تنقيح المقال - ج ٢

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-383-6
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٦٠

ثمّ إنّه قد يوجد في بعض الموارد واحد من أسباب التمييز دون غيره ، وقد يتعدّد ، لكن مع توافق الجميع في المفاد فلا إشكال ، وإنّما الإشكال مع وجود المتعدد واختلاف المفاد ، فهل لبعضها ترجيح على البعض؟ وهل يرجّح بالكثرة في جانب أم لا؟

الأظهر أنّه لا ضابط لأحد الوجهين ، ولا دليل عليه ، بل الوجه أنّ المدار على قوّة الظن ، فقد يكون في واحد أقوى منه في متعدد ، بل قد يكون في واحد في خصوص مورد ولا يكون فيه في غيره ، فالمدار على الاطمئنان بالتمييز ، فإن حصل وإلاّ لزم إجراء حكم الضعيف على ذلك السند ، إذا كان الاشتراك بين ممدوح ومقدوح.

وأمّا إذا كان الاشتراك بين الثقات فلا نحتاج إلى التمييز وبنينا على صحة السند (١).

__________________

(١) فتحصّل أنّ عمدة البحث فيما لو وقع الاشتراك بين الرجال في أسمائهم فقط ، أو فيها وفي أسماء آبائهم فصاعدا .. ويحصل التمييز لمعرفة مواليدهم ووفياتهم ومعرفة الموالي منهم ، ومعرفة الإخوة والأخوات ، ومعرفة أوطانهم وبلدانهم .. وأشباه ذلك ، فلا بدّ من التمييز بينهم ، ومن أهمّها معرفة طبقاتهم ، والطبقة ـ اصطلاحا ـ عبارة عن جماعة اشتركوا في السن ولقاء المشايخ ، وهو طبقة ، ثمّ من بعدهم طبقة اخرى .. وهكذا.

ولنا هنا مباحث مهمة جدا في أقسامها ومراتبها .. وغير ذلك تعرضنا لها في هوامش مقباس الهداية ومستدركاته ، فلاحظ.

وانظر : حاوي الأقوال ١/١٠٨ ـ ١٠٩.

١٨١
١٨٢

الفائدة السادسة عشرة

إنّ ممّا شاع بين أواخر علماء الفن الحكم باتحاد اثنين جزما أو ظنا أو احتمالا بمجرد اشتراكهما في الاسم ، أو فيه واسم الأب ، أو فيهما وفي الكنية ، أو في الكنية ، أو في اللقب فقط (١) ، ولهم في ذلك سابق من الأوائل في جملة من الموارد ، فترى مثلا ذكر ابن داود (٢) إبراهيم بن زياد أبا أيّوب الخزّاز وضبطه : بالخاء المعجمة ، والراء المهملة ، ثمّ الألف ، ثمّ الزاي ، ثمّ قال : وقيل : ابن عيسى ، وقيل : ابن عثمان (ق) ، (م) [أي من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام والإمام الكاظم عليه السلام] ، (كش)(جش) [أي ذكره الكشي والنجاشي في رجاليهما] ثقة ممدوح .. مع أنّ الذي ذكره النجاشي (٣) هكذا :

__________________

(١) عنونة هذه المسألة بشكل آخر ؛ حيث ذهب الجزائري في رجاله حاوي الأقوال ٤/٤٥١ إلى ما نصّه : واعلم ـ أيضا ـ أنّ مجرد الاشتراك في الاسم وتعدّد المسمّى ـ كما يقع في كتب الرجال ـ لا يوجب الاشتراك المخل بالرواية ؛ فإنّ كثيرا من الرجال قد ذكر في الكتب المصنّفة في الرجال وعدّ من رجال الأئمّة [عليهم السلام] ولم يعثر له على رواية ، ولم يذكر في سند حديث ، وإنّما الموجب للاشتراك ورود ذلك الاسم في الأحاديث والروايات وحصل الاتفاق في الأخذ والطبقات.

(٢) رجال ابن داود : ٣١ [طبعة جامعة طهران (عمود) : ١٤ برقم (١٩)].

(٣) رجال النجاشي : ١٥ [طبعة الهند ـ أوفست الداوري ، وصفحة : ٢٠ برقم (٢٥) من طبعة جماعة المدرسين ، و ١/٩٧ برقم (٢٤) طبعة دار الأضواء بيروت].

١٨٣

إبراهيم بن عيسى بن أيّوب الخزّاز (١) ، وقيل : إبراهيم بن عثمان ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهما السلام ، ذكر ذلك أبو العبّاس في كتابه ، ثقة كبير المنزلة .. إلى آخره (٢).

