثانية من الهجرة.

ولاحظ : الأوائل لأبي بكر الجراعي الحنبلي : ١١٣ ، والسيرة الحلبية ١/٥٩١ ، وجاء في طبقات ابن سعد ٣/٢ ق ١ مسندا ـ قال : غزونا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم أول غزوة غزاها : الأبواء.

(١) كذا ، والظاهر : ودان ، كما صرّح بذلك أبو جعفر البغدادي في المحبر ، وابن قتيبة في المعارف : ١٥٢ ، والطبري في التاريخ ٢/٤٠٣ .. وغيرهم. قال : .. بعد ستة أشهر [من الهجرة إلى المدينة] ، ثمّ قال : ثمّ غزا عيرا لقريش بعد شهر وثلاثة أيام ، ثمّ غزا في طلب كرز حتّى بلغ بدرا بعد عشرين يوما ، وقد نسب ذلك إلى الحموي في معجم البلدان.

٣٥٧

وهي الأبواء (١) ، ثمّ بواط (٢) بناحية رضوى (٣) ، ثمّ العشيرة (٤) ..

__________________

أقول : لا توجد بلدة بهذا الاسم ، والصحيح : ودّان ، قرية بين مكة والمدينة بينها وبين هرشي ستة أميال ، وبينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال قريب من الجحفة.

انظر : مراصد الاطلاع ٣/١٤٢٩ ، ومعجم البلدان ٥/٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، وعليه فليست هي وران ، كما ليست هي الأبواء.

(١) وهي أولاها ، سنة اثنتين ، استهلّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم غازيا لليال مضت من صفر ، فوادع بني ضمرة وكتب لهم كتابا ، ورجع سلام اللّه عليه وآله ولم يلق كيدا ، وذاك لمستهلّ شهر ربيع الأوّل ، كما قاله غير واحد منهم : أبو جعفر البغدادي في المحبّر : ١١٠.

(٢) وهي على ثلاث مراحل من المدينة في طريق الشام.

أقول : بواط ـ بالضم ، وقيل : بالفتح وآخرها طاء مهملة ـ واد من أودية القبليّة ، وهي جبل من جبال جهينة بناحية رضوى.

لاحظ : مراصد الاطلاع ١/٢٢٨ ، ومعجم البلدان ١/٥٠٣ .. وغيرهما.

(٣) الأولى أن يقال : إلى ناحية رضوي ، أو من ناحية رضوى ، كما في تاريخ الطبري ، وهي في السنة الثانية ، خرج فيها يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر ، ثمّ رجع يوم الاثنين لعشر بقين من شهر ربيع الآخر ، ولم يلق صلوات اللّه عليه وآله كيدا.

أقول : رضوى ؛ جبل بين مكّة والمدينة قرب ينبع على مسيرة يوم منها ، وعلى ليلتين من البحر ، يزعم الكيسانية أنّ محمّد بن الحنفية مقيم به حي يرزق!

لاحظ : مراصد الاطلاع ٢/٦٢٠ ، ومعجم البلدان ٣/٥١.

(٤) ويقال لها : ذات العشيرة ، ويقال لها : العشير ، والعشيرة ، وهي من بطن ينبع ، والمراد هنا منها : ذو العشيرة ؛ التي غزاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بين مكّة والمدينة من ناحية ينبع ، وقيل : العشيرة : حصن صغير بين ينبع والمروة. ـ

٣٥٨

.. ثمّ بدر الكبرى (١) ، ثمّ بدر (٢) التي قتل فيها قريشا (٣) ..

__________________

انظر : مراصد الاطلاع ٢/٩٤٣ ، ومعجم البلدان ٤/١٢٧ ـ ١٢٨ ، وكانت في السنة الثانية من الهجرة أيضا مستهلّ شهر جمادي الاولى ، ورجع منها لثمان بقين من جمادى الآخرة ، بعد أن وادع فيها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة ، وكتب لهم صلوات اللّه عليه وآله كتابا ، ولم يلق كيدا.

وحكى المسعودي في مروجه ٢/٢٨٢ قولا بأنّ أول غزوة غزاها (ع) ذات العشيرة.