وليت شعري! أين إبراهيم بن زياد أبو أيّوب الخزّاز ـ بزائين (٣) ـ من إبراهيم ابن عيسى بن أيّوب الخرّاز (٤) ـ بالراء ، والزاي ـ! ، وكذلك الكشي (٥) قال : أبو أيّوب إبراهيم بن عيسى الخزّاز ، قال : محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن ، أبو أيّوب كوفي اسمه : إبراهيم بن عيسى ، ثقة. انتهى.

وليت شعري! أي مناسبة بين ابن زياد وابن عيسى وابن عثمان؟! وكيف جاز لابن داود (٦) نسبة توثيق إبراهيم بن زياد إلى النجاشي والكشي ، مع عدم ذكر لابن زياد في كلامهما بوجه لمجرّد توثيقهما لمن وافقه في الاسم والكنية ، مع

__________________

(١) في المصدر (في بعض طبعاته) : أبو أيوب الخراز ، وما في المتن جاء في طبعة بيروت.

(٢) ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام : ١٥٤ برقم ٢٤٠ ، وفي فهرسته : ٨ برقم ١٣ [الطبعة المرتضوية النجف ، وفي طبعة مشهد : ١٤ ـ ١٥ برقم (٢١)] ، بعنوان : إبراهيم بن عثمان ، ولاحظ : ترجمته في رجال الكشي : ١٧٩ ـ ١٨٠ برقم ٣١٢ ، ولسان الميزان لابن حجر ١/٨٨ برقم ٢٥١.

(٣) ضبطه ابن داود في رجاله (عمود) : ١٤ برقم ١٩ : الخراز ـ بالحاء المعجمة والراء المهملة والزاي ـ ثمّ قال : وقيل : ابن عيسى ، وقيل : ابن عثمان.

(٤) في الأصل : الحزّاز.

(٥) اختيار معرفة الرجال : ٣٦٦ برقم ٦٧٩.

(٦) رجال ابن داود : ٣١ برقم ١٩ [طبعة جامعة طهران (عمود) : ١٤] ، ولاحظ ما هناك من تعليقة للسيد محمّد صادق بحر العلوم رحمه اللّه.

١٨٤

المخالفة في اسم الأب؟!

ومن أين ثبتت عنده وثاقة إبراهيم بن زياد وأنّه من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام؟!

ومن أين تحقّق عنده أنّه الخرّاز ـ بالخاء ثمّ الراء ـ دون الخزّاز ـ بالخاء ، ثمّ الزاي ـ؟!

وكيف جعل ابن زياد ـ الذي احتمل كونه ابن عيسى ، أو ابن عثمان ـ من أصحاب الصادقين عليهما السلام ، وجعل ابن عثمان ممّن لم يرو عنهم عليهم السلام؟!

إن هذا إلاّ قولا جزافا ، ومثله يجلّ عن مثله.

وقد جرى الأواخر على هذا المسلك في جملة كثيرة من الرجال كما ستسمع ـ سيّما الناقد والوحيد ـ وذلك في نظري القاصر خطأ صرف ، لا يساعد عليه طريق شرعي بعد كونه حدسا صرفا ، وتخمينا محضا .. وأي ملازمة بين اتّحاد الاسم ، أو اسم الأب ، أو الكنية ، أو اللّقب ، وبين اتّحاد الشخصين بعد وجود المايز بينهما؟ وأي ميزان شرعي يساعد على نسبة توثيق رجل إلى شخص ، مع كون شهادة ذلك الشخص فيمن يخالف ذلك الرجل في اسمه ، أو اسم أبيه ، أو لقبه ، أو كنيته؟ وهل يكون ذلك إلاّ كذبا أو بهتانا إلاّ مع العلم بإرادة الموثّق المذكور ذلك؟ وأنى له ذلك؟! وعليه فما ثمرة احتمال الاتّحاد ـ الذي أكثر منه الوحيد في تعليقه على رجال الميرزا ، بل قد صدر من كبراء الفن احتمال الاتحاد أو الجزم به في موارد لا يساعد على الاتحاد شاهد ، بل

١٨٥

الشواهد على خلافه كما تسمع ذلك مع ما فيه من العلاّمة (١) في : إبراهيم ابن صالح الأنماطي (٢).

__________________

(١) رجال العلاّمة (الخلاصة) : ١٩٨ برقم ٦.

انظر : تنقيح المقال ١/٢٠ ـ ٢١ [من الطبعة الحجرية ، وفي المحقّقة ٤/٧٩ ـ ٨٥ برقم (٣١٨ ـ ٣٢١)].

(٢) تعرّض لهذا ـ بشكل آخر ـ الشيخ عبد النبي الجزائري في آخر كتابه حاوي الأقوال ٤/٤٥٠ ـ ٤٥١ (التنبيه الرابع) بقوله : قد توهّم جماعة من المتأخرين الاشتراك في أسماء ليست مشتركة وحكمها [كذا] بتعدد المسمّى وقوعه في كتاب الرجال مكررا ، بل ربّما وجد في الكتاب الواحد مكررا ، فيوجد في بعضها موصوفا بصفة مغايرة لما يوجد في البعض الآخر ؛ كصفات النسب .. أي الآباء ، أو البلدان ، أو الصنائع .. أو غير ذلك ، والحال أنّها لمسمّى واحد ، قال : ويستعان على ذلك بالممارسة لكتب الاصول المدوّنة في ذلك ، وبالنظر إلى تتمة الكلام والقرائن الحالية التي يرشد إليها كثرة الممارسة.

ولاحظ : رجال الخاقاني : ١٨٥ ـ ١٨٨ ، وقال فيه [ذيل الفائدة السادسة عشر من رجاله] : ٢٠٥ : واعلم أنّه قد يعبّر عن بعض الرواة باسم مشترك يوجب الالتباس على بعض الناس ، ولكن كثرة الممارسة تكشف في الأغلب عن حقيقة الحال ، ولذلك موارد كثيرة ، والمرجع في ذلك إلى المميزات ، وهي معتبرة وإن أفادت الظن ، لما عرفت فيما تقدم من كفايته ..

كما وقد عنون الخاقاني في رجاله : ٨ ـ ٩ المسألة بشكل آخر ، حيث ذهب إلى أنّ كتب العلم والأحاديث والتواريخ والسير ليست من الخطابات والأقوال اللفظية التي قام الإجماع من أهل اللسان بالخصوص عليها ، ولا من الألفاظ ، كما عليه السيرة القطعية قديما وحديثا في كل عصر وزمان وما جرت عليه طريقتهم وديدنهم من اعتبار المكاتبات

١٨٦

والعجب كلّ العجب ممّن استخف بما صدر من الشيخ رحمه اللّه من إثبات كلّ رجل وحده بعنوان تحت ذلك العنوان ، وعدم حكمه باتّحاد اثنين متّفقين اسما مع اختلافهما في وصف من الأوصاف ، مع أنّ ذلك ينبغي أن يمدح به الشيخ رحمه اللّه بأن يقال : إنّه لا يزيد في شهادته حرفا ولا ينقص حرفا .. وهل الديانة تقتضي إلاّ ذلك؟!.

والاعتذار بأنّ الحكم بالاتحاد ـ حيث ما صدر منهم ـ من باب الظن بالاتحاد ، مع ما تقرّر من حجيّة الظنون الرجالية.

مدفوع ؛ أولا : بأنّ الكلام في حصول الظن بمجرد الموافقة في الاسم ، أو اسم الأب ، أو الكنية ، أو اللقب ، مع المخالفة في الباقي ، بل هو عند التأمّل مجرّد حدس وتخمين.

وثانيا : إنّ الظنون الرجالية إنّما تعتبر إذا رجعت إلى حال الرجل من باب انسداد باب العلم فيه ، والالتجاء إلى الأخذ بالظن فيه ، ولا ربط للاتحاد والتعدّد بذلك ؛ ضرورة أنّه إن أخذ بظاهر لفظ أهل الفن ـ وهو التعدّد ـ لم يلزم محذور ، ولم يتعطل حكم ، بل البناء على التعدد وترتيب آثاره ما لم يثبت الاتحاد نوع تثبّت مأمور به ، فتدبّر جيدا.

__________________

والمراسلات الواقعة فيما بينهم في زمن الأئمّة (ع) إلى يومنا هذا من غير فرق بين الأحكام الشرعية والموضوعات الخارجية .. والكل إنّما جاء من السيرة التي مرجعها إلى الإجماع العملي .. وما خلا من الظنون عن دليل بالخصوص فهو غير معتبر لعدم الدليل ، والأصل العدم.