(١) ويقال لها : بدر الأولى ؛ خرج لها يوم الاثنين لاثنتي عشر خلتا من جمادي الآخرة ، ورجع لأيام بقين منه ولم يلق كيدا. انظر المعارف : ١٥٢ ـ ١٥٨.

قال السيوطي في الوسائل في معرفة الأوائل : ٨٢ : أوّل غزواته التي وقع فيها القتال : غزوة بدر.

وانظر : تاريخ الطبري ٢/١٣١ (بيروت الأعلمي).

ثمّ ينبع ، خرج صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم الخميس لليلتين خلتا من شعبان حتّى بلغ ينبع ورجع ولم يلق كيدا.

ثمّ خرج ـ روحي له الفداء ـ يوم الثلاثاء لأربع عشرة خلت من شعبان حتى بلغ سفوان [من ناحية بدر] ، وكتب بينه وبين بني غفار كتاب مدامجة ، وبينه وبين أسلم أيضا ـ ولم يلق كيدا ـ قالها في المحبر : ١١١.

(٢) أقول : بدر ـ بالفتح ثمّ السكون ـ ماء مشهور بين مكّة والمدينة أسفل وادي الصفراء ، بينه وبين الجار ـ وهو ساحل البحر ـ ليلة ، قاله في المراصد ١/١٧٠ ـ ١٧١ ، وكذا جاء في معجم البلدان ١/٣٥٧ ـ ٣٥٨ ، ومن عدّ الاولى بدر الاولى ، عبّر عن هذه ب‌ : بدر الكبرى ، أو بدر الثانية ، كالمسعودي في مروج الذهب ٢/٢٨٠ .. وغيره.

(٣) وهي غزوة البطشة الكبرى ، خرج صلوات اللّه عليه وآله يوم الأربعاء لثمان خلون من شهر رمضان فظفر وأثخن في قريش قتلا وأسرا ورجع ظافرا غانما يوم الأربعاء لثمان بقين من شهر رمضان.

٣٥٩

.. ثمّ غزوة بني سليم ـ وتسمّى : غزوة الكدر (*) (١) أيضا ـ ، ثمّ غزوة السويق (٢) ، ثمّ غزوة غطفان ـ وهي غزوة

__________________

(*) بضم الكاف وإسكان الراء. [منه (قدّس سرّه)].

(١) أقول : الكدر ـ جمع أكدر ـ ويقال لها : قرقر الكدر ، وقيل : قرقرة الكدر .. وقيل : بناحية المعدن قريبة من الأرحضيّة بينها وبين المدينة ثمانية برد. وقيل : ماء لبني سليم به غزوة للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، قاله في المراصد ٣/١١٥٢ ، ومعجم البلدان ٤/٤٤١ ـ ٤٤٢.

وقد خرج لها يوم الجمعة غرّة شوال ورجع لعشر بقين منه ، وقد ساق النعم والرعاء ولم يلق كيدا.

(٢) كان أبو سفيان بن حرب أقبل إلى المدينة ، فخرج النبي (ص) يوم الأحد لسبع بقين من ذي الحجة فهرب أبو سفيان وأصحابه وتركوا أزوادهم فأخذها المسلمون ورجع صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لثمان بقين من ذي الحجة ، كذا في المحبر : ١١١ ـ ١١٢ ، ولعلّ الصواب : خرج لثمان ورجع لسبع بقين .. وبلغ فيها الموضع المعروف ب‌ : قرقرة الكدر ، كما قاله في مروج الذهب ٢/٢٨١.

كل هذا في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة ، ثمّ في السنة الثالثة ، أجلى صلوات اللّه عليه وآله بني الفطيون من غير قتال ، فلحقوا بالشام ، ثمّ خرج صلّى اللّه عليه وآله في عقبة المحرم إلى بني أنمار بن بغيض بذي أمر فغنم ، وقسّم فيها للفارس ثلاثة أبعرة وللراجل بعيرا .. ورجع في خمس خلون من صفر ولم يلق كيدا.

وحاصر بني قينقاع يوم الأحد لسبع خلون من صفر ، فأجلاهم ووهب دماءهم لعبد اللّه بن أبي سلول ـ وكانوا حلفاءه ـ ورجع في صفر ولم يلق كيدا. انظر ـ مثلا ـ : تاريخ الطبري ٢/١٧٥ و ٢٢٩ (طبعة الأعلمي).

٣٦٠