١٨٧
١٨٨

الفائدة السابعة عشرة

أنّه هل يجوز الرجوع إلى أهل التواريخ والسير من العامّة وأهل سائر المذاهب الفاسدة إذا حصل الظن من قولهم في ذلك الجرح والتعديل ، والأسماء والألقاب والكنى ، وأسباب المدح والذّم ، والاتّحاد والتعدّد ، والتمييز (١) .. وغير ذلك ممّا يبحث عنه في علم الرجال ، أم لا؟ وجهان ، بل قولان ، بناهما صاحب التكملة على أنّها من باب الرواية ، أو من باب الشهادة ، قال (٢) : أمّا على القول بأنّها من باب الرواية ؛ فيتبع القول في العدالة المعتبرة فيها (٣) ، فإن اعتبرنا (٤) مجرّد التحرّز عن الكذب ، كان المدار في قبول قول المزكي والجارح على مجرّد معرفة أنّه متحرّز من الكذب ، وإن اعتبرنا (٥) ما اعتبرناها (٦) في إمام الجمعة والجماعة والبيّنة

__________________

(١) في تكملة الرجال : والذم والكتب والتمييز ..

(٢) تكملة الرجال للشيخ عبد النبي الكاظمي ١/١٦ ـ ١٧ باختلاف كثير ، أشرنا للمهم منه.

(٣) في المصدر : هنا ، بدلا من : فيها ، وهو الظاهر.

(٤) في التكملة : اعتبرناها ، وهو أولى.

(٥) في التكملة : اعتبرناها ، وهو أولى.

(٦) كذا ، ولعلّه : كما اعتبرناها.

١٨٩

والمفتي (١) كان ذلك غير كاف.

ثمّ قال : والأوّل أظهر عندي.

وأمّا على أنّها من باب الشهادة ؛ فمقتضاها اعتبار (٢) جميع شروطها في [عدالة] (٣) المزكي والجارح بالمعنى الأخص ، وعدم قبول شهادة الفرع بأكثر من واسطة ، وإنّها لا تثبت بالكتابة .. وغير ذلك ممّا اعتبر في باب الشهادات. وهذا يسقط الاستدلال بجل الأخبار إن (٤) لم يكن كلّها ، ولا أرى أحدا يلتزمه من أهل الرجال ، وتغايرها في جميع ذلك يسقط أنّها من باب الشهادة.

ثمّ قال : وهل الرواية الواردة في مدح شخص وذمّه من باب الشهادة ـ فيحتاج إلى تعدّد الرواية ـ أو من باب رواية الحديث ـ كالأخبار (٥) الواردة في الأحكام الشرعية ـ فتكفي فيه الرواية الواحدة؟ نقل السمي (٦) الشيخ عبد النبي الجزائري في رجاله (٧) قولين في ذلك ،

__________________

(١) لا يوجد : والبينة والمفتي .. في المصدر المطبوع.

(٢) في المصدر بدل (اعتبار) : أن يكون شروطها .. والعبارة غير مستقيمة كما لا يخفى.

(٣) ما بين المعقوفين مزيد من المصدر.

(٤) هنا واو في المصدر قبل : إن ، ولا معنى لها.

(٥) لا توجد : كالأخبار ، في المصدر ، والمعنى لا يستقيم بدونها.

(٦) في التكملة : سميّي ، والمعنى واحد ، إذ الكلام للشيخ عبد النبي الكاظمي في التكملة.

(٧) حاوي الأقوال في معرفة الرجال ١/١٠٢ ـ ١٠٤ (الرابعة) وما ذكر عنوان المسألة.

١٩٠

وأجرى (١) الخلاف السابق ، والحقّ أنّها كالرواية ؛ لأنّها رواية عن المعصوم عليه السلام ونقل عنه ، فيكفي فيه الواحد ، بناء على أنّ خبر الواحد حجّة. وكلّما دلّ على حجيّة خبر الواحد يجري هنا ودال عليه. انتهى ما في التكملة.

وأقول : قد نقّحنا في الفوائد السابقة عدم كون الجرح والتعديل .. ونحوهما من الشهادة المصطلحة قطعا ، بل وعدم كونها من باب الرواية ، وإنّما هو من باب الوثوق والاطمئنان ـ كما عليه بناء العقلاء ـ ، أو من باب مطلق الظن في الرجال ، كما ادّعوا الإجماع عليه ، وعلّلوه بانسداد باب العلم فيه ، وحينئذ فالتحقيق هو التفصيل بين الجرح والتعديل وبين سائر ما يذكر في علم الرجال ممّا يرجع إلى الأسماء والألقاب والكنى والأنساب .. ونحو ذلك ؛ ضرورة حصول الوثوق والظن بقول المؤرّخ وإن كان من أهل المذاهب الفاسدة فيما

__________________

أقول : هو أول كتاب رجال رتّب فيه على أربعة أقسام ؛ بحسب القسمة الأولية للحديث في علم الدراية ـ أعني الصحيح ، والموثق ، والحسن ، والضعيف ـ وقد ترك فيه الرجال المجاهيل.

توفّي طاب ثراه في ١٨ جمادى الآخرة سنة ١٠٣١ ه‌ ، ودفن في شيراز ، وترجمناه في الجزء الرابع من مقباس الهداية ٤/٣٧ ـ ٣٩ تحت رقم (٢٧) [الطبعة المحقّقة الاولى] تبعا للمصنف رحمه اللّه ، وذكرنا لترجمته عدّة مصادر ، كما ترجمه المصنف طاب رمسه في تنقيح المقال ٢/٢٣٢ (من الطبعة الحجرية).

(١) في المصدر زيادة : فيه ، قبل : وأجرى ، ولعلّ كونها بعدها أولى.

١٩١

يرجع إلى غير الجرح والتعديل ، وعدم حصول الوثوق ـ بل ولا الظنّ ـ في الجرح والتعديل.

أمّا في جانب الجرح ؛ فلغلبة الظنّ بدعاء (١) الاختلاف في المذهب والعداوة المذهبيّة إلى الجرح.

وأما في جانب التعديل ؛ فللاختلاف الواقع بيننا وبينهم في معنى العدالة.

نعم ؛ يمكن جعل توثيقهم للإمامي مدحا مدرجا له في الحسان ، كما أنّه إن علم اتّحاد مذهبه في العدالة مع مذهبنا وحصل الاطمئنان من قوله أخذ به بعنوان التوثيق ، وكذا الشهادة منهم بكون الإمامي صدوقا ، صحيح الحديث .. ونحو ذلك مقبولة لا بعنوان كونها شهادة ، بل لحصول الوثوق والظن منها ، سيّما من متعصّب في مذهبه يصعب عليه القول في الشيعي بالخير ، وحينئذ فبعد إحراز كون الرجل إماميّا يكون ذلك مدحا مدرجا له في الحسان.

ثمّ إني بعد حين عثرت على كلام لصاحب التكملة (٢) ، في قبول

__________________

(١) كذا ، والظاهر : بداعوية .. ، أو : بدعوى ..

(٢) تكملة الرجال ١/١٥٧ ـ ١٥٨ في ترجمة : أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ، وسبق أن ذهب إليه في ترجمة أبان بن عثمان ١/٧٧ ـ ٧٨ ، وحكي إنّه مختار العلاّمة المجلسي رحمه اللّه ـ كما في ترجمة سهل بن أحمد [رجال المجلسي : ٢٢٣ برقم (٨٦٧)] ـ

١٩٢

الجرح والتعديل من غير الإمامي الثقة في حق الإمامي ، رجّح فيه التفصيل بقبول التعديل والتزكية دون الجرح ، محتجّا للأوّل ب‌ : حصول الظن بقوله أكثر من قول المعدّل إذا كان إماميا ؛ لأنّ الطبيعة الغريزيّة النفسانية تقضي بكتمان الخصال المحمودة والفضائل للأعداء (١) ، ولا سيّما أعداء الدين والمذهب (٢) ، بل تقتضي إظهار المثالب وإخفاء المناقب ، بل البحث والفحص عن المثالب والتجسس عن الخصال المذمومة ، بل يرى الخصال المحمودة مذمومة ، كما قال الشاعر :

وعين الرضا من (٣) كلّ عيب كليلة

كما أنّ عين البغض تبدي المساويا

وهذا يبعّد الكذب متعمّدا (٤) والتقوّل ، ويكشف (٥) عن أنّ الممدوح على

__________________

ولم تثبت عندنا ، ومال إليه الشيخ البهائي في كتابه مشرق الشمسين : ٦ ـ ٧ ، إلاّ أنّه عدل عنه إلى القول بعدم القبول مطلقا ، كما في الكتاب المزبور : ٣٤ ، وهو مختار الشيخ محمّد حفيد الشهيد الثاني في شرح الاستبصار ، كما حكاه الكاظمي في التكملة ١/٣٤٢.

(١) في المصدر : عن الأعداء ، وهو أولى.

(٢) لا توجد : والمذهب ، في التكملة المطبوعة.

(٣) في المصدر : عن ، بدلا من : من.

(٤) في التكملة : تعمدا.

(٥) في المصدر : ويدل ، بدلا من : ويكشف.

١٩٣

كمال الصفاء وطهارة الذات ، وأنّه مشهور لا يمكن إنكاره ، فيحصل الظن القوي بصدقه ، ويبعّد الخطأ والاشتباه.

ثمّ احتجّ للثاني ب‌ : أنّ احتمال الكذب والتقوّل فيه (١) قوي ، والداعي إليه موجود جلي ـ وهو البغضاء والعدوان ـ والعدالة المفروضة في العدل (٢) ربّما تدعوه إلى الجرح ، وتريه الحسن قبيحا ، والخصلة المحمودة ذميمة ، والفعل المشترك بين الوجه الحسن والوجه المذموم إلى حمله على الوجه المذموم .. وهذا ربّما يكون منغرسا في النفوس وهي (٣) غافلة عنه. هذا كلامه رفع أعلامه.

ولكنه في الحقيقة ليس تفصيلا في أصل المسألة ، بل تقريبا صغرويا ؛ فإنّا بعد دوران أمرنا مدار الوثوق والاطمئنان يلزمنا اتّباع الموارد الشخصية مدار الاطمئنان جرحا كان أو تعديلا ، فقد يكون غير إمامي يدعوه إلى توثيق الإمامي داع شخصي عقلائي ، كما قد يدعو إماميا إلى جرح شخص داع شخصي .. فإدارة الأمر مدار الاطمئنان في الموارد الشخصية هو المتّعين (٤) ، واللّه العالم.

__________________

(١) لا يوجد : فيه ، في المصدر.

(٢) في التكملة : المعدّل ، وهو الظاهر.

(٣) لا توجد في المصدر : وهي ، ولا يتمّ المعنى إلاّ بها.

(٤) فيصبح هذا ـ في الواقع ـ قولا رابعا في المسألة.

١٩٤

تذييل :

لا يخفى عليك أنّ من تتبّع كتب رجال العامة ، وجد إعمال أكثرهم التعصّب في جملة من الموارد ، بإعظام من له مضادّة مع أهل البيت عليهم السلام ، وتوهين من له رواية منقبة لهم. فتراهم ـ مع اتّفاقهم على عدالة كلّ صحابى ـ إذا وجدوا للصحابي رواية في مناقبهم عليهم السلام ـ سيّما أمير المؤمنين وسيّدة النساء سلام اللّه عليهما ـ يعقّبون الشهادة بصحبته بقول : واه! أو موهون! .. أو نحو ذلك. وترى أكثرهم يجعلون الرفض والتشيع فسقا مسقطا لخبر الرجل عن الاعتبار مطلقا حتّى في أحكام اللّه سبحانه.

وفصّل (*) في ذلك ابن الأثير بين من يتعرّض للشيخين وبين من لا يتعرّض لهما ، بل يقول بخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأفضليّته ،

__________________

(*) قد اختار هذا التفصيل الذهبي ، وقد نقلنا كلامه في ترجمة أبان ، فلاحظ. [منه (قدّس سرّه)].

انظر : تنقيح المقال ١/٣ ـ ٥ [الطبعة الحجرية ، وفي الطبعة المحقّقة ٣/٩٧ ـ ٩٨ تحت رقم ٣١] وذلك نقلا عن ميزان الاعتدال ١/٥ برقم ٢ ، وجعل البدعة ضربان : صغرى ، وكبرى ، ومثّل للأخير بقوله : كالرفض الكامل ، والغلو فيه ، والحط على أبي بكر وعمر ، والدعاء إلى ذلك .. قال : فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة .. إلى آخره.

١٩٥

بقبول خبر الثاني ؛ لأداء تركه إلى سدّ باب الأخبار والأحكام ، وعدم قبول الأوّل ؛ لكفره بالتعرّض لهما وسبّهما ..

وهذا من غرائب الكلام ، وسخائف الأوهام ؛ ضرورة أنّ من أعذر عائشة في الخروج على إمام زمانها ، وأعذر معاوية في سب علي بن أبي طالب عليه السلام ـ الخليفة الذي لم يكفر باللّه طرفة عين ، مباشرة وتسبيبا ـ ألف شهر ، كيف لا يعذر من سب الخليفة الذي قضى برهة من عمره بالشرك؟!!.

فإن كان ذلك عن اجتهاد يعذر صاحبه فيه فكذا هذا ، بل وزر ذلك أعظم ؛ لأنّه الذي فتح باب سب الخلفاء ، ولو لا ذلك لما سب خليفة على وجه الأرض إلى آخر الدنيا ، وليس غرضي بما قلته تجويز سب الخلفاء ، بل إبداء تناقص أقوال علماء العامة ، وتهافت مبانيهم ، وابتناء مذهبهم على القول الزّور.

ثمّ إنّه قد ظهر لي بالتتبّع الأكيد ابتناء مذهب العامة من بدو الأمر على الجعل والتصنّع والكذب والاختلاق ، وآثار الكذب على جملة من أخبارهم لائحة ، مثل ما رووا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من أنّ : أبا بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنة (١) .. فإنّ النيقد البصير يجد أنّه من المجعولات ؛

__________________

(١) تعرّض لهذا الحديث الموضوع جمع من أعلامنا وفنّدوه ؛ ممّا أوجب اعتراف الكثير من علماء العامة بوضعه ، وأوّل من أشار لوضعه مولانا الإمام الباقر عليه السلام في حديث مفصل أورده سليم بن قيس الهلالي في كتابه ٢/٦٣٠ و ٧٣٦ [من الطبعة المحقّقة ، وفي

١٩٦

ضرورة أنّ من ضروريات الدين المتواتر بها الأخبار عن الصادق الأمين صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «إنّ أهل الجنة جرد مرد» (١) ، ليس فيهم كهل ولا شيخ (٢) ، وإلاّ لقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حقّ الحسنين عليهما السلام إنّهما سيّدا كهول أو شيوخ أهل الجنة .. لأنّهما حين الفوت كانا فيما بعد سن

__________________

طبعة بيروت : ١٧٢] ، وحكاه عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحاره ٢/٢١٨ حديث ١٤ ، و ٣٣/٢٢٤ حديث ٥١٣ ، ومثله عنه عليه السلام في الاحتجاج ٢/٤٤٦ ـ وعنه في بحار الأنوار ٥٠/٨٠ حديث ٦ ـ ، وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢/١٨٧ ـ وعنه في بحار الأنوار ٤٩/١٩٣ ـ في محاجة المأمون مع جمع من أعلام علماء العامة ، حيث فيه : فقد جاء أنّ النبي (ص) قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة!! قال المأمون : هذا حديث محال .. إلى آخره.

وعقد البياضي في الصراط المستقيم ٣/١٤٢ ـ ١٤٣ فصل في روايات اختلقوها ليستدلّوا على خلافتهما بها .. وذكر هذه الرواية في أولها.

(١) روى في الاختصاص : ٣٥٨ ـ وعنه في بحار الأنوار ٨/٢٢٠ حديث ٢١٤ ـ مسندا عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «إنّ أهل الجنة جرد مرد مكحلين مكللّين ..» ، وفي المناقب لابن شهر آشوب ١/١٤٨ [من طبعة قم ، وفي الطبعة الأولى ١/١٠١] .. وعنه في بحار الأنوار ١٦/٢٩٥ ، وحلية الأبرار ١/٢١٢ ، ومستدرك وسائل الشيعة ٨/٤١١ حديث ١٠ عنه صلّى اللّه عليه وآله أنّه قال : «إنّ أهل الجنة جرد مرد مكحلون ..».

ولاحظ : شرح الأخبار ٣/٥٦ ، وفيه زيادة ، وكذا : المبسوط للسرخسي ٣٠/٢١٢ ، والسيرة الحلبية ١/٤٢٥ .. وغيرهما.

(٢) لاحظ : تلخيص الشافي للشيخ الطوسي رحمه اللّه ٢/٢١٩ ، كلّه كلام مقارب ، وكذا في الاحتجاج ٢/٢٤٧ .. وغيرهما.

١٩٧

الكهولة وفي سن الشيخوخة ، وإنما عبّر صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عنهما ب‌ : «سيّدي شباب أهل الجنة» (١) ؛ لأنّ أهل الجنة كلّهم شبان ، فتدبّر جيّدا.

* * *

__________________

(١) هذا حديث مستفيض ، بل متواتر عندنا ، مشهور معروف عندهم ، لم ينكره أحدا منهم ـ ممّا نعلم ـ وقد ورد في الأدعية والزيارات وفي كتب الأخبار والاحتجاج ، بل استشهد به الأئمّة عليهم السلام كثيرا ـ كما في حديث المناشدة وغيره ـ على نحو الإفراد والتثنية .. (سيد) و (سيدا) ، فراجع.

١٩٨

الفائدة الثامنة عشرة (١)

إنّ وصف فقيه عدل ـ كالعلاّمة والمحقّق (٢) .. ونحوهما من الواقفين

__________________

(١) سبق ما يرتبط بالموضوع ـ إلى حد ما ـ في الفائدة الثالثة عشرة ، وفي ما بحثناه في المقدمة عن توثيقات أرباب الرجال والظنون الرجالية .. ولاحظ : رسالة في جواز الاكتفاء في تصحيح الحديث بتصحيح الغير وعدمه للشيخ الكلباسي المطبوعة في رسائله الرجالية ١/٢٣٧ ـ ٣٥٣ فقد فصّل وأطنب.

(٢) ومثله ما لو وقع بعض الرواة في سند ؛ كما يقع ذلك في كلمات العلاّمة قدّس سرّه كثيرا ، وكذا المحقّق الحلي .. وغيرهما ، فقد جاء في : أحمد بن محمّد بن يحيى العطار [الخلاصة : ٢٧٦] ، وأحمد بن عبد الواحد المعروف ب‌ : ابن عبدون [روضة المتقين ١٤/٣٣٠] ، وأحمد ابن محمّد بن الحسن بن الوليد ، والحسين بن الحسن بن أبان [روضة المتقين ١٤/٣٩] .. وغيرهم ، إنّهم يحكمون بصحة الخبر الذي هم في سنده.

ومثله الوحيد البهبهاني في الفوائد الرجالية : ٥٥ ـ ٥٦ [الطبعة المحقّقة من المنهج ١/١٦٠ ـ ١٦٢] ، وكذا في طرائف المقال ٢/٣٥٢ ، ومستند الشيعة ١٩/٣٦٩ ، والمعراج للمحقق البحراني : ٨٨ .. وغيرها.

كما وقع لشيخنا الشهيد الثاني في عدّة مواضع منها في روض الجنان في مبحث توجيه الميت ، حيث وصف حديث سليمان بن خالد بسلامة السند ..

ولعلّه هذا وأمثاله من جهة أنّ الجهل بمشايخ الإجازة غير قادح ، وفيه ما لا يخفى ؛ إذ ينقض عليه بأمثال إبراهيم بن هاشم ، وابن عبدون ـ وهم من أجلاء مشايخ الإجازة حيث توقف في توثيقهم فضلا عن الحكم بحسنهم ـ عدا تصحيح السند بهم ؛ نعم صحّح

١٩٩

بأحوال الرجال ـ بصحّة حديث ، أو كونه موثّقا ، أو حسنا .. بمنزلة ما لو نص على كلّ واحد من رجال سنده بما وصف به السند ، بحيث يدلّ وصفه لسند بالصحة على كون كلّ من رجاله عدلا إماميّا ضابطا ، حتّى يترتّب على المجهول الموجود في ذلك السند حكم الصحة إذا وقع في سند آخر ، وكذا وصفه لسند بالموثقيّة يقتضي ترتيب آثار الموثّق على مجهول الحال من ذلك السند إذا وقع في سند آخر ، وكذا بالنسبة إلى الوصف بالحسن ، أم لا؟ وجهان ، بل قولان ، حكي أولهما عن جمع ، منهم : الشيخ البهائي (١) ، والشيخ محمّد الأمين الكاظمي (٢) ـ صاحب المشتركات ـ ، والميرزا ـ صاحب المنهج (٣) ـ ، وصاحب التكملة (٤) ..

__________________

العلاّمة في الخلاصة [صفحة : ٢٧٨] طريق الصدوق إلى عامر بن نعيم ، وكردويه ، وياسر الخادم وهو فيه ، وعدّت أخباره غالبا من الصحاح ، وهي عند المشهور من الحسان.

(١) الحبل المتين : ٦٤ .. وموارد اخرى من كتبه ، كما في مشرق الشمسين : ٢٧٦ (من الطبعة الحجرية) بعنوان : تبيين.

(٢) هداية المحدّثين ؛ وقد نسبه إليه الشيخ عبد النبي الكاظمي في التكملة ١/١٧ تحت عنوان (مقباس) ، ولم نجده في كتابه.

(٣) منهج المقال ١/٣٧٤ في ترجمة إبراهيم بن مهزيار برقم (١٦٨) ، وكذا في ترجمة أحمد بن عبد الواحد ٢/٩٩ ـ ١٠٠ ، وترجمة الحسن بن متيل : ١٦٠ [من الطبعة الحجرية ، حيث لم يصدر فعلا المحقّق منها] .. ولاحظ : تكملة الرجال ١/٩٨ ـ ٩٩ ، وصفحة : ١٥١. وغيرها وغيرهم.

(٤) تكملة الرجال ١/١٧ ـ ٢٠ تحت عنوان (مقباس).

٢٠٠